الطعن 234 لسنة 36 ق
" دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 / 12 /2016
منشور في الجريدة الرسمية العدد 50 تابع في 15 / 12 / 2016 ص 36
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من ديسمبر سنة 2016م،
الموافق الرابع من ربيع الأول سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم حشيش والدكتور حمدان حسن
فهمي ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد
العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 234 لسنة 36
قضائية "دستورية".
-----------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق
– في أن النيابة العامة اتهمت المدعية، وآخرين، في الجنحة رقم 5077 لسنة 2014، جنح
قسم قنا، بأنهم، في يوم 28/12/2013، بدائرة قسم قنا:
(أ) اشتركوا، وآخرين "مجهولين"، في مظاهرة دون إخطار الجهات
المختصة، ترتب عليها الإخلال بالأمن العام، وتعطيل مصالح المواطنين، وتعطيل حركة
المرور، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
(ب) المتهمون الأربعة الأوائل قاموا بتحريض باقي المتهمين على ارتكاب
الجرائم موضوع الاتهام الأول، والتي وصفت على هذا النحو المبين بالتحقيقات.
(ج) روجوا بالقول والكتابة لأغراض جماعة أسست على خلاف أحكام القانون
الغرض منها قلب نظام الدولة الأساسية والاجتماعية والاقتصادية على النحو المبين
بالتحقيقات.
(د) أحرزوا مطبوعات ومحررات تتضمن ترويجاً لأغراض الجماعة موضوع
الاتهام وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وطلبت النيابة العامة معاقبتها، وباقي المتهمين، بالمواد (40 أولاً،
41، 98(ب) و98 (ب) مكرر) من قانون العقوبات، والمواد (1، 4، 7، 19، 22) من القرار
بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات
السلمية. وتدوولت الدعوى أمام محكمة جنح قسم قنا، وبجلسة السادس من ديسمبر سنة
2014، دفع الحاضر مع المدعية بعدم دستورية القرار بالقانون رقم 107 لسنة 2013 المشار
إليه، فقررت تلك المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 17 من يناير سنة 2015، وصرحت
للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى، مستندة في ذلك إلى
قالة أنها لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في
المادة (30) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وأن المدعية جهلت، في
دفعها، بالنصوص المطعون فيها، وانصب دفعها على كامل القرار بقانون رقم 107 لسنة
2013 المشار إليه.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن المقرر، في قضاء هذه المحكمة، بأن
كل شكلية ولو كانت جوهرية فرضها المشرع لمصلحة عامة حتى ينتظم التداعي وفقاً
لحكمها، لا يجوز فصلها عن دواعيها، وإلا كان القول بها إغراقاً في التقيد
بضوابطها، وانحرافاً عن مقاصدها، وأن التجهيل بالمسائل الدستورية يفترض أن يكون
بيانها قد تمحض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر في شأنها،
ومن خلال الربط المنطقي للوقائع المؤدية إليها، يفصح عن حقيقتها، وما قصد إليه
الطاعن حقاً من إثارتها، فإن قالة التجهيل بها تكون غير قائمة على أساس، كما أن
تقدير محكمة الموضوع جدية المطاعن الدستورية المثارة أمامها، ليس لازماً أن يكون
صريحاً، بل حسبها في ذلك أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنياً، لما كان ذلك وكانت
المدعية قد أثارت دفعها بعدم دستورية القرار بالقانون رقم 107 لسنة 2013 المشار
إليه أمام محكمة الموضوع، حال كونها تحاكم بتهمة المشاركة في تظاهرة دون إخطار
الجهات المختصة، ترتب عليها الإخلال بالأمن العام، وتعطيل مصالح المواطنين، وتعطيل
حركة المرور، وهو أمر قاطع الدلالة على انصراف دفعها إلى المادتين السابعة
والتاسعة عشرة من القرار بالقانون المشار إليه، اللتين نظمتا بالتجريم والعقاب هذا
الأمر، إذ بينت الأولى شق التكليف في الجريمة المنسوبة للمدعية، وتكفلت ثانيتهما
بالنص على العقوبة المقررة لها، ومن ثم فإن قالة مخالفة المادة (30) من قانون
المحكمة الدستورية العليا يكون لغواً.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة
وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في
الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، لما كان ذلك، وكانت
الدعوى الموضوعية يدور رحاها حول اتهام المدعية بالمشاركة في تظاهرة دون إخطار
الجهات المختصة، ترتب عليها الإخلال بالأمن العام، وتعطيل مصالح المواطنين، وتعطيل
حركة المرور، وهي الجريمة المؤثمة بالمادتين السابعة والتاسعة عشرة من القرار
بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات
السلمية، ومن ثم يتحدد نطاق الطعن في هاتين المادتين دون غيرهما.
وحيث إن المادة السابعة من القرار بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم
الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية تنص على أن "يحظر على
المشاركين في الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام
العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو
تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير
العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البري أو المائي أو
الجوي أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة
أو تعريضها للخطر".
وتنص المادة التاسعة عشرة من القرار بالقانون ذاته على أن "يعاقب
بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين، وبالغرامة التي لا تقل عن خمسين
ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف الحظر
المنصوص عليه في المادة السابعة من هذا القانون".
وحيث عن المدعية تنعى على النصين المطعون فيهما أن رئيس الجمهورية
المؤقت لا يملك سلطة التشريع لغير مواجهة حالة تقتضي مواجهتها بتدابير لا تحتمل
التأخير، وهو ما لم يتوافر في شأن القرار بالقانون رقم 107 لسنة 2013 الذي صدر في
غير ضرورة ملجئة، كما أفتأت القرار بالقانون على الحق في التعبير والحق في التظاهر
السلمي، وفي شأن المادة السابعة فقد أتت بألفاظ فضفاضة متميعة على نحو يتعذر على
المخاطبين بها تحديد الأفعال المؤثمة، وهو ما يخل بمبدأ مشروعية النصوص العقابية،
فضلاً عن مخالفته لمبدأ اليقين القانوني، وفيما يتعلق بالمادة التاسعة عشرة؛ ذهبت
المدعية إلى أن هذه المادة قررت عقوبة مغلظة، وافتقدت التناسب بين الفعل محل
التجريم والعقوبة المقررة له؛ بالمخالفة لنص المادة (14) من الإعلان الدستوري
الصادر في الثامن من يوليو سنة 2013، ونصوص المواد (53، 65، 73، 85، 87، 92، 95)
من الدستور.
وحيث إن ما تنعاه المدعية على القرار بالقانون رقم 107 لسنة 2013
المشار إليه أنه صدر دون توافر الضرورة الملجئة لإصداره؛ فإنه لما كان استيثاق هذه
المحكمة من استيفاء النصوص التشريعية المطعون فيها للأوضاع الشكلية المقررة
دستورياً في شأن إصدارها، يعد أمراً سابقاً بالضرورة على خوضها في عيوبها
الموضوعية، وكانت الأوضاع الشكلية للقانون من حيث اقتراحه وإقراره وإصداره تحكمه
الوثيقة الدستورية الصادر في ظل سريانها، وكان البند الأول من المادة (24) من
الإعلان الدستوري الصادر في الثامن من يوليو سنة 2013، والذي صدر القرار بالقانون
المعروض في ظل سريان أحكامه، قد ناط سلطة التشريع برئيس الجمهورية المؤقت، وهي
سلطة لم يقيدها الإعلان الدستوري المشار إليه بأي قيد سوى أخذ رأي مجلس الوزراء،
وهو ما التزمه القرار بالقانون المعروض على النحو الوارد في ديباجته، ومن ثم تكون
سلطة التشريع المخولة لرئيس الجمهورية، أثناء سريان ذلك الإعلان الدستوري، سلطة
تشريع أصلية لا استثنائية، يترخص له ممارستها، وليس للمحكمة الدستورية العليا، من
بعد، أن تزن بنفسها، وبمعاييرها، ما إذا كان التنظيم التشريعي المعروض عليها
لازماً، وما إذا كان إقراره في مناسبة بعينها ملائماً، وليس لها أن ترد النصوص
التشريعية المطعون فيها إلى أحكام الدستور؛ ومن ثم فإن هذا المنعى يكون على غير
أساس، ويتعين إطراحه.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية
التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه
الرقابة إنما تستهدف أصلاً، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، صون الدستور
القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد
والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام
التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى
القواعد الآمرة. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصين المطعون فيهما،
من خلال أحكام الوثيقة الدستورية الصادرة في 18 يناير سنة 2014.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القانون الجنائي، وإن اتفق
مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى
صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة
لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن
مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من
مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفاً للدستور، إلا إذا
كان مجاوزاً حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها،
فإذا كان مبرراً من وجهة اجتماعية انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية، ومن ثم
يتعين على المشرع، دوماً، إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه
واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى، وكان من المقرر، أيضاً، وجوب
صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه
النصوص شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو بخفائها من يقعون
تحتها أو يخطئون مواقعها، وهي ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية
على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافياً لها، بل اتساقاً معها ونزولاً عليها.
وحيث إن قالة التجهيل بالأفعال المعاقب عليها وفقاً لنص المادة
السابعة من القرار بالقانون رقم 107 لسنة 2013 وغموض ألفاظها وخفائها وتميعها لا
محل لها، ذلك أن الجرائم الواردة في هذه المادة، تندرج ضمن ما يعرف بجرائم
النتيجة، وهي تلك الجرائم التي يؤبه فيها، بالأساس، لتحقيق نتيجة إجرامية تتمحض
مساساً بحق مقرر، أو تتجسد عدواناً على مصلحة معتبرة، أو تنحل عصفاً بحرية مقدرة،
بغض النظر عن صورة الفعل المادي، وهذا النوع من الصياغات يلجأ إليه المشرع حينما ينبئ
الواقع العملي عن صعوبة حصر الأفعال الإجرامية وإيرادها واحداً واحداً، كما هو
الحال في شأن النص المطعون فيه، ذلك أن سبل العدوان على الحقوق والحريات والمصالح،
الواردة في المادة السابعة، ووسائلها عصية على الحصر، متعذر رصدها أو إحصاؤها أو
توقعها، وهي تتنوع في صورها وأشكالها، بحيث يضحى التنبؤ بها جميعاً مستحيلاً
عملاً، فلم يكن أمام المشرع من خيار في مجال تحديد الأفعال المنهي عنها، إلا أن
يبينها من خلال ضابط عام لا يجهل بمضمونها أو يثير اللبس حول حقيقتها، بل يحدد
محتواها بالرجوع إلى مرماها أو الغرض المقصود منها، جاعلاً بذلك مناط تجريمها
ارتكابها عدواناً على الحقوق والحريات والمصالح المبينة في هذه المادة، وهي جميعاً
حقوق وحريات ومصالح معتبرة، أورد الدستور جلها كالحق في الحياة والحق في سلامة
الجسد وحق العمل وحرية التنقل والحق في الأمن، وتكفلت القوانين منذ نشأة الدولة
القانونية الحديثة بإيراد باقيها، بحيث صار لكل من هذه الألفاظ معنى محدداً
منضبطاً، ومن ثم تنداح عنها قالة الاتساع والتميع، وتنتفي عنها شبهة الخفاء
والغموض، وغني عن البيان أن الجريمة المقررة في المادة المطعون عليها هي جريمة
عمدية، ولا يجزئ في التأثيم الخطأ مهما كانت صورته أو بلغت درجته، فلا تقع الجريمة
إلا إذا ارتكب الفعل عن علم بطبيعته وإرادة إتيانه، واتجهت إرادة الجاني، متبصراً،
إلى العدوان على أحد الحقوق والحريات والمصالح الواردة حصراً بهذه المادة، شريطة
أن يتم العدوان فعلاً، وغني عن البيان أيضاً، أن صياغة هذه المادة قد كرست شخصية
المسئولية، فلا يسأل عن الجريمة سوى من قارفها بالفعل، فالإثم شخصي لا يقبل
الاستنابة. ولا يعزب عن ناظر أن المادة المطعون فيها تخاطب كل من شارك في أي
اجتماع أو موكب أو تظاهرة سلمية، سواء كان قد تم الإخطار عن تنظيمها قانوناً أم لا،
بيد أن هناك فارقاً جوهرياً بين من شارك في تظاهرة مخطر عنها قانوناً وغيرهم، إذ
إن الفئة الأولى، ما برحت متحصنة باستعمالها حقاً قرره الدستور، يستوجب ممارسته
قدر من التسامح، لما يترتب على ممارسته – في الأغلب الأعم – من مساس بحقوق وحريات
أخرى، مثل حق الأفراد في التنقل، وحقهم في السكينة، وغيرها، ليضحى تحقيق التوازن
بين الحقوق والحريات الدستورية وكفالة ممارستها، والتعايش بينها بغير تنافر أو
تضاد غاية لكل تنظيم يسنه المشرع في هذا الخصوص، كما هو حال النص المطعون فيه في
تناوله للحق في الاجتماع بأشكاله المختلفة بحسبانها البيئة المثلى لممارسة حرية
التعبير والتي تمثل في ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديمقراطية عنها، وتؤسس الدول
على ضوئها مجتمعاتها، صوناً لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل تطوير بنيانها وتعميق
حرياتها.
لما كان ذلك، فإن نص المادة السابعة من القرار بقانون رقم 107 لسنة
2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية يكون منضبطاً
بالضوابط الدستورية للتجريم، ولا يخالف المواد (54/1، 73، 92/2، 95) من الدستور.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في العقوبة هو
معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأياً بها عن أن تكون إيلاماً غير
مبرر، يؤكد قسوتها في غير ضرورة، وكان من المقرر أيضاً، أن المتهمين لا تجوز
معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم
لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، ذلك أن
مشروعية العقوبة، من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج
بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقررة قانوناً، فذلك وحده الطريق إلى
معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن الدستور الحالي إذ نص في المادة (94) منه على خضوع الدولة
للقانون وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق
والحريات، كما أكد على هذه المبادئ في المادتين (184) و(186) منه، فقد دل على أن
الدولة القانونية هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها، وأياً كانت طبيعة سلطاتها،
بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها
المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازاً شخصيا لأحد ولكنها تباشر نيابة عن
الجماعة ولصالحها، ولأن الدولة القانونية هي التي يتوافر لكل مواطن في كنفها
الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها في إطار من
المشروعية، وهي ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة
القانونية محوراً لكل تنظيم، وحداً لكل سلطة، ورادعاً ضد كل عدوان.
وحيث إنه من المقرر قانوناً أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة
أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد، عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة،
أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين
إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو
إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة
من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على
الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون
العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتساند القاضي إليها، بحسب ظروف كل دعوى، لتطبيق
مبدأ تفريد العقوبة.
وحيث إن العقوبة المقررة بمقتضى المادة التاسعة عشرة من القرار
بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات
السلمية، لمن يخالف أحكام المادة السابعة منه، هي الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا
تجاوز خمس سنين، والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه،
أو إحدى هاتين العقوبتين، ما يجعلها من العقوبات المقررة للجنح لا الجنايات، وهي
عقوبات تتناسب مع خطورة وفداحة الإثم المجرم في المادة السابعة دون غلو أو تفريط،
وقد أعطت هذه المادة للقاضي سلطة تفريد العقوبة واختيار العقوبة التي يوقعها على
كل متهم على حدة، بحسب ظروف الجريمة وظروفه الشخصية، فله أن يقضي بالحبس أو
بالغرامة أو بكليهما معاً، وهو حين يقضي بالحبس أو الغرامة يراوح بين حدين أدنى
وأقصى، كما لم تسلبه المادة خيار وقف تنفيذ العقوبة إن هو قدر ذلك. متى كان ما
تقدم؛ فإن النص المطعون فيه لا يكون قد خالف المواد (54/1، 94، 95، 96/1، 184،
186) من الدستور.
وحيث إن النصين المطعون فيهما لا يخالفان أي نص آخر في الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.