جلسة 10 من فبراير سنة 2001
برئاسة السيد المستشار/
محمد ممتاز متولي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سعيد غرياني، محمد
برهام عجيز نائبي رئيس المحكمة، سعيد عبد الرحمن وعبد الصبور خلف الله.
------------
(1، (2 أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية".
المسائل المتعلقة بالمسلمين "طاعة: تطليق". استئناف. رسوم قضائية.
كفالة. نقض "إجراءات الطعن: مصروفات الطعن: الكفالة".
(1)دعوى اعتراض الزوجة على دعوة زوجها بالعودة إلى منزل الزوجية.
ماهيتها. من دعاوى الزوجية حال قيامها. القضاء بتطليق الزوجة من خلال دعوى
الاعتراض أو بدعوى مستقلة. أثره. عدم الاعتداد بإعلانها بالدخول في طاعته واعتباره
كأن لم تكن. علة ذلك.
(2)استئناف دعوى الطلاق ودعوى عدم الاعتداد بإنذار الطاعة. ضم محكمة
الاستئناف لهما باعتبار أن الطلب في أولهما الوجه الآخر للاستئناف الثاني ويعتبر
دفاعاً فيه. تضمين صحيفة الطعن طعناً على الحكمين. تحصيل المحكمة رسماً واحداً
وكفالة واحدة عن الطعن بالنقض. لا عيب.
(3)أحوال شخصية "المسائل المتعلقة بالمسلمين: التطليق للضرر:
طاعة". دعوى الأحوال الشخصية "إجراءاتها: التحكيم".
انتهاء الحكم المطعون فيه
صحيحاً إلى تأييد الحكم الابتدائي بتطليق المطعون ضدها على الطاعن لما خلص إليه من
ثبوت الإضرار بها واستحالة العشرة بينهما وفقاً للمادة 6 من المرسوم بقانون رقم 25
لسنة 1929 المعدل بقانون 100 لسنة 1985. النعي عليه بعدم اتخاذ إجراءات التحكيم في
طلب تطليقها للضرر في دعوى الاعتراض. غير مقبول. علة ذلك.
(4)دعوى "الارتباط بين دعويين". محكمة الموضوع "سلطتها
في تقدير قيام الارتباط بين الدعاوى".
قاضي الموضوع. استقلاله
بتقدير الارتباط بين دعويين متى بنُي على أسباب سائغة.
(5)أ
حوال شخصية "المسائل
المتعلقة بالمسلمين: التطليق للضرر (معيار الضرر)". نقض. محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير عناصر الضرر".
التطليق للضرر. شرطه. م 6
من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929. المقصود بالضرر إيذاء الزوج زوجته بالقول أو
بالفعل إيذاءً لا يليق بمثلها بما تعتبر معه معاملته لها في العرف معاملة شاذة
تشكو منها ولا ترى الصبر عليها. معياره. شخصي لا مادي. استقلال محكمة الموضوع
بتقدير عناصره دون رقابة محكمة النقض. شرطه.
(9 - 6)أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية: الإثبات: البينة: شروط
قبولها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير دواعي الفرقة".
(6)قبول الشهادة على حقوق العباد. شرطه. موافقتها للدعوى سواء كانت
موافقة تامة أو تضمينية. كفاية الموافقة على المعنى سواء اتحدت الألفاظ أو تغايرت.
(7)ا لعداوة الدنيوية
المانعة من قبول الشهادة. المقصود بها. ليست كل خصومة تقع بين شخص وآخر في حق من
الحقوق. شرط إبطالها أن يشهد الشاهد على خصمه في واقعة يخاصمه فيها. اختلاق الطاعن
لخصومة لا أثر له في إبطال الشهادة.
(8)قبول شهادة القرابات بعضهم لبعض عدا شهادة الفرع لأصله والأصل لفرعه
وأحد الزوجين.
(9)قاضي الموضوع. له السلطة التامة في تقدير دواعي الفرقة بين الزوجين
والأدلة المقدمة في الدعوى وبحث دلالتها والموازنة بينها وترجيح ما يطمئن إليه.
شرطه. عدم التزامه بتتبع مناحي دفاع الخصوم والرد على كل قول أو حجة أثارها
استقلالاً ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني المسقط
لها.
(10)نقض "أسباب الطعن: الأسباب غير المقبولة: السبب الجديد".
مستند لم يسبق عرضه على
محكمة الموضوع. عدم جواز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
(11)أحوال شخصية "المسائل المتعلقة بالمسلمين: حق التأديب
الشرعي". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حق التأديب الشرعي".
حق التأديب الشرعي
بالضرب. عدم اللجوء إليه إلا بعد سلوك طريق الموعظة الحسنة والهجر في المضجع. وجوب
أن يتوقف عليه رجوع المرأة عن نشوزها. قاضي الموضوع له سلطة تقديره.
(12) نقض "أسباب الطعن: الأسباب غير المقبولة:
السبب الوارد على غير محل".
ورود النعي على الحكم
الابتدائي دون أن يصادف محلاً في قضاء الحكم المطعون فيه. أثره. عدم قبول النعي.
2 - إذ كان البين من الأوراق أن الاستئناف رقم.... يقوم على مجادلة الطاعن في الحكم الصادر ضده بتطليق المطعون ضدها عليه طلقة بائنة والاستئناف رقم..... يقوم على طلب المطعون ضدها عدم الاعتداد بإنذار الطاعة الموجَّه إليها وقد ضمت محكمة الاستئناف الاستئنافين باعتبار أن الطلب في أولهما الوجه الآخر للاستئناف الثاني ويعتبر دفاعاً فيه. لما كان ذلك وكان الطاعن قد ضمن صحيفة طعنه بالنقض طعناً في الحكمين المشار إليهما فلا على المحكمة إن هي حصلت رسماً واحداً وكفالة واحدة على الطعن.
3 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى صحيحاً إلى تأييد الحكم الابتدائي رقم.... فيما قضى به من تطليق المطعون ضدها على الطاعن لما خلص إليه من ثبوت الإضرار بها واستحالة العشرة بينهما وفقاً للمادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 فلا عليه إن لم يتخذ إجراءات التحكيم في طلب تطليقها للضرر في دعوى الاعتراض إذ أن المادة المشار إليها لا توجب اتخاذ إجراءات التحكيم في هذا الصدد.
4 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن تقدير قيام الارتباط بين دعويين مما يستقل به قاضي الموضوع متى بني على أسباب سائغة.
5 - النص في المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية يدل على أن الشارع أوجب لكي يحكم القاضي بالتطليق أن يكون الضرر أو الأذى واقعاً من الزوج دون الزوجة وأن تصبح العشرة بين الزوجين مستحيلة بين أمثالهما ويقصد بالضرر في هذا المجال إيذاء الزوج زوجته بالقول أو بالفعل إيذاءً لا يليق بمثلها بحيث تعتبر معاملة الزوج لزوجته في العرف معاملة شاذة ضارة تشكو منها ولا ترى الصبر عليها، ومعيار الضرر الذي لا يستطاع معه دوام العشرة ويجيز التطليق هو معيار شخصي لا مادي يختلف باختلاف البيئة والثقافة ومكانة المضرور في المجتمع، ومحكمة الموضوع تستقل بتقدير عناصر الضرر دون رقابة عليها من محكمة النقض ما دامت استدلت على ذلك بأدلة سائغة.
6 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه يشترط لقبول الشهادة على حقوق العباد أن تكون موافقة للدعوى، وأن الموافقة قد تكون تامة بأن يكون ما شهد به الشهود هو عين ما ادعاه المدعي، وقد تكون الموافقة ببعض ما ادعاه المدعي وتسمى موافقة تضمينية وهي تقبل اتفاقاً أو يأخذ القاضي بما شهد به الشهود باعتباره القدر الثابت من المدعي بالبينة، ولا تلزم الموافقة في اللفظ بل تكفي الموافقة في المعنى والمقصود سواء اتحدت الألفاظ أو تغايرت.
7 - لا تقبل شهادة من كان بينه وبين المشهود عليه عداوة دنيوية، إلا أن العداوة الدنيوية ليست هي كل خصومة تقع بين شخص وآخر في حق من الحقوق، بل إن إبطال الشهادة مشروط بأن يشهد الشاهد على خصمه في واقعة يخاصمه فيها، ولا يسوغ بداهة أن يخلق من يطعن على الشهادة لهذا السبب خصومة مُدعاة ليتخذ منها وسيلة لإبطالها.
8 - المقرر أن شهادة القرابات بعضهم لبعض مقبولة فيما عدا الفرع لأصله والأصل لفرعه وأحد الزوجين لصاحبه.
9 - لقاضي الموضوع السلطة التامة في تقدير دواعي الفرقة بين الزوجين والأدلة المقدمة في الدعوى وبحث دلالتها والموازنة بينها وترجيح ما يطمئن إليه واستخلاص ما يراه متفقاً مع واقع الحال في الدعوى دون رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض ما دام قد أقام قضاءه على أسباب سائغة لها أصلها الثابت من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها، ولا عليه من بعد أن يتتبع الخصوم في كافة مناحي دفاعهم ويرد استقلالاً على كل قول أو حُجة أثارها ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج.
10 - المقرر أنه لا يجوز التحدي أمام محكمة النقض بمستند لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع.
11 - حق التأديب الشرعي المعبر عنه بالضرب في الآية الكريمة "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" لا يلجأ إليه إلا بعد الموعظة الحسنة والهجر في المضجع باعتباره الوسيلة الثالثة والأخيرة للإصلاح ولا يباح إلا إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه، فهو منوط بالضرورة الأشد وأشبه بالحلال المكروه، وكان تقديره بهذه المثابة متروكاً لقاضي الموضوع.
12 - النعي غير مقبول لوروده على الحكم الابتدائي ولا يصادف محلاً في قضاء الحكم المطعون فيه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى
رقم.... لسنة..... كلي أحوال شخصية جنوب القاهرة على الطاعن بطلب الحكم بتطليقها
عليه طلقة بائنة، وقالت بياناً لها إنها زوجته ومدخولته وإذ دأب على التعدي عليها
بالسب والضرب مما سبب لها ضرراً لا يستطاع معه دوام العشرة بينهما فقد أقامت
الدعوى. كما أقامت الدعوى رقم.... لسنة..... كلي أحوال شخصية جنوب القاهرة على
الطاعن بطلب الحكم بعدم الاعتداد بإنذار الطاعة المعلن إليها بتاريخ 19/ 11/ 1994
واعتباره عديم الأثر، وقالت بياناً لها إنها زوجته ودعاها للدخول في طاعتها في
مسكن غير شرعي، وإذ كان غير أمين عليها نفساً ومالاً وتعدى عليها بالضرب وبدد
منقولاتها فقد أقامت الدعوى، ثم أضافت طلب التطليق أثناء تداول الدعوى بالجلسات.
أحالت المحكمة الدعوى الأولى إلى التحقيق، وبعد أن استمعت إلى شهود الطرفين، حكمت
فيها بتاريخ 20/ 3/ 1995 بتطليقها على الطاعن طلقة بائنة، وفي الثانية بتاريخ 19/
6/ 1995 برفض الاعتراض وفي موضوع الطلب العارض بعدم جواز إبدائه. استأنف الطاعن
الحكم الصادر في الدعوى الأولى بالاستئناف رقم.... لسنة..... ق القاهرة، كما
استأنفت المطعون ضدها الحكم الصادر في الدعوى الثانية بالاستئناف رقم....
لسنة..... ق القاهرة، ضمت المحكمة الاستئنافين ثم حكمت بتاريخ 26/ 12/ 1995 في
الاستئناف الأول برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وفي الاستئناف الثاني بإلغاء الحكم
المستأنف وعدم الاعتداد بإنذار الطاعة محل التداعي وعدم جواز نظر الطلب العارض.
طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت المطعون ضدها مذكرة دفعت فيها بعدم
قبول الطعن لأن الطاعن لم يسدد سوى رسم واحد احتياطياً برفض الطعن، وقدمت النيابة
مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت
جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع
المبدى من المطعون ضدها بعدم قبول الطعن أنه كان يتعين على الطاعن إيداع رسمين
كاملين وكفالتين لأن الطعن أقيم عن استئنافين - وإن ضما - لكنهما متغايران، وإذ
سدد الطاعن عنهما رسماً واحداً وكفالة واحدة فإن طعنه يكون غير مقبول.
وحيث إن هذا الدفع في غير
محله. ذلك أن دعوى اعتراض الزوجة على دعوة زوجها للعودة لمنزل الزوجية من دعاوى
الزوجية حال قيامها والقضاء بتطليق الزوجة من خلال دعوى الاعتراض أو بدعوى مستقلة
أثره عدم الاعتداد بإعلانها بالدخول في الطاعة واعتباره كأن لم يكن ذلك أنه لا
طاعة لمطلقة لمن طلقت منه، وكان البين من الأوراق أن الاستئناف رقم.... لسنة.....
ق القاهرة يقوم على مجادلة الطاعن في الحكم الصادر ضده بتطليق المطعون ضدها عليه
طلقة بائنة والاستئناف رقم.... لسنة..... ق القاهرة يقوم على طلب المطعون ضدها عدم
الاعتداد بإنذار الطاعة الموجه إليها وقد ضمت محكمة الاستئناف الاستئنافين باعتبار
أن الطلب في أولهما الوجه الآخر للاستئناف الثاني ويعتبر دفاعاً فيه. لما كان ذلك
وكان الطاعن قد ضمن صحيفة طعنه بالنقض طعناً في الحكمين المشار إليهما فلا على
المحكمة إن حصلت رسماً واحداً وكفالة واحدة على الطعن ومن ثم فإن الدفع يكون على
غير أساس.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على
سببين ينعى الطاعن بالوجه الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي
بيان ذلك يقول إن الحكم خالف نص المادة 11 مكرر ثانياً التي توجب اتخاذ إجراءات
التحكيم الموضحة في المادة من 7 إلى 11 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل
بقانون رقم 100 لسنة 1985 إذ أن كلاً من الدعويين المستأنف حكمهما كانت منظورة على
حدة أمام محكمة أول درجة ولم يتم ضمهما إلا أمام محكمة الاستئناف مما كان يتعين
على المحكمة اتخاذ إجراءات التحكيم قبل الفصل في موضوعهما معاً إعمالاً للأثر
الناقل للاستئناف وفقاً للمادة 232 مرافعات.
وحيث إن هذا النعي في غير
محله ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى صحيحاً إلى تأييد الحكم
الابتدائي رقم.... لسنة...... كلي أحوال شخصية جنوب القاهرة فيما قضى به من تطليق
المطعون ضدها على الطاعن لما خلص إليه من ثبوت الإضرار بها واستحالة العشرة بينهما
وفقاً للمادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100
لسنة 1985 فلا عليه إن لم يتخذ إجراءات التحكيم في طلب تطليقها للضرر في دعوى
الاعتراض إذ أن المادة المشار إليها لا توجب اتخاذ إجراءات التحكيم في هذا الصدد
ومن ثم فإن النعي يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي
بيان ذلك يقول أن الحكم خالف نص المادة 122 من قانون المرافعات إذ ضم الاستئناف
رقم.... لسنة....... ق إلى الاستئناف رقم..... لسنة..... ق مع اختلافهما موضوعاً
وسبباً.
وحيث إن هذا النعي في غير
محله ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن تقدير قيام الارتباط بين دعويين
مما يستقل به قاضي الموضوع متى بني على أسباب سائغة.
لما كان ذلك وكان الثابت
من الأوراق أن الاستئناف رقم.... لسنة....... ق القاهرة مقام من الطاعن طعناً على
الحكم الابتدائي القاضي بتطليق المطعون ضدها والاستئناف رقم.... لسنة....... ق
القاهرة مقام من المطعون ضدها طعناً على الحكم الابتدائي فيما قضى به من الاعتراض
على إنذار الطاعة الموجه إليها من الطاعن، ومن ثم يكون الاستئنافان مرتبطين إذ
الفصل في الدعوى الثانية يتوقف على نتيجة الفصل في الدعوى الأولى، وبالتالي فإن ضم
الاستئنافين لبعضهما والقضاء فيهما بحكم واحد قد جاء في حدود ما لمحكمة الموضوع من
سلطة في تقدير الارتباط، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي عليه في
هذا الصدد يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالوجه الثالث من السبب الأول في بنوده الأول والثاني والثالث والرابع والسابع
والثامن والتاسع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب
والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في مذكرته المقدمة بجلسة 20/ 2/
1995 بأن شهادة شهود المطعون ضدها غير صحيحة ومتناقضة وغير موافقة للدعوى، كما وأن
الشاهد الأول شقيق لها مما يدعوه إلى الميل نحوها في شهادته وتوجد بينهما عداوة،
كما خلت أقوال الشاهدتين الثانية والثالثة مما يفيد استحالة العشرة بين الزوجين،
ورغم ذلك عوَّل الحكم في قضائه بتطليق المطعون ضدها على الطاعن طلقة بائنة على هذه
الشهادة التي استخلص منها أن الطاعن أساء معاملتها، وتعدى عليها بالسب والضرب الذي
أصابها بضرر لا يستطاع معه دوام العشرة بينهما، وأطرح أقوال شاهديه على سند من
أنها مرسلة بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود
ذلك أن النص في المادة السادسة من المرسوم بقانون 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال
الشخصية على أنه "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام
العشرة بين أمثالها يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق وحينئذ يطلقها القاضي طلقة
بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما..." يدل على أن الشارع أوجب لكي
يحكم القاضي بالتطليق أن يكون الضرر أو الأذى واقعاً من الزوج دون الزوجة وأن تصبح
العشرة بين الزوجين مستحيلة بين أمثالهما ويقصد بالضرر في هذا المجال إيذاء الزوج
زوجته بالقول أو بالفعل إيذاءً لا يليق بمثلها بحيث تعتبر معاملة الزوج لزوجته في
العرف معاملة شاذة ضارة تشكو منها المرأة ولا ترى الصبر عليها، ومعيار الضرر الذي
لا يستطاع معه دوام العشرة ويجيز التطليق هو معيار شخصي لا مادي يختلف باختلاف
البيئة والثقافة ومكانة المضرور في المجتمع، ومحكمة الموضوع تستقل بتقدير عناصر
الضرر دون رقابة عليها من محكمة النقض ما دامت استدلت على ذلك بأدلة سائغة، كما
أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه يشترط لقبول الشهادة على حقوق العباد
أن تكون موافقة للدعوى، وأن الموافقة قد تكون تامة بأن يكون ما شهد به الشهود هو
عين ما ادعاه المدعي، وقد تكون الموافقة ببعض ما ادعاه المدعي وتسمى موافقة
تضمينية وهي تقبل اتفاقاً أو يأخذ القاضي بما شهد به الشهود باعتباره القدر الثابت
من المدعي بالبينة، ولا تلزم الموافقة في اللفظ بل تكفي الموافقة في المعنى
والمقصود سواء اتحدت الألفاظ أو تغايرت، كما أنه لا تقبل شهادة من كان بينه وبين
المشهود عليه عداوة دنيوية، إلا أن العداوة الدنيوية ليست هي كل خصومة تقع بين شخص
وآخر في حق من الحقوق، بل إن إبطال الشهادة مشروط بأن يشهد الشاهد على خصمه في
واقعة يخاصمه فيها، ولا يسوغ بداهة أن يخلق من يطعن على شهادة لهذا السبب خصومة
مُدعاة ليتخذ منها وسيلة لإبطالها، وبأن شهادة القرابات بعضهم لبعض مقبولة فيما
عدا الفرع لأصله والأصل لفرعه وأحد الزوجين لصاحبه، وأن لقاضي الموضوع السلطة
التامة في تقدير دواعي الفرقة بين الزوجين والأدلة المقدمة في الدعوى وبحث دلالتها
والموازنة بينها وترجيح ما يطمئن إليه واستخلاص ما يراه متفقاً مع واقع الحال في
الدعوى دون رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض ما دام قد أقام قضاءه على أسباب
سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها،
ولا عليه من بعد أن يتتبع الخصوم في كافة مناحي دفاعهم ويرد استقلالاً على كل قول
أو حُجة أثارها ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني
المسقط لتلك الأقوال والحجج.
لما كان ذلك وكان الحكم
الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام قضائه بتطليق المطعون ضدها طلقة
بائنة على ما استخلصه من أقوال شهودها بأنه أساء معاملتها وتعدى عليها بالسب
والضرب الذي أصابها بضرر يستحيل معه دوام العشرة بينهما، وكانت هذه الشهادة مقبولة
شرعاً لأن الشهود ليسوا من أصولها أو فروعها، كما أن الطاعن لم يقدم دليلاً على
عدم عدالة الشاهد الأول وعدم صدقه فيما شهد به عليه، وأن ما شهد به لا يرقى إلى حد
العداوة المانعة من قبول شهادته، كما أن أقوال الشاهدتين الثانية والثالثة جاءت
واضحة الدلالة وانصبت على وقائع الخلاف بين الطرفين بالذات وإن لم تُصرحا بذكر اسم
الطاعن أو نسبه مما يكفي للتعريف به وتعيينه تعييناً نافياً لأية جهالة، ومن ثم
فإن أقوال الشهود جميعهم تكشف عن عملهم بالمشهود به وتتوافر فيها شروط صحة الشهادة
لأنها كانت على مرأى ومسمع منهم وبذلك تكون واردة على الدعوى ومؤدية إلى الحقيقة
التي استخلصتها المحكمة وهي إيقاع الطاعن الأذى بالمطعون ضدها بالقول والفعل مما
تنفر منه ولا ترى الصبر عليه ويتوفر به ركن الضرر المبيح للتطليق، ومن ثم فإن
الحكم المطعون فيه إذ اطمأن لهذه الشهادة وعوّل عليها في قضائه فإنه يكون قد
استعمل سلطته التقديرية في تقدير أقوال الشهود، ولا يعيبه من بعد إن هو أطرح أقوال
شاهدي الطاعن ولم يُعول عليها، والنعي في جملته لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة
الموضوع من سلطة تقدير الأدلة وهو مالا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالبند الخامس من الوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في
التسبيب في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إنه لما كانت المطعون ضدها قد أقرت في
دعوى النفقة رقم..... لسنة...... التي أقامتها عليه بأنه تركها وأولادها بدون نفقة
من أول يناير 1993 مما يدل على أن واقعة الضرب والسب التي استندت إليها في الدعوى
الماثلة قد حدثت في هذا التاريخ، وإذ أقامت دعواها بالتطليق بعد مرور سنة وتسعة
أشهر من تاريخ التعدي فإن ذلك يدل على عدم صحة ادعائها في هذا الخصوص وهو ما يعيب
الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير
مقبول ذلك أنه - من المقرر - أنه لا يجوز التحدي أمام محكمة النقض بمستند لم يسبق
عرضه على محكمة الموضوع. وإذ كان البين من الأوراق أن صحيفة دعوى النفقة المشار
إليها والمودعة من الطاعن بملف الطعن لم يسبق تقديمها لمحكمة الموضوع ومن ثم فلا
يقبل التحدي بهذا المستند لأول مر ة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالبند السادس من الوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في
تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إنه لما كان للزوج الحق في تأديب زوجته وأن الضرر
لا يصبح محققاً إلا إذا تجاوز الزوج هذا الحق وكانت المطعون ضدها لم تقدم دليلاً
على ذلك بما ينفي وقوع الضرر في حقها وإذ قضى الحكم رغم ذلك بالتطليق فإنه يكون معيباً
بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود
ذلك أن حق التأديب الشرعي المعبر عنه بالضرب في الآية الكريمة "واللاتي
تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن
سبيلا" لا يلجأ إليه إلا بعد الموعظة الحسنة والهجر في المضجع باعتباره
الوسيلة الثالثة والأخيرة للإصلاح ولا يباح إلا إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن
نشوزها يتوقف عليه، فهو منوط بالضرورة الأشد وأشبه بالحلال المكروه، وكان تقديره
بهذه المثابة متروكاً لقاضي الموضوع، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى تطليق
المطعون ضدها على الطاعن أخذاً بأقوال شهودها من تعديه عليها بالضرب والسب فإن ذلك
يفيد أنه ارتأى ضمناً تجاوز الطاعن لحق التأديب الشرعي بمراعاة البيئة التي ينتمي
إليها الخصمان المتداعيان، ومن ثم فلا سلطان عليه في ذلك طالما كان استخلاصه -
وعلى نحو ما سلف بيانه - سائغاً ويكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالبند العاشر من الوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في
التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن الحكم الابتدائي لم يرد على الأدلة القانونية
والواقعية التي تضمنتها مذكرته المقدمة بجلسة 20/ 2/ 1995 وهو ما يعيبه ويستوجب
نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير
مقبول لوروده على الحكم الابتدائي ولا يصادف محلاً في قضاء الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقول إن
محكمة الاستئناف لم تمكنه من الاطلاع على المذكرة المقدمة من المطعون ضدها بجلسة
1/ 11/ 1995 والرد عليها بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث هذا النعي غير صحيح
ذلك أن البين من الأوراق أن الطاعن لم يطلب من المحكمة أجلاً للاطلاع على المذكرة
المشار إليها ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.
لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق