الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 15 مارس 2023

الطعن 167 لسنة 29 ق جلسة 14 / 5 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 107 ص 673

جلسة 14 من مايو سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ محمود القاضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ومحمد عبد اللطيف مرسي، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي.

-------------

(107)
الطعن رقم 167 لسنة 29 القضائية

(أ) وارث. "تصرفات المورث". "الطعن فيها". وصية. بيع. إثبات. "عبء الإثبات". "طرق الإثبات". "القرائن".
المادة 917 مدني تضمنت قرينة قانونية من شأنها إعفاء من يطعن في تصرف المورث بأنه ينطوي على وصية من إثبات هذا الطعن. نقلها عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه.
(ب) وارث. "تصرفات المورث". "الطعن فيها". وصية. بيع. إثبات. "عبء الإثبات". "طرق الإثبات". "القرائن".
القرينة القانونية الواردة بالمادة 917 مدني. مستحدثة لم يكن لها نظير في التقنين الملغي، وليس لها أثر رجعي. في ظل التقنين الملغي كانت إقرارات المورث تعتبر صحيحة وملزمة لورثته حتى يقيموا الدليل على عدم صحتها بكافة طرق الإثبات. احتفاظ البائع بحقه في الانتفاع بالعين المبيعة مدى حياته كان مجرد قرينة قضائية.
(جـ) وارث. "تصرفات المورث". "الطعن فيها". وصية. بيع. حكم. "عيوب التدليل". "الفساد في الاستدلال".
البيع الذي يستر تبرعاً صحيح في التقنينين القديم والقائم متى كان التصرف منجزاً غير مضاف إلى ما بعد الموت. القول بإخفاء العقد لوصية يلزم إثبات إلى جانب اتجاه قصد المتصرف إلى التبرع إضافته التمليك إلى ما بعد موته - استدلال الحكم على إخفاء العقدين لوصية من عدم قدرة المشترين على دفع الثمن المسمى فيهما ومن وقوع المورث تحت تأثيرهم وقيام منازعة بين المورث وبين الوارث الطاعن على العقد ومن تحرير العقدين على وتيرة واحدة والحرص على ذكر دفع بعض الثمن فيهما أمام الموثق. قصور.
(د) وصية. "القانون الواجب التطبيق". "القانون 71 لسنة 1946".
خضوع الوصية للقانون الساري وقت وفاة الموصى لا وقت صدور الوصية. سريان القانون 71 لسنة 1946 على كل وصية صدرت من موصى توفى بعد العمل بأحكامه ولو كان تاريخ صدورها سابقاً عليه.

---------------
1 - إذ نصت المادة 917 من القانون المدني على أنه "إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية وما لم يقم دليل يخالف ذلك" فإنها تكون قد أقامت قرينة قانونية من شأنها - متى توافرت عناصرها - إعفاء من يطعن في التصرف بأنه ينطوي على وصية من إثبات هذا الطعن ونقل عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه [(1)].
2 - القاعدة الواردة بالمادة 917 من القانون المدني مستحدثه ولم يكن لها نظير في التقنين الملغي. والقرينة التي استحدثتها هذه المادة لاتصالها بموضوع الحق اتصالاً وثيقاً لا يجوز إعمالها بأثر رجعي على التصرفات السابقة على تاريخ العمل بالقانون المدني القائم. ولقد كان من المقرر في ظل القانون الملغي أن الأصل في إقرارات المورث أنها تعتبر صحيحة وملزمة لورثته حتى يقيموا الدليل على عدم صحتها بأي طريق من طرق الإثبات، فعبء الإثبات كان على من يطعن في التصرف، ولم يكن احتفاظ البائع بحقه في الانتفاع بالعين المبيعة مدى حياته سوى مجرد قرينة قضائية يتوسل بها الطاعن إلى إثبات دعواه والقاضي بعد ذلك حرفي أن يأخذ بهذه القرينة أو لا يأخذ لأنها كسائر القرائن القضائية تخضع لمطلق تقديره (1).
3 - البيع الذي يستر تبرعاً صحيح في التقنينين القديم والقائم متى كان التصرف منجزاً غير مضاف إلى ما بعد الموت. فيجب إذن للقول بأن العقد المطعون فيه يستر وصية أن يثبت إلى جانب اتجاه قصد المتصرف إلى التبرع إضافته التمليك إلى ما بعد موته. فإذا كان الحكم المطعون فيه وقد استدل على أن العقدين المطعون فيهما يستران وصية من عدم قدرة المشتريين على دفع الثمن المسمى فيهما ومن وقوع المورث تحت تأثيرهم وقيام منازعات بينه وبين بناته الطاعنات في العقدين ومن تحرير العقدين على وتيرة واحدة والحرص على ذكر دفع بعض الثمن فيهما أمام الموثق الذي قام بتحريرهما، وكان ذلك كله ليس من شأنه أن يؤدي عقلاً إلى نفي التنجيز عن العقدين، فإن الحكم يكون معيباً بالقصور.
4 - الوصية تخضع للقانون الساري وقت وفاة الموصى لا وقت صدور الوصية منه، فيسري القانون رقم 71 لسنة 1946 على كل وصية صدرت من موص توفى بعد العمل بأحكام هذا القانون ولو كان تاريخ صدورها سابقاً عليه (2).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهن الثلاث الأوليات أقمن الدعوى رقم 2518 سنة 1954 كلي القاهرة ضد الطاعنين والمطعون عليها الأخيرة بطلب الحكم بتثبيت ملكيتهن إلى 7 و7/ 32 قراريط شيوعاً في 24 قيراطاً في العقارات المبينة بصحيفة الدعوى وذلك بالسوية بينهن مع إلزام الطاعنين بتسليمها إليهن وبإلغاء عقدي البيع الصادرين من والدهن إلى الطاعنين في 5 من إبريل سنة 1945 و5 من أكتوبر سنة 1950 ومحو التسجيل المترتب على تلك العقارات، وقالت المطعون عليهن في بيان دعواهن هذه إن المرحوم حسين محمد الشافعي مورثهن ومورث الطاعنين توفى في 27 فبراير سنة 1954 عن تركة عبارة عن الأعيان المبينة بصحيفة الدعوى وانحصر إرثه فيهن وفي زوجته الطاعنة الأولى وأولادها منه - وهم باقي الطاعنين - وأنهن عندما طالبن الطاعنين بتسليمهن نصيبهن في تلك الأعيان أبوا عليهن ذلك بدعوى أن المورث باع إليهم كل ما يملك بموجب عقدي بيع رسميين صادر أولهما منه في 5 إبريل سنة 1945 ويتضمن بيعه إلى جميع الطاعنين النصف على الشيوع في أملاكه المبينة بصحيفة الدعوى وصدر ثانيهما في 5 من أكتوبر سنة 1950 ببيع المورث إلى زوجته الطاعنة الأولى النصف الآخر في تلك العقارات وأنه إذ كان هذان التصرفان يستران وصية قصد بها حرمان المدعيات من حقهن في الإرث وذلك بدليل أن الأعيان المتصرف فيها لم تخرج من حيازة المورث طوال حياته واستمر يستغلها لحسابه بتأجيرها للغير ويقبض أجرتها بإيصالات يحررها باسمه إلى أن توفى كما حصل من مصلحة التنظيم بعد تاريخ العقد الأول على ترخيص باسمه لإضافة مبان إلى المنزل المتصرف فيه هذا إلى أن المتصرف إليهم لم يكن لهم مال يمكن أن يدفعوا منه الثمن الوارد في العقدين وإلى أن المورث نفسه أقر في دعوى كان قد رفعها على إحدى بناته المتصرف إليهن بأن حقيقة التصرف وصية. إذ كان ذلك، فإن المدعيات يطلبن إبطال هذين العقدين والحكم لهن بنصيبهن الميراثي في تركة والدهن على أساس اعتبار التصرفين وصية وعدم نفاذ الوصية التي يتضمنها العقد الأول بسبب عدم إجازتهن لها ولعدم انطباق قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 عليها لصدورها قبل تاريخ العمل به وعلى أساس نفاذ الوصية التي يتضمنها العقد الثاني في حدود الثالث فقط طبقاً لأحكام القانون المذكور - دفع الطاعنون الدعوى بأن العقدين المطعون فيهما يتضمنان بيعاً منجزاً ودللوا على ذلك بما ورد في العقدين من نصوص صريحة تفيد التنجيز وبما أثبته الموثق الذي حررهما فيهما من دفع معظم الثمن أمامه وبتسجيل العقدين حال حياة المورث وبتصرف الطاعنة الأولى بالبيع فيما اشترته بموجب العقد الأول إلى والدها الطاعن الثاني في حياة المورث وبغير اعتراض منه - وبتاريخ 29 من فبراير سنة 1956 حكمت المحكمة الابتدائية: أولاً - ببطلان عقد البيع الرسمي المؤرخ 5/ 4/ 1945 الصادر من المرحوم حسين محمد الشافعي لصالح المدعى عليهن الخمسة الأول (الطاعنين) والمتضمن بيعه لهم اثني عشر قيراطاً شيوعاً في كامل أرض وبنا العقارات المبينة بعريضة الدعوى واعتبار هذا القدر تركة له واستحقاق كل من المدعيات (المطعون عليهن الثلاث الأوليات) 1.3125 قيراط في هذا القدر وتسليم هذا النصيب لكل منهن ومحو التسجيلات الواردة عليه. ثانياً - ببطلان عقد البيع الرسمي المؤرخ 5/ 10/ 1950 الصادر من المرحوم حسين محمد الشافعي لصالح المدعى عليها الأولى (الطاعنة الأولى) فيما زاد عن ثلث تركته واعتبار الثماني قراريط الباقية من الاثني عشر قيراطاً موضوع هذا العقد تركة للبائع واستحقاق كل من المدعيات لواحد وعشرين سهماً من هذا القدر وتسليم هذا النصيب لكل منهن ومحو التسجيلات الواردة عليه - استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 283 سنة 74 ق وطلبوا إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى وبتاريخ 28 من ديسمبر سنة 1958 حكمت المحكمة المذكورة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع: أولاً - بالنسبة للشطر الأول من الحكم الخاص بالعقد المؤرخ 5 إبريل سنة 1945 برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به. ثانياً - بالنسبة للشطر الثاني من الحكم الخاص بالعقد المؤرخ 5 أكتوبر سنة 1950 بتعديل الحكم المستأنف وببطلان هذا العقد فيما زاد عن ثلث تركة البائع واعتبار الأربعة قراريط الباقية من الاثني عشر قيراطاً موضوع هذا العقد تركة للبائع واستحقاق كل من المستأنف عليهن (المطعون عليهن الثلاث الأوليات) لعشرة أسهم ونصف سهم في المنزل موضوع الدعوى وتسليم هذا النصيب لكل منهن ومحو التسجيلات الواردة عليه - طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 13 نوفمبر سنة 1962 وفيها صممت النيابة على رأيها الذي أبدته في المذكرة المقدمة منها والمتضمن نقض الحكم في خصوص السبب الثاني وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه بالأسباب الأول والثالث والرابع مخالفة القانون والقصور في التسبيب والتناقض والخطأ في الاستدلال وفي بيان ذلك يقولون إن المحكمة الابتدائية قضت ببطلان عقد البيع الرسمي المؤرخ 5 إبريل سنة 1945 وباعتبار العين المبيعة تركة تأسيساً على ما قالته في حكمها من أن هذا العقد يستر وصية وكان سندها في ذلك أمرين الأول ما ثبت لها من أن المستندات التي قدمها المشترون (الطاعنون) لا تقنع بقدرتهم على دفع الثمن المسمى في العقد وأنها تدل على أن المورث كان واقعاً تحت تأثيرهم والأمر الثاني أن المورث قد احتفظ لنفسه في هذا العقد بحقه في الانتفاع بالعين المبيعة مدى حياته مما تقوم معه القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني على أن العقد وصية، كما أقام الحكم الابتدائي قضاءه باعتبار عقد البيع الرسمي المحرر في 5 من أكتوبر سنة 1950 مخفياً أيضاً لوصية على ما قاله من أن هذا العقد وإن خلا من القرينة القانونية المذكورة لأن البائع لم يحتفظ فيه لنفسه بحق الانتفاع إلا أن هذا العقد مشوب بالصورية وقد صدر من المورث إضراراً بحق المدعيات (المطعون عليهن) في الإرث فيكون تحايلاً على القانون واستدل الحكم على ذلك بعدم قدرة المشترية (الطاعنة الأولى) على دفع الثمن وبعلاقتها بالمورث وبقيام منازعات بين المورث وبين بناته المطعون عليهن - ولما استأنف الطاعنون الحكم الابتدائي وتمسكوا في الاستئناف بعدم جواز الاستناد في إبطال العقد الأول إلى ما تقرره المادة 917 من القانون المدني القائم لأن هذا العقد سابق على تاريخ العمل به رأت محكمة الاستئناف صواب هذا الدفاع ولكنها أيدت الحكم الابتدائي فيما قضى به في شأن العقد المذكور مستبعدة من أسبابه ما يشير إلى تطبيق هذه المادة باعتبارها نصاً قانونياً وقالت في تبرير ذلك إلى القواعد الواردة بها وإن كانت مستمدة من القواعد الأصلية للقانون المدني قديمه وحديثه إلا أنها لم تكن نصاً في القانون القديم الذي كان سارياً وقت صدور ذلك العقد كما أخذت محكمة الاستئناف بأسباب الحكم الابتدائي في خصوص ما قاله بشأن العقد الثاني دون أن تضيف إلى هذه الأسباب إلا ما أضافته لتبرير التعديل الذي رأت إجراءه على نصيب المطعون عليهن رافعات الدعوى في المنزل موضوع النزاع، ويرى الطاعنون أن ما قرره الحكم المطعون فيه من أن القاعدة الواردة في المادة 917 من القانون المدني كانت مقررة في ظل القانون المدني القديم غير صحيح ذلك أن القانون المذكور ما كان يترتب على احتفاظ المتصرف إلى أحد ورثته، بحقه في الانتفاع بالعين المبيعة، قرينة قانونية على أن التصرف وصية بحيث تعفي من يطعن في هذا التصرف من إثبات طعنه وتنقل عبء الإثبات على عاتق المدعى عليه المتصرف إليه ليثبت أن التصرف ليس وصية، فلم يقرر القضاء رأياً كهذا وما كان يستطيع تقريره لأن القرائن القانونية إنما يختص بها المشرع ولا يملك القاضي تقريرها لما في ذلك من خروج على القاعدة الأصلية التي تقضي بأن على المدعي إثبات دعواه فلا يصح إعفاؤه من هذا الإثبات إلا بنص - على أن اتخاذ الحكم المطعون فيه من احتفاظ المورث في عقد سنة 1945 بحقه في الانتفاع بالعين المبيعة مدى حياته قرينة على أن هذا التصرف مضاف إلى ما بعد موته يتناقض مع ما قرره الحكم - وهو بسبيل نفي ملاءة الطاعنة الأولى - من أنها هي وأولادها المدعى عليهم وقد وضعوا اليد على المنزل المتصرف فيه أثناء حياة المورث وإنهم كانوا يستغلونه لحسابهم وقد أوفت الطاعنة الأولى من ريعه ديناً عليها - ويضيف الطاعنون أنه بعد استبعاد تلك القرينة لا يبقى مما استدل به الحكم المطعون فيه على أن العقدين يستران وصية سوى ما حصله من عدم قدرة الطاعنين المتصرف إليهم على الوفاء بالثمن المسمى فيهما وما ذكره الحكم من أن المورث كان واقعاً تحت تأثيرهم وأراد أن يؤثرهم على باقي ورثته لقيام منازعات بينه وبين هؤلاء الورثة - وهو المطعون عليهن الثلاث الأوليات - وهذا وذاك ليس من شأنهما أن يؤديا عقلاً إلى أن الطرفين قصداً إضافة الملك إلى ما بعد موت المتصرف وهو الأمر الذي يلزم ثبوته لاعتبار التصرف وصية والذي أغفل الحكم بحثه على الرغم مما قدمه الطاعنون من أدلة على تنجيز التصرف - أما ثبوت عجز الطاعنين عن أداء الثمن المسمى في العقدين ورغبة المورث المتصرف في إيثارهم على باقي ورثته فإن ذلك لا يمنع من تنجيز العقدين إذ يعتبر التصرف في هذه الحالة هبة مستورة في عقد بيع وهي صحيحة - كذلك فإن استدلال الحكم بقيام منازعات بين المورث وبناته المطعون عليهن وبوقوعه تحت تأثير الطاعنين - هذا الاستدلال عقيم ولا يؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم من اعتبار العقدين ساترين لوصايا بل إنه كان الأولى أن تكون النتيجة - إن صح ترتيب نتيجة على ذلك - أن يعمد المورث إلى التصرف للطاعنين على الوجه الأجزل منفعة لهم وهو التمليك المنجز.
وحيث إنه يبين من الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه فيما قضى به من اعتبار العقدين ساترين لوصية أنه بعد أن حصل دفاع الطرفين وأورد نصوص عقدي البيع محل النزاع ومنها نص البند السادس من العقد الأول المتضمن احتفاظ المورث بحقه في الانتفاع بالعين المبيعة مدى حياته عرض الحكم على دفاع الطاعنين بعدم جواز الاستناد إلى نص المادة 917 من القانون المدني القائم في اعتبار ما تضمنه هذا البند قرينة قانونية على أن التصرف وصية وذلك لأن تاريخ العقد سابق على تاريخ العمل بالقانون المذكور ورد على هذا الدفاع بأن نص تلك المادة لم يغير شيئاً من الوضع الذي استقر عليه القضاء قبل العمل بالقانون المدني الحالي فيما يتعلق بالتصرفات التي يتناولها هذا النص وأنه لذلك يكون هذا الدفاع لا غناء فيه ويتعين إطراحه لأن وجه الحكم لم يتغير سواء أكان هذا العقد سابقاً أو لاحقاً على تاريخ العمل بالقانون المذكور وأنه متى توافرت شروط النص في حالة معينة وتمسك ذو الشأن بالقرينة القانونية وجب على القاضي أن يحكم بمقتضاها أي أن للقرينة القانونية قوة ملزمة إلا إذا أثبت من يضاربها عكسهاً - ثم عرض الحكم لمناقشة المستندات التي قدمها الطاعنون للتدليل على قدرتهم على دفع الثمن المسمى في العقد وانتهى إلى القول "وحيث إن المحكمة تستخلص من المستندات المشار إليها المقدمة من المدعى عليهم (الطاعنين) أنها ليست فقط قاصرة على إقناعها بعدم قدرتهم على دفع الثمن المدون في العقد المؤرخ 5 إبريل سنة 1945 بل إنها تؤيد أيضاً ما ذهب إليه الدفاع عن المدعيات (المطعون عليهن الثلاث الأوليات) من أن المورث كان واقعاً تحت تأثير المدعى عليهم يتصرفون في ماله حسب مشيئتهم ومتى تحقق ذلك وجب اعتبار العقد المذكور وصية إعمالاً لنص المادة 917 مدني وأخذاً بالقرينة المشار إليها فيه لعدم الدليل على عكسها - وحيث إنه فيما يتعلق بالعقد المؤرخ 5 أكتوبر سنة 1950 فإنه وإن خلا من القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 مدني والخاصة باحتفاظ البائع بحق الانتفاع مدى حياته بالمبيع إلا أنه مشوب بالصورية وقد صدر من المورث إضراراً بحقوق المدعيات في الإرث فيكون تحايلاً على القانون ويتعين لذلك اعتباره وصية يؤيد ذلك عدم قدرة المشترية فيه (الطاعنة الأولى) على دفع الثمن وقد سبق بيان ذلك مما سبق عند مناقشة المستندات المقدمة منها وعلاقتها بالمورث وما ثبت من ذات المستندات المقدمة من المدعى عليهم وما ذكروه في دفاعهم من قيام المنازعات بينه وبين المدعيات وملاحقة بعضهن له بدعاوى النفقة والحبس وما يجره ذلك حتماً من ضغينة وإثارة للنفس.... كل هذا مع ما يذكره المدعى عليهم من أن المورث كان ينتقل من دين لدين أكثر منه ليفي بالدين السابق وأن محمد منتصر كانت له به صلة دفعته لنجدته فهو ولا شك عالم بسوء حالته المالية المدعاة يضاف إلى ذلك أن تحرير كل من العقدين على وتيرة واحدة واقتران كل منهم بشطب رهن وإنشاء آخر بدله في ذات العقد والحرص على ذكر دفع بعض الثمن في مجلس العقد وبعضه الآخر قبله وإثبات القرض في العقد كل هذه التصرفات مضافة لما سبق من قرائن توحي بعدم الاطمئنان للتصرف في ذاته وتكشف عن الغرض الحقيقي الذي قصده المتعاقدان معه، وحيث إنه وقد ثبت مما سبق أن عقدي البيع موضوع الدعوى المؤرخين 5/ 4/ 1945 و5/ 10/ 1950 هما في حقيقتهما وصية فإنه يتعين طبقاً للمادة 915 مدني تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين المنظمة للوصية عليهما" ولما استأنف الطاعنون هذا الحكم وتمسكوا في أسباب استئنافهم بعدم سريان حكم المادة 917 من القانون المدني على العقد الأول أقرت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي على ما انتهى إليه من اعتبار العقدين ساترين لوصية وقالت في حكمها المطعون فيه "وحيث إن الحكم الابتدائي قد أصاب الحق في قضائه باعتبار العقدين الصادرين من المورث وصية لورثة على أساس الأوراق والقرائن المستمدة من وقائع الدعوى المبينة بأسباب ذلك الحكم دون الاعتماد في ذلك بالنسبة للعقد الأول على نص المادة 917 من القانون المدني ذلك لأن القواعد الواردة بهذه المادة وإن كانت مستمدة من القواعد الأصلية للقانون المدني قديمه وحديثه إلا أنها لم تكن نصاً في القانون القديم الذي كان سارياً وقت صدور هذا العقد ولذلك ترى المحكمة أن ترفع من الحكم المستأنف ما يشير إلى تطبيق هذه المادة باعتبارها نصاً قانونياً على هذا العقد".
وحيث إن المادة 917 من القانون المدني إذ نصت على أنه "إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقه كانت بحيازة العين التي تصرف فيها، وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك" فإن هذه المادة تكون قد أقامت قرينة قانونية من شأنها - متى توافرت عناصرها - إعفاء من يطعن في التصرف بأنه ينطوي على وصية من إثبات هذا الطعن ونقل عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه. ولما كانت القاعدة الواردة بهذه المادة مستحدثة ولم يكن لها نظير في التقنين الملغي وكان المقرر في ظله أن الأصل في إقرارات المورث أنها تعتبر صحيحة وملزمة لورثته حتى يقيموا الدليل على عدم صحتها بأي طريق من طرق الإثبات فعبء الإثبات كان على من يطعن في التصرف ولم يكن احتفاظ البائع بحقه في الانتفاع بالعين المبيعة مدى حياته سوى مجرد قرينة قضائية يتوسل بها الطاعن إلى إثبات دعواه والقاضي بعد ذلك حر في أن يأخذ بهذه القرينة أو لا يأخذ لأنها كسائر القرائن القضائية تخضع لمطلق تقديره. لما كان ما تقدم، وكانت القرينة القانونية التي استحدثتها المادة 917 من القانون المدني لاتصالها بموضوع الحق اتصالاً وثيقاً لا يجوز إعمالها بأثر رجعي على التصرفات السابقة على تاريخ العمل بالقانون المدني القائم فإن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه في خصوص قضائه بالنسبة لعقد 5 إبريل سنة 1945 إذ أعفى المطعون عليهن من إثبات طعنهم في هذا العقد لمجرد احتفاظ المورث فيه بحقه في الانتفاع بالحصة المبيعة مدى حياته وتطلب من المتصرف إليهم (الطاعنين) نقض هذه القرينة يكون مخالفاً للقانون، ولا يبرئ الحكم المطعون فيه من هذه المخالفة كونه قد رفع من أسباب الحكم الابتدائي ما يشير إلى تطبيق القاعدة الواردة في المادة 917 باعتبارها نصاً قانونياً على ذلك العقد إذ لا يؤدى الاستبعاد على هذه الصورة إلى تصحيح الخطأ الذي وقع فيه الحكم الابتدائي في شأن نقله عبء الإثبات على النحو السالف بيانه، كذلك فإنه إذا فسر ما قرره الحكم المطعون فيه من أن القواعد الواردة في المادة المذكورة مستمدة من القواعد الأصلية للقانون المدني قديمه وحديثه إذا فسر هذا القول بأن الحكم أراد أن يتخذ من احتفاظ المورث في العقد الأول المؤرخ 5 من إبريل سنة 1945 قرينة قضائية على اعتبار التصرف الوارد في هذا العقد مضافاً إلى ما بعد الموت فإن الحكم يكون متناقضاً مع نفسه في هذا الخصوص ذلك أنه ورد بأسباب الحكم الابتدائي التي اعتمدها الحكم المطعون فيه - في معرض الرد على المستندات التي قدمتها الطاعنة الأولى للتدليل على قدرتها على أداء الثمن المسمى في ذلك العقد - ما نصه "أما المستندات المقدمة منها (أي من الطاعنة الأولى) والتي تقول إنها دفعت قيمتها لجان أبو طاقية فيلاحظ أنها تحمل تاريخاً بعد العقد الأول بثماني سنوات تقريباً إذ أن أولها استحق الدفع في 5 مايو سنة 1953 أي في وقت كانت هي وأولادها المدعى عليهم قد وضعوا أيديهم على المنزل موضوع النزاع باعترافهم" ومفاد ذلك أن المحكمة استندت في إطراحها لتلك المستندات كدليل على ملاءة الطاعنة الأولى إلى أن هذه الطاعنة وأولادها - وهم جميعاً المشترون في العقد الأول - كانوا يضعون اليد من قبل مايو سنة 1953 على العين المبيعة بالعقد المذكور أي من قبل وفاة المورث الحاصلة - حسب تقريرات الحكم في 27 فبراير سنة 1954 - وأنهم كانوا يستغلون هذه العين حال حياة المورث وأوفوا من ريعها ديناً على إحداهم (الطاعنة الأولى) فإذا عاد الحكم بعد ذلك واتخذ من احتفاظ المورث في العقد المذكور بحقه في الانتفاع بتلك العين مدى حياته قرينة قضائية على أن التصرف مضاف إلى ما بعد موت المورث فإنه يكون معيباً بالتناقض في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان ما استدل به الحكم على أن العقدين المطعون فيهما يستران وصية من عدم قدرة المشترين على دفع الثمن المسمى فيهما ومن وقوع المورث تحت تأثيرهم وقيام منازعات بينه وبين بناته الطاعنات في العقدين ومن تحرير العقدين على وتيرة واحدة والحرص على ذكر دفع بعض الثمن فيهما أمام الموثق الذي قام بتحريرهما ذلك كله ليس من شأنه أن يؤدى عقلاً إلى نفي التنجيز عن العقدين ذلك أن البيع الذي يستر تبرعاً صحيح في التقنينين القديم والقائم متى كان التصرف منجزاً غير مضاف إلى ما بعد الموت فيجب إذن للقول بأن العقدين المطعون فيهما يستران وصية أن يثبت إلى جانب اتجاه قصد المتصرف إلى التبرع إضافة التمليك إلى ما بعد موته وهذا الأمر الأخير جاء تدليل الحكم عليه غير سائغ وإنه لمن فساد الاستدلال أن يستند الحكم في التدليل عليه ما أثبت في العقدين من دفع المشترين معظم الثمن أمام الموثق الذي حررهما.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه معيباً بمخالفة القانون والقصور بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه وإن كان قبول المحكمة أسباب الطعن المتقدم ذكرها يغنيها عن بحث السبب الثاني المبني على خطأ الحكم فيما ذهب إليه من عدم انطباق قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 على ما سبقه من وصايا ولو كانت وفاة الموصى لاحقه لتاريخ العمل به إلا أن المحكمة ترى تفادياً لتكرار الخطأ في هذا الخصوص أن تشير إلى القاعدة التي جرى بها قضاؤها في هذا الشأن وهي أن الوصية تخضع للقانون الساري وقت وفاة الموصى لا وقت صدور الوصية منه فيسري القانون رقم 71 لسنة 1946 على كل وصية صدرت من موصى توفى بعد العمل بأحكام هذا القانون ولو كان تاريخ صدورها سابقاً عليه (يراجع نقض 23 فبراير سنة 1956 طعن رقم 213 سنة 22 ق ونقض 21 يونيه سنة 1962 طعن رقم 414 سنة 26 ق).


(1) راجع نقض 25/ 4/ 1963 الطعنين 459 و471 لسنة 26 ق السنة 14 ص 579.
(2) راجع نقض 22/ 5/ 1952 الطعن 189 س 20 ق مجموعة 25 سنة ص 1203.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق