الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 نوفمبر 2023

الطعن 1171 لسنة 81 ق جلسة 13 / 12 / 2021 مكتب فني 72 ق 114 ص 725

جلسة 13 من ديسمبر سنة 2021

برئاسة السيد القاضي/ رفعت فهمي العزب "نائب رئيس المحكمة"، وعضوية السادة القضاة / طلبه مهنى محمد، حاتم عبد الوهاب حمودة، عادل حسني عبدالحميد ومحمد عبد المولى شحاتة "نواب رئيس المحكمة".

-------------

(114)

الطعن رقم 1171 لسنة 81 القضائية

(1) حكم " الطعن في الحكم : الأحكام التي لا يجوز الطعن فيها استقلالًا : الحكم الصادر برفض طلب رد القضاة " .

الطعن بالنقض أو التماس إعادة النظر في الحكم الصادر برفض طلب رد القاضي . شرطه . نظره مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية وفقًا لإجراءات ومواعيد الطعن فيه والقانون الذي يحكمه . م 157 فقرة أخيرة مرافعات . علة ذلك .

(2) نقض " الأحكام الجائز الطعن فيها بالنقض : جواز الطعن بالنقض على حكم التعويض عن رد القاضي استقلالًا عن الدعوى الأصلية محل طلب الرد " .

إقامة دعوى تعويض من القاضي المطعون ضده المطلوب رده تأسيسًا على الحكم برفض طلب الرد المقام ضده من الطاعن طالب الرد . مؤداه . عدم سريان القيد الوارد بالمادة 157 فقرة أخيرة مرافعات عليه . مفاده . جواز طعن الأخير بالنقض على حكم التعويض استقلالًا عن الدعوى الأصلية محل طلب الرد . دفع النيابة بعدم الجواز . على غير أساس .

(4،3) استئناف " الحكم في الاستئناف : تسبيبه " .

(3) قضاء محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي . مقتضاه . إحالتها إلى ما جاء في هذا الحكم من وقائع وأسباب . شرطه . كفايتها لحمل قضائه وعدم استناد الخصوم أمامها إلى أوجه دفاع جديدة تخرج عما قدموه أمام محكمة أول درجة .

(4) تناول الحكم الابتدائي الرد بأسباب سائغة على دعوى الطاعن الفرعية بطلب تعويضه عن خطأ المطعون ضده المهني وإساءته استعمال حق التقاضي . تأييد محكمة الاستئناف هذا الحكم محمولًا على أسبابه . مفاده . أنها لم تجد فيما وُجِّه إلى الحكم الابتدائي من مطاعن ما يستأهل الرد عليه بأكثر مما تضمنته أسبابه . النعي عليه بهذا السبب . على غير أساس .

(5) حكم " حجية الأحكام : شروط الحجية : الشروط الواجب توافرها في الحق المدعى به " .

حجية الأمر المقضي . مناطها . وحدة الموضوع بين الدعوى التي سبق الفصل فيها والدعوى المطروحة . شرطه . تناقش الطرفين في المسألة الأساسية المقضي فيها بالدعوى الأولى واستقرار حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا دون أن تتغير تلك المسألة . أثره . ما لم تنظر فيه المحكمة لا يكون موضوعًا لحكم يحوز قوة الأمر المقضي . م 101 إثبات .

(6) قضاة " رد القضاة : رفض طلب الرد لعدم توافر إحدى حالاته لا يحوز حجية في دعوى التعويض عنه " .

القضاء برفض طلب الرد تأسيسًا على عدم توافر إحدى حالاته المنصوص عليها في المادة 148 مرافعات دون بيان خطأ الطاعن الذي تضمنه طلب الرد ويعد مساسًا بنزاهة القاضي المطعون ضده وحيدته وسمعته وإساءة من الطاعن في استعمال حقه في التقاضي . مؤداه . عدم حيازته قوة الأمر المقضي في ثبوت خطأ الطاعن التقصيري المُقام عليه دعوى القاضي المطعون ضده بطلب تعويضه عن إساءة استعمال الطاعن حق التقاضي بنية الإضرار به . مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضاؤه للمطعون ضده بالتعويض استنادًا لحجية ذلك القضاء . خطأ .

(7) قضاة " رد القضاة " " مبدأ حياد القاضي " .

مبدأ حياد القاضي . قوامه . اطمئنان المتقاضي إلى أن القضاء لا يصدر إلا بالحق دون تحيز أو هوى . حقه في رد القاضي عن نظر نزاع بعينه . مناطه . توافر الجدية وعدم استخدامه سبيلًا لعرقلة الفصل في القضايا والإساءة إلى القضاة . الانحراف في مباشرة هذا الحق ابتغاء مضارة الغير . موجب للمسئولية . جواز الحكم على طالب الرد بالتعويض . شرطه . تضمن طلب الرد ما ينالُ من حيدة القاضي وسُمعته .

(8) مسئولية " المسئولية التقصيرية : المسئولية عن إساءة استعمال حق التقاضي " .

مُسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي استعمالًا كيديًّا غير مشروع . شرطه . إيراد الحكم للعناصر الواقعية والظروف التي يصح استخلاص نية الكيد منها استخلاصًا سائغًا . تكييف الفعل بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه من مسائل القانون . مؤداه . خضوعه لرقابة محكمة النقض .

(9) قضاة " رد القضاة : خلو طلب الرد من الإساءة للقاضي ينتفي معه ركن الخطأ المُوجِب للتعويض " .

عبارات الطاعن الشارحة لوجهة نظره ودفاعه في طلب رد القاضي المطعون ضده لإثبات قيام إحدى حالاته وخُلوها مما يعد مساسًا بنزاهة القاضي وحيدته وسمعته . مؤداه . انتفاء ركن الخطأ الموجب للمسئولية في حق الأول . قضاء الحكم المطعون فيه بمسئولية طالب الرد عن التعويض استنادًا إلى أن تلك العبارات تُعد تجاوزًا في حق القاضي المطلوب رده رغم أنها لا تفيد ذلك . خطأ وفساد .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المقرر -في قضاء محكمة النقض– أنَّ النصَ في الفقرة الأخيرة من المادة 157 من قانون المرافعات على أنه "وفي جميع الأحوال لا يجوز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية"، يدلُ على أنَّ المشرعَ خروجًا منه على القاعدة العامة للطعن في الأحكام لم يُجِزْ الطعن بالنقض أو التماس إعادة النظر في حكم محكمة الاستئناف الصادر برفض طلب رد أحد القضاة إلَّا مع الطعن في الدعوى الأصلية وفقًا لإجراءات ومواعيد الطعن فيها والقانون الذي يحكمه؛ وذلك على أساس أن خصومة الرد هي مسألة فرعية بالنسبة للدعوى الأصلية.

2- إذ كانت الدعوى الماثلةُ هي دعوى تعويضٍ عن طلب الرد أقامها (القاضي) المطعون ضده على الطاعن بوصفه طالب الرد، ومن ثم فإن الطعن بالنقض على الحكم الصادر فيها يكون جائزًا، ولا يسري بشأنه القيد الوارد بالفقرة الأخيرة من المادة (157 من قانون المرافعات) آنفة البيان الخاص بالطعن المرفوع على الحكم الصادر برفض طلب الرد (بشأن عدم جواز الطعن بالنقض استقلالاً في الحكم الصادر برفض طلب رد أحد القضاة إلا مع الطعن في الدعوى الأصلية المرفوع عنها طلب الرد)، ويكون الدفع على غير أساس.

3- المقرر -في قضاء محكمة النقض– أن لمحكمة الاستئناف إذا هي قضت بتأييد الحكم الابتدائي أن تُحيل على ما جاء فيه سواءً في بيان وقائع الدعوى أو في الأسباب التي أُقيم عليها متى كانت تكفي لحمله، ولم يكن الخصوم قد استندوا أمام محكمة الاستئناف إلى أوجه دفاعٍ جديدةٍ تخرج في جوهرها عما قدموه لمحكمة أول درجة.

4- إذ كان الحكم الابتدائي قد تناول دعوى الطاعن الفرعية التي أقامها طالبًا التعويض عن الخطأ المهني الذي ارتكبه المطعون ضده وعن إساءته استخدام حق التقاضي، وخلُص الحكم بأسبابٍ سائغةٍ لها أصلٌ ثابتٌ في الأوراق وتضمنت الرد المسقط لأسباب استئناف الطاعن في هذا الخصوص، فلا على محكمة الاستئناف إنْ هي اعتنقت أسباب ذلك الحكم دون إضافة؛ لأن في تأييدها له محمولًا على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد فيما وُجِّه إليه من مطاعن ما يستأهل الرد عليه بأكثر مما تضمنته تلك الأسباب، ويضحى النعي على حكمها بهذا السبب على غير أساس.

5- المقرر -في قضاء محكمة النقض– أن مناط حجية الأمر المقضي وفقًا للمادة 101 من قانون الإثبات هو وحدة الموضوع بين الدعوى التي سبق الفصل فيها والدعوى المطروحة بحيث تكون المسألة المقضي فيها مسألةً أساسيةً لم تتغير، وأن يكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى، واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا، وتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعيه في الدعوى الثانية أيٌّ من الطرفين قِبل الآخر من حقوقٍ متفرعة عنها، وأنَّ ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعًا لحكمٍ يحوز قوة الأمر المقضي.

6- إذ كان البين ممَّا حصله الحكم المطعون فيه أن الحكم الصادر في الدعوى رقم ... لسنة 62 ق الإسكندرية قد أقام قضاءه برفض طلب رد (القاضي) المطعون ضده عن نظر القضية رقم ... لسنة 2005 مدني محكمة الإسكندرية الابتدائية على سندٍ من عدم توافر إحدى حالات رد القضاة المنصوص عليها على سبيل الحصر في المادة 148 من قانون المرافعات دون أن يتطرق الحكم لخطأ الطاعن فيما تضمنه طلب الرد أو ما أُبدي فيه من دفاعٍ والذي من شأنه أن ينال من نزاهة القاضي (المطعون ضده) وحيدته وسمعته ويُعدُّ في ذات الوقت إساءةً لاستعمال حق التقاضي، ومن ثَمَّ فإنَّ الحكم المذكور لا يحوزُ قوة الأمر المقضي في ثبوت الخطأ التقصيري في دعوى التعويض الراهنة المتمثل في إساءة استخدام حق التقاضي بأن يكون استعماله كيديًّا بنية الإضرار بالقاضي (المطعون ضده) المطلوب رده، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر (وقَضى للقاضي المطعون ضده بالتعويض استنادًا لحجية ذلك الحكم) فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.

7- المقرر -في قضاء محكمة النقض– أن مبدأ حياد القاضي يتأسس على قاعدةٍ أصوليَّةٍ قوامُها وجوبُ اطمئنان المتقاضي إلى قاضيه، وأن قضاءه لا يصدر إلا عن الحق وحده دون تحيزٍ أو هوى، وحرصت الأحكام التشريعية المُنظمة لشئون القضاء على تدعيم وتوفير هذه الحيدة ولم تَغفل عن حق المتقاضي إنْ كانت لديه أسبابٌ تدعو إلى مظنة التأثير في هذه الحيدة أنْ يجد السبيل لِيَحول بين من قامت في شأنه تلك المظنة وبين القضاء في دعواه، ومن ثَمَّ فقد قام حقه في رد القاضي عن نظر نزاعٍ بعينه كحقٍ من الحقوق الأساسية التي ترتبط بحق التقاضي ذاته، إلَّا إنَّه لمَّا كان هذا الحق من الحقوق قد تعرَّض لِأنْ تَستشري في شأنه ظاهرةُ إساءة استعماله بالإفراط فيه واستخدامه سبيلًا للكيد في الخصومة واللدد فيها وإطالة أمد الفصل في القضايا دون تحسُّبٍ لِمَا يُؤدِي إليه الأمرُ من إيذاءِ القُضاة في اعتبارهم ومكانتهم ومشاعرهم وجعل نزاهتهم وحيدتهم محل شكٍ من الخصوم، وسمعتهم مضغةً في الأفواه، وإزاء هذا الذي آلَ إليه الأمر من تعطيل الفصل في الدعاوى والإسراف في النيل من القُضاة تَدَخَّلَ المشرعُ بإجراء تعديلٍ تشريعيٍّ للنصوص المُنظمة لأوضاع رد القضاة بما يُحقق التوازن التشريعي بين المحافظة على حق المتقاضين في رد القضاة إذا توافرت أسبابه وبين تقرير ضوابطَ دقيقةٍ تجعل من مُمارسة هذا الحقِّ منوطًا بتوافر الحيدة والبُعد عن العبث والحيلولة دون استخدامه سبيلًا للكيد وعرقلة الفصل في القضايا والإساءة إلى القضاة، وإذ كان حق الالتجاء إلى القضاء من الحقوق العامة التي كفلها الدستور لكل مُواطنٍ إلا أنه لا يسوغ لمن يُباشر هذا الحق الانحراف به عما شُرع له واستعماله استعمالاً كيديًّا ابتغاءَ مضارة الغير، وإلا حُقَّت مُساءلتُه عن تعويض الأضرار التي تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق، ومن ثَمَّ حُقَّ للقاضي الذي تضرر برده عن نظر نزاعٍ بعينه أن يلجأ إلى القضاء للحُكم على طالب الرد بالتعويض إعمالًا للقواعد العامة التي تقضي بمُساءلة مَن انحرف في استعمال حق التقاضي عن الأضرار التي نجمت عن ذلك، ويتحقق الخطأ عن ذلك بما تضمنه طلب الرد وما حواه أو أُبدي فيه من دفاعٍ على نحوٍ ينال من نزاهة القاضي وحيدته وسمعته.

8- المقرر -في قضاء محكمة النقض– أن الحكم الذي ينتهي إلى مسئولية خِصمٍ عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي استعمالًا كيديًا غير مشروع يتعين عليه أن يُورِد العناصر الواقعية والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص نية الانحراف والكيد فيها استخلاصًا سائغًا، وأنَّ تكييف الفعل إذا كان خطأً أو نفي هذا الوصف عنه هو من مسائل القانون التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض.

9- إذ كان الحكم المطعون فيه قد شيَّد قضاءه بمسئولية الطاعن عن التعويض في دعامته الثانية على سندٍ من أنَّ ما تضمنه طلبُ الرد من ألفاظٍ وعباراتٍ يُعدُّ تجاوزًا من الطاعن في حق القاضي المطلوب رده، وذلك فيما أورد فيه "أن القاضي المطلوب رده تشبَّث برأيه قبل سماع الدفاع، وأنَّ تقديره في الدعوى قد شُلَّ، وأنَّه فصل في النزاع دون التفاتٍ إلى ما قدمه من مستنداتٍ رسميةٍ، وأنَّ طالب الرد لا يطمئن إلى ما قدمه في الدعوى من أوراق"، وكان هذا الذي استند إليه الحكم وأقام قضاءه عليه لا يكفي لإثبات انحراف الطاعن عن حقه المكفول في التقاضي على نحوٍ يدلُ على توافر قصد الكيد لديه إضرارًا بالمطعون ضده؛ ذلك أن تلك الألفاظ والعبارات التي ساقها الطاعن بطلب الرد جاءت لتأكيد جدية طلب الرد وشرحًا لوجهةِ نظرهِ ودفاعهِ في قيام إحدى حالات الرد في حق القاضي المطلوب رده، ولا يُستفاد منها ولا يوجد ما يُحمل فيها على توافر قصد المساس بنزاهة وحيدة وسمعة القاضي المطلوب رده، وهو ما ينفي ركن الخطأ المُوجِب للمسئولية المدنية في حق الطاعن، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون فضلًا عن فساده في الاستدلال قد شابَهُ الخطأ في تطبيق القانون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المــقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.

حيثُ إنَّ الوقائعَ –على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق– تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن الدعوى رقم ... لسنة 2008 مدني محكمة الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي إليه مبلغ مليون جنيه تعويضًا عما لحقه من أضرارٍ ماديةٍ وأدبيةٍ، وقال بيانًا لذلك: إنه حال نظره -كرئيسٍ لإحدى الدوائر المدنية بمحكمة الإسكندرية الابتدائية- لنزاع قضائي حول تصفية شركة بين الطاعن وآخرين في الدعوى رقم ... لسنة 2005 مدني محكمة الإسكندرية الابتدائية وبسبب وجود خطأ ماديٍ بحكم الاستجواب في ذكر رقم توكيل الطاعن الصادر له من مُورث خصومه تقدَّم بشكوى ضده إلى رئيس المحكمة ورئيس التفتيش القضائي، ثم أقام الدعوى رقم ... لسنة 62 ق الإسكندرية طالبًا رده عن نظر تلك القضية وأورد بطلب الرد ما من شأنه المساس بحيدته وسمعته ونزاهته، وإذ قُضي برفض طلب الرد، وباتَ الحكم في شأنه حائزًا لقوة الأمر المقضي، وهو ما يتحقق به الخطأ المُوجب للمسئولية، وقد لحِقه أضرارٌ مادية وأدبية من جراء ذلك يُقدِّر التعويض عنها بالمبلغ المطالب به؛ لذلك أقام دعواه. وجَّه الطاعن دعوى فرعية طالبًا إلزام المطعون ضده وآخرين - غير مُختصمين في الطعن - بالتضامم بأن يؤدوا إليه مبلغ مليون جنيه تعويضًا عن الخطأ الجسيم الذي اقترفه المطعون ضده لإساءته استعمال حق التقاضي. حكمت المحكمة في الدعوى الأصلية بإلزام الطاعن بأن يؤدي إلى المطعون ضده مبلغ خمسين ألف جنيه تعويضًا عن الأضرار الأدبية، وفي الدعوى الفرعية برفضها. استأنف المحكوم له هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 66 ق الإسكندرية، كما استأنفه الطاعن بالاستئناف رقم ... لسنة 66 ق الإسكندرية. ضمت المحكمة الاستئناف الثاني للاستئناف الأول وقضت فيهما بتاريخ 24/11/2010 برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة دفعت فيها بعدم جواز الطعن وفي موضوعه أبدت الرأي برفضه، وإذ عُرض الطعنُ على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيثُ إنَّ مبنى الدفع المُبدى من النيابة بعدم جواز الطعن أنَّ الأحكام الصادرة برفض طلبات رد القضاة لا يجوز الطعن فيها إلَّا مع الحكم الصادر في الدعوى الأصلية محل طلب الرد.

وحيثُ إنَّ هذا الدفع في غير محله؛ ذلك أنَّ النص في الفقرة الأخيرة من المادة 157 من قانون المرافعات على أنه "وفي جميع الأحوال لا يجوز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلَّا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية"، يدل على أن المشرع خروجًا منه على القاعدة العامة للطعن في الأحكام لم يُجِز الطعن بالنقض أو التماس إعادة النظر في حكم محكمة الاستئناف الصادر برفض طلب رد أحد القضاة إلا مع الطعن في الدعوى الأصلية وِفقًا لإجراءات ومواعيد الطعن فيها والقانون الذي يحكمه؛ وذلك على أساس أن خصومة الرد هي مسألة فرعية بالنسبة للدعوى الأصلية. لمَّا كان ذلك، وكانت الدعوى الماثلة هي دعوى تعويض عن طلب الرد أقامها المطعون ضده على الطاعن بوصفه طالب الرد، ومن ثَمَّ فإن الطعن بالنقض على الحكم الصادر فيها يكون جائزًا، ولا يسري بشأنه القيد الوارد بالفقرة الأخيرة من المادة آنفة البيان الخاص بالطعن المرفوع على الحكم الصادر برفض طلب الرد، ويكون الدفع على غير أساس.

وحيثُ إنَّ الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيثُ إنَّ الطعنَ أُقيم على سببين ينعَى الطاعن بالسبب الثاني منهما على الحكم المطعون فيه القصورَ في التسبيب ومخالفةَ الثابت بالأوراق والإخلالَ بحق الدفاع؛ إذ أغَفل الرد على أسباب استئنافه فيما يتعلق بالحكم القاضي برفض دعواه الفرعية رغم إقرار المطعون ضده قضائيًا بارتكابه خطأً يسيرًا بصحيفة الدعوى الأصلية وهو ما يمنحه الحق في مطالبته بالتعويض عن هذا الخطأ أيًا كانت درجة جسامته، ممَّا يعيب الحكم، ويستوجب نقضه.

وحيثُ إنَّ هذا النعي في غير محله؛ ذلك أنه من المقرر –في قضاء هذه المحكمة– أن لمحكمة الاستئناف إذا هي قضت بتأييد الحكم الابتدائي أن تحيل على ما جاء فيه سواءً في بيان وقائع الدعوى أو في الأسباب التي أُقيم عليها متى كانت تكفي لحمله، ولم يكن الخصوم قد استندوا أمام محكمة الاستئناف إلى أوجه دفاعٍ جديدةٍ تخرج في جوهرها عما قدموه لمحكمة أول درجة. لمَّا كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد تناول دعوى الطاعن الفرعية التي أقامها طالبًا التعويض عن الخطأ المهني الذي ارتكبه المطعون ضده وعن إساءته استخدام حق التقاضي، وخلُص الحكم بأسباب سائغةٍ لها أصل ثابت في الأوراق، وتضمنت الرد المسقط لأسباب استئناف الطاعن في هذا الخصوص، فلا على محكمة الاستئناف إنْ هي اعتنقت أسباب ذلك الحكم دون إضافة؛ لأن في تأييدها له محمولًا على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد فيما وجه إليه من مطاعن ما يستأهل الرد عليه بأكثر مما تضمنته تلك الأسباب، ويضحى النعي على حكمها بهذا السبب على غير أساس.

وحيثُ إنَّ الطاعن ينعَى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول: إنَّ الحكم الصادر برفض طلب الرد لا يحوز قوة الأمر المقضي في دعوى التعويض الراهنة؛ لأنه لم يتناول في أسبابه رُكن الخطأ المُوجِب للمسئولية في حقه، وإنما شيَّد قضاءه على انتفاء حالة من حالات الرد الواردة على سبيل الحصر في المادة 148 من قانون المرافعات، كما أنَّه استخدم حقًا مقررًا له بمقتضى القانون دون أن ينحرف في استعماله لهذا الحق، وأن ما أورده من عباراتٍ وألفاظٍ بطلب الرد تدخل في السياق الواسع لمفهوم كلمتي العداوة أو المودة كسبب لرد القضاة، فإن الحكم المطعون فيه إذ ألزمه بالتعويض المقضي به التزامًا بحجية الحكم الصادر برفض دعوى الرد وعلى ما جاء بطلب الرد من عباراتٍ اعتبرها تجاوزًا منه في حق المطعون ضده دون أن يوضح الخطأ الذي ارتكبه ولم يُعنَ بتحقيق الوقائع التي نسبها إلى المطعون ضده لبيان مدى صحتها وصولًا لتوافر الخطأ في حقه من عدمه، فإنه يكون معيبًا، بما يستوجب نقضه.

وحيثُ إنَّ هذا النعي في شقه الأول سديدٌ؛ ذلك أنه من المقرر –وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن مناط حجية الأمر المقضي وفقًا للمادة 101 من قانون الإثبات هو وحدة الموضوع بين الدعوى التي سبق الفصل فيها والدعوى المطروحة بحيث تكون المسألة المقضي فيها مسألةً أساسية لم تتغير، وأن يكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا، وتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعيه في الدعوى الثانية أيٌّ من الطرفين قِبل الآخر من حقوقٍ متفرعةٍ عنها، وأنَّ ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعًا لحكم يحوز قوة الأمر المقضي. لمَّا كان ذلك، وكان البين مما حصله الحكم المطعون فيه أن الحكم الصادر في الدعوى رقم ... لسنة 62 ق الإسكندرية قد أقام قضاءه برفض طلب رد المطعون ضده عن نظر القضية رقم ... لسنة 2005 مدني محكمة الإسكندرية الابتدائية على سندٍ من عدم توافر إحدى حالات رد القضاة المنصوص عليها على سبيل الحصر في المادة 148 من قانون المرافعات دون أن يتطرق الحكم لخطأ الطاعن فيما تضمنه طلب الرد أو ما أُبدي فيه من دفاعٍ، والذي من شأنه أن ينال من نزاهة القاضي وحيدته وسمعته ويعد في ذات الوقت إساءة لاستعمال حق التقاضي، ومن ثم فإن الحكم المذكور لا يحوز قوة الأمر المقضي في ثبوت الخطأ التقصيري في دعوى التعويض الراهنة المتمثل في إساءة استخدام حق التقاضي بأن يكون استعماله كيديًّا بنية الإضرار بالقاضي المطلوب رده، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.

وحيثُ إنَّ النعي في شقه الثاني في محله؛ ذلك أن المقرر –وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة– أنه وإنْ كان مبدأ حياد القاضي يتأسس على قاعدةٍ أصوليةٍ قوامُها وجوبُ اطمئنان المتقاضي إلى قاضيه، وأن قضاءه لا يصدر إلا عن الحق وحده دون تحيز أو هوى، وحرصت الأحكام التشريعية المُنظمة لشئون القضاء على تدعيم وتوفير هذه الحيدة، ولم تَغفل عن حق المتقاضي إنْ كانت لديه أسبابٌ تدعو إلى مظنة التأثير في هذه الحيدة أنْ يجد السبيل لِيحول بين من قامت في شأنه تلك المظنة وبين القضاء في دعواه، ومن ثم فقد قام حقه في رد القاضي عن نظر نزاع بعينه كحقٍ من الحقوق الأساسية التي ترتبط بحق التقاضي ذاته، إلَّا إنَّه لمَّا كان هذا الحق من الحقوق قد تعرَّض لِأنْ تَستشري في شأنه ظاهرةُ إساءة استعماله بالإفراط فيه واستخدامه سبيلًا للكيد في الخصومة واللدد فيها وإطالة أمد الفصل في القضايا دون تحسُّبٍ لِما يؤدي إليه الأمرُ من إيذاء القضاة في اعتبارهم ومكانتهم ومشاعرهم وجعل نزاهتهم وحيدتهم محل شك من الخصوم، وسمعتهم مضغةً في الأفواه، وإزاء هذا الذي آلَ إليه الأمر من تعطيل الفصل في الدعاوى والإسراف في النيل من القضاة تدخَّل المشرع بإجراء تعديلٍ تشريعيٍّ للنصوص المُنظمة لأوضاع رد القضاة بما يُحقِّق التوازن التشريعي بين المحافظة على حق المتقاضين في رد القضاة إذا توافرت أسبابه وبين تقرير ضوابط دقيقة تجعل من ممارسة هذا الحق منوطًا بتوافر الحيدة والبُعد عن العبث والحيلولة دون استخدامه سبيلًا للكيد وعرقلة الفصل في القضايا والإساءة إلى القضاة، وإذ كان حق الالتجاء إلى القضاء من الحقوق العامة التي كفلها الدستور لكل مواطنٍ إلَّا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شُرع له واستعماله استعمالاً كيديًّا ابتغاءَ مضارة الغير، وإلا حُقَّت مُساءلتُه عن تعويض الأضرار التي تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق، ومن ثم حُقَّ للقاضي الذي تضرر برده عن نظر نزاعٍ بعينه أن يلجأ إلى القضاء للحكم على طالب الرد بالتعويض إعمالًا للقواعد العامة التي تقضى بمُساءلة من انحرف في استعمال حق التقاضي عن الأضرار التي نجمت عن ذلك، ويتحقق الخطأ عن ذلك بما تضمنه طلب الرد وما حواه أو أُبدي فيه من دفاع على نحو ينال من نزاهة القاضي وحيدته وسمعته. كما أنه من المقرر -في قضاء هذه المحكمة– أن الحكم الذي ينتهي إلى مسئولية خِصمٍ عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي استعمالًا كيديًا غير مشروع يتعيّن عليه أن يُورد العناصر الواقعية والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص نية الانحراف والكيد فيها استخلاصًا سائغًا، وأن تكييف الفعل إذا كان خطأً أو نفي هذا الوصف عنه هو من مسائل القانون التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض. لمَّا كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد شيَّد قضاءه بمسئولية الطاعن عن التعويض في دعامته الثانية على سندٍ من أن ما تضمنه طلب الرد من ألفاظ وعبارات يُعدُّ تجاوزًا من الطاعن في حق القاضي المطلوب رده، وذلك فيما أورد فيه "أن القاضي المطلوب رَدُّه تشبَّث برأيه قبل سماع الدفاع، وأنَّ تقديره في الدعوى قد شُلَّ، وأنَّه فصل في النزاع دون التفاتٍ إلى ما قدمه من مستنداتٍ رسميَّةٍ، وأنَّ طالب الرد لا يطمئن إلى ما قدمه في الدعوى من أوراق"، وكان هذا الذي استند إليه الحكم وأقام قضاءه عليه لا يكفي لإثبات انحراف الطاعن عن حقه المكفول في التقاضي على نحوٍ يدل على توافر قصد الكيد لديه إضرارًا بالمطعون ضده؛ ذلك أن تلك الألفاظ والعبارات التي ساقها الطاعن بطلب الرد جاءت لتأكيد جدية طلب الرد وشرحًا لوجهة نظره ودفاعه في قيام إحدى حالات الرد في حق القاضي المطلوب رده، ولا يُستفاد منها ولا يوجد ما يُحمل فيها على توافر قصد المساس بنزاهة وحيدة وسمعة القاضي المطلوب رده، وهو ما ينفي ركن الخطأ الموجب للمسئولية المدنية في حق الطاعن، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون فضلًا عن فساده في الاستدلال قد شابه الخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه لما جاء بشقي النعي آنفي البيان.

وحيثُ إنَّ موضوع الاستئنافَيْنِ صالحٌ للفصل فيه -ولِما تقدَّم –، وكان الحكم المستأنف قد خالف هذا النظر، وألزم المستأنِف في الاستئناف رقم ... لسنة 66 ق الإسكندرية بالتعويض المحكوم به، فإنه يتعين إلغاؤه والقضاءُ برفض الدعوى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق