جلسة 6 من نوفمبر سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ أحمد الحديدي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد الشناوي، مصطفي عزب، منير الصاوي وعبد المنعم عُلما نواب رئيس المحكمة.
------------------
(184)
الطعن رقم 2891 لسنة 64 القضائية
(1) إفلاس "شهر الإفلاس". محكمة الموضوع.
تقدير مدى جدية المنازعة في الدين المرفوع بشأنه دعوى الإفلاس. مما تستقل به محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
(2) محكمة الموضوع "مسائل الواقع: سلطتها في تفسير العقود".
لمحكمة الموضوع سلطة فهم الواقع في الدعوى وتفسير الاتفاقات والمحررات بما تراه أوفى إلى نية عاقديها. شرطه. أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة ولا تخرج عما تحتمله عبارات المحرر. لا إلزام عليها من بعد بتتبع أقوال الخصوم وحججهم ما دام في الحقيقة التي استخلصتها الرد الضمني المسقط لما عداها.
(3، 4) "دعوى الإفلاس". إفلاس. حكم.
(3) دعوى الإفلاس ليست دعوى خصومة وإنما هي دعوى إجراءات هدفها إثبات حالة معينة. حكم الإفلاس لا يفصل في نزاع وإنما يقرر حالة قانونية جديدة متى تحققت شروطها.
(4) طلب الشركة الطاعنة العارض بإلزام المطعون ضدهما الأول والثانية أن يدفعا لهما مبلغ معين. أساسه. مطالبة بحق موضوعي غير متعلق بالتفليسة. مفاده. خروج الفصل في هذا الطلب عن مهمة محكمة الإفلاس. علة ذلك. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 50 لسنة 1984 إفلاس الجيزة ضد بنك فيصل الإسلامي المصري والمطعون ضدهما الأولى والثانية بطلب الحكم (أولاً) بإلزام بنك فيصل بأن يؤدي لها مبلغ 144.609 جنيه قيمة مقابل الوفاء للشيكات المبينة بصحيفة الدعوى، (ثانياً) إشهار إفلاس الشركتين المطعون ضدهما، وبياناً لذلك قالت إنها دائنة للشركة المطعون ضدها الأولى بالمبلغ سالف البيان، والتي حولت لها على سبيل الوفاء ثلاثة عشر شيكاً مسحوبة من الشركة المطعون ضدها الثانية فقامت بإعلان البنك المسحوب عليه والمطعون ضدهما بحوالة الحق في هذه الشيكات وقدمتها للبنك فأعادها إليها غير مدفوعة بموجب إخطارات رفض لكون الشيكات باسم المطعون ضدها الأولى وغير قابلة للتظهير، فأقامت الدعوى بطلبات سالفة البيان، أثناء تداولها قررت بترك الخصومة بالنسبة لبنك فيصل وبتنازلها عن الطلب الأول وقصرت طلباتها على إشهار إفلاس الشركتين المطعون ضدهما، ووجهت الشركة المطعون ضدها الأولى دعوى فرعية ضد الطاعنة والشركة المطعون ضدها الثانية بطلب إلزامها برد الشيكات المقامة بشأنها الدعوى الأصلية وتسليمها إليها. دفعت الشركة المطعون ضدها الثانية بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى، ثم أضافت الشركة الطاعنة طلباً احتياطياً بإلزام المطعون ضدهما الأولى والثانية متضامنين بأن يؤديا لها قيمة الشيكات الُمحالة إليها. ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره حكمت بتاريخ 30/ 5/ 1990 بإثبات ترك الخصومة قبل بنك فيصل الإسلامي، وبرفض الدعوى الأصلية، وفي الدعوى الفرعية بإلزام الشركة الطاعنة بأن تُسلم للشركة المطعون ضدها الأولى الشيكات موضوع التداعي. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 2268 لسنة 107 ق، وبتاريخ 26/ 1/ 1994 قضت ببطلان الحكم المستأنف والقضاء مجدداً (1) بعدم اختصاص محكمة أول درجة محلياً بنظر طلب إشهار إفلاس الشركة المطعون ضدها الثانية (2) برفض طلب إشهار الشركة المطعون ضدها الأولى (3) بعدم قبول الطلب العارض المبدى من الشركة الطاعنة شكلاً (4) وبعدم قبول الطلب العارض المبدى من الشركة المطعون ضدها الأولى ضد الشركة الطاعنة بإلزامها برد الشيكات شكلاً. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بأولهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تحصيل وفهم الواقع في الدعوى والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب من خمسة أوجه حاصلها أن الحكم اعتبر العلاقة بين الشركة الطاعنة والمطعون ضدها الأولى علاقة محاصة مستترة نشأت بموجب عقد التمويل المؤرخ 1/ 3/ 1980 في حين أن ذلك ينطبق وحسب على عمليات التمويل العام الذي يأخذ حكم رأس المال المحدد في الشركة المطعون ضدها الأولى فتختص بنسبة من أرباحه وينتهي في الأجل المحدد له مما يبعد الحال المعروض عن نظام المحاصة، كما أنه لم يعتد بمدة التنفيذ المنصوص عليها بالملحقين رقمي 1، 3 المنشئين للعمليتين موضوعي التمويل واعتبر أن انتهاء هذه العمليات مرتبط بانقضاء عقد التمويل المؤرخ 1/ 3/ 1980، وعلق كذلك حق الطاعنة في استيفاء أصل قيمة التمويل الخاص وحقها في الأرباح على قيام المطعون ضدها الأولى بمحاسبتها رغم استحالة ذلك وبطلانه لارتباطه بإرادتها وهي المدينة بتلك المبالغ، كما ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن استلام الطاعنة الشيكات سند الدعوى إنما كان للتحصيل رغم أن تظهيرها كان ناقلاً لملكيتها، وأن امتناع البنك المسحوبة عليه عن صرف قيمتها لا يقطع بربحية العمليتين موضوعها، ورتب على ذلك توافر المنازعة الجدية في الدين وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن تقدير مدى جدية المنازعة في الدين المرفوعة بشأنه دعوى الإفلاس هو من المسائل التي يُترك الفصل فيها لمحكمة الموضوع بلا معقب عليها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير الأدلة والقرائن وتفسير الاتفاقات وسائر المحررات بما تراه أوفى إلى نية عاقديها وأوفى بمقصودهم مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها دون رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب مقبولة سائغة تكفي لحمله، وكانت لم تخرج في تفسير المحررات عن المعنى الذي تحتمله عباراتها، وهي غير مُلزمة من بعد الرد على كل ما يقدمه الخصوم لها من مستندات أو تتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم والرد استقلالاً على كل منها متى كان في قيام الحقيقة التي استخلصتها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لما عداها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خُلص إلى أن الدين الثابت بالشيكات موضوع الدعوى هو محل منازعة جدية من جانب الشركة المطعون ضدها الأولى لها سندها من الأوراق وأن امتناعها عن الوفاء به إلى الشركة الطاعنة لا ينبئ عن مركز مالي مضطرب وضائقة مالية مستحكمة يتزعزع معها ائتمانها وتتعرض معه حقوق دائنيها للخطر المحقق أو كبير الاحتمال، وانتهى إلى رفض طلب شهر إفلاس الشركة المطعون ضدها الأولى على سند مما أورده في مدوناته من "أن المحكمة تقف من جميع ما تقدم أن طبيعة العلاقة بين الشركة المستأنفة والمستأنف عليها الأولى بموجب عقد التمويل المؤرخ 1/ 3/ 1980 هي شركة محاصة مستترة تقوم على أساس تمويل للشركة المستأنفة للشركة المستأنف عليها الأولى تمويلاً عاماً أو خاصاً بعمليات معينة تعقدها هذه الأخيرة مع الغير واقتسام ما ينشأ عنها من ربح أو خسارة بالنسبة المتفق عليها.. وقد خلت الأوراق مما يدل على تمام المحاسبة بينهما لتعيين نصيب كل منهما في الربح والخسارة بالنسبة للعمليتين الخاصتين بالشركة المستأنف عليها الثانية.. ومما يدل على تمام محاسبتها بالنسبة لمدفوعات كل منهما المتداخلة والمتشابكة بالنسبة لعقد التمويل المؤرخ 1/ 3/ 1980 وكان الثابت أن هذه الشيكات قد امتنع البنك المسحوب عليه عن الوفاء بها لعدم وجود رصيد للشركة ساحبتها بما لا يقطع بربحية المحررة عنهما.. وأن وكيل الشركة المستأنفة قد استلم تلك الشيكات بتاريخ 19/ 7/ 1982 تحت التحصيل..." وإذ كانت هذه الأسباب سائغة وكافية لحمل قضاء الحكم ولها معينها الصحيح من الأوراق، فإن النعي لا يعدو أن يكون في حقيقة مرماه جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها والموازنة بينها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، إذ صادر حق الشركة الطاعنة حين قضى بعدم قبول طلبها الاحتياطي على سند من أن دعوى الإفلاس ليست دعوى خصومة بل هي دعوى إجراءات تهدف إلى مجرد إثبات حالة معينة هي ما إذا كان التاجر في حالة توقف عن دفع ديونه من عدمه، في حين أن شروط قبول الطلب من صفة ومصلحة وارتباطه بالطلب الأصلي قد توافرت فيه مع عدم وجود نص يمنع نظره.
وحيث إن النعي في غير محله، ذلك أن دعوى إشهار الإفلاس بحسب طبيعتها ليست دعوى خصومة بل هي دعوى إجراءات تهدف إلى مجرد إثبات حالة معينة والحكم الصادر بإشهار الإفلاس لا يقصد به أصلاً الفصل في النزاع، ولكن يقتصر على تقدير حالة قانونية جديدة متى تحققت شروطها. لما كان ذلك، وكان الطلب العارض المبدى من الشركة الطاعنة بإلزام المطعون ضدهما الأولى والثانية أن يدفعا لها متضامنين مبلغ 144.609 جنيه هو مطالبة بحق موضوعي غير متعلق بالتفليسة، وكانت مهمة محكمة الإفلاس تقتصر على بحث مدى توافر شروط إشهار إفلاس الشركتين المطعون ضدهما دون التطرق إلى ما يخرج عن هذا النطاق أو الفصل صراحة أو ضمناً في حق موضوعي، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم قبول الطلب محل النعي شكلاً فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق