جلسة
7 من مايو سنة 2002
برئاسة السيد المستشار/ صلاح عطية نائب رئيس
المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ طه سيد قاسم، سلامة أحمد عبد المجيد، فؤاد حسن
ومحمد سامي إبراهيم نواب رئيس المحكمة.
------------------
(121)
الطعن 29890
لسنة 63 القضائية
(1)حكم "بيانات التسبيب".
عدم رسم القانون
شكلاً معينًا لصياغة الحكم كفاية أن يكون ما أورده مؤديًا إلى تفهم الواقعة بأركانها
وظروفها.
(2)تزوير "أوراق رسمية" ضرر. نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التزوير في
المحررات إذا كان ظاهر بحيث لا يمكن أن ينخدع به أحد لا عقاب عليه لانعدام الضرر.
إثارة ذلك أمام محكمة النقض لأول مرة. غير جائز. علة ذلك؟
(3)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل".
الأصل في المحاكمات
الجنائية. اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه. له أن يكون عقيدته من أي
دليل أو قرينة يرتاح إليها. ما لم يقيده القانون بدليل معين.
(4)تزوير إثبات. "بوجه عام".
جرائم التزوير لم
يجعل القانون لإثباتها طريقًا خاصًا.
(5)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل".
تساند الأدلة في المواد
الجنائية. مؤداه؟
الجدل الموضوعي في تقدير
أدلة الدعوى غير جائز أمام النقض.
(6)تزوير "أوراق رسمية". سرقة: قصد جنائي.
حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائي في جرائم
التزوير والسرقة. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ
للرد على الدفع بانتفاء القصد الجنائي لدى الطاعن في جريمة الاشتراك في تزوير محرر
رسمي والسرقة.
(7)محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص
الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات "بوجه عام". حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في استخلاص
الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها سواء من الأدلة المباشرة
أو بالاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام سائغًا.
الجدل الموضوعي.
غير جائز أمام محكمة النقض.
(8)تزوير "أوراق رسمية" اشتراك.
إثبات "بوجه عام".
الاشتراك في التزوير.
التدليل عليه بأدلة مادية محسوسة غير لازم. كفاية استخلاصه من ظروف الدعوى
وملابساتها.
(9)إثبات "شهود". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تناقض أقوال
الشهود. لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا
تناقض فيه.
(10)دفوع "الدفع ببطلان القبض". حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان القبض
من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع إثارته لأول مرة أمام النقض. غير جائز. ما
لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته. علة ذلك؟
(11)دفوع "الدفع ببطلان التفتيش". حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان تفتيش
السيارة. موضوعي. أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع
عقيدتها. لا يقبل إثارته لأول مرة أمام النقض.
(12)حكم "ما لا يعيبه في نطاق
التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خطأ الحكم فيما لا
أثر له في منطقة ولا في النتيجة التي انتهى إليه. لا يعيبه.
(13)إجراءات "إجراءات التحقيق". دفاع
"الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها".
تعييب الإجراءات
السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحكم.
(14)ارتباط. عقوبة "تطبيقها". نقض.
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تبعية الجريمة ذات
العقوبة الأخف الجريمة ذات العقوبة الأشد. علة ذلك؟
------------------
1 - لما كان القانون لم يرسم شكلا خاصا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافيا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققا لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن منعى الطاعن بقالة قصور الحكم في التسبيب يكون غير سديد.2 - من المقرر أن التزوير في المحررات إذا كان ظاهرا بحيث لا يمكن أن ينخدع به أحد، فلا عقاب عليه لانعدام الضرر إلا أن إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، غير جائزة ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره، وإذ خلا محضر الجلسة والحكم من تمسك الطاعن بهذا الدفاع كما خلت مدونات الحكم مما يرشح لقيامه، فإنه لا يقبل منه أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام هذه المحكمة، لأن تمحيصه يتطلب تحقيقا تنحسر عنه وظيفتها.
3 - إن الأصل في المحاكمات هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
4 - من المقرر أن القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً.
5 - لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم في إدانته على أقوال شهود الإثبات أو تقرير قسم الأدلة الجنائية بالمعمل الجنائي، إذ أنه لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - لما كان القصد الجنائي في جرائم التزوير والسرقة من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بانتفاع القصد الجنائي لدى الطاعن ورد عليه بالقول "إن الثابت من مطالعة التحقيقات أن المتهم قد أقر باصطناع مفتاح للسيارة المضبوطة وتحصل عليها بهذه الوسيلة وأنها ظلت في حوزته لمدة عام كامل وأن الرخصة المزورة تخص سيارة أخرى لزميله في العمل هو الشاهد.... كانت قد فقدت منه تلك الرخصة إلى أن عثر عليها بتابلوه السيارة الأخرى المضبوطة بحوزة المتهم وشوهد كشط وتعديل بياناتها وتدوين بيانات أخرى تتفق وبيانات تلك السيارة التي كان المتهم قد حصل عليها مما يقطع باتفاقه مع آخر على إجراء هذا الكشط والتعديل بتلك الرخصة وتدون بيانات السيارة المضبوطة معه بدلا منها حتى لا يتعرض له أحد من رجال المرور طوال الفترة التي بقيت معه تلك السيارة، وهذا استخلاص وتحصيل تملكه المحكمة مما وقر في عقيدتها تحصيلا من ظروف الدعوى.
7 - لما كان من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحا ومباشرا في الدلالة على ما تستخلصه المحكمة منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليما لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ولما كان ما أورده الحكم - على نحو ما سلف بيانه - كاف وسائغ في التدليل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن، فإن ما يثيره في خصوص هذا القصد ينحل جدلا موضوعيا في سلطة المحكمة في تقدير الدليل، وفي حقها في استنباط معتقدها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، وهو ما لا يجوز فيه لدى محكمة النقض.
8 - الاشتراك في التزوير يتم غالبا دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم فإنه يكفي أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغا تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
9 - تناقض أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصا سائغا بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في هذه الدعوى - فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل.
10 - لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان القبض عليه على النحو الوارد بوجه النعي وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما دامت مدونات الحكم لا تحمل مقوماته لأنه يقتضي تحقيقا تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة فإنه لا يقبل منه طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض لأنه في حقيقته دفع موضوعي أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى.
11 - لما كان ذلك وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة - وهو ما لا يماري فيه الطاعن - أنه لم يثر أمام محكمة الموضوع شيئا مما يدعيه من بطلان تفتيش السيارة لتجاوز من أجراه حدود الأمر الصادر من النيابة وللالتجاء إليه دون تحقق دواعيه فإنه لا يقبل منه طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض لأنه في حقيقته دفع موضوعي أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى.
12 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطقة، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره - بفرض صحته - عن خطأ الحكم فيما نقله عن تقرير الأدلة الجنائية من وجود كشط بيانات جديدة تتفق وبيانات السيارة المضبوطة مع الطاعن، ما دام أن ما أورده الحكم من ذلك لم يكن له أثر في منطقة ولا في النتيجة التي انتهى إليها.
13 - لما كان ما يثيره الطاعن من نعي بشأن عدم تنفيذ قرار النيابة بطلب تحريات الشرطة عن الواقعة لا يعدو أن يكون تعييبا للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحكمة مما لا يصح أن يكون سببا للطعن على الحكم.
14 - من المقرر أن تتبع الجريمة ذات العقوبة الأخف الجريمة ذات العقوبة الأشد المرتبطة هي بها وذلك بحسبان أن عقوبة الجريمة الأشد هي الواجبة التطبيق على الجريمتين وفقا للمادة 32 من قانون العقوبات - بما مؤداه أن طلب الإحالة للارتباط يجب أن يبدي أمام المحكمة التي تنظر الجريمة ذات العقوبة الأخف بطلب إحالتها إلى المحكمة التي تنظر الجريمة الأخرى - وليس العكس - وإذ كان قد صدر حكم بات في الأخيرة أمكن الدفع بموجبه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، أما إذا صدر حكم بات في الأولى فإنه يمكن التمسك به لاستنزال مدة العقوبة من العقوبة التي سوف يحكم بها في الثانية - فإذا كان الطاعن - على ما يبين من محضر جلسة المحكمة أنه لم يتمسك بشيء من ذلك، وكان لا مجال للبت في الارتباط الذي يترتب عليه تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات إلا في حالة اتصال محكمة الموضوع بالدعوى الأخرى المطروحة أمامها مع الدعوة المنظورة المثار فيها الارتباط وهو ما تخلف توافره في الدعوى المطروحة ولا يقبل من الطاعن أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق موضوعي لا يصح أن يطالب محكمة النقض بإجرائه - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير سديد.
------------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن أولا: وهو ليس من أرباب الوظائف العمومية اشترك مع مجهول بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في محررين رسميين هما رخصة تسيير السيارة رقم.... ملاكي العاشر والتصريح المؤقت للسيارة رقم.... ملاكي العاشر بأن اتفق معه على تغيير بياناتها وساعده بأن أمل عليه بيانات السيارة رقم..... ملاكي العاشر بدلا منها فقام المجهول بتدوين تلك البيانات بها فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة ثانيا: سرق رخص القيادة سالفة الذكر والمملوكة لـ.... و..... على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالته إلى محكمة جنايات الزقازيق لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 40/ ثانيا، ثالثا، 21، 211، 212، 318 من قانون العقوبات والمادتين 32, 17 من ذات القانون بمعاقبته.... فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.
------------------------
المحكمة
من حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الاشتراك في تزوير محررين رسميين والسرقة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه لم يستظهر أركان جرائم الاشتراك في التزوير والسرقة وبيانات رخصة التسيير وتصريح المرور التي جرى تعديلها كما أن التزوير وقع مفضوحاً وبطريقة ظاهرة لا ينخدع بها أحد وعول في قضائه على أقوال شهود الإثبات وهي لا تنهض دليلاً على حصول التزوير لما ثبت من تقرير قسم الأدلة الجنائية بالمعمل الجنائي من أن الطاعن لم يحرر بخط يده بيانات المحررين المزورين وتعذر إجراء المضاهاة على البيانات الصحيحة، والتفت عن دفاع الطاعن بانتفاء القصد الجنائي لديه، ودانه بالاشتراك في التزوير رغم عدم وجود دليل عليه، واستند في قضائه بالإدانة على أقوال الشهود رغم ما شابها من تناقض فيما بينها، فضلاً عن بطلان القبض على الطاعن لعدم صدور إذن من النيابة العامة ولأن الجريمة لم يكن متلبساً بها وبطلان تفتيش السيارة لتجاوز من أجراه حدود الأمر الصادر من النيابة والالتجاء إليه دون تحقيق دواعيه، كما أثبت الحكم نقلاً عن تقرير الأدلة الجنائية وجود كشط للبيانات الصحيحة في المحررين حالة أن الثابت به حصول تعديل وإعادة كتابة بيانات جديدة تتفق وبيانات السيارة المضبوطة مع الطاعن ولم ينفذ قرار النيابة بطلب تحريات الشرطة عن الواقعة وأخيراً فإن هناك ارتباط بين هذه الدعوى والجنحة رقم 27 لسنة 1992 العاشر من رمضان والتي قضي فيها نهائياً بإدانة الطاعن عن تهمة سرقة السيارة مما كان يتعين اعتبارها جميعاً جريمة واحدة والقضاء فيها بعقوبة واحدة بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه. ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن منعى الطاعن بقالة قصور الحكم في التسبيب يكون غير سديد. لما كان ذلك، ولئن كان من المقرر أن التزوير في المحررات إذا كان ظاهراً بحيث لا يمكن أن ينخدع به أحد، فلا عقاب عليه لانعدام الضرر إلا أن إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، غير جائزة ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره، وإذ خلا محضر الجلسة والحكم من تمسك الطاعن بهذا الدفاع كما خلت مدونات الحكم مما يرشح لقيامه، فإنه لا يقبل منه أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام هذه المحكمة، لأن تمحيصه يتطلب تحقيقاً تنحسر عنه وظيفتها. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه. ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً. وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة. فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم في إدانته على أقوال شهود الإثبات أو تقرير قسم الأدلة الجنائية بالمعمل الجنائي، إذ أنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جرائم التزوير والسرقة من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بانتفاء القصد الجنائي لدى الطاعن ورد عليه بالقول "إن الثابت من مطالعة التحقيقات أن المتهم قد أقر باصطناع مفتاح للسيارة المضبوطة وتحصل عليها بهذه الوسيلة وأنها ظلت في حوزته لمدة عام كامل وأن الرخصة المزورة تخص سيارة أخرى لزميله في العمل هو الشاهد. كانت قد فقدت منه تلك الرخصة إلى أن عثر عليها بتابلوه السيارة الأخرى المضبوطة بحوزة المتهم وشوهد كشط وتعديل بياناتها وتدوين بيانات أخرى تتفق وبيانات تلك السيارة التي كان المتهم قد حصل عليها مما يقطع باتفاقه مع آخر على إجراء هذا الكشط والتعديل بتلك الرخصة وتدوين بيانات السيارة المضبوطة معه بدلاً منها حتى لا يتعرض له أحد من رجال المرور طوال الفترة التي بقيت معه تلك السيارة، وهذا استخلاص وتحصيل تملكه المحكمة مما وقر في عقيدتها تحصيلاً من ظروف الدعوى وملابساتها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه المحكمة منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية مادام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ولما كان ما أورده الحكم - على نحو ما سلف بيانه - كاف وسائغ في التدليل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن، فإن ما يثيره في خصوص هذا القصد ينحل جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في تقدير الدليل، وفي حقها في استنباط معتقدها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، وهو ما لا يجوز فيه لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الاشتراك في التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم فإنه يكفي أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان تناقض أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم مادام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في هذه الدعوى - فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان القبض عليه على النحو الوارد بوجه النعي وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض مادامت مدونات الحكم لا تحمله لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة فإنه لا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة - وهو ما لا يماري فيه الطاعن - أنه لم يثر أمام محكمة الموضوع شيئاً مما يدعيه من بطلان تفتيش السيارة لتجاوز من أجراه حدود الأمر الصادر من النيابة والالتجاء إليه دون تحقيق دواعيه، فإنه لا يقبل من طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض لأنه في حقيقته دفع موضوعي أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطقه، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره - بفرض صحته - عن خطأ الحكم فيما نقله عن تقرير الأدلة الجنائية من وجود كشط بيانات جديدة تتفق وبيانات السيارة المضبوطة مع الطاعن، مادام أن ما أورده الحكم من ذلك لم يكن له أثره في منطقه ولا في النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن ما يثيره الطاعن من نعي بشأن عدم تنفيذ قرار النيابة بطلب تحريات الشرطة عن الواقعة لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تتبع الجريمة ذات العقوبة الأخف الجريمة ذات العقوبة الأشد المرتبطة هي بها وذلك بحسبان أن عقوبة الجريمة الأشد هي الواجبة التطبيق على الجريمتين وفقاً للمادة 32 من قانون العقوبات - بما مؤداه أن طلب الإحالة للارتباط يجب أن يبدى أمام المحكمة التي تنظر الجريمة ذات العقوبة الأخف بطلب إحالتها إلى المحكمة التي تنظر الجريمة الأخرى - وليس العكس - وإذ كان قد صدر حكم بات في الأخيرة أمكن الدفع بموجبه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، أما إذا صدر حكم بات في الأولى فإنه يمكن التمسك به لاستنزال مدة العقوبة من العقوبة التي سوف يحكم بها في الثانية - فإذا كان الطاعن - على ما يبين من محضر جلسة المحاكمة أنه لم يتمسك بشي من ذلك، وكان لا مجال للبت في الارتباط الذي يترتب عليه تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات إلا في حالة اتصال محكمة الموضوع بالدعوى الأخرى المطروحة أمامها مع الدعوى المنظورة المثار فيها الارتباط وهو ما تخلف عن توافره في الدعوى المطروحة ولا يقبل من الطاعن أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق موضوعي لا يصح أن يطالب محكمة النقض بإجرائه - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق