جلسة 4 من نوفمبر سنة
1991
برئاسة السيد المستشار/ نجاح سليمان نصار نائب
رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي منتصر وحسن حمزة ومجدي الجندي نواب
رئيس المحكمة ومصطفى كامل.
----------------
(155)
الطعن رقم 5092 لسنة 61
القضائية
(1) محضر
الجلسة. تزوير "الطعن بالتزوير". إجراءات "إجراءات المحاكمة".
نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الأصل في الإجراءات أنها
روعيت. المادة 30 من القانون رقم 57 سنة 1959.
إثبات عكس ما أثبت بمحضر
الجلسة أو الحكم. لا يكون إلا بالطعن بالتزوير.
(2) أسباب الإباحة
"الدفاع الشرعي". دفوع "الدفع بتوافر حالة الدفاع الشرعي".
محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير
معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استطاعة الاستعانة برجال
السلطة العامة لحماية الحق المهدد تحول دون إباحة فعل الدفاع الشرعي أساس ذلك؟
تقدير قيام حالة الدفاع
الشرعي وانتفائها. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ لانتفاء
حالة الدفاع الشرعي من الطاعن.
(3)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات
"إجراءات المحاكمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب. نقض"
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الطلب الجازم. ماهيته؟
(4) إثبات "شهود".
إجراءات "إجراءات المحاكمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
نقض "أسباب الطعن، ما لا يقبل منها".
إعراض المحكمة عن سماع
شهود نفي لم يعلنوا وفقاً للمادة 214 مكرراً المضافة بالقانون 170 لسنة 1981
إجراءات. لا تثريب عليها.
(5)إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق
التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا
يقبل منها".
لا يعيب الحكم أن يحيل في
بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. شرط ذلك؟
اختلاف الشهود في بعض
التفصيلات لا يؤثر في سلامة الحكم.
(6) إثبات "بوجه
عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة
لواقعة الدعوى". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب
الطعن. ما لا يقبل منها".
لمحكمة الموضوع أن تستخلص
الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من
صورة أخرى، شرط ذلك؟
وزن أقوال الشهود
وتقديرها. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بأقوال
الشاهد؟
(7)إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما
لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء
والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. موضوعي.
لمحكمة الموضوع أن تجزم
بما لم يجزم به الخبير.
(8)إثبات "بوجه عام". حكم "ما لا يعيبه".
أخذ الحكم بدليل احتمالي.
غير قادح في سلامته. ما دام قد أسس الإدانة على اليقين.
(9)جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
آلة الاعتداء ليست من
الأركان الجوهرية للجريمة. الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. عدم جواز إثارته أمام
النقض.
-----------------
1 - الأصل طبقاً للمادة
30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن
الإجراءات قد روعيت فلا يجوز للطاعن أن يدحض ما ثبت بمحضر الجلسة من أن النيابة
والدفاع اكتفيا بتلاوة أقوال الشهود الواردة بالتحقيقات والجلسة وأن المحكمة أمرت
بتلاوتها وتليت، إلا بالطعن بالتزوير، وهو ما لم يفعله، فإنه لا يقبل منه ما يثيره
في هذا الخصوص.
2 - إن المادة 246 من
قانون العقوبات بعد أن قننت حق الدفاع الشرعي عن النفس والمال، جاءت المادة 247 من
ذات القانون ونصت على أنه "وليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون في
الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العمومية" وهو ما يعني أن استطاعة
الاستعانة بالسلطات العمومية لحماية الحق المهدد تحول دون إباحة فعل الدفاع، ويتضح
بذلك أن للدفاع الشرعي صفة احتياطية باعتباره لا محل له إلا عند عجز السلطات
العمومية عن حماية الحق، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن وأطرح في
منطق سائغ دعواه - أنه كان في حالة دفاع شرعي - وخلص إلى أن الثابت من أقوال
الطاعن ووالده التي أوردها، ومن ظروف الدعوى، أنها كانت تسمح لهما بالتوجه إلى
نقطة الشرطة المختصة وإخطارها بما علما به من توجه المجني عليهما لإقامة القنطرة
وأن الوقت والزمن يسمح بذلك دون إهدار لحقوقهما، وكانت وقائع الدعوى كما أوردها
الحكم في مدوناته ترشح لما انتهى إليه في هذا الشأن، فإن ذلك ينطوي على انتفاء
حالة الدفاع الشرعي بجميع صوره المبينة في القانون، وإذ كان من المقرر أن حق قاضي
الدعوى في تقدير ما إذا كان من استعمل القوة للدفاع عن المال في إمكانه أن يركن في
الوقت المناسب إلى رجال السلطة، وفي تقدير ما إذا كان ممكناً له أن يمنع الاعتداء
الواقع على المال بطريقة أخرى غير القوة - هو على حسب ما يؤخذ من نص المادتين 246،
247 من قانون العقوبات - مما يدخل في سلطته المطلقة - لتعلقه بتحصيل فهم الواقع في
الدعوى، فيكفي لسلامة الحكم أن تبين المحكمة كيف كان صاحب المال في مقدوره دفع
الاعتداء بالالتجاء للسلطة لتصل من ذلك إلى القول بأن ارتكاب صاحب المال الجناية
التي وقعت منه لم يكن له مبرر، وهو ما لم يقصر الحكم في بيانه وتقديره، وإذ كان
تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أن انتفاؤها يعلق بموضوع
الدعوى، ولمحكمة الموضوع وحدها الفصل فيه بلا معقب متى كان استدلال الحكم سليماً
ويؤدي إلى ما انتهى إليه، كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فلا يقبل من
الطاعن معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة في هذا الخصوص، ويضحى كل ما يثيره
الطاعن بأسباب الطعن بصدد الدفاع الشرعي لا محل له.
3 - من المقرر أن الطلب
الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه
مقدمه، ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية.
4 - لما كان الطاعن لم
يتبع الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المادة 214 مكرراً المضافة
بالقانون رقم 170 لسنة 1981 لإعلان الشاهد الذي يطلب المتهم سماع شهادته أمام
محكمة الجنايات ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذ هي أعرضت عن طلب سماع شاهد النفي
- ضابط النقطة - الذي طلب سماعه بجلسة المحاكمة ولم تستجب إليه.
5 - من المقرر أنه لا
يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت
أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود
في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم، ذلك بأن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين
عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها.
6 - من المقرر أن الأصل
أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على
بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما
يخالفه من صورة أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل
والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - وكان وزن أقوال
الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما
وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله
المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهاداتهم فإن
ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
7 - من المقرر أن تقدير
آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع
التي لها كامل الحرية في تقدير القوى التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، وأن
لمحكمة الموضوع سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى
قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره.
8 - من المقرر أن أخذ
الحكم بدليل احتمالي غير قادح فيه ما دام قد أسس الإدانة على اليقين.
9 - لما كانت آلة
الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية للجريمة وإذ نقل الحكم عن التقرير الطبي الشرعي
أن إصابات كل من المجني عليهما تحدث من عيار ناري خرطوش، وعن تقرير فحص البندقية
المضبوطة أنها خرطوش عيار 12 بماسورة واحدة غير مششخنة ذات خزينة ثابتة وصالحة
للاستعمال وسبق إطلاقها، فمن ثم فإن ما يسوقه الطاعن من مطاعن حول أقوال شهود
الإثبات وصور الواقعة والتقرير الطبي الشرعي وتقرير فحص السلاح لا يعدو في حقيقته
أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى واستنباط
معتقدها، وهو من إطلاقاتها التي لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: (1) ضرب المجني
عليهما..... و ...... بسلاح ناري (بندقية خرطوش) بأن قام بإطلاق عيارين ناريين على
المجني عليه الأول فأصابه في إبهام يده اليمنى وجانبه الأيسر مما أدى إلى إصابته
على النحو المبين بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف ليده من جرائهما عاهة مستديمة
هي بتر السلامية الطرفية لأصبع إبهام اليد اليمنى وتقدر نسبة 15% بينما قام بإطلاق
عيارين ناريين أخريين على المجني عليه الثاني فأصابه في ساعده الأيسر أدى إلى
إصابته على النحو المبين بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة
هي بتر الساعد الأيسر أسفل المرفق وتقدر العاهة بنسبة 60% وهو ما يقلل من كفاءة
المصابين على العمل (2) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن (بندقية خرطوش)
في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وأحالته إلى محكمة جنايات الزقازيق لمحاكمته
طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وادعى المجني عليهما مدنياً قبل المتهم
بمبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت لكل منهما، والمحكمة المذكورة قضت
حضورياً عملاً بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 26/ 1، 5، 30 من
القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والجدول رقم (2) الملحق مع إعمال المادتين 32،
17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبمصادرة
السلاح المضبوط عما أسند إليه وبإلزامه بأن يؤدي لكل من المدعين بالحق المدني مبلغ
مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا
الحكم بطريق النقض...... إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذا
دانه بجريمتي إحداث عاهة وإحراز سلاح ناري بدون ترخيص قد ران عليه البطلان وشابه
القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون وانطوى على
الإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد، ذلك بأن أثبت على خلاف الحقيقة والواقع
موافقة الدفاع على تلاوة أقوال الشهود رغم إصراره على سماعهم، وأطرح ما أثاره
المدافعون عن الطاعن من أنه كان في حالة دفاعه شرعي عن النفس والمال، ورد على ذلك
بما لا يصلح رداً ودون تحقيق ما ساقه من أدلة تؤيد هذا الدفاع، ولم يستظهر ظروف
الدعوى ووقائعها التي ترشح لما خلص إليه من إمكان لجوء الطاعن ووالده إلى السلطات
العامة، وأغفل طلبه سماع شهادة رئيس نقطة الشرطة، هذا إلى أن الحكم لم يورد أقوال
الرائد...... وأحال بشأنها إلى أقوال المجني عليهما رغم اختلاف أقواله عنهما حيث
لم يذكر أن الأرض مكان الحادث ملك المذكورين، كما اعتنق الحكم صورة للحادث غير
صورته الحقيقية التي تفصح عن إصابة المجني عليهما إنما حدثت من أسلحة المتجمهرين
وأن البين من أقوال المجني عليهما أن الطاعن لم يحدث إصابة أيهما على خلاف ما حصله
الحكم، وأخيراً عول الحكم على تقرير فحص السلاح رغم أنه لم يحدد تاريخ الإطلاق
وعدد طلقات خزينة البندقية وأخذ بالتقرير الطبي الشرعي حال أنه خلا من أن إصابات
المجني عليهما تحدث من البندقية المضبوطة وتاريخ حدوثها ونوع السلاح المستخدم أو
عياره وقطعت المحكمة في ذلك جميعه على غير سند، كل هذا مما يعيب الحكم بما يستوجب
نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان
الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ثبت من
التقرير الطبي الشرعي وتقرير فحص السلاح المضبوط، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي
إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان الأصل طبقاً للمادة 30 من القانون رقم
57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن الإجراءات قد روعيت
فلا يجوز للطاعن أن يدحض ما ثبت بمحضر الجلسة من أن النيابة والدفاع اكتفيا بتلاوة
أقوال الشهود والواردة بالتحقيقات والجلسة وأن المحكمة أمرت بتلاوتها وتليت، إلا
بالطعن بالتزوير، وهو ما لم يفعله، فإنه لا يقبل منه ما يثيره في هذا الخصوص لما
كان ذلك، وكانت المادة 246 من قانون العقوبات بعد أن قننت حق الدفاع الشرعي عن
النفس والمال، جاءت المادة 247 من ذات القانون ونصت على أنه "وليس لهذا الحق
وجود متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة
العمومية" وهو ما يعني أن استطاعة الاستعانة بالسلطات العمومية لحماية الحق
المهدد تحول دون إباحة فعل الدفاع، ويتضح بذلك أن للدفاع الشرعي صفة احتياطية
باعتباره لا محل له إلا عند عجز السلطات العمومية عن حماية الحق، وإذ كان الحكم
المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن وأطرح في منطق سائغ دعواه - أنه كان في حالة دفاع
شرعي - وخلص إلى أن الثابت من أقوال الطاعن ووالده التي أوردها، ومن ظروف الدعوى،
أنها كانت تسمح لهما بالتوجه إلى نقطة الشرطة المختصة وإخطارها بما علما به من
توجه المجني عليهما لإقامة القنطرة وأن الوقت والزمن يسمح بذلك دون إهدار لحقوقها،
وكانت وقائع الدعوى كما أوردها الحكم في مدوناته ترشح لما انتهى إليه في هذا
الشأن، فإن ذلك ينطوي على انتفاء حالة الدفاع الشرعي بجميع صوره المبينة في
القانون، وإذ كان من المقرر أن حق قاضي الدعوى في تقدير ما إذا كان من استعمل
القوة للدفاع عن المال في إمكانه أن يركن في الوقت المناسب إلى رجال السلطة، وفي
تقدير ما إذا كان ممكناً له أن يمنع الاعتداء الواقع على المال بطريقة أخرى غير
القوة - هو على حسب ما يؤخذ من نص المادتين 246، 247 من قانون العقوبات - مما يدخل
في سلطته المطلقة - لتعلقه بتحصيل فهم الواقع في الدعوى، فيكفي لسلامة الحكم أن
تبين المحكمة كيف كان صاحب المال في مقدوره دفع الاعتداء بالالتجاء للسلطة لتصل من
ذلك إلى القول بأن ارتكاب صاحب المال للجناية التي وقعت منه لم يكن له مبرر، وهو
ما لم يقصر الحكم في تبيانه أو تقديره، وإذ كان تقدير الوقائع التي يستنتج منها
قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها يتعلق بموضوع الدعوى، ولمحكمة الموضوع وحدها
الفصل فيه بلا معقب متى كان استدلال الحكم سليماً ويؤدي إلى ما انتهى إليه، كما هو
الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فلا يقبل من الطاعن معاودة الجدل فيما خلصت
إليه المحكمة في هذا الخصوص، ويضحى كل ما يثيره الطاعن بأسباب الطعن بصدد الدفاع
الشرعي لا محل له. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن
المدافعين عن الطاعن قد اختتم كل منهم مرافعته بطلب الحكم ببراءته مما أسند إليه
دون التمسك بسماع شهود أو إجراء معاينة أو أي من طلبات التحقيق التي أثارها في
طعنه، فلا على المحكمة إن هي التفتت عنها، لما هو مقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة
الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه، ولا ينفك عن
التمسك به والإضرار عليه في طلباته الختامية، ومع ذلك فقد عرض الحكم لطلب الطاعن
سماع شهود الواقعة وإجراء المعاينة، تدليلاً على حقه في الدفاع الشرعي، وأطرحه
سائغاً، فإن منعاه في هذا الصدد لا يكون سديداً، لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يتبع
الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المادة 214 مكرراً المضافة بالقانون
رقم 170 لسنة 1981 لإعلان الشاهد الذي يطلب المتهم سماع شهادته أمام محكمة الجنايات
ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذ هي أعرضت عن طلب سماع شاهد النفي - ضابط النقطة -
الذي طلب سماعه بجلسة المحاكمة ولم تستجب إليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه
لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما
دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف
الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم ذلك بأن لمحكمة الموضوع في سبيل
تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها وإذا
كان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن أقوال الرائد....... التي أحال
الحكم في شأنها إلى أقوال المجني عليهما - تتفق في جملتها وجوهرها مع ما حصله
الحكم من أقوالهما وإن ادعى الطاعن باختلافها في غير ذلك، فإن نعيه في هذا الخصوص
يكون على غير أساس لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه
انتهى في تدليل سائغ لا قصور فيه إلى أن الطاعن على سبيل الاستقلال والانفراد أطلق
أعيرة نارية على المحني عليهما من بندقية خرطوش يحملها فأحدث بهما الإصابات
الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف عن بعضها عاهة مستديمة بكل منهما، وذلك
أخذاً بشهادة الشهود والتي اطمأن إليها وما خلص إليه التقرير الطبي الشرعي، فإن ما
يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل
أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على
بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما
يخالفه من صورة أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل
والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - وكان وزن أقوال
الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما
وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله
المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهاداتهم فإن
ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. وكان
من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه
إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوى التدليلية لتقرير الخبير
المقدم إليها، وأن لمحكمة الموضوع سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى
كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، وهو ما لم يخطئ الحكم في
تقديره. كما أن أخذ الحكم بدليل احتمالي غير قادح فيه ما دام قد أسس الإدانة على
اليقين، والبين من مدونات الحكم أنه انتهى إلى بناء الإدانة على يقين ثبت لا على
افتراض لم يصح، وكانت آلة الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية للجريمة وإذ نقل
الحكم عن التقرير الطبي الشرعي أن إصابات كل من المجني عليهما تحدث من عيار ناري
خرطوش، وعن تقرير فحص البندقية المضبوطة أنها خرطوش عيار 12 بماسورة واحدة غير
مششخنة ذات خزينة ثابتة وصالحة للاستعمال وسبق إطلاقها، فمن ثم فإن ما يسوقه
الطاعن من مطاعن حول أقوال شهود الإثبات وصورة الواقعة والتقرير الطبي الشرعي
وتقرير فحص السلاح لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة
الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى واستنباط معتقدها، وهو من إطلاقاتها التي لا
تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على
غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق