جلسة 24 من فبراير سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام.
---------------
(49)
الطعن رقم 535 لسنة 35 القضائية
(أ) إثبات. "القرائن". صورية. وصية.
مجرد تسليم المستند - المطعون عليه بأنه وصية - للمستفيد منه لا يدل بمجرده على تنجيز التصرف.
(ب) حكم. "عيوب التدليل. قصور".
عرض الحكم للمستندات في الدعوى، دون مناقشة دلالتها. قصور.
(ج) حكم. "عيوب التدليل. فساد الاستدلال" صورية.
اعتبار الحكم أن التصرف منجزاً استناداً إلى ما ورد بنصوصه في هذا الخصوص. فساد في الاستدلال.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها بصفتها وصية على ابنتها هبة الله محمد زكي الجزيري استصدرت من رئيس محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد نفسها وضد الطاعنين باعتبارهم ورثة المرحوم محمد زكي الجزيري أمراً بأن يؤدوا لها من تركة مورثهم مبلغ 40000 ج قيمة سند مؤرخ 7 يناير 1957 أقر فيه ذلك المورث بمديونيته في هذا المبلغ لابنتها المذكورة التي أنجبتها منه. تظلم الطاعنون من هذا الأمر بالدعوى رقم 838 سنة 1963 مدني كلي الإسكندرية طالبين إلغاءه، تأسيساً على أن المورث قصد بإقراره في السند المشار إليه الإيصاء لابنته بالمبلغ الوارد به فلا ينفذ إلا في ثلث التركة، وبتاريخ 10 من إبريل سنة 1964 قضت محكمة أول درجة برفض التظلم وتأييد أمر الأداء. استأنف الطاعنون هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 319/ 20 ق، وبتاريخ 22 مارس سنة 1965 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنون أن مورثهم لم يقصد بإقراره السابق الذكر تصرفاً منجزاً بل قصد به الوصية، وبعد سماع شهود الطاعنين قضت المحكمة وبتاريخ 21 يونيه 1965 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وفي الجلسة المحددة لنظر الطعن تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأن نية مورثهم المرحوم محمد زكي الجزيري اتجهت عند تحرير إقرار المديونية موضوع النزاع لابنته هبة الله إلى الإيصاء لها بالمبلغ الوارد به تأسيساً على أن المورث المذكور كان قد اضطر إلى الزواج من السيدة فهيمة إبراهيم يوسف - الطاعنة الرابعة - بعد أن رزق منها بإبنة تدعى ميرفت، وأنه من أجل ذلك بيت النية على التنكر لهذا الزواج بأن وقع على وثيقته بيده اليسرى وبتوقيع اختصر فيه لقبه، وادعى فعلاً بتزوير تلك الوثيقة، مما كان محلاً لتحقيق أجرته النيابة العامة، وأنه وإن اعترف بالزواج من السيدة المذكورة وببنوة الطفلة منه، إلا أنه عمد بعد ذلك إلى تطليق الطاعنة الرابعة وإلى التهديد بحرمان ابنته المذكورة من تركته بعد وفاته، وتنفيذاً لوعيده أصدر عقداً لزوجته الأولى - المطعون عليها - ولابنته منها هبة الله ضمنه بيعه لها 22 ف و12 ط بجهة المنتزه بحق النصف لكل منهما، مقابل ثمن قدره 5625 ج أقر في العقد وعلى خلاف الحقيقة بأنه قبضه منهما وأتبع ذلك بأن أقر بمديونيته المذكورة بمبلغ 40000 ج وهو موضوع النزاع في الدعوى الحالية، واستدل الطاعنون من هذه الوقائع ومن المستندات المقدمة منهم لتأييدها ومن القرائن المستمدة من عدم المطالبة بالمبلغ موضوع الإقرار حال حياة المورث رغم استحقاقه وقت الطلب ومن أنه لم يكن لابنته هبه الله مال تستطيع أن تفرضه لوالدها - استدلوا بذلك على أن المورث لم يكن يقصد إخراج هذا المبلغ من ملكه إلى ابنته حال حياته، وأن إقراره بالمديونية يعد منه تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وأنه لم يتصرف في الأطيان ولم يقر بالمديونية إلا لمجرد الرغبة في ترضية زوجته المطعون عليها وابنته منها هبة الله عما نشأ من زواجه بالطاعنة الرابعة توصلاً إلى هدوء العيش معهما بعد أن ساءت صحته، وأنه لا يعقل أن يكون قد قصد تنجيز التصرفين السابق ذكرهما حال أن من شأنهما أن يخرجاه من جميع ماله الذي قدر عند وفاته بمبلغ 45740 ج وهو مصدر كسبه الوحيد بما يترتب عليه أن يصبح عالة على المطعون ضدها وابنتها. غير أن الحكم المطعون فيه لم يشر إلى هذا الدفاع الذي ساقه الطاعنون ولم يرد على القرائن المستمدة منه والمستندات المؤيدة له، وأقام قضاءه باعتبار التصرف منجزاً تأسيساً على أن سند المديونية كان محفوظاً لدى المطعون عليها بخزانتها في بنك مصر وهو قول لا يؤدي في ظل الوقائع التي تناولها دفاعهم المشار إليه، إلى ما انتهى إليه الحكم مما يعيبه بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن الثابت من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أن الطاعنين تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأن الإقرار الصادر من مورثهم بمديونيته لابنته هبة الله بالمبلغ موضوع النزاع في الدعوى الحالية ينطوي على تصرف غير منجز قصد به المورث إضافته إلى ما بعد الموت، واستدلوا على ذلك بأن مورثهم ومورث المطعون عليها وابنتها منه هبة الله كان قد اضطر إلى أن يعقد زواجه على الطاعنة الرابعة بعد أن رزق منها بابنته ميرفت، وأنه لعدم رغبته في هذا الزواج قد أضمر التنكر له فوقع على وثيقته بيده اليسرى وباسم محمد زكي صالح مستبعداً لقبه منه وتذرع بذلك للادعاء بتزوير توقيعه على تلك الوثيقة وإنكار نسب ابنته ميرفت منه، ولكنه وإن اضطر بعد التحقيق الذي أجرته النيابة في هذا الادعاء إلى أن يعترف بتوقيعه على وثيقة الزواج وبنسب ابنته ميرفت، إلا أنه عمد إلى تطليق زوجته فهيمة - الطاعنة الرابعة - وهدد بحرمان ابنته ميرفت من تركته بعد وفاته، وقام فعلاً بتنفيذ ما توعد به بأن أصدر لزوجته الأولى السيدة وجدان عبد العزيز سيف النصر المطعون عليها ولابنته منها هبة الله عقداً باعهما بموجبه 22 ف و12 ط بجهة المنتزه بحق النصف لكل منهما مقابل مبلغ 5625 ج وأتبع ذلك بأن أصدر إقراراً بمديونيته في مبلغ 40000 ج لابنته هبة الله. وقدم الطاعنون للتدليل على هذا الدفاع الذي تمسكوا به صورة من صحيفة الدعوى رقم 1588 سنة 1958 مدني كلي الإسكندرية التي رفعتها المطعون عليها عن نفسها وبصفتها وصية على ابنتها هبة الله بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 15 فبراير سنة 1957 الصادر إليهما من مورثهما ببيع 22 ف و12 ط موضحة الحدود والمعالم بتلك الصحيفة، وصورة من الحكم الصادر في تلك الدعوى بصحة ونفاذ ذلك العقد، وأخرى من الحكم الصادر في الاستئنافين رقمي 27، 45 سنة 17 ق الإسكندرية المرفوعين عن ذلك الحكم بتأييده، والنموذج الخاص بتقدير صافي تركة المرحوم محمد زكي الجزيري مورث الطرفين بمبلغ 45740 جنيه وعقد صلح مصدق عليه في القضية رقم 118/ 57 أحوال شخصية العطارين باتفاق المورث مع الطاعنة الرابعة على حسم النزاع بينهما الادعاء بتزوير وثيقة الزواج التي كانت الطاعنة الرابعة قد قدمتها في تلك الدعوى، وذلك بتطليقها على الإبراء مع تقدير نفقة للطفلة ميرفت، وصورة معلنة من مذكرة شواهد التزوير وتضمنت إنكار المورث نسب هذه الابنة منه. واستند الطاعنون إلى هذا الدفاع وإلى المستندات المقدمة منهم لتأييده على النحو السالف بيانه، وإلى القرائن المستمدة من عدم توجيه المطالبة إلى المورث حال حياته بالمبلغ موضوع الإقرار بالمديونية المشار إليه وهو المستحق السداد وقت الطلب ومن أنه لم يكن لابنته هبة الله مال تستطيع أن تقرضه لوالدها وأن من شأن التصرفين المشار إليهما ببيع المورث لأطيانه إلى زوجته الأولى وابنته منها وبإقراضه من هذه الأخيرة للمبلغ موضوع الإقرار السالف الذكر - من شأن هذين التصرفين أن يجرداه من أمواله وهي مصدر كسبه الذي يصبح بغيره عالة على المطعون عليها وعلى ابنته منها - استندوا إلى ذلك للقول بأن المورث قصد بهذين التصرفين مجرد إرضاء زوجته المطعون عليها وابنته منها هبة الله حتى يضمن هدوء العيش معهما في شيخوخته بعد أن أغضبهما زواجه من الطاعنة الرابعة وإنجابه منها للطفلة ميرفت وذلك بإيثارهما بجميع أموال تركته بعد وفاته وحرمان ابنته المذكورة دون أن يقصد نقل ملكية هذه الأموال إليهما حال حياته. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استند في تبرير ما انتهى إليه من أن إقرار المديونية موضوع النزاع هو تصرف منجز بقوله "إن أقوال الشاهد الثاني الأستاذ صالح الجزيري من أن هذا السند كان في حوزة المستأنف عليها (المطعون ضدها) وقت الوفاة وكانت تحتفظ به في خزانتها الخاصة ببنك مصر وتقدمها به في محضر حصر التركة لمما يقطع بأن المورث وقت تحرير هذا السند انصرفت نيته إلى جعله منجزاً وحالاً بدلالة تسليمه في الحال إلى المستأنف عليها" وكان تسليم المستند الذي يتضمن التصرف المطعون عليه بأنه ينطوي على وصية للمستفيد منه ليس من شأن هذا التسليم أن يدل بمجرده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على تنجيز التصرف وإنما يتعين بحث مجموع المستندات المتعلقة بالنزاع والصادرة من ذوي الشأن، وإذ التفت الحكم عن بحث المستندات المقدمة من الطاعنين والسالف بيانها لتأييد دفاعهم وحجب نفسه بذلك عن فهم دلالتها بما أدى إلى عدم مواجهة ما تمسك به الطاعنون من القرائن التي ساقوها للتدليل على أن التصرف الذي تضمنه الإقرار بمديونيته موضوع النزاع لم يكن منجزاً، وهو دفاع جوهري قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى، وكان لا يشفع للحكم المطعون فيه أن أحال إلى أسباب الحكم الابتدائي في شأن المستندات المشار إليها ما دام أن ذلك الحكم قد وقف عند حد عرضه لهذه المستندات دون مناقشة دلالتها في تنجيز التصرف أو عدم تنجيزه، واعتمد ذلك الحكم فيما انتهى إليه من أن الإقرار المذكور يتضمن تصرفاً منجزاً على مجرد القول بأن نصوصه صريحة في هذا الخصوص، مع أن هذا الإقرار هو بذاته محل الطعن بأنه يخفي وصية، الأمر الذي يكون معه ما جاء بذلك الحكم في هذا الخصوص مصادرة على المطلوب والحكم على الدليل قبل تحقيقه. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
(1) راجع نقض 24 نوفمبر 1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 1730.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق