جلسة 6 يناير سنة 2018
برئاسة السيد القاضي/ سمير فايزي عبد الحميد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ عبد الصمد محمد هريدى، محمد مأمون سليمان، عبد الناصر عبد اللاه فراج ووليد ربيع السعداوي نواب رئيس المحكمة.
-------------
(3)
الطعنان رقما 799، 800 لسنة 72 القضائية
(1) نقض "الخصوم في الطعن بالنقض:
الخصوم بصفة عامة".
الاختصام في الطعن. عدم كفاية اختصام المطعون ضده في الخصومة الصادر
فيها الحكم المطعون فيه. وجوب كونه خصما حقيقيا وجهت إليه طلبات أو وجه هو إلى
خصمه طلبات وبقي على منازعته حتى صدور الحكم لصالحه. اختصام المطعون ضدهم من
الثالث للخامس بصفاتهم أمام محكمة الموضوع ليصدر الحكم في مواجهتهم ووقوفهم من
الخصومة موقفا سلبيا ولم يقض لهم أو عليهم بشيء. أثره. عدم قبول الطعن بالنسبة لهم.
(2 - 9) أموال "الأموال العامة:
ماهيتها" "الأموال العامة للدولة: الترخيص في الانتفاع بالمال
العام". إيجار "تشريعات إيجار الأماكن: ما يخرج عن نطاق سريانها:
الترخيص بالانتفاع بالأملاك العامة". عقد "تحديد موضوع العقد: تكييف
العقد".
(2) الأموال العامة. ماهيتها. م 87 مدني.
(3) الأسواق
التي تخصصها الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى للنفع العام. اعتبارها من الأموال
العامة. الترخيص بالانتفاع بها يكون مقابل رسم لا أجرة.
(4) إدارة الدولة للمرافق العامة. لا يمنعها
من العهد بإدارتها واستغلالها إلى فرد أو شركة. مؤداه. الملتزم في إدارتها يكون
معاونا للدولة ونائبا عنها. عدم اعتبار ذلك تنازلا أو تخليا من الدولة عن المرفق
العام. أثره. للدولة التدخل في شئون ذلك المرفق إذا اقتضت المصلحة ذلك ولو كان قبل
انتهاء مدة الترخيص.
(5) تصرف السلطة الإدارية في الأموال العامة
لانتفاع الأفراد بها. سبيله. الترخيص المؤقت مقابل رسم لا أجرة. تكييف العلاقة
الرابطة لجهة الإدارة بالمنتفع بالمال العام. العبرة فيه بحقيقة الواقع وحكم
القانون ما دام العقد متعلقا بمال عام واستهدفت تلك الجهة تحقيق مصلحة عامة.
(6) ثبوت إنشاء عيني النزاع على أرض مملوكة
للدولة بموجب قرار تخصيص صدر من المحافظ المختص للشركة الطاعنة في الطعن الثاني
لمدة محددة. مؤداه. استهداف جهة الإدارة تحقيق مصلحة عامة محلها مال عام. ترخيص
تلك الشركة للمطعون ضده الأول في الطعنين بمزاولة نشاط تجاري. لازمه. ترخيص مقابل
رسم ولمدة محددة. عدم خضوعه لقانون إيجار الأماكن. انتهاء الحكم الابتدائي المؤيد
بالحكم المطعون فيه إلى تكييف تلك العلاقة بأنها إيجارية تخضع لقانون إيجار
الأماكن مرتبا على ذلك عدم قبول الدعوى الفرعية المقامة من الطاعنة في الطعن الأول
بصحة ونفاذ العقد المبرم بينها وبين الشركة الطاعنة في الطعن الثاني على ذات
المحلين لعدم إشهار صحيفتها باعتبار محلها حق عيني متفرع عن حق الملكية. خطأ. علة
ذلك.
(7) تكييف العقود وإنزال حكم القانون عليها.
خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(8) تكييف العقود. العبرة فيه بحقيقة الواقع
والنية المشتركة للطرفين. مؤداه. عدم الاعتداد بالألفاظ التي صيغت في تلك العقود
أو بالتكييف الذي أسبغه الطرفان عليها.
(9) انتهاء المحكمة إلى نقض الحكم المطعون
فيه. لازمه. إلغاء الحكم المستأنف والقضاء برفض الدعوى الأصلية وبصحة ونفاذ عقد
الترخيص للمدعية فرعيا بالانتفاع بالمحلين. علة ذلك.
---------------
1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه لا يكفي أن يكون المطعون ضده
طرفا في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بل يجب أن يكون خصما
حقيقيا وجهت إليه طلبات من خصمه أو وجه هو طلبات إليه، وأنه بقي على منازعته معه
ولم يتخل عنها حتى صدور الحكم لصالحه فيها. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن
اختصام المطعون ضدهم من الثالث إلى الخامس أمام محكمة الموضوع كان ليصدر الحكم في
مواجهتهم بصفاتهم، وقد وقفوا من الخصومة موقفا سلبيا ولم يقض لهم أو عليهم بشيء،
ومن ثم لا يقبل اختصامهم في الطعن بالنقض ويتعين عدم قبول الطعنين بالنسبة لهم.
2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن مفاد
النص في المادة 87 من التقنين المدني يدل - وعلى ما أفصحت عنه الأعمال التحضيرية
للقانون المدني - بأن المشرع لم يحدد الأشياء العامة بل وضعها كلها في عبارة موجزة
واضحة وتجنب تعدادها بما وضعه من معيار التخصيص للمنفعة العامة، وهو معيار يضع
تعريفا عاما تتحدد بمقتضاه الأموال العامة دون حاجة لتعدادها كما كان هو الحال في
القانون المدني القديم.
3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن
الأسواق التي تقيمها الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى تعتبر من الأموال العامة
بحكم تخصيصها للمنفعة العامة، وأن الترخيص بالانتفاع بها يكون مقابل رسم لا أجرة.
4 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الأصل
في المرافق العامة أن تتولاها الدولة إلا أنه ليس هناك مانع من أن تعهد الدولة
بإدارتها واستغلالها إلى فرد أو شركة، ولا يخرج الملتزم في إدارتها أن يكون معاونا
للدولة ونائبا عنها، وهذه الطريقة غير المباشرة لإدارة المرفق العام لا تعتبر
تنازلا أو تخليا من الدولة عن المرفق العام بل تظل ضامنة ومسئولة عن إدارته
واستغلاله قبل الشعب، ولها في سبيل القيام بهذا الواجب أن تتدخل في شئون المرافق
العامة كلما اقتضت المصلحة هذا التدخل ولو كان ذلك قبل انتهاء مدة الترخيص.
5 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن تصرف
السلطة الإدارية في الأموال العامة لانتفاع الأفراد بها لا يكون إلا على سبيل
الترخيص، وهذا يعتبر بذاته وبطبيعته مؤقتا وغير ملزم للسلطة العامة التي لها دائما
- ولدواعي المصلحة العامة - الحق في إلغائه والرجوع فيه ولو قبل حلول أجله، ويكون
منحه للمنتفع مقابل رسم لا أجرة، والعبرة في تكييف العلاقة التي تربط جهة الإدارة
بالمنتفع بالمال العام هو بحقيقة الواقع وحكم القانون ما دام العقد قد تعلق بمال
عام وكانت جهة الإدارة تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة.
6 - إذ كان البين من الواقع المطروح بالأوراق
- وبلا منازعة من الخصوم - أن قرية ... بفنادقها وسوقها التجاري الكائنة به عيني
النزاع قد أنشئت على أرض طرح بحر بشاطئ بورسعيد مملوكة للدولة بموجب قرار تخصيص
صدر من محافظ بورسعيد محدد المدة خمسة وعشرين عاما لشركة ... للتنمية السياحية
(الطاعنة في الطعن الثانى) وهي شركة مساهمة مصرية أنيط بها إنشاء وإدارة القرية
السياحية بقصد استغلال أرض الشاطئ المملوك للدولة، بما ينبئ بجلاء عن أن جهة
الإدارة استهدفت تحقيق مصلحة عامة محلها مال عام، وكان سوق القرية السياحية قد
أنشئ على أرض مملوكة للدولة بقصد تقديم الخدمات لرواد القرية وتوفير احتياجاتهم
ولوازمهم، ومن ثم فإن ترخيص الشركة الطاعنة لمن يرغب في مزاولة النشاط التجاري
المحدد بنوعه من جانبها - وطبقا للشروط والأوضاع المنصوص عليها بكراسة شروط شغل
هذه المحلات - لا يكون إلا مقابل رسم لا أجرة، ولمدة محددة لا تخضع لقانون إيجار
الأماكن الاستثنائي رقم 49 لسنة 1977، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بقضاء الحكم
المطعون فيه قد خالف هذا النظر وانتهي إلى تكييف العلاقة بين الطاعن بصفته
والمطعون ضده الأول بأنها علاقة إيجارية تخضع للقانون رقم 49 لسنة 1977 مما يعيب
الحكم المطعون فيه بمخالفة الثابت بالأوراق والخطأ في تطبيق القانون، وقد جره ذلك
الخطأ إلى خطأ مثله، إذ انتهي إلى رفض الدعوى الفرعية على ما أورده بأسبابه من أن
العقد المؤرخ 15/ 8/ 1998 المبرم بين الطاعنة في الطعن رقم 799 لسنة 72 ق والشركة
المطعون ضدها الثانية المتضمن الترخيص للطاعنة بالانتفاع بذات المحلين حتى 30/ 6/
2012 محله حق من الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية، ورتب على ذلك القضاء بعدم
قبول الدعوى الفرعية لعدم إشهار صحيفتها مستندا إلى نص المادتين 24 مكررا و34
مكررا / 1 من القانون رقم 70 لسنة 1961 بشأن رسوم التوثيق والشهر المضافتين
بالقانون رقم 6 لسنة 1991، بما يعيبه ويوجب نقضه.
7 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن تكييف
العقود وإنزال حكم القانون عليها يخضع لرقابة محكمة النقض.
8 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن
العبرة في تكييف العقود هي بحقيقة الواقع والنية المشتركة التي اتجهت لها إرادة
الطرفين دون الاعتداد بالألفاظ التي صيغت في هذه العقود أو بالتكييف الذي أسبغه
الطرفان عليها.
9 - إذ كانت المحكمة قد انتهت إلى نقض الحكم
المطعون فيه، وكان الحكم الابتدائي (المستأنف) قد انتهي إلى ثبوت العلاقة
الإيجارية واعتبر العقد المبرم بين الطاعنة في الطعن 799 لسنة 72 ق (المدعية
فرعيا) وشركة ... للتنمية السياحية المؤرخ 18/ 11/ 1998 والمعنون عقد بيع حق
انتفاع على أنه حق عيني مع أنه في حقيقة الواقع لا يعدو أن يكون ترخيص للمدعية
فرعيا بالانتفاع بالمحلين للمدة وبالمقابل النقدي الواردين به باعتبار أن محله مال
عام لا يجوز التصرف فيه أو ترتيب حق انتفاع عيني عليه، وكان الحكم الابتدائي قد
رتب على هذا الفهم حكمه بعدم قبول الدعوى بطلب صحة العقد ونفاذه على الرغم من أن
شركة ... للتنمية السياحية (المدعي عليها فرعيا) قد سلمت للمدعية فرعيا بالطلبات
في مذكرتها المقدمة لمحكمة أول درجة بجلسة 28/ 5/ 2000، ومن ثم يتعين القضاء في
موضوع الاستئنافين رقمي ...، ... لسنة 41 ق الإسماعيلية (مأمورية بورسعيد) بإلغاء
الحكم المستأنف وبرفض الدعوى الأصلية، وفي الدعوى الفرعية بصحة ونفاذ العقد المؤرخ
28/ 11/ 1998 المتضمن الترخيص للمدعية فرعيا بالانتفاع بالمحلين حتى 30/ 6/ 2012.
-------------
الوقائع
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق -
تتحصل في أن المطعون ضده الأول في الطعنين أقام على الطاعنين وباقي المطعون ضدهم
الدعوى رقم ... لسنة 1998 أمام محكمة بورسعيد الابتدائية بطلب الحكم بثبوت العلاقة
الإيجارية بينه وبين رئيس مجلس إدارة قرية ... السياحية بصفته (الطاعن في الطعن
رقم 800 لسنة 72 ق) عن المحلين رقمي 12، 13 بالسوق التجاري بقرية ... ببورسعيد
نظير أجرة شهرية مقدارها أربعمائة جنيه بخلاف استهلاك الكهرباء والتليفون وإلزامه
بتحرير عقد إيجار وبإلغاء العقد المحرر عن ذات المحلين لصالح الطاعنة في الطعن رقم
799 لسنة 72 ق لمخالفته لنص المادة 24 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وبطلانه وبمنع
تعرضهما له في استعماله وانتفاعه بالمحلين، وقال في شرح ذلك إنه استأجر المحلين
المذكورين منذ عام 1989 واستلمهما بموجب محضر استلام مؤرخ 23/ 2/ 1989 بغرض
استعمالهما في نشاط بيع الملابس الجاهزة والأحذية، وباشر نشاطه فيهما بعد أن أعاد
بناءهما وتجهيزهما بالديكورات والأدوات اللازمة لذات النشاط، وأن الطاعن في الطعن
رقم 800 لسنة 72 ق بصفته امتنع عن تحرير عقد إيجار رغم تكرار مطالبته بذلك، وأبرم
عقد بيع حق الانتفاع عن ذات المحلين لصالح الطاعنة في الطعن رقم 799 لسنة 72 ق
بالمخالفة لنص المادة 24 من القانون رقم 49 لسنة 1977، ومن ثم فقد أقام الدعوى.
أقامت الطاعنة في الطعن رقم 799 لسنة 72 ق دعوى فرعية بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد
البيع المؤرخ 15/ 8/ 1998، وقالت شرحا لذلك إن الطاعن بصفته في الطعن رقم 800 لسنة
72 ق باع لها حق الانتفاع بالمحلين المذكورين بموجب ذلك العقد لمدة محددة تنتهي في
30/ 6/ 2012 مقابل سبعين ألف جنيه وتجدد تلقائيا لمدد أخرى، وأنها استلمتهما
خاليين، وأن المطعون ضده الأول تعرض لها في حيازتهما، ندبت المحكمة خبيرا في
الدعويين، وبعد أن أودع تقريره حكمت في الدعوى الأصلية بثبوت العلاقة الإيجارية
للمطعون ضده الأول عن المحلين من 23/ 2/ 1989 بأجرة شهرية أربعمائة جنيه بخلاف
قيمة استهلاك الكهرباء والمكالمات الهاتفية، وبرفض طلب إلغاء العقد المبرم بين
الطاعنين عن المحلين، وبعدم قبول طلب منع تعرض الطاعنة في الطعن رقم 799 لسنة 72
ق، وفي الدعوى الفرعية بعدم قبولها. استأنفت الطاعنة في الطعن رقم 799 لسنة 72 ق
هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 41 ق الإسماعيلية "مأمورية بورسعيد"
كما استأنفه الطاعن في الطعن رقم 800 لسنة 72 ق بالاستئناف رقم ... لسنة 41 ق أمام
ذات المحكمة، ضمت المحكمة الاستئنافين، وبتاريخ 22/ 1/ 2002 قضت المحكمة بتأييد
الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بالنقض رقم 799 لسنة 72 ق، كما طعن
الطاعن بصفته - شركة ... للتنمية السياحية - بالطعن رقم 800 لسنة 72 ق، وأودعت
النيابة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعنين قبل المطعون ضدهم من الثالث للأخير
وأبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعنان على هذه المحكمة - في
غرفة مشورة - حددت جلسة لنظرهما، وبجلسة المرافعة قررت المحكمة ضمهما، والتزمت
النيابة رأيها.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي
المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة بعدم قبول الطعنين قبل المطعون
ضدهم من الثالث للخامس بصفاتهم أن اختصامهم في الدعوى ليصدر الحكم في مواجهتهم ولم
توجه منهم أو إليهم أية طلبات ولم يقض لهم أو عليهم بشيء.
وحيث إن هذا الدفع في محله، ذلك أن من المقرر - في قضاء محكمة النقض -
أنه لا يكفي أن يكون المطعون ضده طرفا في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم
المطعون فيه، بل يجب أن يكون خصما حقيقيا وجهت إليه طلبات من خصمه أو وجه هو طلبات
إليه، وأنه بقي على منازعته معه ولم يتخل عنها حتى صدور الحكم لصالحه فيها. لما
كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن اختصام المطعون ضدهم من الثالث إلى الخامس أمام
محكمة الموضوع كان ليصدر الحكم في مواجهتهم بصفاتهم، وقد وقفوا من الخصومة موقفا
سلبيا ولم يقض لهم أو عليهم بشيء، ومن ثم لا يقبل اختصامهم في الطعن بالنقض ويتعين
عدم قبول الطعنين بالنسبة لهم.
وحيث إنه - فيما عدا ما تقدم - فإن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما
الشكلية.
وحيث إن كلا الطعنين قد أقيما على ثلاثة أسباب ينعى بها الطاعنان على
الحكم الابتدائي المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد
في الاستدلال والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقولان:
إن السوق التجاري الكائنة به عينا النزاع قد أنشئ على أرض طرح بحر بشاطئ بورسعيد
بقرية ... السياحية بين فندق ... وشاليهات ...، وهي أرض مملوكة للدولة ملكية عامة،
وأن محافظ بورسعيد خصصها للشركة الطاعنة بموجب قراره رقم 286 لسنة 1986 لاستعمالها
في إقامة مشروع سياحي بالنظام الفندقي كحق انتفاع لمدة خمسة وعشرين عاما، وأن
الشركة الطاعنة أقامت عليها قرية ... السياحية عبارة عن وحدات شقق فندقية، كما
أقامت سوقا تجاريا عبارة عن محلات خشبية مميزة ومعدة للاستغلال التجاري لأداء
الخدمات التكميلية اللازمة لخدمة المشروع وطرحتها بكراسة شروط بنظام إشغال مؤقت
مشتق من النظام الفندقي ينتهي بانتهاء المدة المحددة له، ولا يخضع لأحكام القانون
رقم 49 لسنة 1977 الخاص ببيع وتأجير الأماكن بل يكون الانتفاع بها بموجب ترخيص
بالتخصيص من إدارة القرية السياحية طبقا للشروط المحددة بكراسة الشروط ومن بينها
حق الشركة في إلغاء قرار التخصيص والإخلاء دون صدور حكم من القضاء، وإذ قضى الحكم
الابتدائي المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه بإخضاع عيني النزاع لأحكام قانون إيجار
الأماكن وانتهي إلى تكييف العلاقة بينهما أنها علاقة إيجارية لم يرد بالأوراق ما
يفيد انقضاءها، ورتب على ذلك الحكم بثبوتها بين الشركة الطاعنة في الطعن المنضم
والمطعون ضده الأول، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن النص في المادة 87 من التقنين المدني
على أنه "تعتبر أموالا عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص
الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضي قانون أو مرسوم
أو قرار من الوزير المختص" يدل - وعلى ما أفصحت عنه الأعمال التحضيرية
للقانون المدني - بأن المشرع لم يحدد الأشياء العامة بل وضعها كلها في عبارة موجزة
واضحة وتجنب تعدادها بما وضعه من معيار التخصيص للمنفعة العامة، وهو معيار يضع
تعريفا عاما تتحدد بمقتضاه الأموال العامة دون حاجة لتعدادها كما كان هو الحال في
القانون المدني القديم، ومن ثم فإن الأسواق التي تقيمها الدولة أو الأشخاص العامة
الأخرى تعتبر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من الأموال العامة بحكم تخصيصها
للمنفعة العامة، وأن الترخيص بالانتفاع بها يكون مقابل رسم لا أجرة، ومن المقرر -
أيضا - أن الأصل في المرافق العامة أن تتولاها الدولة إلا أنه ليس هناك مانع من أن
تعهد الدولة بإدارتها واستغلالها إلى فرد أو شركة، ولا يخرج الملتزم في إدارتها أن
يكون معاونا للدولة ونائبا عنها، وهذه الطريقة غير المباشرة لإدارة المرفق العام
لا تعتبر تنازلا أو تخليا من الدولة عن المرفق العام بل تظل ضامنة ومسئولة عن
إدارته واستغلاله قبل الشعب، ولها في سبيل القيام بهذا الواجب أن تتدخل في شئون
المرافق العامة كلما اقتضت المصلحة هذا التدخل ولو كان ذلك قبل انتهاء مدة
الترخيص، ومن المقرر - أيضا - أن تصرف السلطة الإدارية في الأموال العامة لانتفاع
الأفراد بها لا يكون إلا على سبيل الترخيص، وهذا يعتبر بذاته وبطبيعته مؤقتا وغير
ملزم للسلطة العامة التي لها دائما - ولدواعي المصلحة العامة - الحق في إلغائه
والرجوع فيه ولو قبل حلول أجله، ويكون منحه للمنتفع مقابل رسم لا أجرة، والعبرة في
تكييف العلاقة التي تربط جهة الإدارة بالمنتفع بالمال العام هو بحقيقة الواقع وحكم
القانون ما دام العقد قد تعلق بمال عام وكانت جهة الإدارة تهدف إلى تحقيق مصلحة
عامة. لما كان ذلك، وكان البين من الواقع المطروح بالأوراق - وبلا منازعة من
الخصوم - أن قرية ... بفنادقها وسوقها التجاري الكائنة به عيني النزاع قد أنشئت
على أرض طرح بحر بشاطئ بورسعيد مملوكة للدولة بموجب قرار تخصيص صدر من محافظ
بورسعيد محدد المدة خمسة وعشرين عاما لشركة ... للتنمية السياحية (الطاعنة في
الطعن الثاني) وهي شركة مساهمة مصرية أنيط بها إنشاء وإدارة القرية السياحية بقصد
استغلال أرض الشاطئ المملوك للدولة، بما ينبئ بجلاء عن أن جهة الإدارة استهدفت
تحقيق مصلحة عامة محلها مال عام، وكان سوق القرية السياحية قد أنشئ على أرض مملوكة
للدولة بقصد تقديم الخدمات لرواد القرية وتوفير احتياجاتهم ولوازمهم، ومن ثم فإن
ترخيص الشركة الطاعنة لمن يرغب في مزاولة النشاط التجاري المحدد بنوعه من جانبها -
وطبقا للشروط والأوضاع المنصوص عليها بكراسة شروط شغل هذه المحلات - لا يكون إلا
مقابل رسم لا أجرة، ولمدة محددة لا تخضع لقانون إيجار الأماكن الاستثنائي رقم 49
لسنة 1977، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه قد خالف هذا
النظر وانتهي إلى تكييف العلاقة بين الطاعن بصفته والمطعون ضده الأول بأنها علاقة
إيجارية تخضع للقانون رقم 49 لسنة 1977 مما يعيب الحكم المطعون فيه بمخالفة الثابت
بالأوراق والخطأ في تطبيق القانون، وقد جره ذلك الخطأ إلى خطأ مثله، إذ انتهى إلى
رفض الدعوى الفرعية على ما أورده بأسبابه من أن العقد المؤرخ 15/ 8/ 1998 المبرم
بين الطاعنة في الطعن رقم 799 لسنة 72 ق والشركة المطعون ضدها الثانية المتضمن
الترخيص للطاعنة بالانتفاع بذات المحلين حتى 30/ 6/ 2012 محله حق من الحقوق
العينية المتفرعة عن حق الملكية، ورتب على ذلك القضاء بعدم قبول الدعوى الفرعية
لعدم إشهار صحيفتها مستندا إلى نص المادتين 24 مكررا و34 مكررا / 1 من القانون رقم
70 لسنة 1961 بشأن رسوم التوثيق والشهر المضافتين بالقانون رقم 6 لسنة 1991، بما
يعيبه ويوجب نقضه.
لما تقدم، وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، وكان من المقرر - في قضاء
هذه المحكمة - أن تكييف العقود وإنزال حكم القانون عليها يخضع لرقابة محكمة النقض،
وأن العبرة في تكييف العقود هي بحقيقة الواقع والنية المشتركة التي اتجهت لها
إرادة الطرفين دون الاعتداد بالألفاظ التي صيغت في هذه العقود أو بالتكييف الذي
أسبغه الطرفان عليها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد انتهت إلى نقض الحكم المطعون
فيه، وكان الحكم الابتدائي (المستأنف) قد انتهى إلى ثبوت العلاقة الإيجارية واعتبر
العقد المبرم بين الطاعنة في الطعن 799 لسنة 72ق (المدعية فرعيا) وشركة ...
للتنمية السياحية المؤرخ 18/ 11/ 1998 والمعنون عقد بيع حق انتفاع على أنه حق عيني
مع أنه في حقيقة الواقع لا يعدو أن يكون ترخيص للمدعية فرعيا بالانتفاع بالمحلين
للمدة وبالمقابل النقدي الواردين به باعتبار أن محله مال عام لا يجوز التصرف فيه
أو ترتيب حق انتفاع عيني عليه، وكان الحكم الابتدائي قد رتب على هذا الفهم حكمه
بعدم قبول الدعوى بطلب صحة العقد ونفاذه على الرغم من أن شركة ... للتنمية
السياحية (المدعي عليها فرعيا) قد سلمت للمدعية فرعيا بالطلبات في مذكرتها المقدمة
لمحكمة أول درجة بجلسة 28/ 5/ 2000، ومن ثم يتعين القضاء في موضوع الاستئنافين
رقمي 774، 783 لسنة 41 ق الإسماعيلية (مأمورية بورسعيد) بإلغاء الحكم المستأنف
وبرفض الدعوى الأصلية، وفي الدعوى الفرعية بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 28/ 11/ 1998
المتضمن الترخيص للمدعية فرعيا بالانتفاع بالمحلين حتى 30/ 6/ 2012.