الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 9 نوفمبر 2023

الطعن 195 لسنة 19 ق جلسة 2 / 6 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 118 ص 972

جلسة 2 يونيه سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح، وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب النجار - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (118)
القضية رقم 195 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها" - نطاقها.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع؛ مؤدى ذلك: استبعاد أحكام النصوص الطعينة التي لا شأن لها بالنزاع الموضوعي أصلاً.
2 - دعوى دستورية "الحكم فيها: حجيته - عدم قبول الدعوى".
قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية له حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى سلطات الدولة؛ أثره: عدم قبول الدعوى إذا سبق القضاء برفض الدعوى على النصوص ذاتها، وذلك بسبب الطبيعة العينية للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، وانعدام المصلحة - بالتالي - في معاودة طرح تلك النصوص مرة أخرى على المحكمة.
3 - تنظيم نقابي "حرية نقابية: حق الانضمام للنقابات".
التنظيم النقابي يتمخض تصرفاً حراً لا تهيمن عليه سلطة الإدارة؛ مؤدى ذلك: عدم جواز إرهاق النقابات بقيود تعطل مباشرتها لوظائفها، فلا يصح أن يكون تأسيسها موقوفاً على إذن من الجهة الإدارية، ولا أن يكون تمتعها بالشخصية الاعتبارية معلقاً على قبولها الحد من ممارستها لوظائفها - الحرية النقابية قاعدة أولية في التنظيم النقابي تمنحها بعض الدول، ومنها مصر، قيمة دستورية في ذاتها: أثر ذلك: حرية كل عامل في الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يطمئن إليها.
4 - تنظيم نقابي "مجتمع مدني - حرية التعبير".
المجتمع المدني هو إطار كل تنظيم نقابي - ضرورة تأمين مباشرة أعضاء هذا التنظيم لحقوقهم وحرياتهم التي كفلها الدستور وفي الصدارة منها حرية التعبير.
5 - تنظيم نقابي "خصائصه".
المعايير والخصائص التي يقوم عليها التنظيم النقابي هي التي قننها الدستور في المادة 56 التي تحتم إنشاءه وفق أسس ديمقراطية يكون القانون كافلاً لها.
6 - تشريع "قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976: مسئولية تأديبية - حرية نقابية".
نظمت المواد 25 و26 و27 من قانون النقابات العمالية المسئولية التأديبية لأعضاء التنظيمات النقابية متضمنة المخالفات والجزاءات والجهة المختصة بتوقيعها؛ وهي مجلس إدارة النقابة العامة أو مجلس إدارة الاتحاد العام، وكفلت لهؤلاء الأعضاء حق الدفاع؛ مؤدى ذلك: أن هذه المساءلة التأديبية لا تخالطها مظنة تدخل من جانب أية جهة غير نقابية وبالتالي لا نشوز فيها على مبدأ الحرية النقابية.
7 - تشريع "قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976: الجمعية العمومية للنقابة العامة - ديموقراطية - حرية نقابية".
النص في المادة 30 (د) من قانون النقابات العمالية على اختصاص الجمعية العمومية للنقابة العامة بإصدار القرار المناسب في شأن عضو مجلس إدارة اللجنة النقابية الموقوف عن مباشرة النشاط النقابي، لا ينطوي على شبهة مساس بالأساس الديمقراطي الذي تقوم عليه الحركة النقابية - أساس ذلك أن تشكيل الجمعية العمومية من أعضاء نقابيين من بينهم ممثلو اللجنة النقابية التي ينتمي إليها عضو مجلس الإدارة الموقوف لا يعكس من زاوية دستورية افتئاتاً على اللجنة النقابية ولا يمس الحرية النقابية وضماناتها.
8 - مبدأ خضوع الدولة للقانون "تشكيل نقابي: نقابة عامة - لجنة نقابية".
مبدأ خضوع الدولة للقانون لا يناقضه اعتبار النقابة العامة هي الأصل في التشكيل النقابي - أساس ذلك: أن مفردات هذا التشكيل لا تمثل في ذاتها قيمة دستورية - اتجاه المشرع إلى حجب الجمعية العمومية ومجلس إدارة اللجنة النقابية معاً عن مساءلة عضو مجلس الإدارة الموقوف؛ مؤداه: اتساقه مع هذا الأصل وبما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور.

------------------
(1) يشترط لقبول الدعوى الدستورية - على ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا - توافر المصلحة فيها، ومناطها أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المثارة في النزاع الموضوعي المرتبطة بهذه المسألة فلا تتعداها؛ وكان الفصل في الطعن بالإلغاء على قرار تأديبي صادر في شأن عضو إحدى المنظمات النقابية، لا يستلزم بطبيعته استجلاء دستورية واحدية الحركة النقابية، أو حرية الاختيار النقابي من عدمه، وهما المسألتان اللتان انتظمتهما المادتان 7 (فقرة أولى) و13 من قانون النقابات العمالية المشار إليه، وكذلك المادة الثالثة من القانون رقم 12 لسنة 1995 فيما تضمنته من إلغاء المادة 16 من ذات القانون، ومن ثم، فإن الدعوى في هذا الشق منها تكون غير مقبولة.
(2) سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت مسألة دستورية نص المادة 61 من قانون النقابات العمالية المطعون فيه بحكمها الصادر بجلسة 7/ 2/ 1998 في القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية "دستورية" والذي قضى برفض الطعن بعدم دستوريته. وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 19/ 2/ 1998؛ لما كان ذلك؛ وكان مقتضى المادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية، حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أي جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها في جديد لمراجعته، فإن الدعوى بالنسبة لهذا النص تكون غير مقبولة.
(3) من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن حق العمال في تكوين تنظيمهم النقابي، وكذلك حرية النقابات ذاتها في إدارتها لشئونها، بما في ذلك إقرار القواعد التي تنظم من خلالها اجتماعاتها وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية، ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم مخالفاً لنظمها، ولا ينفصلان عن انتهاجها الديموقراطية أسلوباً وجيداً ينبسط على نشاطها ويكفل بناء تشكيلاتها وفق الإدارة الحرة للعمل المنضمين إليها، بغض النظر عن آرائهم ومعتقداتهم أو توجهاتهم؛ ولا يجوز بوجه خاص إرهاق ذلك بقيود تعطل مباشرة النقابات لوظائفها؛ ولا أن يكون تمتعها بالشخصية الاعتبارية معلقاً على قبولها الحد من ممارستها؛ ولا أن يكون تأسيسها موقوفاً على إذن من الجهة الإدارية؛ ولا أن تُحِلَّ هذه نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها، ومن ثم تنحل الحرية النقابية إلى قاعدة أولية في التنظيم النقابي تمنحها بعض الدول - ومن بينها جمهورية مصر العربية - قيمة دستورية في ذاتها؛ لتكفل لكل عامل حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يطمئن إليها، وفي انتقاء واحدة أو أكثر من بينها ليكون عضواً فيها، وكذلك في أن يعدل عن البقاء أي منها منهياً عضويته بها، أو أن ينعزل عنها جميعاً إذا شاء.
(4) المجتمع المدني هو الإطار لكل تنظيم نقابي، وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان مفتوحاً لكل الآراء، قائماً على ضمان فرص حقيقية لتداولها وتفاعلها، مقيداً بما يكون منها محققاً لمصلحة مبتغاة، موازناً بين حقوق المنتمين إليه وواجباتهم، نائباً عما يعد بالمعايير الموضوعية انحرافاً بالسلطة، مؤمَّناً مباشرة أعضاء هذا التنظيم لحقوقهم وحرياتهم التي كفلها الدستور؛ وفي الصدارة منها حرية التعبير، فلا يكون العمل النقابي إملاءً أو التواءً؛ بل تراضياً والتزاماً، كافلاً للمنظمات النقابية على تعدد مستوياتها ديموقراطية بنيانها وفقاً للدستور والقانون، فلا يتنصل القائمون على تطبيقها من القواعد التي ارتضوها ضابطاً لأعمالهم، بل تتم محاسبتهم وفقاً للمعايير، ذلك أن تنظيماً نقابياً محدداً على ضوء هذه المفاهيم، لا يستقيم بتنحيتها، بل يكون التقيد بها - إنفاذاً لمحتواها - ضرورة لا محيص عنها.
(5) المعايير والخصائص التي يقوم عليها التنظيم النقابي، هي التي قنن الدستور مجمل أحكامها، بنص المادة 56 منه؛ الذي يجعل إنشاء النقابات على أساس ديموقراطي، حقاً يكفله القانون؛ راعياً لدورها في تنفيذ الخطط والبرامج التي ينشدها المجتمع، مرتقياً بكفايتها؛ وما ذلك، إلا اعترافاً من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التي تمثلها النقابات، وعمق اتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضائها، وتوكيداً لضرورة أن يظل التنظيم النقابي تقدمياً فلا ينحاز لمصالح جانبية أو ضيقة، ولا يرتسم نمطاً بيروقراطياً أو ممالئاً لصالح أرباب الأعمال - على تنوع مشاربهم - أو من يمثلونهم، بل يكون متبنياً نهجاً مقبولاً من جموع أعضائه، وميثاق شرف أخلاقياً نابعاً منهم، وملزماً لهم، يتم على هديه مساءلتهم عما يصدر منهم أثناء ممارستهم أنشطتهم النقابية، أو بمناسبتها، من مسالك نابية عنه، أو خارجة عليه.
(6) نظمت المواد 25 و26 و27 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 المسئولية التأديبية لأعضاء التنظيمات النقابية بمختلف مستوياتها، فأبانت المخالفات التي يمكن نسبتها إليهم - وتتمثل في انتهاك أحكام قانون النقابات العمالية، أو لائحة النظام الأساسي أو المالي أو ميثاق الشرف الأخلاقي - وحددت الجزاء على مقارفتها متدرجاً من وقف عضو مجلس الإدارة؛ إلى سحب الثقة منه أو فصله، والأغلبية اللازمة لإصدار أي من هذا القرارات، والجهة المختصة بإصدارها، وهي مجلس إدارة النقابة العامة - من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب مجلس إدارة اللجنة النقابية - أو مجلس إدارة الاتحاد العام بنفسه أو بطلب من مجلس إدارة النقابة العامة - بحسب الأحوال، وكفلت لهؤلاء الأعضاء حق الدفاع عن أنفسهم أثناء التحقيق معهم فيما هو منسوب إليهم، ومفاد ذلك، أن المساءلة التأديبية التي اشتملت عليها المواد 25 و26 و27 من قانون النقابات العمالية، لا تخالطها مظنة تدخل من جانب أية جهة أياً كان وزنها أو صفتها في المجال المحجوز على وجه التفرد والاستقلال للتنظيمات النقابية؛ ومن ثم فإن هذه المنصوص تغدو لا نشوز فيها على مبدأ الحرية النقابية الذي اعتنقه الدستور.
(7) النص في المادة 30 (د) من قانون النقابات العمالية على اختصاص الجمعية العمومية للنقابة العامة - بحسبانها السلطة العليا التي ترسم سياستها وتشرف على كافة شئونها - بإصدار القرار الذي تراه مناسباً في شأن عضو مجلس إدارة اللجنة النقابية الموقوف عن مباشرة النشاط النقابي طبقاً لنص المادة (26) من القانون؛ سواء بسحب الثقة منه أو بفصله عملاً بالمادة 27 من القانون ذاته؛ لا ينطوي على شبهة مساس بالأساس الديموقراطي الذي تقوم عليه الحركة النقابية، لما هو مسلم به من أن الجمعية العمومية صاحبة هذا الاختصاص مشكلة من أعضاء نقابيين من بينهم ممثلو اللجنة النقابية التي ينتمي إليها عضو مجلس الإدارة الموقوف؛ وبما لا يعكس من زاوية دستورية افتئاتاً على اللجنة النقابية، أو أعضاء جمعيتها العمومية، أو مجلس إدارتها، وقيداً على حريتهم، أو تهويناً من الضمانات المكفولة لهم.
(8) مبدأ خضوع الدولة للقانون - محدداً على ضوء الأسس التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية - لا يناقضه اعتبار النقابة العامة هي الأصل في التشكيل النقابي، ذلك أن مفردات هذا التشكيل لا تمثل في ذاتها قيمة دستورية يحظر مخالفتها أو الخروج عليها، بل العبرة دوماً بهيمنة العمال أعضاء التنظيمات النقابية - بسائر مستوياتها - على تسيير شئونها، وأن تكون قراراتها نابعة من غالبية آراء جمعياتها العمومية، بناء على تداول للآراء، تقرع فيه الحجة بالحجة، ولا تداخله وصاية إدارية، وأن تكون مرجعيتها إلى النظم الأساسية والمواثيق التي تضعها بنفسها لنفسها من خلال الاتحاد العام لنقاباتها؛ ومن ثم، فإن اتجاه المشرع بنص المادة الثالثة من القانون رقم 12 لسنة 1995 المعدل لقانون النقابات العمالية، إلى إلغاء نص المادة 47 منه بما يحجب الجمعية العمومية ومجلس إدارة اللجنة النقابية معاً عن منح أو سحب الثقة من عضو مجلس الإدارة الموقوف، أو فصله؛ يغدو متسقاً مع هذا الأصل، وبما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور.


الإجراءات

بتاريخ الثامن والعشرين من أكتوبر سنة 1997 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية نصوص المواد 7 (فقرة أولى) و13 و25 و26 و27 و30 و61 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976، وكذلك نص المادة الثالثة من القانون رقم 12 لسنة 1995 بتعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية المشار إليه.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى. كما قدم المدعي مذكرة صمم فيها على طلباته.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 827 لسنة 1997 أمام محكمة العمال الجزئية بالقاهرة، ضد المدعى عليهما الثاني والثالث، ابتغاء القضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار المدعى عليه الثاني المتضمن وقف المدعي عن مباشرة نشاطه النقابي وفي الموضوع بإلغائه، والتعويض عنه بمبلغ خمسين ألف جنيه، وقال شرحاً لها أن صحيفة الشعب نشرت بتاريخ 4/ 2/ 1997 تحقيقاً تناول مخالفات بميناء القاهرة الجوي، وإثر ذلك أصدرت اللجنة النقابية للعاملين بالميناء، بياناً وقع عليه المدعي بصفته أحد أعضائه شجبت فيه ذلك التحقيق الصحفي، بيد أن النقابة العامة استدعته للتحقيق أمامها فيما أسند إليه من مخالفات تسئ إلى التنظيم النقابي؛ ثم أخطرته بوقفه عن ممارسة أي نشاط نقابي حتى انتهاء التحقيق معه، وبتاريخ 12/ 4/ 1997 ووجه في التحقيق بما هو منسوب إليه، وأبدى دفاعه رداً عليه، إلا أن النقابة العامة أصدرت قراراها باستمرار إيقافه عن مباشرة نشاطه النقابي، وعرض أمره على جمعيتها العمومية في أول انعقاد لها لاتخاذ قرار فصله من عضوية المنظمة النقابية، وأثناء نظر تلك الدعوى، دفع المدعي بعدم دستورية نص المواد 7 (فقرة أولى) و13 و25 و26 و27 و30 و61 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976، وكذلك نص المادة الثالثة من القانون رقم 12 لسنة 1995 المعدل له، وبعد تقديرها جدية الدفع، صرحت محكمة الموضوع للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المواد المطعون فيها من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 - بعد تعديله بالقانون رقم 12 لسنة 1995 - يجرى نصها على النحو التالي:
المادة 7 (فقرة أولى): "يقوم البنيان النقابي على شكل هرمي وعلى أساس وحدة الحركة النقابية وتتكون مستوياته من المنظمات النقابية التالية:
اللجنة النقابية بالمنشأة أو اللجنة النقابية المهنية.
النقابة العامة.
الاتحاد العام لنقابات العمال..
المادة 13: "للعمال والعمال المتدرجين المشتغلين في مجموعات مهنية أو صناعات متماثلة أو مرتبطة ببعضها أو مشتركة في إنتاج واحد، الحق في تكوين نقابة عامة على مستوى الجمهورية طبقاً للائحة التي يعدها التنظيم النقابي.....".
المادة 25: "لا يجوز فصل عضو الجمعية العمومية للمنظمة النقابية إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس إدارة النقابة العامة وذلك في حالة مخالفته لأحكام هذا القانون أو لوائح الأنظمة الأساسية أو المالية للمنظمات النقابية أو ميثاق الشرف الأخلاقي.
ويتعين قبل عرض أمر فصله على مجلس إدارة النقابة إخطاره كتابة في محل إقامته بما هو منسوب إليه بكتاب موصى عليه بعلم الوصول يحدد فيه ميعاد لسماع أقواله وتحقيق دفاعه بعد أسبوعين على الأقل..".
المادة 26: "لمجلس إدارة النقابة العامة من تلقاء نفسه أو بناء على طلب مجلس إدارة اللجنة النقابية أن يصدر قراراً بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس الإدارة بوقف عضو مجلس إدارة اللجنة النقابية عن مباشرة نشاطه النقابي إذا ارتكب مخالفة لأحكام هذا القانون أو لائحة النظام الأساسي أو المالي أو ميثاق الشرف الأخلاقي...".
المادة 27: "يجب على مجلس إدارة النقابة العامة أو مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات العمال، حسب الأحوال، أن يعرض أمر عضو مجلس الإدارة الموقوف طبقاً للمادة السابقة على الجمعية العمومية للنقابة العامة في أول اجتماع لها بالنسبة لعضو مجلس إدارة اللجنة النقابية أو النقابة العامة، وعلى الجمعية العمومية للاتحاد العام بالنسبة لعضو مجلس إدارة الاتحاد، وذلك لاتخاذ ما تراه مناسباً في شأنه سواء بحسب الثقة منه أو فصله".
المادة 30: "الجمعية العمومية للنقابة العامة أو الاتحاد العام حسب الأحوال هي السلطة العليا التي ترسم سياستها وتشرف على كافة شئونها طبقاً للقواعد والأحكام التي يحددها النظام الأساسي لكل منها بما يلي:
( أ ) ......... (ب) ......... (جـ) ...........
(د) إصدار قرار بشأن أعضاء مجالس الإدارة الموقوفين عن مباشرة النشاط النقابي طبقاً لنص المادة (26) من هذا القانون أو بسحب الثقة أو الفصل طبقاً لنص المادة (27) من هذا القانون من كل أو بعض أعضاء مجالس إدارة المنظمات النقابية..".
المادة 61: "يضع الاتحاد العام لنقابات العمال نظاماً نموذجياً للمنظمات النقابية المختلفة...".
المادة الثالثة من القانون رقم 12 لسنة 1995:
"تلغى المادتان 16 و47 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976".
وكانت المادة 16 تنص على عدم جواز تكوين أكثر من نقابة عامة لعمال المهن والصناعات التي تضمها مجموعة من المجموعات المحددة في الجدول المرفق بهذا القانون. أمام المادة 47 فكانت تنص على أن تختص الجمعية العمومية للمنظمة النقابية بالنظر في منح أو سحب الثقة من عضو مجلس إدارتها الموقوف بالتطبيق المادة 26، فإذا قررت الجمعية العمومية سحب الثقة ورأى مجلس إدارة المنظمة النقابية أن المخالفة التي ارتكبها العضو الموقوف تستوجب فصله من عضويتها اتخذ المجلس بشأنه الإجراءات المنصوص عليها في المواد 25 و27 و28 من هذا القانون.
وحيث إنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية - على ما جرى به قضاء المحكمة - توافر المصلحة فيها، ومناطها أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المثارة في النزاع الموضوعي المرتبطة بهذه المسألة فلا تتعداها؛ وكان الفصل في الطعن بالإلغاء على قرار تأديبي صادر في شأن عضو إحدى المنظمات النقابية، لا يستلزم بطبيعته استجلاء دستورية واحدية الحركة النقابية، أو حرية الاختيار النقابي من عدمه، وهما المسألتان اللتان انتظمتهما المادتان 7 (فقرة أولى) و13 من قانون النقابات العمالية المشار إليه، وكذلك المادة الثالثة من القانون رقم 12 لسنة 1995 فيما تضمنته من إلغاء المادة 16 من ذلك القانون، ومن ثم، فإن الدعوى في هذا الشق منها تكون غير مقبولة.
وحيث إن المحكمة سبق أن حسمت مسألة دستورية نص المادة 61 من قانون النقابات العمالية المطعون فيه بحكمها الصادر بجلسة 7/ 2/ 1998 في القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية "دستورية" والذي قضى برفض الطعن بعدم دستوريته. وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 19/ 2/ 1998؛ لما كان ذلك؛ وكان مقتضى المادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية، حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أي جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، فإن الدعوى بالنسبة لهذا النص تكون غير مقبولة كذلك، ويضحى نطاق الدعوى محصوراً في نصوص المواد 25 و26 و27 و30 من قانون النقابات العمالية المشار إليه، وكذلك المادة الثالثة من القانون رقم 12 لسنة 1995، فيما تضمنته من إلغاء المادة 47 من ذات القانون.
وحيث إن المدعي ينعى على النصوص الطعينة - في نطاقها المتقدم - مناقضتها مبدأ الحرية النقابية، قولاً بأنها تجور على اختصاص الجمعية العمومية للجنة النقابية بمحاسبة أعضائها، منتهكة بذلك مفهوم الدولة القانونية، بالمخالفة المادتين 56 و65 من الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن حق العمال في تكوين تنظيمهم النقابي، وكذلك حرية النقابات ذاتها في إدارتها لشئونها، بما في ذلك إقرار القواعد التي تنظم من خلالها اجتماعاتها وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية، ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم مخالفاً لنظمها، لا ينفصلان عن انتهاجها الديموقراطية أسلوباً وجيداً ينبسط على نشاطها ويكفل بناء تشكيلاتها وفق الإرادة الحرة للعمل المنضمين إليها، بغض النظر عن آرائهم ومعتقداتهم أو توجهاتهم؛ ولا يجوز بوجه خاص إرهاق ذلك بقيود تعطل مباشرة النقابات لوظائفها؛ ولا أن يكون تمتعها بالشخصية الاعتبارية معلقاً على قبولها الحد من ممارستها؛ ولا أن يكون تأسيسها موقوفاً على إذن من الجهة الإدارية؛ ولا أن تُحلَّ هذه نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها، ومن ثم تنحل الحرية النقابية إلى قاعدة أولية في التنظيم النقابي تمنحها بعض الدول، ومن بينها جمهورية مصر العربية - قيمة دستورية في ذاتها؛ لتكفل لكل عامل حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يطمئن إليها، وفي انتقاء واحدة أو أكثر من بينها ليكون عضواً فيها، وكذلك في أن يعدل عن البقاء أي منها منهياً عضويته بها، أو أن ينعزل عنها جميعاً إذا شاء.
وحيث إن المجتمع المدني هو الإطار لكل تنظيم نقابي، وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان مفتوحاً لكل الآراء، قائماً على ضمان فرص حقيقية لتداولها وتفاعلها، مقيداً بما يكون منها محققاً لمصلحة مبتغاة، موازناً بين حقوق المنتمين إليه وواجباتهم، نائياً عما يعد بالمعايير الموضوعية انحرافاً بالسلطة، مؤمَّناً مباشرة أعضاء هذا التنظيم لحقوقهم وحرياتهم التي كفلها الدستور؛ وفي الصدارة منها حرية التعبير، فلا يكون العمل النقابي إملاءً أو التواءً؛ بل تراضياً والتزاماً، كافلاً للمنظمات النقابية على تعدد مستوياتها ديموقراطية بنيانها وفقاً للدستور والقانون، فلا يتنصل القائمون على تطبيقها من القواعد التي ارتضوها ضابطاً لأعمالهم، بل تتم محاسبتهم وفقاً لمعاييرها، ذلك أن تنظيماً نقابياً محدداً على ضوء هذه المفاهيم، لا يستقيم بتنحيتها، بل يكون التقيد بها - إنفاذاً لمحتواها - ضرورة لا محيص عنها.
وحيث إن المعايير والخصائص التي يقوم عليها التنظيم النقابي، هي التي قنن الدستور مجمل أحكامها، بنص المادة 56 منه؛ الذي يجعل إنشاء النقابات على أساس ديموقراطي، حقاً يكفله القانون؛ راعياً لدورها في تنفيذ الخطط والبرامج التي ينشدها المجتمع، مرتقياً بكفايتها؛ وما ذلك، إلا اعترافاً من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التي تمثلها النقابات، وعمق اتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضائها، وتوكيداً لضرورة أن يظل التنظيم النقابي تقدمياً فلا ينحاز لمصالح جانبية أو ضيقة، ولا يرتسم نمطاً بيروقراطياً أو ممالئاً لصالح أرباب الأعمال - على تنوع مشاربهم - أو من يمثلونهم، بل يكون متبنياً نهجاً مقبولاً من جموع أعضائه، وميثاق شرف أخلاقياً نابعاً منهم، وملزماً لهم، يتم على هديه مساءلتهم عما يصدر منهم أثناء ممارستهم أنشطتهم النقابية، أو بمناسبتها، من مسالك نابية عنه، أو خارجة عليه.
وحيث إن المادة 7 من قانون النقابات العمالية المشار إليه، تشيد البنيان النقابي على شكل هرمي، بمراعاة وحدة الحركة النقابية، وتجعل من النقابة العامة الأصل في التشكيلات النقابية، لتتفرع منها اللجان النقابية، وتقيم الاتحاد العام لنقابات العمال على قمة التنظيم النقابي، وغايته - عملاً بنص المادة 8 من هذا القانون - الدفاع عن حقوق أعضائه وحماية مصالحهم وتأمين أوضاعهم وشروط عملهم وتحسينها، والاتقاء بكفايتهم مهنياً، وكذلك بمستوياتهم الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وحيث إن المادتين 32 و33 من قانون النقابات العمالية تدلان على أن كل منظمة نقابية وإن كان لها كيانها الخاص، إلا أن اتصالها ببضعها يؤكد تكامل بنيانها جميعاً؛ فالجمعية العمومية للنقابة العامة تتكون من ممثلي اللجان النقابية لمجموعات المهن أو الصناعات التي تضمها هذه النقابة على مستوى الجمهورية، الذين يتم اختيارهم طبقاً للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قرار من الاتحاد العام لنقابات العمال، بما مؤداه تبادل عضوية مجلس إدارة اللجنة النقابية - وهي قاعدة البنيان النقابي - التمثيل والتأثير في المنظمة النقابية "الأصل" وهي النقابة العامة.
وحيث إن المواد 25 و26 و27 الطعينة، قد نظمت المسئولية التأديبية لأعضاء التنظيمات النقابية بمختلف مستوياتها، فأبانت المخالفات التي يمكن نسبتها إليهم - وتتمثل في انتهاك أحكام قانون النقابات العمالية، أو لائحة النظام الأساسي أو المالي أو ميثاق الشرف الأخلاقي - وحددت الجزاء على مقارفتها متدرجاً من وقف عضو مجلس الإدارة؛ إلى سحب الثقة منه أو فصله، والأغلبية اللازمة لإصدار أي من هذا القرارات، والجهة المختصة بإصدارها، وهي مجلس إدارة النقابة العامة - من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب مجلس إدارة اللجنة النقابية - أو مجلس إدارة الاتحاد العام بنفسه أو بطلب من مجلس إدارة النقابة العامة - بحسب الأحوال، وكفلت لهؤلاء الأعضاء حق الدفاع عن أنفسهم أثناء التحقيق معهم فيما هو منسوب إليهم، ومفاد ذلك، أن المساءلة التأديبية التي اشتملت عليها المواد 25 و26 و27 من قانون النقابات العمالية، لا تخالطها مظنة تدخل من جانب أية جهة أياً كان وزنها أو صفتها في المجال المحجوز على وجه التفرد والاستقلال للتنظيمات النقابية؛ ومن ثم فإن هذه المنصوص تغدو لا نشوز فيها على مبدأ الحرية النقابية الذي اعتنقه الدستور.
وحيث إن النص في المادة 30 (د) من قانون النقابات العمالية على اختصاص الجمعية العمومية للنقابة العامة - بحسبانها السلطة العليا التي ترسم سياستها وتشرف على كافة شئونها - بإصدار القرار الذي تراه مناسباً في شأن عضو مجلس إدارة اللجنة النقابية الموقوف عن مباشرة النشاط النقابي طبقاً لنص المادة (26) من القانون؛ سواء بسحب الثقة منه أو بفصله عملاً بالمادة 27 من القانون ذاته؛ لا ينطوي على شبهة مساس بالأساس الديموقراطي الذي تقوم عليه الحركة النقابية، لما هو مسلم به من أن الجمعية العمومية صاحبة هذا الاختصاص مشكلة من أعضاء نقابيين من بينهم ممثلو اللجنة النقابية التي ينتمي إليها عضو مجلس الإدارة الموقوف؛ وبما لا يعكس من زاوية دستورية افتئاتاً على اللجنة النقابية، أو أعضاء جمعيتها العمومية، أو مجلس إدارتها، وقيداً على حريتهم، أو تهويناً من الضمانات المكفولة لهم.
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون - محدداً على ضوء الأسس التي يعتبر التسليم بها في الدولة الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية - لا يناقضه اعتبار النقابة العامة هي الأصل في التشكيل النقابي، ذلك أن مفردات هذا التشكيل لا تمثل في ذاتها قيمة دستورية يحظر مخالفتها أو الخروج عليها، بل العبرة دوماً بهيمنة العمال أعضاء التنظيمات النقابية - بسائر مستوياتها - على تسيير شئونها، وأن تكون قراراتها نابعة من غالبية آراء جمعياتها العمومية، بناء على تداول للآراء، تقرع فيه الحجة بالحجة، ولا تداخله وصاية إدارية، وأن تكون مرجعيتها إلى النظم الأساسية والمواثيق التي تضعها بنفسها لنفسها من خلال الاتحاد العام لنقاباتها؛ ومن ثم، فإن اتجاه المشرع بنص المادة الثالثة من القانون رقم 12 لسنة 1995 المعدل لقانون النقابات العمالية، إلى إلغاء نص المادة 47 منه بما يحجب الجمعية العمومية ومجلس إدارة اللجنة النقابية معاً عن منح أو سحب الثقة من عضو مجلس الإدارة الموقوف، أو فصله؛ يغدو متسقاً مع هذا الأصل، وبما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق