الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 21 نوفمبر 2023

الطعن 14 لسنة 21 ق جلسة 2/ 6/ 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 تنازع ق 32 ص 1271

جلسة 2 يونيه سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب النجار - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (32)
القضية رقم 14 لسنة 21 قضائية "تنازع"

1 - دعوى فض تناقض الأحكام النهائية "مناط قبولها: اختلاف جهات القضاء - وحدة الموضوع - تعذر التنفيذ".
التناقض الذي يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا للفصل فيه وفقاً للبند ثالثاً من المادة 25 من قانونها؛ هو ذلك الذي يقوم بين حكمين نهائيين صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين إذا كانا متعامدين على محل واحد وتعذر تنفيذهما معاً - لا تناقض كلما كان الحكمان المدعى تناقضهما أو امتناع تنفيذهما معاً، كاشفين عن مجموع الآثار القانونية التي رتبها المشرع على أحد العقود.
2 - دعوى فض الأحكام النهائية "وحدة الموضوع: بيع ملك الغير".
وحدة الموضوع تتحصل في انصباب الحكمين النهائيين المدعى تناقضهما على محل واحد - قضاء أحد حدي التناقض بصحة التعاقد على بيع عقار مملوك لغير البائع، وصدور الحد الآخر قاضياً بعدم نفاذ عقد بيعه في حق المالك الحقيقي - الفصل في وجود التناقض يقتضي بالضرورة الرجوع إلى الأحكام التي نظم بها القانون المدني هذا النوع من البيوع.
3 - تشريع "المادتان 466 و467 من القانون المدني: بيع ملك الغير - آثاره".
البين من نصوص المادتين 466 و467 من القانون المدني أن بيع ملك الغير يكون كذلك كلما باع شخص عيناً معينة بذاتها لا يملكها حين العقد إذا قصد بالبيع نقل ملكيتها في الحال؛ أثره أن هذا البيع لا يعتبر موقوفاً على إجازة مالكها أو إقراره - اعتبار بيع ملك الغير قابلاً للإبطال لمصلحة من اشترى العين من غير مالكها؛ مؤداه: أن بطلان هذا البيع لا يقع بقوة القانون وإنما يظل - وإلى أن يبطل - منتجاً لكل آثار البيع، عدا تلك التي يحول دون قيامها عدم ملكية البائع للمبيع.
4 - تشريع "المادة 139 من القانون المدني: إجازة - إقرار: أثره".
يقرر حكم المادة 139 من القانون المدني قاعدة عامة في شأن العقد القابل للإبطال؛ مقتضاها؛ أن حق إبطال العقد يزول بالإجازة الصريحة أو الضمنية مع بقائه غير نافذ في حق المالك الحقيقي للعين؛ أساسه: أن بطلان العقد - وإن كان يزول بالإجازة - إلا أن الآثار التي تتولد عن عدم سريانه في حق المالك لا يزيلها إلا إقراره إعمال ذلك العقد إنفاذاً لمحتواه، باعتبار هذا الإقرار تصرفاً قانونياً متضمناً إسقاطاً لحق؛ أثره: أن بيع ملك الغير ينقلب بذلك الإقرار صحيحاً في حق من قام بشراء العين ونافذاً كذلك في حق مالكها.
5 - فض تناقض الأحكام النهائية "بيع ملك الغير - تكامل آثاره: عدم قبول الدعوى".
اقتصار أحد حدي التنازع على مجرد تقرير صحة بيع ملك الغير وكشف الحد الآخر عن عدم سريانه في مواجهة الملاك الحقيقيين باعتبارهم أجانب عنه؛ مؤداه: تكامل آثار الحكمين؛ أثره: إمكان تنفيذهما معاً وبالتالي عدم قبول الدعوى.

---------------
1 - التناقض الذي يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا للفصل فيه وفقاً للبند ثالثاً من المادة 25 من قانونها، هو ذلك الذي يقوم بين حكمين نهائيين صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين إذا كانا متعامدين على محل واحد، وتعذر تنفيذهما معاً. فإذا كانا غير متحدين محلاً أو مختلفين نطاقاً، فلا تناقض. وكذلك الأمر كلما كان التعارض بينهما ظاهرياً لا يتعمق الحقائق القانونية، أو كان مما تزول الشبهة فيه من خلال التوفيق بين دلالة ما رمياً إليه ويظهر ذلك بوجه خاص كلما كان الحكمان المدعى تناقضهما وامتناع تنفيذهما معاً، كاشفين - بقضائهما - عن مجموع الآثار القانونية التي رتبها المشرع على أحد العقود التي نظمها، سواء في نطاق العلاقة فيما بين المتعاقدين، أو في مواجهة الغير؛ ذلك أن تفرق هذه الآثار بين حكمين نهائيين، لا يخل بوحدتها أو ينال من تكاملها، باعتبار أن هذين الحكمين حلقتان متصلتان لا تنفصلان عن بعضهما البعض.
2 - وحدة الموضوع التي تعلق بها الحكمان النهائيان المدعى تناقضهما تتحصل في انصبابهما على محل واحد، هو العقار رقم 24 شارع الجمهورية الذي كان البائع لا يملكه حين قام ببيعه إلى الشركة المدعى عليها السابعة، والتي باعته بدورها إلى الهيئة المدعية. وإذ قضى أحد حدي التناقض - وهو الحكم الصادر عن هيئة التحكيم - بصحة التعاقد على بيعه، وكان ثانيهما قد صدر عن المحكمة العليا للقيم قاضياً بعدم نفاذ عقد شراء الشركة المدعى عليها السابعة - والبائعة للهيئة المدعية - في حق المالك الحقيقي، فإن الفصل فيما إذا كان هذان الحكمان يطرحان تناقضاً في التنفيذ مما تختص به المحكمة الدستورية العليا وفقاً لقانونها، يقتضي بالضرورة الرجوع إلى الأحكام التي نظم بها القانون المدني هذا النوع من البيوع، لتقرير ما إذا كان هذان الحكمان - فيما خلصا إليه - يتواءمان معها فلا يتصادمان، أم أنهما متناقضان، ويتهادمان ليكون اجتماع تنفيذهما معاً متعذراً.
3 - يبين من نصوص المادتين 466 و467 التي نظم بها القانون المدني بيع ملك الغير، أن البيع يكون كذلك كلما باع شخص عيناً معينة بذاتها لا يملكها حين العقد، إذا قصد بالبيع نقل ملكيتها في الحال. وإذ كان من المقرر أن بيع العين على هذا النحو لا يعتبر موقوفاً على إجازة مالكها أو إقراره، وإلا كانت آثاره جميعها متوقفاً سريانها على هذه الإجازة، ومتراخية - حتى فيما بين المتعاقدين - إلى حين تمامها، حال أن بيع ملك الغير وفقاً لقواعد القانون المدني لا يعتبر كذلك، إذ ينتج هذا العقد أثره في الحال كالشأن في كل عقد قابل للإبطال. كذلك لا يعتبر هذا العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً، إذ لو كان كذلك، لكان عقداً منعدماً وجوداً انعداماًَ كاملاً، فلا يولد أثراً ولو فيما بين المتعاقدين، ولا يقبل إجازة إذ العدم لا يصير وجوداً ولو أجيز، ولا يتقادم الدفع ببطلانه مهما طال عليه الأمد، إنما يظل البطلان المطلق جزاءً قانونياً مترتباً على عدم استجماع العقد لكامل أركانه، وهو بعد بطلان تمليه طبائع الأشياء، ولا يتصور أن يزول بالنزول عنه. ذلك أن القانون لا يقرره رعاية لمصلحة أحد المتعاقدين، بل لمواجهة مصلحة عامة لها اعتبارها. ومن ثم جاز لكل ذي شأن أن يتمسك بهذا النوع من البطلان. وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها. وعلى خلاف ذلك بيع ملك الغير، إذ يعتبر هذا العقد قابلاً للإبطال لمصلحة متعاقد بذاته، هو من ابتاع العين من غير مالكها، ولعلة بذاتها مرجعها منافاة هذا البيع للأصل فيه باعتباره عقداً ناقلاً للملكية. بما مؤداه أن بطلان بيع ملك الغير لا يقع بقوة القانون، بل يعتبر هذا البيع - وإلى أن يحكم ببطلانه - مكتملاً وجوداًً من الناحية القانونية، شأن كل عقد تكاملت أركانه - ولو حمل سبباً لبطلانه - ليكون بيع ملك الغير بذلك - وإلى أن يبطل - منتجاً لكل آثار البيع، عدا تلك التي يحول دون قيامها عدم ملكية البائع للمبيع.
4 - من المقرر وفقاً لنص المادة 139 من القانون المدني - وحكمها قاعدة عامة في شأن العقد القابل للإبطال - أن حق إبطال العقد يزول بالإجازة صريحة كانت أم ضمنية، وتستند الإجازة دوماً إلى التاريخ الذي تم فيه العقد دون إخلال بحقوق الغير، وإذ كان من المقرر أن الإجازة الصادرة ممن يملكها تصح ولو لم يقترن قبول بها، إذ تعد تصرفاً قانونياً منفرداً صادراً من قبل من تقرر البطلان لمصلحته، ولا يجوز الرجوع فيها بالتالي بادعاء أن هذا القبول لم يصدر بعد، وبها يستقر وجود العقد بصورة نهائية بعد أن كان مهدداً بالزوال، وهي تلحق العقد القابل للإبطال لأن وجوده قانوناً لا شبهة فيه ما دام بطلانه لم يتقرر بعد، ويدل عليها كل عمل يفيد معناها، ويكون كاشفاً عن دلالتها، إذ صدر ممن يملكها في شأن عقد قائم، وكان عالماً بما داخل هذا العقد من عيوب قاصداً التجاوز عنها، بما مؤداه أن دعواه بإبطال العقد، تكون مفتقرة إلى أساسها منافية لمقاصدها، إذا أتى عملاً يدل صراحة أو ضمناً على أنه أجازه، ذلك أن هذه الإجازة هي التي تزيل قابليته للإبطال، وهي التي ينقلب بها العقد صحيحاً على الدوام بعد أن كان وجوده قلقاً، وإن كان ذلك لا يخل بالحقوق التي كفلها القانون للغير؛ ذلك أن العقد يظل حتى مع هذه الإجازة - وعلى ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 466 من القانون المدني - غير نافذ في حق المالك الحقيقي للعين، باعتبار أن بطلان العقد وإن كان يزول بالإجازة، إلا أن الآثار التي تتولد عن عدم سريان هذا العقد في حق مالكها، لا يزيلها إلا إقراره إعمال هذا العقد إنفاذاً لمحتواه، ومن المقرر أن الحكم الذي يصدر على البائع متعلقاً بالمبيع يعتبر حجة على المشتري الذي لم يسجل عقد شرائه، وذلك على أساس أن المشتري يعتبر ممثلاً في شخص البائع في تلك الدعوى المقامة ضده باعتباره خلفاً خاصاً له، لما كان ذلك وكان البيّن من الأوراق أن الهيئة المدعية لم تعمد على الإطلاق إلى إبطال عقد البيع الابتدائي الصادر لصالحها من الشركة المدعى عليها السابعة في شأن عين النزاع، وكان مفاد قضاء المحكمة العليا للقيم بعدم نفاذ عقد شراء الشركة المدعى عليها السابعة - والبائعة للهيئة المدعية - للعين المبيعة ذاتها، في حق الملاك الحقيقيين، أن هذا البيع قد صدر من غير مالك بما مؤداه - وإعمالاً للفقرة الثانية من المادة 466 من القانون المدني - أن عقد شراء الشركة المدعى عليها السابعة يظل قاصراً على أن ينقل لها ملكية عين النزاع، ومن ثم نقلها للهيئة المدعية بمقتضى عقد شرائها، ولا يجوز بالتالي أن يُضار الملاك الحقيقيون بهذا العقد من خلال الاحتجاج بآثاره في مواجهتهم، إذ هم أجانب عنه، ولأن إجازة المشتري للعقد القابل للإبطال، لا تعني أكثر من استبقاء هذا العقد - بالعناصر التي اشتمل عليها - دون تعديل لمضمونها، ومن بينها - في واقعة النزاع الموضوعي - أن محل البيع، ليس مملوكاً للبائع، ولا يتصور أن تنتقل ملكية إلى من سعى إلى كسبها، إلا بإقرار صاحبها لهذا العقد؛ وتلك قاعدة لا استثناء منها، ولا قيد عليها من أحكام القانون المدني. ذلك أن هذا الإقرار، لا يعدو أن يكون تصرفاً قانونياً متضمناً إسقاطاً لحق؛ وهو يصدر عن المقر، باعتباره من الغير في خصوص ذلك العقد، ليزول بصدوره، ما كان يحول دون انتقال الملكية برضاه، بما مؤداه أن الإقرار أبعد من الإجازة أثراً، ذلك أن بيع ملك الغير، ينقلب بذلك الإقرار - وعلى ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 467 من القانون المدني - صحيحاً في حق من قام بشراء العين، ونافذاً كذلك في حق مالكها، على خلاف الإجازة التي يقتصر أثرها على مجرد تصحيح العقد فيما بين المتعاقدين.
(5) متى كان الحكمان المدعى تعارضهما - في نطاق النزاع الراهن - يجمعان معاً الآثار التي رتبها المشرع على بيع ملك الغير، إذ يقتصر أولهما على مجرد تقرير صحته، وكان ثانيهما كاشفاً عن عدم سريانه في مواجهة الملاك الحقيقيين باعتبارهم أجانب عنه، وكانت هذه الآثار على تفرقها لا تتصادم فيما بينها، ولكنها تتكامل بتضاممها، فإن تنفيذ هذين الحكمين معاً يكون ممكناً، وتكون قالة التناقض بينهما مفتقرة إلى شروط قبولها.


الإجراءات

بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس سنة 1998، أودعت الهيئة المدعية قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى، طلباً لفض التناقض بين الحكم الصادر من محكمة القيم في الدعوى 173 لسنة 1 قضائية، والحكم الصادر من هيئة التحكيم بوزارة العدل في الطلب رقم 1699 لسنة 1978، وبصفة مؤقتة وقف تنفيذ الحكم الأول.
وبتاريخ 14/ 12/ 2000 أمر المستشار رئيس المحكمة برفض طلب وقف التنفيذ.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أنه صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1989 لسنة 1965 بفرض الحراسة على أموال وممتلكات السيد/ عبد العليم مرسي المهدي وعائلته ومن بينها العقار رقم 24 شارع الجمهورية، وبموجب عقد ابتدائي مؤرخ 12/ 7/ 1968 باع الحارس العام هذا العقار إلى المدعى عليها السابعة، والتي باعته بدورها إلى المدعية بعقد بيع ابتدائي مؤرخ 16/ 3/ 1976 صدر حكم بصحته ونفاذه في طلب التحكيم رقم 1699 لسنة 1978 المقام من الهيئة المشترية ضد الشركة البائعة. وإذ صدر قرار المدعي العام الاشتراكي بإلغاء قرار فرض الحراسة سالف الذكر والإفراج عن أموال وممتلكات من فرضت عليهم الحراسة، فقد تم تسليمهم أموالهم وممتلكاتهم عدا العقار المشار إليه آنفاً استناداً إلى أنه تم بيعه بعقد ابتدائي للشركة المدعى عليها السابعة. فأقام السيد/ عبد العليم مرسي المهدي وأولاده نبيل ومحمود وسوزان الدعوى رقم 3013 لسنة 1978 مدني جنوب القاهرة الابتدائية ضد كل من وزير المالية ورئيس جهاز تصفه الحراسات والشركة المدعى عليها السابعة بطلب الحكم بعدم نفاذ عقد البيع المؤرخ 12/ 7/ 1968 في حقهم وتسليمهم العقار خالياً، وإذ قضت تلك المحكمة برفض الدعوى، فقد طُعن على هذا الحكم بالاستئناف رقم 4943 لسنة 96 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة فقضت تلك المحكمة بإحالة الدعوى إلى محكمة القيم للاختصاص حيث قيدت برقم 173 لسنة 1 قضائية "قيم" والتي قضت بتاريخ 2/ 3/ 1991 بطلبات المدعين فيها، وتأيد هذا القضاء بالحكم الصادر من المحكمة العليا للقيم في الطعن رقم 26 لسنة 11 قضائية "قيم عليا" وإذ تراءى للهيئة المدعية أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 173 لسنة 1 قضائية الصادر من محكمة القيم - والمؤيد للحكم في الطعن رقم 26 لسنة 11 قضائية الصادر من المحكمة العليا للقيم - يناقض الحكم الصادر من هيئة التحكيم في الطلب رقم 1699 لسنة 1978، باعتبار أن الحكم الصادر بعدم سريان عقد البيع الابتدائي المبرم بين الحارس العام والشركة المدعى عليها السابعة في حق الملاك الحقيقيين، يحول دون تنفيذ الحكم بصحة عقد البيع الصادر لها من الشركة المدعى عليها السابعة، ومن ثم فقد أقامت دعواها ابتغاء القضاء بفض هذا التناقض والاعتداد بالحكم الصادر في الطلب رقم 1699 لسنة 1978 آنف الذكر.
وحيث إن التناقض الذي يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا للفصل فيه وفقاً للبند ثالثاً من المادة 25 من قانونها، هو ذلك الذي يقوم بين حكمين نهائيين صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين إذا كانا متعامدين على محل واحد، وتعذر تنفيذهما معاً. فإذا كانا غير متحدين محلاً أو مختلفين نطاقاً، فلا تناقض وكذلك الأمر كلما كان التعارض بينهما ظاهرياً لا يتعمق الحقائق القانونية، أو كان مما تزول الشبهة فيه من خلال التوفيق بين دلالة ما رميا إليه ويظهر ذلك بوجه خاص كلما كان الحكمان المدعى تناقضهما وامتناع تنفيذهما معاً، كاشفين - بقضائهما - عن مجموع الآثار القانونية التي رتبها المشرع على أحد العقود التي نظمها، سواء في نطاق العلاقة فيما بين المتعاقدين، أو في مواجهة الغير؛ ذلك أن تفرق هذه الآثار بين حكمين نهائيين، لا يخل بوحدتها أو ينال من تكاملها، باعتبار أن هذين الحكمين حلقتان متصلتان لا تنفصلان عن بعضهما البعض.
وحيث إن وحدة الموضوع التي تعلق بها الحكمان النهائيان المدعى تناقضهما تتحصل في انصبابهما على محل واحد، هو العقار رقم 24 شارع الجمهورية الذي كان البائع لا يملكه حين قام ببيعه إلى الشركة المدعى عليها السابعة، والتي باعته بدورها إلى الهيئة المدعية. وإذ قضى أحد حدي التناقض - وهو الحكم الصادر عن هيئة التحكيم - بصحة التعاقد على بيعه، وكان ثانيهما قد صدر عن المحكمة العليا للقيم قاضياً بعدم نفاذ عقد شراء الشركة المدعى عليها السابعة - والبائعة للهيئة المدعية - في حق المالك الحقيقي، فإن الفصل فيما إذا كان هذان الحكمان يطرحان تناقضاً في التنفيذ مما تختص به المحكمة الدستورية العليا وفقاً لقانونها، يقتضي بالضرورة الرجوع إلى الأحكام التي نظم بها القانون المدني هذا النوع من البيوع، لتقرير ما إذا كان هذان الحكمان - فيما خلصا إليه - يتواءمان معها فلا يتصادمان، أم أنهما متناقضان، ويتهادمان ليكون اجتماع تنفيذهما معاً متعذراً.
وحيث إن المادة 466 من القانون المدني تنص على أنه:
"1 - إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات وهو لا يملكه، جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع، ويكون الأمر كذلك ولو وقع البيع على عقار سجل العقد أو لم يسجل.
2 - وفي كل حال، لا يسري هذا البيع في حق المالك للعين المبيعة ولو أجاز المشتري العقد".
كما تنص المادة 467 منه على أنه:
"1 - إذ أقر المالك البيع سرى العقد في حقه وانقلب صحيحاً في حق المشتري.
2 - وكذلك ينقلب العقد صحيحاً في حق المشتري، إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بعد صدور العقد".
وحيث إن البين من مجموع النصوص السابق بيانها التي نظم به القانون المدني بيع ملك الغير، أن البيع يكون كذلك كلما باع شخص عيناً معينة بذاتها لا يملكها حين العقد، إذا قصد بالبيع نقل ملكيتها في الحال. وإذ كان من المقرر أن بيع العين على هذا النحو لا يعتبر موقوفاً على إجازة مالكها أو إقراره، وإلا كانت آثاره جميعها متوقفاً سريانها على هذه الإجازة، ومتراخية - حتى فيما بين المتعاقدين - إلى حين تمامها، حال أن بيع ملك الغير وفقاً لقواعد القانون المدني لا يعتبر كذلك، إذ ينتج هذا العقد أثره في الحال كالشأن في كل عقد قابل للإبطال. كذلك لا يعتبر هذا العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً، إذ لو كان كذلك، لكان عقداً منعدماً وجوداً انعداماًَ كاملاً، فلا يولد أثراً ولو فيما بين المتعاقدين، ولا يقبل إجازة إذ العدم لا يصير وجوداً ولو أجيز، ولا يتقادم الدفع ببطلانه مهما طال عليه الأمد، إنما يظل البطلان المطلق جزاءً قانونياً مترتباً على عدم استجماع العقد لكامل أركانه، وهو بعد بطلان تمليه طبائع الأشياء، ولا يتصور أن يزول بالنزول عنه. ذلك أن القانون لا يقرره رعاية لمصلحة أحد المتعاقدين، بل لمواجهة مصلحة عامة لها اعتبارها. ومن ثم جاز لكل ذي شأن أن يتمسك بهذا النوع من البطلان. وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها. وعلى خلاف ذلك بيع ملك الغير، إذ يعتبر هذا العقد قابلاً للإبطال لمصلحة متعاقد بذاته، هو من ابتاع العين من غير مالكها، ولعلة بذاتها مرجعها منافاة هذا البيع للأصل فيه باعتباره عقداً ناقلاً للملكية. بما مؤداه أن بطلان بيع ملك الغير لا يقع بقوة القانون، بل يعتبر هذا البيع - وإلى أن يحكم ببطلانه - مكتملاً وجوداً من الناحية القانونية، شأن كل عقد تكاملت أركانه - ولو حمل سبباً لبطلانه - ليكون بيع ملك الغير بذلك - وإلى أن يبطل - منتجاً لكل آثار البيع، عدا تلك التي يحول دون قيامها عدم ملكية البائع للمبيع.
وحيث إن من المقرر وفقاً لنص المادة 139 من القانون المدني - وحكمها قاعدة عامة في شأن العقد القابل للإبطال - أن حق إبطال العقد يزول بالإجازة صريحة كانت أم ضمنية، وتستند الإجازة دوماً إلى التاريخ الذي تم فيه العقد دون إخلال بحقوق الغير، وإذ كان من المقرر أن الإجازة الصادرة ممن يملكها تصح ولو لم يقترن قبول بها، إذ تُعد تصرفاً قانونياً منفرداً صادراً من قبل من تقرر البطلان لمصلحته، ولا يجوز الرجوع فيها بالتالي بادعاء أن هذا القبول لم يصدر بعد، وبها يستقر وجود العقد بصورة نهائية بعد أن كان مهدداً بالزوال، وهي تلحق العقد القابل للإبطال لأن وجوده قانوناً لا شبهة فيه ما دام بطلانه لم يتقرر بعد، ويدل عليها كل عمل يفيد معناها، ويكون كاشفاً عن دلالتها، إذا صدر ممن يملكها في شأن عقد قائم، وكان عالماً بما داخل هذا العقد من عيوب قاصداً التجاوز عنها، بما مؤداه أن دعواه بإبطال العقد، تكون مفتقرة إلى أساسها منافية لمقاصدها، إذا أتى عملاً يدل صراحة أو ضمناً على أنه أجازه، ذلك أن هذه الإجازة هي التي تزيل قابليته للإبطال، وهي التي ينقلب بها العقد صحيحاً على الدوام بعد أن كان وجوده قلقاً، وإن كان ذلك لا يخل بالحقوق التي كفلها القانون للغير؛ ذلك أن العقد يظل حتى مع هذه الإجازة - وعلى ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 466 من القانون المدني - غير نافذ في حق المالك الحقيقي للعين، باعتبار أن بطلان العقد وإن كان يزول بالإجازة، إلا أن الآثار التي تتولد عن عدم سريان هذا العقد في حق مالكها، لا يزيلها إلا إقراره إعمال هذا العقد إنفاذاً لمحتواه.
وحيث إنه من المقرر أن الحكم الذي يصدر على البائع متعلقاً بالمبيع يعتبر حجة على المشتري الذي لم يسجل عقد شرائه، وذلك على أساس أن المشتري يعتبر ممثلاً في شخص البائع في تلك الدعوى المقامة ضده باعتباره خلفاً خاصاً له، لما كان ذلك وكان البيّن من الأوراق أن الهيئة المدعية لم تعمد على الإطلاق إلى إبطال عقد البيع الابتدائي الصادر لصالحها من الشركة المدعى عليها السابعة في شأن عين النزاع، وكان مفاد قضاء المحكمة العليا للقيم بعدم نفاذ عقد شراء الشركة المدعى عليها السابعة - والبائعة للهيئة المدعية - للعين المبيعة ذاتها، في حق الملاك الحقيقيين، أن هذا البيع قد صدر من غير مالك بما مؤداه - وإعمالاً للفقرة الثانية من المادة 466 من القانون المدني - أن عقد شراء الشركة المدعى عليها السابعة يظل قاصراً على أن ينقل لها ملكية عين النزاع، ومن ثم نقلها للهيئة المدعية بمقتضى عقد شرائها، ولا يجوز بالتالي أن يُضار الملاك الحقيقيون بهذا العقد من خلال الاحتجاج بآثاره في مواجهتهم، إذ هم أجانب عنه، ولأن إجازة المشتري للعقد القابل للإبطال، لا تعني أكثر من استبقاء هذا العقد - بالعناصر التي اشتمل عليها - دون تعديل لمضمونها، ومن بينها - في واقعة النزاع الموضوعي - أن محل البيع، ليس مملوكاً للبائع، ولا يتصور أن تنتقل ملكية إلى من سعى إلى كسبها، إلا بإقرار صاحبها لهذا العقد؛ وتلك قاعدة لا استثناء منها، ولا قيد عليها من أحكام القانون المدني. ذلك أن هذا الإقرار، لا يعدو أن يكون تصرفاً قانونياً متضمناً إسقاطاً لحق؛ وهو يصدر عن المقر، باعتباره من الغير في خصوص ذلك العقد، ليزول بصدوره، ما كان يحول دون انتقال الملكية برضاه؛ بما مؤداه أن الإقرار أبعد من الإجازة أثراً، ذلك أن بيع ملك الغير، ينقلب بذلك الإقرار - وعلى ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 467 من القانون المدني - صحيحاً في حق من قام بشراء العين، ونافذاً كذلك في حق مالكها، على خلاف الأجازة التي يقتصر أثرها على مجرد تصحيح العقد فيما بين المتعاقدين.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الحكمان المدعى تعارضهما - في نطاق النزاع الراهن - يجمعان معاً الآثار التي رتبها المشرع على بيع ملك الغير، إذ يقتصر أولهما على مجرد تقرير صحته، وكان ثانيهما كاشفاً عن عدم سريانه في مواجهة الملاك الحقيقيين باعتبارهم أجانب عنه، وكانت هذه الآثار على تفرقها لا تتصادم فيما بينها، ولكنها تتكامل بتضاممها، فإن تنفيذ هذين الحكمين معاً يكون ممكناً، وتكون قالة التناقض بينهما مفتقرة إلى شروط قبولها، وهو ما يتعين الحكم به.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق