جلسة 24 من يونيه سنة 1999
برئاسة السيد المستشار/ محمد حسن العفيفي - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد محمود، عبد الرحمن العشماوي - نائبي رئيس المحكمة، محمود سعيد محمود ومحيي الدين السيد.
------------------
(176)
الطعنان رقما 9552 لسنة 64 القضائية، 5191 لسنة 67 القضائية
(1 - 3) اختصاص "الاختصاص الولائي". نقض "سلطة محكمة النقض". حكم "عيوب التدليل: مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه: ما يعد كذلك" "رقابة محكمة النقض".
(1) تقرير الوصف القانوني للعمل الصادر من السلطات العامة. اختصاص المحاكم به. اعتباره من أعمال السيادة. أثره. عدم اختصاصها بالنظر فيه. خضوعها في هذا التكييف لرقابة محكمة النقض.
(2) أعمال السيادة. منع المحاكم العادية والإدارية من نظرها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. المادتان 17 ق 46 لسنة 1972، 11 ق 47 لسنة 1972. تميزها بالصبغة السياسية التي تخول السلطة التنفيذية اتخاذ ما ترى فيه صلاحاً للوطن وأمنه دون رقابة من القضاء.
(3) ثبوت أن استيلاء القوات المسلحة على أرض النزاع بهدف تأمين نطاق أعمالها العسكرية. اعتباره من أعمال السيادة. أثره. خروج نظر النزاع بشأنه عن ولاية المحاكم. نفي الحكم المطعون فيه هذه الصفة لعدم تمسك الطاعن بذلك في دعوى ثبوت الملكية المرددة بين أطراف النزاع وقيام التفاوض بينهم بشأن تلك الأرض. خطأ.
(4، 5) نقض "أثر نقض الحكم". تنفيذ "السندات التنفيذية".
(4) نقض الحكم كلياً. أثره. زواله وعودة الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره وإلغاء جميع إجراءات وأعمال التنفيذ التي تمت بناء عليه. اعتبار حكم النقض سنداً تنفيذياً لإعادة الحال إلى ما كانت عليه.
(5) انتهاء محكمة النقض إلى نقض الحكم المطعون فيه القاضي بتسليم أرض النزاع لعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر ما يتعلق بهذه الأرض. اعتبار الاختصاص الولائي في الطعن المنضم المقام عن ذات الحكم مطروحاً على محكمة النقض ولو لم يرد بشأنه نعي في صحيفته. أثره. اعتبار أسبابه ورادة على غير محل. لازمه. القضاء بانتهاء الخصومة فيه.
2 - لم يورد المشرع تعريفاً أو تحديداً لأعمال السيادة التي نص في المادة 17 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 على منع المحاكم من نظرها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولم يعرض كذلك لتعريفها بالمادة 11 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 التي نصت على خروج هذه الأعمال عن ولاية المحاكم الإدارية فإنه يكون منوطاً بالقضاء أن يقول كلمته في وصف العمل المطروح في الدعوى وبيان ما إذا كان يعد من أعمال السيادة أم يخرج عنها لكن يتسنى الوقوف على مدى ولايته بنظر ما قد يثار بشأنه من مطاعن، وكانت أعمال السيادة تتميز بالصبغة السياسية البارزة فيها لما يحيطها من اعتبارات سياسية فهي تصدر من السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم فينعقد لها في نطاق وظيفتها السياسية سلطة عليا لتحقيق مصلحة الجماعة كلها والسهر على احترام دستورها والإشراف على علاقاتها مع الدول الأخرى وتأمين سلامتها وأمنها في الداخل والخارج، فالأعمال التي تصدر في هذا النطاق غير قابلة بطبيعتها لأن تكون محلاً للتقاضي لما يكتنفها من اعتبار سياسي يبرر تخويل السلطة التنفيذية الحق في اتخاذ ما ترى فيه صلاحاً للوطن وأمنه وسلامته دون تعقيب من القضاء أو بسط الرقابة عليها فيه.
3 - إذ كان الطاعن (وزير الدفاع بصفته) قد دفع أمام محكمة الاستئناف بعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر الدعوى (المقامة من المطعون ضدهم بإلزام الطاعن بتسليمهم أرض النزاع) لتعلقها بعمل من أعمال السيادة، وكان الثابت في الأوراق وخاصة محضر التسليم المؤرخ 9/ 12/ 1989 أن أرض النزاع تتمركز فيها بعض الوحدات العسكرية التابعة للقوات المسلحة وأن بها منشآت لخدمة هذه الوحدات، وهو ما يستخلص منه أن استيلاء تلك القوات عليها كان الهدف منه تأمين نطاق أعمالها العسكرية المنوطة بها حفاظاً على أمن الوطن وسلامة أراضيه بما يعد عملاً من أعمال السيادة يخرج عن ولاية المحاكم نظر النزاع بشأنه، فإن الحكم المطعون فيه إذ نفى عن هذه الأعمال هذه الصفة لمجرد أن الطاعن لم يتمسك بذلك لدى نظر دعوى ثبوت الملكية المرددة بين أطراف النزاع وقيام التفاوض بينهم بشأن أرض النزاع رغم أن ذلك - بفرض وقوعه - لا ينفي عن هذه الأعمال اعتبارها من أعمال السيادة بالضوابط آنفة البيان فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
4 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن نقض الحكم كلياً يترتب عليه اعتباره كأن لم يكن فيزول وتزول معه جميع الآثار المترتبة عليه ويعود الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره وتلغى جميع إجراءات وأعمال التنفيذ التي تمت بناء على الحكم المنقوض ويعتبر حكم النقض سنداً تنفيذياً صالحاً لإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ الجبري دون حاجة لاستصدار حكم جديد بذلك.
5 - إذ كانت المحكمة (محكمة النقض) قد خلصت في الطعن رقم 9552 لسنة 64 ق - ....... - إلى نقض الحكم القاضي بتسليم أرض النزاع لما في هذا التسليم من مساس بعمل من أعمال السيادة وبعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر ما يتعلق بهذه الأرض وكانت أسباب الطعن الماثل (المنضم والمقام عن ذات الحكم) تتعلق بموضوع هذه الخصومة وبالاختصاص الولائي والذي يعد مطروحاً على محكمة النقض ولو لم يرد بشأنه نعي في صحيفة هذا الطعن، فإن النقض الكلي للحكم المطعون فيه في الطعن الأول والمتعلق بعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر ما يتعلق بأرض النزاع ويجعل أسباب الطعن الماثل بعد نقض الحكم في الطعن الأول قد وردت على غير محل بما لازمه الحكم بانتهاء الخصومة فيه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكمين المطعون فيهما وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم في الطعن 9552 لسنة 64 ق - المطعون ضدهم أولاً في الطعن رقم 5191 لسنة 67 ق - أقاموا الدعوى رقم 1163 لسنة 1988 مدني الإسكندرية الابتدائية على وزير الدفاع الطاعن في الطعنين وباقي الطاعنين في الطعن الثاني، بطلب الحكم بإلزام وزير الدفاع الطاعن، في مواجهة الباقين، بتسليمهم أرض النزاع البالغ مساحتها 18 س 12 ط 320 ف والتي كان قد حكم لهم نهائياً في الاستئناف رقم 373 س 35 ق الإسكندرية بصحة ونفاذ العقد المتضمن شراءهم لها وثبوت ملكيتهم لهذه المساحة بعد ذلك في الاستئناف رقم 504 س 4 ق الإسكندرية ومحكمة أول درجة حكمت للمطعون ضدهم المذكورين بطلباتهم فاستأنف الطاعنون حكمها بالاستئناف رقم 803 لسنة 44 ق الإسكندرية وفيه حكمت المحكمة بتاريخ 22/ 2/ 1989 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 1777 لسنة 59 ق وبتاريخ 6/ 4/ 1994 حكمت المحكمة بنقض الحكم وبإحالة القضية إلى محكمة استئناف الإسكندرية مؤسسة قضاءها على قصور الحكم المطعون فيه في قعوده عن بيان ما إذا كانت الأعمال التي أجراها وزير الدفاع الطاعن الأول في أرض النزاع من الأعمال المتعلقة بأعمال السيادة يخرج النزاع بشأنها عن ولاية المحاكم من عدمه. عجل الطاعنون الاستئناف قبل المطعون ضدهم في الطعن الأول وبتاريخ 22/ 8/ 1994 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة لمساحة 18 س 12 ط 310 ف. طعن وزير الدفاع في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 9552 لسنة 64 ق ثم التمس الطاعنون في الطعن رقم 5191 لسنة 67 ق وبموجب الالتماسين رقمي 856، 2238 س 51 ق الإسكندرية إعادة النظر في الأحكام الصادرة في الاستئنافات أرقام 373 س 35 ق، 504 س 40 ق، 803 س 44 ق الإسكندرية، طالبين الحكم بإلغائها وإلغاء الأحكام الابتدائية التي أيدتها الصادرة في الدعاوى أرقام 5565 لسنة 1978، 8414 لسنة 1983، 1163 لسنة 1988 مدني الإسكندرية الابتدائية بالتوالي ورفض هذه الدعاوى لوقوع غش في الخرائط المساحية المقدمة في الأوراق وصدور حكم في الجناية رقم 291 لسنة 1995 عسكرية الإسكندرية بتزوير الشهادة المنسوب صدورها إلى حي العامرية وتقرير الخبير المقدم في الاستئناف رقم 373 س 35 ق الإسكندرية. وبتاريخ 10/ 12/ 1997 حكمت المحكمة برفض الالتماسين وبتأييد الأحكام الملتمس فيها. طعن الطاعنون على هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 5191 لسنة 67 ق ثم أمرت المحكمة بضم هذا الطعن إلى الطعن رقم 9552 لسنة 64 ق وقدمت النيابة مذكرة في كل منهما أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه في كل طعن.
وحيث إنه عن الطعن رقم 9552 لسنة 64 ق فإن حاصل النعي بالسبب الذي أقيم عليه الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بتصديه للفصل في موضوع الدعوى بتسليم الأرض محل النزاع إلى المطعون ضدهم رغم عدم اختصاص المحاكم بالنظر فيه لما يترتب عليه من مساس بالأوامر الصادرة بتمركز إحدى فرق القوات المسلحة فيها والتي تعد من قبيل أعمال السيادة التي تحظر المادة 17 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على المحاكم النظر فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأنه لما كانت المحاكم هي المختصة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بتقرير الوصف القانوني للعمل الصادر من السلطات العامة وما إذا كان يعد من أعمال السيادة وحينئذ لا يكون لها أي اختصاص بالنظر فيه، وأن محكمة الموضوع تخضع في تكييفها في هذا الخصوص لرقابة محكمة النقض، وكان المشرع لم يورد تعريفاً أو تحديداً لأعمال السيادة التي نص في المادة 17 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 على منع المحاكم من نظرها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولم يعرض كذلك لتعريفها بالمادة 11 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 التي نصت على خروج هذه الأعمال عن ولاية المحاكم الإدارية فإنه يكون منوطاً بالقضاء أن يقول كلمته في وصف العمل المطروح في الدعوى وبيان ما إذا كان يعد من أعمال السيادة أم يخرج عنها لكي يتسنى الوقوف على مدى ولايته بنظر ما قد يثار بشأنه من مطاعن، وكانت أعمال السيادة تتميز بالصبغة السياسية البارزة فيها لما يحيطها من اعتبارات سياسية فهي تصدر من السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم فينعقد لها في نطاق وظيفتها السياسية سلطة عليا لتحقيق مصلحة الجماعة كلها والسهر على احترام دستورها والإشراف على علاقاتها مع الدول الأخرى وتأمين سلامتها وأمنها في الداخل والخارج، فالأعمال التي تصدر في هذا النطاق غير قابلة بطبيعتها لأن تكون محلاً للتقاضي لما يكتنفها من اعتبار سياسي يبرر تخويل السلطة التنفيذية الحق في اتخاذ ما ترى فيه صلاحاً للوطن وأمنه وسلامته دون تعقيب من القضاء أو بسط الرقابة عليها فيه. لما كان ذلك، وكان الطاعن قد دفع أمام محكمة الاستئناف بعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر الدعوى لتعلقها بعمل من أعمال السيادة، وكان الثابت في الأوراق وخاصة محضر التسليم المؤرخ 9/ 12/ 1989 أن أرض النزاع تتمركز فيها بعض الوحدات العسكرية التابعة للقوات المسلحة وأن بها منشآت لخدمة هذه الوحدات، وهو ما يستخلص منه أن استيلاء تلك القوات عليها كان الهدف منه تأمين نطاق أعمالها العسكرية المنوطة بها حفاظاً على أمن الوطن وسلامة أراضيه بما يعد عملاً من أعمال السيادة يخرج عن ولاية المحاكم نظر النزاع بشأنه، فإن الحكم المطعون فيه إذ نفى عن هذه الأعمال هذه الصفة لمجرد أن الطاعن لم يتمسك بذلك لدى نظر دعوى ثبوت الملكية المرددة بين أطراف النزاع وقيام التفاوض بينهم بشأن أرض النزاع رغم أن ذلك - بفرض وقوعه - لا ينفي عن هذه الأعمال اعتبارها من أعمال السيادة بالضوابط آنفة البيان فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه.
وحيث إن المادة 269/ 1 من قانون المرافعات تنص على أنه "إذا كان الحكم المطعون فيه قد نقض لمخالفة قواعد الاختصاص تقتصر المحكمة على الفصل في مسألة الاختصاص........" ولما تقدم فإنه يتعين إلغاء الحكم المستأنف والحكم بعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر الدعوى.
وحيث إنه عن الطعن رقم 5191 لسنة 67 ق فإنه لما كان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن نقض الحكم كلياً يترتب عليه اعتباره كأن لم يكن فيزول وتزول معه جميع الآثار المترتبة عليه ويعود الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره وتلغى جميع إجراءات وأعمال التنفيذ التي تمت بناء على الحكم المنقوض ويعتبر حكم النقض سنداً تنفيذياً صالحاً لإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ الجبري دون حاجة لاستصدار حكم جديد بذلك، وكانت المحكمة قد خلصت في الطعن رقم 9552 لسنة 64 ق - وعلى ما سلف بيانه - إلى نقض الحكم القاضي بتسليم أرض النزاع لما في هذا التسليم من مساس بعمل من أعمال السيادة وبعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر ما يتعلق بهذه الأرض وكانت أسباب الطعن الماثل تتعلق بموضوع هذه الخصومة وبالاختصاص الولائي والذي يعد مطروحاً على محكمة النقض ولو لم يرد بشأنه نعي في صحيفة هذا الطعن، فإن النقض الكلي للحكم المطعون فيه في الطعن الأول رقم 9552 لسنة 64 ق المشار إليه والمتعلق بعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر ما يتعلق بأرض النزاع يجعل أسباب الطعن الماثل بعد نقض الحكم في الطعن الأول قد وردت على غير محل بما لازمه الحكم بانتهاء الخصومة فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق