الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 13 يناير 2018

السند الدستوري لمبدأ رجعية القوانين الأصلح للمتهم

القضية رقم 137 لسنة 24 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من يونيو سنة 2017م، الموافق الثامن من رمضان سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة
وحضور  السيد المستشار الدكتور / طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 137 لسنة 24 قضائية " دستورية "
بعد أن أحالت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بجلسة 20/3/2002 ملف الجنحة رقم 649 لسنة 2002 جنح مستأنف وسط القاهرة

المقامة من
النيابـــــــة العامــــة
ضد
1 - وحيد محمد خالد غـــازى
2 - حسام محمد وهب الله محمد

الإجراءات
بتاريخ الثامن عشر من إبريل سنة 2002، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الجنحة المستأنفة رقم 649 لسنة 2002 مستأنف وسط القاهرة، بعد أن قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية - دائرة الجنح المستأنفة بجلسة 20/3/2002، بوقف الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للنظر فى دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (178 مكررًا) من قانون العقوبات.    

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى.
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
 ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
    بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن وقائع الدعوى تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت كلاًّ من وحيد محمد خالد غازى، وحسام محمد وهب الله إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنح عابدين، فى الجنحة رقم 5437 لسنة 2001، متهمة إيّاهما بأنهما عرضا للبيع والتوزيع نسخًا من عدد جريدة "المواجهة" رقمى (195) و(196) الصادرين فى 12/6/2001، و19/6/2001، تضمنت صورًا فاضحة مخلة بالآداب العامة، وطلبت عقابهما بالمواد (30، 171، 178) من قانون العقوبات، بحسبان الأول رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة جريدة المواجهة، والثانى محررًا بها، فقضت تلك المحكمة بمعاقبة كل منهما بالحبس مدة سنتين. وإذ لم يرتض المتهمان الحكم طعنا عليه أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية دائرة الجنح المستأنفة بالاستئناف رقم 649 لسنة 2002، وتدوول الاستئناف أمام تلك المحكمة، فقررت إصدار حكمها فيه بجلسة 20/3/2002، وقضى بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم الثانى من التهمة الموجهة إليه استنادًا لما ثبت لديها من اقتصار نشاطه على ترجمة المقال وانتفاء صلته بالصور محل المساءلة، وعدلت قيد مواد الاتهام للمتهم الأول بإضافة المادة (178/1 مكررًا) من قانون العقوبات، وقضت بوقف الدعوى وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (178 مكررًا) من قانون العقوبات، وذلك لإنشائها مسئولية افتراضية لرؤساء تحرير الصحف واعتبارهم فاعلين بمجرد النشر.
وحيث إن المادة (178) من قانون العقوبات بعد استبدالها بالقانون رقم 95 لسنــة 1996، وقبل استبدالها بالقانون رقم 147 لسنة 2006، كانت تنص على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صورًا محفورة أو منقوشة أو رسومات يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة إذا كانت منافية للآداب العامة".
وكانت الفقرة الأولى من المادة (178 مكررًا) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 16 لسنــة 1952 - قبل إلغائها بالقانون رقم 147 لسنة 2006- تنص على أنه : "إذا ارتكبت الجرائم المنصوص عليها فى المادة السابقة عن طريق الصحف يكون رؤساء التحرير والناشرون مسئولين كفاعلين أصليين بمجرد النشر".
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول الدعوى الدستورية هو توافر المصلحة فيها، وذلك بأن يكون للفصل فى دستورية النصوص التشريعية المعروضة عليها انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن لم يكن كذلك، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة، دون نظر إلى قرار الإحالة الصادر من محكمة الموضوع، فالمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة فى الدعوى المعروضة عليها. كما اطرد قضاء هذه المحكمة على أنه لا يكفى توافر المصلحة عند رفع الدعوى الدستورية وإنما يتعين أن تظل قائمة حتى الفصل فيها، فإذا زالت المصلحة بعد رفعها وقبل الحكم فيها فلا سبيل إلى التطرق إلى موضوعها .    

وحيث إن من المقرر كذلك فى قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كان الدستور لا يتضمن بين أحكامه مبدأ رجعية القوانين الأصلح للمتهم، إلا أن القاعدة التي يرتكز عليها هذا المبدأ تفرضها المادة (54) من الدستور، التي تقرر أن الحرية الشخصية حق طبيعي، وأنها مصونة لا تمس، ذلك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وما اتصل به من عدم جواز تقرير رجعية النصوص العقابية، غايته حماية الحرية الفردية وصونها من العدوان عليها فى إطار من الموازنة بين موجباتها من ناحية، وما يعتبر لازمًا لحماية مصلحة الجماعة والتحوط لنظامها العام من ناحية أخرى. وفى إطار هذه الموازنة وعلى ضوئها، تكون رجعية القوانين الأصلح للمتهم ضرورة حتمية يقتضيها صون الحرية الفردية بما يرد عنها كل قيد غدا تقريره مفتقرًا إلى أية مصلحة اجتماعية. ويتحقق ذلك بوجه خاص حين ينتقل القانون الجديد بالفعل كلية من منطقة التجريم إلى دائرة الإباحة - وهى الأصل - مقررًا أن ما كان مؤثمًا لم يعد كذلك، وأن الفلسفة التى كان القانون القديم ينطلق منها معاقبًا على كل فعل يناقضها، قد أسقطتها فلسفة جديدة اعتنقتها الجماعة فى واحد من أطوار تقدمها، بما مؤداه : انتفاء الضرورة الاجتماعية الكامنة وراء إنفاذ أحكامه. ويتعين بالتالي - وكلما صدر قانون جديد يعيد الأوضاع إلى حالها قبل التجريم - أن ترد إلى أصحابها الحرية التى كان القانون القديم ينال منها، وأن يرتد هذا القانون بالتالي على عقبيه إعلاءً لقيم القانون الجديد.    
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت محكمة الموضوع قد أضافت إلى قيد الاتهام المنسوب للمتهم الأول نص الفقرة الأولى من المادة (178 مكررًا) من قانون العقوبات، تقديرًا منها لوجوب إعمال حكمها على الواقعة المطروحة عليها فى الدعوى الموضوعية، عملاً بحقها المخول لها بمقتضى نص المادة (308) من قانون الإجراءات الجنائية، بحسبانه رئيس تحرير جريدة المواجهة، ثم أوقفت نظر الدعوى، وأحالت الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية نص هذه الفقرة، إلا أن المشرع وأثناء تداول الدعوى أمام هذه المحكمة ألغى هذا النص برمته بموجب نص المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 2006، الذى يُعد قانونًا أصلح للمتهم، لما يترتب عليه من إنهاء صور المسئولية عن الجريمة المنسوبة إليه بأثر رجعى، وزوال ما كان له من آثار فى حقه، فى ضوء ما هو مقرر من أن كل قانون جديد يمحو التجريم عن الأفعال التى أثمها القانون القديم ، إنما ينشئ للمتهم مركزًا قانونيًّا جديدًا ويقوض – من خلال رد هذه الأفعال إلى دائرة المشروعية – مركزًا سابقًا، لتغدو الدعوى المعروضة، بإلغاء النص التشريعى المحال، مفتقدة لشرط المصلحة الشخصية المباشرة، مما يتعين معه القضاء بعدم قبولها.
فلهذه الاسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق