جلسة 25 من سبتمبر سنة 2002
برئاسة السيد المستشار/ عبد اللطيف أبو النيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد إسماعيل، محمد عيد سالم، مصطفى حسان نواب رئيس المحكمة وعلاء مرسي.
--------------
(147)
الطعن رقم 8792 لسنة 72 القضائية
(1) دستور.
حياة المواطنين الخاصة والمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية عدم جواز الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب. المادة 45 من الدستور. مؤدى ذلك؟
(2) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". دفوع "الدفع بعدم جدية التحريات".
إذن التفتيش. لا يعد وسيلة من وسائل جمع المعلومات أو التحريات أو التنقيب عن الجريمة. وجوب صدور لضبط جريمة - جناية أو جنحة - وقعت بالفعل وترجحت نسبتها لمتهم معين. الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات. وجوب أن تعرض له المحكمة بأسباب كافية وسائغة.
(3) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
مراقبة المحادثات التليفونية. تسجيلها. شرطه. صدور أمر قضائي مسبب. مخالفة ذلك. تبطله. أساس ذلك؟
صدور الإذن بالمراقبة والتسجيل استنادا لمعلومات وردت لعضو الرقابة الإدارية والتي لم يجر بشأنها أي تحريات قبل صدوره. تبطله. مخالفة الحك المطعون فيه ذلك. خطأ في القانون. يوجب بطلان الدليل المستمد من تنفيذ الإذن وعدم الاعتداد بشهادة من أجراه. علة ذلك؟
(4) رقابة إدارية.
الرقابة الإدارية. ماهيتها. القانونان رقما 654 لسنة 1964، 117 لسنة 1958.
(5) دستور. قضاه.
الشرعية وسيادة القانون. أساس الحكم في الدولة. وجوب خضوع الدولة للقانون والتزام سلطاتها بأحكامه في كافة أعمالها وتصرفاتها. المادة 64 من الدستور. استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات المادة 65 من الدستور. القضاة غير قابلين للعزل وينظم القانون مساءلتهم تأديبيًا. المادة 168 من الدستور.
(6) رقابة إدارية "اختصاصها". قانون "تفسيره". قضاه. دفوع "الدفع بعدم ولاية الرقابة الإدارية بمراقبة القضاة". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
وضوح عبارة القانون. لا يجوز معه الانحراف عنها عن طريق التفسير والتأويل ولا محل للاجتهاد عند صراحة نص القانون الواجب التطبيق. رجال السلطة القضائية ليسوا من موظفي الجهاز الحكومي وفروعه. اختصاص الرقابة الإدارية مقصور على موظفي الجهاز الحكومي وفروعه المبينة بنص المادة الرابعة من القرار بقانون 54 لسنة 1964 دون المخالفات التي تقع من القضاة أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم أو بسببها والتي تخضع لقانوني السلطة القضائية والإجراءات الجنائية. مخالفة ذلك. خطأ في القانون. لا يغير من ذلك ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من خلو قانون السلطة القضائية من نص يمنع تطبيق قانون الرقابة الإدارية على القضاة ما دام اختصاص الرقابة الإدارية لا يمتد إليهم.
مثال: لتسبيب معيب في الرد على الدفع بعدم ولاية الرقابة الإدارية لمراقبة رجال القضاء.
(7) إثبات "شهود". إجراءات "إجراءات التحقيق". تفتيش "إذن التفتيش. إصداره".
عدم اتخاذ إجراء جنائي إلا بناء على قانون. صدور الإذن لعضو الرقابة الإدارية بمراقبة القضاة وتسجيل الأحاديث التليفونية لهم على الرغم من عدم اختصاصه بالقيام بهذا الإجراء. أثره؟
(8) تفتيش "إذن التفتيش. بطلانه". إجراءات "إجراءات التحقيق".
بطلان إذن التفتيش لا يمتد إلى إجراءات التحقيق اللاحقة عليه إذا ثبت أنها منقطعة الصلة بهذا الإجراء الباطل. الدفع ببطلان إذن التفتيش دفاع عيني. لتعلقه بمشروعية الدليل في الدعوى وجودًا وعدمًا لا بأشخاص مرتكبيها. أثره؟ استفادة باقي المتهمين الذين لم يبدوا هذا الدفع. أساس ذلك؟
ثبوت عم وجود دليل في الأوراق سوى الدليل المستمد من الإجراء الباطل بالنسبة لأحد المتهمين وآخر. وجوب القضاء ببراءتهما. ونقض الحكم بالنسبة للآخرين.
2 - لما كان الإذن بالتفتيش هو من أخطر الإجراءات التي تتخذ ضد الفرد وأبلغها أثرا عليه، فقد حرص المشرع على تقييد حرية سلطة التحقيق عند إصدارها هذا الإذن، فلا يصح إصداره إلا لضبط جريمة جناية أو جنحة واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين، وأن هناك من الدلائل ما يكفي للتصدي لحرمة مسكنه أو لحريته الشخصية لكشف مبلغ اتصاله بالجريمة، ومن أجل ذلك، جرى قضاء هذه المحكمة علي أن إذن التفتيش ليس وسيلة من وسائل جمع المعلومات أو التحريات أو التنقيب عن الجريمة، وأن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ إصدار الإذن بالتفتيش وأن كان موكولاً إلى سلطة التحقيق التي أصدرته تحت رقابة محكمة الموضوع، إلا أنه إذا كان المتهم قد دفع ببطلان هذا الإجراء، فإن يتعين على المحكمة أن تعرض لهذا الدفع الجوهري وأن تقول كلمتها فيه بأسباب كافية وسائغة.
3 - إن مراقبة المحادثات التليفونية وتسجيلها هو إجراء من إجراءات التفتيش إلا أنه نظرا لخطورة هذا الإجراء باعتباره يتعرض لمستودع سر الفرد ويزيل الحظر على بقاء سريته مقصورة على نفسه ومن أراد ائتمانه عليه، فيباح لغيره الاطلاع على مكنون سره، فقد حرص الدستور فى المادة 45 منه على تأكيد حرمته وسريته واشترط لمراقبة المحادثات التليفونية صدور أمر قضائي مسبب، كما جاء المشرع فى قانون الإجراءات الجنائية مسايرًا لأحكام الدستور فاشترط لإجازة هذه المراقبة وانتهاك سريتها قيود إضافية بخلاف القيود الخاصة بإذن التفتيش السابق إيرادها نص عليها في المواد 95، 95 مكررا، 206 منه، وكان من المقرر أنه ينبغي على السلطة الآمرة بالمراقبة والتسجيل مراعاة هذه القيود والتحقق من توافرها وإلا بطل الإجراء وما يترتب على ذلك من عدم الاعتداد بالدليل المستمد منه. لما كان ذلك، وكان من البين من الاطلاع على المفردات المضمومة تحقيقًا لوجه الطعن أن أقوال المأذون له عضو الرقابة الإدارية في تحقيقات النيابة العامة قد جرت على أنه لم يقم بإجراء أي تحريات عن الواقعة إلا بعد صدور إذن مجلس القضاء الأعلى له بالمراقبة والتسجيل وحتى انتهاء فترة سريانه، وهذا القول يؤكده الواقع الماثل في الدعوى الراهنة على ما يبين من المفردات إذ أن عضو الرقابة الإدارية حرر محضرًا بتاريخ 29 من مايو سنة 2001 أثبت فيه ورود معلومات إليه عن الطاعن الأول مفادها أنه قاضي مرتشي وأنه على صلة ببعض النسوة الساقطات جهل أسمائهن وأنهن يتدخلن لديه في القضايا المختص بنظرها، وقد خلت التسجيلات والتحقيقات فيما بعد عن وجود أي دور لأي من النسوة الساقطات، وأضاف بمحضره أن الطاعن الأول سينظر قضية للمتهم الرابع في الدعوى وأنه تلقى منه بعض الهدايا العينية وطلبت الإذن بالمراقبة والتسجيل، وعقب صدور الإذن له اقتصر دور عضو الرقابة الإدارية على تفريغ ما أسفرت عنه عملية التسجيل واتصال كل من المتهمين الآخرين بالطاعن الأول، وطلبه مراقبة هؤلاء نظرا لما تكشف له من أحاديث دارت بين المتهمين، مما مفاده أنه استعمل مراقبة المحادثات التليفونية كوسيلة من وسائل جمع المعلومات والتنقيب عن الجرائم المسند إلى المتهمين وارتكابها وهو الأمر الذي حرمه القانون حفاظا على سرية المحادثات التليفونية التي حرص الدستور على حمايتها، لما كان ما تقدم، وكان الإذن الأول الصادر بتاريخ 30 من مايو سنة 2001 بالمراقبة والتسجيل قد بني على مجرد معلومات وردت إلى المأذون له بصورة مرسلة وأنه لم يجر بشأن أي تحريات حسبما جرت أقواله في تحقيقات النيابة العامة قبل حصوله على الإذن ومن ثم يبطل هذا الإذن، كما يستطيل هذا البطلان إلى الأذون التالية له، لأنها جاءت امتداد له وأقيمت على نتاج تنفيذ هذا الإذن وما تلاه في حلقات متشابكة وتربط كل منها بالإذن الذي سبقه ارتباطًا لا يقبل التجزئة وينتفي معه استقلال كل إذن عن الآخر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وسوغ صدور أذون المراقبة والتسجيل رغم عدم إجراء تحريات سابقة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون فوق فساده في الاستدلال ومن ثم يتعين بطلان الدليل المستمد من تنفيذ هذه الأذون وعدم التعويل أو الاعتداد بشهادة من أجراها إذ أن معلوماته استقيت من إجراءات مخالفة للقانون.
4- لما كان البين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري أن النيابة الإدارية كانت تتكون من قسمين هما قسم الرقابة وقسم التحقيق على ما أفصحت عنه المادة الثانية من القرار بقانون سالف الإشارة بما مفاده أن الرقابة الإدارية كانت جزء من النيابة الإدارية إلا أنه بتاريخ 16 من مارس سنة 1964 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية حدد فيه اختصاصات الرقابة الإدارية كما جاءت المادة الرابعة من القرار بقانون سالف الإشارة محددة مجال عمل الرقابة الإدارية بنصها علي أنه "تباشر الرقابة الإدارية اختصاصاتها في الجهاز الحكومي وفروعه والهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لها والجمعيات العامة والخاصة وأجهزة القطاع الخاص التي تباشر أعمالاً عامة، وكذلك جميع الجهات التي تسهم الدولة فيها بأي وجه من الوجوه". ولقد أفصحت المذكرة الإيضاحية لهذا القرار بقانون عن مناسبة إصداره بقولها: "نظرًا لازدياد تبعات الرقابة الإدارية فقد رئي تحقيقًا للصالح العام فصلها عن النيابة الإدارية، حتى تستطيع أن تؤدى رسالتها على الوجه المرغوب فيه".
5 - لما كان مبدأ الشرعية وسيادة القانون هو أساس الحكم في الدولة طبقًا لنص المادة 64 من الدستور وهو مبدأ يوجب خضوع سلطات الدولة للقانون والتزام حدوده في كافة أعمالها وتصرفاتها بما يصون للشرعية بنيانها، وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات، على ما نصت عليه المادة 65 من الدستور. وكان الدستور القائم قد قسم سلطات الدولة إلى ثلاث سلطات هي التشريعية والتنفيذية والقضائية ونص في المادة 153 منه في الفصل الثالث من الباب الخامس تحت مسمى السلطة التنفيذية على أن الحكومة هي الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة. بينما نص في المادة 165 وما بعدها في الفصل الرابع من الباب الخامس تحت مسمى السلطة القضائية على أن السلطة مستقلة ونصت المادة 168 على أن القضاة غير قابلين للعزل، وينظم القانون مساءلتهم تأديبيًا.
6 - لما كان من المقرر أنه متى كانت عبارة القانون واضحة ولا لبس فيها فإنه يجب أن تعد تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيًا كان الباعث على ذلك، ولا الخروج عن النص متى كان واضحا جلي المعنى قاطعًا في الدلالة على المراد منه وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون واجب التطبيق، وكان البين من نص المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية سالفة الإشارة في صريح لفظه وواضح دلالته أن المشرع حدد الأوصاف التي يتعين بها الأشخاص المقصودين بهذا الخطاب والشروط التي تعين الوقائع التي ينطبق عليها هذا الخطاب، ومن ثم قانون الرقابة الإدارية القائم قد حدد الأشخاص الذين تباشر الرقابة الإدارية اختصاصاتها بالنسبة لهم دون غيرهم وأنه ينطبق على فئة من الأفراد معينة بأوصافها لا بدواتها هم موظفي الجهاز الحكومي وفروعه والهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لهم والجمعيات العامة والخاصة وأجهزة القطاع الخاص التي تباشر أعمالاً عامة وكذلك جميع الجهات التي تسهم الدولة فيها بأي وجه من الوجوه. لما كان ذلك، وكان رجال السلطة القضائية طبقًا للدستور ليسوا من موظفي الجهاز الحكومي وفروعه ونص الدستور في المادة 168 منه على أن القانون ينظم مساءلتهم تأديبيا، وجاء قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 ونص فى المادة 67 منه علي أن رجال القضاء غير قابلين للعزل، ونص في الفصل التاسع من الباب الثاني على كيفية مساءلة القضاء تأديبيًا فى المواد 93 إلى 115، ومفاد ما سلف إيراده أن القضاة ليسوا فوق المساءلة وإنما حدد الدستور والمشرع هذه القواعد حرصا على استقلال القضاء وحصانته ومواجهة الكيدية وخطر التعسف أو التحكم مما يعصف بمبدأ استقلال القضاء ويفرغ الحصانة القضائية من مضمونها. لما كان ما تقدم، فإن اختصاص الرقابة الإدارية طبقًا لنص قانونها القائم مقصور على موظفي الجهات المبينة بنص المادة الرابعة من القانون وانحسار اختصاصها عن الكشف عن المخالفات التي تقع من القضاة أثناء مباشرتهم الواجبات وظائفهم أو بسببها والتي تخضع للقواعد المنصوص عليها في قانوني السلطة القضائية والإجراءات الجنائية. ويؤكد هذا النظر أن اختصاصات الرقابة الإدارية عدا الكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التي تقع من العاملين والتي نصت عليها المواد 2، 3، 5، 6 من قانون إعادة تنظيمها تتمثل في بحث وتحرى أسباب القصور في العمل والإنتاج وكشف عيوب النظم الإدارية والفنية والمالية، وبحث الشكاوى التي يقدمها المواطنين وبحث مقترحاتهم فيما يعن لهم بقصد تحسين الخدمات وانتظام سير العمل، وبحث ودراسة ما تنشره الصحافة من شكاوى أو تحقيقات صحفية تتناول نواحي الإهمال أو الاستهتار، وطلب وقف الموظف أو إبعاده عن أعمال وظيفته بناء على قرار من رئيس مجلس الوزراء، ورفع تقاريرهم متضمنة تحرياتها وأبحاثها ودراساتها ومقترحاتها إلى رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه بشأنها، وحق التحفظ على أية ملفات من الجهة الموجودة فيها، كل هذه الاختصاصات تكشف وتقطع بجلاء لا لبس فيه أو غموض على أن اختصاصات الرقابة الإدارية سالفة البيان صالحة للإعمال على الجهاز الحكومي وما يلحق به من هيئات عامة ومؤسسات عامة وفقًا لنص المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 54 لسنة 1964، وأنه لا يتأتى في منطق العقل ممارسة الرقابة الإدارية لهذه الاختصاصات بالنسبة لأعمال السلطة القضائية والتي قوامها نظر قضية الأفراد والفصل فيها بأحكام قضائية حدد المشرع طرق الطعن فيها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد طرح هذا الدفع بقوله: وعن الدفوع بعدم ولاية الرقابة الإدارية بالنسبة لمراقبة رجال القضاء، لأن اختصاصها يقتصر على العاملين المدنيين بالدولة ولأن القضاء سلطة مستقلة بنص الدستور، فإن هذه الدفوع مردودة بأنه وفقًا للقانون 54 لسنة 1964 وتعديلاته فإن الرقابة الإدارية تختص بالكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التي تقع من العاملين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم أو بسببها "مادة 2 فقرة ج" وطبقًا للمادة الثامنة من ذات القانون يجوز للرقابة الإدارية أن تجري التحريات والمراقبة السرية بوسائلها الفنية المختلفة كما رأت مقتضى لذلك، ووفقًا للمادة التاسعة من القانون المشار إليه للرقابة الإدارية أن تجرى تفتيش أشخاص ومنازل العاملين المنسوب إليهم المخالفات بعد الحصول على إذن من رئيسها أو من النيابة العامة، وتأسيسًا على ذلك، فإن الدفع بعدم ولاية الرقابة الإدارية في مراقبة القضاة يغدو لا أساس له قانونًا، سيما وأن قانون السلطة القضائية لا يوجد به نص يمنع تطبيق هذه النصوص عليهم في الحدود المنصوص عليها بها، وبمراعاة استئذان مجلس القضاء الأعلى فيما نص عليه القانون، وأن استقلال القضاء لا يمنع خضوعه للقانون وأنه لا سند لما أثاره الدفاع من أن الرقابة الإدارية تقتصر على العاملين الخاضعين لقانون العاملين بالدولة فقط". لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه على السياق المتقدم هو جهاد في غير عدو إذ أنه لم يواجه الدفع البتة وانحصر فقط في سرد سلطات ومكنات أعضاء هيئة الرقابة الإدارية حيال من يختصون بالكشف عن مخالفاتهم وهو أمر لم يثره الدفاع عن الطاعنين أو يجادلوا فيه، وإذ سوغ الحكم تصدي أعضاء الرقابة الإدارية للكشف عن الجرائم والمخالفات التي تقع من القضاة فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفى تأويله وأن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في مجال رده على هذا الدفع من أن المادة الثامنة من قانون الرقابة الإدارية خولت لها إجراء التحريات والمراقبة السرية بوسائلها الفنية المختلفة كلما رأت مقتضى لذلك، فإنه فضلاً عن عدم تعلقه بالرد على الدفع المثار فإنه مردود بأن هذا النص قد نسخ بقوة الدستور الذي نص في المادة 45 منه على أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفقًا لأحكام القانون. أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن قانون السلطة القضائية لم يرد به نص يمنع تطبيق نصوص قانون إعادة تنظيم الرقابة الإدارية على القضاة، فهو مردود بأن قانون السلطة القضائية لم يكن في حاجة إلى النص على هذا المنع ما دام أن قانون الرقابة الإدارية وفقًا لنص المادة الرابعة منه لا يمتد إلى القضاة.
7 - من المقرر عدم اتخاذ إجراء جنائي إلا بناء على قانون، ومن ثم فإن ما قام به شاهد الإثبات الأول عضو الرقابة الإدارية فى الدعوى من إجراءات وصدور الأذون له بمراقبة القضاة وتسجيل الأحاديث التليفونية المرسلة منهم أو الواردة إليهم رغم عدم اختصاصه بالقيام بهذا الإجراء يكون ذلك قد تم في غير سياج من الشرعية الدستورية والإجرائية ومن ثم بطلت جميع الإجراءات التي اتخذها في الدعوى حيال القضاة وبطلت أذون المراقبة والتسجيل الصادرة له وما أسفر عنه تنفيذ تلك الأذون أيضًا الدليل المستمد منها وعدم سماع شهادة من قام بهذا الإجراء الباطل إذ أن معلوماته استقيت من إجراءات مخالفة للقانون وأنه وأن كان على الأجهزة الرقابية محاربة الفساد والانحراف بالوظيفة العامة إلا أنه يتعين عليها ألا تغتصب اختصاصًا ليس مقررًا لها في القانون.
8 - لما كانت هذه المحكمة محكمة النقض قد خلصت إلى بطلان أذون التفتيش، إلا أن هذا البطلان لا يستطيل إلى إجراءات التحقيق اللاحقة عليه إذا ثبت لقاضي الموضوع أنها منقطعة الصلة بذلك الإجراء الباطل، ولما كانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه لا يوجد بها دليل سوى الدليل المستمد من الإجراء الباطل بالنسبة للطاعن الثالث بعد أن أنكر بالتحقيقات وبجلسات المحاكمة ما أسند إليه فإنه يتعين الحكم ببراءته عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، بينما أورد الحكم في مدوناته أدلة أخرى لاحقة بالنسبة للطاعنين الأول...... والثاني..... فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بالنسبة لهما كي تقوم محكمة الموضوع بالفصل فيما إذا كانت هذه الأدلة اللاحقة متصلة بالإجراء الباطل ومتفرعة عنه أم أنها منقطعة الصلة بذلك الإجراء الباطل. لما كان ذلك، وكان الدفع المبدى ببطلان أذون التفتيش الصادرة في الدعوى هو دفاع عيني لتعلقه بمشروعية الدليل في الدعوى وجودًا وعدمًا ولا بأشخاص مرتكبيها ويترتب عليه استفادة باقي الطاعنين والذين لم يبدوا هذا الدفع منه بطريق اللزوم والتبعية وذلك بالنظر إلى وحدة الواقعة والأثر العيني للدفاع المشار إليه وكذلك قوة الأثر القانوني للارتباط بين المتهمين في الجريمة، ومفاد ما تقدم استفادة الطاعن الرابع.... من هذا الدافع وإعمال أثره بالنسبة له رغم عدم إبدائه هذا الدفع، وكانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه لا يوجد بها دليل قبل هذا الطاعن سوى الدليل المستمد من الإجراء الباطل بعد أن أنكر ما أسند إليه بالتحقيقات وبجلسات المحاكمة فإنه يتعين الحكم ببراءته عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر قضى ببراءته بأنهم: أولاً: المتهم الأول: 1 - وهو موظف عام "قاضي بمحكمة......" أخذ عطية من المتهم الآخر لأداء عمل من أعمال وظيفته والإخلال بواجباتها بأن استأجر له الأخير شقة للمصيف بمدينة الإسكندرية لمدة أسبوعين وأخذ منه أطقم مائدة نظير إصداره قرارًا بتأجيل نظر إحدى جنح النزهة والمقيدة عن واقعة شيك بمبلغ مليون ومائة وخمسة عشر ألف جنيه بدون رصيد لتمكينه من تدبير أموره المالية على النحو المبين بالتحقيقات. 2 - بصفته سالفة البيان أخل بواجبات وظيفته نتيجة التوصية والوساطة من المتهم الثالث في القضايا المبينة بالتحقيقات بأن أصدر فيها أحكامًا وقرارات نتيجة لتلك التوصية والوساطة. 3 - بصفته سالفة البيان أخل بواجبات وظيفته نتيجة التوصية والوساطة من المتهم الرابع في القضايا المبينة بالتحقيقات بأن أصدر أحكامًا لصالح المدعين بالحقوق المدنية فيها نتيجة لتلك التوصية والوساطة. 4 - بصفته سالفة البيان أخل بواجبات وظيفته نتيجة التوصية والوساطة لديه من شقيق المدعية بالحقوق المدنية في إحدى قضايا جنح...... والمقامة بطريق الادعاء المباشر عن واقعة نصب بأن قضى فيها بالإدانة بحبس المتهم سنتين وأخبر الوسيط بمنطوق الحكم هاتفيا. 5- اشترك بطريقي الاتفاق والتحريض مع موظف عمومي هو المتهم الثاني رئيس محكمة...... للإخلال بواجبات وظيفته في إحدى قضايا جنح...... بأن أصدر الأخير قرارًا بتأجيل نظرها نتيجة للتوصية والوساطة فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق. ثانيًا المتهم الثاني: 1 - توسط فى تقديم رشوة لموظف عمومي هو المتهم الأول "قاضى محكمة جنح......." المختص بنظر القضية المقيدة ضد المتهم الآخر عن تهمة شيك بدون رصيد بأن أخذ منه عطية أدوات مائدة لنفسه وأخرى لتسليمها للمتهم الأول مقابل تأجيله القضية ليتمكن المتهم فيها من تدبير شئونه المالية على النحو المبين بالتحقيقات. 2 - وهو موظف عام رئيس محكمة جنح..... أخل بواجبات وظيفته نتيجة وساطة توصية المتهم الثالث في إحدى قضايا جنح ...... وموضوعها تحريض على الفسق بأن قضى فيها بالبراءة نتيجة تلك الوساطة والتوصية. 3 - بصفته سالفة البيان أخل بواجبات وظيفته بأن قام بتأجيل إحدى قضايا جنح...... نتيجة لوساطة وتوصية المتهم الأول لديه لصالح المتهم فيها. 4 - توسط لدى قاضي هو رئيس محكمة جنح ..... بأن طلب منه الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة في إحدى القضايا المختص بنظرها على النحو المبين بالتحقيقات. 5 - توسط لدى قاضي هو رئيس محكمة جنح........ بأن طلب منه الحكم لصالح أحد الخصوم في إحدى القضايا جنح....... إضرارا بباقي الخصوم على النحو المبين بالتحقيقات. ثالثًا: المتهم الثالث: 1 - اشترك بطريقي التحريض والاتفاق مع موظف عمومي هو المتهم الأول قاضى محكمة جنح....... للإخلال بواجبات وظيفته في إحدى قضايا جنح..... المختص بنظرها بأن حادثه هاتفيا بشأنها بعد أن أصدر فيها حكمًا غيابيًا بالإدانة وطلب منه إصدار قرار بتأجيلها فقام المتهم الأول نتيجة للتوصية والوساطة بشطب الحكم الصادر بالإدانة وتأجيل القضية فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق على النحو المبين بالتحقيقات. 2 - اشترك بطريقي الاتفاق والتحريض مع موظف عمومي هو المتهم الأول قاضى محكمة جنح...... للإخلال بواجبات وظيفته بأن قضى المتهم الأول غيابيًا ببراءة المتهم في إحدى جنح ...... المختص بنظرها نتيجة للتوصية والوساطة فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق على النحو المبين بالتحقيقات. 3 - اشترك بطريقي التحريض والاتفاق مع موظف عمومي هو المتهم الأول قاضي محكمة جنح النزهة للإخلال بواجبات وظيفته بأن تحدث معه بشأن إحدى جنح....... المختص بنظرها لصالح المتهم وأعقب ذلك طلبه حجز الدعوى للحكم فقام المتهم الأول بإصدار قرار بتقصير جلسة نظرها وحجزها للحكم نتيجة للتوصية والوساطة فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق على النحو المبين بالتحقيقات. 4 - اشترك بطريقي التحريض والاتفاق مع موظف عمومي هو المتهم الثاني رئيس محكمة جنح...... للإخلال بواجبات وظيفته بأن أصدر المتهم الثاني حكمًا ببراءة المتهم في إحدى جنح...... المختصة بنظرها نتيجة للتوصية والوساطة فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض والاتفاق على النحو المبين بالتحقيقات. رابعًا: المتهم الرابع: اشترك بطريقي التحريض والاتفاق مع موظف عمومي هو المتهم الأول قاضي محكمة جنح....... للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب منه الحكم لصالح موكليه المدعين بالحقوق المدنية في قضايا الجنح المبينة بالأوراق والمختص بنظرها وقام المتهم الأول بإصدار أحكام فيها نتيجة للتوصية والوساطة فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق على النحو المبين بالتحقيقات.
وأحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمتهم طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا وعملاً بالمواد 40/ أولا و103 و104 و105 مكررًا و110 و111/ 1 و120 من قانون العقوبات بمعاقبة الأول بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وبتغريمه ألف جنيه عن التهم الثلاثة الأول. والثاني بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبتغريمه ألف جنيه عن التهم الأولى والثانية والخامسة والثالثة عن التهمة الأولى والثانية والرابعة بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريم كل منهما مائتي جنيه. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.
المحكمة
عن موضوع الطعن المقدم من كل من الطاعنين الثلاثة الأول:
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعنون الثلاثة الأول على الحكم المطعون فيه إنه إذ دان الأول بجرائم الرشوة والإخلال بواجبات وظيفته، ودان الثاني بجرائم الاشتراك في تقديم رشوة لموظف عمومي والإخلال بواجبات وظيفته والتوسط لدى قاضى لصالح متهم، ودان الثالث بجريمة الاشتراك مع موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته، قد شابة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، ذلك بأن تمسك الطاعنون الثلاثة الأول ببطلان إذن التسجيل والمراقبة الصادر بتاريخ 30 من مايو سنة 2001 والأذون التي تلته، لصدورها دون إجراء تحريات سابقة، وهو ما جرت عليه أقوال عضو الرقابة الإدارية المأذون له في تحقيقات النيابة العامة، كما دفعوا بانحسار اختصاص هيئة الرقابة الإدارية عن مراقبة القضاة والكشف عن المخالفات التي تقع منهم، وفقًا لما ورد بقانون إعادة تنظيمها الصادر بالقرار بقانون رقم 54 لسنة 1964، إلا أن الحكم المطعون فيه أطرح الدفع الأول بما لا يكفي لإطراحه، وأطرح الدفع الثاني برد غير صحيح قانونًا، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أطرح الدفع ببطلان أذون التسجيل لصدورها دون إجراء تحريات في قوله: "وما أثاره الدفاع من أن هذه الأذون الصادرة من مجلس القضاء الأعلى باطلة لعدم تسبيبها مردود بأن المحكمة تعتد بأن ما ورد بهذه الأذون من استناد لاطمئنانها لمعلومات وتحريات الرقابة الإدارية، يعد كافيًا في عقيدة المحكمة لصدورها، كما أنها صدرت على تحريات جدية إذ تطمئن المحكمة لجدية التحريات لأنها تضمنت معلومات كافية لتمييز شخصية كل من المتهمين عن غيرهم من الأشخاص وبيان أنه يرتكب جريمة مؤثمة قانونًا". لما كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة سنة 1948 قد نص في مادته الثانية عشرة على أن "لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق فى حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات". وعقب صدور هذا الإعلان حرصت معظم دساتير الدول على التأكيد على حماية حياة المواطنين الخاصة، فنص الدستور المصري القائم فى وثيقة إعلانه على أن سيادة القانون ليست ضمانًا مطلوبًا لحرية الفرد فحسب، لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة فى الوقت. ونص في صدر المادة 41 منه على أنه: "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس". كما نص في المادة 45 على أنه: "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا يجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة ووفقًا لأحكام القانون". ومفاد القواعد الدستورية سالفة البيان، أن حق الجماعة في الدفاع عن مصالحاها الحيوية ينبغي أن يوازن حق الفرد في الحرية. لما كان الإذن بالتفتيش هو من أخطر الإجراءات التي تتخذ ضد الفرد وأبلغها أثرا عليه، فقد حرص المشرع على تقييد حرية سلطة التحقيق عند إصدارها هذا الإذن، فلا يصح إصداره إلا لضبط جريمة جناية أو جنحة واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين، وأن هناك من الدلائل ما يكفى للتصدي لحرمة مسكنه أو لحريته الشخصية لكشف مبلغ اتصاله بالجريمة، ومن أجل ذلك، جرى قضاء هذه المحكمة على أن إذن التفتيش ليس وسيلة من وسائل جمع المعلومات أو التحريات أو التنقيب عن الجريمة، وأن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ إصدار الإذن بالتفتيش وإن كان موكولاً إلى سلطة التحقيق التي أصدرته تحت رقابة محكمة الموضوع، إلا أنه إذا كان المتهم قد دفع ببطلان هذا الإجراء، فإن يتعين على المحكمة أن تعرض لهذا الدفع الجوهري وأن تقول كلمتها فيه بأسباب كافية وسائغة. إن مراقبة المحادثات التليفونية وتسجيلها هو إجراء من إجراءات التفتيش إلا أنه نظرًا لخطورة هذا الإجراء باعتباره يتعرض لمستودع سر الفرد ويزيل الحظر على بقاء سريته مقصورة على نفسه ومن أراد ائتمانه عليه، فيباح لغيره الاطلاع على مكنون سره، فقد حرص الدستور في المادة 45 منه على تأكيد حرمته وسريته واشترط لمراقبة المحادثات التليفونية صدور أمر قضائي مسبب، كما جاء المشرع في قانون الإجراءات الجنائية مسايرًا لأحكام الدستور فاشترط لإجازة هذه المراقبة وانتهاك سريتها قيود إضافية بخلاف القيود الخاصة بإذن التفتيش السابق إيرادها نص عليها في المواد 95، 95 مكررا، 206 منه، وكان من المقرر أنه ينبغي على السلطة الآمرة بالمراقبة والتسجيل مراعاة هذه القيود والتحقق من توافرها وإلا بطل الإجراء وما يترتب على ذلك من عدم الاعتداد بالدليل المستمد منه، لما كان ذلك، وكان من البين من الاطلاع على المفردات المضمومة تحقيقًا لوجه الطعن أن أقوال المأذون له عضو الرقابة الإدارية في تحقيقات النيابة العامة قد جرت على أنه لم يقم بإجراء أي تحريات عن الواقعة إلا بعد صدور إذن مجلس القضاء الأعلى له بالمراقبة والتسجيل وحتى انتهاء فترة سريانه، وهذا القول يؤكده الواقع الماثل في الدعوى الراهنة على ما يبين من المفردات إذ أن عضو الرقابة الإدارية حرر محضرًا بتاريخ 29 من مايو سنة 2001 أثبت فيه ورود معلومات إليه عن الطاعن الأول مفادها أنه قاضي مرتشي وأنه على صلة ببعض النسوة الساقطات جهل أسمائهن وأنهن يتدخلن لديه في القضايا المختص بنظرها، وقد خلت التسجيلات والتحقيقات فيما بعد عن وجود أي دور لأي من النسوة الساقطات، وأضاف بمحضره أن الطاعن الأول سينظر قضية للمتهم الرابع في الدعوى وأنه تلقى منه بعض الهدايا العينية وطلبت الإذن بالمراقبة والتسجيل، وعقب صدور الإذن له اقتصر دور عضو الرقابة الإدارية على تفريغ ما أسفرت عنه عملية التسجيل واتصال كل من المتهمين الآخرين بالطاعن الأول، وطلبه مراقبة هؤلاء نظرًا لما تكشف له من أحاديث دارت بين المتهمين: مما مفاده أنه استعمل مراقبة المحادثات التليفونية كوسيلة من وسائل جمع المعلومات والتنقيب عن الجرائم المسند إلى المتهمين وارتكابها وهو الأمر الذي حرمه القانون حفاظًا على سرية المحادثات التليفونية التي حرص الدستور على حمايتها. لما كان ما تقدم، وكان الإذن الأول الصادر بتاريخ 30 من مايو سنة 2001 بالمراقبة والتسجيل قد بني على مجرد معلومات وردت إلى المأذون له بصورة مرسلة وأنه لم يجر بشأن أي تحريات حسبما جرت أقواله في تحقيقات النيابة العامة قبل حصوله على الإذن ومن ثم يبطل هذا الإذن، كما يستطيل هذا البطلان إلى الأذون التالية له، لأنها جاءت امتداد له وأقيمت على نتاج تنفيذ هذا الإذن وما تلاه في حلقات متشابكة وارتبط كل منها بالإذن الذى سبقه ارتباطًا لا يقبل التجزئة وينتفى معه استقلال كل إذن عن الآخر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وسوغ صدور أذون المراقبة والتسجيل رغم عدم إجراء تحريات سابقة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون فوق فساده في الاستدلال ومن ثم يتعين بطلان الدليل المستمد من تنفيذ هذه الأذون وعدم التعويل أو الاعتداد بشهادة من أجراها إذ أن معلوماته استقيت من إجراءات مخالفة للقانون. هذا فضلاً عن أنه عن الوجه الآخر للطعن فإن البين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري أن النيابة الإدارية كانت تتكون من قسمين هما قسم الرقابة وقسم التحقيق على ما أفصحت عنه المادة الثانية من القرار بقانون سالف الإشارة بما مفاده أن الرقابة الإدارية كانت جزء من النيابة الإدارية إلا أنه بتاريخ 16 من مارس سنة 1964 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية حدد فيه اختصاصات الرقابة الإدارية كما جاءت المادة الرابعة من القرار بقانون سالف الإشارة محددة مجال عمل الرقابة الإدارية بنصها علي أنه "تباشر الرقابة الإدارية اختصاصاتها في الجهاز الحكومي وفروعه والهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لها والجمعيات العامة والخاصة وأجهزة القطاع الخاص التي تباشر أعمالا عامة، وكذلك جميع الجهات التي تسهم الدولة فيها بأي وجه من الوجوه". ولقد أفصحت المذكرة الإيضاحية لهذا القرار بقانون عن مناسبة إصداره بقولها: "نظرًا لازدياد تبعات الرقابة الإدارية فقد رئي تحقيقًا للصالح العام فصلها عن النيابة الإدارية، حتى تستطيع أن تؤدى رسالتها على الوجه المرغوب فيه". لما كان ذلك، وكان مبدأ الشرعية وسيادة القانون هو أساس الحكم في الدولة طبقًا لنص المادة 64 من الدستور وهو مبدأ يوجب خضوع سلطات الدولة للقانون والتزام حدوده في كافة أعمالها وتصرفاتها بما يصون للشرعية بنيانها، وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات، على ما نصت عليه المادة 65 من الدستور. وكان الدستور القائم قد قسم سلطات الدولة إلى ثلاث سلطات هي التشريعية والتنفيذية والقضائية ونص في المادة 153 منه في الفصل الثالث من الباب الخامس تحت مسمى السلطة التنفيذية على أن الحكومة هي الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة. بينما نص في المادة 165 وما بعدها في الفصل الرابع من الباب الخامس تحت مسمى السلطة القضائية علي أن السلطة مستقلة ونصت المادة 168 على أن القضاة غير قابلين للعزل، وينظم القانون مساءلتهم تأديبيًا. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تعد تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيًا كان الباعث على ذلك، ولا الخروج عن النص متى كان واضحًا جلي المعنى قاطعًا في الدلالة على المراد منه وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون واجب التطبيق، وكان البين من نص المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية سالفة الإشارة في صريح لفظه وواضح دلالته أن المشرع حدد الأوصاف التي يتعين بها الأشخاص المقصودين بهذا الخطاب والشروط التي تعين الوقائع التي ينطبق عليها هذا الخطاب، ومن ثم قانون الرقابة الإدارية القائم قد حدد الأشخاص الذين تباشر الرقابة الإدارية اختصاصاتها بالنسبة لهم دون غيرهم وأنه ينطبق على فئة من الأفراد معينة بأوصافها لا بدواتها هم موظفي الجهاز الحكومي وفروعه والهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لهم والجمعيات العامة والخاصة وأجهزة القطاع الخاص التي تباشر أعمالاً عامة وكذلك جميع الجهات التي تسهم الدولة فيها بأي وجه من الوجوه. لما كان ذلك، وكان رجال السلطة القضائية طبقًا للدستور ليسوا من موظفي الجهاز الحكومى وفروعه ونص الدستور فى المادة 168 منه على أن القانون ينظم مساءلتهم تأديبيًا، وجاء قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 ونص فى المادة 67 منه على أن رجال القضاء غير قابلين للعزل، ونص في الفصل التاسع من الباب الثانى على كيفية مساءلة القضاء تأديبيًا في المواد 93 إلى 115، ومفاد ما سلف إيراده أن القضاة ليسوا فوق المساءلة وإنما حدد الدستور والمشرع هذه القواعد حرصا على استقلال القضاء وحصانته ومواجهة الكيدية وخطر التعسف أو التحكم مما يعصف بمبدأ استقلال القضاء ويفرغ الحصانة القضائية من مضمونها. لما كان ما تقدم، فإن اختصاص الرقابة الإدارية طبقًا لنص قانونها القائم مقصور على موظفي الجهات المبينة بنص المادة الرابعة من القانون وانحسار اختصاصها عن الكشف عن المخالفات التي تقع من القضاء أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم أو بسببها والتي تخضع للقواعد المنصوص عليها في قانوني السلطة القضائية والإجراءات الجنائية. ويؤكد هذا النظر أن اختصاصات الرقابة الإدارية عدا الكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التي تقع من العاملين والتي نصت عليها المواد 2، 3، 5، 6 من قانون إعادة تنظيمها تتمثل في بحث وتحري أسباب القصور في العمل والإنتاج وكشف عيوب النظم الإدارية والفنية والمالية، وبحث الشكاوى التي يقدمها المواطنين وبحث مقترحاتهم فيما يعن لهم بقصد تحسين الخدمات وانتظام سير العمل، وبحث ودراسة ما تنشره الصحافة من شكاوى أو تحقيقات صحفية تتناول نواحي الإهمال أو الاستهتار، وطلب وقف الموظف أو إبعاده عن أعمال وظيفته بناء على قرار من رئيس مجلس الوزراء، ورفع تقاريرهم متضمنة تحرياتها وأبحاثها ودراساتها ومقترحاتها إلى رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه بشأنها، وحق التحفظ على أية ملفات من الجهة الموجودة فيها، كل هذه الاختصاصات تكشف وتقطع بجلاء لا لبس فيه أو غموض على أن اختصاصات الرقابة الإدارية سالفة البيان صالحة للإعمال على الجهاز الحكومي وما يلحق به من هيئات عامة ومؤسسات عامة وفقا لنص المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 54 لسنة 1964، وأنه لا يتأتى في منطق العقل ممارسة الرقابة الإدارية لهذه الاختصاصات بالنسبة لأعمال السلطة القضائية والتي قوامها نظر قضية الأفراد والفصل فيها بأحكام قضائية حدد المشرع طرق الطعن فيها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد طرح هذا الدفع بقوله: "وعن الدفوع بعدم ولاية الرقابة الإدارية بالنسبة لمراقبة رجال القضاء، لأن اختصاصها يقتصر على العاملين المدنيين بالدولة ولأن القضاء سلطة مستقلة بنص الدستور، فإن هذه الدفوع مردودة بأنه وفقًا للقانون 54 لسنة 1964 وتعديلاته فإن الرقابة الإدارية تختص بالكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التي تقع من العاملين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم أو بسببها "مادة 2 فقرة ج" وطبقًا للمادة الثامنة من ذات القانون يجوز للرقابة الإدارية أن تجرى التحريات والمراقبة السرية بوسائلها الفنية المختلفة كلما رأت مقتضى لذلك، ووفقًا للمادة التاسعة من القانون المشار إليه للرقابة الإدارية أن تجرى تفتيش أشخاص ومنازل العاملين المنسوب إليهم المخالفات بعد الحصول على إذن من رئيسها أو من النيابة العامة، وتأسيسًا على ذلك، فإن الدفع بعدم ولاية الرقابة الإدارية في مراقبة القضاة يغدو لا أساس له قانونًا، سيما وأن قانون السلطة القضائية لا يوجد به نص يمنع تطبيق هذه النصوص عليهم في الحدود المنصوص عليها بها، و بمراعاة استئذان مجلس القضاء الأعلى فيما نص عليه القانون، وأن استقلال القضاء لا يمنع خضوعه للقانون وأنه لا سند لما أثاره الدفاع من أن الرقابة الإدارية تقتصر على العاملين الخاضعين لقانون العاملين بالدولة فقط". لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه على السياق المتقدم هو جهاد فى غير عدو إذ أنه لم يواجه الدفع البتة وانحصر فقط فى سرد سلطات ومكنات أعضاء هيئة الرقابة الإدارية حيال من يختصون بالكشف عن مخالفاتهم وهو أمر لم يثره الدفاع عن الطاعنين أو يجادلوا فيه، وإذ سوغ الحكم تصدى أعضاء الرقابة الإدارية للكشف عن الجرائم والمخالفات التي تقع من القضاة فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله وأن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في مجال رده على هذا الدفع من أن المادة الثامنة من قانون الرقابة الإدارية خولت لها إجراء التحريات والمراقبة السرية بوسائلها الفنية المختلفة كلما رأت مقتضى لذلك، فإنه فضلاً عن عدم تعلقه بالرد على الدفع المثار فإنه مردود بأن هذا النص قد نسخ بقوة الدستور الذي نص في المادة 45 منه على أن "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفقًا لأحكام القانون". أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن قانون السلطة القضائية لم يرد به نص يمنع تطبيق نصوص قانون إعادة تنظيم الرقابة الإدارية على القضاة، فهو مردود بأن قانون السلطة القضائية لم يكن في حاجة إلى النص على هذا المنع ما دام أن قانون الرقابة الإدارية وفقًا لنص المادة الرابعة منه لا يمتد إلى القضاة كما سبق إيراده. لما كان ما تقدم، وكان من المقرر عدم اتخاذ إجراء جنائي إلا بناء على قانون، ومن ثم فإن ما قام به شاهد الإثبات الأول عضو الرقابة الإدارية في الدعوى من إجراءات وصدور الأذون له بمراقبة القضاة وتسجيل الأحاديث التليفونية المرسلة منهم أو الواردة إليهم رغم عدم اختصاصه بالقيام بهذا الإجراء يكون كل ذلك قد تم في غير سياج من الشرعية الدستورية والإجرائية ومن ثم بطلت جميع الإجراءات التي اتخذها في الدعوى حيال القضاة وبطلت أذون المراقبة والتسجيل الصادرة له وما أسفر عنه تنفيذ تلك الأذون أيضا الدليل المستمد منها وعدم سماع شهادة من قام بهذا الإجراء الباطل إذ أن معلوماته استقيت من إجراءات مخالفة للقانون وأنه وأن كان علي الأجهزة الرقابية محاربة الفساد والانحراف بالوظيفة العامة إلا أنه يتعين عليها ألا تغتصب اختصاصًا ليس مقررًا لها في القانون. لما كان ما تقدم، وكانت هذه المحكمة محكمة النقض قد خلصت إلى بطلان أذون التفتيش، إلا أن هذا البطلان لا يستطيل إلى إجراءات التحقيق اللاحقة عليه إذ ثبت لقاضى الموضوع أنها منقطعة الصلة بذلك الإجراء الباطل، ولما كانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه لا يوجد بها دليل سوى الدليل المستمد من الإجراء الباطل بالنسبة للطاعن الثالث بعد أن أنكر بالتحقيقات وبجلسات المحاكمة ما أسند إليه فإنه يتعين الحكم ببراءته عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، بينما أورد الحكم في مدوناته أدلة أخرى لاحقة بالنسبة للطاعنين الأول..... والثاني..... فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بالنسبة لهما كي تقوم محكمة الموضوع بالفصل فيما إذا كانت هذه الأدلة اللاحقة متصلة بالإجراء الباطل ومتفرعة عنه أم أنها منقطعة الصلة بذلك الإجراء الباطل، لما كان ذلك، وكان الدفع المبدى ببطلان أذون التفتيش الصادرة في الدعوى هو دفاع عيني لتعلقه بمشروعية الدليل في الدعوى وجودًا وعدمًا ولا بأشخاص مرتكبيها ويترتب عليه استفادة باقي الطاعنين والذين لم يبدوا هذا الدفع منه بطريق اللزوم والتبعية وذلك بالنظر إلى وحدة الواقعة والأثر العيني للدفاع المشار إليه وكذلك قوة الأثر القانوني للارتباط بين المتهمين في الجريمة، ومفاد ما تقدم استفادة الطاعن الرابع.... من هذا الدافع وإعمال أثره بالنسبة له رغم عدم إبدائه هذا الدفع، وكانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه لا يوجد بها دليل قبل هذا الطاعن سوى الدليل المستمد من الإجراء الباطل بعد أن أنكر ما أسند إليه بالتحقيقات وبجلسات المحاكمة فإنه يتعين الحكم ببراءته عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 وذلك دون حاجة إلى بحث أوجه طعنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق