جلسة 20 من ديسمبر سنة 1945
برياسة حضرة محمد كامل مرسى بك المستشار وحضور حضرات: أحمد نشأت بك
ومحمد المفتى الجزايرلى بك وأحمد على علوبة بك ومحمد توفيق إبراهيم بك المستشارين.
--------------
(11)
القضية
رقم 24 سنة 15 القضائية
حكم. تسبيبه.
بناء الحكم على فهم مخالف للثابت بالأوراق. نقض.
---------------
إذا بنت محكمة الموضوع
حكمها على فهم حصّلته مخالف لما هو ثابت في أوراق الدعوى فقد عار الحكم بطلان جوهري
ووجب تقضه.
الوقائع
تتحصل وقائع هذا الطعن في أن الطاعنة أقامت على المطعون ضدها الدعوى
رقم 1597 سنة 1941 أمام محكمة مصر الابتدائية وقالت فيه إنها تملك قطعة أرض فضاء
مساحتها 1700 متر مربع واقعة عند ملتقى شارعي قصر النيل والبستان وقد آجرتها في 7
من أكتوبر سنة 1940 إلى سيدتين لتقيما عليها داراً للسينما وحلبة للانزلاق بأجرة
متوسطها خمسة وأربعون جنيها في الشهر لمدة ثلاث سنوات، على أن يكون نفاذ الإجارة
معلقاً على ترخيص جهة الإدارة للمستأجرين في إقامة منشأتيهما، وأن وزارة الداخلية
أبدت للطاعنة رغبتها في الاستيلاء على تلك الأرض لتنشئ فيها مخابئ للوقاية من
الغارات الجوية فاعتذرت بسبق إيجارها، وبسبب ذلك رفضت الوزارة الترخيص الذى طلبته
المستأجرتان تعسفاً منها فانفسخت الإجارة، ثم أصدرت الوزارة قراراً في 5 من فبراير
سنة 1940 بالاستيلاء على الأرض لإنشاء مخبأ فيها متوسلة بهذا القرار لستر الغرض الحقيقي
منه، وهو تمكين السلطات العسكرية البريطانية من إنشاء مخبأ بها للعسكريين من
رجالها، في حين أن تلك السلطات كانت إلى يوم 13 من يناير سنة 1941 تفاوض الطاعنة
في استئجار أرضها لهذا الغرض، وقد عرضت عليها أجرة شهرية قدرها ثلاثون جنيهاً. وما
أن صدر قرار الاستيلاء حتى انقطعت تلك المفاوضات وأنشأت السلطات العسكرية
البريطانية مخبأها في مساحة مقدارها 1282 متراً مربعاً بينما لم يتجاوز المسطح
الذى بنت فيه وزارة الداخلية مخبأها مداراة للموقف الـ375 متراً. وأضافت الطاعنة
إلى ما تقدم أنه لما كان القانون رقم 63 لسنة 1940 لا يجيز للحكومة الاستيلاء على
أملاك الأفراد لتمكين السلطات البريطانية منها، وكان صدور قرار الاستيلاء من
الوزارة قد ألحق بالطاعنة ضرراً فعلياً إذ حرمها من تقاضى أجرة أرضها من السلطات
العسكرية البريطانية فهي تطلب الحكم على وزارة الداخلية بملغ 315 ج على سبيل
التعويض مقدراً بقيمة الأجرة من تاريخ الاستيلاء في 5 من فبراير سنة 1941 إلى يوم
4 من سبتمبر سنة 1941 على أساس 45 ج شهرياً، وبما يستجد من التعويض على هذا الأساس
لغاية تسليم الأرض بعد إعادتها إلى حالتها الأولى. وفى 26 من يناير سنة 1943 حكمت
محكمة مصر الابتدائية برفض الدعوى. فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف
مصر. وفى 22 من يناير سنة 1945 قضت محكمة الاستئناف بتأييده، وألزمت الطاعنة
بالمصاريف الخ، وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنة فقرر وكيلها الطعن فيه بطريق النقض
بتقرير أعلن إلى المطعون ضدها طالباً نقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بإلغاء
الحكم الابتدائي وبطلبات الطاعنة التى قصرتها لدى محكمة الاستئناف على مبلغ 315
جنيهاً متجمد التعويض وعلى ما استجد منه منذ 5 من سبتمبر سنة 1941 لغاية سنة 1943
على أساس خمسة وأربعين جنيهاً في الشهر، واحتياطياً بإحالة الدعوى إلى محكمة
استئناف مصر لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى الخ. وقد أودع طرفا الخصومة مذكراتهما
ومستنداتهما في الميعاد. كما أودعت النيابة العمومية مذكرتها في أول يوم من شهر
نوفمبر سنة 1945 طالبة رفض الطعن. وبجلسة 13 من ديسمبر سنة 1945 نظر الطعن على
الوجه المبين بمحضرها وأرجئ الحكم فيه إلى اليوم حيث صدر بالآتي:
المحكمة
وحيث إن مما تعيبه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه خالف الثابت
بالمستندات إذ قال إن قرار الاستيلاء الصادر من وزارة الداخلية في 5 من فبراير سنة
1941 إنما صدر تنفيذاً للأغراض التي قصدها الشارع من القانون رقم 63 لسنة 1940 مع
أن كتاب حكمدارية البوليس المؤرخ في 14 من ديسمبر سنة 1940 يفيد أن وزارة الداخلية
لم ترفض الترخيص للمستأجرتين من الطاعنة في إنشاء دار السينما وحلبة الانزلاق إلا
لأن الجيش البريطاني كتب إليها يخطرها بأنه في حاجة إلى الأرض لأغراضه الخاصة
فبادرت إلى الاستيلاء عليها لتمكينه منها. كما خالف الحكم الثابت بالمستندات أيضا
وما جاء بمذكرة الوزارة إذ قال إن الطاعنة لم ينلها ضرر فعلى من قرار الاستيلاء،
مع أن الخطاب المقدم منها لمحكمة الموضوع والصادر إليها من القيادة البريطانية يدل
على أن الاتفاق بينهما على الإيجار كان قد تم وانحصر الخلاف في تقدير الأجرة التي
حرمت الطاعنة منها بصدور القرار. والوزارة - وهى تسرد في مذكرتها السبب الذى من
أجله تناول قرار الاستيلاء الأرض بكامل مسطحها (مع أن المخبأ الذى أنشأته فيها لم
يشغل ما يزيد على 328 متراً) - قالت إن إدارة مخازن "النافي" البريطانية
قد استولت في فترة صدور القرار على الجزء الباقى من الأرض. ومعنى هذا أن قيادة
الجيش البريطاني - باعتراف الوزارة - كانت قد استولت قبل صدور القرار على أربعة
أخماس الأرض، وهذا الاستيلاء ليس من قبيل الغصب بل هو تنفيذ لاتفاقها مع الطاعنة
على الاستئجار.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه - وهو يدفع ما نسبته الطاعنة إلى وزارة الداخلية من أن رفضها الترخيص بإنشاء
دار السينما وحلبة الانزلاق على الأرض تمهيداً لصدور قرار الاستيلاء عليها لحساب
القيادة البريطانية - قال إن رفض الترخيص إنما كان في حدود ما خول للوزارة من
تقدير ملاءمة فتح محل عام في موقع معين، ولا جناح عليها إذا كانت قد أدخلت في تقديرها
ما أشير إليه في خطاب 14 من ديسمبر سنة 1940 "المرسل من الإدارة للمستأنفة
برفض الترخيص من عدم موافقة القيادة البريطانية على فتح هذين المحلين في ذلك
الموقع... تجاه معسكر قصر النيل وهو يضم كثيراً من الجنود إذ لا يخفى أن من عناصر
التقدير عند النظر في طلب الترخيص مراعاة المحيط الذى يقام فيه المحل العام".
وحيث إنه تبين من
المستندات المقدمة من وزارة الداخلية والتي كانت تحت نظر محكمة الموضوع أن الكتاب
الذى قصده الحكم والذى أشارت إليه الطاعنة هو كتاب مرسل من مساعد الحكمدار بفرقة
"ب" إلى حكمدار بوليس مصر في 14 من ديسمبر سنة 1940 يعيد به إليه أوراق
طلب الترخيص ويحيطه علماً بأنه لا يوافق على هذا الطلب "لما جاء بكتاب الجيش البريطاني
المرفق بالأوراق طيه". وهذا الخطاب مرفق بكتاب من محافظة مصر إلى مساعد
الحكمدار بفرقة "ب" تاريخه أول يناير سنة 1940 يبلغه فيه أنه لا يوافق
على الترخيص "للأسباب المنوه عنها بكتاب الفرقة الآنف ذكره". أما كتاب
الجيش البريطاني الذى يحيل إليه خطاب الفرقة فلم يوجد بالأوراق، وظاهر أن خطاب 14
من ديسمبر سنة 1940 لا يشير إلى أن عدم موافقة القيادة البريطانية على الترخيص
إنما يرجع إلى الموقع دون أى سبب آخر.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه - وهو في معرض نفى الضرر الذى ادعته الطاعنة من جراء حرمانها من الأجرة التي
كان على القيادة البريطانية أن تؤديها إليها - قال إن الخطابين الصادرين إلى
الطاعنة من القيادة في 31 من ديسمبر سنة 1940 و13 من يناير سنة 1941 ليس فيهما سوى
إيجاب زال أثره إذ لم يصادفه قبول. كما ذكر الحكم نقلا عن مذكرة الوزارة المقدمة
لمحكمة الاستئناف أنه في الفترة ما بين استصدار قرار الاستيلاء وتسليم العقار
لمقاول الوزارة كانت إدارة مخازن "النافي" قد طلبت من الجيش البريطاني
إقامة مخبأ لعمالها على أرض الطاعنة فأقام الجيش مخبأ قبل أن تنشئ وزارة الداخلية
مخبأها العام.
وحيث إن خطاب 31 من ديسمبر
سنة 1940 تضمن في بدايته الإشارة إلى علم القيادة بأن أرض الطاعنة لن تقام عليها
دار للسينما وحلبة للانزلاق، ثم إلى خطاب سابق بتاريخ 14 من أكتوبر سنة 1940
أبلغتها فيه القيادة أنها في حاجة إلى أرضها لتقيم عليها مخابئ من الغارات الجوية
لا يقتصر استعمالها على العسكريين من رجالها وإنما يستعملها أيضا الجمهور، كما
تضمن خطاب 31 من ديسمبر سنة 1940 دعوة الطاعنة إلى وضع هذه الأرض تحت تصرف السلطات
العسكرية البريطانية بغير أجر أو تعيين الشروط التي تريد على مقتضاها إيجارها لهذه
السلطات. أما خطاب 13 من يناير سنة 1941 قد أشار إلى ما فهمه ممثل القيادة
البريطانية من الأستاذ عريف مندوب الطاعنة من أنها ليست على استعداد لأن تقبل من
الأجرة أقل من خمسين جنيهاً شهرياً قائلا إنها أجرة عالية جداً بالنسبة إلى ظروف
الحال والغرض المقصود من المطالبة بالأرض، لكن وزارة الحرب البريطانية مستعدة لأن
تدفع إيجاراً أقصاه 360 جنيهاً سنوياً، وأنه بسبب شدة الاستعجال في هذه المسألة
على الطالبة أن تبلغ القيادة قبولها هذا العرض في أقرب فرصة ممكنة وإلا فلا مندوحة
من إحالة الأمر إلى لجنة المطالبة.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه أغفل الشطر الأخير من خطاب 13 من يناير سنة 1941 فيما يتعلق بإحالة الأمر إلى
لجنة المطالبة ولم يتعرض له بشيء.
وحيث إن وزارة الداخلية -
وهى تعطل السبب في شمول قرار الاستيلاء على الأرض بكامل سطحها مع أن المخبأ العام
لم يشغل إلا 328 مترا - قالت في مذكرتها إن سبب ذلك يرجع إلى "استيلاء إدارة
(النافي) على جزء منها فترة صدور قرار الاستيلاء". ولا يمكن أن تنصرف تلك
الفترة إلا إلى الوقت الذى استغرقته الإجراءات التي انتهت بصدور القرار. ومعنى هذا
أن استيلاء الجيش البريطاني كان قبل صدور القرار لا بعده.
وحيث إنه يبين مما تقدم
أن محكمة الموضوع بنت حكمها على فهم للواقع حصلته من أوراق يخالف الثابت فيها ما
استمدته منها، وهذا يعيب الحكم ويوجب نقضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق