الطعن 304 لسنة 29 ق
" دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 / 12 /2016
منشور في الجريدة الرسمية العدد 50 تابع في 15 / 12 / 2016 ص 3
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من ديسمبر سنة 2016م،
الموافق الرابع من ربيع الأول سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه
النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد
العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 304 لسنة 29
قضائية "دستورية".
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 82 لسنة 2007 تجاري كلي بورسعيد ضد
المدعى عليه الرابع بصفته بطلب الحكم ببراءة ذمتها من سداد قيمة الرسوم المستحقة
عليها مقابل الانتفاع بترخيص خدمة السفن العابرة والحاويات بالترانزيت خلال عام
2006.
وبجلسة 1/11/2007، دفع الحاضر عن الشركة المدعية بعدم دستورية الفقرة
الثانية من المادة الأولى من قرار وزير النقل رقم 521 لسنة 2003 والمادتين الرابعة
والخامسة من القرار ذاته. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة
المدعية برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت دعواها المعروضة.
وحيث إن المادة (7) من القانون رقم 12 لسنة 1964 بإنشاء المؤسسة
المصرية العامة للنقل البحري، والمستبدلة بالقانون رقم 1 لسنة 1998 تنص على أنه
"يجوز للأشخاص الطبيعية أو المعنوية مزاولة أعمال النقل البحري والشحن
والتفريغ والوكالة البحرية وتموين السفن وإصلاحها وصيانتها والتوريدات البحرية
وغيرها من الأعمال المرتبطة بالنقل البحري التي يصدر بتحديدها قرار من وزير النقل
والمواصلات بترخيص يصدر منه.
ويحدد مقابل الانتفاع بالترخيص في مزاولة الأعمال المشار إليها في
الفقرة السابقة بموافقة مجلس الوزراء بناء على عرض وزير النقل والمواصلات".
كما تنص المادة الأولى من قرار وزير النقل رقم 521 لسنة 2003 بشأن
تحديد مقابل الانتفاع بالتراخيص الممنوحة لمزاولة أعمال النقل البحري والأعمال
المرتبطة بها بالموانئ المصرية (المطعون فيه) على أن: "تؤدي الجهات الممنوح
لها تراخيص لمزاولة أعمال النقل البحري والأعمال المرتبطة بها بالموانئ المصرية
مقابل انتفاع بالترخيص الصادر لها، طبقاً لما يلي: أولاً: بالنسبة لترخيص مزاولة
أعمال الوكالة الملاحية: ..... رابعاً: يؤدى مقابل الترخيص بمزاولة أي من الأنشطة
التالية مبلغ 5000 جنيه مصري سنوياً لكل نشاط (أ) تموين السفن (ب) التوريدات
البحرية (ج) صيانة وإصلاح السفن (د) الأشغال البحرية".
كما قضت المادة الثانية من القرار المذكور بإعفاء الصادرات المصرية من
مقابل الانتفاع بالتراخيص المذكورة، وقررت المادة الثالثة استخدام حصيلة الانتفاع
بالتراخيص المذكورة في تطوير وتنمية وتدعيم الموانئ وإنشاء موانئ جديدة، ونصت
مادته الرابعة على أن "تسري الفئات الواردة بهذا القرار على جميع التراخيص
الجديدة وعلى التراخيص السارية المعمول بها
.....".
وحيث إنه بتاريخ 10/10/2007 أصدر وزير النقل القرار رقم 430 لسنة 2007
ناصاً في مادته الأولى على تعديل البند الثاني من المادة الأولى من قرار وزير
النقل رقم 521 لسنة 2003 وفقاً لما يلي: 1- البضائع والحاويات الترانزيت والواردة
برسم إعادة التصدير ..... 2- البضائع الواردة برسم الوارد .....
ونصت المادة الثانية على أن "تظل سارية باقي فئات مقابل الانتفاع
المنصوص عليها في القرار الوزاري رقم 521 لسنة 2003 بشأن تحديد مقابل الانتفاع
بالتراخيص الممنوحة لمزاولة أعمال النقل البحري، والأعمال المرتبطة بها بالموانئ
المصرية".
وحيث إن الهيئة العامة لميناء بورسعيد – المدعى عليها الرابعة – دفعت
بعدم قبول الدعوى المعروضة تأسيساً على انتفاء الضرر المدعى به من الشركة المدعية
كون القرار المطعون بعدم دستوريته لا يلزم الشركة المدعية بأداء مقابل الانتفاع
بالنسبة لبضائع الترانزيت العامة أو المحواه إنما يلزم بعبئها الخط الملاحي طبقا
لقرار وزير النقل رقم 430 لسنة 2007، كما جرى العمل على تحصيل مقابل الانتفاع من
العميل عند تسلمه البضائع برسم الوارد، ومن ثم فلا مصلحة ترجى من الفصل في
دستوريته.
وحيث إن هذا الدفع مردود؛ بأن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن
مناط المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها أن يكون ثمة ارتباط بينها
وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية – وذلك بأن يكون الفصل في المسألة
الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وأن
الدعوى الدستورية وإن كانت تستقل بموضوعها عن الدعوى الموضوعية، باعتبار أن
أولاهما: تتوخى الفصل في التعارض المدعى به بين نص تشريعي وقاعدة في الدستور، في
حين تطرح ثانيتهما: في صورها – الأغلب وقوعاً – الحقوق المدعى بها في نزاع موضوعي
يدور حولها إثباتاً ونفياً، إلا أن هاتين الدعويين لا تنفكان عن بعضهما من
زاويتين: أولاهما: أن المصلحة في الدعوى الدستورية مناطها ارتباطها بالمصلحة في
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثراً في الطلب
الموضوعي المرتبط بها، وثانيتهما: أن يصبح الفصل في الدعوى الموضوعية متوقفاً على
الفصل في الدعوى الدستورية. متى كان ذلك، وكان إلزام الشركة المدعية بأداء المبالغ
التي تطلب براءة ذمتها منها، يجد سنده في النصين المطعون عليهما، ومن ثم فإن حسم
أمر دستوريتهما يكون لازماً للفصل في النزاع الموضوعي، وذا أثر وانعكاس على
الطلبات المطروحة به، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وهو ما تتوافر معه المصلحة
الشخصية المباشرة في الدعوى المعروضة.
وحيث إن المدعي ينعى على النصين المطعون فيهما تقرير رسوم دون سند
قانوني لفرضها إخلالاً بنص المادة (119) من دستور 1971، فضلاً عن مخالفتهما قرار
رئيس مجلس الوزراء رقم 486 لسنة 2000 فيما تضمنه من منع تحصيل أي مقابل للخدمات
التي تؤدى بالميناء تحت أي مسمى إلا بموافقة المجلس الأعلى للموانئ.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن الأوضاع الشكلية
للنصوص التشريعية سواء في ذلك المتعلقة بالشروط التي يفرضها الدستور لمباشرة
الاختصاص بإصدارها أو ما كان منها متعلقاً باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها، إنما
يتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها.
متى كان ذلك، وكان قرار وزير النقل رقم 521 لسنة 2003 بشأن تحديد
مقابل الانتفاع بالتراخيص الممنوحة لمزاولة أعمال النقل البحري والأعمال المرتبطة
بها بالموانئ المصرية قد صدر بتاريخ 19/11/2003، وتم نشره في الوقائع المصرية
بالعدد 293 في 27 ديسمبر سنة 2003، وعمل به من تاريخ نشره، ومن ثم يكون الدستور
الصادر عام 1971 هو الواجب التطبيق فيما يتعلق بالأوضاع الشكلية المتطلبة لإصدار
القرار المذكور.
وحيث إن الدستور الصادر سنة 1971 قد حرص على التأكيد على أهمية الدور
الذي تضطلع به الهيئات العامة الخدمية منها والاقتصادية في خدمة الاقتصاد الوطني،
ومن أجل ذلك أوجب نص المادة (117) منه أن يكون تحديد الأحكام المتعلقة بموازنات تلك
الهيئات وحساباتها بقانون، كما أسند ذلك الدستور في نص المادة (120) منه للقانون
تنظيم القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة وإجراءات صرفها، والتي تندرج ضمنها
أموال الهيئات العامة طبقاً لنص المادة (14) من قانون الهيئات العامة الصادر
بالقانون رقم 61 لسنة 1963، وكانت غايته من ذلك ضبط القواعد الحاكمة لفرض وتحصيل
تلك الأموال وصرفها، ليكون تقريرها بيد المشرع وحده، باعتباره الأداة التي عينها
الدستور لذلك، ليضحى التقيد بما يسنه من قواعد في هذا الشأن التزاماً دستوريا يصم
القاعدة المخالفة له بعيب مخالفة أحكام الدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مؤدى نص المادة (144) من
الدستور الصادر سنة 1971، أن الجهات التي تختص بإصدار اللوائح التنفيذية قد حددها
الدستور على سبيل الحصر، فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ذلك، أو من
يعينه القانون لإصدارها، بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستوري،
وإلا وقع عمله اللائحي مخالفاً للدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا كانت الضرائب والرسوم
تعدان من أهم إيرادات الدولة، فإنهما يتمايزان فيما بينهما بحسب ما أبرزته المادة
(119) من دستور 1971 – المقابلة للمادة (38) من دستور 2014 – في أن الضريبة فريضة
مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها إسهاماً منهم في الأعباء العامة،
ودون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من جراء التحمل بها، في حين أن الرسوم تكون
مقابل خدمة محددة يقدمها الشخص العام لمن يطلبها، ودون تلازم بين قدر الرسم وتكلفة
الخدمة. كما يتمايزان في أن الضريبة لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا
بقانون. في حين أن الرسوم يكون إنشاؤها في الحدود التي يبينها القانون، فإن
إيرادات الدولة لا تقتصر على هذين المصدرين فقط، وإنما تمتد إلى غيرهما من المصادر،
ومن بينها أثمان المنتجات أو مقابل الخدمات التي تحصلها الجهات القائمة على إدارة
أملاك الدولة، وتتجلى أبرز الفروق بين هذا المقابل أو الثمن وبين الرسوم، في أن
الرسم يؤدى جبراً مقابل خدمة من طبيعة إدارية يقدمها مرفق إداري، أما مقابل الخدمة
أو ثمن المنتج إنما يؤدى لمرفق عام اقتصادي (تجاري أو صناعي) تقوم فيه جهة من
الجهات بإدارة أملاك الدولة وفقاً لأساليب الإدارة الاقتصادية، وتحدد فيه الثمن أو
مقابل الخدمة وفقاً لمعايير اقتصادية بحتة، وهو اختلاف له أثره في أن الرسم كقاعدة
عامة يكون مقداره ثابتاً بالنسبة لجميع المستفيدين منه، وطوال سريان السند
التشريعي الذي فرضه، بينما ثمن المنتج أو مقابل الخدمة الذي تطلبه الجهة القائمة
على إدارة أملاك الدولة إدارة اقتصادية يخضع للتغيرات التي تفرضها طبائع الأوضاع
الاقتصادية وقد يتسع لتغيرات تنتج عن التفاوض بين طالب المنتج أو الخدمة والمرفق
الاقتصادي بل إنه قد يتغير بحسب طبيعة المعاملات من حيث حجمها أو كميتها أو ظروف
أدائها المكانية أو المناخية.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم، وإذ كان الثابت أن الهيئة العامة
لميناء بورسعيد المنشأة بالقانون رقم 88 لسنة 1980، قد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء
رقم 13 لسنة 1981 – إعمالاً للتفويض المقرر له بمقتضى نص المادة (3) من القانون
رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة – باعتبارها هيئة عامة اقتصادية،
وهي تقوم على إدارة مرفق عام هو ميناء بورسعيد، الذي يبلور نشاطه تدفق حركة واردات
البلاد وصادراتها وما يرتبط بذلك من مزاولة أعمال النقل البحري والشحن والتفريغ
والوكالة البحرية، ومن ثم فإن الضوابط التي تنبني عليها قرارات هذا المرفق في
تحديد مقابل الانتفاع بالترخيص بمزاولة أعمال الوكالة الملاحية في نطاق اختصاصه،
إنما هي ضوابط اقتصادية تختلف عن تلك التي قررها الدستور لتقرير الرسوم، وهو ما
يترتب عليه عدم خضوع مقابل الانتفاع بالترخيص المذكور للقواعد والإجراءات اللازم
إتباعها لتقرير الرسوم، وتستقيم صحته – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – بأن يكون
تقريره صادراً عن الجهة المنوط بها ذلك في إطار التنظيم التشريعي للمرفق ذاته،
والذي عين في المادة (7) من القانون رقم 12 لسنة 1964 بإنشاء المؤسسة المصرية
العامة للنقل البحري المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 1998 السلطة المختصة المنوط بها
تحديد هذا المقابل، بحيث يتم بموافقة مجلس الوزراء بناء على عرض وزير النقل
والمواصلات، والذي غدا أحد القواعد الحاكمة لذلك، والتي عينها القانون في إطار
التفويض المقرر له بمقتضى أحكام الدستور، وباعتبار هذا المقابل أحد وسائل هيئات
الموانئ لتنمية مواردها، وتستخدم حصيلته في تطوير وتنمية وتدعيم الموانئ القائمة،
وإنشاء موانئ جديدة، ليغدو انفراد وزير النقل بإصدار القرار المطعون فيه، انتحالاً
منه لاختصاص غير منوط به، ومجاوزة منه لحدود صلاحياته القانونية، واعتداءً على
الولاية التي أسندها القانون لمجلس الوزراء، باعتبارها القاعدة الضابطة للاختصاص
بتحديد هذا المقابل، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه قد وقع بالمخالفة
لنصوص المواد (117، 120، 144) من الدستور الصادر سنة 1971، ولا يقيله من تلك
المخالفة، أو يصحح ما شابه من عيوب صدور قرار وزير النقل رقم 430 لسنة 2007، بعد
موافقة مجلس الوزراء، متضمناً تعديل نص البند الثاني من المادة الأولى من القرار
المطعون فيه، والذي نص في المادة (2) منه على أن تظل سارية باقي فئات مقابل
الانتفاع المنصوص عليها في القرار المطعون فيه، والذي بمقتضاه تندمج فئات هذا
المقابل في نصوص القرار المشار إليه، وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من أحكامه، وتسري بأثر
مباشر من تاريخ العمل به، طبقاً لنص المادة (3) من هذا القرار، ومن ثم لا يترتب
على القرار المذكور – أياً كان وجه الرأي في شأنه – تصحيح ما شاب القرار المطعون
فيه وتطهيره بأثر رجعي، من المثالب الدستورية التي تمثلت في اغتصابه سلطة مجلس
الوزراء، وإذ لحقت تلك المثالب سائر نصوص القرار المطعون فيه، الأمر الذي يتعين
معه القضاء بعدم دستوريته برمته.
وحيث إن هذه المحكمة تقديراً منها للأثر المترتب على القضاء بعدم
دستورية قرار وزير النقل رقم 521 لسنة 2003 على النحو السالف بيانه، وأهمية تحقيق
الاستقرار للمراكز القانونية التي نشأت عن تطبيقه، منذ تاريخ العمل به في 27
ديسمبر 2003، حتى تاريخ صدور هذا الحكم، فإنها تعمل السلطة المخولة لها بنص المادة
(49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وتحدد اليوم التالي لنشر الحكم
في الجريدة الرسمية تاريخاً لسريان أثره، وذلك دون إخلال باستفادة الشركة المدعية
منه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية قرار وزير النقل رقم 521 لسنة 2003 بشأن تحديد
مقابل الانتفاع بالتراخيص الممنوحة لمزاولة أعمال النقل البحري والأعمال المرتبطة
بها بالموانئ المصرية, وألزمت الحكومة المصروفات, ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب
المحاماة.
ثانياً: بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية
تاريخاً لإعمال أثره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق