جلسة 30 من إبريل سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، وعلي عبد الرحمن.
----------------
(120)
الطعن رقم 6 لسنة 36 القضائية
بيع. "العربون". عقد. "تفسير العقد".
نية العاقدين وحدها هي المناط لإعطاء العربون حكمه القانوني.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن سامي قديس شنوده أقام الدعوى رقم 3648 سنة 1959 مدني كلي القاهرة ضد زكريا محمد حسن الورداني يطلب الحكم بفسخ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 4/ 11/ 1957 ورد ضعف مقدم الثمن المدفوع منه وقدره 5069 ج والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد. وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب العقد المذكور اشترى من المدعى عليه كامل أرض وبناء المنزل الموضح به لقاء ثمن قدره 5500 ج دفع منه في مجلس العقد مبلغ 1300 ج، كما ظهر للبائع سنداً تحت الإذن بمبلغ 1200 ج صادراً له من أنور محمد حشمت ومستحق السداد في 30/ 5/ 1958 ونص في العقد على دفع الباقي من الثمن وقدره 3000 ج عند التوقيع على عقد البيع النهائي خلال ستة شهور واشترط البائع أن التوقيع على العقد النهائي وتسليم العقار لا يتمان إلا بعد دفع قيمة السند إليه، وتضمن البند الحادي عشر من التعاقد أنه "في حالة عدول المشتري عن إتمام الصفقة بالشروط الواردة فيه أو إخلاله بإحداها يكون العربون عاليه حقاً مكتسباً للبائع، كما يصبح العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه، وإذا عدل البائع عن إتمام الصفقة بالشروط المبينة عاليه يكون ملزماً برد العربون وضعفه ويصبح هذا العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه "وإذ امتنع المدعى عليه عن تسليمه سند الدين للمطالبة بقيمته حتى يمكن السير في إجراءات التسجيل وقام بالتصرف بالبيع في الأرض المبيعة لآخرين بعقد أشهر برقم 2086 سنة 60 توثيق الإسكندرية فقد انتهى إلى طلب الحكم له بطلباته سالفة البيان. ورد المدعى عليه بأنه سلم المدعي مستندات التمليك لإتمام التسجيل، وإذ لم يقم المدين بسداد قيمة السند المحول إليه، فقد أنذر المدعي بأن يقوم بدفع القيمة ولم يستجب له مما اضطر معه إلى التصرف في العقار لآخرين مستنداً في ذلك إلى فسخ العقد لعدم تحقق الشروط المتفق عليها بينهما. وفي 28/ 12/ 1964 حكمت المحكمة بفسخ عقد البيع ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، تأسيساً على أن المدعي قد قصر في الوفاء بما التزم به سواء بعدم وفائه بكامل الثمن للبائع أو بعدم اتخاذه أي إجراء بعدما أنذره المدعى عليه بعدم قبضه قيمة السند الإذني عند حلول ميعاد استحقاقه، وعلى أن نكول المشتري عن تنفيذ العقد يعتبر بمثابة العدول عنه ويفقده ما دفعه من عربون واستأنف المدعي الحكم المذكور أمام محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته، وقيد هذا الاستئناف برقم 353 سنة 81 قضائية، وبتاريخ 14/ 11/ 1965 حكمت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام المستأنف عليه بأن يدفع للمستأنف مبلغ 1334 ج و500 مليم وفوائده بواقع 4% سنوياً حتى السداد، تأسيساً على أن ما دفع نقداً يعتبر جزءاً من الثمن وليس عربوناً، وأن تصرف المستأنف عليه في العقار لآخرين بعقد مسجل يجعل تنفيذ التزامه قبل المستأنف مستحيلاً وموجباً لفسخ العقد، ورداً لمبلغ المدفوع من المستأنف وقدره 1334 ج و500 مليم دون قيمة السند الإذني المحول للمستأنف عليه لعدم تحصليه قيمته. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة في التقرير، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أمام هذه الدائرة صمم الطاعن على طلب نقض الحكم ولم يحضر المطعون عليه ولم يبد دفاعاً، وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها وطلبت نقض الحكم.
وحيث إن حاصل السببين الأول والثاني أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجهين (أولهما) أنه بعد أن استعرض وقائع الدعوى قال إنه يستخلص من عقد البيع أن نية العاقدين قد انعقدت على تمام التعاقد وأن المبلغ المدفوع هو جزء من الثمن، ووصفه بأنه عربون لا يدل على جواز العدول بل هو قيمة التعويض الواجب عند الفسخ الناتج من تقصير أحدهما في الوفاء بما التزم به، وفصل في النزاع على هذا الأساس، في حين أن البند الحادي عشر من العقد نص صراحة على إعطاء كل من العاقدين حق العدول عنه وعلى أنه في حالة عدول الطرف الثاني (المطعون ضده) عن إتمام الصفقة يكون العربون حقاً مكتسباً للطرف الأول (الطاعن) وفي حالة عدول الطرف الأول البائع عن إتمام الصفقة يكون ملزماً برد العربون وضعفه، ورغم أن هذا يقطع في أن الطرفين اتفقا على أن ما دفع بمقتضى عقد البيع هو عربون ونص على حق كل من الطرفين في العدول عنه وعلى الجزاء المترتب على الطرف الذي يعدل، فإن الحكم المطعون فيه قد انحرف في تفسيره عن هذا المعنى الواضح لنصوص العقد على نحو مسخ به عبارة البند المذكور بما لا يتفق مع نية الطرفين، وهو منه مخالفة للمادة 150 مدني التي تنص على عدم جواز الانحراف عن عبارة العقد إذا كانت واضحة عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة العاقدين. (وثانيهما) أن الحكم المطعون فيه قضى بفسخ العقد رغم أن الفسخ قد وقع اتفاقاً وأن النزاع انحصر في رد العربون من عدمه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول منه، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه بأن نية العاقدين انصرفت إلى إتمام العقد وأن المبلغ المدفوع هو جزء من الثمن وصف بأنه عربون ولا يدل على جواز العدول بل لإثبات وتحديد قيمة التعويض على قوله "وحيث إنه يبين للمحكمة من استعراض نصوص عقد البيع أن طرفيه قد تم الاتفاق بينهما على البيع والشراء وتسليم المشتري صورة من العقد المسجل سند ملكية البائع وقبل الأخير تحويل المشتري للعقد لمن يشاء دون توقف على رضائه واتفقا على التوقيع على العقد النهائي في مهلة قدرها ستة شهور ونص على فقد العربون عند الإخلال بشروط العقد، مما تستخلص منه المحكمة أن نية المتعاقدين قد انعقدت على تمام التعاقد وأن المبلغ المدفوع هو جزء من الثمن، ووصفه بأن عربون لا يدل على جواز العدول بل لإثبات وتحديد قيمة التعويض الواجب عند الفسخ الناتج عن تقصير أحدهما في الوفاء بما التزم به وعلى هذا الأساس يتعين الفصل في النزاع". إذ كان ذلك وكان العربون هو ما يقدمه أحد العاقدين إلى الآخر عند إنشاء العقد، وقد يريد العاقدان بالاتفاق عليه أن يجعلا عقدهما مبرماً بينهما على وجه نهائي، وقد يريدان أن يجعلا لكل منهما الحق في إمضاء العقد أو نقضه، ونية العاقدين هي وحدها التي يجب التعويل عليها في إعطاء العربون حكمه القانوني. وإذ كانت محكمة الموضوع قد استخلصت من نصوص العقد أن نية عاقديه انعقدت على تمامه وأن المبلغ الذي وصف فيه بأنه عربون ما هو في الواقع إلا جزءاً من الثمن وقصد بوصفه عربوناً تحديد قيمة التعويض الذي اتفقا على استحقاقه عند الفسخ المتسبب عن تقصير أحد المتعاقدين في الوفاء بما التزم به. وكان ما استظهرته محكمة الموضوع من نية العاقدين على هذا النحو هو تفسير سائغ لنصوص العقد تحتمله عبارته مما يدخل في سلطتها التقديرية دون معقب، فإن النعي بهذا الوجه يكون غير سديد. ومردود في الوجه الثاني بأنه لا يعيب الحكم أن يقضي بالفسخ الواقع فعلاً لتحديد الآثار المترتبة عليه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه مشوب بالتناقض إذ أنه في الوقت الذي قضي فيه برد العربون، قرر في أسبابه أن المطعون عليه قصر في تجهيز العقد النهائي بعد أن تسلم من الطاعن سند الملكية المسجل ورتب على ذلك رفض القضاء له بالتعويض، وهو ما كان يتعين معه اعتبار أنه قد عدل عن تنفيذ العقد بما يسقط حقه في استرداد العربون ويخول الطاعن حق الاحتفاظ به.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه - على ما جاء في الرد على السبب الأول لم يعتبر المبلغ المدفوع من المطعون عليه عربوناً، ولم يطبق عليه أحكام العربون بل اعتبره جزءاً من الثمن، ولما كان العقد قد فسخ بتصرف الطاعن في العين المبيعة ومقتضى هذا الفسخ هو إعادة الطرفين للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، فقد قضى الحكم برد مقدم الثمن المدفوع من المطعون عليه إلا أنه نظراً لتراخي هذا الأخير في تجهيز العقد النهائي - على ما استظهره الحكم - فقد اعتبره مقصراً في هذا الخصوص ولا يحق له المطالبة بتعويض. وليس في هذا الذي جرى عليه الحكم ثمة تناقض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق