الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 نوفمبر 2023

الطعن 10305 لسنة 83 ق جلسة 17 / 11 / 2021 مكتب فني 72 ق 110 ص 701

جلسة 17 من نوفمبر سنة 2021

برئاسة السيـد القاضي/ محمد أبو الليل "نائب رئيس المحكمة"، وعضوية السادة القضاة/ أمين محمد طموم، عمر السعيد غانم، الحسين صلاح ومحمد أحمد إسماعيل "نواب رئيس المحكمة".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(110)

الطعن رقم 10305 لسنة 83 القضائية

(3- 1) نقل التكنولوجيا " المنازعات الناشئة عن عقد نقل التكنولوجيا : وجوب تسويتها في مصر وفقًا للقانون المصري " .

(1) الاختصاص المكاني للمنازعات الناشئة عن نقل التكنولوجيا . نطاقه . داخل جمهورية مصر العربية . شرطه . استخدام تلك التكنولوجيا داخل مصر . الاعتداد بأي معيار آخر . لا أثر له . المواد من 72 إلى 87 ق 17 لسنة 1999 من قانون التجارة ومذكرته الإيضاحية .

(2) عقد نقل التكنولوجيا . اتسامه بالدولية . أثره . تفضيل أطرافه للوسائل الودية والتحكيم لفض منازعاتهم . اتجاه المشرع لإقامة توازن بين مصالح أطرافها المتعارضة عن طريق إبطال كل اتفاق يخالف نص المادة 87 من ق 17 لسنة 1999 بشأن قانون التجارة . اتجاه قُضي بدستوريته . الحكم ٢٥٣ لسنة ٢٤ ق دستورية.

(3) شمول العقود محل التداعي على نقـل تكنولوجيا وحق المعرفة بالنسبة لجهاز غسيل كلوي طبي من إنتاج الشركة المطعون ضدها الأولى بالخارج لتصنيعه وتوزيعه بواسطة الشركة الطاعنة داخل مصر لاستخدامه فيه . تضمن العقود النص على تسوية أي نزاع ينشأ عنها عن طريق غرفة التجارة في ستوكهولم - خارج جمهورية مصر العربية – طبقًا لقواعد هذه الغرفة . أثره . وجوب تطبيق القاعدة الآمرة الواردة بنص المادة 87 من ق 17 لسنة ١٩٩٩ بشأن قانون التجارة واستبعاد هذه الشروط لبطلانها بطلانًا مطلقًا . مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضاؤه بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم معولًا على شروط العقد الباطلة إعمالًا لنص المادة 13/1 ق ٢٧ لسنة ١٩٩٤ دون النظر لوجوب صحة ونفاذ ذلك الشرط . خطأ .

(4) محاكم اقتصادية " الطعن على أحكام المحاكم الاقتصادية : الطعن بالنقض " .

تصدي محكمة النقض لموضوع الدعوى الاقتصاديةشرطه . سبق تصدي الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية للموضوع . قصر قضاء المحكمة الاقتصادية على إجراءات رفع الدعوى أو دفع شكلي دون الموضوع . أثره . عدم جواز تصدي محكمة النقض للموضوع . علة ذلكمثال .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - المشرع قد نظم عقد نقل التكنولوجيا في المواد من 72 إلى 87 بالفصل الأول ضمن الباب الثاني الخاص بالعقود التجارية في قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999، وقد تضمن النص في المادة 72 منه على أن "1- تسري أحكام هذا الفصل على كل عقد لنقل تكنولوجيا لاستخدامها في جمهورية مصر العربية سواءً أكان هذا النقل دوليًّا يقع عبر الحدود الإقليمية لمصر أم داخليًّا، ولا عبرة في الحالتين لجنسية أطراف الاتفاق أو لمحال إقامتهم. ٢- كما تسري أحكام هذا الفصل على كل اتفاق لنقل التكنولوجيا يبرم بعقد مستقل أو ضمن عقد آخر." كما نصت المادة 87 من القانون على أن "1- تختص المحاكم المصرية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا المشار إليه في المادة (٧٢) من هذا القانون. ويجوز الاتفاق على تسوية النزاع وديًّا أو بطريق تحكيم يجري في مصر وفقًا لأحكام القانون المصري. ۲-وفي جميع الأحوال يكون الفصل في موضوع النزاع بموجب أحكام القانون المصري وكل اتفاق على خلاف ذلك يقع باطلًا." ومؤدى هذا النص أن المشرع قد وضع قاعدة آمرة للاختصاص المكاني الذي يجري فيه فض المنازعات التي تنشأ عن أي عقد أو اتفاق يتضمن نقلًا للتكنولوجيا، وجعل مناط ذلك أن تكون للاستخدام داخل مصر، دون اعتدادٍ بأي معيار آخر، سواءً كان العقد دوليًّا أو داخليًّا مستقلًا أو ضمن عقد آخر، وبغض النظر عن جنسية الأطراف أو موطنهم أو ما تم الاتفاق عليه بينهم، ويشمل جميع وسائل وطرق فض المنازعات سواءً كانت قضائية أو وسائل ودية أو عن طريق التحكيم؛ حيث اشترط أن يتم حل المنازعة داخل جمهورية مصر العربية، وأن مراد المشرع من ذلك –وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون- حماية المصالح الوطنية دون المساس بالمصالح المشروعة للطرف مورد التكنولوجيا، وبحيث يؤمن للطرف المستورد – وهو مصري غالبًا– أسبابًا حقيقيةً للتكنولوجيا تضمن لها أن تكون أداةً لتطوير الاقتصاد الوطني، وإفساحًا للمجال أمامه من أجل فرصـة أرحـب للمنافسة في أسواق التجارة الدولية.

2 - إذ كانت المعاملات التي تنشأ عن أي عقد أو اتفاق يتضمن نقلًا للتكنولوجيا غالبًا ما تتسم بالدولية وأنها عابرة للحدود وبين أطراف من جنسيات متعددة، فإن الوسائل الودية وطريق التحكيم هو الأسلوب المفضل لأطرافها لفض المنازعات التي تنشأ بينهم؛ إذ إن قوامها ومحدداتها مبنيٌ على إرادتهم وما تم الاتفاق عليه بينهم، لذا فقد ارتأى المشرع أن يقيم توازنًا بين مصالح الأطراف المتعارضة التي يُخشى الإخلال بها إن أجيز للطرف القوي –وهو مورد التكنولوجيا غالبًا– إجبار الطرف الآخر وقت إبرام العقد على قبول مكان غير مناسبٍ له للتحكيم يكلفه نفقات باهظة، وقانون مجهول له يطبق على المنازعة على نحوٍ يحول دون مطالبته أو حصوله على حقوقه، أو يطلق يد المحكمين في عدم التقيد بأحكامه، وذلك بأن أكد فاعلية ذلك كله بإبطال كل اتفاق يخالف حكم هذا النص (م 87 من قانون التجارة)، وهو ما يعد استثناء وخروجًا عن القاعدة الأصولية المؤسس عليها نظام التحكيم، وهي حرية الأطراف في اختيار مكان التحكيم والقانون واجب التطبيق - المواد ٢٥، ٢٨، ٣٩ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ – وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا دستورية هذا النص في قضائها بدستورية نص المادة 87 من قانون التجارة رقم 17 لسنة ١٩٩٩ في حكمها الصادر في القضية رقم ٢٥٣ لسنة ٢٤ دستورية بتاريخ 15/4/2007 المنشور بالجريدة الرسمية العدد 16 تابع الصادر في 19/4/2007.

3 - إذ كان الواقع -حسبما حصله الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- أن العقود الثلاثة محل التداعي شملت عقد نقل تكنولوجيا وحق المعرفة مؤرخ 5/7/2006، متضمنًا عقد تصنيع مـؤرخ 5/7/2007، وعقد توزيع مؤرخ 5/7/2006، وأن محـل هـذه العقـود نقـل تكنولوجيا وحق المعرفة بالنسبة لجهاز غسيل كلوي طبي من إنتاج الشركة المطعون ضدها الأولى بالخارج لتصنيعه وتوزيعه بواسطة الشركة الطاعنة داخل مصر لاستخدامه فيها، وقد ثبت بالبند 15/2 من العقد الأول والمادة 19/2 من الثاني والمادة 9 قسم 7 من العقد الأخير أنها نصت على أن أي نزاع أو خلاف أو ادعاء ينشأ عن هذا العقد أو بسببه أو أي انتهاك أو إنهاء له أو لبطلانه يحـال لتسويته بصفة نهائية وفقًا لقواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة في استوكهولم، وذلك عن طريق ثلاثة محكمين يتم تعيينهم وفقًا لتلك القواعد، ويتعين أن ينعقد التحكيم في استوكهولم، وأن تكون اللغة المستخدمة هي اللغة الإنجليزية، أي أن مكان تسوية النزاع غرفة التجارة في استوكهولم - خارج جمهورية مصر العربية – وأن قواعد هذه الغرفة ستكون الواجبة التطبيق، وهو ما يستدعي تطبيق القاعدة الآمرة الواردة بنص المادة 87 من قانون التجارة سالفة البيان لتحقق موجبات إعمالها؛ إذ إن محل العلاقة هو نقل تكنولوجيا وحق المعرفة لجهاز طبي لاستخدامه داخل مصر، مما يتعين استبعاد هذه الشروط لبطلانها بطلانًا مطلقًا، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم معولًا على شروط العقد سالفة الذكر -الباطلة– ومستخلصًا منها اتجاه نية الطرفين إلى اللجوء للتحكيم الدولي في حالة نشوب أي نزاع بشأن تلك العقود، وأعمـل نص المادة 13/1 من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ وانتهى إلى قضائه المتقدم دون أن يفطن إلى أن هذه المادة قد اشترطت لإجابة الدفع أن يكون شرط التحكيم صحيحًا ونافذًا، وأن الواقع المطروح في الدعوى يُعد استثناءً وخروجًا عن القاعدة الأصولية المؤسس عليها نظام التحكيم من حرية الأطراف في اختيار مكان التحكيم والقانون واجب التطبيق، ومن ثم الوصول لحكم القانون الواجب التطبيق على النزاع، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.

4 - المقرر –في قضاء محكمة النقض- أنه لئن كانت الفقرة الأخيرة من المادة 12 من قانون المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008 توجب على محكمة النقض إذا قضت بنقض الحكم المطعون فيه أن تحكم في موضوع الدعوى، ولو كان الطعن لأول مرة؛ تحقيقًا للغاية التي استهدفها المشرع –وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون -من سرعة إجراءات التقاضي بالنسبة للمنازعات الخاصة بالمجال الاقتصادي تشجيعًا للاستثمار العربي والأجنبي بمصر ووصولًا لاستقرار المبادئ القانونية التي تحكم الحقل الاستثماري، إلا أن التزام محكمة النقض بذلك لا يكون إلا إذا تصدت الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية لموضوع النزاع، أمَّا إذا كان قضاؤها قد اقتصر على الفصل في إجراءات رفع الدعوى أو دفع شكلي فحسب دون الموضوع، فلا يكون لمحكمة النقض في هذه الحالة أن تتصدي للفصل للموضوع؛ إذ مؤدى ذلك اختزال إجراءات التقاضي في مرحلة واحدة، وهي تصدي محكمة النقض لموضوع النزاع بعد قضائها بنقض الحكم المطعون فيه، وهو أمر يتعارض مع مبادئ العدالة التي لا يتعين إهدارها في سبيل سرعة الفصل في الأنزعة الاقتصادية، وكان الحكم المطعون فيه بقضائه بعدم قبول الدعوى لسبق الاتفاق على التحكيم يكون قد وقف عند حد المظهر الشكلي لأساس الدعوى، بما ينأى بهذا القضاء عن أن يكون من قبيل الدفع بعدم القبول الموضوعي – مما ورد ذكره في المادة 115 (1) من قانون المرافعات - والذي تستنفد به المحكمة ولايتها في الفصل في موضوع الدعوى، فإنه يتعين -والحال كذلك- إحالة الدعوى للدائرة الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية للفصل في الموضوع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق، ورأي دائرة فحص الطعون الاقتصادية، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم ... لسنة 3 ق أمام الدائرة الاستئنافية بمحكمة القاهرة الاقتصادية على الشركة المطعون ضدها الأولى والمطعون ضده الثاني بصفته بطلب الحكـم: 1- بعدم أحقية الشركة المطعون ضدها الأولى في إنهاء التعاقد المبرم بينها والشركة الطاعنة بإرادتها المنفردة ودون أي مبرر مشروع أو سابق إنذار. ٢- ندب خبير حسابي ليقوم بدوره في ضوء المستندات المقدمة من الشركة الطاعنة بحصر وتقدير قيمة الخسائر الفعلية التي تكبدتها بسبب عدم تنفيذ الشركة المطعون ضدها الأولى للعقود محل النزاع بإرادتها المنفردة ودون أي مبرر مشروع أو سابق إنذار. 3- إلزام الشركة المطعون ضدها الأولى بأن تؤدي لها التعويض الذي تراه المحكمة مناسبًا في ضوء ما يسفر عنه تقرير الخبير، على سند من أنها أبرمت بتاريخ 5/7/2006 مع الشركة المطعون ضدها الأولى عقد نقل تكنولوجيا ونقل حق المعرفة متضمنًا عقدي تصنيع وتوزيع جهاز غسيل كلوي طبي، وإذ قامت الطاعنة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتنفيذها، وبعد البدء بفترة وجيزة امتنعت الشركة المطعون ضدها الأولى عن التوريد دون سبب مشروع، الأمر الذي ألحق بها أضرارًا، فأقامت الدعوى. وبتاريخ 9/4/2013 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعنُ على دائرة فحص الطعون الاقتصادية منعقدةً في غرفة مشورة، فرأت أنه جديرٌ بالنظر، وأحالته إلى هذه المحكمة، فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه، الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب؛ إذ أقام قضاءه بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم بعقود التداعي – عقد نقل التكنولوجيا وعقدي التصنيع والتوزيع - على الرغم من تمسكها ببطلان هذا الشرط لمخالفته نص المادة 87 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 الذي يمنع الاتفاق على أن يجري التحكيم بشأن عقود نقل التكنولوجيا خارج مصر، وهو بطلان مطلق متعلق بالنظام العام، وإذ تضمن شرط التحكيم بالعقود الثلاثة سند التداعي أن تكون إجراءات التحكيم وفقًا لقواعد معهد التحكيم بغرفة التجارة في استوكهولم، وبذلك جعلت المكان الذي يجري فيه التحكيم واقعًا خارج جمهورية مصر العربية، وغير خاضعٍ للقانون المصري، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه للرد على هذا الدفاع، فإنه يكون معيبًا، بما يستوجب نقضه.

وحيث إن النعي سديد؛ ذلك أن المشرع قد نظم عقد نقل التكنولوجيا في المواد من 72 إلى 87 بالفصل الأول ضمن الباب الثاني الخاص بالعقود التجارية في قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999، وقد تضمن النص في المادة 72 منه على أن "1- تسري أحكام هذا الفصل على كل عقد لنقل تكنولوجيا لاستخدامها في جمهورية مصر العربية سواءً أكان هذا النقل دوليًّا يقع عبر الحدود الإقليمية لمصر أم داخليًّا، ولا عبرة في الحالتين لجنسية أطراف الاتفاق أو محال إقامتهم. ٢- كما تسري أحكام هذا الفصل على كل اتفاق لنقل التكنولوجيا يبرم بعقدٍ مستقل أو ضمن عقد آخر." كما نصت المادة 87 من القانون على أن "1- تختص المحاكم المصرية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا المشار إليه في المادة (٧٢) من هذا القانون. ويجوز الاتفاق على تسوية النزاع وديًّا أو بطريق تحكيم يجري في مصر وفقًا لأحكام القانون المصري. ۲- وفي جميع الأحوال يكون الفصل في موضوع النزاع بموجب أحكام القانون المصري، وكل اتفاق على خلاف ذلك يقع باطلًا." ومؤدى هذا النص أن المشرع قد وضع قاعدة آمرة للاختصاص المكاني الذي يجري فيه فض المنازعات التي تنشأ عن أي عقد أو اتفاق يتضمن نقلًا للتكنولوجيا، وجعل مناط ذلك أن تكون للاستخدام داخل مصر، دون اعتداد بأي معيار آخر، سواءً كان العقد دوليًّا أو داخليًّا مستقلًا أو ضمن عقد آخر، وبغض النظر عن جنسية الأطراف أو موطنهم أو ما تم الاتفاق عليه بينهم، ويشمل جميع وسائل وطرق فض المنازعات سواءً كانت قضائية أو وسائل ودية أو عن طريق التحكيم؛ حيث اشترط أن يتم حل المنازعة داخل جمهورية مصر العربية، وأن مراد المشرع من ذلك –وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الايضاحية للقانون- حماية المصالح الوطنية دون المساس بالمصالح المشروعة للطرف مورد التكنولوجيا، وبحيث يؤمن للطرف المستورد –وهو مصري غالبًا– أسبابًا حقيقيةً للتكنولوجيا تضمن لها أن تكون أداةً لتطوير الاقتصاد الوطني، وإفساحًا للمجال أمامه من أجل فرصـة أرحـب للمنافسة في أسواق التجارة الدولية. ولمَّا كانت هذه المعاملات غالبًا ما تتسم بالدولية وأنها عابرة للحدود وبين أطراف من جنسيات متعددة، فإن الوسائل الودية وطريق التحكيم هو الأسلوب المفضل لأطرافها لفض المنازعات التي تنشأ بينهم؛ إذ إن قوامها ومحدداتها مبنيٌ على إرادتهم وما تم الاتفاق عليه بينهم، لذا فقد ارتأى المشرع أن يقيم توازنًا بين مصالح الأطراف المتعارضة التي يُخشى الإخلال بها إن أجيز للطرف القوي –وهو مورد التكنولوجيا غالبًا– إجبار الطرف الآخر وقت إبرام العقد على قبول مكان غير مناسب له للتحكيم يكلفه نفقات باهظة، وقانون مجهول له يطبق على المنازعة على نحوٍ يحول دون مطالبته أو حصوله على حقوقه، أو يطلق يد المحكمين في عدم التقيد بأحكامه، وذلك بأن أكد فاعلية ذلك كله بإبطال كل اتفاق يخالف حكم هذا النص، وهو ما يُعد استثناءً وخروجًا عن القاعدة الأصولية المؤسس عليها نظام التحكيم، وهي حرية الأطراف في اختيار مكان التحكيم والقانون واجب التطبيق - المواد ٢٥، ٢٨، ٣٩ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ – وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا دستورية هذا النص في قضائها بدستورية نص المادة 87 من قانون التجارة رقم 17 لسنة ١٩٩٩ في حكمها الصادر في القضية رقم ٢٥٣ لسنة ٢٤ دستورية بتاريخ 15/4/2007 المنشور بالجريدة الرسمية العدد 16 تابع الصادر في 19/4/2007. لمَّا كان ذلك، وكان الواقع -حسبما حصله الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- أن العقود الثلاثة محل التداعي شملت عقد نقل تكنولوجيا وحق المعرفة مؤرخ 5/7/2006، متضمنًا عقد تصنيع مـؤرخ 5/7/2007، وعقد توزيع مؤرخ 5/7/2006، وأن محـل هـذه العقـود نقـل تكنولوجيا وحق المعرفة بالنسبة لجهاز غسيل كلوي طبي من إنتاج الشركة المطعون ضدها الأولى بالخارج لتصنيعه وتوزيعه بواسطة الشركة الطاعنة داخل مصر لاستخدامه فيها، وقد ثبت بالبند 15/2 من العقد الأول والمادة 19/2 من الثاني والمادة 9 قسم 7 من العقد الأخير أنها نصت على أن أي نزاعٍ أو خلافٍ أو ادعاءٍ ينشأ عن هذا العقد أو بسببه أو أي انتهاك أو إنهاء له أو لبطلانه يحـال لتسويته بصفة نهائية وفقًا لقواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة في استوكهولم، وذلك عن طريق ثلاثة محكمين يتم تعيينهم وفقًا لتلك القواعد، ويتعين أن ينعقد التحكيم في استوكهولم، وأن تكون اللغة المستخدمة هي اللغة الإنجليزية، أي أن مكان تسوية النزاع غرفة التجارة في استوكهولم - خارج جمهورية مصر العربية – وأن قواعد هذه الغرفة ستكون الواجبة التطبيق، وهو ما يستدعي تطبيق القاعدة الآمرة الواردة بنص المادة 87 من قانون التجارة سالفة البيان لتحقق موجبات إعمالها؛ إذ إن محل العلاقة هو نقل تكنولوجيا وحق المعرفة لجهاز طبي لاستخدامه داخل مصر، مما يتعين استبعاد هذه الشروط لبطلانها بطلانًا مطلقًا، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم معولًا على شروط العقد سالفة الذكر - الباطلة – ومستخلصًا منها اتجاه نية الطرفين إلى اللجوء للتحكيم الدولي في حالة نشوب أي نزاع بشأن تلك العقود، وأعمـل نص المادة 13/1 من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، وانتهى إلى قضائه المتقدم دون أن يفطن إلى أن هذه المادة قد اشترطت لإجابة الدفع أن يكون شرط التحكيم صحيحًا ونافذًا، وأن الواقع المطروح في الدعوى يعد استثناءً وخروجًا عن القاعدة الأصولية المؤسس عليها نظام التحكيم من حرية الأطراف في اختيار مكان التحكيم والقانون واجب التطبيق، ومن ثم الوصول لحكم القانون الواجب التطبيق على النزاع، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

وحيث إنه ولئن كانت الفقرة الأخيرة من المادة 12 من قانون المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008 توجب على محكمة النقض إذا قضت بنقض الحكم المطعون فيه أن تحكم في موضوع الدعوى، ولو كان الطعن لأول مرة؛ تحقيقًا للغاية التي استهدفها المشرع –وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون -من سرعة إجراءات التقاضي بالنسبة للمنازعات الخاصة بالمجال الاقتصادي تشجيعًا للاستثمار العربي والأجنبي بمصر ووصولًا لاستقرار المبادئ القانونية التي تحكم الحقل الاستثماري، إلا أن التزام محكمة النقض بذلك لا يكون إلا إذا تصدت الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية لموضوع النزاع، أمَّا إذا كان قضاؤها قد اقتصر على الفصل في إجراءات رفع الدعوى أو دفع شكلي فحسب دون الموضوع، فلا يكون لمحكمة النقض في هذه الحالة أن تتصدي للفصل للموضوع؛ إذ مؤدى ذلك اختزال إجراءات التقاضي في مرحلة واحدة، وهي تصدي محكمة النقض لموضوع النزاع بعد قضائها بنقض الحكم المطعون فيه، وهو أمر يتعارض مع مبادئ العدالة التي لا يتعين إهدارها في سبيل سرعة الفصل في الأنزعة الاقتصادية. لمَّا كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بقضائه بعدم قبول الدعوى لسبق الاتفاق على التحكيم يكون قد وقف عند حد المظهر الشكلي لأساس الدعوى، بما ينأى بهذا القضاء عن أن يكون من قبيل الدفع بعدم القبول الموضوعي – مما ورد ذكره في المادة 115 (1) من قانون المرافعات - والذي تستنفد به المحكمة ولايتها في الفصل في موضوع الدعوى، فإنه يتعين - والحال كذلك- إحالة الدعوى للدائرة الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية للفصل في الموضوع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق