الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 سبتمبر 2024

الطعن 1812 لسنة 90 ق جلسة 1 / 12 / 2022 مكتب فني 73 ق 89 ص 825

جلسة الأول من ديسمبر سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / نبيل الكشكي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / علاء سمهان ، أشرف المصري ، جمال عبد المنعم ومحمد أباظة نواب رئيس المحكمة .
-----------------
(89)
الطعن رقم 1812 لسنة 90 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وإيراده على ثبوتهما أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . متى كان مجموع ما أورده كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(2) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " .
إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم . غير لازم . كفاية إيراد مضمونها . النعي بإسقاط المحكمة بعض أقواله . غير مقبول . علة ذلك ؟
(3) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
إحالة الحكم في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر . لا يعيبه . ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها . لا يؤثر فيه اختلافهم في بعض التفصيلات التي لم يوردها . علة ذلك ؟
(4) تسهيل استيلاء على أموال أميرية . إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
جريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام لا يشترط لإثباتها طريقاً خاصاً . كفاية اقتناع المحكمة بوقوعها من أي دليل أو قرينة مهما كانت قيمة المال . النعي في هذا الشأن . غير مقبول .
(5) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
للمحكمة التعويل على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . حد ذلك ؟
اطمئنان المحكمة إلى صحة التحريات وجديتها . كفايته لاطراح الدفع بعدم جديتها .
(6) إثبات " خبرة " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إيراد الحكم من تقرير لجنة الفحص ما يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ٣١٠ إجراءات جنائية . لا قصور .
عدم إيراد نص تقرير لجنة الفحص بكامل أجزائه . لا ينال من سلامة الحكم .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة . لا يصح سبباً للطعن على الحكم . علة ذلك ؟
(8) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
نعي الطاعن على المحكمة عدم عرضها الأوراق المزورة والاطلاع عليها . غير مقبول . علة ذلك ؟
(9) عقوبة " تطبيقها " " وقف تنفيذها " . عزل . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " " عدم مضارة الطاعن بطعنه " . محكمة النقض " سلطتها " .
عقوبة العزل ليست عقوبة جنائية بالمعنى الحقيقي . قضاء الحكم بها مدة مساوية لمدة الحبس وإيقاف تنفيذها . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . علة وأساس ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بَيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تُؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة . لمَّا كان ذلك ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة – كما هو الحال في الدعوى الماثلة – كان ذلك مُحققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يضحى غير سديد .
2- من المقرر أنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم ، بل يكفي أن يورد مضمونها ، ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما عداه ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل .
3- من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ولا يُؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم ، ذلك أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها ، وإذ كان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشهود متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم منها في الواقعة المشهود عليها ، ولا يُؤثر في سلامة الحكم اختلاف أقوالهم في بعض التفصيلات ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل .
4- من المقرر أن القانون لا يشترط لإثبات جريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام المنصوص عليها في الباب الرابع من قانون العقوبات طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة ، بل يكفي كما هو الحال في سائر الجرائم بحسب الأصل أن تقتنع المحكمة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – بوقوع الفعل المكون لها من أي دليل أو قرينة تقدم إليها مهما كان قيمة المال موضوع الجريمة ، وكان ما أورده الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت تسهيل الطاعن للمتهم الثالث الاستيلاء على المال العام ، فإن منعى الطاعن بعدم توافر تلك الجريمة بركنيها لا يكون سديداً .
5- لمَّا كان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى صحة الإجراءات التي قام بها مجريها وجديتها وهو ما يُعد كافياً للرد على ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون قويماً .
6- لمَّا كان ما أورده الحكم من تقرير لجنة الفحص يحقق مُراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ، هذا إلى أنه لا يُؤثر في سلامة الحكم بالإدانة عدم إيراد نص تقرير اللجنة المشار إليها بكامل أجزائه ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
7- لمَّا كان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن الطاعن اقتصر على القول بقصور تحقيقات النيابة العامة في عبارة عامة مرسلة لا تشتمل على بيان مقصده منها ودون أن يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الشأن ، هذا فضلاً عن أن ما أثاره الدفاع فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم ، إذ إنه من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحكم ، والأصل أن العبرة في المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها وما دام لم يطلب الدفاع استكمال ما يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه .
8- لمَّا كان لا يبين أن الطاعن قد طلب من المحكمة أن تطلعه على الأوراق المزورة فليس له أن ينعى عليها عدم عرضها عليه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد ، هذا فضلاً عن أن الطاعن لا يدعي أن الأوراق المزورة كانت في حرز مغلق لم يُفض لدى نظر الدعوى أمام المحكمة ، فلا يُقبل منه الادعاء بعدم اطلاع المحكمة عليها أو أنها لم تكن معروضة على بساط البحث والمناقشة لأن الأصل في الإجراءات أنها روعيت .
9- لمَّا كان الحكم قد أعمل المادة 17 من قانون العقوبات وقضى بمعاقبة الطاعن بالحبس لمدة سنة واحدة وبعزله من وظيفته لمدة مساوية مخالفاً بذلك المادة 27 من قانون العقوبات التي تُوجب في حالة الحكم بالحبس ألا تقل مدة العزل عن ضعف مدة الحبس ، فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، إلا أنه لما كان الطاعن هو الذي طعن في الحكم وحده دون النيابة العامة ، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ حتى لا يُضار الطاعن بطعنه . لمَّا كان ذلك ، وكانت عقوبة العزل لا تعتبر عقوبة جنائية بالمعنى الحقيقي المقصود بنص المادة 55 من قانون العقوبات التي عنت بوقف تنفيذ العقوبات الجنائية دون الجزاءات الأخرى التي لا تعتبر عقوبة بحتة حتى لو كان فيها معنى العقوبات وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بصفته موظفاً عاماً بجريمتي تسهيل الاستيلاء على المال العام المرتبطة بجريمتي التزوير في محرر رسمي واستعماله والإضرار العمدي بالمال العام وعاقبه بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة والغرامة والعزل وأمر بوقف تنفيذ عقوبتي الحبس والعزل المقضي بهما ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يُوجب تصحيحه بإلغاء ما قضى به من وقف التنفيذ لعقوبة العزل من الوظيفة ، إلا أنه لما كان الطاعن هو الذي طعن في الحكم وحده دون النيابة العامة ، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ حتى لا يُضار الطاعن بطعنه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من : 1- .... 2- .... ( الطاعن ) 3- .... بأنهم :
- المتهم الأول : أولاً : بصفته موظفاً عاماً ومن الأمناء على الودائع ( أمين مخزن المستهلك بمستشفى .... ) اختلس المستلزمات الطبية المبينة وصفاً بالأوراق والبالغ قيمتها 82 ، ۲۳۲۹۸۳ جنيه ( مائتان واثنان وثلاثون ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانون جنيهاً واثنين وثمانون قرشاً ) والمملوكة لجهة عمله سالفة الذكر والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته وصفته آنفتي البيان بأن تصرف فيها لحسابه الشخصي وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
ثانياً : بصفته آنفة البيان أضر عمداً بأموال وبمصالح جهة عمله .... بأن ارتكب الجريمة موضوع الوصف السابق مما ألحق بأموالها ومصالحها ضرراً جسيماً تمثل في جملة المبالغ المالية المختلسة وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
المتهمان الأول والثاني : أولاً : بصفتهما موظفين عموميين (الأول أمين مخزن المستهلك بمستشفى ....) ، (الثاني مدير الشئون المالية بصحة .... ) سهلا للمتهم الثالث الاستيلاء بغير حق وبنية التملك على أموال هي مبلغ قدره ٥۰۷۱ خمسة آلاف وواحد وسبعون جنيهاً والمملوكة لجهة عملهما سالفة البيان وذلك على النحو المبين بالتحقيقات ، وقد ارتبطت تلك الجريمة بجريمتي تزوير في محررات رسمية واستعمالها ارتباطاً لا يقبل التجزئة ذلك أنه في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر : وبصفتهما آنفة البيان ارتكبا تزويراً في محررين رسميين لجهة عملهما هما ( مستند الصرف رقم .... - إذن إضافة رقم .... ) وكان ذلك بطريق الاصطناع وبجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن اصطنعاهما على غرار الصحيح منها وأثبتا بالأول استحقاق المتهم الثالث للمبلغ سالف البيان ، وأثبتا بالثاني إضافة قطع الغيار للعهدة وذلك على خلاف الحقيقة واستعملا المحررين المزورين فيما زورا من أجله بأن قدماهما للمتهم الثالث للاحتجاج بهما لدى جهة عملهما في صرف المبالغ سالفة الذكر مع علمهما بتزويرها .
ثانياً : بصفتهما آنفة البيان أضرا عمداً بأموال ومصالح جهة عملهما بأن ارتكبا الجريمة موضوع الوصف السابق مما ألحق بأموالها ومصالحها ضرراً جسيماً تمثل في جملة المبلغ المستولى عليه وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
المتهم الثالث : أولاً : اشترك بطريق الاتفاق مع المتهمين الأول والثاني على ارتكاب الجرائم موضوع الوصفين السابقين بأن اتفق معهما على ارتكابها فتمت الجريمة بناءً على ذلك الاتفاق مما ألحق ضرراً جسيما بأموال ومصالح جهة عملهما تمثل في جملة المبالغ المستولى عليها على النحو المبين بالتحقيقات .
ثانياً : استعمل المحررين المزورين موضوع الاتهام السابق فيما زورا من أجله مع علمه بتزويرهما بأن احتج بهما لدى جهة عمل المتهمين الأول والثاني لإعمال أثرهما في صرف المبلغ سالف البيان وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت عملاً بالمواد 30 ، 40/ ثانياً ، 41/1 ، 113 /1-2 ، 116 مكرر/1 ، 118 ، 119/أ ، 119 مكرر/أ ، 211 ، 213 ، 214 من قانون العقوبات ، مع إعمال المادتين 17 ، 32 من ذات القانون ، وتطبيق المادتين 55/1 ، 56/1 منه بشأن المتهم الثاني ، أولاً : بانقضاء الدعوى الجنائية بالوفاة بالنسبة للمتهم .... ، ثانياً : حضورياً للثاني .... وغيابياً للثالث .... بمعاقبتهما بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة وتغريم أولهما مبلغ خمسة آلاف وواحد وسبعون جنيهاً وعزله من وظيفته مدة مساوية لمدة العقوبة عما أُسند إليه ومصادرة المحررات المزورة وأمرت بإيقاف عقوبتي الحبس والعزل للمتهم الثاني – الطاعن - .... مدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم .
فطعـن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
من حيث إنَّ الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بصفته موظفاً عاماً بجريمتي تسهيل الاستيلاء على المال العام المرتبطة بجريمتي التزوير في محرر رسمي واستعماله فيما زور من أجله والإضرار العمدي بالمال العام قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأن أسبابه صيغت في عبارات عامة مجهلة لا يبين منها أدلة الإدانة ومُؤداها سيِمَّا أقوال شاهد الإثبات الأول في أمور عددها وأحال إلى أقواله في بيان أقوال الشهود من الثاني إلى الخامس رغم اختلاف أقوالهم في مواضع ذكرها بأسباب طعنه ، واطرح برد غير سائغ دفعيه بعدم توافر أركان جريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام ، وعدم جدية التحريات لشواهد عددها ، وعول على تقرير لجنة الفحص دون أن يورد مضمونه مكتفياً بإيراد نتيجته ، وعلى تحقيقات النيابة العامة فيما أوردته من أقوال شاهد الإثبات الأول رغم قصور تلك التحقيقات والتفتت عن دفعه في هذا الشأن ، ولم تقم المحكمة بفض حرز الأوراق المدعى تزويرها واطلاعه ومحاميه عليها ، كل ذلك ما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بَيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تُؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة . لمَّا كان ذلك ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة – كما هو الحال في الدعوى الماثلة – كان ذلك مُحققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يضحى غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم ، بل يكفي أن يورد مضمونها ، ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما عداه ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ولا يُؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم ، ذلك أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها ، وإذ كان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشهود متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم منها في الواقعة المشهود عليها ، ولا يُؤثر في سلامة الحكم اختلاف أقوالهم في بعض التفصيلات ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لا يشترط لإثبات جريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام المنصوص عليها في الباب الرابع من قانون العقوبات طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة ، بل يكفي كما هو الحال في سائر الجرائم بحسب الأصل أن تقتنع المحكمة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – بوقوع الفعل المكون لها من أي دليل أو قرينة تقدم إليها مهما كان قيمة المال موضوع الجريمة ، وكان ما أورده الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت تسهيل الطاعن للمتهم الثالث الاستيلاء على المال العام ، فإن منعى الطاعن بعدم توافر تلك الجريمة بركنيها لا يكون سديداً . لمَّا كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى صحة الإجراءات التي قام بها مجريها وجديتها وهو ما يُعد كافياً للرد على ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون قويماً . لمَّا كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم من تقرير لجنة الفحص يحقق مُراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ، هذا إلى أنه لا يُؤثر في سلامة الحكم بالإدانة عدم إيراد نص تقرير اللجنة المشار إليها بكامل أجزائه ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لمَّا كان ذلك ، وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن الطاعن اقتصر على القول بقصور تحقيقات النيابة العامة في عبارة عامة مرسلة لا تشتمل على بيان مقصده منها ودون أن يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الشأن ، هذا فضلاً عن أن ما أثاره الدفاع فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم ، إذ إنه من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحكم ، والأصل أن العبرة في المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها وما دام لم يطلب الدفاع استكمال ما يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه . لمَّا كان ذلك ، وكان لا يبين أن الطاعن قد طلب من المحكمة أن تطلعه على الأوراق المزورة فليس له أن ينعى عليها عدم عرضها عليه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد ، هذا فضلاً عن أن الطاعن لا يدعي أن الأوراق المزورة كانت في حرز مغلق لم يُفض لدى نظر الدعوى أمام المحكمة ، فلا يُقبل منه الادعاء بعدم اطلاع المحكمة عليها أو أنها لم تكن معروضة على بساط البحث والمناقشة لأن الأصل في الإجراءات أنها روعيت . لمَّا كان ذلك ، وكان الحكم قد أعمل المادة 17 من قانون العقوبات وقضى بمعاقبة الطاعن بالحبس لمدة سنة واحدة وبعزله من وظيفته لمدة مساوية مخالفاً بذلك المادة 27 من قانون العقوبات التي تُوجب في حالة الحكم بالحبس ألا تقل مدة العزل عن ضعف مدة الحبس ، فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، إلا أنه لما كان الطاعن هو الذي طعن في الحكم وحده دون النيابة العامة ، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ حتى لا يُضار الطاعن بطعنه . لمَّا كان ذلك ، وكانت عقوبة العزل لا تعتبر عقوبة جنائية بالمعنى الحقيقي المقصود بنص المادة 55 من قانون العقوبات التي عنت بوقف تنفيذ العقوبات الجنائية دون الجزاءات الأخرى التي لا تعتبر عقوبة بحتة حتى لو كان فيها معنى العقوبات وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بصفته موظفاً عاماً بجريمتي تسهيل الاستيلاء على المال العام المرتبطة بجريمتي التزوير في محرر رسمي واستعماله والإضرار العمدي بالمال العام وعاقبه بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة والغرامة والعزل وأمر بوقف تنفيذ عقوبتي الحبس والعزل المقضي بهما ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يُوجب تصحيحه بإلغاء ما قضى به من وقف التنفيذ لعقوبة العزل من الوظيفة ، إلا أنه لما كان الطاعن هو الذي طعن في الحكم وحده دون النيابة العامة ، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ حتى لا يُضار الطاعن بطعنه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق