باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع مــــن ديسمبر سنة 2021م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقى والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 12 لسنة 43 قضائية "تنازع"
المقامة من
رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية
ضـد
سيد عدلى إمام محمد سعفان
---------------
" الإجراءات "
بتاريخ الخامس عشر من أبريل سنة 2021، أودع المُدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًــا الحكم بفض التنازع السلبي القائم بين الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، في الدعوى رقم 42076 لسنة 70 قضائية، بجلسة 23/ 10/ 2018، والحكم الصادر من محكمة الجيزة الابتدائية، في الدعوى رقم 824 لسنة 2019 عمال، بجلسة 25/ 11/ 2019، والقضاء باختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر النزاع، بشأن صرف مكافأة المائة شهر، من صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بالهيئة، وانعدام ولاية القضاء العادي. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها . ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
----------------
" المحكمــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليه - فى الدعوى المعروضة - كان قد أقام بتاريخ 3/ 4/ 2016، الدعوى رقم 42076 لسنة 70 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري، طالبًا الحكم بأحقيته فى صرف المكافأة المستحقة له من صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بالهيئة العامة للمطابع الأميرية، بمناسبة انتهاء خدمته، بواقع مائة شهر على المرتب الأساسي، مضافًــا إليه العلاوات الخاصة والاجتماعية والإضافات الأخرى، التي امتنعت جهة الإدارة عن صرفها له. وبجلسة 22/ 10/ 2018، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّــا بنظر الدعوى، وإحالتها بحالتها إلى الدائرة العمالية بمحكمة الجيزة الابتدائية للاختصاص، ولم يتم الطعن على هذا الحكم، وقيدت الدعوى لدى المحكمة المحال إليها برقم 824 لسنة 2019، عمال كلى الجيزة. وبجلسة 25/ 11/ 2019، قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّــا بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة لنظرها. وإذ ارتأى المدعى إزاء ما تقدم - أن ثمة تنازعًــا سلبيًــا على الاختصاص بنظر النزاع الموضوعي، بين جهتى القضاء العادى وقضاء مجلس الدولة، فقد أقام دعواه المعروضة.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول طلب الفصل فى تنازع الاختصاص السلبى وفقًــا لنص المادة (192) من الدستور والبند ثانيًــا من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون الدعوى قد طرحت عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى وتخلت كلتاهما عن نظرها. وكان "التخلي" في تطبيق أحكام البند المشار إليه، مؤداه أن تعزل جهة القضاء أو الهيئة ذات الاختصاص القضائي نفسها عن نظر النزاع المعروض عليها، سواء تم ذلك من خلال ما صَّرح به قضاؤها من عدم اختصاصها بنظره، أم كان هذا المعنى مندرجًــا ضمنًــا في حكمها، ولازمًــا دلالة من استقراء أسبابه المرتبطة بمنطوقه ارتباطًــا لا يقبل التجزئة.
وكان المقرر كذلك، ومن زاوية دستورية، أن الولاية التي أثبتها المشرع للمحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، والتي اختصها، بموجبها، بالفصل في التنازع السلبي على الاختصاص، غايتها أن يكون لكل خصومة قضائية قاض، يعود إليه أمر نظرها، بقصد إنهاء النزاع موضوعها، ضمانًــا لفاعلية إدارة العدالة، بما يكفل إرساء ضوابطها، واستيفاء متطلباتها، وتوكيدًا لحق كل فرد في النفاذ إلى القضاء، نفاذًا ميسرًا، لا تثقله أعباء مالية، ولا تقيده عوائق إجرائيــــة. وكان حــــق التقاضي لا يبلــغ الغايــة المقصــودة منه ما لم توفر جهة القضاء للخصومة، في نهاية مطافها، حلاً منصفًــا يمثل التسوية التي يعمد من يطلبها، إلى الحصول عليها، بوصفها الترضية القضائية، التي يسعى إليها، لمواجهة الإخلال بالحقوق التي يدعيها.
متى كان ذلك، فإن هذه الترضية، وبافتراض مشروعيتها، واتساقها مع أحكام الدستور، تندمج في الحق في التقاضي، لارتباطها بالغاية النهائية، التي يتوخاها، ذلك أن الخصومة القضائية لا تُقام للدفاع عن مصلحة نظرية، لا تتمخض عنها فائدة عملية؛ بل غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها، وحكم القانون بشأنها. واندماج هذه الترضية في الحق في التقاضي، مؤداه أنها من مكوناته، ولا سبيل لفصلها عنه، وإلا فقد هذا الحق مغزاه وآل سرابًــا.
لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق - على نحو ما سلف - أن كل من جهتى القضاء العادى والإدارى قد تسلب عن نظر النزاع الموضوعى، الأمر الذى يتوافر معه مناط قبول الدعوى المعروضة. وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تعيين الجهة القضائية المختصة فى أحوال التنازع على الاختصاص - إيجابيًّــا كان أم سلبيًّــا - إنما يتم وفقًا لقواعد توزيعه بين الجهات القضائية المختلفة، تحديدًا لولاية كل منها.
وحيث إن المادة (188) من الدستور القائم تنص على أن " يختص القضاء بالفصل فى كافة المنازعات والجرائم عدا ما تختص به جهة قضائية أخرى....". ونظم الدستور قضاء مجلس الدولة فى الفرع الثالث من الفصل الثالث من الباب الخامس، فنص فى المادة (190) منه على أن" مجلس الدولـة جهـة قضائيــة مستقلـة، يختص دون غيـره بالفصـــل فـي المنازعات الإدارية،... ".
وحيث إن المشرع، أنشأ الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية - التابعة لوزارة الصناعة، بالقانون رقم 312 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة العامة للمطابع الأميرية، واعترف لها بالشخصية الاعتبارية المستقلة، على الوجه المنصوص عليه في المادة(1) من ذلك القانون، وأجاز المشرع في المادة (2) لمجلس إدارة الهيئة، وضع لائحة تنظم شئون العاملين بالهيئة، على أن تصدر بقرار من رئيس الجمهورية. وقد أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 365 لسنة 1968 فى شأن العمل بلائحة صندوق الخدمات الاجتماعية للعاملين بالهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، ونص في المادة (1) منه على أن ينشأ بالهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية صندوق خاص لخدمة الأغراض الاجتماعية، ويكون له حساب خاص ضمن حسابات الهيئة مبوبًــا طبقًــا لوجوه الإنفاق المبينة فى المادة (3)، ويرحل رصيد هذا الحساب من سنة إلى أخرى. وأصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 322 لسنة 1987 بشأن لائحة العاملين بالهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، ونصت المادة (95) منها على أن يضع مجلس الإدارة نظامًــا للعلاج الطبي والرعاية الصحية والاجتماعية للعاملين بالهيئة وأسرهم.
وحيث إن مجلس إدارة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، وافق بجلسته رقم 29 بتاريخي 8، 16/ 4/ 2006، على النظام الأساسي لصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للعاملين بالهيئة، والمعتمد من وزير التجارة والصناعة، ونص في المادة (3) من الأمر الإداري رقم 176 لسنة 2006 على أن " يكون للصندوق شخصية اعتبارية مستقلة وتنظم أحكامه هذه اللائحة، وتنقل إليه سنويا الاعتمادات المالية المدرجة بموازنة الهيئة والمتعلقة بالعلاج الطبي والخدمات الاجتماعية والرياضية". وأوجبت على اللجنة المشكلة حصر حقوق وديون الصندوق، وتوزيعه على العاملين السابقين، الذين لم يصرفوا منحة المائة شهر قسمة غرماء، بنسبة نصيب كل منهم. وحيث إن مجلس إدارة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية أصدر القرار الإداري رقم 159 لسنة 2015، في 1/ 4/ 2015، بشهر إفلاس الصندوق، ثم عدله بالقرار رقم 191 لسنة 2015 فى 27/ 4/ 2015، بحل الصندوق.
وحيث إن المادة (3) من القانون رقم 54 لسنة 1975 بشأن إصدار قانون صناديق التأمين الخاصة تنص على أنه " يجب أن تسجل صناديق التأمين الخاصة بمجرد إنشائها وفقا للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون. وتكتسب تلك الصناديـق الشخصية القانونيـــة بمجرد تسجيلهـا. ولا يجوز للصناديق أن تمارس نشاطها قبـــل التسجيل".
متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد سمح بإنشاء صناديق أو حسابات خاصة لخدمة أعضائها من العاملين أو غيرهم، فإذا منح هذه الصناديق، أو الحسابات، الشخصية القانونية المستقلة، وذلك على الوجه الذي نظمه قانون صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975، فتعتبر هذه الصناديق حالئذ من أشخاص القانـــون الخـــاص، ومـــن ثـــم فإن المنازعـــات التى تنشـــأ بيـــن هـــذا النـوع مـــن الصناديق وبين أعضائها، تدخـل فى إطـار روابط القانون الخاص، وينعقد الاختصاص بنظرها لجهة القضاء العادى. أما إذا نشأ الصندوق أو الحساب، كفرع تابع لجهة إدارية، فلا يتمتع بشخصية قانونية مستقلة، ولا تظهر إلا الشخصية القانونية للجهة الإدارية المتبوعة، وتسري على المنازعات الخاصة به ما يسرى على منازعات جهة الإدارة من أحكام، فتختص محاکم مجلس الدولة بنظرها، إذا توافرت لها أركان المنازعة الإدارية.
وحيث إن الثابت - بالشهادة الصادرة من الهيئة العامة للرقابة المالية - أن الصندوق غير مسجل بالهيئة، ومن ثم فإنه يُعد أحد الإدارات والأجهزة التى تتكون منها الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، وهى أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، ويعتبر العاملون بها موظفين عموميين، ومن ثم تكون محاكم مجلس الدولة هى المختصة قانونًــا بنظر المنازعات التى تثور بين الهيئة ومختلف إداراتها ووحداتها، والعاملين بها، طبقًــا لنص المادة (10) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972.
وحيث إن نص المادة (192) من الدستور، ونص البند ثانيًــا من المادة (25) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وقد ناطا بالمحكمة الدستورية العليا - دون غيرها - الفصل فى تنازع الاختصاص الولائى بتعيين الجهة القضائية المختصة، فإن الحكم الصادر عنها بتعيين هذه الجهة، والذى تثبت له طبقًا لنص المادة (195) من الدستور الحجية المطلقة فى مواجهة الكافة، وجميع سلطات الدولة، بما فيها جهات القضاء، ويكون ملزمًــا بالنسبة لهم، مؤداه: إسباغ الولاية من جديد على تلك الجهة، بحيث تلتزم بنظر الدعوى، غير مقيدة بسبق تخليها عن نظرها، ولو كان حكمها فى هذا الشأن قد أصبح باتًّــا.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة باختصاص جهة القضاء الإداري بنظر الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق