جلسة 20 من مايو سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: صبري أحمد فرحات، وعثمان زكريا، ومحمد أبو حمزة مندور، وأحمد ضياء الدين حنفي.
----------------
(140)
الطعن رقم 167 لسنة 37 القضائية
(أ) جنسية. "شهادة الجنسية الصادرة من وزير الداخلية". إثبات.
جواز الالتجاء إلى القضاء مباشرة بطلب الاعتراف بالجنسية مجردة عن طلب إلغاء قرار وزير الداخلية برفض إعطاء الشهادة الدالة عليها. هذه الشهادة ليس من شأنها أن تكسب الجنسية وإنما هي مجرد دليل ليست له حجية قاطعة.
(ب) جنسية. "اختصاص المحاكم العادية بدعاوى الجنسية". اختصاص "اختصاص ولائي". قانون.
اختصاص المحاكم العادية قبل العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1959 بالفصل في المنازعات الناشئة عن أحكام قوانين الجنسية. اختصاص مجلس الدولة دون غيره بها بعد العمل بهذا القانون لا يسري على الدعاوى التي كانت منظورة أمام جهات قضائية أخرى ولم يفصل فيها نهائياً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن ملحم إبراهيم نصار أقام الدعوى رقم 1977 سنة 1955 الإسكندرية الابتدائية ضد وزير الداخلية ومدير إدارة الجوازات والجنسية، طالباً الحكم بثبوت الجنسية المصرية له مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات، وقال بياناً للدعوى إنه ولد من أصل عثماني في بلدة بكنيا بلبنان وأقام في مصر منذ سنة 1913، وعمل ناظراً للزراعة في مركز دمنهور مديرية البحيرة وتزوج في مصر وأنجب أولاده بها وحافظ على إقامته فيها، وأنه خلال سنة من تاريخ صدور القانون رقم 160 لسنة 1950 قدم لإدارة الجوازات والجنسية طلباً بالحصول على شهادة بالجنسية المصرية مشفوعاً بالمستندات التي تؤيد هذه الإقامة، ولكن الإدارة أجابته بأن المستندات التي قدمها ليست قاطعة في إثبات الإقامة. ونظراً لأن هذه المستندات تؤيدها الحالة الظاهرة في التدليل على أنه توطن بمصر قبل 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظ على إقامته فيها حتى 10 مارس سنة 1929، واستوفى بذلك الشروط اللازمة لاعتباره مصرياً وفقاً لنص المادتين الأولى والثانية من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 ونص الفقرة الخامسة من المادة الأولى من القانون رقم 160 لسنة 1950، كما أن الإقامة واقعة مادية يمكن إثباتها بالبينة فقد طلب الحكم له بطلباته. ودفع الحاضر عن المدعى عليهما بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى استناداً إلى أن وزارة الداخلية هي وحدها الجهة المختصة بإعطاء شهادات الجنسية، وبتاريخ 31/ 12/ 1956 حكمت المحكمة برفض الدفع وباختصاصها بنظر الدعوى، ثم عادت وبتاريخ 20/ 1/ 1958 فحكمت بثبوت الجنسية المصرية للمدعي وألزمت المدعى عليهما بالمصاريف ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. استأنف المدعى عليهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية طالبين إلغاءه والحكم أصلياً بقبول الدفع وبعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى واحتياطياً برفض الدعوى وقيد الاستئناف برقم 107 سنة 14 قضائية. وبتاريخ 30/ 1/ 1960 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وألزمت المستأنفين المصروفات. طعن المستأنفان في ذلك الحكم بطريق النقض وقيد الطعن برقم 118 سنة 30 قضائية. وبتاريخ 13/ 1/ 1965 حكمت محكمة النقض بنقض الحكم، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف الإسكندرية، لأن النيابة العامة لم تتدخل في الاستئناف لتبدي رأيها فيه. وبعد أن أحيلت القضية إلى محكمة الاستئناف وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي حكمت المحكمة في 22/ 1/ 1967 بقبول الاستئناف، شكلاً وبرفضه موضوعاً، وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين المصروفات وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة، وطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض للسبب الوارد في التقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنان على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليه رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل سبب الطعن أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع المبدى من الطاعنين بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى مستنداً في ذلك إلى أن القضاء المدني هو صاحب الولاية العامة بالفصل في المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام قوانين الجنسية قبل العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1959 الذي جعل مجلس الدولة هو المختص دون غيره بالفصل في دعاوى الجنسية، في حين أن المطعون عليه أقام الدعوى بطلب الجنسية في 19/ 10/ 1955 وقبل صدور هذا القانون، وهو من الحكم مخالفة للقانون لأن الجنسية علاقة بين الفرد والدولة نظم القانون أحوالها وشروطها ولا يجوز للفرد أن يلجأ مباشرة إلى القضاء بطلب الاعتراف له بالجنسية وإنما يجب عليه أن يقدم طلبه ابتداء إلى جهة الإدارة المنوط بها تنفيذ أحكام القانون، وتنص المادة 20 من القانون رقم 160 سنة 1950 على أن يعطي وزير الداخلية كل ذي شأن شهادة بالجنسية المصرية بمقتضى قرار منه بعد التحقق من ثبوت الجنسية، وذلك خلال سنة على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، ويعتبر امتناع وزير الداخلية عن إعطاء هذه الشهادة في الميعاد المذكور رفضاً للطلب، وثابت بالأوراق أن المطعون عليه قدم طلبه إلى وزارة الداخلية في 21/ 4/ 1951 وطلبت منه تقديم مستندات تكون محلاً للاعتبار لإثبات أصله العثماني وإقامته في مصر من سنة 1914 إلى سنة 1920 ولكنه لم يقدم هذه المستندات وتظلم في 16/ 3/ 1955 من قرار الرفض بتاريخ 26/ 3/ 1955 وأقام دعواه بالطعن على قرار وزير الداخلية أمام القضاء المدني، في حين أن القضاء الإداري هو المختص بالفصل في الطعن على القرارات الإدارية، وأن القانون رقم 160 لسنة 1950 لم يغير من هذا الاختصاص وأن لجنة الشئون الداخلية بمجلس النواب حذفت المادة 25 من مشروع هذا القانون والتي كانت تنص على اختصاص المحاكم المدنية بالنظر في دعاوى الاعتراف بالجنسية المصرية وذلك اكتفاء بما لمحكمة القضاء الإداري من اختصاص في هذا الشأن.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 19 من القانون رقم 160 لسنة 1950 الخاص بالجنسية على أن "الإقرارات وإعلانات الاختيار والأوراق والطلبات المنصوص عليها في هذا القانون يجب أن توجه إلى وزير الداخلية" والنص في المادة 20 على أن "يعطي وزير الداخلية كل ذي شأن شهادة بالجنسية المصرية مقابل دفع الرسوم التي تفرض بمقتضى قرار منه، وذلك بعد التحقق من ثبوت الجنسية ويكون لهذه الشهادة حجيتها القانونية ما لم تلغ بقرار مسبب من وزير الداخلية ويجب أن تعطى هذه الشهادة لطالبها خلال سنة على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب ويعتبر امتناع وزير الداخلية عن إعطائها في الميعاد المذكور رفضاً للطلب" يدل على أن الشهادة الصادرة من وزير الداخلية لأحد الأشخاص بناء على طلب الجنسية ليس من شأنها أن تكسبه الجنسية المصرية، وإنما هي دليل ليست له حجية قاطعة يجوز إثبات ما يخالفها بأي طريق من الطرق التي تراها المحكمة المختصة بالفصل في النزاع، وأن المشرع إنما قصد أن يفرض على صاحب الشأن الالتجاء إلى وزارة الداخلية إذا هو أراد الحصول على دليل لإثبات الجنسية، ولم يستلزم لاختصاص المحكمة الحصول على شهادة من وزارة الداخلية أو بتقديم طلب للحصول عليها، وهي تقضي في دعوى الجنسية على أساس ما يقدم لها من أدلة، كما تقضي بثبوتها لمن تتوافر فيه إحدى حالاتها التي نص عليها قانون الجنسية ولا يوجد في نصوص القانون رقم 160 لسنة 1950 ما يمنع صاحب الشأن من اللجوء إلى القضاء مباشرة بطلب الاعتراف بالجنسية مجردة عن طلب إلغاء قرار وزارة الداخلية برفض إعطاء الشهادة الدالة عليها خلال الميعاد المحدد لطلب الإلغاء أو بعد انقضائه. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن القضاء هو المختص بالفصل في المنازعات الناشئة عن أحكام قانون الجنسية رقم 19 لسنة 1929 الذي كان يتضمن بنص المادتين 20 و21 أحكاماً مماثلة لنص المادتين 19 و20 من القانون رقم 160 لسنة 1950 هو وضع لم يتغير بصدور هذا القانون الذي جاء خالياً من النص على تحديد الجهة القضائية المختصة بنظر المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكامه، ولا يقدح في ذلك أن لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب حذفت من مشروع هذا القانون المادة التي رأت لجنتا العدل والداخلية أن تنص فيها على اختصاص المحاكم المدنية الكلية بالنظر في دعاوى الاعتراف بالجنسية اكتفاء بما لمحكمة القضاء الإداري من اختصاص في هذا الشأن، لأن هذا الحذف كان نتيجة للخلاف بين مشروع الحكومة والتعديل الذي أدخلته لجنة الداخلية بمجلس الشيوخ حول الجهة المختصة بالفصل في مسائل الجنسية وكان من أسبابه - وعلى ما جاء بتقرير لجنة الشئون التشريعية - أن قانون مجلس الدولة في طريق التعديل لإمكان تمثيل النيابة العامة أمام محكمة القضاء الإداري وفي هذا الضمان كل الضمان" فلا يكون من شأن هذا الحذف إلغاء اختصاص القضاء العادي بنظر المنازعات في الجنسية بصفة أصلية أو بصفة تبعية كمسألة أولية في نزاع مطروح عليه. يؤكد ذلك أن القانون رقم 112 لسنة 1946 والقانون رقم 9 سنة 1949 في شأن تنظيم مجلس الدولة لا يتضمن أي منهما النص صراحة على اختصاص مجلس الدولة بالفصل في دعاوى الجنسية وأن النص في المادة 99 من قانون المرافعات رقم 77 سنة 1949 على أن "على النيابة أن تتدخل في كل قضية تتعلق بالأحوال الشخصية أو بالجنسية وإلا كان الحكم باطلاً" يدل - بالاقتضاء - على أن المحاكم هي صاحبة الاختصاص في منازعات الجنسية وأن المشرع لم يشأ أن يعدل من هذا الاختصاص بعد صدور القانون بتنظيم مجلس الدولة حتى صدر القانون رقم 55 لسنة 1959، ونص في المادة الثامنة منه على أن يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في دعاوى الجنسية، وهو نص مستحدث يعمل به وفقاً للمادة 9 من قانون الإصدار بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشره في 21 فبراير سنة 1959، ولا يسري على الدعاوى التي كانت منظورة أمام جهات قضائية أخرى وأصبحت بمقتضى أحكامه من اختصاص مجلس الدولة وتظل أمام تلك الجهات حتى يتم الفصل فيها نهائياً عملاً بنص المادة الثانية من قانون الإصدار. وإذ كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن المطعون عليه أقام الدعوى بطلب ثبوت الجنسية المصرية له طبقاً لنص المادتين الأولى والثانية من قانون الجنسية رقم 19 لسنة 1929 والفقرة الخامسة من المادة الأولى من القانون رقم 160 لسنة 1950 وحكمت محكمة أول درجة بتاريخ 31/ 12/ 1956 برفض الدفع وباختصاصها بنظر الدعوى، وبتاريخ 20/ 1/ 1958 قضت بثبوت الجنسية المصرية للمدعي، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائي لا يكون قد أخطأ في القانون أو جاوز الاختصاص المتعلق بوظيفة المحكمة، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق