جلسة 4 من مارس سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عثمان زكريا، ومحمد أبو حمزه مندور، وحسن أبو الفتوح الشربيني، وأحمد ضياء الدين حنفي.
-------------
(66)
الطعن رقم 26 لسنة 37 القضائية "أحوال شخصية"
(أ) نقض. "تقرير الطعن". نظام عام.
أسباب الطعن بالنقض. وجوب بيانها جميعاً في تقرير الطعن. عدم جواز التمسك بأي سبب آخر بعد ذلك. الاستثناء. الأسباب المتعلقة بالنظام العام. جواز تقديمها في أي وقت.
(ب) إثبات. "قرائن قضائية". حكم. "تسبيب الحكم".
قيام الحكم على جملة قرائن. عدم جواز مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن محمد إبراهيم اليماني أقام الدعوى رقم 2691 سنة 1953 القاهرة الابتدائية ضد زبيدة محمد مليحة ومصلحة الشهر العقاري طالباً الحكم (أصلياً) بإيقاف شهر إلغاء الوقف الموضح الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى والمقدم عنه الطلب رقم 3414 سنة 1952 من المدعى عليها الأولى (واحتياطياً) إلغاء ما يكون قد تم من شهر الطلب المذكور وإلغاء جميع التأشيرات التي بهامش السجل الخاص بهذه الأعيان مع إلزام المدعى عليهما متضامنين المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لها إن المدعى عليها الأولى وقفت أطياناً زراعية مساحتها 56 ف و8 ط و4 س بدائرة مركز المنصورة بموجب الحجة الشرعية المؤرخة 10 يونيو سنة 1915 وأنشأته من تاريخه على زوجها إبراهيم اليماني ثم من بعده على أولاده منها أو من غيرها ذكوراً وإناثاً ثم على أولادهم ثم أولاد أولادهم إلى حين انقراضهم أجمعين فيصرف ريع هذا الوقف لإخوة وأخوات زوجها المذكور، وشرطت أنه إذا توفى زوجها في حياتها يصرف لها مبلغ 24 ج سنوياً من ريع هذا الوقف مدة حياتها، فإذا توفيت يرجع ذلك لأصل غلة الوقف وجعلت النظر من تاريخه لزوجها المذكور مدة حياته ثم من بعده للأرشد فالأرشد من الموقوف عليهم، وحرمت نفسها وغيرها من الشروط العشرة، وقد توفى زوجها إبراهيم اليماني في 10/ 3/ 1925 فآل الاستحقاق لابنه محمد - المدعي - المرزوق له من غير الواقفة، ولما صدر المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء الوقف على غير الخيرات تقدم بالطلب رقم 3255 سنة 1952 إلى الشهر العقاري بإنهاء الوقف وصيرورته ملكاً له، كما قدمت المدعى عليها الأولى الطلب رقم 3414 سنة 1952 إلى الشهر العقاري بصيرورة الوقف ملكاً لها، ولكن مصلحة الشهر العقاري أشهرت الوقف باسمها، وإذ يستحق الأطيان المشار إليها من دون المدعى عليها الأولى فقد انتهى إلى طلب الحكم له بطلباته، وفي إبريل سنة 1954 توفيت المدعى عليها الأولى وحل ورثتها محلها في الدعوى، كما توفى علي إبراهيم عبد الرحمن مليحة ومحمد عبد الرحمن مليحة - وهما من ورثتها - وحل محل كل ورثته، ولما كان المدعي قد تصالح مع المورثة في شخص وكيلها المرحوم عثمان عبد المنعم خفاجي - بمقتضى عقد الصلح المؤرخ 31/ 8/ 1953 - فقد عدل طلباته إلى طلب الحكم (أصلياً) بصحة ونفاذ عقد الصلح المذكور (واحتياطياً) بأحقيته في شهر ملكية الأطيان الموضحة بصحيفة افتتاح الدعوى وبحجة الوقف وإلزام مصلحة الشهر العقاري بشطب الشهر الحاصل لصالح مورثة المدعى عليهم - زبيدة محمد مليحة - عن الأطيان محل النزاع وإلزام المدعى عليهم الثلاثة الأول بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ودفعت مصلحة الشهر العقاري بعدم قبول الدعوى، وبتاريخ 28/ 3/ 1959 حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) برفض الدفع وبقبول الدعوى (وثانياً) وفي الموضوع برفض الدعوى وألزمت المدعي المصاريف ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. واستأنف المدعي هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته وقيد هذا الاستئناف برقم 921 سنة 76 قضائية. وبتاريخ 26/ 3/ 1961 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي ما تدون بالمنطوق. وبعد سماع الشهود عادت وبتاريخ 24/ 6/ 1961 فحكمت بإلغاء الحكم المستأنف وبأحقية المستأنف في شهر حقه في أعيان الوقف وإلغاء الشهر الحاصل عليها لصالح زبيدة محمد مليحة. طعن المستأنف عليهم الأول والثالث والرابع والسادس والسابع والثامن في هذا الحكم والحكم الصادر في 26/ 3/ 1961 بطريق النقض وقيد الطعن برقم 395 سنة 31 قضائية. وبتاريخ 17/ 5/ 1966 حكمت محكمة النقض بنقض الحكمين الصادرين في 26/ 3/ 1961 و24/ 6/ 1961 وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة للسير فيها. وقد عجلت اعتماد محمود خطاب عن نفسها وبصفتها وصية على قصر المرحوم محمد إبراهيم اليماني الدعوى أمام محكمة الاستئناف وأصرت على الطلبات الواردة بصحيفة الاستئناف الأصلية، ودفع المستأنف عليهم بعدم سماع الدعوى لمضي أكثر من خمسة عشر عاماً على شراء الأطيان وإنشاء الوقف، وطلبوا في الموضوع الحكم برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. وبتاريخ 20/ 5/ 1967 حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) بقبول الاستئناف شكلاً (وثانياً) ببطلان الحكم المستأنف (وثالثاً) برفض الدفع بعدم السماع (ورابعاً) في الموضوع الحكم للمستأنفين على المستأنف عليهم بأحقية محمد إبراهيم اليماني مورث المستأنفين في شهر حقه في أعيان الوقف البالغ مساحتها 56 ف و8 ط و4 س المبينة الحدود والمعالم بعريضة افتتاح الدعوى وبالحجة المؤرخة 10/ 6/ 1915 وإلغاء الشهر الحاصل عليها لصالح زبيدة مليحة وألزمت المستأنف عليهم الثمانية الأول المصروفات عن درجتي التقاضي وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. طعن المستأنف عليهم الثمانية الأول في هذا الحكم - فيما قضى به بالنسبة للموضوع - بطريق النقض للسبب الوارد في التقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة، وبالجلسة أضاف الطاعنون سبباً جديداً يتحصل في عدم سماع الدعوى لمضي أكثر من خمسة عشر عاماً على شراء الأطيان وإنشاء الوقف وأصروا على طلب نقض الحكم، وطلبت المطعون عليهما الأولى والثانية رفض الطعن ولم يحضر المطعون عليهما الثالث والرابع ولم يبديا دفاعاً وقدمت النيابة العامة مذكرة وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن النيابة العامة دفعت بعدم قبول السبب المبدى من الطاعنين بالجلسة لعدم تعلقه بالنظام العام.
وحيث إن القانون رقم 57 لسنة 1959 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1962 - في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الذي يحكم هذا الطعن - قد نص في المادة السابعة على أن "يرفع الطعن بتقرير يودع قلم كتاب محكمة النقض أو المحكمة التي أصدرت الحكم ويوقعه محام مقبول أمام محكمة النقض ويشتمل التقرير - علاوة على البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم - على بيان الحكم المطعون فيه وتاريخه وبيان بالأسباب التي بني عليها الطعن وطلبات الطاعن، فإذا لم يحصل الطعن على هذا الوجه كان باطلاً وتحكم المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانها، ولا يجوز التمسك بعد ذلك بسبب من أسباب الطعن غير التي ذكرت في التقرير، ومع ذلك فالأسباب المبنية على النظام العام يمكن التمسك بها في أي وقت وللمحكمة أن تأخذ بها من تلقاء نفسها" ومفاد ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الشارع رسم طريقاً خاصاً لإبداء أسباب الطعن وحظر إبداءها بغير هذا الطريق، فأوجب على الطاعن أن يبين جميع الأسباب التي يبنى عليها طعنه في التقرير الذي يحرره ويوقع عليه الموظف المختص بقلم كتاب محكمة النقض أو المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، وحظر المشرع التمسك بعد حصول هذا التقرير بأي سبب من أسباب الطعن غير التي ذكرت فيه، وهذا الحظر عام ومطلق بحيث يشمل ما يقدم من هذه الأسباب في ميعاد الطعن أو بعد انقضائه ولم يستثن القانون من ذلك سوى الأسباب المتعلقة بالنظام العام فأجاز تقديمها في أي وقت، وإذ كان ذلك وكان السبب الذي أبداه الطاعنون أمام هذه المحكمة - والخاص بعدم سماع الدعوى لمضي أكثر من خمسة عشر عاماً على شراء الأطيان وإنشاء الوقف - لا يتعلق بالنظام العام ولا يجوز للمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها، فإنه يكون غير مقبول.
وحيث إن حاصل سبب الطعن أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بأن الأرض الموقوفة كانت في الواقع ملكاً للمرحوم إبراهيم اليماني لا لزوجته زبيدة محمد مليحة، وأنها وقفتها عليه ضماناً لحق ثابت فلا تملك الرجوع فيه ولا يكون ملكاً لها، بعد صدور قانون حل الوقف، على قرائن منها (أولاً) أنها حرمت أولادها من غيره من الاستحقاق بينما جعلت لأولاده من غيرها استحقاقاً، وواقعة حرمانها لأولادها من غيره غير صحيحة، لأن الثابت من الأوراق أنها تزوجت أربعة أزواج قبل زواجها بإبراهيم اليماني ولم تنجب من أيهم، ومن ثم فإن استناد الحكم على أنها حرمت أولادها من غير إبراهيم اليماني من الاستحقاق وجعلت لأولاده من غيرها استحقاقاً واعتبر ذلك قرينة على أن الزوج المذكور هو المالك الحقيقي وأنها غير مالكة يكون باطلاً. و(ثانياً) أن الحكم المطعون فيه اتخذ من اشتراط الواقفة لنفسها بعد وفاة زوجها مبلغاً ضئيلاً قدره 24 ج سنوياً قرينة على عدم ملكيتها للعين الموقوفة، وهي قرينة لا تؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه، لأنه بالرجوع إلى حجة الوقف يبين أن ثمن الأطيان الموقوفة طبقاً لعقد الشراء - قبل الوقف - هو مبلغ 2400 ج أي أن ثمن الفدان يقل عن أربعين جنيهاً ومثله لا يصل ريعه السنوي إلى جنيهين، وبذلك تكون قد وقفت على نفسها ما لا يقل عن ريع اثنى عشر فداناً وهو لا يعتبر ضئيلاً، فضلاً عن أنه لو كان الزوج هو المالك للأرض محل النزاع لأضيف إلى شرط استحقاقها عدم زواجها بغيره كما هي عادة الواقفين، وعدم وجود هذا الشرط بحجة الوقف قرينة على أن الزوج ليس هو المالك الحقيقي للأرض الموقوفة، كما أن مرافعات الخصوم أنفسهم أمام محكمة الموضوع قد تضمنت أنها تزوجته في سنة 1906 قبل إشهار إفلاسه في سنة 1907 وأنها كانت متزوجة قبله بأربعة أزواج لم تنجب من أيهم، وكان زوجها الخامس متزوجاً بأخرى، وهو في هذه الحالة لا يتزوج منها وهي أكبر منه سناً إلا إذا كانت موسرة ويريد الاستعانة بمالها، كما أنها إذ وقفت عليه أطيانها فإنها كانت تعمل على مرضاته ليبقى عليها، ومما يدل على يسارها أنها تصرفت بالبيع في سنة 1925 - وهي ذات السنة التي توفى فيها الزوج - في أطيان تزيد على ستة أفدنة بالعقود رقم 436 و437 و438 كما تصرفت في سنة 1929 في أطيان مساحتها ستة وخمسين فداناً وكسور بالعقد رقم 4800، وبذلك تكون بعض القرائن التي استند إليها الحكم المطعون فيه غير صحيح وباقيها لا أصل له، وإذ اعتمد الحكم المطعون فيه على أدلة بعضها غير صحيح وباقيها غير قائم فإنه يكون باطلاً.
وحيث إن هذا النعي مرود، ذلك أنه إذا كان الحكم مقاماً على جملة قرائن فصلها، يكمل بعضها بعضاً وتؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي انتهى إليها فإنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يجوز مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها، وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على أن "الثابت بالأوراق أن إبراهيم اليماني زوج الواقفة صدر عليه حكم بإشهار إفلاسه في الدعوى رقم 2613 سنة 32 قضائية في 36/ 12/ 1907 وأن الأطيان الموقوفة اشتريت بعقد عرفي في 7/ 6/ 1915 وحررت حجة الوقف في 10/ 6/ 1915 أي بعد الشراء بثلاثة أيام وجعلت الواقفة الاستحقاق لزوجها وأولاده منها أو من غيرها وحرمت نفسها وذويها من غيره من الاستحقاق، كما حرمت نفسها وذويها من الشروط العشرة وشرطت لنفسها مبلغ 24 ج سنوياً بعد وفاة زوجها وهو مبلغ ضئيل يبقى لها طول حياتها وعينت زوجها وهو المستحق وحده ناظراً على الوقف ووكلته بتوكيل رقم 846 في 10/ 4/ 1916 أي بعد صدور الوقف بعشرة أشهر ووكلته في جميع مالها وما عليها ولم تستثن منه سوى منزلها المملوك لها والكائن بدرب الأغوات وهو ما اشترته من مالها الخاص، ولهذا قصرت الاستثناء من التوكيل العام عليه فقط دون الأطيان مما يستفاد منه أن الأطيان اشتريت من ماله ولهذا وكلته توكيلاً مطلقاً بالنسبة لها دون منزلها الذي لا يساوي شيئاً بالنسبة للأطيان، وأيضاً فقد أرسلت الواقفة خطاباً مؤرخاً 13/ 9/ 1952 إلى مورث المستأنفين تقول فيه إن الوقف تم بمعرفة والده، وإن عملها هذا قرينة على أن هذه الأطيان كانت باسمها صورياً، وأن الوقف بهذه الصورة كان لضمان حقوق ثابتة لزوجها قبلها وهي قرينة قاطعة في ذلك لأنه من غير المعقول أن تملك امرأة هذا القدر وتحرم ذريتها من غير زوجها إبراهيم اليماني من الاستحقاق وتعطي ذريته هو من غيرها أو تحرم نفسها من الاستحقاق وتكتفي بإنفاق زوجها عليها طول حياته، وبعد وفاته يصرف لها 24 ج سنوياً وهو مبلغ ضئيل لا يكفي بحاجتها الضرورية فعملها هذا قرينة على أنها تصرفت هذا التصرف في مقابل يمنعها من الرجوع وهو ضمان الحقوق الثابتة قبلها للواقف" ورتب الحكم على ذلك "أن الأطيان المذكورة اشتريت بمال زوجها وجعل الشراء باسمها وأوقفت الأطيان على الوجه المذكور لضمان الحقوق الثابتة لزوجها قبلها، وأنه ليس للواقفة الحق في الرجوع عن وقفها" وقضى "بأحقية مورث المستأنفين في شهر حقه في أعيان الوقف وإلغاء الشهر الحاصل عليها لصالح زبيدة مليحه" وهذه القرائن التي أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليها مجتمعة لها أصلها الثابت في الأوراق ويكمل بعضها بعضاً وليس من بينها قرينة فاسدة، وتؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي انتهى إليها، ومتى كان ذلك فإن ما ذهب إليه الطاعنون من مناقشة كل قرينة منها على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها يكون جدلاً موضوعياً لا يصح طرحه على هذه المحكمة، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.
(1) نقض 28/ 12/ 1967. مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 1943.
(2) نقض 14/ 1/ 1969. مجموعة المكتب الفني السنة 20 ص 95.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق