القضية رقم 13 لسنة 29 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من يونيو سنة 2017م،
الموافق الثامن من رمضان سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي على جبالي ومحمد خيرى طه النجار وسعيد
مرعى عمـرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن
فهمى
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 13 لسنة 29
قضائية " دستورية " بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة
بحكمها الصادر بجلسة 23/5/2006 ملف الدعوى رقم 6469 لسنة 58 قضائية.
المقامة من
رئيس مجلس إدارة جمعية أنصار الترابط الاجتماعي
ضد
رئيس المجلس الأعلى للصحافة
الإجراءات
بتاريخ الثامن عشر من يناير سنة 2007، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 6469 لسنة 58 قضائية، بعد أن حكمت محكمة القضاء
الإداري بمجلس الدولة بجلسة 23/5/2006 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة
الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (52) من القانون
رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، فيما تضمنته من اشتراط شكل معين فى الشخص
الاعتباري الخاص حتى يكون له الحق فى إصدار صحيفة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها
بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق –
فى أن رئيس مجلس إدارة جمعية أنصار الترابط الاجتماعي كان قد أقام الدعوى رقم 6469
لسنة 58 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، ضد رئيس المجلس الأعلى
للصحافة، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ قرار المجلس بالامتناع عن الموافقة على طبع
جريدة البيان لدى مطابع الأخبار، وفى الموضوع بإلغاء ذلك القرار، وذلك على سند من
أنه تقدم بتاريخ 26/10/2003 إلى المجلس الأعلى للصحافة طالبًا إصدار صحيفة أسبوعية
تحمل اسم البيان وذلك بعد استيفاء الاشتراطات المقررة قانونًا، وإذ انقضت مدة
الأربعين يومًا المقررة بنص المادة (47) من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم
الصحافة دون أن يصدر المجلس الأعلى للصحافة قراره بالموافقة على إصدار الصحيفة،
الأمر الذى يشكل قرارًا سلبيًّا بالامتناع يخالف أحكام الدستور والقانون. وإذ
تراءى لتلك المحكمة عدم دستورية نص المادة (52) من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن
تنظيم الصحافة فيما تضمنه من اشتراط شكل معين فى الشخص الاعتباري الخاص الذى يملك
الحق فى إصدار صحيفة لمخالفتها أحكام المواد (206، 207، 209) من دستور 1971، حكمت
بجلسة 23/5/2006 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل
فى دستورية ذلك النص.
وحيث إن المادة (52) من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة
تنص على أن " ملكية الأحزاب السياسية والأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة
للصحف مكفولة طبقًا للقانون.
ويشترط فى الصحف التى تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة فيما عدا
الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات أن تتخذ شكل تعاونيات أو شركات مساهمة على
أن تكون الأسهم جميعها فى الحالتين اسمية ومملوكة للمصريين وحدهم وألا يقل رأس مال
الشركة المدفوع عن مليون جنيه إذا كانت يومية ومائتين وخمسين ألف جنيه إذا كانت
أسبوعية ومائة ألف جنيه إذا كانت شهرية، ويودع رأس المال بالكامل قبل إصدار
الصحيفة فى أحد البنوك المصرية، ويجوز للمجلس الأعلى للصحافة أن يستثنى من بعض
الشروط سالفة البيان.
ولا يجوز أن تزيد ملكية الشخص وأفراد أسرته وأقاربه حتى الدرجة
الثانية فى رأس مال الشركة على 10% من رأس مالها ويقصد بالأسرة الزوج والزوجة
والأولاد القصر.
ويجوز إنشاء شركات توصية بالأسهم لإصدار مجلات شهرية أو صحف
إقليمية، ويسرى على هذه الشركات الشروط السابقة ".
وحيث إن المصلحة فى الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها –
وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة
القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على
الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى فى شأن توافر المصلحة
أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة
الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة فى الدعاوى الدستورية
للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة
الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم فى
المطاعن الدستورية لازمًا للفصل فى النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن
للفصل فى دستورية النصوص التى ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع
انعكاس على النزاع الموضوعي؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك،
وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعى فى الدعوى الموضوعية
الموافقة على طلبه إصدار صحيفة البيان التي تعتزم الجمعية إصدارها بصفة أسبوعية،
وكان الفصل فى دستورية النص المحال سوف يكون له انعكاس على قضاء محكمة الموضوع فى
الطلبات المطروحة أمامها، فمن ثم تكون المصلحة متوافرة فى ضوء حقيقة ما قصدت إليه
محكمة الموضوع من الإحالة المتقدمة، ويتحدد نطاقها فيما نصت عليه الفقرة الثانية
من المادة (52) من قانون تنظيم الصحافة من أنه "ويشترط في الصحف التى تصدرها
الأشخاص الاعتبارية الخاصة فيما عدا الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات أن
تتخذ شكل تعاونيات أو شركات مساهمة".
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث
مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم
دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج
على أحكامه التي تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها
مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما
يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال معمولاً
بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريته يتم في ضوء أحكام
الدستور الصادر عام 2014.
وحيث إن المادة (70) من الدستور تنص على أن " حرية الصحافة
والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريين من أشخاص
طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام
المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي.
وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون. وينظم
القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف
الإلكترونية".
وحيث إن الدستور قد عُنى فى المادة (70) منه بكفالة حرية الصحافة
والطباعة والنشر، كما خوّل المصريين من الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص الاعتبارية
العامة أو الخاصة الحق فى ملكية وإصدار الصحف، وجعل إصدار الصحف يتم بمجرد الإخطار
على النحو الذى ينظمه القانون.
وحيث إن المقرر أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذى يرسى
القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة ويرسم لها
وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب
الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه
السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحريات الدستورية وأساس
نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام
الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على
الدولة التزامها فى تشريعاتها وفى قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية
تفرقة أو تمييز فى مجال الالتزام بها، بين السلطات العامة الثلاث التشريعية
والتنفيذية والقضائية، وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور
أصلاً مقررًا وحكمًا لازمًا لكل نظام ديمقراطى سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة،
أيًّا كان شأنها وأيًّا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، أن تنزل
على قواعد الدستور ومبادئه وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هى خالفتها أو تجاوزتها
شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضع - متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة -
للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها
الهيئة القضائية العليا التى اختصها دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين
واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها - منذ
دستور سنة 1923 - على تقرير الحريات والحقوق العامة فى صلبها قصدًا من المشرع
الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيدًا على المشرع العادي فيما يسنه من
قواعد وأحكام وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع فيما يقرره من
تشريعات على هذا الضمان الدستوري، وعن الإطار الذى عينه الدستور له، بأن قيد حرية
أو حقًّا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًّا،
وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعي فى حومة مخالفة أحكام الدستور.
وحيث إن ضمان الدستور القائم - بنص المادة (65)
التى رددت ما اجتمعت عليه الدساتير المقارنة - لحرية التعبير عن الآراء والتمكين
من عرضها ونشرها سواء بالقول أو التصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من
وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح إلا فى
نطاقها، ذلك أن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير - وعلى ما اطرد عليه
قضاء هذه المحكمة - هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير
ونقلها إليه، غير منحصر فى مصادر بذواتها تحد من قنواتها، بل قصد أن تترامى
آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، سعيًا لتعدد الآراء، ومحورًا لكل اتجاه، بل
إن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرًا فى مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها
تبيانًا لنواحي التقصير فيها، فقد أراد الدستور بضمانها أن تهيمن على مظاهر الحياة
فى أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة وفرض وصايتها على العقل العام، وألا تكون
معاييرها مرجعًا لتقييم الآراء التى تتصل بتكوينه ولا عائقًا دون تدفقها، ومن ثم
لم يعد جائزًا تقييد حرية التعبير وتفاعل الآراء التى تتولد عنها بأغلال تعوق
ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة
التى تتوخى قمعها؛ إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها - وعلانية - تلك الأفكار
التى تجول فى عقولهم ويطرحونها عزمًا - ولو عارضتها السلطة العامة - إحداثًا من
جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبًا، ومن ثم وجب القول بأن حرية
التعبير التى كفلها الدستور هى القاعدة فى كل تنظيم ديمقراطي، فلا يقوم إلا بها،
ولا ينهض مستويًا إلا عليها؛ وما الحق في الرقابة الشعبية النابعة من يقظة
المواطنين المعنيين بالشئون العامة، الحريصين على متابعة جوانبها، وتقرير موقفهم
من سلبياتها إلا فرع من حرية التعبير ونتاج لها، وهى التى ترتد فى حقيقتها إلى
الحرية الأم وهى الحرية الشخصية التى فطر الله الناس عليها، لا تبديل لخلق الله؛
ومن أجل هذا جعلها الدستور مصونة فلا تمس.
وحيث إن حرية الصحافة تعد من صور حرية التعبير الأكثر أهمية والأبلغ
أثرًا ومن ثم فقد كفلها الدستور - بنص المادة (70) منه - وحظر الرقابة على الصحف
أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، وأجاز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن
الحرب أو التعبئة العامة.
وحيث إنه إدراكًا من واضعي الدستور بأن حرية الصحافة تغدو
خاليًا وفاضها، خاويًا وعاؤها، مجردة من أي قيمة، إذا لم تقترن بحق الأشخاص فى إصدار
الصحف، فقد كفل - بنص المادة (70) منه - للمصريين من الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص
الاعتبارية العامة والخاصة حرية إصدار الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه
القانون، وأقام على شئونها بنص المادة (211) مجلسًا أعلى، وفوض السلطة التشريعية
فى أن تحدد طريقة تشكيله ونظام عمله، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيه، وذلك فى
إطار ما ألزم به الدستور هذا المجلس من أن يمارس اختصاصه بما يضمن حرية الصحافة
واستقلالها وحيادها، ويحقق الحفاظ على أصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومي،
وذلك على النحو المبين فى الدستور والقانون؛ ومن ثم أضحى المجلس الأعلى لتنظيم
الإعلام الجهة الإدارية القائمة على شئون الصحافة، سواء ما تعلق بإصدار الصحف أو
استمرارها أو مباشرة مهنة الصحافة ذاتها، مقيدًا - فى ذلك كله - بألا يهدر عمله
الحرية التى كفلها الدستور لهذه وتلك أو يفتئت على الاستقلال المقرر لها.
وحيث إن الدستور قد تغيا - بنصوصه سالفة الذكر - إرساء أصل عام
يعزز للصحافة - تملكًا وإصدارًا وممارسة - ضمانات حريتها - من خلال الأطر التى
قررها - بما يجعلها طليقة من أية قيود جائرة ترهق رسالتها، أو تحد - بغير ضرورة -
من فرص إصدارها أو إضعافها بتقليص دورها فى بناء المجتمع وتطويره، وليؤمن من
خلالها أفضل الفرص التى تكفل تدفق الآراء والأنباء والأفكار ونقلها إلى القطاع
الأعرض من الجماهير ، متوخيًا دومًا أن يكرس بالصحافة قيمًا جوهرية يتصدرها
أن يكون النقاش العام الذى يدور فوق منابرها بديلاً عن الانغلاق والقمع والتسلط،
ونافذة لإطلال المواطنين على الحقائق التى لا يجوز حجبها عنهم، ومدخلاً لتعميق
معلوماتهم، فلا يجوز طمسها أو تلوينها؛ خاصة في عصر أَذِنَ احتكار المعلومة فيه
بالغروب، واستحال الحجر عليها، بعد أن تنوعت مصادرها وباتت المعرفة مطلبًا
ضروريًّا لكل الناس، وغدت حرية الأفراد فى التعبير والقول أمرًا لازمًا لتكفل
للمواطن نهرًا فياضًا بالآراء والمعلومات، ودورًا فاعلاً - من خلال الفرص التي
تتيحها - فى التعبير عن تلك الآراء التي يؤمن بها، ويحقق بها تكامل شخصيته. ولتؤتي
ثمارها فى بناء قيم الفرد والجماعة، وتنمية روافد الديمقراطية، وتأكيد الهوية
المصرية الأصيلة، والتأليف بين منابع التراث وتيارات الحداثة والمعاصرة، وتكريسًا
لحرية الصحافة - التى كفل الدستور ممارستها - أطلق الدستور قدراتها فى مجال
التعبير ليظل عطاؤها متدفقًا تتصل روافده دون انقطاع، فلا تكون القيود الجائرة
عليها إلا عدوانًا على رسالتها يهيئ لانفراط عقدها ومدخلاً للتسلط والهيمنة عليها،
وإيذانًا بانتكاسها. ولئن كان الدستور قد أجاز فرض رقابة محدودة عليها فإن ذلك لا
يكون إلا فى الأحوال الاستثنائية ولمواجهة تلك المخاطر الداهمة التي حددتها المادة
(71) منه، ضمانًا لأن تكون الرقابة عليها موقوتة زمنيًّا ومحـددة غائيًّا، فلا
تنفلت من كوابحها. ومن ثم، فقد صـار متعينًا على المشرع أن يضع من القواعد
القانونية ما يصون للصحافة - من حيث التملك أو الإصدار أو الممارسة - حريتها،
ويكفل عدم تجاوز هذه الحرية - في الوقت ذاته - لأطرها الدستورية المقررة، بما يضمن
عدم إخلالها بما اعتبره الدستور من مقومات المجتمع ومساسها بما تضمنه من حقوق
وحريات وواجبات عامة؛ وأصبح الأفراد الطبيعيون أو الأشخاص الاعتبارية العامة أو
الخاصة بما فيها مؤسسات المجتمع المدني جميعًا مطالبين - في نشر أفكارهم وآرائهم
ونتاج إبداعهم - بمراعاة هذه القيم الدستورية، لا ينحرفون عنها، ولا يتناقضون
معها، وإلا غدت حرية التعبير وما يقترن بها فوضى لا عاصم من جموحها، وعصفت بشططها
ثوابت المجتمع وقيمه ومبادئه.
وحيث إن حق الأفراد الطبيعيين من المصريين أو الأشخاص الاعتبارية
العامة أو الخاصة المصرية فى إصدار الصحف إنما يستصحب بالضرورة حقوقهم وحرياتهم
العامة الأخرى التي كفلها الدستور، والتي ترتبط به وتؤثر فيه، يباشرونها متآلفة
فيما بينهم، متجانسة مضمونها، متضافرة توجهاتها، تتساند معًا، ويعضد كل منها الآخر
فى نسيج متكامل، وكان الدستور توكيدًا لأهمية هذا الحق قد ضمنه وثيقة الدستور
ذاته، وكفل ممارسته بمجرد الإخطار، محددًا بذلك النطاق الذى يجوز للمشرع التدخل
فيه وتناوله بالتنظيم، في إطار السلطة التي يملكها فى مجال تنظيم الحقـوق وقصرها
على تنظيم ذلك الإخطار، معينًا بذلك تخوم الدائرة التي لا يجوز له اقتحامها، بما
ينال من الحق محل الحماية أو يؤثر في محتواه، ذلك أن لكل حق دائرة يعمل فيها ولا
يتنفس إلا من خلالها، فلا يجوز تنظيمه إلا فيما وراء حدودها الخارجية، فإذا
اقتحمها المشرع، كان ذلك أدخل إلى مصادرة الحق أو تقييده، الذى يفضى بالضرورة إلى
الانتقاص من الحريات والحقوق المرتبطة به. متى كان ذلك، وكان النص المحال بالصيغة
التي أفرغها المشرع فيه قد تناول بالتنظيم الأحكام المتعلقة بإصدار الصحف، واشترط
لذلك أن تتخذ الصحف التي تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة - على النحو المبين
بالقانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة - شكل التعاونيات أو شركات
المساهمة، والذى يعد فى حقيقته قيدًا على إصدارها، يجاوز حدود سلطة المشرع فى
تنظيم الإصدار بمجرد الإخطار، الذى عينه له الدستور، ليغدو اشتراط اتخاذ الصحيفة
هذا الشكل القانوني، كما ورد بالنص المطعون فيه قيدًا على ممارسة هذا الحق الدستوري
بالنسبة لهم، وتعطيلاً له، يفرغ الحق الدستوري فى إصدار الصحف من مضمونه، مقوضًا
جوهره، عاصفًا بحريتي التعبير والصحافة، ومخالفًا - بالتالي - لنصوص المواد (53،
65، 70، 92) من الدستور
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية صدر الفقرة الثانية من المادة (52) من
القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة فيما نصت عليه من أنه " يشترط في
الصحف التي تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة فيما عدا الأحزاب السياسية والنقابات
والاتحادات أن تتخذ شكل تعاونيات أو شركات مساهمة ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق