الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 17 ديسمبر 2020

دستورية قصر قانون المخدرات النزول بالعقوبة درجة واحدة بدلاً من درجتين كسائر الجنايات

الدعوى رقم 37 لسنة 40 ق "دستورية" جلسة 7 / 11 / 2020 
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من نوفمبر سنة 2020م، الموافق الحادي والعشرين من ربيع الأول سنة 1442 هـ. 

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة 

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين 

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر 

أصدرت الحكم الآتي 

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 37 لسنة 40 قضائية "دستورية". 

المقامة من 

خالد محمد إبراهيم محمود 

ضد 

1- رئيس الجمهورية 

2- رئيس مجلس الوزراء 

3- وزير العدل 

4- رئيس مجلس النواب 

5- النائب العام 


الإجراءات 
بتاريخ السابع والعشرين من فبراير سنة 2018، أودع المدعى صحيفة الدعوى المعروضة، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (36) من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989. 

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. 

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها. 

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم. 


المحكمة 

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. 
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة، كانت قد أسندت إلى المدعى، في الدعوى رقم 993 لسنة 2015 جنايات ثان الغردقة، المقيدة برقم 351 لسنة 2015 كلى البحر الأحمر، أنه في يوم 27/1/2015، بدائرة قسم شرطة ثان الغردقة – محافظة البحر الأحمر: 

1 – حاز جوهرًا مخدرًا "كوكايين"، بقصد الاتجار، في غير الأحوال المصرح بها قانونًا، على النحو المبين بالتحقيقات. 

2 – حاز وأحرز جوهرًا مخدرًا "حشيش"، بقصد الاتجار، في غير الأحوال المصرح بها قانونًا، على النحو المبين بالتحقيقات. 

وأحالته إلى المحاكمة الجنائية، بطلب عقابه بالمواد (1/1، 2، 7/1، 34/1 بند أ، 2 بند 6، 42/1) من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، المعدل بالقانونين رقمي 61 لسنة 1977 و122 لسنة 1989، والبند رقم (1) من القسم الأول، والبند رقم (56) من القسم الثاني، من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول، والمستبدل بقرار وزير الصحة رقم 46 لسنة 1997. تدوولت الدعوى بالجلسات، ودفع وكيل المدعى بعدم دستورية نص المادة (36) من القانون رقم 182 لسنة 1960 المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، صرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة. 

وحيث إن نص المادة (36) من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989، يجرى على أنه " استثناء من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوز في تطبيق المواد السابقة والمادة (38) النزول عن العقوبة التالية مباشرة للعقوبة المقررة للجريمة. فإذا كانت العقوبة التالية هي السجن المشدد أو السجن فلا يجوز أن تقل المدة المحكوم بها عن ست سنوات ". 

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته نصوص المواد (94، 96، 186) من الدستور، بقالة إخلاله بموجبات التفريد التشريعي للعقوبة، وإهداره التناسب بين الجريمة وعقوبتها، وافتئاته على مبدأ المساواة في المعاملة الجنائية بين مرتكبي الجرائم المعدودة من الجنايات. 

وحيث إن هيئة قضايا الدولة شادت دفعها بعدم قبول الدعوى المعروضة لانتفاء المصلحة على سندين، أولهما: أن النص المطعون فيه لم يرد ضمن مواد الاتهام المقدم بها المدعى إلى المحاكمة الجنائية. ثانيهما: أن الضرر المدعى حصوله من النص المطعون فيه ضرر ظني متوهم قائم على افتراض أخذ محكمة الموضوع للمدعي بالرأفة فيما لو قضت بإدانته. 

وحيث إن هذا الدفع مردود في وجهه الأول، بأن النص المطعون فيه يخاطب محكمة الموضوع، دون غيرها، فيما لو قضت بالإدانة في مواد الجنايات، ورأت وجهًا لاستعمال الرأفة، ولا مجال لإيراده، بهذه المثابة، ضمن مواد الاتهام التي تطالب النيابة العامة بتطبيقها. ومردود في وجهه الثاني، بأن للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فيما لو تمت إدانته عن التهمتين المسندتين إليه، أو أولاهما، بإبطال الاستثناء الذي تضمنته الفقرة الأولى من المادة المطعون عليها، على نحو يتأدى إلى إعمال أحكام المادة (17) من قانون العقوبات في شأنه، بما تجيزه من تبديل العقوبة في مواد الجنايات، إذا اقتضت أحوال الجريمة رأفة القضاة، بالنزول بها درجتين بدلاً من العقوبة التالية مباشرة لعقوبة الإعدام المقررة للجريمة محل التهمة الأولى المسندة إلى المدعى. كما تتحقق مصلحته الشخصية المباشرة في الطعن على نص الفقرة الثانية من المادة المطعون فيها، بما يجيز لمحكمة الموضوع فيما لو قضت بإدانته عن التهمة الثانية المسندة إليه، وحدها، إذا رأت وجهًا لاستعمال الرأفة، أن تنزل بعقوبة السجن المشدد إلى ثلاث سنوات كحد أدنى للعقوبة المذكورة، عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة (14) من قانون العقوبات، بدلاً من مدة ست سنوات المقررة كحد أدنى، للعقوبة ذاتها، الواردة في الفقرة الثانية من المادة المطعون عليها. ومن ثم، وعلى ضوء توافر المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى في الدعوى المعروضة، يتحدد نطاقها في الطعن على نص المادة (36) – بفقرتيها - من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989، في مجال انطباقه على الجريمتين المنصوص عليهما في البند (أ) من الفقرة الأولى، والبند (6) من الفقرة الثانية من المادة (34) من القانون رقم 182 لسنة 1960 المار ذكره، المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989. والبند رقم (1) من القسم الأول، والبند رقم (56) من القسم الثاني من الجدول رقم (1) المرفق بالقانون الأول، والمستبدل بقرار وزير الصحة رقم 46 لسنة 1997. 

وحيث إن الدستور كفل في مادته السادسة والتسعين، الحق في المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن " المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه". وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة، التي تقرر أولاهما : أن لكل شخص حقًّا مكتملاً ومتكافئًا مع غيره في محاكمة علنية، ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل في حقوقه والتزاماته المدنية، أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه . وتُرَدِدْ ثانيتهما : في فقرتها الأولى، حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، في أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه. وهذه الفقرة تؤكد قاعدة استقر العمل على تطبيقها في الدول الديمقراطية، وتقع في إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهومًا للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها في الدول المتحضرة، وهي بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، كما أنها تعتبر في نطاق الاتهام الجنائي، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور. ولا يجوز بالتالي تفسير هذه القاعدة تفسيرًا ضيقًا، إذ هي ضمان مبدئي لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهي التي تكفل تمتعه بها في إطار من الفرص المتكافئة، ولأن نطاقها - وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائي - إنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية، فإن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزومًا في الدعوى الجنائية، أيًا كانت طبيعة الجريمة، وبغض النظر عن درجة خطورتها . 

وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة في مجموعة من القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نطاقًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التي يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعي، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها . 

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وتقرير استثناء تشريعي من هذا الأصل - أيًا كانت الأغراض التي يتوخاها – مؤداه: أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء في غير ضرورة، بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة - من زاوية دستورية - مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، في الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها، جبرًا لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها . 

وحيث إن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يكون قانونًا مسئولاً عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقًا لخياراته بشأنها . متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجردًا يعزلها عن بيئتها، دالاًّ على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا، فجًّا، منافيًا لقيم الحق والعدل . 

وحيث إنه من المقرر قانونًا أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد - عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة - أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون، على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتساند القاضي إليها - بحسب ظروف كل دعوى - لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، ومن ثم ففي الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي يكون قد أُستغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله، ويسلبه حريته في تقدير العقوبة، ويفقده جوهر وظيفته القضائية، وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة والقضايا. 

وحيث إن الأصل في العقوبة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيًا بها عن أن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها في غير ضرورة، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في تنظيم بعض العلائق التي يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، فإن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها . وهو بذلك يتغيا أن يحدد - من منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيًّا ممكنًا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزًا تلك الحدود التي لا يكون معها ضروريًّا، غدا مخالفًا للدستور. 

وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المساواة أمام القانون ليست مبدأ تلقينيًّا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صمّاء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير، لتنظيم موضوع محدد وتوقى شر تقدر ضرورة رده، وكان دفعها الضرر الأكبر بالضرر الأقل لازمًا، فإن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفًا عن نزواتها، ولا منبئًا عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقادًا تتفلت بها ضوابط سلوكها، ولا هشيمًا معبرًا عن بأس سلطاتها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفًا، ومن الجائز بالتالي، أن تغاير السلطة التشريعية – ووفقًا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. 

وحيث إنه عن النعي على النص المطعون فيه، إخلاله بموجبات التفريد التشريعي للعقوبة، بقصره النزول بالعقوبة درجة واحدة بدلاً من درجتين، استثناء من حكم المادة (17) من قانون العقوبات، فإنه مردود بأن إجازة الفقرة الأولى من النص المطعون فيه لمحكمة الموضوع – فيما لو قضت بالإدانة – النزول إلى العقوبة التالية مباشرة للعقوبة المرصودة للجريمة، إذا اقتضت أحوالها ذلك التبديل، وفق السلطة التقديرية المخولة للمحكمة في نطاق توقيع العقوبة، مؤداه أن ذلك النص أتاح لقاضى الموضوع إحدى الأدوات التشريعية، التي يمكنه اللجوء إليها لإعمال اختصاصه الحصري في تفريد العقوبة بحسب ظروف الدعوى التي يقضى فيها، ولم تكن مغايرة حد النزول بالعقوبة في النص المطعون فيه، عن الحد المنصوص عليه في المادة (17) من قانون العقوبات، إلا استجابة لضرورة اقتضتها مواجهة خطورة تلك النوعية من الجرائم، وثمرة مزاوجة بين مبدأ الشرعية الجنائية، بما يستوجبه من استئثار المشرع بسلطة منضبطة في تحديد جسامة الجريمة، واختيار العقوبة التي تتناسب معها، وبين تحقيق العدالة الجنائية، بتخويل محكمة الموضوع سلطتها وجوهر وظيفتها القضائية في وزن إثم كل جانٍ على حده. 

وحيث إنه عن النعي بجسامة العقوبة المقررة للجرائم التي تضمنها النص المطعون فيه، وعدم تناسبها مع خطورة هذه الجرائم، فإنه مردود، بأن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، المعتمدة في فينا بتاريخ 19/12/1988، التي وافقت عليها مصر بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 568 لسنة 1990، المصدق عليها من مجلس الشعب – النواب حاليًّا – في فبراير 1991، قد جاء ببندها التمهيدي" إن الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ يساورها بالغ القلق إزاء جسامة وتزايد إنتاج المخدرات والمؤثرات العقلية والطلب عليها والاتجار فيها بصورة غير مشروعة، مما يشكل تهديدًا خطيرًا لصحة البشر، ويلحق الضرر بالأسس الاقتصادية والثقافية والسياسية للمجتمع، وإذ يساورها بالغ القلق إزاء تغلغل الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، على نحو مطرد بين مختلف فئات المجتمع، وإذ تدرك الروابط بين الاتجار غير المشروع وما يتصل به من الأنشطة الإجرامية الأخرى المنظمة التي تقوض الاقتصاد المشروع وتهدد استقرار الدولة وأمنها وسيادتها، وإذ تسلم بأن الاتجار غير المشروع هو نشاط إجرامي دولي يستلزم اهتمامًا عاجلاً وأولوية عليا، وإذ تدرك أن الاتجار غير المشروع يدر أرباحًا وثروات طائلة تمكّن المنظمات الإجرامية غير الوطنية من اختراق وتلويث وإفساد هياكل الحكومات والمؤسسات التجارية والمالية المشروعة والمجتمع على جميع مستوياته .....". ومن ثم جاءت نصوص تلك الاتفاقية الأممية، في مجال التجريم والعقاب، لتلبى الأهداف والغايات التي انعقدت عليها إرادة الدول الأطراف، ومن ذلك ما تضمنته مادتها الثالثة في البند (أ) من تجريم جميع صور الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة، وما أوردته المادة ذاتها في البند (4) من إخضاع مرتكبي تلك الجرائم الجسيمة لعقوبة سالبة للحرية وأخرى مالية. 

كما أن المذكرة الإيضاحية لتعديل القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1989، أشارت إلى أن تشديد العقوبات استُحدث لمواجهة جسامة خطر الاتجار غير المشروع في بعض الجواهر المخدرة كالهيروين أو الكوكايين، وأيضًا لانتقال الاتجار في تلك الجواهر المخدرة من دائرة النشاط الفردي إلى دائرة المنظمات الإجرامية التي تمتد شبكاتها في معظم الأحوال إلى عديد من الدول، بما يتماهى معه إقرار حكم جديد تضمنه نص المادة (36) من تعديل القانون هو عدم جواز النزول بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة (السجن المشدد حاليًّا) أو السجن عن ست سنوات، إذا رأت المحكمة استعمال المادة (17) من قانون العقوبات في شأن الجرائم المعاقب عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة (السجن المؤبد أو السجن المشدد حاليًّا) وهى مدة تعادل ضعف الحد الأدنى للعقوبة المذكورة التي يجوز النزول إليها. 

وحيث كان ما تقدم، وكانت العقوبة المقررة لجريمة الاتجار غير المشروع في الجواهر المخدرة، سواء ما ورد منها في القسم الأول أو القسم الثاني من الجدول رقم (1) المرفق بالقانون رقم 182 لسنة 1960 وتعديلاته، إنما وردت في نص المادة (34) من ذلك القانون، واقتصر النص المطعون عليه في فقرته الأولى على تخويل محكمة الموضوع – في حدود السلطة المقررة لها قانونًا – النزول إلى العقوبة التالية مباشرة للعقوبة المقررة للجريمة، بينما وضع النص ذاته في فقرته الثانية حدًّا أدنى لعقوبتي السجن المشدد والسجن، فلم يجز أن تقل المدة المحكوم بها عن ست سنوات، بما يقل عن نصف المدة المقررة للعقوبتين المذكورتين في حدهما الأقصى. ومن ثم يكون ما انطوى عليه النص المطعون فيه بشأن النزول بعقوبة جرم الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة، أو وضع حد أدنى لتلك العقوبة، موافقًا للغايات والأهداف التي يروم إليها قانون مكافحة المخدرات واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات، المار ذكرهما، ويغدو النعي عليه في السياق المتقدم بيانه لا سند له. 

وحيث إنه عن النعي بإخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة، بالتمييز بين المخاطبين بأحكامه، وبين المحكوم عليهم بالإدانة في مواد الجنايات الأخرى، وذلك في الأحوال التي تُعمِل فيها محكمة الموضوع سلطتها التقديرية في النزول بالعقوبة السالبة للحرية، فإنه مردود بأن النص المطعون عليه، إنما يتضمن قواعد عامة تسرى في شأن كافة مرتكبي الجنايات المنصوص عليها في المواد المشار إليها في فقرته الأولى، ويخلو من أي حكم يقيم تفرقة تحكمية بين المخاطبين به، كما أن النص المطعون فيه يتساند إلى سبب موضوعي لإعمال الحكمين الواردين بفقرتيه، جوهره الخطورة الجسيمة للجرائم المطبق في شأنها ذلك النص، على نحو يفصح عن انضباطه بتخوم الفلسفة التشريعية التي انبنى عليها قانون مكافحة المخدرات بأكمله، ولها من الخصوصية، ما ينافى أن تتماثل أحكامه مع غيرها في القوانين العقابية الأخرى، مما يعصم النص المطعون فيه من مظنة الخروج على الالتزام الدستوري بمراعاة مبدأ المساواة. ومن ثم يضحى النعي على النص المشار إليه، في جملته، لا محل له. 

وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف حكمًا آخر في الدستور. 

فلهذه الأسباب 

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق