جلسة ١٢ من يونيه سنة ١٩٥٠
برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وحضور
حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وفهيم عوض بك وإبراهيم خليل بك ومحمد غنيم بك
المستشارين.
------------------
(٢٤٦)
القضية رقم ٥٧٦ سنة ٢٠ القضائية
أسباب الإباحة. موانع العقاب.
الغيبوبة المانعة من المسؤولية. تعاطي المخدر
اختياراً وعن علم بالحقيقة. مسؤولية المتهم. الجرائم التي يتطلب لها القانون قصداً
جنائيا خاصا. لا يكتفي فيها في ثبوت القصد بافتراضات قانونية بل يجب التحقق من
قيام القصد من أدلة مستمدة من الواقع. (المادة ٦٢ ع).
إنه لما كانت الغيبوبة المانعة من المسؤولية على
مقتضى المادة ٦٢ من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها
الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها، كان مفهوم ذلك أن من يتناول
مادة مخدرة مختاراً وعن علم بحقيقة أمرها يكون مسؤولا عن الجرائم التي تقع منه وهو
تحت تأثيراها. فالقانون في هذه الحالة يجرى عليه حكم المدرك التام الإدراك، مما
ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه، إلا أنه لم كانت هناك بعض جرائم يتطلب
القانون فيها ثبوت قصد جنائي خاص فإنه لا يمكن القول باكتفاء الشارع في ثبوت هذا
القصد بافتراضات قانونية، بل يجب التحقق من قيامه من الأدلة المستمدة من حقيقة
الواقع. فإذا كان الحكم قد استبعد نية القتل لدى المتهم فيما وقع منه من إطلاقه
عياراً ناريا على المجني عليه أدى إلى وفاته واعتبر الحادثة ضربا أفضى إلى الموت فإنه
لا يكون قد أخطأ.
-----------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة هذا الطاعن بأنه: (أولا)
قتل محمد غازي درويش عمداً بأن أطلق عليه مقذوفا ناريا من بندقيته أحدث به
الإصابات الموضحة بالتقرير الطبي والتي أدت إلى وفاته.
و(ثانيا) ضرب بكر بكر عمر فأحدث به الإصابات الموضحة بالتقرير الطبي والتي تحتاج
لعلاج لا يزيد على عشرين يوما. وطلبت من قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات
لمحاكمته بالمادتين ٢٣٤/١ و٢٤٢/١ من قانون العقوبات، فقرر بذلك في ٦ ديسمبر سنة
١٩٤٩.
سمعت محكمة جنايات دمنهور الدعوى وقضت حضوريا بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة سبع
سنوات، وذلك عملا بالمواد ٢٣٦/١ و٢٤٢/١ و٣٢ من قانون العقوبات لأنه في الزمان
والمكان سالفي الذكر: (أولا) ضرب محمد غازي عمداً بأن أطلق عليه مقذوفا ناريا من
بندقيته فأحدث به الإصابة الموضحة بالتقرير الطبي الشرعي ولم يقصد من ذلك قتله
ولكن الضرب أفضى إلى موته.
(ثانيا) ضرب بكر بكر عمر عمداً بآلة صلبة راضة فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير
الطبي والتي تحتاج إلى علاج لا يزيد على عشرين يوما.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض الخ.
------------------
المحكمة
وحيث إن مؤدى وجهي الطعن هو أن المحكمة على الرغم
مما قالته في الحكم المطعون فيه من أن الطاعن حين أطلق العيار الناري على المجني
عليه كان فاقد الشعور والاختيار بفعل مخدر تعاطاه، وعلى الرغم من استبعادها نية
القتل في حقه لهذا السبب، فإنها قد آخذته عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت، وهذا
منها خطأ في تطبيق القانون، إذ كان مقتضى انعدام إرادته بفعل المخدر أن لا يؤاخذ
إلا على القتل الخطأ فقط. هذا إلى أنها قد أخطأت في الاستدلال من حيث تصوير
الواقعة، فقد دفع الطاعن بأن العساكر لما أن رأوه مهتاجا بفعل الحشيش الذي تعاطاه
تألبوا عليه وضربوه بقصد انتزاع البندقية التي كان يحملها فأحدثوا به إصابات مبينة
بالتقرير الطبي، ولكنه تشبث بها وهم يجذبونها منه، وعندئذ انطلق منها العيار
الناري الذي أودى بحياة المجني عليه، ولكن المحكمة لم تأخذ بهذا الدفاع من وجاهته
وتدعيمه بالتقرير الطبي الذي أثبت تعدد الإصابات به.
وحيث إن واقعة الدعوى - على ما أثبتها الحكم المطعون فيه - هي أن الطاعن وهو خفير
نظامي قد تناول باختياره مادة مخدرة هي الحشيش ففقد شعوره ثم جرى إلى المركز وهو
يحمل البندقية الأميرية عهدته، وهناك أطلق منها مقذوفا ناريا أصاب المجني عليه
فقتله، وفيما هو يحاول الهرب اعتدى على أحد من حاولوا القبض عليه بماسورتها على
رأسه فأحدث به جرحا، وقد عاقبته المحكمة بالحكم المطعون فيه على ما وقع منه
باعتباره ضربا مفضيا إلى الموت وضربا بسيطا، وتطبيقا للمادة ٣٢ من قانون العقوبات
وقعت عليه عقوبة واحدة في نطاق المادة ٢٣٦ من قانون العقوبات، وذلك على أساس
انتفاء نية القتل مما لا تتوافر معه أركان جريمة القتل العمد التي كان متهما بها.
وحيث إنه لما كانت الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة ٦٢ من قانون
العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير
علم منه بحقيقة أمرها، فإن مفهوم ذلك أن من يتناول مادة مخدرة مختاراً وعن علم
بحقيقة أمرها يكون مسئولا عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها، فالقانون في
هذه الحالة يجري عليه حكم المدرك التام الإدراك مما ينبني عليه توفر القصد الجنائي
لديه، إلا أنه لما كانت هناك بعض جرائم يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائي خاص،
فإنه لا يمكن القول باكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد بافتراضات قانونية، بل يجب
التحقيق من قيامه من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، وهذا ما استقر عليه قضاء
هذه المحكمة في تفسيرها للمادة ٦٢ من قانون العقوبات.
وحيث إنه لذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ استبعد نية القتل لدى الطاعن واعتبر
الواقعة ضربا تسبب عنه موت المجني عليه، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحا
على واقعة الدعوى.
وحيث إن ما يثيره الطاعن بشأن الدفاع المشار إليه في وجه الطعن، فلا محل له ما دام
الحكم المطعون فيه قد تعرض له وفنده للأدلة والاعتبارات السائغة التي أوردها، وهو
جدل متعلق بأدلة الدعوى مما تفصل فيه محكمة الموضوع من غير معقب عليها في ذلك.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق