برئاسة السيد القاضي / إيهاب عبد المطلب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / نجاح موسى، أحمد عبد الودود، حازم بدوي ووليد حمزة نواب رئـيس المحكمة .
-----------------
( 107 )
الطعن رقم 25067 لسنة 86 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . متى كان مجموع ما أورده كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها . المادة 310 إجراءات جنائية .
مثال .
(2) الاتجار بالنفوذ . قصد جنائي . جريمة " أركانها " .
جريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها بالمادة 106 مكرراً عقوبات . مناط تحققها ؟
تحقق المساءلة في جريمة الاتجار بالنفوذ . ولو كان مزعوماً . اقتران الزعم بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية . غير لازم .
كون الجاني موظفاً عمومياً . يوجب توقيع عقوبة الجناية بالمادة 104 عقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة بالمادة 106 مكرراً من القانون ذاته . التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر . صحيح .
القصد الجنائي في جريمة الاتجار بالنفوذ . مناط تحققه ؟
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه . حد ذلك ؟
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشاهد ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(4) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " .
نعي الطاعن بإخلال المحكمة بحقه في الدفاع لعدم استجابتها لسماع محادثة هاتفية تنفي عنه الاتهام . غير مقبول . ما دامت صرحت له بإحضار وسيلة لسماعها ولم يفعل .
(5) إثبات " أوراق رسمية " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها .
(6) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
لمحكمة الموضوع الإعراض عن أقوال شاهد النفي . ما دامت لا تثق بها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) دفوع " الدفع بنفي التهمة " " الدفع بتلفيق التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
الدفع بنفي التهمة وتلفيقها وكيديتها . موضوعي . لا يستوجب ردًا . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(8) إثبات " خبرة " . تسجيل المحادثات . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
إيراد الحكم مؤدى تسجيل اللقاءات والمحادثات الهاتفية المأذون بها . كفايته كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه . عدم إيراده نصها بكل فحواها . لا ينال من سلامته . ما دام استند إليها كقرينة معززة للأدلة الأخرى ولم يتخذ منها دليلاً أساسياً لثبوت التهمة .
(9) دعوى جنائية " تحريكها " . رقابة إدارية . دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " .
الإجراءات المنصوص عليها بالمادة الثامنة من القانون 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم هيئة الرقابة الإدارية . تنظيمية . مباشرتها التحريات والمراقبة في جريمة لا تخضع لقيود رفع الدعوى المقررة بالقانون وإحالتها للنيابة العامة دون الالتزام بتلك الإجراءات . للأخيرة تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها . النعي ببطلان التحقيقات لهذا السبب . غير مقبول . علة ذلك ؟
(10) تسجيل المحادثات . استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
اطمئنان المحكمة إلى جدية التحريات التي بُني عليها الإذن بالتسجيل وكفايتها لتسويغ إصداره . كفايته للرد على الدفع بعدم جديتها.
تقدير جدية التحريات. لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
(11) دفوع " الدفع ببطلان إذن التفتيش " . نقض " المصلحة في الطعن " . تلبس .
نعي الطاعن ببطلان إذن النيابة بالقبض والتفتيش لعدم جدية التحريات . غير مجد . ما دام ضُبط في حالة تلبس إثر مشاهدة عضو الرقابة الإدارية له بواسطة الأجهزة الفنية حال أخذه مبلغ الرشوة .
(12) رشوة . تسجيل المحادثات .
صدور الإذن بالتسجيل والمراقبة بعد طلب الطاعن مبلغ الرشوة نظير تدخله لإلغاء وضع المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري لوزارة التربية والتعليم . مفاده : صدوره لضبط جريمة تحقق وقوعها .
(13) دفوع " الدفع ببطلان إذن التسجيل " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
صدور الإذن بالتسجيل لضبط الجريمة بعد التأكد من وقوعها . التفات الحكم عن الرد على الدفع ببطلانه لصدوره بغرض التحري وجمع المعلومات . لا يعيبه . علة ذلك ؟
(14) دفوع " الدفع ببطلان إذن التسجيل " .
الدفع بصدور الإذن بعد التسجيل . موضوعي . كفاية اطمئنان المحكمة إلى حصول التسجيل بناءً على الإذن أخذاً بالأدلة السائغة التي أوردتها رداً عليه .
(15) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
من يقوم بإجراء باطل . لا تقبل منه الشهادة عليه . حد ذلك ؟
للمحكمة التعويل في الإدانة على أقوال عضو الرقابة الإدارية . ما دامت انتهت لصحة إجراءاته .
(16) رقابة إدارية . تسجيل المحادثات .
طريقة تنفيذ الإذن الصادر من النيابة العامة بإجراءات تسجيل المحادثات الشفوية والسلكية واللاسلكية والتصوير . موكول لعضو الرقابة الإدارية تحت رقابة محكمة الموضوع . له الاستعانة بالفنيين ورجال الضبط القضائي وغيرهم تحت إشرافه .
(17) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
منازعة الطاعن في اطمئنان المحكمة للدليل المستمد من التسجيلات الصوتية والتصويرية . جدل موضوعي في تقديره . غير جائز أمام محكمة النقض .
(18) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر لزوماً لإجرائه . غير مقبول .
مثال .
(19) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات . موضوعي . عدم التزام المحكمة بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء . ما دامت قد أخذ بها . نعي الطاعن ببطلان أعمال الخبير لاعتماده على حاسة السمع دون الأجهزة الحديثة . جدل موضوعي غير جائزة أمام محكمة النقض .
(20) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
إقامة الحكم قضاءه على أقوال الشهود ومما ثبت من التسجيلات وتقرير خبير الأصوات . مفاده : أنه لم يبنه على رأي لسواه .
(21) أمر الإحالة . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إثارة بطلان قرار الإحالة وانتفاء صفة من أصدره لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائز .
نعي الطاعن باستناد الحكم في قضائه لتعليمات النيابة . غير مقبول . ما دام لم يستند إليها .
(22) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
عدم تقيد القاضي الجنائي بدليل معين . له تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه . ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(23) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
نعي الطاعن بشأن الأدلة التي عول عليها الحكم في إدانته بقالة أنها واهية . جدل موضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(24) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .
مثال .
(25) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها . غير جائز .
(26) حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
إشارة الحكم الى مواد القانون الذي حكم بمقتضاه . كفايته بياناً لها .
(27) غرامة . الاتجار بالنفوذ . عقوبة " تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " " عدم جواز مضارة الطاعن بطعنه " .
عدم التزام الحكم الحد الأدنى لعقوبة الغرامة عن جريمة الاتجار بالنفوذ التي دين الطاعن بها . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . علة ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله : " .... أن المتهم .... يعمل .... لم يرتض بما قسم الله له من أجر نظير عمله هذا وأراد الإثراء غير المشروع السريع فاتجه إلى الاتجار بعمله في سبيل تحقيق ما انتواه ولدى علمه مسعى المجني عليه .... إلغاء الإشراف المالي والإداري للمدرسة المملوكة له – مدرسة .... – من وزارة التربية والتعليم اتجهت إرادته إلى الحصول على رشوة منه نظير قدرته على إلغاء خضوع تلك المدرسة لذلك الإشراف وتنفيذًا لتلك الغاية طلب من المجني عليه سالف الذكر مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه رشوة نظير ذلك فتظاهر المجني عليه بالموافقة وقام بإبلاغ السلطة المختصة بذلك والتي توصلت تحرياتها إلى صحة الواقعة وتمكنت من استصدار إذن من النيابة العامة بتسجيل المحادثات وتصوير اللقاءات بينهما ونفاذًا لذلك الإذن تم تسجيل وتصوير عدة محادثات ولقاءات بينهما ثبت خلالها طلب المتهم مبلغ الرشوة المذكور وبتاريخ .... تمكن مأمور الضبط القضائي ونفاذًا لإذن النيابة العامة من ضبط المتهم عقب تقاضيه مبلغ مائة ألف جنيه مقدم الرشوة من المجني عليه والسابق إعداده من قبل واقعة الضبط بالتنسيق بين المجني عليه والسلطة المختصة وذلك على النحو المبين بالأوراق ... " وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة استمدها مما شهد به كل من .... ، و.... عضو هيئة الرقابة الإدارية ومما ثبت من تسجيلات المحادثات واللقاءات التي تمت بين المتهم " الطاعن " والمجني عليه وما ثبت بتقرير خبير الأصوات وكتاب وزارة التربية والتعليم ، وهي أدلة سائغة – لا ينازع الطاعن في أن لها أصلها الثابت في الأوراق – ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيًا لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة وتتوافر به كافة الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كان ذلك محققًا لحكم القانون ، كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ويكون – من ثم – ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد غير سديد .
2- من المقرر أنه يكفي لقيام جريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها في المادة 106 مكررًا من قانون العقوبات أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعدًا أو عطية تذرعًا بنفوذه الحقيقي أو المزعوم بغرض الحصول أو محاولة الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة ، وبذلك تتحقق المساءلة ولو كان النفوذ مزعومًا ، والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية ، فإن كان الجاني موظفًا عموميًا وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها في عجز المادة 106 مكررًا عقوبات ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر ما وقع من الطاعن – وهو موظف عام – من طلب نقود من المجني عليه – وأخذها – بزعم تدخله لدى المسئولين بوزارة التربية والتعليم للعمل على إلغاء قرار إخضاع المدرسة المملوكة للمجني عليه للإشراف المالي والإداري للوزارة محققًا لجناية الاتجار بالنفوذ ، فإنه يكون قد أعمل القانون على وجهه الصحيح ، هذا فضلاً عن أن القصد الجنائي في هذه الجريمة يتحقق بالعلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الادعاء بالنفوذ المزعوم ، والعلم بنوع المزية التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك وبأن الاختصاص بمنحها هو لسلطة عامة وطنية ، وهو ما استظهره الحكم في حق الطاعن ، فإن كافة ما يثيره بشأن توافر أركان الجريمة يكون بعيدًا عن محجة الصواب .
3- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن منازعة الطاعن في القوة التدليلية لأقوال المبلغ – المجني عليه – وعضو الرقابة الإدارية على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعيًا في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
4- لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن طلب إلى المحكمة التصريح له بإحضار وسيلة لسماع المحادثة الهاتفية المسجلة والتي جرت بين الطاعن والمدعو .... وصرحت له المحكمة بذلك إلا أنه لم يفعل وطلب سماع أقوال ذلك الشخص وآخر كشاهدي نفي والمحكمة سمعت أقوالهما ، فإن ما ينعاه على المحكمة من إخلال بحق الدفاع في هذا الصدد يكون غير صحيح .
5- لما كانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ، فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن إفادة شركة الاتصالات لا يكون مقبولاً .
6- لما كان للمحكمة أن تعرض عن أقوال شاهد النفي ما دامت لا تثق بما شهد به ، فلا عليها إذ هي اطرحت أقوال شاهدي النفي ما دامت لم تطمئن إلى أقوالهما ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة وفى مبلغ اطمئنانها إليها مما لا تجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه أمام النقض .
7- لما كان الدفع بنفي التهمة وتلفيقها وكيدية الاتهام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب بحسب الأصل ردًا صريحًا من المحكمة بل يستفاد الرد عليها دلالة من قضاء الحكم بالإدانة استنادًا إلى أدلة الثبوت التي أوردها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أن المحكمة عرضت لما يثيره الطاعن في هذا الصدد واطرحته في منطق سائغ .
8- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد أورد أنه ثبت من استماع النيابة العامة لتسجيل اللقاءات والمحادثات الهاتفية المأذون بها طلب وأخذ المتهم مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل الرشوة من المجني عليه مقابل استعمال نفوذه لدى المختصين بوزارة التربية والتعليم لإلغاء قرار خضوع المدرسة للإشراف المالي والإداري للوزارة ، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، هذا فضلاً عن أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبنْ قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من هذه التسجيلات وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها ، فإنه لا جناح على الحكم إن هو لم يورد مؤدى هذه التسجيلات على نحو مفصل ما دام أنه عوَّل على تلك القرينة تأييدًا وتعزيزًا للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ولم يتخذ من هذه التسجيلات دليلاً أساسيًا على ثبوت الاتهام قبل الطاعن ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول .
9- لما كانت النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى العمومية ومباشرتها ولا يرد على حريتها من القيود في هذا الصدد إلا ما قرره المشرع لاعتبارات ارتأها ترجع إلى طبيعة الجريمة أو صفة المتهم بارتكابها ، وليس في القانون ما يجعل من مجرد قيام جهة بعينها بالتحريات والمراقبة قيدًا على تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية ومباشرتها . لما كان ذلك ، وكان ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية من أنه " ... يجوز للرقابة الإدارية أن تجري التحريات والمراقبة السرية بوسائلها الفنية المختلفة كلما رأت مقتضى لذلك ، وإذا أسفرت التحريات والمراقبة عن أمور تستوجب التحقيق أحيلت الأوراق إلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة حسب الأحوال بإذن من رئيس الرقابة الإدارية أو من نائبه ، وعلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة إفادة الرقابة الإدارية بما انتهى إليه التحقيق ، ويتعين الحصول على موافقة رئيس المجلس التنفيذي ( رئيس مجلس الوزراء ) بالنسبة إلى الموظفين الذين في درجة مدير عام فما فوقها أو الموظفين الذين تجاوز مرتباتهم الأصلية 1500 جنيه سنويًا عند إحالتهم للتحقيق ... " لا يعدو أن يكون تنظيمًا للعمل في الرقابة الإدارية ولا يعتبر قيدًا على حرية النيابة العامة في إجراء وتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها ، فالخطاب في النص موجه إلى الرقابة الإدارية أما النيابة العامة فهي تباشر التحقيق وتتصرف فيه وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية ، فطالما كانت الجريمة التي باشرت الرقابة الإدارية إجراء التحريات والمراقبة بشأنها من الجرائم التي لا يخضع رفع الدعوى الجنائية عنها أو ضد المتهم بارتكابها لأى قيد من القيود الواردة في قانون الإجراءات الجنائية ، فإن ما تتخذه النيابة العامة من إجراءات بشأنها يكون بمنأى عن أي طعن ولو كانت الرقابة الإدارية قد أحالت الأوراق إليها دون أن تلتزم بما نصت عليه المادة الثامنة – المار ذكرها – لأن من حق النيابة العامة أن تتخذ ما تراه من إجراءات ولو أبلغت إليها الجريمة من آحاد الناس ، ومما هو قاطع الدلالة في أن الإجراءات المنصوص عليها في المادة الثامنة – سالفة الذكر – هي من الإجراءات التنظيمية للعمل بالرقابة الإدارية أن هذه الإجراءات تسري على الإحالة إلى النيابة الإدارية وإلى النيابة العامة وقد جاء صدر هذه المادة صريحًا في أن اختصاص الرقابة الإدارية التحري والمراقبة لا يحول بين الجهة الإدارية وبين حقها في الرقابة وفحص الشكوى والتحقيق فيها ولا يسوغ القول بأن المادة الثامنة – المذكورة – لا تضع قيدًا على ما تجريه الجهات الإدارية من تحقيق ثم تكون هذه المادة قيدًا على ما تجريه النيابة العامة من تحقيق ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن حول بطلان التحقيقات يكون على غير سند صحيح من القانون .
10- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لما دفع به الطاعن من بطلان الإذن بالتسجيل لابتنائه على تحريات غير جدية لشواهد عددها فاطرحه مُقرًا النيابة على ما ارتأته من جديتها وصلاحيتها لإصدار هذا الإذن ، وكان تقدير جدية التحريات متروكًا لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى أقرتها عليه فلا يُجدي الطاعن نعيه في هذا الشأن إذ لا يجوز مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها فيما انتهت إليه ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد .
11- لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه – مما لم ينازع فيه الطاعن – أن عضو الرقابة الإدارية – شاهد الإثبات الثاني – لم يقم بالقبض على الطاعن إلا بعد أن رآه رؤية العين بواسطة الأجهزة الفنية – المأذون باستخدامها سلفًا – حال أخذه مبلغ الرشوة من الشاهد الأول وشروعه في الانصراف ، مما تعتبر به الجريمة في حالة تلبس تبيح لمأمور الضبط القضائي القبض عليه وتفتيشه دون إذن من النيابة العامة في ذلك ، فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن – بفرض صحته – في صدد بطلان إذن النيابة بالقبض عليه وتفتيشه لعدم جدية التحريات ، وهو ما يضحى معه الدفع المبدى في هذا الشأن دفعًا قانونيًا ظاهر البطلان لا يعيب الحكم – من بعد – التفاته عن الرد عليه ، ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد .
12- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الإذن بالتسجيل والمراقبة قد صدر بعد أن طلب المتهم من الشاهد الأول مبلغ الرشوة نظير تدخله لإلغاء وضع المدرسة المملوكة له تحت الإشراف المالي والإداري لوزارة التربية والتعليم ، فإن مفهوم ذلك أن الإذن قد صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة ، وإذ انتهى الحكم إلى ذلك في معرض رده على دفع الطاعن في هذا الصدد ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون .
13- لما كان الحكم قد أثبت أن الإذن بالتسجيل والمراقبة قد صدر لضبط الجريمة بعد التأكد من وقوعها ، فإنه لا ينال من سلامة الحكم التفاته عن الرد على ما دفع به الطاعن من بطلان ذلك الإذن لصدوره بغرض التحري وجمع المعلومات عن الجريمة لأنه دفع قانوني ظاهر البطلان .
14- من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بعد التسجيل إنما هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى حصول التسجيل بناءً على الإذن أخذًا منها بالأدلة السائغة التي أوردتها ، ومع ذلك فقد عرض الحكم لهذا الدفع ورد عليه ردًا سائغًا ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد .
15- لما كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تُقبل منه الشهادة عليه إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى سديدًا إلى صحة ما قام به عضو الرقابة الإدارية من إجراءات ، فإنه لا تثريب عليه إن هو عوَّل في الإدانة على أقواله ، ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد في غير محله .
16- من المقرر أن طريقة تنفيذ الإذن الصادر من النيابة العامة موكولة إلى عضو الرقابة الإدارية المأذون له بإجراءات تسجيل المحادثات الشفوية والسلكية واللاسلكية والتصوير يجريها تحت رقابة محكمة الموضوع فله أن يستعين في تنفيذ ذلك بالفنيين ورجال الضبط القضائي وغيرهم بحيث يكونون تحت إشرافه – وهو الحال في الدعوى المطروحة – على فرض صحة استعانة المأذون له بالغير تنفيذًا للإذن ، ومن ثم فإن ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد .
17- لما كان تقدير الدليل موكولاً إلى محكمة الموضوع ، ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك ، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه ، فإن كافة ما يثيره الطاعن في شأن الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية والتصويرية الخاصة به يتمخض جدلاً موضوعيًا في وقائع الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أن الحكم عرض للدفاع الذي أثاره الطاعن في هذا الصدد وردَّ عليه في منطق سائغ وتدليل مقبول.
18- لما كان ما ورد بالتسجيلات الصوتية والمرئية قد جرى تفريغها في محاضر عرضت على بساط البحث في الجلسة في حضور الطاعن والمدافع عنه ولم يطلب أي منهما الاستماع إلى تلك التسجيلات ، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزومًا لإجرائه ، ويكون ما يثيره الطاعن بشأن عدم استماع المحكمة للتسجيلات غير مقبول .
19- من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجَّه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد ردَّ على دفاع الطاعن ببطلان أعمال الخبير لاعتماده على حاسة السمع دون الأجهزة الحديثة وعدم تأهيله علميًا لذلك العمل واطرحه برد سائغ ، فإن كل ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في تقدير الدليل المستمد من تقرير الخبير مما لا يقبل التصدي له أمام محكمة النقض .
20- لما كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما استخلصته من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من التسجيلات التي تمَّت للمحادثات واللقاءات الحاصلة بين المتهم والمجني عليه ومما ثبت من تقرير خبير الأصوات وما ورد بكتاب وزارة التربية والتعليم ، ومن ثم فإنها لم تبن حكمها على رأي لسواها ، مما يكون معه ما ينعاه الطاعن من أنها بنت عقيدتها على رأى سلطة التحقيق وتقرير الخبير لا محل له.
21- لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أيًا من الطاعن أو المدافع عنه لم يُثر شيئًا بشأن بطلان قرار الإحالة وانتفاء صفة من أصدره ، وكان هذا القرار إجراءً سابقًا على المحاكمة ، فإنه لا يقبل منه إثارة أمر بطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض . هذا إلى أن الحكم المطعون فيه لم يورد في مدوناته ما يشير إلى استناده لتعليمات النيابة العامة في هذا الشأن – خلافًا لما يزعمه الطاعن بطعنه – فإن منعاه في هذا الخصوص يكون واردًا على غير محل .
22- لما كان الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بدليل معين – إلا إذا نص على ذلك بالنسبة لجريمة معينة - وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ما دام أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح بالأوراق ، وكان ما يثيره الطاعن في شأن خلو الأوراق من شاهد رؤية – على فرض صحته – لا يعدو كونه جدلاً موضوعيًا حول سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا شأن لمحكمة النقض به ولا يثار أمامها .
23- لما كان ما أورده الحكم المطعون فيه ودلَّل به على مقارفة الطاعن لجريمة الاتجار بالنفوذ التي دانه بها كافٍ وسائغ ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رُتب عليه من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عوَّل عليها الحكم في إدانته بقالة أنها واهية ولا تصلح لإدانته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا حول العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها مما لا تُقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض .
24- من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحًا محددًا ، وكان الطاعن لم يبين ماهية أوجه الدفاع والدفوع وأدلة البراءة التي أبداها في مذكرته وأغفلتها المحكمة وذلك لمراقبة ما إذا كان الحكم قد تناولها بالرد من عدمه وما إذا كان الدفاع جوهريًا مما يجب على المحكمة أن تجيبه أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يستلزم في الأصل ردًا ، بل يعتبر الرد عليه مستفادًا من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
25- لما كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب سائر طلبات التحقيق التي أشار إليها في أسباب طعنه ، فليس له من بعد أـن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها .
26- لما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين وصف الجريمة المسندة إلى الطاعن أشار إلى نص القانون الذي أخذه به بقوله : " ... وعملاً بالمادة 314/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية يتعين معاقبته بموجب أحكام المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ..." فإن ما أورده الحكم يكفي في بيان مادة القانون الذي حكم بمقتضاه بما يحقق حكم القانون ، ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد على غير أساس .
27- لما كان الحكم قد أخطأ فيما قضى به من تغريم الطاعن ألف جنيه إذ إن الحد الأدنى لعقوبة الغرامة عن الجريمة التي دين الطاعن بها المؤثمة بالمواد 103 ، 104 ، 106 مكررًا من قانون العقوبات هي ألفا جنيه ، إلا أنه لما كان الطعن مرفوعًا من الطاعن وحده – دون النيابة العامة – فإن محكمة النقض لا تستطيع إصلاح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يُضار الطاعن بطعنه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقــائـــع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :
حال كونه موظفًا عموميًا " .... " طلب وأخذ مبلغ مالي على سبيل الرشوة لاستعمال نفوذه المزعوم لدى المسئولين بوزارة التربية والتعليم ، بأن طلب من / .... مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه أخذ منهم مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل تدخله لدى المسئولين بوزارة التربية والتعليم للموافقة على إلغاء قرار خضوع مدرسة .... للإشراف المالي والإداري للوزارة .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا .... عملاً بالمادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، مع إعمال المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وبتغريمه مبلغ ألف جنيه .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة طلب وأخذ عطية لاستغلال نفوذ مزعوم لدى سلطة عامة ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، وران عليه البطلان ، ذلك بأنه لم يبين الواقعة بيانًا تتحقق به كافة أركان الجريمة التي دانه بها ، ولم يورد مضمون ومؤدى أدلة الثبوت ، والتفت عن دفاعه بانتفاء الركنين المادي والمعنوي لجريمة استغلال النفوذ بدلالة أن أقوال المبلغ جاءت مرسلة ولم ينسب له ضابط الواقعة محاولة التوسط لدى أي من زملائه بالعمل مستغلاً نفوذه لتنفيذ ما وعد المُبلغ به ، ولم تستجب المحكمة لطلبه سماع المحادثة الهاتفية التي جرت بينه وبين المدعو .... قبيل القبض عليه والتي تنفي عنه الاتهام رغم أن المحادثة مسجلة ومثبته على إسطوانة مدمجة والثابتة بالإفادة الصادرة عن إحدى شركات الاتصالات ، وهو ما تأيَّد بأقوال شاهدي النفي التي أدليا بها بجلسة المحاكمة مما ينبئ عن كيدية الاتهام وتلفيقه ، وعوَّل – ضمن ما عوَّل عليه – على الأحاديث المسجلة بينه وبين المبلغ ولم يورد نصها وردَّ بما لا يصلُح على دفعه ببطلان التحقيقات لبطلان إجراءات وتحريات الرقابة الإدارية لعدم اتباعها ما نصت عليه المادة 8 من قانون الرقابة الإدارية رقم 54 لسنة 1964 المعدل من ضرورة استصدار إذن من رئيس مجلس الوزراء ورئيس الهيئة أو نائبه حال كون المتهم بدرجة مدير عام ، وهو ما يُعد قيدًا إجرائيًا لا يجوز تحريك الدعوى الجنائية إلا بعد إتمامه وفقًا لنص المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية ، وأطرح بما لا يسوغ دفعه ببطلان إذن النيابة العامة بالمراقبة والتسجيل ، وكذا بطلان الإذن المؤرخ .... الصادر بالقبض عليه لابتنائهما على تحريات غير جدية وصورية ومكتبية لتجهيل مصادرها وغموضها وعدم كشفها عناصر اتفاقه مع المبلغ وعدم توصلها للمدعو .... وواقعة تأجير المدرسة وما عرضه الطاعن على المبلغ في هذا الشأن ورفضه الأخير ، كما لم تتوصل لكل من المدعو .... و.... ، ودفعه ببطلان الإذن بالمراقبة والتسجيل لصدوره عن جريمة مستقبلة ، ولصدوره بغرض التحري وجمع المعلومات وصدوره بعد التسجيل الحاصل في يوم .... بدلالة ما جاء بتقرير الخبير وما قرره أمام المحكمة خاصة وأن الشرائط خلت من تواريخ تسجيلها مما تعذر معه معرفة ما إذا كانت لاحقة لصدور الإذن أم سابقة عليه وهو ما تبطل معه شهادة القائم بها ، هذا فضلاً عن بطلان إجراءات التسجيلات الصوتية والمرئية " الفيديو " لتكليف ضابط الواقعة المجني عليه المبلغ بالقيام بها وهو ليس متخصصًا ودون أن يكون مأذونًا للضابط بتفويضه في ذلك ، كما لم يقم به تحت بصر الضابط ، وبطلان تلك التسجيلات والشرائط لعدم عرضها على النيابة المختصة قبل البدء في التسجيل والتصوير لتوقيع مُصدر الإذن عليها ببصمة الصوت وبطلان ما قام به مأمور الضبط من تفريغ تلك الشرائط دون ندب أو تفويض من سلطة التحقيق بالمخالفة للمادتين 97 ، 206 من قانون الإجراءات الجنائية ، مما أدى إلى حدوث عبث بالتسجيلات واختلاف إجراءات تفريغها بين الجهات الثلاث القائمة بذلك ، وكذا بطلانها لاحتوائها على مقاطع وعبارات غير مسموعة ووجود تشويش بها مما لا يمكن الاطمئنان إليها كدليل إدانة ، فضلاً عن عدم سماع أو مشاهدة المحكمة لها ، هذا إلى أن ما قام به الخبير قد شابه البطلان لاعتماده على السمع وخبرته في ذلك دون الاستعانة بالأجهزة الفنية الحديثة في هذا المجال ودون أن يكون مؤهلاً علميًا لذلك ، سيما وأن الطاعن أنكر الصوت المنسوب إليه بتلك التسجيلات مما تكون معه المحكمة قد بنت عقيدتها على رأى سلطة التحقيق وتقرير الخبير، وجاء اتصال المحكمة بالدعوى منعدمًا لصدور قرار الإحالة من المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا رغم خلو قانوني السلطة القضائية والإجراءات الجنائية من إيراد أية سلطات أو اختصاصات للمحامي العام الأول ، إذ الاختصاص بإحالة قضايا الجنايات قد بات مقصورًا على المحامي العام أو من يقوم مقامه عند ندبه من النائب العام صاحب الاختصاص الأصيل في هذا الشأن ، ورد الحكم على ما دفع به في هذا الخصوص بما لا يصلُح إذ استند في رده للمادة الرابعة عشر من الكتاب الأول لتعليمات النيابة العامة ودون أن يورد مضمون القرار الجمهوري الصادر بتعيين المحامي العام الأول صاحب قرار الإحالة ، هذا إلى أن الأوراق قد خلت من دليل يقيني أو شاهد رؤية حقيقي يؤكد صحة البلاغ مما تكون معه المحكمة قد استندت إلى أدلة واهية لا تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، والتفتت المحكمة عن دفاعه ودفوعه التي تضمنتها مذكرة دفاعه وأغفلت أدلة براءته ، كما لم تعنْ بتحقيق أوجه دفاعه ودفوعه ، وأخيرًا لم يشر الحكم إلى نص القانون الذي حكم بمقتضاه . كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله : " .... أن المتهم .... يعمل .... لم يرتض بما قسم الله له من أجر نظير عمله هذا وأراد الإثراء غير المشروع السريع فاتجه إلى الاتجار بعمله في سبيل تحقيق ما انتواه ولدى علمه مسعى المجني عليه .... إلغاء الإشراف المالي والإداري للمدرسة المملوكة له – مدرسة .... – من وزارة التربية والتعليم اتجهت إرادته إلى الحصول على رشوة منه نظير قدرته على إلغاء خضوع تلك المدرسة لذلك الإشراف وتنفيذًا لتلك الغاية طلب من المجني عليه سالف الذكر مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه رشوة نظير ذلك فتظاهر المجني عليه بالموافقة وقام بإبلاغ السلطة المختصة بذلك والتي توصلت تحرياتها إلى صحة الواقعة وتمكنت من استصدار إذن من النيابة العامة بتسجيل المحادثات وتصوير اللقاءات بينهما ونفاذًا لذلك الإذن تم تسجيل وتصوير عدة محادثات ولقاءات بينهما ثبت خلالها طلب المتهم مبلغ الرشوة المذكور وبتاريخ .... تمكن مأمور الضبط القضائي ونفاذًا لإذن النيابة العامة من ضبط المتهم عقب تقاضيه مبلغ مائة ألف جنيه مقدم الرشوة من المجني عليه والسابق إعداده من قبل واقعة الضبط بالتنسيق بين المجني عليه والسلطة المختصة وذلك على النحو المبين بالأوراق ... " وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة استمدها مما شهد به كل من .... ، و.... عضو هيئة الرقابة الإدارية ومما ثبت من تسجيلات المحادثات واللقاءات التي تمت بين المتهم " الطاعن " والمجني عليه وما ثبت بتقرير خبير الأصوات وكتاب وزارة التربية والتعليم ، وهي أدلة سائغة – لا ينازع الطاعن في أن لها أصلها الثابت في الأوراق – ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيًا لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة وتتوافر به كافة الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كان ذلك محققًا لحكم القانون ، كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ويكون – من ثم – ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان يكفي لقيام جريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها في المادة 106 مكررًا من قانون العقوبات أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعدًا أو عطية تذرعًا بنفوذه الحقيقي أو المزعوم بغرض الحصول أو محاولة الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة ، وبذلك تتحقق المساءلة ولو كان النفوذ مزعومًا ، والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية ، فإن كان الجاني موظفًا عموميًا وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها في عجز المادة 106 مكررًا عقوبات ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر ما وقع من الطاعن – وهو موظف عام – من طلب نقود من المجني عليه – وأخذها – بزعم تدخله لدى المسئولين بوزارة التربية والتعليم للعمل على إلغاء قرار إخضاع المدرسة المملوكة للمجني عليه للإشراف المالي والإداري للوزارة محققًا لجناية الاتجار بالنفوذ ، فإنه يكون قد أعمل القانون على وجهه الصحيح ، هذا فضلاً عن أن القصد الجنائي في هذه الجريمة يتحقق بالعلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الادعاء بالنفوذ المزعوم ، والعلم بنوع المزية التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك وبأن الاختصاص بمنحها هو لسلطة عامة وطنية ، وهو ما استظهره الحكم في حق الطاعن ، فإن كافة ما يثيره بشأن توافر أركان الجريمة يكون بعيدًا عن محجة الصواب . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن منازعة الطاعن في القوة التدليلية لأقوال المبلغ – المجني عليه – وعضو الرقابة الإدارية على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعيًا في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن طلب إلى المحكمة التصريح له بإحضار وسيلة لسماع المحادثة الهاتفية المسجلة والتي جرت بين الطاعن والمدعو .... وصرحت له المحكمة بذلك إلا أنه لم يفعل وطلب سماع أقوال ذلك الشخص وآخر كشاهدي نفي والمحكمة سمعت أقوالهما ، فإن ما ينعاه على المحكمة من إخلال بحق الدفاع في هذا الصدد يكون غير صحيح . لما كان ذلك ، وكانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ، فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن إفادة شركة الاتصالات لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان للمحكمة أن تعرض عن أقوال شاهد النفي ما دامت لا تثق بما شهد به ، فلا عليها إذ هي اطرحت أقوال شاهدي النفي ما دامت لم تطمئن إلى أقوالهما ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة وفى مبلغ اطمئنانها إليها مما لا تجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه أمام النقض . لما كان ذلك ، وكان الدفع بنفي التهمة وتلفيقها وكيدية الاتهام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب بحسب الأصل ردًا صريحًا من المحكمة بل يستفاد الرد عليها دلالة من قضاء الحكم بالإدانة استنادًا إلى أدلة الثبوت التي أوردها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أن المحكمة عرضت لما يثيره الطاعن في هذا الصدد واطرحته في منطق سائغ . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد أورد أنه ثبت من استماع النيابة العامة لتسجيل اللقاءات والمحادثات الهاتفية المأذون بها طلب وأخذ المتهم مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل الرشوة من المجني عليه مقابل استعمال نفوذه لدى المختصين بوزارة التربية والتعليم لإلغاء قرار خضوع المدرسة للإشراف المالي والإداري للوزارة ، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، هذا فضلاً عن أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبنْ قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من هذه التسجيلات وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها ، فإنه لا جناح على الحكم إن هو لم يورد مؤدى هذه التسجيلات على نحو مفصل ما دام أنه عوَّل على تلك القرينة تأييدًا وتعزيزًا للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ولم يتخذ من هذه التسجيلات دليلاً أساسيًا على ثبوت الاتهام قبل الطاعن ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكانت النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى العمومية ومباشرتها ولا يرد على حريتها من القيود في هذا الصدد إلا ما قرره المشرع لاعتبارات ارتأها ترجع إلى طبيعة الجريمة أو صفة المتهم بارتكابها ، وليس في القانون ما يجعل من مجرد قيام جهة بعينها بالتحريات والمراقبة قيدًا على تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية ومباشرتها . لما كان ذلك ، وكان ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية من أنه " ... يجوز للرقابة الإدارية أن تجري التحريات والمراقبة السرية بوسائلها الفنية المختلفة كلما رأت مقتضى لذلك ، وإذا أسفرت التحريات والمراقبة عن أمور تستوجب التحقيق أحيلت الأوراق إلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة حسب الأحوال بإذن من رئيس الرقابة الإدارية أو من نائبه ، وعلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة إفادة الرقابة الإدارية بما انتهى إليه التحقيق ، ويتعين الحصول على موافقة رئيس المجلس التنفيذي ( رئيس مجلس الوزراء ) بالنسبة إلى الموظفين الذين في درجة مدير عام فما فوقها أو الموظفين الذين تجاوز مرتباتهم الأصلية 1500 جنيه سنويًا عند إحالتهم للتحقيق ... " لا يعدو أن يكون تنظيمًا للعمل في الرقابة الإدارية ولا يعتبر قيدًا على حرية النيابة العامة في إجراء وتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها ، فالخطاب في النص موجه إلى الرقابة الإدارية أما النيابة العامة فهي تباشر التحقيق وتتصرف فيه وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية ، فطالما كانت الجريمة التي باشرت الرقابة الإدارية إجراء التحريات والمراقبة بشأنها من الجرائم التي لا يخضع رفع الدعوى الجنائية عنها أو ضد المتهم بارتكابها لأى قيد من القيود الواردة في قانون الإجراءات الجنائية ، فإن ما تتخذه النيابة العامة من إجراءات بشأنها يكون بمنأى عن أي طعن ولو كانت الرقابة الإدارية قد أحالت الأوراق إليها دون أن تلتزم بما نصت عليه المادة الثامنة – المار ذكرها – لأن من حق النيابة العامة أن تتخذ ما تراه من إجراءات ولو أبلغت إليها الجريمة من آحاد الناس ، ومما هو قاطع الدلالة في أن الإجراءات المنصوص عليها في المادة الثامنة – سالفة الذكر – هي من الإجراءات التنظيمية للعمل بالرقابة الإدارية أن هذه الإجراءات تسري على الإحالة إلى النيابة الإدارية وإلى النيابة العامة وقد جاء صدر هذه المادة صريحًا في أن اختصاص الرقابة الإدارية التحري والمراقبة لا يحول بين الجهة الإدارية وبين حقها في الرقابة وفحص الشكوى والتحقيق فيها ولا يسوغ القول بأن المادة الثامنة – المذكورة – لا تضع قيدًا على ما تجريه الجهات الإدارية من تحقيق ثم تكون هذه المادة قيدًا على ما تجريه النيابة العامة من تحقيق ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن حول بطلان التحقيقات يكون على غير سند صحيح من القانون . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما دفع به الطاعن من بطلان الإذن بالتسجيل لابتنائه على تحريات غير جدية لشواهد عددها فاطرحه مُقرًا النيابة على ما ارتأته من جديتها وصلاحيتها لإصدار هذا الإذن ، وكان تقدير جدية التحريات متروكًا لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى أقرتها عليه فلا يُجدي الطاعن نعيه في هذا الشأن إذ لا يجوز مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها فيما انتهت إليه ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه – مما لم ينازع فيه الطاعن – أن عضو الرقابة الإدارية – شاهد الإثبات الثاني – لم يقم بالقبض على الطاعن إلا بعد أن رآه رؤية العين بواسطة الأجهزة الفنية – المأذون باستخدامها سلفًا – حال أخذه مبلغ الرشوة من الشاهد الأول وشروعه في الانصراف ، مما تعتبر به الجريمة في حالة تلبس تبيح لمأمور الضبط القضائي القبض عليه وتفتيشه دون إذن من النيابة العامة في ذلك ، فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن – بفرض صحته – في صدد بطلان إذن النيابة بالقبض عليه وتفتيشه لعدم جدية التحريات ، وهو ما يضحى معه الدفع المبدى في هذا الشأن دفعًا قانونيًا ظاهر البطلان لا يعيب الحكم – من بعد – التفاته عن الرد عليه ، ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الإذن بالتسجيل والمراقبة قد صدر بعد أن طلب المتهم من الشاهد الأول مبلغ الرشوة نظير تدخله لإلغاء وضع المدرسة المملوكة له تحت الإشراف المالي والإداري لوزارة التربية والتعليم ، فإن مفهوم ذلك أن الإذن قد صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة ، وإذ انتهى الحكم إلى ذلك في معرض رده على دفع الطاعن في هذا الصدد ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد أثبت أن الإذن بالتسجيل والمراقبة قد صدر لضبط الجريمة بعد التأكد من وقوعها ، فإنه لا ينال من سلامة الحكم التفاته عن الرد على ما دفع به الطاعن من بطلان ذلك الإذن لصدوره بغرض التحري وجمع المعلومات عن الجريمة لأنه دفع قانوني ظاهر البطلان . لما كان ذلك ، وكان الدفع بصدور الإذن بعد التسجيل إنما هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى حصول التسجيل بناءً على الإذن أخذًا منها بالأدلة السائغة التي أوردتها ، ومع ذلك فقد عرض الحكم لهذا الدفع ورد عليه ردًا سائغًا ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وإن كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تُقبل منه الشهادة عليه إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى سديدًا إلى صحة ما قام به عضو الرقابة الإدارية من إجراءات ، فإنه لا تثريب عليه إن هو عوَّل في الإدانة على أقواله ، ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن طريقة تنفيذ الإذن الصادر من النيابة العامة موكولة إلى عضو الرقابة الإدارية المأذون له بإجراءات تسجيل المحادثات الشفوية والسلكية واللاسلكية والتصوير يجريها تحت رقابة محكمة الموضوع فله أن يستعين في تنفيذ ذلك بالفنيين ورجال الضبط القضائي وغيرهم بحيث يكونون تحت إشرافه – وهو الحال في الدعوى المطروحة – على فرض صحة استعانة المأذون له بالغير تنفيذًا للإذن ، ومن ثم فإن ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان تقدير الدليل موكولاً إلى محكمة الموضوع ، ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك ، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه ، فإن كافة ما يثيره الطاعن في شأن الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية والتصويرية الخاصة به يتمخض جدلاً موضوعيًا في وقائع الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أن الحكم عرض للدفاع الذي أثاره الطاعن في هذا الصدد وردَّ عليه في منطق سائغ وتدليل مقبول . لما كان ذلك ، وكان ما ورد بالتسجيلات الصوتية والمرئية قد جرى تفريغها في محاضر عرضت على بساط البحث في الجلسة في حضور الطاعن والمدافع عنه ولم يطلب أي منهما الاستماع إلى تلك التسجيلات ، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزومًا لإجرائه ، ويكون ما يثيره الطاعن بشأن عدم استماع المحكمة للتسجيلات غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجَّه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد ردَّ على دفاع الطاعن ببطلان أعمال الخبير لاعتماده على حاسة السمع دون الأجهزة الحديثة وعدم تأهيله علميًا لذلك العمل واطرحه برد سائغ ، فإن كل ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في تقدير الدليل المستمد من تقرير الخبير مما لا يقبل التصدي له أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما استخلصته من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من التسجيلات التي تمَّت للمحادثات واللقاءات الحاصلة بين المتهم والمجني عليه ومما ثبت من تقرير خبير الأصوات وما ورد بكتاب وزارة التربية والتعليم ، ومن ثم فإنها لم تبن حكمها على رأي لسواها ، مما يكون معه ما ينعاه الطاعن من أنها بنت عقيدتها على رأى سلطة التحقيق وتقرير الخبير لا محل له . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أيًا من الطاعن أو المدافع عنه لم يُثر شيئًا بشأن بطلان قرار الإحالة وانتفاء صفة من أصدره ، وكان هذا القرار إجراءً سابقًا على المحاكمة ، فإنه لا يقبل منه إثارة أمر بطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض . هذا إلى أن الحكم المطعون فيه لم يورد في مدوناته ما يشير إلى استناده لتعليمات النيابة العامة في هذا الشأن – خلافًا لما يزعمه الطاعن بطعنه – فإن منعاه في هذا الخصوص يكون واردًا على غير محل . لما كان ذلك ، وكان الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بدليل معين – إلا إذا نص على ذلك بالنسبة لجريمة معينة - وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ما دام أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح بالأوراق ، وكان ما يثيره الطاعن في شأن خلو الأوراق من شاهد رؤية – على فرض صحته – لا يعدو كونه جدلاً موضوعيًا حول سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا شأن لمحكمة النقض به ولا يثار أمامها . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه ودلَّل به على مقارفة الطاعن لجريمة الاتجار بالنفوذ التي دانه بها كافٍ وسائغ ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رُتب عليه من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عوَّل عليها الحكم في إدانته بقالة أنها واهية ولا تصلح لإدانته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا حول العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها مما لا تُقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحًا محددًا ، وكان الطاعن لم يبين ماهية أوجه الدفاع والدفوع وأدلة البراءة التي أبداها في مذكرته وأغفلتها المحكمة وذلك لمراقبة ما إذا كان الحكم قد تناولها بالرد من عدمه وما إذا كان الدفاع جوهريًا مما يجب على المحكمة أن تجيبه أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يستلزم في الأصل ردًا ، بل يعتبر الرد عليه مستفادًا من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب سائر طلبات التحقيق التي أشار إليها في أسباب طعنه ، فليس له من بعد أـن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها . لما كان ذلك ، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين وصف الجريمة المسندة إلى الطاعن أشار إلى نص القانون الذي أخذه به بقوله : " ... وعملاً بالمادة 314/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية يتعين معاقبته بموجب أحكام المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ..." فإن ما أورده الحكم يكفي في بيان مادة القانون الذي حكم بمقتضاه بما يحقق حكم القانون ، ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد على غير أساس . لما كان ذلك ، وأنه ولئن كان الحكم قد أخطأ فيما قضى به من تغريم الطاعن ألف جنيه إذ إن الحد الأدنى لعقوبة الغرامة عن الجريمة التي دين الطاعن بها المؤثمة بالمواد 103 ، 104 ، 106 مكررًا من قانون العقوبات هي ألفا جنيه ، إلا أنه لما كان الطعن مرفوعًا من الطاعن وحده – دون النيابة العامة – فإن محكمة النقض لا تستطيع إصلاح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يُضار الطاعن بطعنه . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ