جلسة 13 من مايو سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، ومحمد صادق الرشيدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعباس حلمي عبد الجواد.
----------------
(94)
الطعن رقم 361 لسنة 29 القضائية
(أ) دعوى. "دعوى صحة التعاقد". "نطاقها". ملكية.
دعوى صحة التعاقد تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية. مقتضى ذلك أن القاضي يفصل في تلك الدعوى في أمر صحة البيع ثم في امتناع البائع عن تنفيذ التزاماته. اتساع نطاق تلك الدعوى لبحث أسباب بطلان العقد.
(ب) دعوى. "عدم جواز نظر الدعوى". دفوع. قوة الأمر المقضي. بيع وفائي.
قوة الأمر المقضي. أثرها. منع الخصوم من العودة إلى المناقشة في المسألة التي فصل فيها الحكم بأي دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها. مثال (1).
(ج) نقض. "الأحكام الجائز الطعن فيها". "مخالفة حكم سابق حائز لقوة الأمر المقضي". قوة الأمر المقضي.
جواز الطعن بالنقض في الحكم الصادر على خلاف حكم سابق حائز لقوة الشيء المحكوم فيه رغم صدوره من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أنه بمقتضى عقد بيع وفائي تاريخ 3/ 3/ 1945 باع المرحوم أحمد محمد حسنين مورث المطعون ضدهم السبعة المذكورين في البند أولاً إلى المرحوم عبد السلام حسين الهدهد مورث باقي المطعون ضدهم منزلاً بمدينة المنيا لقاء ثمن قدره 105 ج و755 م ونص في العقد على حق البائع في استرداد المبيع في مدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ العقد ولما انقضت هذه المدة دون أن يستعمل البائع هذا الحق أقام المشتري وفائياً الدعوى رقم 1500 سنة 1948 مدني السيدة زينب ضد هذا البائع طالباً القضاء بصحة ونفاذ عقد البيع الوفائي الآنف الذكر - وقد دفع البائع تلك الدعوى ببطلان العقد تأسيساً على أنه لم يدفع فيه ثمن وبتاريخ 9/ 3/ 1949 حكمت المحكمة بصحة ونفاذ عقد البيع الوفائي بانية قضاءها على ما ثبت لها من تحقق هذا الركن - استأنف البائع وفائياً المرحوم أحمد محمد حسنين هذا الحكم بالاستئناف رقم 988 سنة 1949 مصر الابتدائية وتمسك أمام المحكمة الاستئنافية بدفاعه السابق كما دفع في مذكرته المقدمة لجلسة 28/ 11/ 1949 المقدمة صورتها الرسمية بملف الطعن ببطلان عقد البيع الوفائي طبقاً للمادة 339 من القانون المدني الملغي لأن العين المبيعة بقيت في حيازة البائع مما يجعل العقد مخفياً لرهن وفي 24/ 5/ 1950 حكمت محكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية في ذلك الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف ولم تتعرض المحكمة في أسباب حكمها إلى دفاع المستأنف المؤسس على حكم المادة 339 السالف الإشارة إليها. وفي 2/ 8/ 1950 أقام البائع المرحوم أحمد محمد حسنين الدعوى رقم 1473 سنة 1950 أمام محكمة المنيا الجزئية ضد المشتري المرحوم عبد السلام حسين الهدهد طالباً الحكم ببطلان عقد البيع الوفائي المؤرخ 3/ 3/ 1945 والصادر منه إلى هذا الأخير وبطلان الحكم السابق المترتب عليه والصادر من محكمة السيدة زينب في القضية رقم 1500 سنة 1948 والمؤيد استئنافياً في القضية رقم 988 سنة 1949 - استئناف مصر الابتدائية وإلغاء كافة التسجيلات التي توقعت بناء على ذلك وقال المدعي (البائع) سنداً لدعواه إن عقد بيع الوفاء المشار إليه قد قصد به إخفاء رهن عقاري لأن العين المبيعة بقيت في حيازته ومن ثم يعتبر باطلاً لا أثر له سواء بصفته بيعاً أو رهناً طبقاً لنص المادة 339 من القانون المدني الملغي - ولدى نظر الدعوى تدخل الطاعن فيها منضماً إلى المشتري المدعى عليه (مورث المطعون ضدهم المذكورين في البند ثانياً) في طلب رفض الدعوى وبنى تدخله على أنه تملك العين موضوع النزاع بشرائه لها من المدعى عليه بعقد مسجل في 19/ 3/ 1951 - كما تدخلت عائشة محمد عبد الله منضمة إلى المدعي البائع في طلباته قائلة إنها اشترت منه العين ذاتها بعقد مسجل في 22/ 3/ 1951 وقررت المحكمة قبولهما خصمين متدخلين في الدعوى وقد دفع الطاعن بعدم جواز نظر هذه الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 1500 سنة 1948 مدني السيدة واستئنافها رقم 988 سنة 1949 س مصر الابتدائية وقال إن القضاء فيهما بصحة ونفاذ عقد البيع الوفائي محل النزاع من شأنه أن يمنع إثارة أي نزاع بشأن صحة هذا العقد من جديد - وبتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1951 قضت محكمة المنيا الجزئية برفض هذا الدفع وبجواز نظر الدعوى تأسيساً على ما ذكرته من أن النزاع كان يدور في الدعوى الأولى حول استيفاء العقد لركن الثمن وعدم استيفائه له أما السبب الذي أسس عليه البطلان في الدعوى الحالية وهو أن العقد قد قصد به إخفاء رهن فإنه سبب جديد لم يسبق طرحه في الدعوى الأولى - وبتاريخ 30/ 5/ 1956 قضت المحكمة ببطلان عقد البيع الوفائي المؤرخ 3/ 3/ 1945 وبطلان الحكم الصادر في القضية رقم 1500 سنة 1948 مدني السيدة زينب والمؤيد في الاستئناف رقم 988 سنة 1949 س مصر الابتدائية وإلغاء كافة التسجيلات المترتبة عليها واستندت في قضائها بذلك إلى ما قالته في أسباب حكمها من أنه قد ثبت لها أن عقد البيع الوفائي الآنف الذكر كان مقصوداً به إخفاء رهن حيازة عقاري ومن ثم يكون باطلاً لا أثر له سواء بصفته بيعاً أو رهناً وذلك تطبيقاً لحكم المادة 339 من القانون المدني الملغي الذي انعقد العقد في ظله. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة المنيا الابتدائية بالاستئناف رقم 258 سنة 1956 وتمسك في استئنافه بدفعه بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وبجلسة 21/ 4/ 1959 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف مستندة إلى ذات الأسباب التي أقامت عليها محكمة الدرجة الأولى قضاءها - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض ورأت النيابة في مذكرتها نقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 2/ 12/ 1962 إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته لحكم انتهائي سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم في ذات النزاع وحاز قوة الشيء المحكوم فيه وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان عقد البيع الوفائي المؤرخ 3/ 3/ 1945 لأنه يخفي رهناً قد خالف الحكم السابق صدوره من محكمة مصر الابتدائية بتاريخ 24/ 5/ 1950 في الاستئناف رقم 988 سنة 1949 بين الخصوم أنفسهم والذي قضى بصحة ونفاذ ذلك العقد لاستيفاء أركانه ولما كان هذا الحكم انتهائياً وحاز قوة الشيء المحكوم به فقد كان من المتعين على الحكم المطعون فيه التزام حجيته واعتبار العقد صحيحاً أما وقد أغفل ذلك وقضى ببطلان العقد على خلاف ما قضى به الحكم السابق فإنه يجوز الطعن فيه بالنقض عملاً بنص المادة الثالثة من القانون رقم 57 لسنة 1959.
وحيث إنه يبين من الوقائع المتقدم ذكرها أن المرحوم عبد السلام حسين الهدهد مورث المطعون ضدهم المذكورين في البند (ثانياً) سبق أن رفع الدعوى رقم 1500 سنة 1948 مدني جزئي السيدة ضد المرحوم أحمد محمد حسنين مورث المطعون ضدهم الواردة أسماؤهم في البند (أولاً) طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الوفائي الصادر له من هذا الأخير في 3/ 3/ 1945 فقضت المحكمة للمشتري بطلباته وتأيد هذا الحكم في الاستئناف برقم 988 سنة 1949 محكمة مصر الابتدائية في 24/ 5/ 1950 وكان من بين ما أثاره البائع في هذه الدعوى بطلان عقد البيع الوفائي لأنه يخفي رهناً. بعد ذلك رفع هذا البائع في 2/ 8/ 1950 الدعوى الحالية رقم 1473 سنة 1950 مدني جزئي المنيا ضد المشتري طالباً بطلان ذات العقد الذي سبق القضاء بصحته ونفاذه بدعوى أنه يخفي رهناً طبقاً للمادة 339 من القانون المدني الملغي فتدخل الطاعن منضماً إلى المشتري المرحوم عبد السلام حسين الهدهد في طلب رفض الدعوى وبنى تدخله على أنه اشترى منه المنزل موضوع النزاع بموجب عقد مسجل في 19/ 3/ 1951 وقبلته المحكمة خصماً وانتهت إلى القضاء ببطلان عقد البيع الوفائي تأسيساً على أنه يخفي رهناً فاستأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة المنيا الابتدائية التي قضت بحكمها المطعون فيه بتأييد الحكم المستأنف ولما كان الحكم الصادر في الدعوى الأولى رقم 988 سنة 1949 س القاهرة الابتدائية قد حسم النزاع بين المرحوم أحمد محمد حسنين والمرحوم عبد السلام حسين الهدهد في خصوص صحة عقد البيع الوفائي المؤرخ 3/ 3/ 1945 وقضى بصحته ونفاذه وقد كان الدفع ببطلان هذا العقد لإخفائه رهناً مثاراً من البائع في هذه الدعوى وإن لم تبحثه المحكمة وكانت دعوى صحة التعاقد تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع ثم يفصل في أمر امتناع البائع عن تنفيذ التزاماته وهل كان له عذر في هذا الامتناع أو لم يكن ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لبحث كل ما يثار من أسباب بطلان العقد إذ من شأن هذا البطلان لو صح أن يحول دون الحكم بصحة العقد ونفاذه - لما كان ذلك، فإن الحكم السابق وهو حكم نهائي يحوز قوة الأمر المقضي في شأن صحة العقد ويمنع الخصوم أنفسهم أو خلفهم من التنازع في هذه المسألة بالدعوى الثانية ولا يغير من ذلك اختلاف الطلبات في الدعويين ذلك أن طلب صحة العقد ونفاذه وطلب بطلانه متصلاً اتصالاً علياً إذ علة الحكم بصحة العقد في الدعوى الأولى عدم بطلانه والقضاء بصحة العقد يتضمن حتماً أنه غير باطل - ومتى حاز الحكم قوة الأمر المقضي فإنه يمنع الخصوم في الدعوى التي صدر فيها من العودة إلى المناقشة في المسألة التي فصل فيها بأي دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها ويكون الحكم المطعون فيه إذ صدر على خلاف الحكم السابق فإن الطعن فيه بالنقض يكون جائزاً رغم صدوره من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية وذلك عملاً بالمادة الثالثة من القانون رقم 57 لسنة 1959 وإذ كان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه لما سلف بيانه من مجيئه على خلاف حكم سابق حائز لقوة الشيء المحكوم فيه والقضاء في موضوع الاستئناف بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها.
(1) نقض 21/ 5/ 1964 في الطعن 459 لسنة 29 ق مجموعة المكتب الفني س 15 ص 716.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق