الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 20 سبتمبر 2024

الطعن 17732 لسنة 89 ق جلسة 13 / 1 / 2022 مكتب فني 73 ق 5 ص 68

جلسة 13 من يناير سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / محمد عيد محجوب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد العكازي ، عبد الله فتحي ، علاء البغدادي وخالد مصطفى نواب رئيس المحكمة .
-----------------
(5)
الطعن رقم 17732 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(2) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله . ماهيته ؟
مثال .
(3) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش . موضوعي . حد ذلك ؟
الخطأ في بيان محل إقامة المتهم وعدم بيان نوع المخدر المضبوط . غير قادح في جدية التحريات . علة ذلك ؟
بقاء شخصية المرشد غير معروفة . لا يعيب الإجراءات .
(4) إثبات " أوراق رسمية " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . حد ذلك ؟
(5) تفتيش " إذن التفتيش . تنفيذه " . مأمورو الضبط القضائي " سلطاتهم " .
طريقة تنفيذ إذن التفتيش . موكولة إلى مأمور الضبط المأذون له . عدم تفتيشه مسكن المتهم بعد ضبط المواد المخدرة معه . صحيح .
(6) دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش " . نقض " المصلحة في الطعن " .
لا مصلحة للطاعن في النعي بشأن قيام حالة التلبس . متى كان لرجل الضبط القضائي إجراء القبض عليه وتفتيشه بناءً على الإذن الصادر من النيابة .
(7) دفوع " الدفع ببطلان إذن التفتيش " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إثارة الدفع ببطلان إذن التفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة . علة ذلك ؟
(8) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . إثبات " شهود " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بشهادة الشاهد . مفاده ؟
إمساك الضابط عن ذكر أسماء القوة المرافقة له . لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى .
(9) إثبات " خبرة " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
نعي الطاعن بانقطاع الصلة بين ما تم ضبطه وما تم تحليله من المادة المخدرة . جدل موضوعي في تقدير الدليل . غير مقبول .
(10) مواد مخدرة . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
تدليل الحكم على ثبوت إحراز الطاعن للمخدر المضبوط وانتهاؤه إلى أنه بغير قصد . النعي عليه عدم بيان وزن المخدر . غير مقبول .
عدم بيان القانون حداً أدنى لكمية المخدر المحرزة . وجوب العقاب مهما كان مقداره ضئيلاً . متى كان له كيان محسوس أمكن تقديره .
(11) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها . غير مقبول .
مثال .
(12) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بنفي التهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
(13) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ".
للقاضي استخدام مهاراته وملكاته اللغوية والاستعانة بأدبيات اللغة ومحسناتها . ما دام لا أثر له على البناء القانوني للحكم . مطالبته بصياغة أسبابه في قوالب ثابتة من اللغة . غير مقبولة .
مثال لاطراح سائغ من الحكم للدفع بالإنكار بما لا يعد إساءة للدفاع .
(14) مواد مخدرة . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " .
لا تناقض في أن ترى المحكمة في تحريات وأقوال الضابط ما يكفي لإسناد واقعة حيازة وإحراز المخدر للطاعن ولا ترى فيها ما يقنعها بأن الإحراز كان بقصد الاتجار .
(15) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .
مثال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبهُ الحكم عليه ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً ، يُفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – فإن ذلك يكون مُحققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له .
2- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان البيّن من الحكم أنه اعتنق صورة واحدة للواقعة ، فإن دعوى التناقض التي يُثيرهُا الطاعن لا تُصادف محلاً من الحكم المطعون فيه .
3- من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع التي متى اقتنعت - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - بجدية الاستدلالات التي بُني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إجرائه ، فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، ولا يقدح في جدية التحريات - بفرض حصوله - مجرد الخطأ في بيان محل إقامة المتهم أو عدم بيان نوع المادة المخدرة بمحضر الضبط ، لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها أو استبعاد المحكمة قصد الاتجار خلافاً لما ورد بها ، وكان لا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وأن لا يفصح عنها رجل الضبط القضائي الذي اختاره لمعاونته في مهنته ، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل ، أما ما قاله الحكم استدلالاً على جدية التحريات من أن التفتيش أسفر عن العثور على مادة ( الهيروين ) المخدرة مع المتهم فهو تزيُد لا يؤثر فيما أثبته الحكم من أن الأمر بالتفتيش قد بُني على تحريات جدية سبقت صدوره .
4- من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
5- من المقرر أنه متى كان التفتيش الذي قام به مأمور الضبط القضائي مأذوناً به قانوناً ، فطريقة إجرائه متروكة لرأي القائم به ، ومن ثم فلا تثريب على الضابط إن هو رأى بعد تفتيشه المأذون له بتفتيشه وضبط المواد المخدر معه في مكان الضبط عدم تفتيشه مسكن المأذون بتفتيشه ، ومن ثم يضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد .
6- لما كان لا مصلحة للطاعن في الجدل بشأن قيام حالة التلبس التي تُجيز القبض عليه وتفتيشه من عدمه طالما كان من حق رجال الضبطية القضائية إجراء هذا القبض والتفتيش بناءً على الإذن الصادر من النيابة العامة – بما لا ينازع فيه الطاعن – ومن ثم ، فإن ما يُثيرهُ في هذا الصدد يكون غير سديد .
7- لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن الطاعن لم يدفع ببطلان إذن النيابة العامة بالتفتيش لصدوره عن جريمة لم تقع بعد ، وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته ، لأنه يقتضي تحقيقاً موضوعياً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض ، فإن ما يُثيرهُ الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول .
8- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مُستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يُفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأن إمساك الضابط عن ذكر أسماء أفراد القوة المرافقة له عند الضبط لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط وصحة تصويره للواقعة ، فإن ما يُثيرهُ الطاعن من منازعة في صورة الواقعة لا يكون له محل .
9- لما كان ما يُثيرهُ الطاعن من انقطاع الصلة بين المخدر المضبوط وما جرى عليه التحليل إن هو إلا جدل في تقدير الدليل المستمد من أقوال شاهد الواقعة ومن عملية التحليل التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع ، فلا يجوز مجادلتها أو مصادرتها في عقيدتها في تقدير الدليل وهو من إطلاقاتها.
10- لما كان الحكم قد دلل على ثبوت إحراز الطاعن للمخدر المضبوط معه بركنيه المادي والمعنوي واستظهر أن الإحراز كان مُجرداً من القصود المسماة في القانون وهو ما لا يلزم فيه بيان وزن المخدر ويكون نعيه على الحكم في هذا الصدد لا محل له ، هذا فضلاً عن أن القانون لم يُعين حداً أدنى للكمية المُحرزة من المادة المخدرة إذ العقاب واجب حتماً مهما كان القدر ضئيلاً ، متى كان له كيان محسوس أمكن تقديره ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
11- لما كان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن الطاعن لم يطلب سائر طلبات التحقيق التي أشار إليها في أسباب طعنه ، فليس له - من بعد - أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها .
12- لما كان النعي بالتفات المحكمة عن دفاع الطاعن بعدم صلته بالمخدر المضبوط وإنكاره الاتهام ، مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم – كما هو الحال في الدعوى الراهنة ، ومن ثم فإن ما يُثيرهُ الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد .
13- من المقرر أنه ليس سائغاً مطالبة القاضي بصياغة أسبابه في قوالب ثابتة من اللغة بحيث لا يخرج عنها ، ولكن يجوز للقاضي استخدام مهاراته وملكاته اللغوية والاستعانة بأدبيات اللغة ومحسناتها من اقتباس وسجع وجناس وطباق وتشبيه – وما إلى ذلك – ما دام كل ذلك لا أثر له على البناء القانوني للحكم وفق ما استقر عليه ، ولما كان ما أوردهُ الحكم في مقام الرد على الدفع بإنكار الاتهام لا يعد في ذاته إساءة للدفاع ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير مقبول .
14- من المقرر أنه ليس ما يمنع محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية من أن ترى في تحريات وأقوال الضابط ما يكفي لإسناد واقعة حيازة وإحراز الجوهر المخدر لدى الطاعن ولا ترى فيها ما يقنعها بأن هذا الإحراز كان بقصد الاتجار دون أن يعد ذلك تناقضاً في حكمها ، ومن ثم فإن ما يُثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله .
15- من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً مُحدداً ، وكان الطاعن لم يكشف في أسباب طعنه عن وجه الخلاف بين ما أوردهُ الحكم وما ورد بأوراق الدعوى ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابـة العامة الطاعن بأنه :
- أحرز بقصد الاتجار جوهراً مُخدراً ( الهيروين ) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمحاكمته طبقاً للقيد والوصـف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1 ، ۲ ، ۳۸/ 2 ، 42 /1 من القانون رقم ١٨٢ لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمي 61 لسنة ١٩٧٧ ، ۱۲۲ لسـنة ١٩٨٩ والبند رقم ( ٢ ) من القسـم الأول من الجدول رقم ( 1 ) الملحق بالقانون الأول المستبدل بقرار وزير الصحة والسكان رقم 46 لسنة ١٩٩٧ ، وبعد إعمال المادة 17 من قانون العقوبات ، بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة ست سنوات وتغريمه مائة ألف جنيه عما أُسند إليه ، ومصادرة المخدر المضبوط ، باعتبار أن إحرازه للمخدر المضبوط مجرد من القصود المسماة قانوناً .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر ( الهيروين ) المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه حرر في عبارات لا يبين منها الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومضمون ومؤدى الأدلة التي استند إليها في الإدانة بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دانه بها ، واعتنق صورتين متناقضتين لواقعة الدعوى ، ودفع الطاعن ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية لدلالات عدّدها ، واستبعاد المحكمة قصد الاتجار ، غير أن الحكم اطرح هذا الدفع بما لا يسوغه واتخذ من ضبط المخدر سنداً لتسويغ التحريات السابقة على صدور الإذن والتفت عن تلك المُستندات ودون أن يعن بتحقيق ذلك الدفع ، ولم يستكمل الضابط تفتيشه مسكن الطاعن رغم صدور إذن النيابة بتفتيشه ، كما دفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس وبطلان إذن النيابة العامة بالتفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة ، وعدم معقولية تصوير الضابط لواقعة الدعوى وانفراده بالشهادة وحجبه باقي أفراد القوة المرافقة له عنها ، واختلاف الحرز المرسل إلى النيابة العامة عن الحرز المرسل للمعمل الكيماوي وعدم وزن المخدر صافياً ، بيد أن المحكمة ردت على بعض هذه الدفوع بما لا يصلُح رداً والتفتت عن الرد على البعض الآخر دون تحقيق تلك الدفوع ، كما أنه دفع بانتفاء صلته بالمخدر المضبوط وإنكاره الاتهام ، بيد أن المحكمة أطرحته بما لا يسوغ وأوردت في مقام الرد على دفعه الأخير عبارات تستوجب المحو كونها تحمل الإساءة إلى الدفاع ، وعول الحكم في الإدانة على تحريات الشرطة وأقوال الضابط شاهد الإثبات ، بينما لم يعتد بها عند التحدث عن قصد الاتجار ونفى توافره في حق الطاعن ، وأخيراً فإن المحكمة خالفت الثابت بالأوراق ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبهُ الحكم عليه ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً ، يُفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – فإن ذلك يكون مُحققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون ولا محل له . لما كان ذلك ، وكان التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان البيّن من الحكم أنه اعتنق صورة واحدة للواقعة ، فإن دعوى التناقض التي يُثيرهُا الطاعن لا تُصادف محلاً من الحكم المطعون فيه . لما كان ذلك ، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع التي متى اقتنعت - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - بجدية الاستدلالات التي بُني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إجرائه ، فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، ولا يقدح في جدية التحريات - بفرض حصوله - مجرد الخطأ في بيان محل إقامة المتهم أو عدم بيان نوع المادة المخدرة بمحضر الضبط ، لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها أو استبعاد المحكمة قصد الاتجار خلافاً لما ورد بها ، وكان لا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وأن لا يفصح عنها رجل الضبط القضائي الذي اختاره لمعاونته في مهنته ، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل ، أما ما قاله الحكم استدلالاً على جدية التحريات من أن التفتيش أسفر عن العثور على مادة ( الهيروين ) المخدرة مع المتهم فهو تزيُد لا يؤثر فيما أثبته الحكم من أن الأمر بالتفتيش قد بُني على تحريات جدية سبقت صدوره . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه متى كان التفتيش الذي قام به مأمور الضبط القضائي مأذوناً به قانوناً ، فطريقة إجرائه متروكة لرأي القائم به ، ومن ثم فلا تثريب على الضابط إن هو رأى بعد تفتيشه المأذون له بتفتيشه وضبط المواد المخدر معه في مكان الضبط عدم تفتيشه مسكن المأذون بتفتيشه ، ومن ثم يضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان لا مصلحة للطاعن في الجدل بشأن قيام حالة التلبس التي تُجيز القبض عليه وتفتيشه من عدمه طالما كان من حق رجال الضبطية القضائية إجراء هذا القبض والتفتيش بناءً على الإذن الصادر من النيابة العامة – بما لا ينازع فيه الطاعن – ، ومن ثم فإن ما يُثيرهُ في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن الطاعن لم يدفع ببطلان إذن النيابة العامة بالتفتيش لصدوره عن جريمة لم تقع بعد ، وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته ، لأنه يقتضي تحقيقاً موضوعياً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض ، فإن ما يُثيرهُ الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مُستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يُفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأن إمساك الضابط عن ذكر أسماء أفراد القوة المرافقة له عند الضبط لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط وصحة تصويره للواقعة ، فإن ما يُثيرهُ الطاعن من منازعة في صورة الواقعة لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان ما يُثيرهُ الطاعن من انقطاع الصلة بين المخدر المضبوط وما جرى عليه التحليل إن هو إلا جدل في تقدير الدليل المستمد من أقوال شاهد الواقعة ومن عملية التحليل التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع ، فلا يجوز مجادلتها أو مصادرتها في عقيدتها في تقدير الدليل وهو من إطلاقاتها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد دلل على ثبوته إحراز الطاعن للمخدر المضبوط معه بركنيه المادي والمعنوي واستظهر أن الإحراز كان مُجرداً من القصود المسماة في القانون وهو ما لا يلزم فيه بيان وزن المخدر ويكون نعيه على الحكم في هذا الصدد لا محل له ، هذا فضلاً عن أن القانون لم يُعين حداً أدنى للكمية المُحرزة من المادة المخدرة إذ العقاب واجب حتماً مهما كان القدر ضئيلاً ، متى كان له كيان محسوس أمكن تقديره ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن الطاعن لم يطلب سائر طلبات التحقيق التي أشار إليها في أسباب طعنه ، فليس له - من بعد - أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها . لما كان ذلك ، وكان النعي بالتفات المحكمة عن دفاع الطاعن بعدم صلته بالمخدر المضبوط وإنكاره الاتهام ، مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – ، ومن ثم فإن ما يُثيرهُ الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ليس سائغاً مطالبة القاضي بصياغة أسبابه في قوالب ثابتة من اللغة بحيث لا يخرج عنها ، ولكن يجوز للقاضي استخدام مهاراته وملكاته اللغوية والاستعانة بأدبيات اللغة ومحسناتها من اقتباس وسجع وجناس وطباق وتشبيه – وما إلى ذلك – ما دام كل ذلك لا أثر له على البناء القانوني للحكم وفق ما استقر عليه ، ولما كان ما أوردهُ الحكم في مقام الرد على الدفع بإنكار الاتهام لا يعد في ذاته إساءة للدفاع ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس ما يمنع محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية من أن ترى في تحريات وأقوال الضابط ما يكفي لإسناد واقعة حيازة وإحراز الجوهر المخدر لدى الطاعن ولا ترى فيها ما يقنعها بأن هذا الإحراز كان بقصد الاتجار دون أن يعد ذلك تناقضاً في حكمها ، ومن ثم فإن ما يُثيرهُ الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً مُحدداً ، وكان الطاعن لم يكشف في أسباب طعنه عن وجه الخلاف بين ما أوردهُ الحكم وما ورد بأوراق الدعوى ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس مُتعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق