الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

الطعن 7193 لسنة 60 ق جلسة 10 / 10 / 1991 مكتب فني 42 ج 1 ق 135 ص 981

جلسة 10 من أكتوبر سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد الصوفي عبد الجواد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين محمد زايد وأحمد عبد الرحمن نائبي رئيس المحكمة ومحمد طلعت الرفاعي وأنس عمارة.

------------

(135)
الطعن رقم 7193 لسنة 60 القضائية

 (1)وصف التهمة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة". نقض "أسباب الطعن، ما لا يقبل منها".
عدم تقيد المحكمة بالوصف الذي تعطيه النيابة العامة للواقعة. من واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقاً للقانون. شرط ذلك؟
بيان المحكمة كيفية ارتكاب الجريمة وحدوث العاهة. لا يعد إضافة منها لوقائع جديدة.
 (2)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
العبرة في المحاكمات الجنائية. هي باقتناع القاضي.
تساند الأدلة في المواد الجنائية. منها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة.
 (3)إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اطمئنان المحكمة إلى أقوال المجني عليها. مفاده إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
 (4)إثبات "اعتراف". حكم "ما لا يعيبه". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
خطأ الحكم في تسمية أقوال المتهم اعترافاً. لا يعيبه. ما دامت المحكمة لم ترتب عليه بذاته الأثر القانوني للاعتراف.
 (5)إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق المحكمة في الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر. متى رأت أن هذه الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع في الدعوى.
 (6)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالرد على كل شبهة يثيرها على استقلال.
 (7)نقض "التقرير بالطعن وإيداع الأسباب". نيابة عامة.
تقرير الطعن. هو المرجع في تحديد الجزء المطعون فيه من الحكم.
قصر النيابة العامة طعنها على قضاء الحكم المطعون فيه بإدانة المطعون ضده الأول دون ما قضى به الحكم من براءة المطعون ضده الثاني. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للأخير. لا يغير من ذلك أن تكون النيابة قد نعت في أسباب طعنها على هذا القضاء. ما دامت لم تقرر بالطعن فيه.
 (8)نيابة عامة. نقض "المصلحة في الطعن والصفة فيه" "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
النيابة العامة تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون. فهي تختص بمركز قانوني خاص يجيز لها الطعن في الحكم وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن بل كانت المصلحة للمحكوم عليه.
 (9)موظفون عموميون. جريمة "أركانها". استعمال القوة والعنف مع موظف عام. قانون "تفسيره".
متى يعد الشخص موظفاً عاماً؟
اعتبار الشارع أشخاصاً معينين في حكم الموظفين العامين في نطاق معين. إيراده نصاً بذلك.
مثال.
خلو قانون العقوبات وأي قانون آخر من النص على اعتبار العاملين بالشركات في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والخاصة بمقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم بالسب وغيره.
 (10)استعمال القوة والعنف مع موظف عام. ضرب "أحدث عاهة". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون" "أسباب الطعن. ما يقبل منها" "الحكم في الطعن". محكمة النقض "سلطتها".
تعديل المحكمة وصف التهمة من إحداث عاهة مستديمة إلى مقاومة موظف عمومي بالقوة تخلف من جرائها عاهة وإدانة المطعون ضده بالوصف الأخير رغم أن المجني عليه تنحسر عنه صفة الموظف العام أو من في حكمه. خطأ في القانون.
قصر العيب الذي شاب الحكم على الخطأ في تطبيق القانون. يوجب على محكمة النقض تصحيحه. أساس ذلك؟

-----------

1 - الأصل أن المحكمة غير مقيدة بالوصف الذي تعطيه النيابة العامة للواقعة كما وردت بأمر الإحالة أو بورقة التكليف بالحضور بل أن واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقاً للقانون لأن وصف النيابة ليس نهائي
بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى أنه الوصف القانوني السليم دون أن يعتبر قيامها بهذا الإجراء إبداء لرأيها في موضوع الدعوى قبل نظرها، كما أن بيان المحكمة لكيفية ارتكاب الجريمة وحدوث العاهة لا يعتبر إضافة منها لوقائع جديدة كما ذهب الطاعن في أسباب طعنه فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون في غير محله.
2 - العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وفي اطمئنانها إلى أقوال المجني عليه ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها إذ أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
4 - خطأ الحكم في تسمية أقوال المتهم اعترفاً - بفرض صحته - لا ينال من صحة الحكم ما دام أنه يتضمن من الدلائل ما يعزز باقي الأدلة والقرائن وما دامت المحكمة لم ترتب عليه بذاته الأثر القانوني للاعتراف.
5 - من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وتمثل الواقع في الدعوى، ولما كان الحكم قد استخلص من أقوال المجني عليه وأقوال الطاعن بمحضر الاستدلالات ومما شهد به الضابط..... صحة ارتكاب الطاعن للواقعة وإحداث إصابة المجني عليه على النحو الذي أوردته في حكمها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة ومنازعة فيما استخلصته المحكمة منها مما لا تجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة بالرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن ما ينعاه الطاعن بخصوص إغفال الحكم رده على دفاعه بعطل السيارة وعدم درايته بقيادتها لا يكون له محل.
7 - تقرير الطعن هو المرجع في تحديد الجزء المطعون فيه من الحكم. ومن ثم فإن النيابة العامة إذ لم تقرر بالطعن في قضاء الحكم بالبراءة فإن طعنها ضد المطعون ضده...... يكون غير مقبول شكلاً ولا يغير من ذلك أن تكون النيابة قد نعت في أسباب طعنها على هذا القضاء ما دامت لم تقرر بالطعن فيه.
8 - النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة في الطعن هي خصم عادل يختص بمركز قانوني خاص بحسبانها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى الجنائية. فلها بهذه المثابة أن تطعن في الأحكام وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه، ومن ثم فإن مصلحتها في الطعن الماثل تكون قائمة.
9 - من المقرر أن الموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام، عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق، وكان الشارع كلما رأى اعتبار أشخاص معينين في حكم الموظفين العامين في موطن ما أورد به نصاً كالشأن في جرائم الرشوة واختلاس الأموال الأميرية. وغيرها من الجرائم الواردة بالبابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات فقد أورد في الفقرة الخامسة من المادة 119 مكرراً منه المقصود بالموظف العام في حكم هذا الباب. لما كان ذلك، وكان قانون العقوبات قد خلا كما خلا أي قانون آخر من نص على اعتبار العاملين بالشركات في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والخاصة بمقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم بالسب وغيره، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المجني عليه من العاملين بشركة وادي كوم أمبو ومن ثم تنحسر عنه صفة الموظف العام أو من في حكمه.
10 - ولما كانت المحكمة إذ عدلت وصف التهمة التي رفعت بها الدعوى قبل المطعون ضده من إحداث عاهة مستديمة إلى مقاومة موظف عمومي بالقوة تخلف من جرائها عاهة ودانته بالوصف الأخير قد أخطأت في تطبيق القانون. وكان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم - إذ لا محل لاستظهار اختصاص المجني عليه ما دامت صفة الموظف العام قد انحسرت عنه - فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تحكم محكمة النقض في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون بما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وتصحيحه بمعاقبة المطعون ضده عن جريمة إحداث العاهة المنصوص عليها في المادة 240/ 1 من قانون العقوبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1) ..... (طاعن) (2) ..... في قضية الجناية رقم.... بأنهما أحدثا عمداً بـ..... الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي قصر حوالي 1.5 سم وضمور حوالي 2 سم وتيبس جزئي بالركبة واستقرار شريحة معدنية موضع الكسر بعظمة الفخذ وتقدر نسبة العجز بنحو 40% على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتهما إلى محكمة جنايات أسوان لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 137 مكرراً ( أ )/ 1 - 3 من قانون العقوبات أولاً: بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة الجزئية المختصة. ثانياً: بمعاقبة المتهم الأول... بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليه. ثالثاً: ببراءة المتهم الثاني.... مما أسند إليه باعتبار أن ما نسب إلى المتهم الأول هو استعمال القوة والعنف مع المهندس..... الموظف بشركة وادي كوم أمبو لحلمه بغير حق على الامتناع عن عمله وتخلف عن ذلك عاهة مستديمة يستحيل برؤها تقدر بنحو 40%.
فطعن كل من المحكوم عليه والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

أولاً: الطعن المقدم من المحكوم عليه:
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة مقاومة موظف عمومي بالقوة والعنف ونشأ عنها عاهة مستديمة قد شابه البطلان والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع. ذلك أن النيابة العامة قد أحالته إلى المحكمة بتهمة إحداث العاهة غير أن المحكمة عدلت وصف التهمة مما يدل على أنها قد كونت رأيها قبل نظر الدعوى كما أسندت إلى الطاعن وقائع لم ترد في أمر الإحالة، وعولت في قضائها بالإدانة على أقوال المجني عليه وما أسمته اعترافاً من الطاعن وما شهد به الضابط..... رغم أن المجني عليه قرر في التحقيقات أنه لا يعرف شخص محدث إصابته، وأن ما صدر من الطاعن من أقوال بمحضر الاستدلالات من إقرار بضرب المجني عليه ومرور السيارة على المجني عليه لا يعني تعمده السير بالسيارة على جسم المجني عليه أو أنه هو قائدها فضلاً عن أن أقوال الضابط لا تعدو أن تكون ترديداً لما أثبته بمحضره على لسان الطاعن، وأخيراً فإن المحكمة لم تعرض لدفاعه بالتحقيقات وبالجلسة من أنه لا دراية له بقيادة السيارات فضلاً عن عطل السيارة في تاريخ الحادث والذي تأيد بأقوال مالكها، فإن ذلك كله مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من المفردات المضمومة أن النيابة العامة قد أقامت الدعوى الجنائية ضد الطاعن - وآخر حكم ببراءته. بوصف أنهما: أحدثا عمداً بـ..... إصابة فخذه الأيمن الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي قصر حوالي 1.5 سم وضمور حوالي 2 سم وتيبس جزئي بالركبة واستقرار شريحة معدنية موضع الكسر بعظمة الفخذ يقدر مداها بنحو 40% أربعين في المائة على النحو المبين بالتحقيقات وطلبت عقابهما بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات. ويبين من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قد عدلت وصفة التهمة ونبهت الدفاع إلى المرافعة على أساس أن المتهمين "في الزمان والمكان الواردين بأمر الإحالة استعملا القوة والعنف مع المهندس...... الموظف بشركة وادي كوم أمبو لحمله بغير حق على الامتناع عن أداء عمله فاعتديا عليه بالضرب ومر عليه الأول بسيارته فأحدث إصابة فخذه الأيمن الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها على النحو المبين بالتقرير الطبي الشرعي والتي تقدر بنحو 40% ولم يبلغا بذلك مقصدهما الأمر المعاقب عليه بنص المادة 137 مكرراً فقرة 1، 3 من قانون العقوبات". لما كان ذلك، وكان الأصل أن المحكمة غير مقيدة بالوصف الذي تعطيه النيابة للواقعة كما وردت بأمر الإحالة أو بورقة التكليف بالحضور بل أن واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقاً للقانون لأن وصف النيابة العامة ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى أنه الوصف القانوني السليم دون أن يعتبر قيامها بهذا الإجراء إبداء لرأيها في موضوع الدعوى قبل نظرها، كما أن بيان المحكمة لكيفية ارتكاب الجريمة وحدوث العاهة لا يعتبر إضافة منها لوقائع جديدة كما ذهب الطاعن في أسباب طعنه فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك. وكانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وفي اطمئنانها إلى أقوال المجني عليه ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها إذ أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض كما أن خطأ الحكم في تسمية أقوال المتهم اعترفاًَ - بفرض صحته - لا ينال من صحة الحكم ما دام أنه يتضمن من الدلائل ما يعزز باقي الأدلة والقرائن وما دامت المحكمة لم ترتب عليه بذاته الأثر القانوني للاعتراف، كما أنه من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وتمثل الواقع في الدعوى، ولما كان الحكم قد استخلص من أقوال المجني عليه وأقوال الطاعن بمحضر الاستدلالات وما شهد به الضابط....... صحة ارتكاب الطاعن للواقعة وإحداث إصابة المجني عليه على النحو الذي أوردته في حكمها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة ومنازعة فيما استخلصته المحكمة منها مما لا تجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة بالرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن ما ينعاه الطاعن بخصوص إغفال الحكم رده على دفاعه بعطل السيارة وعدم درايته بقيادتها لا يكون له محل. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً، وحسب المحكمة أن تشير إلى أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بتهمة مقاومة موظف عمومي قد أخطأ في تطبيق القانون مما كان يوجب عليها التصدي لهذا الخطأ وفقاً لنص المادة 35/ 2 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقص الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 59 إلا أنه مما يغني عن هذا التدخل أن النيابة العامة قد تناولت هذا العيب في أسباب طعنها.
ثانياً: الطعن المقدم من النيابة العامة:
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 11/ 2/ 1990 فقررت النيابة العامة بالطعن فيه بتاريخ 19/ 3/ 1990 وفي التاريخ ذاته قدمت مذكرة بأسباب طعنها. وكان البين من مطالعة تقرير الطعن بأن النيابة قصرت طعنها على قضاء الحكم المطعون فيه بإدانة المطعون ضده..... دون ما قضى به الحكم من براءة المطعون ضده...... لما كان ذلك، وكان تقرير الطعن هو المرجع في تحديد الجزء المطعون فيه من الحكم. ومن ثم فإن النيابة العامة إذ لم تقرر بالطعن في قضاء الحكم بالبراءة فإن طعنها ضد المطعون ضده...... يكون غير مقبول شكلاً ولا يغير من ذلك أن تكون النيابة قد نعت في أسباب طعنها على هذا القضاء ما دامت لم تقرر بالطعن فيه.
وحيث إن النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة في الطعن هي خصم عادل يختص بمركز قانوني خاص بحسبانها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى الجنائية. فلها بهذه المثابة أن تطعن في الأحكام وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه، ومن ثم فإن مصلحتها في الطعن الماثل تكون قائمة وإذ كان ذلك وكان طعنها - بالنسبة للمطعون ضده - ..... قد استوفى الشكل المقرر في القانون فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضده بجريمة مقاومة موظف عمومي بالقوة وتخلف من جرائها عاهة قد شابه خطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبيب ذلك أنها كانت قد أقامت الدعوى الجنائية قبل المطعون ضده بتهمة إحداث عاهة مستديمة بالمجني عليه وقد عدلت المحكمة وصف التهمة بجعلها مقاومة موظف عمومي بالقوة وأسبغت على المجني عليه صفة الموظف العام رغم عدم توافر هذه الصفة ودون استظهار ما إذا كان العمل الذي حاول المطعون ضده منعه من تأديته داخلاً في نطاق وظيفته. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن النيابة العامة قد أقامت الدعوى الجنائية ضد المطعون ضده - وآخر - ونسبت إليه تهمة إحداث عاهة مستديمة بالمجني عليه غير أن المحكمة قد عدلت وصف التهمة ودانته عن جريمة مقاومة موظف عمومي بالقوة والعنف والتي تختلف من جرائها عاهة مستديمة وعاقبته بمقتضى الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 137 مكرراً "أ" من قانون العقوبات على أساس أن المجني عليه من الموظفين العموميين. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام، عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق، وكان الشارع كلما رأى اعتبار أشخاص معينين في حكم الموظفين العامين في موطن ما أورد به نصاً كالشأن في جرائم الرشوة واختلاس الأموال الأميرية..... وغيرها من الجرائم الواردة بالبابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات فقد أورد في الفقرة الخامسة من المادة 119 مكرراً منه المقصود بالموظف العام في حكم هذا الباب. لما كان ذلك، وكان قانون العقوبات قد خلا كما خلا أي قانون آخر من نص على اعتبار العاملين بالشركات في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والخاصة بمقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم بالسب وغيره. وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المجني عليه من العاملين بشركة....... ومن ثم تنحسر عنه صفة الموظف العام أو من في حكمه. وتكون المحكمة إذ عدلت وصف التهمة التي رفعت بها الدعوى قبل المطعون ضده من إحداث عاهة مستديمة إلى مقاومة موظف عمومي بالقوة تخلف من جرائها عاهة ودانته بالوصف الأخير - قد أخطأت في تطبيق القانون. لما كان ذلك وكان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم - إذ لا محل لاستظهار اختصاص المجني عليه ما دامت صفة الموظف العام قد انحسرت عنه - فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تحكم محكمة النقض في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون بما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وتصحيحه بمعاقبة المطعون ضده عن جريمة إحداث العاهة المنصوص عليها في المادة 240/ 1 من قانون العقوبات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق