الطعن113 لسنة21 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 / 12 /2016
منشور في الجريدة الرسمية العدد 50 تابع في 15 / 12 / 2016 ص 47
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من ديسمبر سنة 2016م،
الموافق الرابع من ربيع الأول سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه
النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد
عماد النجار نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 113 لسنة 21
قضائية "دستورية".
-----------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن المدعي أقام الدعوى رقم 2150 لسنة 1999 مدني كلي المنصورة أمام محكمة
المنصورة الابتدائية ضد المدعى عليه الأول؛ طالباً الحكم بإنهاء العلاقة الإيجارية
بينهما مع تسليمه العين محل النزاع خالية من الشواغل والأشخاص؛ على سند من القول
أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1/1/1996 يستأجر المدعى عليه الأول من المدعي شقة
بالعقار المملوك له بقرية كفر عوض مركز أجا بمحافظة الدقهلية، بغرض استعمالها
مسكناً لمدة واحدة تنتهي في 31/12/1998 بإيجار شهري قدره مائة جنيه، وعند انتهاء
مدة العقد رفض المدعى عليه الأول تسليم العين المؤجرة للمدعي؛ استناداً إلى أن
القرية الكائن بها العقار تخضع للامتداد القانوني لعقود الإيجار إعمالاً لقرار
وزير التعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة والإسكان والمرافق رقم (11) لسنة 1986.
وبجلسة 8/6/1999 دفع المدعي بعدم دستورية ذلك القرار لمخالفته نص المادة (188) من
دستور سنة 1971. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى
الدستورية، فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة الأولى من قرار وزير التعمير والمجتمعات العمرانية
الجديدة والإسكان والمرافق رقم (11) لسنة 1986 تنص على أن "تسري أحكام الباب
الأول من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين
المؤجر والمستأجر على بعض قرى محافظة الدقهلية الموضحة بالكشف المرفق".
وتنص المادة الثانية من القرار ذاته على أن "ينشر هذا القرار في
الوقائع المصرية، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره".
وقد تضمن الكشف المرفق بالقرار المشار إليه عدة قرى من بينها قرية كفر
عوض مركز أجا، بعد موافقة المجلس الشعبي بمحافظة الدقهلية على سريان القانون رقم
49 لسنة 1977 المشار إليه عليها. وتم نشر القرار المشار إليه المطعون فيه،
بالوقائع المصرية (العدد 158) في 15 يوليو سنة 1992.
وحيث إن المدعي ينعى على القرار المطعون فيه مخالفته المادة (188) من
دستور سنة 1971، التي تنص على أن "تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال
أسبوعين من يوم إصدارها، ويعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها، إلا إذا
حددت لذلك ميعاداً آخر"، على سند من القول أن ذلك القرار قد صدر في
19/11/1986 وتم نشره في 15 يوليه 1992، مجاوزاً بذلك موعد النشر المنصوص عليه
بالدستور، مما يجعله فاقداً لركن الشكل، ومن ثم يصبح مشوباً بعدم الدستورية.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهي شرط
لقبولها، مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها
وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة
الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويتحدد مفهوم
هذا الشرط باجتماع شرطين؛ أولهما: أن يقيم المدعي – في الحدود التي اختصم فيها
النص المطعون عليه الدليل على أن ضرراً واقعياً قد لحق به، وليس ضرراً متوهماً أو
نظرياً أو مجهلاً، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي
المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما؛ فإذا لم يكن هذا النص قد طبق
أصلاً على من أدعى مخالفته للدستور أو كان من غير المخاطبين بأحكامه أو كان
الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية
المباشرة، ذلك إن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية
فائدة عملية يمكن أن تتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى عما كان عليه
قبلها.
وحيث إن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية – وفقاً لما جرى عليه قضاء
المحكمة الدستورية العليا – إنما تحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور
المعمول به حين صدورها، وكان نعي المدعي ينحصر في مجاوزة القرار المطعون فيه موعد
النشر الذي حدده الدستور على النحو السالف البيان، مما يمثل مخالفة دستورية تتعلق
بشكل ذلك القرار، ومن ثم يكون دستور سنة 1971 هو الواجب التطبيق في شأن الدعوى
المعروضة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك على أن إخطار المخاطبين
بالقاعدة القانونية بمضمونها، يعتبر شرطاً لإنبائهم بمحتواها، وكان نفاذها بالتالي
يفترض إعلانها من خلال نشرها وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها، وكان ذلك مؤداه
أن دخول هذه القاعدة مرحلة التنفيذ مرتبط بواقعتين تجريان معاً وتتكاملان – وإن
كان تحقق ثانيتهما معلقاً على وقوع أولاهما – هما نشرها وانقضاء المدة التي حددها
المشرع لبدء العمل بها، فإذا لم تتتابعا على هذا النحو، وكان من المقرر أن كل
قاعدة قانونية - سواء تضمنها قانون أو لائحة – لا يجوز اعتبارها كذلك إلا إذا
قارنتها صفتها الإلزامية التي تمايز بينها وبين القواعد الخلقية؛ فإن خاصيتها هذه
تعتبر جزءاً منها، فلا تستكمل مقوماتها بفواتها، مما مؤداه أن نشر القاعدة
القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالهم بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول
بالجهل بها، وكان النشر يعتبر كافلاً وقوفهم على ماهيتها ونطاقها، حائلاً دون
تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينياً، أو كان إدراكهم لمضمونها
واهياً، وكان حملهم قبل نشرها على النزول عليها – وهم من الأغيار في مجال تطبيقها
– متضمناً إخلالاً بحرياتهم أو بالحقوق التي كفلها الدستور، دون التقيد بالوسائل
القانونية التي حدد تخومها وفصل أوضاعها، فقد تعين القول بأن القاعدة القانونية
التي لا تنشر، لا تتضمن إخطاراً كافياً بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل
مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها شرطاً لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق
والحريات على اختلافها، وعلى الأخص ما اتصل منها بصون الحرية الشخصية والحق في
الملكية، فإذا كان فرض تلك القاعدة القانونية، لحمل المخاطبين بها على التزامها،
واقعاً قبل نشرها؛ أخل سريانها في شأنهم بالحقوق والمراكز القانونية التي مستها،
فلا يكون رد العدوان عليها عملاً مخالفاً للدستور.
وحيث إن الأصل في النصوص الدستورية – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه
المحكمة – أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجاً متآلفاً متماسكاً؛
بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً
لا يعزلها عن بعضها البعض وإنما يقيم منها في مجموعها ذلك البنيان الذي يعكس ما
ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية، ولا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية
النهائية المقصودة منها، ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ أو باعتبارها
قيماً مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي، وإذ كانت الغاية النهائية من نص المادة
(188) من دستور سنة 1971 هي تحقيق علم الجمهور بالقواعد القانونية الأصلية منها
والفرعية عن طريق نشرها، ولذلك ألزم الدستور المشرع بنشر القواعد القانونية حتى
يضمن العلم اليقيني للجمهور بها قبل تطبيقها عليهم، لأن تأخر القواعد القانونية
يؤدي إلى عدم تطبيق هذه القواعد في فترة عدم نشرها، مما يؤدي على انعدامها في هذه
الفترة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان قرار وزير التعمير والمجتمعات
العمرانية الجديدة والإسكان والمرافق رقم (11) لسنة 1986 المطعون فيه، قد صدر في
19/11/1986 وتم نشره في 15/7/1992، وكان أثر ذلك من الوجهة الدستورية – على ما سلف
بيانه – ينحصر في عدم نفاذه خلال الفترة السابقة على نشره، وتراخي العمل به إلى ما
بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشره، وكان الثابت أن عقد الإيجار محل النزاع في
الدعوى الموضوعية مؤرخ 1/1/1996 في تاريخ لاحق لنشر القرار المطعون فيه، مما مؤداه
تحقق العلم اليقيني به، بعد العمل به ونفاذه – تبعاً لذلك – في شأن الكافة، ومن
بينهم المدعي، وما ترتب على ذلك من تحقق الغاية النهائية من نص المادة (188) من
دستور سنة 1971؛ وهي تحقيق علم الجمهور بالقواعد القانونية الأصلية منها والفرعية
عن طريق نشرها، الأمر الذي تنتفي إزاءه مصلحته الشخصية المباشرة في الدعوى
المعروضة، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق