جلسة 30 من إبريل سنة 1975
برياسة السيد المستشار أنور أحمد خلف نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، والدكتور محمد زكي عبد البر، وسعد الشاذلي،
وعبد السلام الجندي.
---------------
(168)
الطعن
رقم 22 لسنة 39 القضائية "أحوال شخصية"
(1)نقض "رفع الطعن". أحوال شخصية.
الطعن بالنقض في مسائل
الأحول الشخصية. رفعه بتقرير في قلم الكتاب في ظل قانون المرافعات 13 لسنة 1968.
صحيح. وجوب اتباع الإجراءات المقررة في المادتين 881 و882 مرافعات.
(2)نقض "أثر نقض
الحكم". استئناف "سلطة محكمة الإحالة".
نقض الحكم. أثره. عودة
الخصومة إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض. لمحكمة الإحالة إقامة حكمها على
فهم جديد لواقعة الدعوى.
( 3و4) إثبات "الإحالة للتحقيق". حكم "حجية الحكم".
(3)الحكم القطعي. ماهيته.
إحالة الدعوى للتحقيق توصلاً لتكوين عقيدة المحكمة. لا يعد مانعاً من الفصل في
الدعوى بعد إجراء التحقيق، على ضوء المستندات المقدمة فيها.
(4)الإثبات بشهادة الشهود
للمحكمة أن تأمر به من تلقاء نفسها. شرطه.
(5 و6) أحوال شخصية إثبات. "البينة". حكم
"تسبيب الحكم".
(5)ا لشهادة بالتسامع.
أحوالها وشروطها.
(6) عدم
بيان الحكم شروط الشهادة بالتسامع في أقوال الشهود. لا عيب.
( 7و8) إثبات "البينة". محكمة الموضوع. حكم "تسبيب الحكم".
(7)تقدير أقوال الشهود
والترجيح بين البينات. مما يستقل به قاضي الموضوع. عدم بيان الحكم أسماء الشهود أو
نص أقوالهم.
لا يعيبه طالما أشار
إليهم وأورد مضمون أقوالهم.
(8) عدم
تتبع الحكم للخصوم في مناحي دفاعهم والرد عليها استقلالاً. لا عيب. حسبه أن يبين
الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة.
( 9و10) نقض "أسباب الطعن".
(9)عدم بيان مواطن النعي على
أقوال الشهود. نعي مجهل غير مقبول.
(10)النعي بوجود صلة قرابة
تربط المطعون عليهم بشهودهم. جدل موضوعي. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
( 11و12) حكم "تسبيب الحكم". محكمة الموضوع.
(11)لقاضي الموضوع سلطة تحصيل
فهم الواقع في الدعوى. شرطه.
(12)إغفال الحكم ذكر نصوص
المستندات التي اعتمد عليها. لا عيب ما دام أنها مقدمة إلى المحكمة ومبينة في
مذكرات الخصوم.
(13)إرث. حكم "حجية
الحكم". دفوع.
إشهاد الوفاة والوراثة.
له حجيته ما لم يصدر حكم على خلافه. لذوي الشأن طلب بطلانه سواء في صورة دفع أو
إقامة دعوى مبتدأة.
------------------
1 - إذ كان الثابت من الاطلاع على أوراق الطعن أنه رفع بتقرير وفق
المادتين 881/ 2 و882/ 2 من قانون المرافعات. وكان يتعين طبقاً للمادة الثالثة من
القانون رقم 628 لسنة 1955 بشأن بعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف
والمادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات أن يكون الطعن
بطريق النقض بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة -
وفق الإجراءات المقررة في المادتين 881 و882 من قانون المرافعات، وقد أتبع في
تحضير الطعن هذه الإجراءات. لما كان ذلك، فإنه يتعين رفض الدفع - الدفع ببطلان
الطعن بالنقض - لأنه أقيم بتقرير في قلم الكتاب وليس بصحيفة ولأنه اتبع في تحضيره
المادتان 881 و882 مرافعات.
2 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يترتب على نقض الحكم
المطعون فيه عودة الخصومة إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض كما يعود
الخصوم إلى مراكزهم الأولى بما كانوا قد أبدوه في دفاع وما تمسكوا به من مستندات
على أن تلتزم محكمة الإحالة برأي محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها
ويكون لها مطلق الحرية من بعد في إقامة حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى تحصله -
حرة - من جميع عناصرها، وإذ كان البين من حكم النقض السابق أنه عاب على حكم محكمة
الاستئناف المنقوض قضاءه في الدعوى على أساس شهادة الوفاة وحصر الإرث الصادرة من
الكنيسة - المقدمة من المطعون عليهم - مع تقريره وجود تعارض بينها وبين مستندات
الطاعنة وأن ما تعللت به لإيثار مستندات المطعون عليهم لا يصلح مرجحاً دون أن يعرض
لأية مسألة قانونية يتحتم اتباعها مما مفاده أن قضاء النقض لم يهدر مستندات
المطعون عليه بما يترتب عليه استبعادها أمام محكمة الإحالة، فإنه لا تثريب على
الحكم المطعون فيه إذا هو استند في حدود سلطته التقديرية إلى الشهادة المشار إليها
علاوة على ما اطمأن إليه من أقوال الشهود وإلى مستندات جديدة قدمها المطعون عليهم
بعد الإحالة ورجحها على مستندات الطاعنة.
3 - الحكم القطعي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ذلك الذي
يضع حداً للنزاع في جملته أو في جزء منه أو في مسألة متفرعة عنه بفصل حاسم لا رجوع
فيه من جانب المحكمة التي أصدرته، وإذ كان ما أورده الحكم - الصادر من محكمة
الإحالة بإحالة الدعوى للتحقيق - من أن "الشهادات المقدمة من الفريقين مناقض
بعضها البعض الآخر الأمر الذي لا تستطيع معه المحكمة التعرف على الورثة الحقيقيين
للمورث، وكان إثبات الوفاة والوراثة بالبينة جائزاً، ولهذا ترى المحكم إحالة
الدعوى إلى التحقيق...." لا ينطوي على قضاء قطعي بأن مستندات المطعون عليهم
لا تثبت مدعاهم وإنما يفيد أن المحكمة لم تجد في مستندات الخصوم بالحالة التي كانت
عليها ما يكفي لتكوين عقيدتها فرأت استجلاء للحقيقة إحالة الدعوى إلى التحقيق فإنه
لا يكون مانعاً لها بعد تنفيذه من الفصل في الدعوى على ضوء المستندات المقدمة فيها.
4 - لمحكمة الموضوع من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود
طالما أنه جائز قانوناً والوقائع التي أحيلت للتحقيق وقائع مادية يجوز إثباتها
بكافة طرق الإثبات.
5 - الشهادة بالتسامع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - (1) جائزة عند الحنفية في مواضع منها النسب وشرطها أن يكون ما يشهد به
الشاهد أمراً متواتراً مشتهراً سمعه من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب ويشتهر
ويستفيض وتتوافر به الأخبار ويقع في قلبه صدقها، أو أن يخبره به رجلان عدلان أو
رجل وامرأتان عدول.
6 - لا محل لتعييب الحكم بأنه لم يبين شروط الشهادة بالتسامع في
أقوال الشهود لأنها أمور تتصل بتحمل الشهادة وصلتها للشاهد.
7 - تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها وسلطة الترجيح بين
البينات واستظهار واقع الحال ووجه الحق فيها مما يستقل به قاضي الموضوع طالما لم
يخرج عن مدلولها، ولا على الحكم بعد ذلك إذا هو لم يذكر أسماء الشهود أو لم يورد
نص أقوالهم متى كان قد أشار إليهم وأورد مضمون هذه الأقوال.
8 - لا يعيب الحكم أنه لم يتتبع الخصوم في مناحي دفاعهم والرد
عليها استقلالاً متى كان ما أورده يحمل الرد الضمني عليها إذ بحسب الحكم أن يبين
الحقيقة التي اقتنع بها، وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله.
9 - إحالة الطاعنة إلى مواطن النعي على أقوال الشهود التي أوردتها
أمام محكمة الاستئناف دون بيان مضمونها للوقوف على صحة ما تتحدى به يجعل طعنها في
هذا الخصوص مجهلاً وغير مقبول.
10 - النعي بوجود صلة قرابة تربط الشهود بالمطعون عليهم هو جدل
موضوعي يتعلق بتقدير الأدلة غير جائز أمام محكمة النقض.
11 - من المقرر في قضاء النقض أن لقاضي الموضوع سلطة تحصيل فهم
الواقع في الدعوى طالما كان له سنده، وكان لا خروج فيه على الثابت بالأوراق.
12 - لا يعيب الحكم إغفال ذكر نصوص المستندات التي اعتمد عليها ما
دامت مقدمة إلى المحكمة ومبينة في مذكرات الخصوم بما يكفي معه مجرد الإشارة إليها.
13 - مؤدى نص المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية - وعلى ما
جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع أراد أن يضفي على إشهاد الوفاة والوراثة حجية
ما لم يصدر حكم على خلافه ومن ثم أجاز لذوي الشأن ممن لهم مصلحة في الطعن عليه طلب
بطلانه سواء في صورة الدفع في دعوى قائمة أو إقامة دعوى مبتدأة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهم أقاموا
الدعوى رقم 186 لسنة 1953 أمام محكمة القاهرة الشرعية والتي أحيلت عقب توحيد
القضاء إلى محكمة القاهرة الابتدائية وقيدت برقم 68 لسنة 1958 أحوال شخصية ضد
الطاعنة طالبين الحكم بثبوت وفاة...... واستحقاقهم نصف تركته تعصيباً. وقالوا
شرحاً لدعواهم إن المرحوم...... توفى بمدينة باريس في سنة 1952 وخلف تركة وانحصر
إرثه في شقيقته - الطاعنة - وتستحق النصف فرضاً وفيهم بصفتهم أولاد عم ويستحقون
النصف الباقي تعصيباً مرابعة بينهم استناداً إلى أن جدهم الصحيح....... كان
شقيقاً لـ...... جد الطاعنة والمتوفى، وإذ استصدرت الطاعنة في 23 من ديسمبر سنة
1952 من محكمة عابدين الشرعية إعلاماً بانحصار الإرث فيها دونهم، فقد أقاموا
دعواهم بطلباتهم سالفة البيان. وبتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1959 حكمت المحكمة بثبوت
وفاة..... المصري الجنسية بباريس سنة 1952 وانحصار إرثه في شقيقته...... -
الطاعنة - وفي أولاد عمه الشقيق وهم..... و...... ولدي...... المطعون عليهما والأول
والثاني وفي....... ولدي...... المطعون عليهما الثالث والرابع - للأخت الشقيقة
النصف ولأولاد أولاد العم النصف الباقي تعصيباً بالسوية بينهم. استأنفت الطاعنة
هذا الحكم بالاستئناف رقم 1397 لسنة 76 ق القاهرة طالبة إلغاءه ورفض دعوى المطعون
عليهم، وبتاريخ أول فبراير سنة 1961 حكمت محكمة الاستئناف ببطلان الحكم المستأنف
وفي الموضوع بثبوت وفاة المرحوم...... المصري الجنسية بباريس في سنة 1952 وانحصار
إرثه في أخته الشقيقة الطاعنة بحق النصف وفي المطعون عليهم أولاد ولدي عم المتوفى
بحق النصف الباقي بالتساوي فيما بينهم. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وفي
4 من مارس سنة 1964 نقضت المحكمة الحكم وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة
وبعد تعجيلها حكمت المحكمة في 27 من فبراير سنة 1967 ببطلان الحكم المستأنف وبإحالة
الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهم وفاة المرحوم....... وانحصار إرثه في أخته
الشقيقة - الطاعنة - ويخصها النص فرضاً وفيهم باعتبارهم أولاد أولاد عم المورث
ويستحقون باقي تركته تعصيباً دون شريك ولا وراث وبعد سماع شهود الطرفين عادت وحكمت
بتاريخ 12 من مايو سنة 1969 بثبوت وفاة المرحوم....... المصري الجنسية بباريس في
سنة 1952 وانحصار إرثه في أخته الشقيقة الطاعنة وفي المطعون عليهم أولاد ولدي عم
والد المتوفى بحق النصف للأخت الشقيقة والنصف الآخر للباقين بالتساوي فيما بينهم.
طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض. دفع المطعون عليهم ببطلان الطعن وقدمت
النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي الموضوع برفض الطعن. عرض الطعن على
هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة
رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع
بالبطلان أن الطعن بالنقض أقيم بتقرير في قلم الكتاب خلافاً لنص المادة 253 من
قانون المرافعات الحالي رقم 13 لسنة 1968 التي أوجبت رفعه بصحيفة تودع قلم كتاب
محكمة النقض أو المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه كما اتبعت في تحضيره
المادتان 881 و882 من قانون المرافعات في حين أنه يجب أن يكون الطعن بطريق النقض
بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية وفق الإجراءات المقررة للنقض في الفصل الرابع من
الباب الثاني عشر من الكتاب الأول من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا الدفع
بالبطلان في غير محله ذلك أنه لما كان الثابت من الاطلاع على أوراق الطعن أنه رفع
بتقرير وفق المادتين 881/ 2 و882/ 2 من قانون المرافعات وكان يتعين طبقاً للمادة
الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 بشأن بعض الإجراءات في قضايا الأحوال
الشخصية والوقف والمادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون
المرافعات أن يكون الطعن بطريق النقض بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية - وعلى ما
جرى به قضاء هذه المحكمة - وفق الإجراءات المقررة في المادتين 881 و882 من قانون
المرافعات وقد اتبع في تحضير الطعن هذه الإجراءات لما كان ذلك، فإنه يتعين رفض
الدفع.
وحيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على
سببين، تنعى الطاعنة بالوجهين الأولين لكل منهما مخالفة القانون والفساد في
الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه ذهب إلى حكم النقض الصادر
بتاريخ 4 من مارس سنة 1964 في الطعن رقم 20 لسنة 31 ق أحوال شخصية لا يفيد استبعاد
المستندات المقدمة في الدعوى ولا يحول دون محكمة الاستئناف والاعتماد على ما تطمئن
إليه منها بعد الإحالة، وأن حكم التحقيق الذي أصدرته محكمة الاستئناف بتاريخ 27 من
فبراير سنة 1967 لم يقطع برأي في الموازنة بين المستندات المتبادلة، في حين أن
محكمة النقض إنما نقضت حكم محكمة الاستئناف أول مرة لإقامته على سند من الشهادة
المؤرخة 14 شباط سنة 1953 وهي ذات الشهادة التي استند إليها الحكم المطعون فيه، مع
أن ذلك كان يستوجب أن تمتنع محكمة الإحالة عن تأسيس حكمها عليها. هذا إلى أن حكم
التحقيق أشار في أسبابه إلى أن الشهادات المقدمة من طرفي الخصومة يناقض بعضها الآخر
وهو يعني إهدار هذه المستندات بقضاء قطعي يقيد محكمة الموضوع، بما لا يجوز بعده
الاعتماد عليها وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود
ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يترتب على نقض الحكم المطعون
فيه عودة الخصومة إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض، كما يعود الخصوم إلى
مراكزهم الأولى بما كانوا قد أبدوه من دفاع وما تمسكوا به من مستندات، على أن
تلتزم محكمة الإحالة برأي محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها، ويكون
لها مطلق الحرية من بعد في إقامة حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى تحصله حرة من
جميع عناصرها، وكان البين من حكم النقض الصادر في الطعن رقم 20 لسنة 31 ق أحوال
شخصية أنه عاب على حكم محكمة الاستئناف المنقوض قضاءه في الدعوى على أساس شهادة
الوفاة وحصر الإرث الصادرة من الكنيسة المؤرخة 14 شباط سنة 1953 مع تقريره وجود
تعارض بينها وبين مستندات الطاعنة، وأن ما تعللت به لإيثار مستندات المطعون عليهم
لا يصلح مرجحاً دون أن يعرض لأية مسألة قانونية يتحتم إتباعها، مما مفاده أن قضاء
النقض لم يهدر مستندات المطعون عليهم بما يترتب عليه استبعادها أمام محكمة الإحالة،
وكان لا تثريب على الحكم المطعون فيه إذا هو استند في حدود سلطته التقديرية إلى
الشهادة المشار إليها علاوة على ما اطمأن إليه من أقوال الشهود وإلى مستندات جديدة
قدمها المطعون عليهم بعد الإحالة ورجحها على مستندات الطاعنة، لما كان ذلك وكان
الحكم القطعي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ذلك الذي يضع حداً للنزاع في
جملته أو في جزء منه أو في مسألة متفرعة عنه بفصل حاسم لا رجوع فيه من جانب
المحكمة التي أصدرته وكان ما أورده الحكم الصادر بتاريخ 27 من فبراير سنة 1967 من
أن الشهادات المقدمة من الفريقين مناقض بعضها البعض الآخر الأمر الذي لا تستطيع
معه المحكمة التعرف على الورثة الحقيقيين للمورث وكان إثبات الوفاة والوراثة
بالبينة جائزاً لهذا ترى المحكمة أن إحالة الدعوى إلى التحقيق لا ينطوي على قضاء
قطعي بأن مستندات المطعون عليهم لا تثبت مدعاهم، وإنما يفيد أن المحكمة لم تجد في
مستندات الخصوم بالحالة التي كانت عليها ما يكفي لتكوين عقيدتها فرأت استجلاء
للحقيقة إحالة الدعوى إلى التحقيق، فإنه لا يكون مانعاً لها بعد تنفيذه من الفصل
في الدعوى على ضوء المستندات المقدمة فيها. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر
فإن النعي عليه بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي
بالوجه الثالث من السبب الأول وبالوجه الخامس من السبب الثاني الخطأ في تطبيق
القانون والقصور في التسبيب من وجوه أولها أن الحكم المطعون فيه قبل البينة كدليل
إثبات مع أنها لا تجوز في واقعة الدعوى بعد صدور حكمين انتهيا إلى استبعاد مستندات
المطعون عليهم وهما حكم النقض وحكم 27/ 2/ 1967 بما لا يصح معه التحايل على هذين
الحكمين عن طريق الشهود بترديدهم ما حوته تلك المستندات (الثاني) وصف الحكم البينة
بأنها شهادة تسامع دون أن يوضح معناها أو توافر شروطها، وهي ليست كذلك إذ انصبت
أقوال شهود المطعون عليهم إما على وقائع محددة عاصروها وشهدوها أو جاءت نقلاً عن
رجل واحد، وهو لا يكفي في قبولها تسامعاً (الثالث) لم يوضح الحكم أقوال شهود
المطعون عليهم واكتفى باستخلاص النتيجة منها رغم ما عددته الطاعنة عليها من مطاعن
جوهرية أبدتها أمام محكمة الموضوع، واقتصر على نفي الاصطناع عنها دون تبرير لذلك
(الرابع) استبعد الحكم أقوال شهود الطاعنة بمقولة إنها مجهلة وقاصرة دون أن يفصح
عما يأخذه عليها.
وحيث إن النعي بكافة
وجوهه غير سديد، فهو مردود في الوجه (الأول) أنه فضلاً عن أن أياً من الحكمين
المشار إليهما لم يستبعد مستندات المطعون ضدهم فإن لمحكمة الموضوع من تلقاء نفسها
أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود، طالما أنه جائز قانوناً، والوقائع التي أحيلت
للتحقيق وقائع مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات. ومردود في الوجه (الثاني)
بأن الشهادة بالتسامع، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - جائزة عند الحنفية في
مواضع منها النسب وشرطها أن يكون ما يشهد به الشاهد أمراً متواتراً مشتهراً سمعه
من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب ويشتهر ويستفيض وتتوافر به الأخبار ويقع في
قلبه صدقها أو أن يخبره به رجلان عدلان أو رجل وامرأتان عدول.
وإذ كان الثابت من الصورة
الرسمية لمحاضر التحقيق أن الشاهد الأول للمطعون عليهم....... عندما سئل عن مصدر
سلسلة النسب قال "علشان أنا من العائلة واحنا كنا ساكنين في محل واحد"
وأن الشاهدة الثانية....... زوجة الشاهد الأول عللت مصدر معلوماتها بأنها من
عائلة....... كما أوردت الشاهدة الثالثة...... بأنها بنت....... ومن
العائلة". فإن هذه الأقوال تعد من قبيل شهادة التسامع بالمعنى المعرفة به في
فقه الحنفية والراجح في المذهب في هذا الخصوص، ولا يغير من هذا الوصف أنها في
سياقها تضمنت الإدلاء بوقائع أخرى لا تعد من قبيل التسامع. علاوة على أن مصدرها
ليس رجلاً واحداً فإن أول الشهود تسامع من حماته وشقيق صهره ووالده، وثالثة الشهود
تسامعت من أبيها وأمها وأولاد عمها، كما أن الشاهد الرابع....... تسامع من صهره
وخالته وإحدى قريباته، ولا محل لتعييب الحكم بأنه لم يبين شروط الشهادة بالتسامع
في أقوال هؤلاء الشهود لأنها أمور تتصل بتحمل الشهادة وصلتها للشاهد ومردود في
الوجهين (الثالث والرابع) بما أورده الحكم المطعون فيه خاصاً بالشهود من أنه
"...... بالإضافة إلى ما تقدم فقد أشهد المستأنف عليهم المطعون عليهم - على
صحة دعواهم - شهوداً من العائلة هم الأول والثانية والثالث والخامسة ووضح هؤلاء
الشهود في مجموع شهادتهم بأن المستأنف عليهم الأربعة الأول هم أولاد عمومة
للمستأنفة - الطاعنة - وأن طرفي الخصومة ينتسبون معاً إلى الجد الأعلى....... كما
يبين هؤلاء الشهود في مجموع شهادتهم سلسلة النسب صعوداً من...... و....... المطعون
عليهما الثالث والرابع إلى أبيهم........ ثم إلى جدهم....... ثم إلى ابنه.....
وسلسلة النسب صعوداً من..... و..... المطعون عليهما الأول والثاني إلى والدهم ثم
إلى جدهم...... ثم إلى ابنه...... وسلسلة النسب صعوداً من....... الطاعنة
وشقيقها....... المتوفى إلى والدهم...... ثم إلى جدهم....... الذي لم يعقب
سوى...... وسوى....... الذي عقب بنات وليس ذكوراً، أما الخمسة الأخوة أولاد......
وهم...... و....... و...... و..... و...... فقد توفى منهم........ و....... و.......
في حال حياة....... و....... ثم توفى....... شقيق....... المستأنفة، وأن.......
توفى دون أن يخلف ذرية بينما جاءت شهادة شهود النفي الذين أشهدتهم المستأنفة مجهلة
وقاصرة وعاجزة عن نفي ما أثبته المستأنف عليهم بشهودهم وآية ذلك أن الشاهد الأول
رغم أنه قرر بأنه يمت بصلة القرابة للمستأنفة باعتبار أن والدتها ووالده أولاد عم
فإنه عندما سئل عما إذا كان يعرف والد...... قرر أنه يسمع أن اسمه....... وأنه
يعرف من أخوات المستأنفة واحداً اسمه......... وواحداً اسمه...... وكلهم توفوا
وأنه لا يعرف أحد من المستأنف عليهم، وبينما شهد الشاهد الثاني أنه لا يعرف أن
المستأنف عليهم، أولاد أولاد عم...... وأن....... توفوا بالإسكندرية ولا يعرف
شيئاً عن والد...... بينما قرر الشاهد الثالث أن....... توفى بفرنسا وأن أخوات
ماري هم....... وليس لهم أقارب، وإذ كان ذلك، فإن ما تدعيه المستأنفة من أن هناك
اصطناعاً في شهادة شهود الإثبات مبناه الزعم المجرد، ومردود عليه بأن شهادتهم جاءت
قاطعة في صحة النسب فهم جميعاً عدا الرابع من عائلة....... مما يجعلهم أوثق الناس
علماً بالحقيقة وتسامعاً بها......."، ذلك أن تقدير أقوال الشهود واستخلاص
الواقع منها وسلطة الترجيح بين البينات واستظهار واقع الحال ووجه الحق فيها مما
يستقل به قاضي الموضوع طالما لم يخرج عن مدلولها، ولا على الحكم بعد ذلك إذا هو لم
يذكر أسماء الشهود أو لم يورد نص أقوالهم متى كان قد أشار إليهم وأورد مضمون هذه
الأقوال، ولا عليه أيضاً إذا لم يتتبع الخصوم في مناحي دفاعهم والرد عليها
استقلالاً متى كان ما أورده يحمل الرد الضمني عليها، إذ حسب الحكم أن يبين الحقيقة
التي اقتنع بها، وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، لما كان ذلك، وكانت
إحالة الطاعنة إلى مواطن النعي على أقوال الشهود التي أوردتها أمام محكمة
الاستئناف دون بيان مضمونها للوقوف على صحة ما تتحدى به يجعل طعنها في هذا الخصوص
مجهلاً وغير مقبول، وكان ما يثيره كذلك من وجود صلة قرابة تربط الشهود بالمطعون
عليهم هو جدل موضوعي يتعلق بتقدير الأدلة غير جائز أمام محكمة النقض فإن النعي
بكامله يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى
بالأوجه الثالث والرابع والسادس من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في
التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم وهو بسبيل الموازنة بين
مستندات الخصوم أغفل مستندين جوهريين للطاعنة أولهما شهادة السجل المدني المؤرخة
11 من إبريل 1960، والثاني ما جاء بالشق الخاص بالسجل المدني من الشهادة المؤرخة
13 من فبراير 1965، وهما صريحتان في انصراف قيود السجل إلى ورثة....... الذي ادعى
المطعون عليهم وفاته دون ذرية. هذا إلى أن الحكم بنى قضاءه بأن....... الذي تدعيه
الطاعنة والمشار إليه في الشهادتين السالفتين لا يمت بأية صلة لأولاد..... الجد
الأعلى للمتوفى على سند من مقارنة القيود الخاصة والتأشيرات الرسمية دون أن يوضح
ماهية هذه القيود والتأشيرات أو كيفية إجراء المقارنة، ملتفتاً عن الحقائق التي
أبرزتها الطاعنة من أن شخصي الموسيين ينتميان إلى طائفة وكنيسة واحدة وتوفيا في
سنة واحدة وأن الشهادتين تحملان رقماً مسلسلاً واحداً علاوة على أن الحكم أطرح
شهادة قدمتها الطاعنة من بطريكية الروم الكاثوليك بالإسكندرية مثبتة لميلاد طفل
لمن يدعى....... سنة 1923 اعتماداً على شهادة قدمها المطعون عليهم من نفس
البطريكية بالقاهرة تثبت وفاة الوالد في سنة 1917، وفاته أن الشهادة الثانية لا
تصلح للمقارنة لأنها مستخرجة من جهة أخرى، وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب
والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أنه لما كان البين من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه بنى قضاءه استناداً إلى
أن....... هو ابن الجد الجامع لأسرة المتوفى المدعو.......، وأن ما قدمته الطاعنة
من شهادات تشير إلى من يدعى........ - دون ذكر اسم الوالد - لا يمت بأية صلة أو
رابطة للأسرة وأنه خلاف........ المتوفى من غير عقب، واستند الحكم في ذلك إلى
مستندات قدمها المطعون عليهم ومن بينها الشهادة المؤرخة 25 من إبريل سنة 1965
الصادرة من نفس الشخص الذي سبق له أن أصدر الشهادة المقدمة من الطاعنة بتاريخ 13
من فبراير سنة 1965 وقرر فيها أن هذه الشهادة الأخيرة لم تكن بياناتها صحيحة أو
صادقة، علاوة على ما اطمأن إليه من أقوال شهود المطعون عليهم، وكانت الطاعنة لا
تجادل في أن شهادتها المؤرخة 13 من فبراير سنة 1965 تحوي ذات البيانات المثبتة في
شهادتها الأولى المؤرخة 11 من إبريل سنة 1960، وكان المقرر في قضاء النقض أن لقاضي
الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى طالما كان له سنده وكان لا خروج فيه على
الثابت بالأوراق، وكان لا يعيب الحكم إغفال ذكر نصوص المستندات التي اعتمد عليها
ما دامت مقدمة إلى المحكمة ومبينة في مذكرات الخصوم بما يكفي معه مجرد الإشارة
إليها، فإن المحكمة الاستئنافية وهي في مجال الموازنة والترجيح بين المستندات لم
تتعد سلطتها في تقدير الدليل لما كان ذلك، وكان إهدار الحكم دلالة الشهادة المقدمة
من الطاعنة استناداً إلى أنه لا يتصور ولادة طفل لوالد توفى قبل ميلاد ابنه بست
سنوات يعتبر رداً سائغاً عقلاً ومنطقاً، فإن النعي على الحكم بالقصور والفساد يكون
على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى
بالوجه السابع من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه خطأه في فهم الواقع في
الدعوى، ذلك أنه نسب إلى الطاعنة تمسكها بالإعلام الشرعي الذي حصر الميراث فيها،
على حين أن دفاعها في خصومة يقوم على أن عجز المطعون عليهم عن إقامة الدليل على
وراثتهم من شأنه أن يقر للإعلام حجيته.
وحيث إنه لما كان مؤدى نص
المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة -
أن المشرع أراد أن يضفي على إشهاد الوفاة والوراثة حجية ما لم يصدر حكم على خلافه،
ومن ثم أجاز لذوي الشأن ممن لهم مصلحة في الطعن عليه طلب بطلانه سواء في صورة
الدفع في دعوى قائمة أو إقامة دعوى مبتدأة، وكان ما قرره الحكم بعد أخذه بدليل
المطعون عليهم لا يخرج عن هذا المعنى فإن النعي يكون ولا محل له.
وحيث إنه لما تقدم يتعين
رفض الطعن برمته.
(1)نقض 27/ 3/ 1968 مجموعة المكتب الفني السنة 19 ص 614.
ونقض مدني 4/ 1/ 1967
مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 54.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق