الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 28 فبراير 2025

الطعنان 136 و 173 لسنة 49 ق جلسة 26 / 3 / 1984 مكتب فني 35 ج 1 ق 154 ص 811

جلسة 26 من مارس سنة 1984

برياسة السيد المستشار الدكتور سعيد عبد الماجد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ د. أحمد حسني، محمد طموم، زكي المصري ومنير توفيق.

---------------

(154)
الطعنان رقما 136، 173 لسنة 49 قضائية

(1) تأميم "لجان التقييم: اختصاصها".
لجان التقييم. نطاق اختصاصها. عدم جواز الطعن في قراراتها. مناطه. التزامها بعناصر المنشأة أصولاً وخصوماً وقت التأميم. خروجها عن ذلك بالإضافة أو الاستبعاد. أثره. إهدار أثر القرار وحجيته.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في مسائل الواقع".
لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها والموازنة بينها. استخلاصها الحقيقة منها متى كان ذلك سائغاً وله أصل ثابت في الأوراق.
(3، 4) خبرة. محكمة الموضوع "سلطتها في إجراءات الإثبات." حكم "تسبيب الحكم".
(3) تقرير الخبير. خضوعه لتقدير محكمة الموضوع. عدم التزامها بإجالة طلب ندب خبير آخر متى وجدت في أوراق الدعوى وفي تقرير الخبير السابق ندبه ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فيها. حسبها أن تبني قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
(4) عدم التزام الحكم تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج.
(5) دعوى "انقطاع سير الخصومة". دعوى "الصفة في الدعوى".
انقطاع سير الخصومة. الغاية منه. مثول ورثة المتوفى أو من يقوم مقامهم أمام المحكمة. أثره. استئناف سير الخصومة. علة ذلك.
(6) دعوى "انقطاع سير الخصومة". دعوى "الصفة في الدعوى". مؤسسات عامة. شركات.
اختصام المؤسسة العامة إلى جانب الشركة بسبب إشرافها عليها وتبعية الشركة المذكورة لها. إلغاء المؤسسات العامة ونقل اختصاصاتها إلى رؤساء مجالس إدارات الشركات التي كانت تابعة لها. ق 111 سنة 1975. مؤداه. إنهاء التبعية واستقلال الشركة بذاتيتها في تمثيل نفسها. زوال صفة المؤسسة. لا أثر له على سير الخصومة.
(7) تأميم. مسئولية "مسئولية الدول عن ديون الشركة المؤممة". دعوى "الصفة في الخصومة".
مسئولية الدولة عن سداد التزامات الشركات والمنشآت المؤممة. حدودها. توفر الصفة للدولة في الخصومة المنعقدة في هذا الخصوص. لا يغير من ذلك احتفاظ الشركة المؤممة بشخصيتها المعنوية وذمتها المالية المستقلة التي كانت لها قبل التأميم.
(8) تأميم "ميعاد استحقاق الفائدة على السندات".
سعر الفائدة الذي تلتزم به الدولة على السندات الاسمية المستحقة عند تأميم بعض الشركات والمنشآت. استحقاقه من تاريخ التأميم بعد تحديد سعر السندات بسعر أسهمها م 2، 3 ق رقم 72 سنة 1973.
(9) تأميم "تقييم المنشأة المؤممة".
تقييم المنشأة المؤممة. المقصود به. تقدير قيمتها لتحديد التعويض المستحق لأصحابها. كيفية حصول هذا التقدير. استبعاد لجنة التقييم عنصراً من عناصر الأصول. أثره.

-------------------
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لجان التقييم، وإن كانت تتمتع بسلطة تقديرية مطلقة في تحديد صافي رأس مال المنشأة المؤممة وأن قرارها في هذا الشأن يكون نهائياً غير قابل للطعن فيه إلا أن مناط ذلك أن تلتزم اللجنة في تقييمها بعناصر المنشأة أصولاً وخصوماً وقت تأميمها فلا يجوز لها أن تقيم ما لم يقصد المشرع إلى تأميمه، أو تستبعد بعض العناصر التي أدخلها المشرع في نطاق التأميم فإن هي فعلت شيئاً من ذلك فلا يكون لقرارها من أثر ولا يكتسب أية حصانة ولا تكون له حجية قبل الدولة أو أصحاب الشأن.
(2) لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير ما يقدم إليها من أدلة والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه واستخلاص الحقيقة منها متى كان استخلاصها سائغاً وله أصل ثابت في الأوراق.
3 - تقرير الخبير لا يعدو أن يكون دليلاً من الأدلة المطروحة على محكمة الموضوع تخضع لتقديرها، وهي غير ملزمة بإجابة طلب تعيين خبير آخر متى وجدت في تقرير الخبير السابق ندبه وباقي أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فيها، وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاؤها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
4 - محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وترد استقلالاً على كل حجة أو قول أثاروه ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج.
5 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل الذي يقوم عليه الانقطاع هو حماية ورثة المتوفى أو من يقوم مقام من فقد الأهلية أو تغيرت صفته حتى لا تتخذ الإجراءات بغير علمهم وبصدور الحكم ضدهم في غفلة منهم دون أن يتمكنوا من استعمال حقهم في الدفاع تأكيداً لمبدأ المواجهة بين الخصوم، ولم يقصد بالانقطاع أن يكون جزاءاً على الطرف الآخر لاستمراره في موالاة إجراءات الخصومة على الرغم من علمه بقيام السبب الموجب لانقطاعها، ولذلك فمن المقرر أن الخصومة تستأنف سيرها إذا حضر بالجلسة المحددة لنظر الدعوى ورثة المتوفى أو من يقوم مقام من فقد الأهلية أو تغيرت صفته.
6 - إذا كان البين من الحكم المطعون فيه أن المؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج إنما اختصمت في الدعوى إلى جانب الشركة الطاعنة بسبب إشرافها عليها وتبعية الشركة المذكورة لها فإن القانون رقم 111 سنة 1975 - إذ قضى بإلغاء المؤسسات العامة ونقل كافة اختصاصاتها المقررة بمقتضى القوانين واللوائح إلى رؤساء مجالس إدارة الشركات التي كانت تابعة لها يكون قد أنهى تبعية هذه الشركات للمؤسسات المذكورة ومنحها ذاتية مستقلة بإحلالها محل المؤسسات الملغاة في مباشرة نشاطها واختصاصاتها التي كانت تتولاها عنها - ولما كانت الشركة الطاعنة في الأصل خصماً في الدعوى قبل صدور القانون المشار إليه وإنهاء تبعيتها للمؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج استقلالاً بذاتيتها في تمثيل نفسها فإن الخصومة في الدعوى لا تكون قد انقطع سيرها بصدور ذلك القانون ولا يكون لزوال صفة المؤسسة المذكورة أي أثر على سيرها.
7 - النص في المادتين الثانية والرابعة من القانون رقم 72 سنة 1963 الصادر بتأميم بعض الشركات والمنشآت ومن بينها الشركة المطعون ضدها الثانية - على أن تتحول أسهم الشركات ورؤوس أموال المنشآت المشار إليها إلى مستندات اسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة 4% سنوياً، وتكون السندات قابلة للتداول في البورصة ويجوز للدولة بعد عشر سنوات أن تستهلك هذه السندات كلياً أو جزئياً.... وأن الدولة لا تسأل عن التزامات تلك الشركة والمنشآت إلا في حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها في تاريخ التأميم، يدل على أن الدولة تعتبر مسئولة عن سداد التزامات هذه الشركات والمنشآت في حدود ما آل إليها على هذا الوجه، وهو ما يوفر للطاعنين صفة في الخصومة ولا يغير من ذلك احتفاظ تلك الشركة بشخصيتها المعنوية التي كانت لها قبل التأميم وذمتها المالية المستقلة بما عساه أن يكون عالقاً بها من التزامات.
8 - النص في المادة الثالثة من القانون رقم 72 سنة 1963 على أنه يحدد سعر كل سند بسعر السهم، يدل على أن سعر الفائدة الذي تلتزم به الدولة على السندات الاسمية المستحقة طبقاً للمادة الثانية من القانون يستحق من تاريخ التأميم بعد تحديد سعر هذه السندات بسعر الأسهم.
9 - تقييم المنشآن المؤممة إنما يقصد به تقدير قيمتها وقت التأميم توصلاً لتحديد التعويض الذي يستحقه أصحاب المنشأة مقابل نقل ملكيتها إلى الدولة وفقاً لأحكام القانون رقم 72 سنة 1963 ويتم ذلك بتحديد أصول المنشأة وخصومها واستنزال هذه من تلك، فإذا استبعدت لجنة التقييم عنصراً من عناصر الأصول انخفضت قيمة الأصول بمقداره وقل بالتالي صافي هذه الأصول، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في أسبابه إلى تحديد إجمالي حقوق المساهمين على نحو يتفق مع هذا النظر فإن النعي عليه بهذا الوجه يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول في كل من الطعنين أقام الدعوى رقم 375 لسنة 1973 تجاري كلي جنوب القاهرة على وزارات الصناعة والخزانة والاقتصاد والمؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج وشركة مصر شبين الكوم للغزل والنسيج بطلب الحكم باستحقاقه لسندات على الدولة بمبلغ 6750 جنيهاً وفوائد هذا المبلغ من تاريخ تأميم الشركة الأخيرة حتى استهلاك السندات وذلك مقابل ما دفعه عن أسهمه في تلك الشركة وعددها 2500 سهم، وقال بياناً لدعواه أن لجنة التقييم التي شكلت لتحديد سعر السهم بالشركة بعد تأميمها بالقانون رقم 72 لسنة 1963 قد أخطأت في احتسابها صافي حقوق المساهمين فيها بنزولها عن القيمة الحقيقية لموجوداتها وزيادتها في التزاماتها، وكان يتعين عليها عدم استبعاد ما لم يسدد من رأس المال وقدره 765500 جنيه وأن تضيفه إلى أصول الشركة ثم يوزع على الأسهم جميعها وبعد تحديد سعر السهم على هذا الأساس يستنزل ما لم يسدد من قيمته، وهو تصويب من شأنه أن يؤدي إلى استحقاقه المبلغ المطالب به بما لا يتعارض مع نهائية قرارات التقييم وعدم قابليتها للطعن عليها. وبتاريخ 30/ 3/ 1974 قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى. استأنف المدعي - المطعون ضده الأول - هذا الحكم بالاستئناف رقم 218 لسنة 91 ق تجاري القاهرة. ومحكمة استئناف القاهرة قضت بتاريخ 23/ 12/ 1975 بإلغاء الحكم المستأنف وباختصاص محكمة أول درجة ولائياً بنظر الدعوى وبإعادتها إليها للفصل في موضوعها. وبتاريخ 26/ 6/ 1976 قضت محكمة أول درجة بندب خبير في الدعوى وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت في 26/ 11/ 1977 برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده المذكور هذا الحكم بالاستئناف رقم 489 لسنة 94 ق تجاري القاهرة. وبتاريخ 29/ 11/ 1978 قضت محكمة استئناف القاهرة برفض الدفع بانقطاع سير الخصومة لزوال صفة المؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج المؤسس على صدور القانون رقم 111 لسنة 1975 بإلغاء المؤسسات العامة كما قضت باستحقاق المستأنف - المطعون ضده الأول - لسندات على الدولة كمساهم سابق في شركة مصر شبين الكوم للغزل والنسيج - بما قيمته 3825 جنيهاً وفوائد هذا المبلغ بواقع 4 % سنوياً من تاريخ التأميم حتى استهلاك السندات. طعنت الشركة المذكورة بالنقض في هذا الحكم وقيد طعنها برقم 136 لسنة 49 ق. كما طعنت وزارة الصناعة والمالية والاقتصاد والتعاون الاقتصادي والمؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج في هذا الحكم وفي الحكم الصادر في الاستئناف رقم 218 لسنة 91 ق تجاري القاهرة، وقيد الطعن برقم 173 لسنة 49 ق، وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأي برفض الطعنين، وإذ عرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرهما، وفيها التزمت النيابة رأيها. وقررت المحكمة ضم الطعن الثاني للطعن الأول ليصدر فيهما حكم واحد.
أولاً - عن الطعن رقم 136 لسنة 49 ق.
حيث إن الشركة الطاعنة تنعى في سبب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون تفسيره وتأويله وذلك من خمسة وجوه، ويقول بياناً للوجوه الأربعة الأولى إن الحكم رفض طلب المطعون ضده الأول ندب خبير آخر في الدعوى لتقدير حقوق المساهمين، وتصدى لهذه المسالة الحسابية التي ما كان يجوز له أن يتناولها، فانتهى خطأ إلى إضافة قيمة القسط الثاني للأسهم التي لم تسدد وقدرها 765500 جنيه لصافي حقوق المساهمين مرتين والصحيح أن تضاف مرة واحدة، ولم يفصح عن الخطوات التي أوصلته إلى هذه النتيجة التي تتعارض مع ما نص عليه القانون من نهائية قرارات التقييم وما أوجبته أسباب الحكم في الاستئناف رقم 218 لسنة 91 ق القاهرة من عدم المساس بالقيمة التي قدرتها لجنة التقييم للسهم، وأهدر بذلك دفاع الطاعنة المؤسس على وجوب إضافة هذا المبلغ إلى أصول الشركة دون خصومها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لجان التقييم، وإن كانت تتمتع بسلطة تقديرية مطلقة في تحديد صافي رأس مال المنشأة المؤممة وأن قرارها في هذا الشأن يكون نهائياً غير قابل للطعن فيه إلا أن مناط ذلك أن تلتزم اللجنة في تقييمها بعناصر المنشأة أصولاً وخصوماً وقت تأميمها فلا يجوز لها أن تقيم ما لم يقصد المشرع إلى تأميمه، أو تستبعد بعض العناصر التي أدخلها المشرع في نطاق التأميم فإن هي فعلت شيئاً من ذلك فلا يكون لقرارها من أثر ولا يكتسب أية حصانة ولا تكون له حجية قبل الدولة أو أصحاب الشأن. كما أنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير ما يقدم إليها من أدلة والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه واستخلاص الحقيقة منها متى كان استخلاصها سائغاً وله أصل ثابت في الأوراق، وأن تقرير الخبير لا يعدو أن يكون دليلاً من الأدلة المطروحة عليها يخضع لتقديرها، وهي غير ملزمة بإجابة طلب تعيين خبير آخر متى وجدت في تقرير الخبير السابق ندبه وباقي أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فيها، وبحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاؤها على أسباب سائغة تكفي لحمله وهي غير ملزمة بأن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم، وترد استقلالاً على كل حجة أو قول أثاروه ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج، لما كان ما تقدم وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند في حساب قيمة الاسم إلى ما قرره من "أن اللجنة استبعدت من المخصص للمساهمين ما لم يدفع من القسط الثاني ثم عادت عند التوزيع فخصمت ممن لم يدفع القسط الثاني قيمة نصيبه - والحساب الصحيح في هذه الحالة إن يحدد المخصص للأسهم في التوزيع ثم يخصم القسط الثاني ممن لم يدفعه لا أن يخصم المبلغ مرتين، وعلى ذلك يكون نصيب المساهمين 739/ 879257 تقسم على عدد الأسهم 500000 فيكون نصيب السهم 75851327/ 3 جنيه يستعد منها ما لم يسدد بالنسبة للمتخلفين عن سداد القسط الثاني فيكون الباقي 75/ 1 جنيهاً وهي حالة المستأنف (المطعون ضده الأول) فيكون نصيبه قد انتقص بواقع 53/ 1 جنيه فيصبح مجموع ما خصم من نصيبه خطأ عن 2500 سهم هو مبلغ 3825 جنيهاً كل ذلك استناداً إلى الأرقام الواردة في تقرير اللجنة وتقرير الخبير التي لم يطعن عليها أو يتناولها الخصوم في الأساس فيتعين حصوله على سندات حكومية مقابلها...." وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم صحيحاً طبقاً للأرقام الواردة في تقرير الخبير المودع صورتيهما ملف الطعن وليس في ذلك تكرار لإضافة القسط الثاني للأسهم التي لم تسدد خلافاً لما ذهبت إليه الطاعنة - فإن ما انتهى إليه الحكم لا يعدو أن يكون تصحيحاً لما وقعت فيه لجنة التقييم من خطأ بخصم هذا القسط مرتين، بما لمحكمة الموضوع من سلطة تامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير ما يقدم إليها من أدلة والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها. ومن ثم فإن ما تنعاه الشركة الطاعنة في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة في تقدير الدليل مما تنحسر عنه رقابة هذه المحكمة.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعى في الوجه الخامس من سبب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون حين رفض دفعها بانقطاع سير الخصومة لزوال صفة المؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج - المستأنف ضدها الرابعة - بعد إلغائها بمقتضى القانون رقم 111 لسنة 1975 بمقولة إن صفتها قد اندمجت في الشركة الطاعنة التي حلت محلها في مباشرة نشاطها وكافة اختصاصاتها التي كانت تباشرها عن هذه الشركة وهو قول لا يستقيم مع الواقع أو القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل الذي يقوم عليه الانقطاع هو حماية ورثة المتوفى أو من يقوم مقام من فقد الأهلية أو تغيرت صفته حتى لا تتخذ الإجراءات بغير علمهم ويصدر الحكم ضدهم في غفلة منهم دون أن يتمكنوا من استعمال حقهم في الدفاع تأكيداً لمبدأ المواجهة بين الخصوم، ولم يقصد بالانقطاع أن يكون جزاءاً على الطرف الآخر لاستمراره في موالاة إجراءات الخصومة على الرغم من علمه بقيام السبب الموجب لانقطاعها، ولذلك فمن المقرر أن الخصومة تستأنف سيرها إذا حضر بالجلسة المحددة لنظر الدعوى ورثة المتوفى أو من يقوم مقام من فقد الأهلية أو تغيرت صفته. لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج إنما اختصمت في الدعوى إلى جانب الشركة الطاعنة بسبب إشرافها عليها وتبعية الشركة المذكورة لها فإن القانون رقم 111 لسنة 1975 - إذ قضى بإلغاء المؤسسات العامة ونقل كافة اختصاصاتها المقررة بمقتضى القوانين واللوائح إلى رؤساء مجالس إدارة الشركات التي كانت تابعة لها يكون قد أنهى تبعية هذه الشركات للمؤسسات المذكورة ومنحها ذاتية مستقلة بإحلالها محل المؤسسات الملغاة في مباشرة نشاطها واختصاصاتها التي كانت تتولاها عنها - ولما كانت الشركة الطاعنة في الأصل خصماً في الدعوى قبل صدور القانون المشار إليه وإنهاء تبعيتها للمؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج استقلالها بذاتيتها في تمثيل نفسها فإن الخصومة في الدعوى لا تكون قد انقطع سيرها بصدور ذلك القانون ولا يكون لزوال صفة المؤسسة المذكورة أي أثر على سيرها، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه صحيحاً إلى رفض الدفع بانقطاع سير الخصومة وكان لمحكمة النقض أن تستكمل ما شاب أسبابه من قصور فإن النعي عليه بهذا الوجه يكون في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ثانيا : عن الطعن رقم 173 لسنة 49 ق.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنون في السبب الأول منهما على الحكمين المطعون فيهما مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والتناقض والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق من خمسة أوجه، حاصل الوجهين الأول والرابع منها أن المحكمة الاستئنافية أكدت في حكمها الصادر في الاستئناف رقم 218 لسنة 91 ق نهائية قرار لجنة التقييم طبقاً لما نص عليه القانون رقم 72 لسنة 1963 ثم عادت وتناقضت مع نفسها حين قضت بإلغاء قضاء محكمة أول درجة بعدم اختصاصها بنظر دعوى المطعون ضده الأول على سند من القول أنها أقيمت بطلب تصحيح خطأ مادي أو حسابي في قرار تلك اللجنة، وحين تناولت بالتعديل في حكمها الثاني الصادر في الاستئناف رقم 489 لسنة 94 ق سعر أسهم الشركة المطعون ضدها الثانية - ذلك أن التعرض للعمليات السابقة على استخراج قيمة السهم لا بد وأن يؤثر في سعره بما يهدر ما لقرار اللجنة من حجية مانعة من الطعن عليه. وهو ما ينطوي على مخالفة لقواعد الاختصاص الولائي إذ أن قرار لجنة التقييم قرار إداري تختص بنظر الطعن فيه جهة القضاء الإداري أسوة بالقرارات الإدارية الصادرة عن لجان التقدير المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق إن انتهت إليه هذه المحكمة في الطعن الأول من أن قرار لجنة تقييم الشركة المطعون ضدها الثانية لم يكن له أية حصانه أو حجية قبل الدولة أو أصحاب الشأن لأن اللجنة لم تلتزم في تقييمها بعناصر المنشأة أصولاً وخصوماً وقت تأميمها وإنما أضافت إلى حقوقها ما ليس لها نتيجة تكرار خصم قيمة القسط الثاني للأسهم خطأ من حقوق المساهمين، ومن ثم فإن طرح هذه المنازعة على المحكمة المختصة لتحقيقها والفصل فيها لا يعد طعناً في قرار لجنة التقييم - أياً كان وجه الرأي في طبيعته - وإنما هو سعي إلى الجهة ذات الولاية العامة للحصول على قضاء بحسم هذه المنازعة ويكون ما ورد بوجهي النعي على قضاء محكمة الاستئناف المطعون فيه على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الثاني من السبب الأول أن الحكم الصادر في الاستئناف رقم 489 لسنة 94 ق قضى برفض الدفع المبدى من الطاعنين بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهم لرفعها على ذي صفة بمقولة أن صفتهم قائمة لأنهم هم الذين يقومون بإصدار السندات واستهلاكها عند حاجة، في حين أن قيمة تلك السندات تمثل ديناً في ذمة الشركة المطعون ضدها الثانية وتندرج خصومها في الميزانية فتعتبر وحدها صاحبة الصفة في الخصومة لاحتفاظها بشخصيتها الاعتبارية المستقلة عن الدولة رغم تأميمها وهو ما ينطوي على مخالفة للقانون وخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن النص في المادتين الثانية والرابعة من القانون رقم 72 سنة 1963 - الصادر بتأميم بعض الشركات والمنشآت ومن بينها الشركة المطعون ضدها الثانية - على أن تتحول أسهم الشركات ورؤوس أموال المنشآت المشار إليها إلى سندات اسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة 4% سنوياً، وتكون السندات قابلة للتداول في البورصة ويجوز للدولة بعد عشر سنوات أن تستهلك هذه السندات كلياً أو جزئياً..... وأن الدولة لا تسأل عن التزامات تلك الشركة والمنشآت إلا في حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها في تاريخ التأميم، يدل على أن الدولة تعتبر مسئولة عن سداد التزامات هذه الشركات والمنشآت في حدود ما آل إليها على هذا الوجه، وهو ما يوفر للطاعنين صفة في الخصومة، ولا يغير من ذلك احتفاظ تلك الشركة بشخصيتها المعنوية التي كانت لها قبل التأميم وذمتها المالية المستقلة بما عساه أن يكون عالقاً بها من التزامات، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى قبل الحكومة لرفعها على غير ذي صفة استناداً إلى أن المطعون ضده الأول يستهدف الحصول على سندات من الدولة مقابل ما يملكه من أسهم فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيق.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الثالث من السبب الأول أن الحكم المطعون فيه إذ ربط سريان الفوائد بالمبلغ المقضي بأحقية المطعون ضده الأول في الحصول على سندات مقابلة يكون قد خالف المادة الثانية من القانون رقم 72 لسنة 1963 التي تربط سريان الفوائد بالسندات الاسمية التي تصدر في مقابل الأسهم، كما أنه لم يبين مصدره في رد استحقاق تلك الفوائد إلى تاريخ التأميم بما يشوبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن النص في المادة الثالثة من القانون رقم 72 سنة 1963 على أنه يحدد سعر كل سند بسعر السهم، يدل على أن سعر الفائدة الذي تلتزم به الدولة على السندات الاسمية المستحقة طبقاً للمادة الثانية من القانون يستحق من تاريخ التأميم بعد تحديد سعر هذه السندات بسعر الأسهم. وإذ انتهى الحكم في قضائه إلى استحقاق المطعون ضده الأول لسندات من الدولة كمساهم سابق في الشركة المطعون ضدها الثانية بالقيمة التي حددها وفوائدها بواقع 4% من تاريخ التأميم استناداً إلى نص المادة الثانية من القانون رقم 72 لسنة 1963 المشار إليه، فإن النعي عليه بمخالفة القانون وعدم الإفصاح عن سنده في قضائه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الخامس من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه إذ كان يتعين عليه وقد أظهر مبلغ 765500 جنية قيمة ما لم يحصل من القسط الثاني من الأسهم في جانب أصول الشركة أن يدرجه مرة أخرى في جانب خصومها باعتباره التزاماً على المساهمين لم يسدد بعد عملاً بقواعد المحاسبة، كما خالف الثابت بالأوراق وشابة القصور في التسبيب حين حدد إجمالي حقوق المساهمين بمبلغ 739/ 1879257 دون أن يبين سنده في ذلك ورغم ما جاء بقرار لجنة التقييم وتقرير الخبير المنتدب من أن قيمة هذا الإجمالي شاملة المبلغ الأول 739/ 1113757.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه لما كان تقييم المنشأة المؤممة إنما يقصد به تقدير قيمتها وقت التأميم توصلاً لتحديد التعويض الذي يستحقه أصحاب المنشأة مقابل نقل ملكيتها إلى الدولة وفقاً لأحكام القانون رقم 72 سنة 1963 ويتم ذلك بتحديد أصول المنشأة وخصومها واستنزال هذه من تلك، فإذا استبعدت لجنة التقييم عنصراً من عناصر الأصول انخفضت قيمة الأصول بمقداره وقل بالتالي صافي هذه الأصول، وكان تصحيح خطأ هذه اللجنة يقتضي أن يرد إلى أصول المنشأة ما استبعدته من العناصر، ولا محل لما يطالب به الطاعنون من إضافة هذه العناصر إلى الخصوم لأن اللجنة سبق أن أجرت هذه الإضافة عند التقييم ومن ثم فإن من شأنها تكرار خصم قيمة القسط الثاني لأسهم مرتين وبالتالي نقص التعويض المستحق لأصحاب المنشأة بمقدار هذا العنصر، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في أسبابه إلى تحديد إجمالي حقوق المساهمين على نحو يتفق مع هذا النظر، وتفادى بذلك خطأ لجنة التقييم التي أضافت إلى حقوق الشركة المطعون ضدها الثانية ما ليس لها نتيجة تكرار خصم قيمة القسط الثاني للأسهم، فإن النعي بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث أن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني من سببي الطعن على الحكم المطعون فيه البطلان ومخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والقصور في التسبيب، وبياناً لذلك يقولون أن الحكم قضى للمطعون ضده الأول بطلباته وبإلزام المؤسسة المصرية للغزل والنسيج - الطاعنة الأخيرة - ممثلة في شخص رئيس مجلس إدارتها بالمصاريف رغم انقطاع سير الخصومة بقوة القانون بصدور القانون رقم 111 لسنة 1975 بإلغاء المؤسسات العامة قبل إن تتهيأ الدعوى للفصل فيها، ولا يحول دون الانقطاع ما ذهب إليه الحكم دون دليل من أن صفة تلك المؤسسة ق اندمجت في الشركة المطعون ضدها الثانية.
وحيث إن هذا النعي مردود بما انتهت إليه هذه المحكمة في تناولها للوجه الخامس من سبب النعي الأول، وهو ما يستتبع اعتبار كل ما تضمنه الحكم المطعون فيه من إلزام المؤسسة المصرية العامة للغزل موجهاً للشركة المطعون ضدها الثانية التي استردت ذاتيتها كاملة بعد صدور القانون رقم 111 لسنة 1975 وحلت محل المؤسسة الملغاة في كل ما كان لها من حقوق واختصاصات بمقتضى القوانين واللوائح وهو ما يضحى معه النعي في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 39 لسنة 26 ق جلسة 23 / 11 / 1961 مكتب فني 12 ج 3 ق 117 ص 710

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1961

برياسة السيد محمد متولي عتلم المستشار، وبحضور السادة: حسن خالد، ومحمود توفيق إسماعيل، وأحمد على شمس الدين، ومحمد عبد اللطيف مرسي المستشارين.

-----------------

(117)
الطعن رقم 39 لسنة 26 القضائية

حكم. عيوب التدليل. "قصور". "ما يعد كذلك". رهن أقطان.
إغفال الحكم المطعون فيه تمحيص دفاع جوهري - يتغير به لو صح وجه الحكم في الدعوى - وعدم الرد عليه. قصور يستوجب نقض الحكم. مثال في عقد رهن أقطان.

------------------
متى كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن عملية "التغطية" قد تمت فعلاً وأن شروط العقد المبرم بين طرفي النزاع تخول للمطعون عليها القيام بها دون أن يكون للطاعن (الراهن) الحق في الاعتراض عليها أو على نتائجها وكان الطاعن قد أنكر على المطعون عليها أمام محكمة الاستئناف قيامها بالعملية المذكورة مطالباً إياها بتقديم الدليل على وجودها فعلاً فإن الحكم المطعون فيه إذ افترض بغير دليل وجود عملية التغطية والتفت عن دفاع الطاعن ولم يعن بتمحيصه أو الرد عليه مع أنه دفاع جوهري لو صح لتغير به وجه الحكم في الدعوى، يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه بتاريخ 10 من ديسمبر سنة 1948 تعاقد الطاعن مع الشركة المطعون عليها على أن تقرضه ما يحتاجه من نقود في مقابل ما يودعه لديها من أقطان على سبيل الرهن، ولما بدأت أسعار القطن في النزول أخذت المطعون عليها في مطالبة الطاعن بمبالغ إضافية لتكملة الضمان. فكان يرسل لها ما تطالبه به من مبالغ بمقتضى شيكات مؤجلة الدفع، وبتاريخ 8 من أبريل سنة 1949 تلقي الطاعن من المطعون عليها برقية تخطره فيها بأنها أجرت عملية التغطية عن جميع أقطانه المودعة لديها ببورصة العقود بأسعار مختلفة، فاعترض الطاعن على ذلك بخطاب أرسله إليها في نفس اليوم محملاً إياها مسئولية هذا التصرف، غير أن هذه الأخيرة لم تأبه له واستصدرت أمراً من القضاء بتاريخ 8/ 6/ 1949 ببيع أقطانه سداداً للقروض التي قبضها منها، فاضطر الطاعن إلى أن يعرض عليها عرضاً فعلياً جميع ما تطالبه به وقدره خمسون ألف جنيه في مقابل استرداد أقطانه محتفظاً لنفسه بحق الرجوع على المطعون عليها بالمبالغ التي قيدتها على حسابه من جراء عملية التغطية، ولهذا فقد رفع ضدها الدعوى رقم 235 سنة 1951 مدني كلي المنصورة طلب فيها الحكم بإلزامها بأن تؤدي له مبلغ 3121 ج و835 م قيمة مصاريف التغطية وبتعويض 1000 جنيه عن الضرر الذي لحقه من العملية المذكورة. وبتاريخ 23 من ديسمبر سنة 1949 حكمت محكمة أول درجة بإلزام الشركة المطعون عليها بأن تدفع للمدعي (الطاعن) مبلغ 3321 ج و835 م والفوائد القانونية بواقع 4% استناداً إلى أن عملية التغطية التي أجرتها بتاريخ 8/ 4/ 1949 بنيت على إجراءات صورية لا يتحمل معها الطاعن نفقات التغطية التي احتسبت عليه، استأنفت المطعون عليها هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة طالبة إلغاءه ورفض دعوى الطاعن، وقيد استئنافها برقم 74 سنة 6 ق، كما رفع الطاعن استئنافها فرعياً طلب فيه تعديل سعر الفائدة المحكوم له بها ابتدائياً من 4% إلى 5%، وبتاريخ 3 من مايو سنة 1955 قضت المحكمة في موضوع الاستئناف الأصلي بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن، وفي الاستئناف الفرعي برفضه، وبتاريخ 19 من يناير سنة 1956 قرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض، وبعد استيفاء الإجراءات عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 26 من أكتوبر سنة 1960 وصممت النيابة على مذكرتها التي طلبت فيها نقض الحكم فقررت دائرة الفحص في نفس الجلسة إحالة الطعن على هذه الدائرة وحدد لنظره جلسة 9 من نوفمبر سنة 1961 وفيها أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن في السبب الأول على الحكم المطعون فيه قصوره في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه أنكر أمام محكمة الاستئناف في المذكرة المقدمة منه حصول عملية التغطية التي زعمت المطعون عليها أنها أجرتها لحسابه في 8 من أبريل سنة 1949 وأنه طالب هذه الأخيرة أن تدلل على وجود هذه العملية فعلاً غير أن الحكم المطعون فيه جاء خالياً من الرد على ذلك مفترضاً بغير دليل وجود العملية المذكورة.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن تأسيساً على أن عملية التغطية قد تمت فعلاً بتاريخ 8 من أبريل سنة 1949 وأن شروط العقد المبرم بين الطرفين تخول للمطعون عليها القيام بهذه العملية دون أن يكون للطاعن الحق في الاعتراض عليها أو على نتائجها، وكان الطاعن قد أنكر على المطعون عليها في مذكرته المقدمة منه أمام محكمة الاستئناف قيامها بالعملية المذكورة مطالباً إياها بتقديم الدليل على وجودها فعلاً، فإن الحكم المطعون عليه إذ افترض بغير دليل وجود عملية التغطية والتفت عن دفاع الطاعن ولم يعن بتمحيصه أو الرد عليه مع أنه دفاع جوهري لو صح لتغير وجه الحكم في الدعوى، هذا الحكم يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث أوجه الطعن الأخرى.

الطعن 9960 لسنة 90 ق جلسة 11 / 11 / 2021 مكتب فني 72 ق 89 ص 954

جلسة 11 من نوفمبر سنة 2021
برئاسة السيد القاضي / محمد محجوب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ محمد العكازي ، عبد الله فتحي وعلاء البغدادي نواب رئيس المحكمة ووليد أبوليلة .
----------------
(89)
الطعن رقم 9960 لسنة 90 القضائية
(1) رشوة . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
جريمة الرشوة . مناط تحققها ؟
إثبات الحكم وقوع جريمة الرشوة في حق الطاعنة . نعيها بشأن عدم توافر أركانها . غير مقبول.
مثال .
(2) رشوة . قصد جنائي . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
القصد الجنائي في جريمة الرشوة . توافره بعلم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أنه يفعل ذلك ثمناً لاتجاره بوظيفته . استنتاجه من الظروف التي صاحبت العمل . استظهار الحكم له استقلالاً . غير لازم . حد ذلك ؟
مثال .
(3) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها . غير مقبول .
مثال .
(4) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
قضاء المحكمة بناءً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين لا على الفرض والاحتمال . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي غير جائز أمام محكمة النقض . رد الحكم من بعد على أوجه الدفاع الموضوعية . غير لازم . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها .
(5) تسجيل المحادثات . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
إيراد الحكم مضمون التسجيلات التي عول عليها في قضائه . كفايته كيما يستقيم قضاؤه . عدم إيراد نصها بكل فحواها . لا ينال من سلامته .
نعي الطاعنة على الحكم عدم بيانه مؤدى الدليل المستمد من التسجيلات . غير مقبول . ما دام لم يعول عليها إلا كقرينة معززة لأدلة الثبوت .
(6) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر التسجيل . موضوعي .
اقتناع المحكمة بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن النيابة وكفايتها لتسويغ إصداره . المجادلة في هذا الشأن . غير جائزة أمام محكمة النقض .
ترديد التحريات لما أبلغ به متهم . لا ينال من صحتها . علة ذلك ؟
(7) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
من يقوم بإجراء باطل . لا تقبل منه الشهادة عليه . حد ذلك ؟
تعويل الحكم على أقوال ضابط الواقعة . صحيح . ما دام انتهى لصحة إجراءات القبض والتفتيش .
(8) دفوع " الدفع ببطلان إذن التسجيل " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
الدفع بصدور الإذن من النيابة العامة وموافقة وزير المالية بعد إجراء التسجيلات والضبط . موضوعي . كفاية اطمئنان المحكمة إلى إجرائهما بناءً على الإذن أخذاً بالأدلة السائغة التي أوردتها . التفاتها عنه . لا يعيب حكمها . علة ذلك ؟
(9) إثبات " أوراق رسمية " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . حد ذلك ؟
(10) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
تقدير الدليل . موضوعي . نعي الطاعنة بشأن التسجيلات الصوتية بينها وبين المُبلغ والوسيط . غير مقبول .
(11) دفوع " الدفع ببطلان التسجيل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
إثارة النعي ببطلان التسجيلات السمعية والمرئية لتعرضها للعبث والتحريف لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة . علة ذلك ؟
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها . غير مقبول .
(12) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . رشوة . دعوى جنائية " قيود تحريكها " .
مثال لرد سائغ على الدفع ببطلان الطلب المقدم لوزير المالية لتحريك الدعوى الجنائية لعدم صدوره منه وانعدام شكله القانوني في حكم صادر بالإدانة بجريمة طلب وأخذ رشوة .
(13) تسجيل المحادثات . مأمورو الضبط القضائي " سلطاتهم " .
استماع مأمور الضبط للأحاديث المسجلة . صحيح . ما دام تسجيلها مأذوناً به قانوناً .
(14) نقض " الصفة في الطعن " . دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " .
لا صفة لغير من وقع عليه الإجراء الباطل في أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه . علة ذلك؟
مثال .
(15) إثبات " اعتراف " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " .
تقدير صحة الاعتراف في المسائل الجنائية وقيمته في الإثبات . موضوعي .
للمحكمة الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وغيره وفي أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك . نعي الطاعنة في هذا الشأن . غير مقبول .
(16) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هى حاجة لاجرائه . غير جائز .
مثال .
(17) تزوير " الادعاء بالتزوير " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إثارة الدفع بتزوير الطلب الموجه من هيئة الرقابة الإدارية لوزير المالية لأول مرة أمام محكمة النقض . غير مقبولة . علة ذلك ؟
(18) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .
مثال .
(19) عزل . عقوبة " تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .
إغفال الحكم القضاء بعقوبة العزل عن جريمة الرشوة . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . أساس وعلة ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة طلب وأخذ رشوة التي دان الطاعنة بها ، وأورد على ثبوتها في حقها أدلة مستقاة من اعترافات المتهمين الثاني والثالث بتحقيقات النيابة العامة ومن أقوال الشاهدين وتقرير خبير الأصوات ، وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان البيّن مما أورده الحكم المطعون فيه أن الطاعنة بصفتها موظفة عمومية " مأمور فحص ضرائب بمأمورية القيمة المضافة ب .... " والمختصة بفحص ملفات الضرائب بمأمورية ضرائب القيمة المضافة بـ .... طلبت من المتهم الثاني مبلغ أربعمائة وثلاثين ألف جنيه وأخذت منه ثلاثمائة واثنين وخمسين ألف جنيه كمقدم مقابل إنهاء إجراءات الفحص الضريبي لملف شركته عن الفترة من .... حتى .... واعتماد المستندات غير الدقيقة المقدمة منه لذلك الفحص ، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ، وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعنة ، فإن ما تُثيرهُ في هذا الشأن يكون غير سديد .
2- من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المُرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها ، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعنة تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينها وبين المتهم الثاني - المُبلغ - مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي – كما هو معرف به في القانون – ولا يُشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد .
3- لما كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تدفع بعدم سيطرتها على مبلغ الرشوة ، ومن ثم فليس لها أن تنعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يُبد أمامها .
4- لما كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعنة ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين مُستمدة من وقائع وأدلة لها أصلها الثابت في الأوراق ولم يكن حكماً مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما تذهب إليه الطاعنة ، فإن ما تُثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ولم يكن الحكم بحاجة بعد هذا الذي أثبته في حق الطاعنة من أن يرد استقلالاً على ما أثارته من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بمتابعتها في مناحيها المختلفة ، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن منعى الطاعنة في هذا الخصوص يكون غير سديد .
5- لما كان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أنه – وخلافاً لما تذهب إليه الطاعنة بأسباب الطعن – قد أورد مضمون التسجيلات التي عول عليها في قضائه ، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المقام ، وفضلاً عن ذلك ، ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المُستمد من هذه التسجيلات وإنما استندت إليه كقرينة تُعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها ، ومن ثم فإن ما تُثيره الطاعنة من عدم بيان مؤدى الدليل المستمد من التسجيلات وببطلانها يكون غير مقبول .
6- من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر التسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بُني عليها إذن النيابة وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق ، فإنه لا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض ، ولا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغ به المتهم الثاني ؛ لأن مفاد ذلك أن مُجريها قد تحقق من صدق ذلك البلاغ .
7- لما كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تُقبل منه الشهادة عليه ، إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى سديداً إلى صحة إجراءات القبض والتفتيش ، فإنه لا تثريب عليه إن هو عول في الإدانة على أقوال ضابط الواقعة ويكون منعى الطاعنة في هذا الشأن غير قويم .
8- من المقرر أن الدفع بصدور الإذن من النيابة العامة وموافقة وزير المالية بعد إجراء التسجيلات والضبط هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى أن تلك التسجيلات والضبط قد تمت بناءً على الإذن وبعد موافقة وزير المالية أخذاً بالأدلة السائغة التي أوردتها في حكمها ، ومن ثم فلا جُناح على المحكمة إن هي التفتت عن هذا الدفاع القانوني الظاهر البطلان .
9- من المقرر في قضاء هذه المحكمة – محكمة النقض – أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة في الدعوى ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله .
10- لما كان تقدير الدليل موكولاً إلى محكمة الموضوع ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه ، فلا معقب عليها في ذلك ، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعنة للجريمة المسندة إليها ، فإن ما تُثيرهُ الطاعنة بصدد الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية التي جرت بينها وبين المُبلغ والوسيط يكون غير سديد .
11- لما كان البيّن من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تُثر دفاعها القائم على بطلان التسجيلات السمعية والمرئية لتعرضها للعبث والتحريف والمونتاج من قبل رجل الضبط لكونها تزويراً في تاريخ المكالمات واستراقاً للسمع وتنصتاً على الحياة الخاصة للمواطنين ، فإنه لا يُقبل منها أن تُثير هذه الدفوع لأول مرة أمام محكمة النقض لما هو مقرر أن الطعن بالنقض لا يعتبر امتداداً للخصومة ، بل هو خصومة خاصة مهمة المحكمة فيها مقصورة على القضاء في صحة الأحكام من قبيل أخذها أو عدم أخذها بحكم القانون فيما يكون قد عُرض عليها من طلبات وأوجه دفاع ، ولا تنظر محكمة النقض القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تطلب سائر طلبات التحقيق التي أشارت إليها في أسباب طعنها ، فليس لها - من بعد - أن تنعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم تطلبه منها .
12- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعنة ببطلان طلب وزير المالية بتحريك الدعوى الجنائية لعدم صدوره منه وانعدام الشكل القانوني له واطرحه في قوله ( وحيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى العمومية بمقولة أن الطلب المقدم للسيد وزير المالية قد ناقض شروط صحته ، فمردود بأنه لا يشترط للطلب المقدم للسيد وزير المالية شكل أو صيغة معينة إلا أنه يجب أن يتضمن على عبارات واضحة دالة على اعتزام الجهة المنوط بها ذلك اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة 65 من قانون الضريبة على القيمة المضافة . ولما كان ذلك ، وكان الطلب المقدم والثابت بالأوراق قد تضمن عبارات واضحة من قبل النيابة العامة المنوط بها اتخاذ الإجراءات إلى السيد وزير المالية والذي وافق سيادته على اتخاذها يُحقق مراد المشرع من اتخاذ هذا الإجراء المنصوص عليه مما ترى معه المحكمة أن الدفع المبدى قد أقيم على غير سند صحيح من الواقع والقانون ) وهو رد كاف وسائغ ويتفق وصحيح القانون ، وكان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن وزير المالية قد وافق على تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهمة الماثلة ، فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن يكون غير سديد .
13- لما كان تسجيل الأحاديث في هذه الدعوى مأذوناً به قانوناً ، فلا تثريب على مأمور الضبط إن هو استمع إلى الأحاديث المسجلة ما دام أنه قد رأى أن ذلك الاستماع ضروري لاستكمال إجراءاته وهو على بينة من أمره ، ويكون ما تُثيره الطاعنة في هذا الصدد غير قويم .
14- لما كان إذن التسجيل المؤرخ .... للمتهم الثالث - والوسيط – فلا صفة للطاعنة في النعي على الحكم ببطلان تنفيذه لتجاوزه حدود الإذن لما هو مقرر من أنه لا صفة لغير من وقع في حقه الإجراء أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه ؛ لأن تحقق المصلحة لاحق لوجود الصفة ، فإن منعاها في هذا الخصوص غير سديد .
15- من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، وأن سلطتها مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وفي أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك ، ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف ، فإن مفاد ذلك أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر مؤدى اعترافات المتهمين الثاني والثالث في التحقيقات وخلص إلى سلامة الدليل المُستمد من هذه الاعترافات لما ارتآه من مطابقتها الواقع ، فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن يكون غير سديد .
16- لما كان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة أو المدافعين عنها لم يطلب أيهم الاستماع إلى كافة تسجيلات المحادثات والاطلاع على الملف الضريبي للمتهم الثاني ، فليس للطاعنة - من بعد - النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم تطلبه ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه .
17- لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعنة أو المدافعين عنها لم يُثيروا شيئاً بشأن تزوير الطلب الموجه من هيئة الرقابة الإدارية لوزير المالية بإضافة كلمة " أوافق " ، وكان هذا الطلب إجراء سابق على المحاكمة ، فإنه لا يُقبل من الطاعنة إثارة أمر تزويره لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنها لم تدفع به أمام محكمة الموضوع .
18- من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً ومُحدداً ، ولما كانت الطاعنة لم تُبيّن ماهية أوجه الدفاع التي أبدتها في مذكراتها بياناً واضحاً مُحدداً ، بل أرسلت القول إرسالاً دون تحديد ما قصدته من دفاع فيها أغفله الحكم ، وذلك لمراقبة ما إذا كان هذا الدفاع جوهرياً مما يجب على المحكمة أن تُجيبه أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يستلزم في الأصل رداً بل يعتبر الرد عليه مستفاداً من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها ، ومن ثم فإن ما تُثيره الطاعنة في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
19- لما كان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعنة بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وتغريمها مبلغ خمسون ألف جنيه دون أن يقضي بعقوبة العزل عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ، فإنه يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون ، ولا ينال من ذلك أن هذه المادة قد أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول في أي خدمة ولم تورد لفظ العزل ، ذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلي في مفهوم هذا النص ، يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها " الأمر الذي لا يتصور معه أن يكون الشارع قد قصد عزل الموظف من وظيفته في حالة معاملته بالرأفة فحسب والقول بغير ذلك مؤداه أن يكون المتهم الذي يعامل بالرأفة في وضع أسوأ من ذلك الذي لم تر المحكمة معاملته بالرأفة ، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة الشارع قد اتجهت إليه وهو ما يؤذن لهذه المحكمة – محكمة النقض – أن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة الموضوع من مخالفة للقانون ، غير أنها لا تملك التعرض لما أنزل الحكم من عقوبة لكون الطاعنة هي المحكوم عليها ، فإن المحكمة لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ لما في ذلك من إضرار بالمحكوم عليها ، إذ من المقرر أنه لا يصح أن يُضار المتهم بناءً على الطعن المرفوع منه وحده .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامـة كل من : 1- .... ( الطاعنة ) . 2- .... . 3- .... بأنهم :
أولاً : المتهمة الأولى :-
- بصفتها موظفة عمومية " مأمور فحص بمأمورية ضرائب القيمة المضافة بـ .... " طلبت وأخذت لنفسها عطايا مادية لأداء عمل من أعمال وظيفتها بأن طلبت من المتهم الثاني بواسطة المتهم الثالث مبلغ ستمائة وثمانين ألف جنيه مصري على سبيل الرشوة أخذت منه مبلغ أربعمائة واثنين ألف جنيه مصري مقابل إنهاء إجراءات الفحص الضريبي لملف شركة المتهم الثاني واعتماد المستندات المقدمة منه لذلك الفحص الضريبي لملف شركة المتهم الثاني على النحو المُبيّن بالتحقيقات .
ثانياً: المتهم الثاني :-
- قدم رشوة لموظف عام لأداء عمل من أعمال وظيفته ، بأن قدم للمتهمة الأولى – بواسطة المتهم الثالث – عطايا الرشوة موضوع الاتهام الوارد بالبند " أولاً " على النحو المُبيّن بالتحقيقات.
ثالثاً: المتهم الثالث :-
- توسط في رشوة موظف عام لأداء عمل من أعمال وظيفته ، بأن توسط في رشوة المتهمة الأولى موضوع الاتهام الوارد بالبند " أولاً " على النحو المُبيّن بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 103 ، 107 مكرراً من قانون العقوبات ، مع إعمال نص المادة 17 من القانون ذاته . أولاً: بمعاقبة .... " الطاعنة " بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وغرامة خمسون ألف جنيه عما أسند إليها . ثانياً: إعفاء كلا ً من .... ، .... من العقوبة .
فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها بجريمة طلب وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفتها ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه خلا من استظهار أركان جريمة الرشوة في حق الطاعنة المادي والمعنوي بدلالة المشاهد الواردة الخاصة بواقعة الضبط والتي تُفيد انعدام سيطرة الطاعنة على الكيس البلاستيكي ورفضها استلامه أكثر من مرة وأن من قام بوضعه داخل حقيبة يدها المتهم الثاني بدعوى أنها حلوى الشيكولاتة وليست مبالغ مالية ، وأغفل دفاع الطاعنة في هذا الشأن ، مما يُنبئ عن أن الحكم أقام قضاءه على أدلة ظنية وافتراضية ، ولم يُبيّن مضمون الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية والمرئية التي تم تسجيلها بصورة وافية وأطرافها ووجه استدلاله بها على ثبوت الجريمة في حق الطاعنة رغم خلوها مما يفيد طلب وأخذ رشوة ، وتمسك دفاع الطاعنة ببطلان إذن النيابة العامة بالتسجيلات لابتنائه على تحريات غير جدية وباطلة لشواهد عددّها بوجه النعي مما يدل على أنها جاءت ترديداً لأقوال المُبلّغ – المتهم الثاني – ولم توضح المحكمة عناصر التحريات وتمحصها ، وأن هذا البطلان يترتب عليه بطلان كافة الآثار المترتبة ، وكذا شهادة من أجراه وببطلان التسجيلات الفنية والمرئية لصدورها قبل إذن من النيابة العامة بها المؤرخ .... وقبل موافقة وزير المالية لشواهد عددّها ، ودون أن تعرض المحكمة للمستندات الرسمية المقدمة والتي تُثبت عدم إجراء مكالمات بين الطاعنة والمتهم الثالث يوم .... ودون أن تعن بإجراء تحقيق في هذا الشأن ، وببطلان التسجيلات لتعرضها للعبث والتحريف والمونتاج من قبل رجل الضبط ودون أن تعن المحكمة بإجراء تحقيق في هذا الشأن ، بما يُشكل جريمة التزوير في تاريخ المكالمات عملاً بالمادة 211 من قانون العقوبات وجريمة استراق السمع للقائم بالتسجيل عملاً بالمادة 309 مكرراً من قانون العقوبات ، وببطلان طلب وزير المالية بتحريك الدعوى الجنائية لعدم صدوره منه وانعدام الشكل القانوني له بالمخالفة لنص المادة 65 من القانون رقم67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة والمادة 72 من اللائحة التنفيذية له ، إذ إن الأوراق قد خلت من ذلك الطلب ، وببطلان كافة التسجيلات والدليل المستمد منها لتجاوز مأمور الضبط نطاق الندب الصادر له بالتسجيل فقط دون التفريغ والمشاهدة ، وببطلان تنفيذ إذن النيابة العامة المؤرخ .... لتجاوزه حدود الإذن بمراقبة الوسيط ، إلا أن الحكم رد على بعض هذه الدفوع بما لا يسوغ ، والتفت عن الرد على البعض الآخر ، كما عول الحكم في قضائه بالإدانة على اعتراف المتهمين الثاني والثالث رغم أنها لا تصلُح دليلاً وعلى الرغم من أنها جاءت مرسلة وكاذبة بغير حلف يمين ، ولم تقم المحكمة بالاستماع إلى كافة التسجيلات المقدمة ، والاطلاع على الملف الضريبي للمتهم الثاني ، وقام عضو الرقابة الإدارية بالتزوير المادي والمعنوي بإضافة كلمة " أوافق " المدونة بالطلب الموجه من هيئة الرقابة الإدارية لوزير المالية بدلالة تلاحق الإجراءات ، ولم تعرض لمذكرات الدفاع المكتوبة إيراداً لها ورداً عليها ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة طلب وأخذ رشوة التي دان الطاعنة بها ، وأورد على ثبوتها في حقها أدلة مستقاة من اعترافات المتهمين الثاني والثالث بتحقيقات النيابة العامة ومن أقوال الشاهدين وتقرير خبير الأصوات ، وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان البيّن مما أورده الحكم المطعون فيه أن الطاعنة بصفتها موظفة عمومية " مأمور فحص ضرائب بمأمورية القيمة المضافة ب .... " والمختصة بفحص ملفات الضرائب بمأمورية ضرائب القيمة المضافة بـ .... طلبت من المتهم الثاني مبلغ أربعمائة وثلاثين ألف جنيه وأخذت منه ثلاثمائة واثنين وخمسين ألف جنيه كمقدم مقابل إنهاء إجراءات الفحص الضريبي لملف شركته عن الفترة من .... حتى .... واعتماد المستندات غير الدقيقة المقدمة منه لذلك الفحص ، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ، وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعنة ، فإن ما تُثيرهُ في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المُرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها ، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعنة تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينها وبين المتهم الثاني - المُبلغ - مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي – كما هو معرف به في القانون – ولا يُشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تدفع بعدم سيطرتها على مبلغ الرشوة ، ومن ثم فليس لها أن تنعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يُبد أمامها . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعنة ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين مُستمدة من وقائع وأدلة لها أصلها الثابت في الأوراق ولم يكن حكماً مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما تذهب إليه الطاعنة ، فإن ما تُثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ولم يكن الحكم بحاجة بعد هذا الذي أثبته في حق الطاعنة من أن يرد استقلالاً على ما أثارته من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بمتابعتها في مناحيها المختلفة ، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن منعى الطاعنة في هذا الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أنه – وخلافاً لما تذهب إليه الطاعنة بأسباب الطعن – قد أورد مضمون التسجيلات التي عول عليها في قضائه ، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المقام ، وفضلاً عن ذلك ، ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المُستمد من هذه التسجيلات وإنما استندت إليه كقرينة تُعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها ، ومن ثم فإن ما تُثيره الطاعنة من عدم بيان مؤدى الدليل المستمد من التسجيلات وببطلانها يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر التسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بُني عليها إذن النيابة وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق ، فإنه لا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض ، ولا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغ به المتهم الثاني ؛ لأن مفاد ذلك أن مُجريها قد تحقق من صدق ذلك البلاغ . لما كان ذلك ، ولئن كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تُقبل منه الشهادة عليه ، إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى سديداً إلى صحة إجراءات القبض والتفتيش ، فإنه لا تثريب عليه إن هو عول في الإدانة على أقوال ضابط الواقعة ويكون منعى الطاعنة في هذا الشأن غير قويم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن من النيابة العامة وموافقة وزير المالية بعد إجراء التسجيلات والضبط هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى أن تلك التسجيلات والضبط قد تمت بناءً على الإذن وبعد موافقة وزير المالية أخذاً بالأدلة السائغة التي أوردتها في حكمها ، ومن ثم فلا جُناح على المحكمة إن هي التفتت عن هذا الدفاع القانوني الظاهر البطلان . لما كان ذلك ، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة – محكمة النقض – أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة في الدعوى ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان تقدير الدليل موكولاً إلى محكمة الموضوع ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه ، فلا معقب عليها في ذلك ، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعنة للجريمة المسندة إليها ، فإن ما تُثيرهُ الطاعنة بصدد الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية التي جرت بينها وبين المُبلغ والوسيط يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البيّن من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تُثر دفاعها القائم على بطلان التسجيلات السمعية والمرئية لتعرضها للعبث والتحريف والمونتاج من قبل رجل الضبط لكونها تزويراً في تاريخ المكالمات واستراقاً للسمع وتنصتاً على الحياة الخاصة للمواطنين ، فإنه لا يُقبل منها أن تُثير هذه الدفوع لأول مرة أمام محكمة النقض لما هو مقرر أن الطعن بالنقض لا يعتبر امتداداً للخصومة ، بل هو خصومة خاصة مهمة المحكمة فيها مقصورة على القضاء في صحة الأحكام من قبيل أخذها أو عدم أخذها بحكم القانون فيما يكون قد عُرض عليها من طلبات وأوجه دفاع ، ولا تنظر محكمة النقض القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تطلب سائر طلبات التحقيق التي أشارت إليها في أسباب طعنها ، فليس لها - من بعد - أن تنعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم تطلبه منها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعنة ببطلان طلب وزير المالية بتحريك الدعوى الجنائية لعدم صدوره منه وانعدام الشكل القانوني له واطرحه في قوله ( وحيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى العمومية بمقولة أن الطلب المقدم للسيد وزير المالية قد ناقض شروط صحته ، فمردود بأنه لا يشترط للطلب المقدم للسيد وزير المالية شكل أو صيغة معينة إلا أنه يجب أن يتضمن على عبارات واضحة دالة على اعتزام الجهة المنوط بها ذلك اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة 65 من قانون الضريبة على القيمة المضافة . ولما كان ذلك ، وكان الطلب المقدم والثابت بالأوراق قد تضمن عبارات واضحة من قبل النيابة العامة المنوط بها اتخاذ الإجراءات إلى السيد وزير المالية والذي وافق سيادته على اتخاذها يُحقق مراد المشرع من اتخاذ هذا الإجراء المنصوص عليه مما ترى معه المحكمة أن الدفع المبدى قد أقيم على غير سند صحيح من الواقع والقانون ) وهو رد كاف وسائغ ويتفق وصحيح القانون ، وكان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن وزير المالية قد وافق على تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهمة الماثلة ، فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان تسجيل الأحاديث في هذه الدعوى مأذوناً به قانوناً ، فلا تثريب على مأمور الضبط إن هو استمع إلى الأحاديث المسجلة ما دام أنه قد رأى أن ذلك الاستماع ضروري لاستكمال إجراءاته وهو على بينة من أمره ، ويكون ما تُثيره الطاعنة في هذا الصدد غير قويم . لما كان ذلك ، وكان إذن التسجيل المؤرخ .... للمتهم الثالث - والوسيط – فلا صفة للطاعنة في النعي على الحكم ببطلان تنفيذه لتجاوزه حدود الإذن لما هو مقرر من أنه لا صفة لغير من وقع في حقه الإجراء أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه ؛ لأن تحقق المصلحة لاحق لوجود الصفة ، فإن منعاها في هذا الخصوص غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، وأن سلطتها مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وفي أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك ، ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف ، فإن مفاد ذلك أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر مؤدى اعترافات المتهمين الثاني والثالث في التحقيقات وخلص إلى سلامة الدليل المُستمد من هذه الاعترافات لما ارتآه من مطابقتها الواقع ، فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة أو المدافعين عنها لم يطلب أيهم الاستماع إلى كافة تسجيلات المحادثات والاطلاع على الملف الضريبي للمتهم الثاني ، فليس للطاعنة - من بعد - النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم تطلبه ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعنة أو المدافعين عنها لم يُثيروا شيئاً بشأن تزوير الطلب الموجه من هيئة الرقابة الإدارية لوزير المالية بإضافة كلمة " أوافق " ، وكان هذا الطلب إجراء سابق على المحاكمة ، فإنه لا يُقبل من الطاعنة إثارة أمر تزويره لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنها لم تدفع به أمام محكمة الموضوع . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً ومُحدداً ، ولما كانت الطاعنة لم تُبيّن ماهية أوجه الدفاع التي أبدتها في مذكراتها بياناً واضحاً مُحدداً ، بل أرسلت القول إرسالاً دون تحديد ما قصدته من دفاع فيها أغفله الحكم ، وذلك لمراقبة ما إذا كان هذا الدفاع جوهرياً مما يجب على المحكمة أن تُجيبه أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يستلزم في الأصل رداً بل يعتبر الرد عليه مستفاداً من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها ، ومن ثم فإن ما تُثيره الطاعنة في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن في حدود الأسباب التي بُنى عليها يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعنة بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وتغريمها مبلغ خمسون ألف جنيه دون أن يقضي بعقوبة العزل عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ، فإنه يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون ، ولا ينال من ذلك أن هذه المادة قد أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول في أي خدمة ولم تورد لفظ العزل ، ذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلي في مفهوم هذا النص ، يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها " الأمر الذي لا يتصور معه أن يكون الشارع قد قصد عزل الموظف من وظيفته في حالة معاملته بالرأفة فحسب والقول بغير ذلك مؤداه أن يكون المتهم الذي يعامل بالرأفة في وضع أسوأ من ذلك الذي لم تر المحكمة معاملته بالرأفة ، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة الشارع قد اتجهت إليه وهو ما يؤذن لهذه المحكمة – محكمة النقض – أن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة الموضوع من مخالفة للقانون ، غير أنها لا تملك التعرض لما أنزل الحكم من عقوبة لكون الطاعنة هي المحكوم عليها ، فإن المحكمة لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ لما في ذلك من إضرار بالمحكوم عليها ، إذ من المقرر أنه لا يصح أن يُضار المتهم بناءً على الطعن المرفوع منه وحده .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 1168 لسنة 91 ق جلسة 2 / 12 / 2021 مكتب فني 72 ق 96 ص 1021

جلسة 2 من ديسمبر سنة 2021
برئاسة السيد القاضي / عبد الرحمن هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أحمد مصطفى ، نبيل الكشكي ، ياسر كرام ومحمد أباظة نواب رئيس المحكمة .
-----------------
(96)
الطعن رقم 1168 لسنة 91 القضائية
(1) اتفاق . فاعل أصلي . الاتجار بالبشر . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
الاتفاق . ماهيته ؟
استظهار الحكم اتفاق المتهمين على ضرب وتعذيب المجني عليه . كفايته لاعتبارهم فاعلين أصليين في جناية الاتجار في البشر باستخدامه بقصد استغلاله في الخدمة قسراً وذلك بطريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني والذي أدى إلى موته ولو لم يعرف محدث الضربات التي ساهمت في الوفاة . النعي عليه في هذا الشأن . غير مقبول . أساس ذلك ؟
مثال .
(2) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . دفوع " الدفع بعدم جدية التحريات " .
اطمئنان المحكمة لصحة التحريات . كفايته رداً على الدفع بعدم جديتها .
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " " سلطتها في تقدير الدليل " . إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بشهادة الشهود . مفاده ؟
تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها . لا يعيب الحكم . حد ذلك ؟
للمحكمة الأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى . ولو خولفت أمامها .
ورود شهادة الشاهد على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها . غير لازم . حد ذلك ؟
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(4) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بنفي التهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
(5) إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها .
مثال .
(6) طفل . الاتجار بالبشر . غرامة . عقوبة " تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .
إدانة الحكم الطاعنين بجريمة الاتجار في البشر باستخدامهم المجني عليه الطفل بقصد استغلاله في الخدمة قسراً عن طريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني ونتج عن ذلك وفاته ونزول الحكم بالغرامة عن الحد المقرر لها وإغفالها بالنسبة لأحدهم . خطأ . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . علة وأساس ذلك ؟
(7) ظروف مخففة . طفل . عقوبة " تطبيقها " . الاتجار بالبشر . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .
للقاضي أن يأخذ المتهم بظرف قضائي مخفف إضافة إلى الظرف القانوني .
معاقبة الطاعن الطفل الذي جاوز الخامسة عشر عاماً بالسجن عشر سنوات بعد استعمال المادة 17 عقوبات عن جريمة الاتجار في البشر باستخدام المجني عليه بقصد استغلاله في الخدمة قسراً عن طريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني ونتج عن ذلك وفاته . خطأ في تطبيق القانون . لمحكمة النقض تصحيحه . علة وأساس ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله ( وحيث إن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها ضميرها مستخلصة من مطالعة أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أن المجني عليه الطفل .... البالغ من العمر حوالي ثلاثة عشر عاماً ذهب مع أقرانه للعمل في جمع محصول الفول السوداني بمزرعة بمنطقة .... مركز .... محافظة .... بمعرفة مقاولي الأنفار المتهمين .... ، .... وبسبب إرهاق العمل وعدم رغبته في الاستمرار حاول الهروب ، فقام المتهم .... بضبطه وتعدى عليه بالضرب بخرطوم بلاستيك وعصا خشبية على رأسه بعدة ضربات ، كما تعدى عليه المتهم .... بجركن بلاستيك على رأسه بعدة ضربات ، كما تعدى عليه المتهم .... بضربه بعصا خرزان على صدره والمتهم .... بضربه برجليه وبالأيدي على صدره ووجهه لعدة أيام لإرغامه على العمل قسراً ، وبتاريخ .... ولعدم رغبة المجني عليه في العمل قام المتهمون بالتعدي عليه مرة أخرى فسقط مغشياً عليه وتوفي إلى رحمة مولاه ، وأن قصدهم من الاعتداء على المجني عليه إرغامه على العمل قسراً دون رغبته فحدثت به الإصابات الآتية 1- سحجات متكدمة بلون أحمر منتشرة بالجبهة والوحشيتين ويمين ويسار العنق وبخلفية يسار العضد ويمين ويسار الصدر وبالأطراف الأربعة وخلفية أعلى يمين الظهر ، ٢- تكدمات بلون محمر منتشرة بالأطراف الأربعة وبالوجه وبفروة الرأس مقابل عظام الجداريتين ، وحيث إن الواقعة على النحو سالف البيان استقام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهمين مما شهد به بتحقيقات النيابة العامة .... ، النقيب شرطة .... معاون مباحث مركز شرطة .... ، وما قرره استدلالاً بتحقيقات العامة .... ، وما ثبت بمناظرة النيابة العامة وتقرير الطب الشرعي ) . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر في مدوناته من وقائع الدعوى وأدلتها أن الطاعنين كانوا موجودين على مسرح الجريمة داخل المزرعة وأن الطاعنين تعدوا على المجني عليه بالضرب وكان ذلك بقصد حمله على العمل قسراً في المزرعة وقد أدى الأذى الجسيم والتعذيب البدني إلى موت المجني عليه ، وكان من المقرر أن الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه ، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية ، فمن حق القاضي أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تتوافر لديه . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته - على السياق المتقدم - يعد كافياً في استظهار اتفاق المتهمين جميعاً على ضرب وتعذيب المجني عليه من نوع الصلة بين المتهمين والمعية بينهم في الزمان والمكان وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها ، وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ، ويصح من ثم طبقا للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية الاتجار في البشر باستخدام المجني عليه بقصد استغلاله في الخدمة قسراً وذلك بطريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني والذي أدى إلى موته ، ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية سواء عرف محدث الضربات التي ساهمت في الوفاة أو لم يعرف ، وهو ما لم يخطئه الحكم ، فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن لا يكون له محل .
2- لما كان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى صحة التحريات التي أجراها ضابط الواقعة ، وهو ما يعد كافياً في الرد على ما أثاره الطاعنون في هذا الخصوص ، فإن منعاهم في هذا الشأن لا يكون له محل .
3- من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأن تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ، كما أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت أقواله أمامها ، وأنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها ، وأنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي يركن إليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ؛ إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال شهود الإثبات واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها ، فإن ما يثيره الطاعنون من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال شهود الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض .
4- لما كان ما يثيره الطاعنون في اطراح الحكم لإنكارهم الاتهام المسند إليهم مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الشأن يكون غير سديد .
5- من المقرر أن المحكمة لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بشأن التفاته عن أقوال والد المجني عليه بجلسة المحاكمة والتي لم يعول عليها ولم يكن لها أثر في عقيدته يكون لا محل له .
6- لما كان الأصل المقرر في المادة 43 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن الطاعن لا يضار بطعنه ، ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه حين دان الطاعنين بجريمة الاتجار في البشر بأن استخدموا المجني عليه في داخل البلاد بقصد استغلاله في الخدمة قسراً وذلك عن طريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني حال كون المتهمين الثلاثة الأول حاملين لأسلحة وقد نتج عن هذه الجريمة وفاته قد نزل بعقوبة الغرامة عن الحد المقرر لها في المادة 6/6،5،2 من القانون رقم 64 لسنة ٢٠١٠ ، كما أغفل القضاء بعقوبة الغرامة بالنسبة للطاعن الرابع طبقاً لمادة العقاب سالفة الذكر مما لا سبيل إلى تداركه وتصحيحه ؛ لأن الطعن مرفوع من المتهم وحده .
7- لما كان الحكم قد دان الطاعن الرابع - رغم أن الثابت من الاطلاع على شهادة ميلاده المرفقة بملف الطعن من كونه طفلاً تجاوز سنه الخامسة عشرة ولم يجاوز الثامنة عشرة سنة - وقضى بمعاقبته بالسجن لمدة عشر سنوات - إعمالاً للمواد آنفة الذكر - ، وكانت الفقرة الثانية من المادة 111 من قانون الطفل تنص على أنه : ( ومع عدم الإخلال بحكم المادة 17 من قانون العقوبات إذا ارتكب الطفل الذي تجاوزت سنه خمس عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن ) ، وكانت المادة 17 من قانون العقوبات تنص على أنه : ( يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاء تبديل العقوبة على الوجه الآتي : عقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا تجوز أن تنقص عن ثلاثة شهور ) ، فإن مفاد ذلك أنه إذا ارتكب الطفل الذي تجاوز سنه خمس عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد تكون العقوبة المقررة له هي السجن ، وفي هذه الحالة تكون عقوبة السجن قد حلت بقوة القانون محل العقوبة الأصلية الواردة بقانون العقوبات أو القوانين المكملة له ، فإذا رأت محكمة الموضوع أخذه بالرأفة وإعمال المادة 17 من قانون العقوبات في حقه فيكون إعمالها على عقوبة السجن - باعتبارها العقوبة المقررة للطفل - وليست على العقوبة الأصلية الواردة بقانون العقوبات أو القوانين المكملة له ؛ إذ يصح للقاضي أن يأخذ المتهم بظرف قضائي مخفف إضافة إلى الظرف القانوني وهو ما يتفق مع مبدأ المسئولية الجنائية المخففة التي قررها القانون للطفل ، وبالتالي تكون العقوبة الواجبة التطبيق هي الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة أشهر ، وإذ كانت المحكمة قد دانت الطاعن – آنف الذكر – بجريمة الاتجار في البشر بأن استخدم المجني عليه في داخل البلاد بقصد استغلاله في الخدمة قسراً وذلك عن طريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني وقد نتج عن هذه الجريمة وفاته والمعاقب عليها بالمادة 6/6،5،2 من القانون رقم 64 لسنة ٢٠١٠ وأوقعت عليه عقوبة السجن لمدة عشر سنوات ، وهي العقوبة المقررة لهذه الجريمة إذا ارتكبها طفل جاوز سنه خمس عشرة سنة طبقاً للمادة 111/2 من قانون الطفل المعدل ، وبرغم إعمالها في حقهم المادة 17 – المار ذكرها - فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون ، ومن ثم فإنه عملاً بنص المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن - السابق ذكرها - يتعين تصحيح العقوبة بالنسبة للطاعن الرابع بجعلها الحبس لمدة ثلاث سنوات بدلاً من عقوبة السجن ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم :
-استخدموا المجني عليه الطفل .... للعمل بمزرعة بـ .... بقصد استغلاله للعمل قسراً وكان ذلك بطريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني حال كون الأول إلى الثالث منهم مستخدمين سلاحاً أبيض وقد نتج عن ذلك وفاته على النحو المبين بالتحقيقات .
- ضربوا المجني عليه .... عمداً غير قاصدين قتله ولكنه أفضى إلى الموت وذلك مع سبق الإصرار والترصد على النحو المبين بالتحقيقات .
المتهم الأول :ـــ استعمل التهديد مع المجني عليه .... لحمله على الإدلاء بشهادة زور والإدلاء بأقوال ومعلومات غير صحيحة عن بيانات وكيفية وفاة المجني عليه الطفل .... على النحو المبين بالتحقيقات .
- أحرز سلاحاً أبيض ( عصا خشبية – خرطوم ) بدون مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورة المهنية أو الحرفية .
المتهم الثاني :ـــ أحرز سلاحاً أبيض ( جركن بلاستيك ) بدون مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورة المهنية أو الحرفية .
المتهم الثالث :ـــ أحرز سلاحاً أبيض ( عصا خشبية ) مما تستعمل في الاعتداء على الأشخاص بدون ترخيص . لم يورد مواد السلاح الأبيض
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً وعملا بالمواد ۲ ، ۳ ، 6 /6،5،2 من القانون رقم 64 لسنة ٢٠١٠ ، والمواد 236 /1 ، 291 /2،1 ، ۳۰٠ من قانون العقوبات ، والمادتين 1/1 ، 25 مكرراً/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل ، والبند رقم 7 من الجدول رقم 1 الملحق به ، مع إعمال المادتين ۱۷ ، ۳۲ من قانون العقوبات ، بمعاقبة .... ، .... ، .... ، .... بالسجن لمدة عشر سنوات لكل منهم وغرامة مبلغ خمسين ألف جنيه لكل منهم عدا المتهم .... وألزمتهم بالمصروفات الجنائية عدا الأخير ، بعد أن استبعدت ظرفي سبق الإصرار والترصد من وصف الاتهام الثاني .
فطعن المحكوم عليهم الثلاثة الأول ووكيل الولي الطبيعي عن المحكوم عليه الرابع في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
من حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم الاتجار في البشر بأن استخدموا المجني عليه في داخل البلاد بقصد استغلاله في الخدمة قسراً وذلك عن طريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني حال كون المتهمين الثلاثة الأول حاملين لأدوات وقد نتج عن هذه الجريمة وفاته والضرب المُفضي إلى الموت ودان الأول بجريمة إكراه شاهد على الإدلاء بالشهادة زوراً ودان الثلاثة الأول بجريمة إحراز أسلحه بيضاء بدون مسوغ قانوني قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه أسند إليهم جميعاً المسئولية عن النتيجة التي حدثت وهي موت المجني عليه رغم عدم توافر الاتفاق المسبق في حقهم ورغم استبعاده لظرفي سبق الإصرار والترصد ، واطرح برد قاصر غير سائغ دفاعهم القائم على عدم جدية التحريات ، وعول على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها مع بعضها البعض ومع أقوال مُجري التحريات ، واعتنق تصويرهم لها رغم عدم معقوليتها ، وأخيراً فقد أعرض الحكم عن إنكارهم الاتهام المسند اليهم وعن وأقوال والد المجني عليه ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله ( وحيث إن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها ضميرها مستخلصة من مطالعة أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أن المجني عليه الطفل .... البالغ من العمر حوالي ثلاثة عشر عاماً ذهب مع أقرانه للعمل في جمع محصول الفول السوداني بمزرعة بمنطقة .... مركز .... محافظة .... بمعرفة مقاولي الأنفار المتهمين .... ، .... وبسبب إرهاق العمل وعدم رغبته في الاستمرار حاول الهروب ، فقام المتهم .... بضبطه وتعدى عليه بالضرب بخرطوم بلاستيك وعصا خشبية على رأسه بعدة ضربات ، كما تعدى عليه المتهم .... بجركن بلاستيك على رأسه بعدة ضربات ، كما تعدى عليه المتهم .... بضربه بعصا خرزان على صدره والمتهم .... بضربه برجليه وبالأيدي على صدره ووجهه لعدة أيام لإرغامه على العمل قسراً ، وبتاريخ .... ولعدم رغبة المجني عليه في العمل قام المتهمون بالتعدي عليه مرة أخرى فسقط مغشياً عليه وتوفي إلى رحمة مولاه ، وأن قصدهم من الاعتداء على المجني عليه إرغامه على العمل قسراً دون رغبته فحدثت به الإصابات الآتية 1- سحجات متكدمة بلون أحمر منتشرة بالجبهة والوحشيتين ويمين ويسار العنق وبخلفية يسار العضد ويمين ويسار الصدر وبالأطراف الأربعة وخلفية أعلى يمين الظهر ، ٢- تكدمات بلون محمر منتشرة بالأطراف الأربعة وبالوجه وبفروة الرأس مقابل عظام الجداريتين ، وحيث إن الواقعة على النحو سالف البيان استقام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهمين مما شهد به بتحقيقات النيابة العامة .... ، النقيب شرطة .... معاون مباحث مركز شرطة .... ، وما قرره استدلالاً بتحقيقات العامة .... ، وما ثبت بمناظرة النيابة العامة وتقرير الطب الشرعي ) . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر في مدوناته من وقائع الدعوى وأدلتها أن الطاعنين كانوا موجودين على مسرح الجريمة داخل المزرعة وأن الطاعنين تعدوا على المجني عليه بالضرب وكان ذلك بقصد حمله على العمل قسراً في المزرعة وقد أدى الأذى الجسيم والتعذيب البدني إلى موت المجني عليه ، وكان من المقرر أن الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه ، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية ، فمن حق القاضي أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تتوافر لديه . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته - على السياق المتقدم - يعد كافياً في استظهار اتفاق المتهمين جميعاً على ضرب وتعذيب المجني عليه من نوع الصلة بين المتهمين والمعية بينهم في الزمان والمكان وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها ، وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ، ويصح من ثم طبقا للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية الاتجار في البشر باستخدام المجني عليه بقصد استغلاله في الخدمة قسراً وذلك بطريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني والذي أدى إلى موته ، ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية سواء عرف محدث الضربات التي ساهمت في الوفاة أو لم يعرف ، وهو ما لم يخطئه الحكم ، فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى صحة التحريات التي أجراها ضابط الواقعة ، وهو ما يعد كافياً في الرد على ما أثاره الطاعنون في هذا الخصوص ، فإن منعاهم في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأن تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ، كما أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت أقواله أمامها ، وأنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها ، وأنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي يركن إليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ؛ إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال شهود الإثبات واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها ، فإن ما يثيره الطاعنون من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال شهود الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعنون في اطراح الحكم لإنكارهم الاتهام المسند إليهم مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بشأن التفاته عن أقوال والد المجني عليه بجلسة المحاكمة والتي لم يعول عليها ولم يكن لها أثر في عقيدته يكون ولا محل له . لما كان ذلك ، وكان الأصل المقرر في المادة 43 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن الطاعن لا يضار بطعنه ، ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه حين دان الطاعنين بجريمة الاتجار في البشر بأن استخدموا المجني عليه في داخل البلاد بقصد استغلاله في الخدمة قسراً وذلك عن طريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني حال كون المتهمين الثلاثة الأول حاملين لأسلحة وقد نتج عن هذه الجريمة وفاته قد نزل بعقوبة الغرامة عن الحد المقرر لها في المادة 6 /6،5،2 من القانون رقم 64 لسنة ٢٠١٠ ، كما أغفل القضاء بعقوبة الغرامة بالنسبة للطاعن الرابع طبقاً لمادة العقاب سالفة الذكر مما لا سبيل إلى تداركه وتصحيحه ؛ لأن الطعن مرفوع من المتهم وحده . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد دان الطاعن الرابع - رغم أن الثابت من الاطلاع على شهادة ميلاده المرفقة بملف الطعن من كونه طفلاً تجاوز سنه الخامسة عشرة ولم يجاوز الثامنة عشرة سنة - وقضى بمعاقبته بالسجن لمدة عشر سنوات - إعمالاً للمواد آنفة الذكر - ، وكانت الفقرة الثانية من المادة 111 من قانون الطفل تنص على أنه : ( ومع عدم الإخلال بحكم المادة 17 من قانون العقوبات إذا ارتكب الطفل الذي تجاوزت سنه خمس عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن ) ، وكانت المادة 17 من قانون العقوبات تنص على أنه : ( يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاء تبديل العقوبة على الوجه الآتي : عقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا تجوز أن تنقص عن ثلاثة شهور ) ، فإن مفاد ذلك أنه إذا ارتكب الطفل الذي تجاوز سنه خمس عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد تكون العقوبة المقررة له هي السجن ، وفي هذه الحالة تكون عقوبة السجن قد حلت بقوة القانون محل العقوبة الأصلية الواردة بقانون العقوبات أو القوانين المكملة له ، فإذا رأت محكمة الموضوع أخذه بالرأفة وإعمال المادة 17 من قانون العقوبات في حقه فيكون إعمالها على عقوبة السجن - باعتبارها العقوبة المقررة للطفل - وليست على العقوبة الأصلية الواردة بقانون العقوبات أو القوانين المكملة له ؛ إذ يصح للقاضي أن يأخذ المتهم بظرف قضائي مخفف إضافة إلى الظرف القانوني وهو ما يتفق مع مبدأ المسئولية الجنائية المخففة التي قررها القانون للطفل ، وبالتالي تكون العقوبة الواجبة التطبيق هي الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة أشهر ، وإذ كانت المحكمة قد دانت الطاعن – آنف الذكر – بجريمة الاتجار في البشر بأن استخدم المجني عليه في داخل البلاد بقصد استغلاله في الخدمة قسراً وذلك عن طريق الأذى الجسيم والتعذيب البدني وقد نتج عن هذه الجريمة وفاته والمعاقب عليها بالمادة 6 /6،5،2 من القانون رقم 64 لسنة ٢٠١٠ وأوقعت عليه عقوبة السجن لمدة عشر سنوات ، وهي العقوبة المقررة لهذه الجريمة إذا ارتكبها طفل جاوز سنه خمس عشرة سنة طبقاً للمادة 111 /2 من قانون الطفل المعدل ، وبرغم إعمالها في حقهم المادة 17 – المار ذكرها - فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون ، ومن ثم فإنه عملاً بنص المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن - السابق ذكرها - يتعين تصحيح العقوبة بالنسبة للطاعن الرابع بجعلها الحبس لمدة ثلاث سنوات بدلاً من عقوبة السجن ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 1109 لسنة 91 ق جلسة 9 / 12 / 2021 مكتب فني 72 ق 100 ص 1057

جلسة 9 من ديسمبر سنة 2021
برئاسة السيد القاضي / عبــد التواب أبو طالب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / صفوت أحمد عبد المجيد ، سامح حامد ، طارق سلامة وهشام رسمي نواب رئيس المحكمة .
-------------------
(100)
الطعن رقم 1109 لسنة 91 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً أو نمطاً لصياغة الحكم . متى كان مجموع ما أورده كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(2) إثبات " بوجه عام " " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه . ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بأقوال الشهود . مفاده ؟
تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها . لا يعيب الحكم . حد ذلك ؟
بقاء شخصية المصدر السري غير معروفة وعدم الإفصاح عنها . لا يعيب الإجراءات اطمئنان المحكمة إلى حدوث الضبط والتفتيش في مكان معين . موضوعي . المنازعة في ذلك أمام محكمة النقض . غير جائزة .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . إثبات " أوراق رسمية " .
خضوع أدلة الدعوى لتقدير القاضي ولو كانت أوراق رسمية . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير مقبول .
مثال .
(4) استيقاف . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير حالة التلبس " . حظر التجوال .
الاستيقاف وفقاً للمادة 24 إجراءات جنائية . ماهيته ؟
تقدير قيام المبرر للاستيقاف وتوافر حالة التلبس . موضوعي . حد ذلك ؟
استيقاف الضابط للطاعن حال سيره وقت الحظر المقرر درءاً لتداعيات فيروس كورونا طبقاً للقرار 1196 لسنة 2020 وتخليه إرادياً عن المخدر . تلبس يبيح القبض والتفتيش .
مثال .
(5) دفوع " الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة " " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفاء صلة الطاعن بالمخدر . موضوعي . لا يستلزم رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي اطمأنت لها المحكمة .
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في تعديل وصف التهمة " . مواد مخدرة . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
عدم تقيد المحكمة بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم . لها تعديله متى رأت رد الواقعة للوصف القانوني السليم . اقتصار تعديلها على استبعاد قصد الاتجار بالمخدر . لا يقتضي تنبيه الدفاع . علة ذلك ؟
---------------------
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال الملازم أول .... وما ثبت بتقرير المعمل الكيماوي بمصلحة الطب الشرعي وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لتلك الأدلة على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن لا محل له.
2- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبا يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأن تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، وأن سكوت الضابط عن الإدلاء بأسماء القوة المرافقة له وحجبهم عن أداء الشهادة لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، ولا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المصدر السري الذي اختاره رجل الضبط القضائي لمعاونته في مهنته غير معروفة وأن لا يفصح عنها رجل الضبط القضائي ، وأن اطمئنان المحكمة إلى حدوث عملية الضبط والتفتيش في مكان معين هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بالفصل فيها ولا تجوز إثارتها أمام محكمة النقض ، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط الواقعة واقتناعه بوقوع عملية الضبط على الصورة التي شهد بها ، فإن مايثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال الضابط شاهد الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها فيها أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض .
3- من المقرر أن أدلة الدعوى تخضع في كل الأحوال لتقدير القاضي ولو كانت أوراق رسمية ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي استخلصها من باقي الأدلة ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط - شاهد الإثبات - والتفتت عن البرقية التلغرافية المرسلة من أهلية الطاعن والمستندات الأخرى التي قدمها للتدليل على صحة دفاعه ، فإن ما يثيره في هذا الشأن ينحل إلى عود إلى الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب .
4- من المقرر أن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة في سبيل التحري عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف ، وهو أمر مباح لرجال السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختياراً في موضع الريب والظن على نحو ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري والكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية ، وكان الفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه ، وأن تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وفق الوقائع المعروضة عليها وبغير معقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتها الحكم . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سليم واستدلالٍ سائغ وبما يتفق وحكم القانون إلى مشروعية ما قام به رجل الضبط القضائي الذي قام باستيقاف الطاعن حال سيره الساعة الواحدة صباحاً يوم 15/6/2020 أثناء سريان وقت الحظر المقرر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1196 لسنة 2020 وسأله عن تحقيق شخصيته فتبين له عدم حملها ، وعندئذ ألقى لرؤيته كيس بلاستيك فقام بالتقاطه وبفضه تبين وجود المادة المخدرة به فقام بضبطه وبتفتيشه عثر على باقي المادة المخدرة ، وأبان الحكم أن تخلي الطاعن عن المخدر لم يكن وليد سعي مقصود أو إجراء غير مشروع بل كان عن طواعية واختياراً إثر تخلي الطاعن عن الكيس البلاستيك ، وأن الضابط قبض على المتهم وقام بتفتيشه بعد أن تبين أن الكيس يحوي المادة المخدرة ، يستوي في ذلك أن يكون المخدر ظاهراً من الكيس البلاستيك أو غير ظاهر ما دام أن الطاعن قد تخلى عنه باختياره ، وكان هذا الذي ساقه الحكم للتدليل على صحة إجراءات القبض والتفتيش يتفق وصحيح القانون ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول .
5- من المقرر أن الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفاء صلة الطاعن بالمخدر المضبوط - الذي هو نفي للتهمة - من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم في الأصل من المحكمة رداً خاصاً اكتفاءً بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد اطراحها ، فضلاً عن أن الحكم قد عرض لهذا الدفاع واطرحه برد كاف وسائغ ويتفق وصحيح القانون ، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد .
6- من المقرر أن الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم ؛ لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم ، وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة ودارت حولها المرافعة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن ، وكان مرد التعديل هو قيام الدليل على أن الطاعن أحرز المخدر بقصد التعاطي دون أن يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عنصر جديد ، وكانت جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي وهو الوصف الذي نزلت إليه المحكمة أخف من إحرازه بقصد الاتجار ، فإن ذلك لا يقتضي تنبيه الدفاع ، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من 1- .... ، 2- .... الطاعن بأنه :-
- أحرزا جوهراً مخدراً ( الهيروين ) بقصد الاتجار في غير الأحـوال المصـرح بها قانوناً .
وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهما طبقـاً للقيـد والوصـف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المـذكورة قضـت حضورياً عمـلاً بـالمواد 1 ، 2 ، 37 /1 ، 42 /1 من القــانون رقـم 182 لسنة 1960 المعـدل بالقانون رقـم 122 لسـنة 1989 ، والبند رقـم (2) مـن القسم الأول مـن الجدول رقم (1) الملحـق بالقـانون الأول والمستبدل بقـرار وزير الصحة رقم 46 لسـنة 1997 ، مع إعمـال نـص المـادة 17 مـن قانون العقوبات ، بمعاقبتهما بالسجن ثـلاث سنوات وتغريمهما مبلغ عشرة آلاف جنيه عما أسـند إليهما مـن اتهام وألزمتهما المصاريف الجنائية ومصادرة المخدر المضبوط وذلـك باعتبار أن إحـراز جـوهر الهيروين المخدر كان بقصد التعاطي .
فطعن المحكوم عليه حضورياً في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
------------------
المحكمـة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر الهيروين المخدر بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك أن أسبابه حررت في صورة عامة مجملة ، واعتنق صورة للواقعة غير صورتها الحقيقة وأورد على ثبوت الصورة التي اعتنقها أقوال ضابط الواقعة وحده والتي لا تجدي في إثبات ارتكابه الجريمة لتناقض أقواله وانفراده بالشهادة وحجبه أفراد القوة المرافقة له عن أدائها وعدم إفصاحه عن المصدر السرى بما يبعث على الشك فيها ، خاصة وأنه نفى وقوع عملية الضبط كما رواها ضابطها وأن القبض عليه تم في منزله ولم يضبط مع ممنوعات ، فضلاً عن أنه لا يعرف المحكوم عليه الآخر ولم يره إلا في سيارة الشرطة ، واطرح الحكم في هذا الشأن البرقية التلغرافية المرسلة من أهليته والمستندات الأخرى التي قدمها للتدليل على صحة دفاعه ، ورد الحكم بما لا يصلح رداً على دفاعه القائم على بطلان استيقافه لانتفاء مبرراته ، وبطلان إجراءات القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس خاصة وأن ضابط الواقعة لم يتبين كنه المادة المخدرة إلا بعد القبض عليه ، وعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفاء صلته بالمخدر المضبوط ، وعدلت المحكمة وصف التهمة المسندة إليه من إحراز للمخدر بقصد الاتجار إلى الإحراز بقصد التعاطي دون أن تنبه الدفاع إلى ذلك التعديل ، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال الملازم أول .... وما ثبت بتقرير المعمل الكيماوي بمصلحة الطب الشرعي وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لتلك الأدلة على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن ولا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبا يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأن تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، وأن سكوت الضابط عن الإدلاء بأسماء القوة المرافقة له وحجبهم عن أداء الشهادة لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، ولا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المصدر السري الذي اختاره رجل الضبط القضائي لمعاونته في مهنته غير معروفة وأن لا يفصح عنها رجل الضبط القضائي ، وأن اطمئنان المحكمة إلى حدوث عملية الضبط والتفتيش في مكان معين هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بالفصل فيها ولا تجوز إثارتها أمام محكمة النقض ، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط الواقعة واقتناعه بوقوع عملية الضبط على الصورة التي شهد بها ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال الضابط شاهد الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها فيها أو مصادر لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن أدلة الدعوى تخضع في كل الأحوال لتقدير القاضي ولو كانت أوراق رسمية ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي استخلصها من باقي الأدلة ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط - شاهد الإثبات - والتفتت عن البرقية التلغرافية المرسلة من أهلية الطاعن والمستندات الأخرى التي قدمها للتدليل على صحة دفاعه ، فإن ما يثيره في هذا الشأن ينحل إلى عود إلى الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة في سبيل التحري عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف ، وهو أمر مباح لرجال السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختياراً في موضع الريب والظن على نحو ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري والكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية ، وكان الفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه ، وأن تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وفق الوقائع المعروضة عليها وبغير معقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتها الحكم . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سليم واستدلالٍ سائغ وبما يتفق وحكم القانون إلى مشروعية ما قام به رجل الضبط القضائي الذي قام باستيقاف الطاعن حال سيره الساعة الواحدة صباحاً يوم 15/6/2020 أثناء سريان وقت الحظر المقرر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1196 لسنة 2020 وسأله عن تحقيق شخصيته فتبين له عدم حملها ، وعندئذ ألقى لرؤيته كيس بلاستيك فقام بالتقاطه وبفضه تبين وجود المادة المخدرة به فقام بضبطه وبتفتيشه عثر على باقي المادة المخدرة ، وأبان الحكم أن تخلي الطاعن عن المخدر لم يكن وليد سعي مقصود أو إجراء غير مشروع بل كان عن طواعية واختياراً إثر تخلي الطاعن عن الكيس البلاستيك ، وأن الضابط قبض على المتهم وقام بتفتيشه بعد أن تبين أن الكيس يحوي المادة المخدرة ، يستوي في ذلك أن يكون المخدر ظاهراً من الكيس البلاستيك أو غير ظاهر ما دام أن الطاعن قد تخلى عنه باختياره ، وكان هذا الذي ساقه الحكم للتدليل على صحة إجراءات القبض والتفتيش يتفق وصحيح القانون ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبوللما كان ذلك ، وكان الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفاء صلة الطاعن بالمخدر المضبوط - الذي هو نفي للتهمة - من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم في الأصل من المحكمة رداً خاصاً اكتفاءً بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد اطراحها ، فضلاً عن أن الحكم قد عرض لهذا الدفاع واطرحه برد كاف وسائغ ويتفق وصحيح القانون ، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم ؛ لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم ، وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة ودارت حولها المرافعة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن ، وكان مرد التعديل هو قيام الدليل على أن الطاعن أحرز المخدر بقصد التعاطي دون أن يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عنصر جديد ، وكانت جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي وهو الوصف الذي نزلت إليه المحكمة أخف من إحرازه بقصد الاتجار ، فإن ذلك لا يقتضي تنبيه الدفاع ، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ