جلسة 7 من يوليه سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.
-------------------
(141)
الطعن رقم 13 لسنة 29 القضائية
( أ ) حق. مؤلف. "حق المؤلف". "إعادة طبع المصنفات القديمة".
المصنفات القديمة التي آلت إلى الملك العام بانقضاء مدة حمايتها. إعادة طبعها ونشرها. الأصل أنه ليس لصاحب الطبعة الجديدة حق المؤلف عليها. تميز الطبعة الجديدة عن الطبعة الأصلية المنقول عنها بسبب الابتكار أو الترتيب في التنسيق أو بأي مجهود ذهني يتسم بالطابع الشخصي، ثبوت حق المؤلف لصاحب الطبعة الجديدة وتمتعه بالحماية المقررة لهذا الحق. لا يلزم لإضفاء هذه الحماية كون المصنف من تأليف صاحبه. يكفي أن يكون عمله واضعه حديثاً في نوعه ومتميزاً بطابع شخصي خاص بما يضفى عليه وصف الابتكار. مثال.
(ب) حق. مؤلف. "حق المؤلف". "حق الاستغلال المالي". "مدة حمايته".
حق الاستغلال المالي المقرر للمؤلف. استقرار الرأي قبل القانون 354 سنة 1954 على أن مدة حمايته تظل للمؤلف طيلة حياته على الأقل.
(ج) حق. مؤلف. "حق المؤلف". "استغلاله". "الاعتداء عليه".
حق استغلال المصنف مالياً. ثبوته للمؤلف وحده. لا يجوز لغيره مباشرته دون إذن سابق منه أو ممن يخلفه، حرية المؤلف في أن يجيز لمن يشاء نشر مؤلفه وأن يمنعه عمن يشاء وأن يسكت على الاعتداء على حقه مرة دون أخرى. لا يعتبر سكوته في المرة الأولى مانعاً من مباشرة حقه في دفع الاعتداء في المرة الثانية.
(د) بيع. "آثاره". "التزامات البائع". "ضمان التعرض والاستحقاق".
التزام البائع القانوني بالضمان. قابليته للتعديل سواء بتوسيع نطاقه أو تضييق مداه أو الإبراء منه. اشتراط الضمان في عقد البيع بألفاظ عامة لا يعتبر تعديلاً لأحكام هذا الالتزام. علم المشتري والبائع وقت التعاقد بسبب التعرض أو الاستحقاق. نصهما على شرط الضمان في العقد. دلالته على أن الغرض منه هو تأمين المشتري من الخطر الذي يهدده، وذلك بالتزام البائع بالتضمينات علاوة على رد الثمن في حالة استحقاق المبيع.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن المطعون ضده الأول أقام في 18 من يناير سنة 1955 الدعوى رقم 217 سنة 1955 تجاري كلي القاهرة ضد الطاعن بصفته طالباً إلزامه بأن يدفع له على سبيل التعويض المؤقت مبلغ سبعة آلاف جنيه وقال في بيان دعواه إنه قام بإعداد وطبع كتاب صحيح الإمام مسلم بشرح النووي وهو من أكبر كتب السنة النبوية ويقع في خمسة آلاف صفحة - وأخرجه في صورة مبتكرة لم يسبقه إليها أحد وبذل في ذلك جهداً كبيراً فوضع للكتاب تراجم للإمام مسلم وللإمام النووي (شارح الكتاب) استقى عناصرها من بطون أمهات كتب التراجم كما قام بترتيب الكتاب ترتيباً خاصاً وبوبه وراجعة مراجعة دقيقة وقام بتصحيحه واستعمل في طباعته أدوات خاصة وأحرف ممتازة استوردها من الخارج، وبعد أن قام بنشر هذا الكتاب علم بأن الطاعن قام بتقليده بطريق الزنكوغراف ووضع أكليشهات له طبع عليها سائر الكتاب عدة طبعات متماثلة وقد بلغ التقليد إلى حد أن الطاعن نقل في هذه الطبعات خاتمة الكتاب وهي قصيدة لأحد كبار العلماء في تقريظ الكتاب ومخرجه (المطعون ضده) وبالجملة فإن الكتاب الذي أخرجه الطاعن جاء صورة مطابقة تماماً لكتابه فيما عدا ما لجأ إليه الطاعن من رفع اسم المدعي واسم مطبعته من على الكتاب ووضع اسمه هو واسم مطبعته بدلاً منهما. ومضي المدعي (المطعون ضده) قائلاً إنه لما كان له الحق المؤلف على كتابه سالف الذكر ما يترتب على هذا الحق من أن يكون له وحده الحق في استغلال المصنف والتصرف فيه، وكان ما فعله المدعى عليه (الطاعن) بغير إذن منه يعتبر اعتداء على حقه هذا وأمراً مخالفاً للقانون وقد ناله ضرر من جرائه فقد رفع الدعوى بطلب تعويضه عن هذا الضرر وحدد مبلغ التعويض على أساس أن الطاعن قام بطبع الكتاب أربع مرات وأن الطابعة الواحدة مكونة من ثلاث آلاف نسخة وأن ربحه من النسخة الواحدة لا يقل عن 3 ج و300 م. ولدى نظر الدعوى أمام المحكمة الابتدائية وجه الطاعن دعوى ضمان إلى ورثة المرحوم محمود توفيق (المطعون عليهم من الثاني إلى الأخير) وطلب الحكم عليهم بأن يدفعوا له من تركة مورثهم المذكور ما عسى أن يحكم به عليه لصالح المدعي (المطعون عليه الأول) وذلك تأسيساً على أن مورثهم قد باع إليه بعقد تاريخه 23 من فبراير سنة 1946 الكليشيهات التي طبع عليها كتابه المدعي بحصول التقليد فيه وضمن في هذا العقد كل تعرض له من الغير في استعمال تلك الكليشيهات - ودفع الطاعن دعوى المطعون ضده الأول: أولاً - بسقوط الحق في إقامتها بالتقادم تأسيساً على القول بأنه بفرض أن لمدعيها حق المؤلف على كتابه فإن هذا الحق قد سقط بمضي أكثر من خمسة عشر سنة بين إصداره هذا الكتاب في سنة 1930 وبين إصدار الطاعن كتابه في سنة 1947 وأنه لا يجوز تطبيق أحكام القانون رقم 354 لسنة 1954 في شأن تحديد مدة حماية حق المؤلف لصدوره بعد تاريخ حدوث الواقعة المسببة للتعويض المطالب به. ثانياً - بعدم قبول الدعوى تأسيساً على القول بأن حماية الملكية الأدبية لا تكون إلا للمؤلف والمدعي لا يصدق عليه هذا الوصف وبالتالي فلا تكون له صفة في رفع الدعوى المستندة إلى هذه الحماية. وتحصل دفاع الطاعن في موضوع الدعوى الأصلية في أن الكتاب المدعي بتقليده هو من الكتب القديمة التي أصبحت ملكاً للمجتمع والمباح طبعها ونشرها وأن المرحوم محمد توفيق الذي باعه الاكليشهات قام بطبع كتاب المطعون ضده ونشره في سنة 1934 وعلم الأخير بذلك في حينه ولم يحرك ساكناً، وأضاف الطاعن أن كل ما طبعه من الكتاب هو خمسمائة نسخة لا يعدو صافي ربحه منها مبلغ 311 ج. وبتاريخ 16 من مايو سنة 1957 حكمت المحكمة الابتدائية: أولاً - في موضوع الدعوى الأصلية برفض الدفع بسقوط الحق في المطالبة والدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وبإلزام المدعى عليه (الطاعن) بأن يدفع للمدعي (المطعون ضده الأول) مبلغ أربعمائة جنيه على سبيل التعويض. ثانياً - في موضوع دعوى الضمان برفضها. استأنف الطرفان هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وطلب المطعون ضده الأول في استئنافه الذي قيد برقم 279 سنة 74 ق زيادة التعويض المقضى له به إلى مبلغ 7000 ج، وطلب الطاعن في استئنافه الذي قيد برقم 364 سنة 74 ق إلغاء الحكم المستأنف والحكم أصلياً بسقوط حق المستأنف عليه الأول (المطعون عليه الأول) لمضي المدة القانونية المسقطة للحق وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وفي موضوع الاستئناف برفضه واحتياطياً الحكم في دعوى الضمان بإلزام المستأنف عليهم عدا الأول (المطعون عليهم من الثاني للأخيرة) بأن يدفعوا له ما عسى أن يحكم به عليه الطاعن. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت فيهما بتاريخ 18 من نوفمبر سنة 1958 بقبولهما شكلاً وبرفض الدفعين بسقوط الحق في طلب التعويض وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويض وبزيادة هذا التعويض إلى مبلغ ألفين جنيه وبتأييد الحكم فيما قضى به من رفض دعوى الضمان - فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 18 من أكتوبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على المذكرة المقدمة منها والتي انتهت فيها إلى طلب نقض الحكم وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن "صحيح مسلم" ليس إلا مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة قام بجمعها وتحقيق أسانيدها الإمام مسلم منذ مئات السنين وتولى شرح هذه المجموعة الإمام النووي منذ أكثر من مائة عام ومن ثم فلا يمكن أن يكون للمطعون ضده الأول حق المؤلف لا بالنسبة لصحيح مسلم ولا بالنسبة لشرح النووي ذلك أن وصف المؤلف لا يصدق قانوناً إلا على من قام بمجهود ذهني يتسم بطابع الابتكار ومجهود المطعون ضده في إخراج كتابه المدعي بتقليده لا يعدو أن يكون مجهوداً مادياً إذ اقتصر - على ما قاله هو في عريضة دعواه - على استعمال ورق جيد وحروف استوردها من الخارج في طبع الكتاب ولم يكن له فضل ابتكار هذه الحروف أو التفنن في تصميمها وإنما انحصر عمله في جمعها وتنسيقها بواسطة عمال فنيين ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في القانون حين اعتبره مؤلفاً وأسبغ عليه الحماية المقررة لحقوق المؤلفين ولا يشفع للحكم ما قاله من أن المطعون ضده قام بتصحيح الكتاب على نسخته الأصلية وأنه صدره بترجمة للإمام مسلم أو للإمام النووي ووضع له فهرساً من صنعه، ذلك أن التصحيح والتنقيح وتحقيق الكتب القديمة بمطابقتها على أصولها كل هذه الأعمال لا تعتبر من قبيل التأليف الجدير بالحماية لأنها لا تتسم بالطابع الشخصي لمن قام بها ولا تتميز بطابع الابتكار كما أن التصحيح من عمل الطابع، وهو عمل مادي لا يستلزم مجهوداً ذهنياً، أما عن تصدير الكتاب بترجمة للإمامين مسلم والنووي فإن المطعون ضده لم يدع أنه ألف هذه الترجمة بل قال إنه نقلها عن تذكرة الحفاظ وغيرها فعمله في وضع هذه المقدمة لا يعدو دائرة التجميع وهو لا يندرج في أعمال المؤلف إلا إذا داخله التفنن في النقل عن كتب الغير أو ترتيبها على نحو خاص يكسوها جدة وهو الأمر المنتفي في المقدمة التي صدر بها المطعون ضده الأول كتابه، كما وأن وضع الفهرس يدخل في عمل الطابع ولا يمكن أن يوصف بأنه ابتكار لأن الفهرس لا يضيف جديداً إلى المصنف، هذا إلى أن وضع فهارس للكتب الدينية ليس فكرة مبتكرة اهتدى إليها المطعون ضده لأنها موجودة في كل الكتب الدينية القديمة وانتهى الطاعن إلى أنه لما كان الحكم المطعون فيه لم يثبت أن المطعون ضده الأول قد ابتكر شيئاً جديداً في عالم الفكر أو أقام بتعديل أو أضاف إلى طبعته إضافات ذات قيمة علمية فإنه ليس ثمة ما يبرر قانوناً إضفاء الحماية المقررة لحق المؤلف عليه والحكم له بالتعويض.
وحيث إنه ورد بأسباب الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه بصدد ما يثيره الطاعن في هذا السبب ما يلي، وبما أنه متى تقررت حماية حق المؤلف حتى قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 تعين البحث في نطاق هذا الحق وهل يمتد فيشمل المجهود الذي بذله المدعي (المطعون ضده الأول) في صدد كتاب صحيح الإمام مسلم بشرح النووي. وبما أن الفقه والقضاء قد وسعا في نطاق حماية حق المؤلف حتى لقد شمل كل صور الابتكار مهما ضؤلت. فإعادة طبع الكتب القديمة تخول حق الملكية الأدبية في الطبعة الحديثة متى كانت مختلفة عن القديمة ولو في الترتيب الذي ينم عن المجهود الخاص" وبعد أن أورد الحكم بعض آراء الشراح وأحكام المحاكم ذكر أن القانون رقم 354 سنة 1954 صدر متضمناً المبادئ التي استقر عليها الفقه والقضاء قبل صدوره ومنظماً لها وأشار الحكم إلى ما تضمنته المادة الرابعة من هذا القانون ثم قال "وبما أن المحكمة تستلهم هذه المبادئ جميعها التي سادت قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 والنص التشريعي الذي أورده هذا القانون للقول بأن ما قام به المدعي من مجهود ملحوظ في شأن كتاب صحيح مسلم بشرح النووي من حيث ترتيبه ترتيباً خاصاً لم يسبق إليه وتقديمه بتراجم للإمام مسلم والإمام النووي (شارح الكتاب) استقاها على ما هو ثابت في عنوانها، من كتاب تهذيب الأسماء والمؤلفات وتذكرة الحفاظ ثم تصحيحه ومراجعته بمعرفة علماء مختصين ثم وضع فهرس منظم له وطبعه بأحرف ممتازة لم يثبت للمحكمة وجود عهد لها من قبل في مثل هذه الكتب الدينية، كل أولئك يعتبر من قبيل الابتكار والمجهود الشخصي الذي بذله المدعي ليخرج للناس كتاباً تسهل قراءته ويرتاح إليه النظر، فإذا عدا معتد على هذا الكتاب بوضعه المشار إليه وصور صفحاته على نحو ما فعل المدعى عليه بالزنكوغراف وطبع عليه مصنفاً نسبة إلى نفسه فإن هذا الفعل يندرج ولا شك تحت الصور التي تستأهل تدخل القانون لحماية واضع المصنف في صورته المعتدى عليها إذ أن المصنفات التي يحميها المشرع غير مقصورة على المصنفات الأصلية بل تشمل " كافة صور إعادة إظهار المصنفات الموجودة في شكل جديد" وهذا الذي قرره الحكم من أن للمطعون ضده الأول حق المؤلف على كتابه لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه وإن كان الأصل أن مجموعات المصنفات القديمة التي آلت إلى الملك العام بانقضاء مدة حمايتها إذا أعيد طبعها ونشرها لا يكون لصاحب الطبعة الجديدة حق المؤلف عليها، إلا أنه إذا تميزت هذه الطبعة عن الطبعة الأصلية المنقولة عنها بسبب يرجع إلى الابتكار أو الترتيب في التنسيق أو بأي مجهود آخر ذهني يتسم بالطابع الشخصي فإن صاحب الطبعة الجديدة يكون له عليها حق المؤلف، ويتمتع بالحماية المقررة لهذا الحق، إذ لا يلزم لإضفاء هذه الحماية أن يكون المصنف من تأليف صاحبه وإنما يكفي أن يكون عمل واضعه حديثاً في نوعه ومتميزاً بطابع شخصي خاص بما يضفى عليه وصف الابتكار - وهذه القواعد التي قررها الفقه والقضاء من قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 الخاص بحماية حق المؤلف قد قننها هذا القانون بما نص عليه في المادة الرابعة من أنه" لا تشمل الحماية (أولاً) المجموعات التي تنتظم مصنفات عدة كمختارات الشعر والنشر والموسيقى وغيرها من المجموعات وذلك مع عدم المساس بحقوق مؤلف كل صنف (ثانياً) مجموعات المصنفات التي آلت إلى الملك العام (ثالثاً) مجموعات الوثائق الرسمية - ومع ذلك تتمتع المجموعات سالفة الذكر بالحماية إذا كانت متميزة بسبب يرجع إلى الابتكار والترتيب أو أي مجهود شخصي آخر يستحق الحماية" - لما كان ما تقدم، وكان ما سجلته محكمة الموضوع بحكمها المطعون فيه - وفي حدود سلطتها التقديرية - من أن المطعون ضده الأول مهد لكتابه بمقدمة بقلمه تتضمن تراجم للإمام مسلم والإمام النووي استقى عناصرها من أمهات الكتب القديمة ولم يكن لها نظير في الطبعة الأصلية التي نقل عنها وأن كتاب المطعون ضده الأول يتميز عن هذه الطبعة بترتيب خاص فريد في نوعه وبفهرس منظم وأنه أدخل على الطبعة الأصلية تنقيحات أجراها أحد العلماء المختصين، هذا الذي سجلته المحكمة تتوافر به عناصر الابتكار الذي يتسم بالطابع الشخصي لصاحبه فإنه لا يكون على محكمة الموضوع بعد ذلك معقب فيما انتهت إليه من اعتبار المطعون ضده مستأهلاً للحماية المقررة لحق المؤلف ويكون النعي على حكمها في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن مبنى السبب الثالث والوجه الأول من السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تفسير القانون وتطبيقه وشابه قصور في التسبيب ذلك أن الطاعن دفع أمام محكمة الموضوع بسقوط حق المطعون ضده الأول بالتقادم وأقام هذا الدفع على أساسين (الأساس الأول) أن المطعون ضده المذكور طبع كتابه ونشره في سنة 1930 ثم قام من بعده المرحوم محمود توفيق بطبع نفس الكتاب وبذات كليشهاته في سنة 1934 دون أن يعترض المطعون ضده على ذلك وقد اشترى الطاعن هذه الكليشهات من محمود توفيق في سنة 1946 وطبع بها الكتاب ونشر طبعته في سنة 1947 وأنه وإذ كان له بصفته خلفاً خاصاً للبائع له أن يتمسك بها كان يجوز للأخير أن يتمسك به من الدفوع قبل المطعون ضده وكان لسلفه لو أنه هو الذي أصدر الكتاب بدلاً من الطاعن في سنة 1947 أن يتمسك قبل المطعون ضده الأول بسقوط حقه في الاعتراض على استخدام تلك الاكليشهات في إخراج هذه الطبعة الجديدة وذلك لسكوته عن الاعتراض مدة تزيد على خمس عشرة سنة بعد إصدار محمود توفيق طبعته في سنة 1934 فإن للطاعن أن يتمسك بسقوط حق المطعون ضده بالتقادم على الأساس المتقدم الذكر (الأساس الثاني) أن الواقعة المسببة للتعويض الذي طالب به المطعون ضده حدثت قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 وبالتالي فلا تنطبق أحكامه عليها وإنما يحكمها نصوص القانون المدني القديم ومن بينها نص المادة 208 التي كانت تقضى بزوال جميع التعهدات والديون بمضي مدة خمسة عشر عاماً وهذا التقادم المسقط يصلح سبباً لزوال جميع الحقوق الشخصية والعينية ما عدا حق الملكية، وإذ كان من المقرر أن حق المؤلف ليس حق ملكية بالمعنى القانوني لأنه لا يرد على شيء مادي فإن حق المؤلف يسقط كغيره من الحقوق بعدم استعماله مدة خمسة عشر عاماً. ولما كان المطعون ضده الأول أخرج طبعته في سنة 1930 واعتزل العمل في ميدان الطباعة وصفى أعماله فيها في سنة 1934 فإن حقه يكون قد سقط قبل رفعه هذه الدعوى في سنة 1955 - ويقول الطاعن إن محكمة الاستئناف قضت برفض الدفع تأسيساً على ما قالته من أن مدة التقادم لا تسري إلا من تاريخ الاعتداء على حق المؤلف وأن الحق الأدبي للمؤلف لا يسقط بمضي المدة. وبذلك تكون المحكمة قد بعدت عن مقطع النزاع كما أغفلت الرد على الأساس الأول الذي بني عليه دفعه - ذلك أنه لا علاقة للنزاع الماثل بالحق الأدبي للمؤلف كما أنه ليس فيما ذكرته المحكمة ما يحمل الرد على الأساس المذكور، ويضيف الطاعن أنه حتى لو صح ما ذهبت إليه المحكمة من أن بداية التقادم تكون من تاريخ الاعتداء على حق المؤلف فإن هذا الاعتداء - قد حدث في سنة 1934 بمعرفة المرحوم محمود توفيق الذي يعتبر الطاعن خلفاً خاصاً له ولذلك فإن حق المطعون ضده الأول في الاعتراض قد سقط على كل حال بمضي أكثر من خمس عشرة سنة من هذا التاريخ حتى رفع الدعوى الحالية.
وحيث إنه وإن لم يوجد نص قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 يحدد مدة حماية حق الاستغلال المالي المقرر للمؤلف إلا أن الرأي كان مستقراً على أن هذه الحماية تظل للمؤلف طيلة حياته على الأقل، وكان عماد هذا الرأي ما أجمعت عليه التشريعات الأجنبية والاتفاقات الدولية من إضفاء الحماية المقررة لحقوق المؤلفين طوال حياة المؤلف ومدة معينة بعد وفاته، وقد اقتصر الخلاف في الرأي قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 على تحديد المدة التي تستمر فيها الحماية بعد وفاة المؤلف وذلك لأن تلك التشريعات الأجنبية والاتفاقات الدولية قد اختلفت في تحديد هذه المدة، ولما كان المطعون ضده قد رفع الدعوى أثناء حياته طالباً تعويضه عن اعتداء الطاعن على حقه في استغلال مصنفه مالياً فإن حقه في رفع هذه الدعوى يكون ثابتاً وقائماً بلا جدال. ولا يقدح في ذلك ما يقوله الطاعن من أن المطعون ضده المذكور لم ينشط إلى استعمال حقه عندما أصدر المرحوم محمود توفيق طبعته في سنة 1934 وأنه ظل ساكتاً على هذا الاعتداء مدة تزيد على خمسة عشر سنة قبل أن يرفع دعواه الحالية مما يسقط حقه في رفعها بالتقادم باعتبار أن الطاعن خلف لمحمود توفيق يملك التمسك بالتقادم الذي كان لسلفه أن يتمسك به - هذا القول لا يقدح في صحة النظر السابق، ذلك أن حق استغلال المصنف مالياً هو للمؤلف وحده ولا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق دون إذن سابق منه أو ممن يخلفه، وللمؤلف وحده أن ينقل إلى الغير الحق في مباشرة حقوق الاستغلال المقررة له كلها أو بعضها وأن يحدد في هذه الحالة مدة استغلال الغير لما تلقاه منه من هذه الحقوق، ومقتضى ذلك أن المؤلف حر في أن يجيز لمن يشاء نشر مؤلفه وأن يمنعه عمن يشاء وفي أن يسكت على الاعتداء على حقه إذا وقع من شخص ولا يسكت عليه إذا تكرر من نفس المعتدى أو وقع من غيره وذلك دون أن يعتبر سكوته في المرة الأولى مانعاً له من مباشرة حقه في دفع الاعتداء في المرة الثانية ما دام هذا الحق قائماً له ولما ينقض - ولا محل لتمسك الطاعن في هذا الخصوص بأنه خلف خاص لمحمود توفيق إذ ليس من شأن هذه الخلافة أن تنقل إليه حقاً خاصاً بالمطعون ضده الأول وحده ليس لغيره أن يتصرف فيه، وذلك اللهم إلا إذ كان هذا المطعون ضده قد نقل حقه في الاستغلال لمحمود توفيق وإذن له بالتصرف فيه إلى الغير وهو ما لم يدعه الطاعن أو يقدم الدليل عليه. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى رفض الدفع بالتقادم يكون للأسباب المتقدمة الذكر قد انتهى إلى نتيجة موافقة للقانون ولا يؤثر على سلامته بعد ذلك ما ورد في أسبابه في هذا الخصوص من تقريرات قانونية غير صحيحة إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ بغير أن تنقض الحكم كذلك فإن النعي عليه بالقصور لإغفاله الرد على الأساس الأول الذي بني عليه الطاعن دفعه بسقوط الحق. والذي تضمنته صحيفة استئنافه - هذا النعي يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى في الوجه الثاني من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول عن محكمة الاستئناف ذكرت في حكمها المطعون فيه عند تقدير التعويض أنه قد ثبت لها خلافاً لما قررته المحكمة الابتدائية أن الطاعن أعاد طبع الكتاب أربع مرات لا مرة واحدة كما جاء في الحكم الابتدائي - وقد بنت محكمة الاستئناف تقديرها للتعويض على هذا الأساس وعلى أساس ما ذكرته على سبيل الترجيح من أن الطاعن باع خمسمائة نسخة من كل طبعة - ولم تبين محكمة الاستئناف من أين استمدت ما انتهت إليه من أن الطاعن طبع كتابه أربع مرات واكتفت بقول بثبوت هذه الواقعة دون أن تذكر مصدر هذا الثبوت المزعوم الذي حدا بها إلى رفع التعويض المحكوم به ابتدائياً من أربعمائة جنيه إلى ألفين من الجنيهات وإذ كانت المحكمة قد ذكرت في موضع آخر من حكمها أنها لاحظت وجود أربع طبعات إلا أنها لم تسند هذه الملاحظة إلى أساس من الواقع يمكن معه الاطمئنان إلى سلامة الملاحظة فلم تبين تاريخ كل طبعة ووجوه المغايرة بين الطبعات وهذا كله من شأنه أن يعجز محكمة النقض عن تحقيق رقابتها على قول الحكم في هذا الصدد وعن التثبت مما إذا كان هذا القول مستمداً من مصدر ينتجه أو من مصدر وهمي لا أساس له من الواقع.
وحيث إنه يبين من الأوراق ومن الوقائع المتقدم ذكرها أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه لم يطبع من الكتاب محل النزاع سوى طبعة واحدة مكونة من خمسمائة نسخة وأن صافي ربحه فيها هو مبلغ 311 جنيهاً فقط وقد أخذت المحكمة الابتدائية عند تقديرها للتعويض بقول الطاعن من أنه طبع الكتاب طبعة واحدة وقدرت التعويض على هذا الأساس وقالت في أسباب حكمها "إنه لم يثبت للمحكمة أن المدعى عليه (الطاعن) طبع الكتاب سوى مرة واحدة تلك التي أخرجت في سنة 1947" وحكمت للمطعون ضده الأول بتعويض قدره أربعمائة جنيه - غير أن محكمة الاستئناف رفعت هذا المبلغ إلى ألفين من الجنيهات واستندت أساساً في تبرير هذا التعديل إلى ما قالته من "أنه ثبت لدى المحكمة أن الضرر المادي يفوق تقدير محكمة أول درجة بدليل أنه خلافاً لما ذكر في أسباب حكمها تبين للمحكمة في المرحلة الاستئنافية أن الحلبي كان قد عمد إلى إعداد الطبعة المقلدة أربع مرات لا مرة واحدة كما جاء في الحكم... وقد تبين توكيداً للضرر المادي أن الحلبي باع 100 نسخة من الطبعة المقلدة إلى كلية أصول الدين بسعر النسخة الواحدة 270 قرشاً في حين أن سعر التكلفة لا يجاوزه 115 قرشاً كما يستفاد من مذكرة الحلبي ذاته رقم 24 ملف ابتدائي وقد أقر هذا الأخير في هذه المذكرة بأنه باع ما يزيد على خمسمائة. ويقول الخطيب إن هذا الرقم يمثل المبيعات من كل طبعة على الأقل وهو ما ترجحه المحكمة" وجاء بأسباب الحكم المطعون فيه في موضع آخر سابق " وحيث إن الخطيب قدم مجلدين من الكتاب صحيح مسلم للإمام النووي المطبوع بمطبعته ومجلدين وأربع مجلدات من الكتاب المقلد قد تبين للمحكمة من فحصها للمجلدات الأربع أنها لطبعات أربع غير متماثلة وفي ذلك ما يؤيد وجهة نظر الخطيب في أنها طبعت أربع مرات على الأقل ولا سند للواقع فيما استند إليه الحلبي من أن هناك فوارق بين نسخة الخطيب والنسخة المقلدة وهذا لا يحول دون القطع بأن بين النسخ المقلدة ما يثبت طبعها على مراحل متتالية لا مرة واحدة".
وحيث إنه علاوة على ما يشوب هذه الفقرة الأخيرة من الحكم من الغموض فإنه وقد تمسك الطاعن بأنه لم يطبع من كتابه الذي اعتبرته المحكمة تقليداً لكتاب المطعون ضده الأول سوى طبعة واحدة ووافقه الحكم الابتدائي على ذلك وسجل أنه لم يثبت للمحكمة أن الطاعن طبع كتابه سوى مرة واحدة وهي التي أخرجها في سنة 1947 فإنه كان لزاماً على محكمة الاستئناف وقد خالفت المحكمة الابتدائية في رأيها في هذا الخصوص أن تبين في حكمها كيف ثبت لها ما قرر الحكم الابتدائي أنه غير ثابت وأن تدلل على ثبوته ولا يكفي في ذلك ما قررته بحكمها المطعون فيه في عبارة مجملة من أنه تبين لها من فحص المجلدات الأربعة التي قدمها المطعون ضده من الكتاب المقلد (كذا) أنها لطبعات أربع غير متماثلة دون أن تبين أوجه المغايرة بين هذه المجلدات تلك المغايرة التي جعلها تعتبر كلاً منها من طبعة غير التي منها الآخر وإذ أغفل الحكم بيان ذلك وشابه الغموض على ما تقدم ذكره فإنه يكون معيباً بالقصور في هذا الخصوص بما يتعين نقضه فيه.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب ومسخ العقد الصادر إليه من المرحوم محمود توفيق وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه برفض دعوى الضمان التي وجهها إلى ورثة الأخير على أنه - الطاعن - حين تعاقد مع محمود توفيق كان يعلم بأن الكليشيهات المبيعة مأخوذة من صفحات كتاب للمطعون ضده الأول فضلاً عن أن محمود توفيق عندما باع الأكليشيهات إلى الطاعن لم يضمن العقد التصرف في حق طبع الكتاب وأن كل ما ضمنه هو أنه مالك لتلك الأكليشيهات من حيث هي. ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم ينطوي على قصور ومسخ ذلك أنه علاوة على أن ما ذكره الحكم في سبيل التدليل على علمه بأن الكليشيهات منقولة عن طبعة المطعون ضده الأول ليس من شأنه أن يؤكد هذا العلم الذي قرر الحكم ثبوته فإن ثبوت هذا العلم لا يؤدى إلى نفي المسئولية عن محمود توفيق ما دام أنه مع علمه بالأصل الذي نقل عنه هذه الكليشيهات قد تعهد بالضمان وقبل صراحة في العقد الالتزام بالتعويض في حالة ظهور أي تعرض من الغير للطاعن في استعمال هذه الكليشيهات، فالنص على شرط الضمان في العقد في هذه الحالة وهو أصلاً لا حاجة إليه اكتفاء بالتزام البائع قانوناً بالضمان - يدل على أن الغرض منه هو تأمين الطاعن المشتري من الخطر الذي يهدده وذلك بالتزام البائع عند الاستحقاق بالتضمينات - علاوة على رد الثمن - أما ما استند إليه الحكم في رفض دعوى الضمان من أن تعهد محمود توفيق في العقد بالضمان مقصور على ملكية الكليشيهات من حيث هي فإنه استخلاص خاطئ ينطوي على مسخ لعبارات العقد وتشويه لمعناها - ذلك أنه يبين من العقد أن البائع بعد أن أقر بأن الكليشيهات ملك له وحده أتبع ذلك بإقراره بأنه ليس عليها أي حق لأي فرد وأنه إذا ظهر عليها أي حق للغير فيكون وحده المسئول عن هذا وإنه يتعهد بأن لا يعمل هذه الكليشيهات مرة أخرى مهما كانت الظروف وإذا كررها ثانياً يكون ملزماً بكافة ما يترتب على ذلك من ضرر - ويقول الطاعن إنه لو أن محمود توفيق قصد إلى أن يلتزم بضمان ملكية الكليشيهات من حيث هي لما كرر تعهده بضمان عدم وجود حق عليها للغير ولما تعهد بعدم صنعها مرة أخرى فهذه العبارات قاطعة في الدلالة على أن المقصود ببيع تلك الأكليشيهات هو أن يستعملها المشتري في طبع كتب بها وإلا لما قدر لها ثمن قدره 641 جنيهاً وكسور إذ أن ثمنها باعتبارها منقولاً مادياً لا يزيد على بضع عشرات من الجنيهات وهو قيمة ما تحويه من زنك وخشب ويضيف الطاعن أن المحكمة نفسها قد سلمت في نهاية حكمها بأن محمود توفيق أمد الطاعن بهذه الكليشهات لتسهيل الطبع وهو ما يتعارض مع قولها السابق وينتهي الطاعن إلى أن قصور الحكم ومسخه العقد على النحو المتقدم الذكر أدى بالمحكمة إلى عدم تطبيق قانون العقد على عاقديه مما يعتبر خطأ في القانون أيضاً.
وحيث إنه ورد بأسباب الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه في خصوص دعوى الضهان ما يلي "وبما أنه عن دعوى الضمان المرفوعة من المدعى عليه (الطاعن) ضد ورثة المرحوم محمود توفيق فإن المحكمة لا ترى محلاً للقضاء للمدعي فيها بطلباته ذلك أنه يعلم أن الكليشهات مأخوذة من صفحات كتاب المدعي الأمر الذي يؤكده سبق إصدار الكتاب بمعرفة المدعي ووجود قصيدة في نهاية الكتاب تفيض بالمديح على المدعي فضلاً عن أن المرحوم محمود توفيق عندما باع الكليشهات إلى المدعى عليه لم يضمن العقد التصرف في حق طبع الكتاب على الصورة التي أخرجها المدعي، ولم يذكر أنه تلقى هذا الحق من المدعي (يقصد المطعون ضده الأول) أو أنه أذن له باستعمال الكليشيهات وكل ما ضمنه هو أنه مالك لهذه الكليشيهات من حيث هي، وهذا كله لا يجعل المرحوم محمود توفيق أو ورثته مسئولين قبل المدعى عليه عن التعويض الذي يقضى به لصالح المدعي (المطعون ضده الأول) ما دام أنه (الطاعن) عالم ومقدر أنه إنما يقوم بطبع كتاب تقليداً لمصنف المدعي وأن كل ما أيده به محمود توفيق هو الكليشيهات لتسهيل الطبع" ولما كان الأصل أنه لا يجوز للمشتري عند حصول تعرض له في الانتفاع بالمبيع أو عند استحقاق هذا المبيع أن يرجع على البائع بالتعويضات إذا كان المشتري يعلم وقت البيع بسبب التعرض أو الاستحقاق إلا أن التزام البائع القانوني بالضمان يقبل التعديل باتفاق العاقدين سواء على توسيع نطاقه أو تضييق مداه أو الإبراء منه بحسب الغرض الذي يقصدانه من اتفاقهما. وأنه وإن كان اشتراط الضمان في عقد البيع بألفاظ عامة لا يعتبر تعديلاً في الأحكام التي وضعها القانون لهذا الالتزام، إلا أنه إذا كان المشتري والبائع كلاهما عالمين وقت التعاقد بسبب التعرض أو الاستحقاق فإنه في هذه الحالة يدل النص على شرط الضمان في العقد - وهو أصلاً لا حاجة إليه - على أن الغرض منه هو تأمين المشتري من الخطر الذي يهدده تأميناً لا يكون إلا بالتزام البائع بالتضمينات، علاوة على رد الثمن في حالة استحقاق المبيع - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استند في رفضه لدعوى الضمان إلى مجرد علم المشتري (الطاعن) بوجود حق للمطعون ضده الأول على الأكليشيهات المبيعة فإنه يكون قد أقام قضاءه على أساس خاطئ في القانون. أما ما استند إليه الحكم في رفض تلك الدعوى من أن عبارة العقد لا تفيد أن البائع يضمن للمشتري عدم التعرض له في استعمال الكليشيهات في الطباعة وأن كل ما ضمنه هو أنه مالك لها من حيث هي - أي باعتبارها منقولاً مادياً - فإنه لما كان يبين من عقد البيع المؤرخ 23/ 2/ 1946 والمقدم من الطاعن بملف الطعن أنه ورد بأعلاه بيان مفصل للكتب المبيعة كليشهاتها وعدد ملازم كل كتاب منها - فذكر مثلا عن الكليشهات الخاصة بالكتاب محل النزاع "كليشية صحيح مسلم 260 ملزمة 18 جزء وعدد صفحات الملزمة 15" كما جاء بالعقد أن جملة المبيع أربعمائة وثمانية وخمسين ملزمة وعشر صحائف لا غير دون أن يشار في العبارة المحتوية على هذا الجملة إلى الكليشهات ونص في صلب العقد على أن البائع محمود توفيق "باع إلى شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ما هو كليشيهات الكتب - المذكورة أعلاه البالغ عدد ملازمها 458 وعشر صحائف بسعر ثمن الملزمة الواحدة 1 ج و400 م فتكون جملة الثمن 641 ج و987 م" ثم ورد في العقد ما نصه "وإني - أي البائع - مقر ومعترف للشركة بأن هذه الكليشيهات ملك خاص لي وليس لي شريك فيها مطلقاً كما أقر بأن هذه الكليشهات ليس عليها أي حق لأي فرد وإذا ظهر عليها أي حق للغير فأنا وحدي المسئول عن هذا الحق كما أتعهد بأن لا أعمل هذه الكليشهات مرة ثانية مهما كانت الظروف وإذا كررتها ثانيا أكون ملزماً بكافة ما يترتب على ذلك من ضرر حسبماً تقرره الشركة ولا يكون لي أي حق في معارضة تقدير الشركة للضرر الذي لحقها بخصوص تكرار هذه الكليشيهات" ولما كانت هذه العبارات الأخيرة التي تعهد فيها البائع بعدم صنعه هذه الكليشيهات مرة أخري وبالتزامه بالتعويض الذي يقدره المشتري في حالة تكراره هذه الكليشيهات هذه العبارات وما ورد في العقد من أن المبيع 450 ملزمة وعشر صحائف ومن أن الثمن قدر على أساس ثمن الملزمة الواحدة وذلك كله لا يمكن أن يكون له معني سوي أن البيع تم على أساس أن يكون للمشتري الحق في طبع كتب بهذه الكليشهات وأن البائع قد ضمن عدم تعرض الغير للمشتري في استعماله لتلك الكليشيهات في هذا الغرض كما ضمن البائع عدم قيامه هو شخصياً بصنع هذه الكليشيهات مرة أخرى وبذلك ضمن البائع التعرض سواء حصل بفعل من الغير أو بفعل منه شخصياً - لما كان ذلك، فإن الحكم يكون فيما استخلصه من العقد على النحو الوارد في أسبابه المتقدم ذكرها، قد مسخ هذا العقد وشوه معنى عباراته بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم بالنسبة لقضائه برفض دعوى الضمان وفي خصوص ما ورد في الوجه الثاني من السبب الرابع بشأن التعويض ورفض ما عدا ذلك من أسباب الطعن.
(1) راجع نقض 26/ 10/ 1961 الطعن 471 س 25 ق السنة 12 ص 602.
(2) راجع نقض 1/ 2/ 1951 الطعن رقم 191 س 18 مجموعة 25 سنة ص 458.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق