الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 1 ديسمبر 2023

الطعن 1941 لسنة 6 ق جلسة 20 / 12 / 1964 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 28 ص 256

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الفتاح نصار وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

-----------------

(28)

القضية رقم 1941 لسنة 6 القضائية

بلدية الإسكندرية - ميزانية 

- درجات العمال - لم تشتمل ميزانية عام 1957/ 1958 على بيان الوظائف المتنوعة في تسلسل هرمي بالنسبة لكل نوع منها - اشتملت فقط على بيان بعدد مختلف الدرجات المالية في تسلسل تصاعدي دون تخصيص وظائف معينة بذاتها - بيان ذلك.

----------------
بالرجوع إلى ميزانية بلدية الإسكندرية لعام 1957/ 1958 يبين أنها اشتملت على حصر عمال اليومية بالقسم 2 الخاص بالإدارات الهندسية (ص 44) فبينت عددهم ووظائفهم في كل درجة من درجات كادر العمال كما أوضحت متوسط مربوط هذه الدرجات وظاهر من هذا البيان أنه في حين لم تشتمل الدرجة 300/ 500 مليم على أي وظيفة لملاحظ فقد ورد بالدرجة 360/ 700 مليم عدد 4 وظائف لملاحظين، ثم جاءت الدرجة 360/ 800 مليم خالية من وظائف الملاحظين، وفي الدرجة 400/ 900 مليم أدرجت وظيفة واحدة لملاحظ بناء. وفي ذات الوقت فإن الواضح من البيان الوارد في هذا الباب من الميزانية بالنسبة لسائر درجات كادر العمال أن تلك الدرجات على اختلاف أنواعها لم تشتمل على بيان الوظائف المتنوعة في تسلسل هرمي بالنسبة لكل نوع منها إذ بينما أدرج فيما يتعلق بالبنائين في الدرجة 300/ 500 مليم عدد 3 بناء فقد تضمنت الدرجة 360/ 700 مليم عدد 6 والدرجة 360/ 800 مليم عدد 10 وبعد ذلك خلت الدرجة 400/ 900 مليم منهم، وهذا الوضع بعينه قائم في وظائف سائقي السيارات إذ بينما أدرج في الدرجة 300/ 500 مليم عدد 164 درجة لهم ووردت الدرجة 360/ 700 منطوية على سائق فقط والدرجة 360/ 800 على 37 سائق والدرجة 400/ 900 على سائقين، وهكذا بالنسبة للميكانيكيين وغيرهم. وورود الميزانية على هذا النحو واضح الدلالة في أنها لم تشتمل سوى على مجرد بيان بعدد مختلف الدرجات المالية في تسلسل تصاعدي دون أن تشتمل على تخصيص لوظائف معينة بذاتها لدرجاتها ذاتية مستقلة بل التخصيص الوارد بها إنما هو تخصيص عام لعدد من الوظائف غير المتميزة التي ليس لها كيان عن باقي الوظائف بحيث تقتصر دلالة التخصيص على مجرد تحديد عدد الدرجات التي يشغلها العمال القائمون بكل فرع من فروع العمل.


إجراءات الطعن

بتاريخ 11 يوليو سنة 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 12/ 5/ 1960 في الدعوى رقم 264 لسنة 6 القضائية المرفوعة من السيد/ محمد عبد المنعم ياقوت الدره ضد بلدية الإسكندرية القاضي "بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة صانع ممتاز من الفئة 360/ 800 اعتباراً من 9/ 3/ 1958 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وألزمت الإدارة بالمصروفات" وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن إلى المدعي في 18/ 1/ 1961، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/ 6/ 1962، وأخطرت الحكومة والمدعي في 6/ 6/ 1962 بميعاد هذه الجلسة. ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 3/ 11/ 1963 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحاضر، قررت إصدار الحكم في أول مارس سنة 1964، ثم أعيدت الدعوى للمرافعة لجلسة 29 مارس سنة 1964 لضم مذكرة الإدارة العامة المؤرخة 24/ 12/ 1957 وموافقة مراقبة الطرق بالبلدية المشار إليهما بديباجة القرار المطعون فيه ولمناقشة المختصين بالبلدية في طبيعة الوظيفة الموكولة للمدعي في درجة ملاحظ طرق، وبعد استيفاء كافة البيانات والأوراق كالثابت بمحاضر الجلسات التالية، أرجئ النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه - بطريق المعافاة - طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير عام الإدارات الهندسية في 17/ 7/ 1958 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى درجة صانع ممتاز فئة 360/ 800 مليم واستحقاقه لهذه الدرجة اعتباراً من تاريخ نفاذ القرار المذكور وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية مع إلزام الإدارة بالمصروفات. وقال في بيان ذلك إن الأقسام الهندسية بالبلدية قامت في 9/ 6/ 1958 بترقية أحد عشر صانعاً من زملائه إلى درجة الدقة الممتازة فئة 360/ 800 مليم دونه في حين أنه أقدم في درجة دقيق ممتاز 360/ 700 مليم منهم جميعاً لأن حالته سويت تنفيذاً للحكم السابق صدوره في الدعوى رقم 219 لسنة 3 القضائية باعتباره في درجة صانع دقيق ممتاز فئة 360/ 700 من تاريخ دخوله الخدمة في 10/ 11/ 1926. أما اعتراض البلدية على ترقيته في القرار المطعون فيه استناداً إلى أن الوظائف التي تمت الترقية إليها مخصصة لبناء وسائق وهراس وبلاط وميكانيكي وهي وظائف أخرى غير وظيفته فمردود حيث يعمل المدعي في وظيفة رئاسية لهذه الوظائف جميعاً ما دام أنه يعمل ملاحظاً للطرق ويرأس جميع المطعون ضدهم.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدعي عين في وظيفة خارج الهيئة بالدرجة 4 - 6 جنيهاً ببدايتها وذلك بتاريخ 10/ 11/ 1926، ثم وضع في الدرجة 4 - 5 في 1/ 2/ 1936 ورقي إلى الدرجة 5 - 6 جنيهاً بصفة شخصية في 1/ 7/ 1943، ثم طبق عليه كادر العمال وتدرج أجره بالعلاوات فوصل إلى 11 جنيه و875 مليماً في 1/ 5/ 1945 وزيد إلى 12 جنيه و750 مليماً في 14/ 2/ 1952. وبعد رد الـ 12% وقد طلب المدعي تحويله إلى سلك اليومية، وبناء على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية في الدعوى 219 لسنة 3 القضائية الصادر بجلسة 18/ 12/ 1956 أجيب إلى طلبه ونقل إلى وظيفة ملاحظ طرق المخصص لها الدرجة 300/ 500 مليم وسويت حالته في درجة صانع دقيق طبقاً لأحكام كادر العمال وتدرج أجره فوصل إلى 660 مليماً في 1/ 7/ 1957 - وأما عن حركة الترقيات المطعون فيها فإن البلدية قد رقت المطعون ضدهم إلى الوظائف التي يشغلونها فعلاً الواردة في الميزانية مخصصة لبناء وسائق وبلاط وميكانيكي، ولما كانت وظيفة المدعي وهي ملاحظ طرق ليست من بين هذه الوظائف لذلك فإنه لا يمكن ترقيته إلى إحداها كما لم توجد وظيفة ملاحظ طرق من الفئة 360/ 800 مليم حتى يمكن ترقية المدعى عليها.
وبجلسة 12/ 5/ 1960 قضت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى درجة صانع ممتاز من الفئة 360/ 800 مليم اعتباراً من 9/ 3/ 1958 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وألزمت الإدارة بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي على أساس التسوية التي أجريت له تنفيذاً للحكم الصادر لصالحه في الدعوى رقم 219 لسنة 3 ق باستحقاقه للنقل إلى سلك اليومية وذلك بإرجاع أقدميته في درجة صانع دقيق فرضاً إلى تاريخ تعيينه في الخدمة في وظيفة ملاحظ طرق بتاريخ 10/ 11/ 1926 المخصص لها الدرجة 300/ 500 مليم ثم يوضع في الدرجة 360/ 700 مليم التي حصل عليها بالتطبيق لأحكام كادر العمال بصفة شخصية فإن المدعي بذلك أضحى يسبق في أقدميته في درجة صانع دقيق خمسة من زملائه المرقين بالقرار المطعون فيه حيث ترجع أقدمية أولهم إلى 4/ 6/ 1927. كما أنه يسبقهم أيضاً في درجة دقيق ممتاز فئة 360/ 700 مليم التي رقوا إليها على سبيل التسوية بعد ست سنوات من حصولهم على درجة صانع دقيق في تاريخ سابق على 1/ 5/ 1945. ومتى كان الثابت أن البلدية قد أجرت حركة الترقيات المطعون فيها بالأقدمية المطلقة وتركت المدعي بمقولة إنها راعت في الترقية إلى درجة صانع ممتاز فئة 360/ 800 مليم نوع المهمة التي يشغلها كل من هؤلاء المرقين، في حين أنه ليس في أحكام كادر العمال ما يوجب تخصيص درجات بعينها يرقى إليها صناع من مهن معينة دون سواهم بل يتعين طبقاً لأحكام هذا الكادر أن يدرج جميع الصناع في كشف أقدمية واحد وأن يتزاحموا جميعاً بلا تفرقة بينهم بسبب نوع المهنة على الدرجات الشاغرة ويستفاد ذلك من اعتبار المصلحة بالنسبة للعمال وحدة متكاملة ويوزع العمال والصناع الفنيين فيها حسب النسب المئوية المبينة في أحكام كادر العمال وما دام المدعي أسبق من بعض المرقين في درجة صانع دقيق ودرجة صانع دقيق ممتاز فإنه يكون أحق بالترقية من هؤلاء بالقرار المطعون فيه إلى درجة صانع ممتاز فئة 360/ 800 مليم ويتعين لذلك الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى هذه الدرجة اعتباراً من 9/ 6/ 1958 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن أوضاع ميزانية بلدية الإسكندرية تقضي بتخصيص درجات الصناع الممتازين لوظائف مهنة معينة، وقد راعت البلدية قاعدة الأقدمية والكفاءة فيما بين من يشغلون المهن المخصصة لهذه الدرجات في الحركة المطعون فيها، ولم يرق المدعي لأنه معين ملاحظ طرق ولا خبرة له بأعمال المهن المرقى إليها وهي البناء وسائق هراس وبلاط وميكانيكي كما لم يسبق له ممارستها - ولا يجوز الاحتجاج في خصوصية هذه الدعوى بأن المدعي أقدم المرقين بالقرار المطعون فيه طالما أن الوظائف المرقى إليها مخصصة لمهن معينة بالذات تستلزم تأهيلاً مهنياً خاصاً فيمن يشغلها بحيث لا تصلح الأقدمية المطلقة أساساً للترقية بل ينظر في هذه الحالة إلى الأقدمية فيما بين من توافرت فيهم صلاحية وأهلية شغل وظائف المهن المخصصة طبقاً لتحديد الميزانية، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه هذا الاعتبار وقضى بإلغاء قرار الترقية استناداً إلى قاعدة الأقدمية المطلقة فإنه يكون قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون.
وبالرجوع إلى ميزانية بلدية الإسكندرية لعام 1957/ 1958 يبين أنها اشتملت على حصر عمال اليومية بالقسم 2 الخاص بالإدارات الهندسية (ص 44) فبينت عددهم ووظائفهم في كل درجة من درجات كادر العمال كما أوضحت متوسط مربوط هذه الدرجات وظاهر من هذا البيان أنه في حين لم تشتمل الدرجة 300/ 500 مليم على أي وظيفة لملاحظ فقد ورد بالدرجة 360/ 700 مليم عدد 4 وظائف لملاحظين، ثم جاءت الدرجة 360/ 800 مليم خالية من وظائف الملاحظين، وفي الدرجة 400/ 900 مليم أدرجت وظيفة واحدة لملاحظ بناء. وفي ذات الوقت فإن الواضح من البيان الوارد في هذا الباب من الميزانية بالنسبة لسائر درجات كادر العمال أن تلك الدرجات على اختلاف أنواعها لم تشتمل على بيان الوظائف المتنوعة في تسلسل هرمي بالنسبة لكل نوع منها إذ بينما أدرج فيما يتعلق في الدرجة 300/ 500 مليم عدد 3 بناء فقد تضمنت الدرجة 360/ 700 مليم عدد 6 والدرجة 360/ 800 مليم عدد 10 وبعد ذلك خلت الدرجة 400/ 900 منهم، وهذا الوضع بعينه قائم في وظائف سائقي السيارات إذ بينما أدرج في الدرجة 300/ 500 مليم عدد 164 درجة لهم وردت الدرجة 360/ 700 منطوية على 16 سائق فقط والدرجة 360/ 800 على 37 سائق والدرجة 400/ 900 على سائقين، وهكذا بالنسبة للميكانيكيين وغيرهم. وورود الميزانية على هذا النحو واضح الدلالة في أنها لم تشتمل سوى على مجرد بيان بعدد مختلف الدرجات المالية في تسلسل تصاعدي دون أن تشتمل على تخصيص لوظائف معينة بذاتها لدرجاتها ذاتية مستقلة بل التخصيص الوارد بها إنما هو تخصيص عام لعدد من الوظائف غير المتميزة التي ليس لها كيان مستقل عن باقي الوظائف بحيث تقتصر دلالة التخصيص على مجرد تحديد عدد الدرجات التي يشغلها العمال القائمون بكل فرع من فروع العمل.
ومن حيث إن المدعي بعد تحويل وظيفته من سلك الدرجات إلى سلك اليومية وتسوية حالته على درجة صانع دقيق 300/ 500 مليم ثم على درجة صانع دقيق ممتاز 360/ 700 مليم كما هو مبين في معرض تحصيل الوقائع أصبح يشغل وظيفة ملاحظ المدرجة في وظائف عمال اليومية بالدرجة 360/ 700، وإذا كان الثابت من البيانات التي أدلى بها السيد/ باشمهندس الطرق بمحافظة الإسكندرية بمحضر جلسة 15 من نوفمبر سنة 1964 أن للمدعي إشرافاً فنياً على سائر أرباب الحرف من زملائه الذين عددتهم الدرجة المشار إليها، فإن من حقه أن يتزاحم معهم عند الترقية إلى الدرجة الأعلى، ومتى كانت الترقية المطعون فيها قد تمت بالأقدمية كما أفصحت عن ذلك الجهة الإدارية فإن للمدعي وهو أقدم من خمسة ممن رقوا يكون مستحق الترقية ضمن من شملهم القرار المذكور. لكونه أحق بالترقية ممن يسبقهم في أقدمية الدرجة المرقى منها.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة صانع ممتاز من الفئة 360/ 800 مليم وما يترتب على ذلك من آثار مصادفاً وجه الصواب في النتيجة التي انتهى إليها. وبهذه المثابة يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك رفضه، غير أن الحكم المطعون فيه وقد اشتمل في منطوقه على خطأ مادي بالنسبة لتاريخ الترقية المشار إليها حيث نص على أن تكون اعتباراً من 9/ 3/ 1958. في حين أن صحة هذا التاريخ هي 9 من يونيه سنة 1958 وهو بعينه التاريخ المشار إليه في أسباب الحكم المطعون ذاته، كما أن تاريخ نفاذ الترقية طبقاً لما هو وارد بالقرار محل الدعوى بالنسبة لمنح بداية الدرجة المرقى إليها هو أول يوليو سنة 1958 ومن ثم فقد لزم تعديل الحكم المطعون فيه على هذا الأساس.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى درجة صانع ممتاز من الفئة (360/ 800) مليم اعتباراً من أول يوليه سنة 1958 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وألزمت الحكومة بالمصروفات.

الطعن 7389 لسنة 58 ق جلسة 20 / 2 / 1989 مكتب فني 40 ق 43 ص 265

جلسة 20 من فبراير سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حمدي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ نجاح نصار ومقبل شاكر نائبي رئيس المحكمة ومجدي الجندي وحامد عبد الله.

----------------

(43)
الطعن رقم 7389 لسنة 58 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(2) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره.
تقدير المحكمة لأدلة الدعوى. لا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه". تسبيب غير معيب".
نفي التهمة. دفاع موضوعي. أثر ذلك؟
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غبر معيب".
عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم في كل جزئية من جزئيات دفاعه.
(5) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. طالما كان سائغاًً في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة.
(6) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميين. قانون "تفسيره" "تطبيقه".
مخالفة واجبات الوظيفة في مفهوم المادة 104 عقوبات؟
(7) رشوة. جريمة "أركانها". اختصاص. موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
دخول الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها في نطاق وظيفته مباشرة. غير لازم. كفاية أن يكون له بها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة. وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس.
مثال.
(8) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لا يعاب على المحكمة عدم اتخاذ إجراء لم يطلب منها.
(9) رشوة. عقوبة "تطبيقها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
شروط الاعتراف الذي يؤدي إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من عقوبة الرشوة: أن يكون صادقاً يغطي جميع وقائع الرشوة وأن يكون لدى جهة الحكم. حصوله أمام جهة التحقيق والعدول عنه أمام المحكمة. لا ينتج أثره. أساس ذلك؟
(10) نقض "المصلحة في الطعن". عقوبة "العقوبة المبررة". ارتباط. رشوة. استيلاء. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اعتبار الحكم جرائم إعطاء رشوة لموظفين عموميين والاشتراك في الاستيلاء على مال عام وعرض رشوة على موظف عام لم تقبل - جريمة واحدة. بالتطبيق للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات ومعاقبة المتهم بالعقوبة المقررة للجريمة الأولى التي لم يقبل نعيه بشأنها. انعدام مصلحته فيما يثيره بشأن الجريمتين الأخرتين.

--------------
1 - من المقرر أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع. وكان الحكم المطعون فيه قد اقتنع بما شهد به شهود الإثبات وما تضمنه اعتراف الطاعن الثالث الذي اطمأن إليه في ثبوت الواقعة - بناء على استخلاص سائغ فإن ما يثيره الطاعنان الأول والثاني من تشكيك في صحة اعتراف الطاعن الثالث وقصوره في التدليل على مقارفتهما لما أدينا به لا يعدو أن يكون جدلاًًًًًًً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض.
3 - لما كان نعي الطاعنين الأول والثاني بالتفات المحكمة عما ساقاه من أوجه دفاع تشهد بعدم تداخلهما في العمل الذي نسب إليهما الإخلال به لا يعدو أن يكون دفاعاً بنفي التهمة - هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
4 - من المقرر أنه بحسب الحكم كيما يستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهمين ولا عليه أن يتعقبهما في كل جزئية من جزئيات دفاعهما لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها.
5 - من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة فإن النعي على الحكم بأنه لم يعرض لدفاع الطاعنين القائم على نفي التهمة والتفاته عما قدماه من مستندات رسمية تأييداً له يكون في غير محله.
6 - لما كان المشرع قد استهدف من النص في المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها.
7 - من المقرر أنه ليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخله في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من عرض الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس. وكان الحكم قد استظهر أن لكل من الطاعنين الأول والثاني قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة فإن ما قارفاه يعد إخلالاً بواجبات وظيفتهما في حكم المادة 104 من قانون العقوبات، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أعمل حكم القانون على وجهه الصحيح ويكون منعى الطاعنين عليه في هذا الخصوص لا سند له. لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعن الثالث بشأن تسليم الشيك له صداه في التحقيقات فإن الادعاء بخطأ الحكم في الإسناد في هذا الصدد لا يكون له محل.
8 - لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن الثاني لم يطلب إلى المحكمة - كما ذهب في طعنه - ضم شيك آخر أو مناقشة الموظفين المختصين باعتماد تسوية المبالغ المستحقة فليس له من بعد أن يعيب على المحكمة عدم اتخاذ إجراء لم يطلبه منها.
9 - من المقرر أنه يشترط في الاعتراف الذي يؤدي إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة وفقاً لنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات أن يكون صادقاً كاملاً يغطي جميع وقائع الرشوة التي ارتكبها الراشي أو الوسيط، دون نقص أو تحريف، وأن يكون حاصلاً لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته. فإذا حصل الاعتراف لدى جهة التحقيق ثم عدل عنه لدى المحكمة، فلا يمكن أن ينتج الإعفاء أثره.
10 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن الثالث توافر جريمة إعطاء رشوة لموظفين عموميين - وهي الجريمة التي خلصت هذه المحكمة إلى أن ما أثاره الطاعن من منعى على الحكم المطعون فيه بشأنها إنما هو منعى غير مقبول وأوقع عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات عن جميع الجرائم موضوع الاتهام التي دارت عليها المحاكمة، وذلك بالتطبيق للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات، وهي عقوبة مقررة لجريمة إعطاء الرشوة سالفة الذكر التي ثبتت في حق الطاعن - وبرئ الحكم من منعاه في خصوصها بما تنعدم معه مصلحته فيما ينعاه على الحكم بالنسبة لجريمتي الاشتراك في الاستيلاء على مال عام وعرض رشوة على موظف عام لم تقبل منه فإن ما يثيره في هذا الخصوص يكون غير مقبول.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1) ....... (طاعن) (2) ....... (طاعن) (3) ....... (طاعن) (4) ....... (طاعن) (5) ...... (طاعن) بأنهم: - المتهمان الأول والثاني "أ - بصفتهما موظفين عموميين (الأول رئيس لجنة ضبط الأمانات بـ...... والثاني مدير إدارة بها سهلا للمتهم الثالث الاستيلاء على مبلغ..... لمصلحة الجمارك تحت يد البنك المركزي المصري بغير وجه حق. بـ بصفتهما سالفة الذكر: قبلا عطيه من المتهم الثالث للإخلال بواجبات وظيفتهما بأن تقاضيا منه مبلغ...... نظير تسليمهما له الشيك رقم..... دون وجه حق. المتهم الثالث: - أ - أعطى رشوة لموظفين عموميين للإخلال بواجبات وظيفتهما بأن سلم المتهمين الأول والثاني مبلغ...... نظير تسليمه الشيك رقم...... المبين بالأوراق دون وجه حق. ب - اشترك مع المتهمين الأول والثاني بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جناية تسهيل الاستيلاء سالفة الذكر بأن اتفق معهما على ارتكابها وتسلم منهما الشيك رقم..... المبين بالأوراق لصرف قيمته والاستيلاء عليها فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. المتهمون الثلاثة الأول أ - اشتركوا مع مجهول بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هي استمارات 50 ع ج وطلبات الصرف المبينة بالأوراق بأن اتفقوا معه على تزويرها وأمدوه بالبيانات اللازمة لذلك فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. ب - استعملوا المحررات المزورة سالفة الذكر مع علمهم بتزويرها بأن قدموها لـ...... لإصدار الشيك رقم...... المبين بالأوراق على أساسها. المتهم الرابع: ارتكب تزويراًًًًً في محرر رسمي هو الشيك رقم..... سالف البيان والصادر من ...... بوضع إمضاء مزور عليه بأن وقع عليه بتوقيع نسبة زوراً لـ ...... الموظف المختص لصرف قيمته على النحو المبين بالأوراق. المتهمان الثالث والخامس: - اشتركا مع المتهم الرابع بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جناية التزوير موضوع الوصف السابق بأن اتفقا معه على انتحاله اسم المستفيد في الشيك رقم....... والتوقيع عليه بهذه الصفة لدى الموظف المختص وإمداده بالبيانات اللازمة لذلك فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. المتهمون من الثالث حتى الخامس: أ - عرضوا رشوة على موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته ولم تقبل منهم بأن قدموا لـ........ الموظف بـ ...... مبلغ خمسين جنيها ليصرف لهم قيمة الشيك...... بغير حق ولم يقبل هذا العرض منهم. ب - استعملوا محرراً مزوراً هو الشيك رقم ...... السالف الذكر مع علمهم بتزويره بأن قدموه إلى البنك المسحوب عليه لصرف قيمته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام فقرر ذلك. ومحكمة أمن الدولة العليا بالإسكندرية قضت حضوريا عملاً بالمواد 40/ 2، 3، 41، 103، 104، 107 مكرراًً/ 1، 109 مكرراًًً 1/ أ، 110، 111/ 1، 113/ 1 - 2، 118، 118 مكرراً، 119، 119 مكرراً 1/ أ، 212، 214 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني والثالث بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهم ألفي جنيه وبعزل الأولين من وظيفتهما وذلك عما أسند إلى كل منهم. ثانياًً: بمعاقبة كل من الرابع والخامس بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبتغريمهما خمسمائة جنيه عما أسند إليها.
فطعن المحكوم عليهم الأول والثاني والثالث في هذا الحكم بطريق النقض قيد بجدول محكمة النقض برقم...... لسنة 52 القضائية.
وهذه المحكمة قضت في....... بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للطاعنين والمحكوم عليهم الآخرين وإحالة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا بالإسكندرية لتنظر فيها من جديد دائرة أخرى ومحكمة الإعادة (مشكلة من دائرة أخرى) قصت حضورياً للمتهمين الأول والثاني والثالث وغيابياً للرابع والخامس عملاً بالمواد 40/ 2، 3، 41، 103، 104، 107 مكرراً/ 1، 109 مكرراً 1/ أ، 110، 111/ 1، 113/ 1 - 2، 118، 118 مكرراًً، 119، 119 مكرراً 1/ أ، 212، 214 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من نفس القانون. أولاً: بمعاقبة كل من الأول والثاني والثالث بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهم ألفي جنيه وبعزل الأولين من وظيفتهما وذلك عما أسند إلى كل منهم. ثانياً: بمعاقبة كل من الرابع والخامس بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبتغريمهما خمسمائة جنيه عما أسند إليهما.
فطعن المحكوم عليهم الأول والثاني والثالث في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية) كما طعن الأستاذ...... المحامي نيابة عن المحكوم عليه الأول...... والأستاذ...... المحامي نيابة عن الثاني والأستاذ...... نيابة عن الثالث في ذات التاريخ السباق..... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعنين الأول والثاني ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم تسهيل الاستيلاء على مال عام وقبول رشوة والاشتراك في تزوير محررات رسمية واستعمالها قد شابه القصور والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يشتمل على بيان الواقعة بياناً كافياً تتحقق به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دانهما بها ولم يورد الأدلة التي عول عليها في إدانتهما مقتصراًًًًًً على الاستناد إلى اعتراف الطاعن الثالث الذي لا يكفي لإدانتهما فضلاً عن كذبه ومنافاته للمنطق إذ لا يتناسب المبلغ الذي قيل بتقاضي الطاعنين له لذلك الذي تم تسهيل الاستيلاء عليه فضلاً عن أن الحكم تساند إلى هذا الاعتراف في القول باختصاصهما بالعمل وهو ما لم يتضمنه ذلك الاعتراف، كما لم يعرض الحكم لأوجه الدفاع العديدة التي ساقها الدفاع عن الطاعنين وتقطع بعدم تداخلهما في إجراءات الصرف وأن الطاعن الأول نقل إلى عمل خارج مصلحة...... قبل تسليم الشيك للطاعن الثالث وما ثبت من سركي تسليم الشيكات بقلم الصرف بـ...... أن الشيك سلم من شخص آخر غير الطاعن الثاني، فضلاً عما تمسكا به من عدم اختصاصهما بالعمل الذي أسند إليهما أنهما أخلا بواجباته فلم يشغل الحكم بهذا الدفاع ودانهما بجريمة تقاضي الرشوة دون أن يدلل على اختصاصهما بهذا العمل بما لا تتوافر معه أركان هذه الجريمة ويضيف الطاعن الثاني أن الحكم أسند إلى الطاعن الثالث خلاف للثابت في الأوراق - أنه تسلم الشيك منه، كما لم تستجب المحكمة إلى طلب المدافع عنه مناقشة الموظفين المختصين باعتماد وتسوية المبلغ المستحق وضم شيك آخر. كما ينعى الطاعن الثالث على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم إعطاء رشوة وعرضها والاشتراك في ارتكاب تزوير في محررات رسمية واستعمالها قد شابه القصور والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أطرح ما تمسك به من الإعفاء من عقوبة جريمة الرشوة برد غير سائغ، كما تمسك بانتفاء جريمة عرض الرشوة على موظف البنك....... موضوع التهمة الرابعة المسندة إليه إذ لا اختصاص لهذا الموظف بصرف الشيكات فلم يعرض الحكم لهذا الدفاع كما لم يعرض لما تمسك به الطاعن من إعفائه من العقاب عن جريمة الاشتراك والاستيلاء على المال العام لأنه لم يحرص عليها وقد أبلغ بها السلطات قبل الحكم النهائي في الدعوى وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهمين الثالث (الطاعن الثالث) والرابع والخامس وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وقد أورد الحكم مؤداها على نحو واف ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان الأول والثاني على الحكم المطعون فيه بقالة القصور يكون في غير محله ولا سند له من الواقع. لما كان ذلك وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. وأن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع. وكان الحكم المطعون فيه قد اقتنع بما شهد به شهود الإثبات وما تضمنه اعتراف الطاعن الثالث الذي اطمأن إليه في ثبوت الواقعة - بناء على استخلاص سائغ فإن ما يثيره الطاعنان الأول والثاني من تشكيك في صحة اعتراف الطاعن الثالث وقصوره في التدليل على مقارفتهما لما أدينا به لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه في تحقيقه لاعتراف الطاعن الثاني لم يورد - خلافاً لما ذهب إليه الطاعنان الأول والثاني - شيئاً عن اختصاصهما بالعمل فإن ما يثيرانه من خطأ الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس. لما كان ذلك وكان نعي الطاعنين الأول والثاني بالتفات المحكمة عما ساقاه من أوجه دفاع تشهد بعدم تداخلهما في العمل الذي نسب إليهما الإخلال به لا يعدو أن يكون دفاعاً بنفي التهمة - هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وبحسب الحكم كيما يستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهمين ولا عليه أن يتعقبهما في كل جزئية من جزئيات دفاعهما لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها. وكان من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة فإن النعي على الحكم بأنه لم يعرض لدفاع الطاعنين القائم على نفي التهمة والتفاته عما قدماه من مستندات رسمية تأييداً له يكون في غير محله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنين سالفي الذكر بعدم اختصاصهما بالعمل الذي نسب إليهما تقاضي الرشوة للإخلال به ورد عليه في قوله إن "الثابت أن المتهم الأول (الطاعن الأول) هو رئيس لجنة ضبط الأمانات بمصلحة ....... ومن اختصاص وظيفته حسب اعترافه بالتحقيقات اعتماد الاستمارة 50 ع. ح التي يتم بموجبها الصرف فإن أخذه رشوة مقابل هذا العمل يشكل في حقه جريمة الرشوة كذلك الأمر بالنسبة للمتهم الثاني (الطاعن الثاني) فالثابت من أقواله وأقوال الشاهد الرابع ....... أن المتهم الثاني من اختصاص وظيفته إعداد الاستمارة رقم 50 ع. ح التي يتم بموجبها صرف قيمة الشيك رقم..... من ذلك يتبين أن لكل من المتهمين الأول والثاني اختصاص يتعلق بالعمل الذي تقاضيا عنه الأول مبلغ...... الثاني مبلغ..... من المتهم الثالث الذي اطمأنت المحكمة إلى أقواله وأنهما تسلما منه مبلغ الرشوة في سبيل تسهيل الاستيلاء على قيمة الشيك سالف الذكر وقدره...... دون وجه حق. لما كان ذلك وكان المشرع قد استهدف من النص في المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها. وليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخله في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من عرض الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس. وكان الحكم قد استظهر أن لكل من الطاعنين الأول والثاني قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة فإن ما قارفاه يعد إخلالاًً بواجبات وظيفتهما في حكم المادة 104 من قانون العقوبات، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أعمل حكم القانون على وجهه الصحيح ويكون منعى الطاعنين عليه في هذا الخصوص لا سند له. لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعن الثالث بشأن تسليم الشيك له صداه في التحقيقات فإن الادعاء بخطأ الحكم في الإسناد في هذا الصدد لا يكون له محل. ولما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن الثاني لم يطلب إلى المحكمة - كما ذهب في طعنه - ضم شيك آخر أو مناقشة الموظفين المختصين باعتماد تسوية المبالغ المستحقة فليس له من بعد أن يعيب على المحكمة عدم اتخاذ إجراء لم يطلبه منها. لما كان ما تقدم فإن طعن الطاعنين الأول والثاني يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعاً. ولما كان يشترط في الاعتراف الذي يؤدي إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة وفقاً لنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات أن يكون صادقاًًً كاملاً يغطي جميع وقائع الرشوة التي ارتكبها الراشي أو الوسيط، دون نقص أو تحريف، وأن يكون حاصلاًً لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته. فإذا حصل الاعتراف لدى جهة التحقيق ثم عدل عنه لدى المحكمة، فلا يمكن أن ينتج الإعفاء أثره. وإذ كان الثابت من الحكم وبمحضر الجلسة أن الطاعن الثالث أنكر التهمة أمام المحكمة ولم يعترف بها فإن الحكم لا يكون مخطئاً إذا لم يعمل في حقه الإعفاء المنصوص عليه في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات ويكون منعاه في هذا الخصوص لا سند له. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن الثالث توافر جريمة إعطاء رشوة لموظفين عموميين - وهي الجريمة التي خلصت هذه المحكمة إلى أن ما أثاره الطاعن من منعى على الحكم المطعون فيه بشأنها إنما هو منعى غير مقبول وأوقع عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات عن جميع الجرائم موضوع الاتهام التي دارت عليها المحاكمة، وذلك بالتطبيق للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات، وهي عقوبة مقررة لجريمة إعطاء الرشوة سالفة الذكر التي ثبتت في حق الطاعن - وبرئ الحكم من منعاه في خصوصها بما تنعدم معه مصلحته فيما ينعاه على الحكم بالنسبة لجريمتي الاشتراك في الاستيلاء على مال عام وعرض رشوة على موظف عام لم تقبل منه فإن ما يثيره في هذا الخصوص يكون غير مقبول. ويكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ / مَادَّةَ 5 : اَلتَّعَسُّفُ فِي اِسْتِعْمَالِ اَلْحَقِّ

عودة إلى صفحة : اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ


مادة 5 (1)

يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية:

(أ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.

(ب) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية ، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.

(جـ) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة.

التقنين المدني السابق

المادة 38 / 59 و60 مدني:

ليس للجار أن يجبر جاره على إقامة حائط أو نحوه على حدود ملكه ولا على أن يعطيه جزءا من حائطه أو من الأرض التي عليها الحائط المذكور. ومع ذلك ليس لمالك الحائط أن يهدمه لمجرد إرادته إن كان ذلك يترتب عليه حصول ضرر للجار المستتر ملكه بحائطه ما لم يكن هدمه بناء على باعث قوي.

وفي تقنين المرافعات المادة 115 / 120:

يجوز للمحكمة في جميع الدعاوى أن تحكم بتعويضات في مقابلة المصاريف الناشئة عن دعوى أو مدافعة كان القصد بها مكيدة الخصم .".

المشروع التمهيدي (2)

المادة 6 - يصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآتية :

(أ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.

(ب) إذا كان متعارضاَ مع مصلحة عامة جوهرية.

(ج) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة، أو كانت هذه المصالح قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها ، أو كان استعمال الحق من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيلاً يحول دون استعمالها على الوجه المألوف . (3)

 

القضاء المصري :

فقرة (أ) مطابق استئناف مصر ١٤ مايو ۱۹۲۹ المحاماة س ۹ ص ۱۰۷۷ وأسيوط الابتدائية ٤ يناير ۱۹۲۸ المحاماة س ٩ ص ۱۰۸ والزقازيق الكلية ۱۹ مايو ۱۹۲۹ المحاماة س ۱۰ ص ۱۸۰ و بني سويف الجزئية ٣٠ مايو ۱۹۲۱ المحاماة س ۲ ص ٤٠٣ واستئناف مختلط ۹ ديسمبر ۱۹۳۷ ب ٥٠ ص ٤٢ واستئناف مختلط ۱۹ نوفمبر سنة ۱۹۲۹ ب ٤٢ ص ٤١ .

فقرة (ج) مطابق فيما يتعلق بعدم مشروعية المصلحة : استئناف مصر دوائر مجتمعة أول مارس ۱۹۲۸ المحاماة س ۸ ص ٧٥٠ واستئناف مختلط ۱۳ نوفمبر ۱۹۲۹ ب ٤٢ ص ۲۷ و ۳۱ ديسمبر ۱۹۳6 ب ٤٩ ص ٥٩ . وفيما يتعلق بقلة أهمية المصالح : العطارين الجزئية ٢١ أكتوبر ١٩٢٩ المحاماة س ١٠ ص ۷۸۳ واستئناف مختلط ۱۱ ديسمبر ۱۹۳۰ ب ٤٣ ص ٧٨ و ٣ أبريل ١٩٣٤ ب ٤٦ ص ٢٢٣ وفيما يتعلق بالاستعمال المعطل للاستعمال المألوف : أسيوط الكلية ١٦ مارس ۱۹۲5 المحاماة س ٥ ص ٧٦٠ واستئناف مختلط ۱۲ نوفمبر ۱۹۲۹ ب ٤٢ ص ٢٧ و ١٤ نوفمبر ١٩٢٩ ب ٤٢ ص ٣٤ .


الشريعة الإسلامية :

محمود فتحي - نظرية التعسف في استعمال الحق في الشريعة الإسلامية .

والمجلة م ٢٦ و ۲٧ و ۲۸ و ۲۹ و ۱۱۹۸ و ۱۱۹۹ و ۱۲۰۰ و ۱۲۱۲ .

 

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - تضع المادة 6 الأحكام الخاصة بالتعسف في استعمال الحق بالمعنى الذي تقدمت الإشارة إليه فتقضي بأن استعمال الحق غير جائز في حالات خاصة أخذ المشروع في تعيين بعضها بمعيار " نية الإضرار " وأخذ في تعيين بعض منها بمعيار مادي " التعارض مع مصلحة عامة جوهرية " ولفق في بعض أخر ما بين المعيارين . ولم يكن التشريع المصري يتضمن نصاً عاماً في شأن التعسف في استعمال الحق بل اقتصر الأمر فيه على بعض تطبيقات خاصة كنص المادة 38 / 59 و60 من القانون المدني على انه ليس لمالك الحائط أن يهدمه لمجرد إرادته إذا كان ذلك يترتب على ذلك حصول ضرر للجار المستتر ملكه بحائطه ما لم يكن هدمه بناء على باعث قوي، ونص المادة 115 / 120 من قانون المرافعات على جواز الحكم بالتعويض في مقابلة المصاريف الناشئة عن دعوى أو مدافعة كان القصد بها مكيدة الخصم ." وقد استلهم القضاء هذه التطبيقات وآراء الفقه وأخذ بفكرة التعسف في استعمال الحق واستند في ذلك إلى القاعدة العامة في المسئولية التقصيرية كما هي مقررة في المادة 151 / 212 مدني .

2 – بيد أن المشروع أحل النص الخاص بتقرير نظرية التعسف في استعمال الحق مكاناً بارزاً بين النصوص التمهيدية لأن لهذه النظرية من معنى العموم ما يجعلها تنبسط على جميع نواحي القانون دون أن تكون مجرد تطبيق لفكرة العمل غير المشروع . وإذا كان القضاء قد رأى أن يستند في تطبيقها إلى قواعد المسئولية التقصيرية بسبب قصور النصوص ، فهو لم يقصر هذا التطبيق على ناحية معينة من نواحي القانون المدني ، وإنما بسطه على هذه النواحي جميعاً ، بل وعلى نواحي القانون قاطبة ، فهو يجزم بأن النظرية تنطبق على روابط الأحوال الشخصية كما تنطبق على الروابط المالية ، وأنها ستري في شأن الحقوق العينية سريانها في شأن الحقوق الشخصية ، وأنها لا تقف عند حدود القانون الخاص بل تجاوزه إلى القانون العام . ولذلك آثر المشروع أن يضع هذه النظرية وضعاً عاماً ، محتذياً مثال أحدث التقنينات وأرقاها (أنظر المادة 2 من التقنين المدني السويسري والمادة 1 من التقنين المدني السوفييتي) .

3 - وقد ساعد على اختيار هذا المسلك إقرار الشريعة الإسلامية لنظرية التعسف في استعمال الحق بوصفها نظرية عامة وعناية الفقه الإسلامي بصياغتها صياغة تضارع إن لم تفق في دقتها وإحكامها أحدث ما أسفرت عنه مذاهب المحدثين من فقهاء الغرب . وإزاء ذلك حرص المشروع على أن ينتفع في صياغة النص بالقواعد التي استقرت في الفقه الإسلامي ، وهي قواعد صدر عنها التشريع المصري في التطبيقين اللذين تقدمت الإشارة إليهما (المادة 38 / 59 و60 مدني والمادة 115 / 120 مرافعات) واستلهمها القضاء في كثير من أحكامه (استئناف مختلط 6 أبريل سنة 1905 ب 17 ص 189 ، و3 مايو سنة 1906 ب 18 ص 233) .

ولهذا لم ير المشروع أن ينسج على منوال التقنين السويسري في النص على أن كل شخص يجب عليه أن يباشر حقوقه ويفي بالتزاماته وفقاً لما يقتضي حسن النية وان التعسف الظاهر في استعمال حق من الحقوق لا يحميه القانون ، ولم ير المشروع كذلك أن يختار الصيغة التي آثرها المشرع السوفييتي إذ قضى في المادة 1 من التقنين المدني بأن القانون يتكفل بحماية الحقوق المدنية إلا أن تستعمل على وجه يخالف الغرض الاقتصادي أو الاجتماعي من وجودها . وأعرض أيضاً عن الصيغة التي اختارها التقنين اللبناني (م 124) ، وهي لا تعدو أن تكون مزاجاً من نصوص التقنين السويسري والتقنين السوفييتي .

4 - والواقع أن المشرع تحاشى اصطلاح " التعسف " لسعته وإبهامه وجانب أيضاً كل تلك الصيغ العامة بسبب غموضها وخلوها من الدقة ، واستمد من الفقه الإسلامي بوجه خاص الضوابط الثلاثة التي اشتمل عليها النص . ومن المحقق أن تفصيل الضوابط على هذا النحو يهيئ للقاضي عناصر نافعة للاسترشاد ، ولا سيما أنها جميعاً وليدة تطبيقات عملية انتهى إليها القضاء المصري عن طريق الاجتهاد .

5 - وأول هذه المعايير هو معيار استعمال الحق دون أن يقصد من ذلك سوى الإضرار بالغير وهذا معيار ذاتي استقر الفقه الإسلامي والفقه الغربي والقضاء على الأخذ به, وقد أفرد له التقنين الألماني المادة 226 وهي في طليعة النصوص التشريعية التي دعمت أسس نظرية التعسف في استعمال الحق. والجوهري في هذا الشأن هو توافر نية الإضرار ولو أفضى استعمال الحق إلى تحصيل منفعة لصاحبه, ويراعى أن القضاء جرى على استخلاص هذه النية من انتفاء كل مصلحة من استعمال الحق استعمالا يلحق الضرر بالغير متى كان صاحب الحق على بينة من ذلك, وقد جرى القضاء على تطبيق الحكم نفسه في حالة تفاهة المصلحة التي تعود على صاحب الحق في هذه الحالة .

6 - والمعيار الثاني قوامه تعارض استعمال الحق مع مصلحة عامة جوهرية, وهذا معيار مادي استقاه المشروع من الفقه الإسلامي وقننته المجلة من قبل إذ نصت في المادة 26 على أن الضرر الخاص يتحمل لدفع ضرر عام (أنظر أيضا المواد 27 و28 و29 من المجلة). وأكثر ما يساق من التطبيقات في هذا الصدد عند فقهاء المسلمين يتعلق بولاية الدولة في تقييد حقوق الأفراد صيانة للمصلحة العامة كمنع اختزان السلع تجنبا لاستغلال حاجة الأفراد إليها خلال الحروب والجوائح على أن الفكرة في خصبها لا تقف عند حدود هذه التطبيقات فهي مجرد أمثلة تحتمل التوسع والقياس.

7 - أما المعيار الثالث فتندرج تحته حالات ثلاث.

(أ) الأولى حالة استعمال الحق استعمالاً يرمي إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة . وتعبير المشروع في هذا المقام خير من نص بعض التقنينات على صرف الحق عن الوجهة التي شرع من أجلها. ولا تكون المصلحة غير مشروعة إذا كان تحقيقها يخالف حكما من أحكام القانون فحسب وإنما يتصل بها هذا الوصف أيضا إذا كان تحقيقها يتعارض مع النظام العام, أو الآداب, وإذا كان المعيار في هذه الحالة ماديا في ظاهره إلا أن النية كثيرا ما تكون العلة الأساسية لنفي صفة المشروعية عن المصلحة. وأبرز تطبيقات هذا المعيار يعرض بمناسبة إساءة الحكومة لسلطاتها كفصل الموظفين إرضاء لغرض شخصي أو شهوة حزبية (استئناف مصر الدوائر المجتمعة أول مارس 1928 المحاماة س 8 ص 750) وأحكام الشريعة الإسلامية في هذا الصدد تتفق مع ما استقر عليه الرأي في التقنينات الحديثة والفقه والقضاء.

(ب) والثانية حالة استعمال الحق ابتغاء تحقيق مصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها والمعيار في هذه الحالة مادي ولكنه كثيرا ما يتخذ قرينة على توافر نية الإضرار بالغير, ويساير الفقه الإسلامي في أخذه بهذا المعيار اتجاه الفقه والقضاء في مصر وفي الدول الغربية على حد سواء.

(ج) والثالثة حالة استعمال الحق استعمالا من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيلا يحول دون استعمالها على الوجه المألوف والمعيار في هذه الحالة مادي, وإذا كان الفقه الغربي لا يؤكد استقلال هذا المعيار إذ يلحقه بمعيار انتفاء صفة المشروعية عن المصلحة أو يجعل منه صورة لمجاوزة حدود الحق يطلق عليه اسم الإفراط إلا أن الفقه الإسلامي يخصه بكيان مستقل. والقضاء في مصر أميل إلى الأخذ بمذهب الفقه الإسلامي (العطارين الجزئية 21 أكتوبر سنة 1929 المحاماة س 10 ص 783 ، واستئناف مختلط 11 ديسمبر سنة 1930 ب 43 ص78) وكانت المجلة قد قننت هذا الفقه فقضت في المادة 1198 بأن " كل أحد له التعلي على حائط الملك وبناء ما يريد وليس لجاره منعه ما لم يكن ضرره فاحشا" وعرفت الضرر الفاحش في المادة 1199 بأنه "كل ما يمنع الحوائج الأصلية يعنى المنفعة الأصلية المقصودة من البناء كالسكنى أو يضر بالبناء أي يجلب له وهنا ويكون سبب انهدامه" وعقبت على ذلك بتطبيقات مختلفة في المواد من 1200 إلى 1212 ، وقد جرى القضاء المصري منذ عهد بعيد على الأخذ بهذه المبادئ ولا سيما فيما يتعلق بصلات الجوار فقضت محكمة الاستئناف المختلطة في 30 أبريل سنة 1903 بأن "الملكية الفردية أيا كانت سعة نطاقها تتقيد بواجب الامتناع عن إلحاق أي ضرر جسيم بالجار .... ويدخل في ذلك كل فعل يمنع الجار من تحصيل المنافع الرئيسية من ملكه" وتواترت الأحكام بعد ذلك على تقرير المبادئ ذاتها.

8 - وعلى هذا النحو وضع المشروع دستوراً لمباشرة الحقوق ألف فيه بين ما استقر من المبادئ في الشريعة الإسلامية وبين ما انتهى إليه الفقه الحديث في نظرية التعسف في استعمال الحق ولكن دون أن يتقيد كل التقيد بمذاهب هذا الفقه . وبذلك أتيح له أن يمكن للنزعة الأخلاقية والنزعات الاجتماعية الحديثة وأن يصل بين نصوصه وبين الفقه الإسلامي في أرقى نواحيه وأحفلها بعناصر المرونة والحياة. (4)


المشروع في لجنة المراجعة :

تليت المادة 6 فأقرتها اللجنة مع بعض التعديلات وكذلك حذفت الفقرة د وأصبح نصها ما ياتي :

 يكون استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآتية :

(أ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير .

(ب) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها .

(ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة " .

 وقدمت المادة في المشروع النهائي بعد أن استبدلت بكلمة (مطلقاً) كلمة (البتة). (5)


المشروع في مجلس النواب :

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 5 .


المشروع في مجلس الشيوخ :

مناقشات لجنة القانون المدني :

ووافقت اللجنة على المادة دون تعديل بعد استبدال كلمة " مشروع " بكلمة " جائز " ، وأصبح رقمها 5 .

مناقشات المجلس:

ووافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة. (6)

 



 (1) مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 200 .

 (2) مادة محذوفة من المشروع التمهيدي :

مادة 5 - الحقوق المدنية نوعان : حقوق محددة يكسبها الشخص ويختص بها دون غيره ، ورخص قانونية أو حقوق عامة يعترف بها القانون للناس كافة .

التقنين المدني السابق :

لا مقابل لها

مذكرة المشروع التمهيدي :

تفرق المادة 5 من المشروع بين الحق والرخصة وهي بذلك تمهد للأحكام المتعلقة بالتعسف في استعمال الحق . فالتعسف يرد على استعمال الحقوق وحدها أما الرخص فلا حاجة إلى فكرة التعسف في ترتيب مسئولية من يباشرها عن الضرر الذي يلحق الغير من جراء ذلك . ويقصد بالحق في هذا الصدد كل مكنة تثبت لشخص من الأشخاص على سبيل التخصيص والإفراد كحق الشخص في ملكية عين من الأعيان أو حقه في اقتضاء دين من الديون أو حقه في طلاق زوجه . أما ما عدا ذلك من المكنات التي يعترف بها القانون للناس كافة دون أن تكون محلاً للاختصاص الحاجز فرخص أو إباحات كالحريات العامة وما إليها .

وهذه الرخص أو الإباحات لا حاجة إلى فكرة التعسف فيها لتأمين الغير ما ينجم من ضرر عن استعمال الناس لها لأن أحكام المسئولية المدنية تتكفل بذلك على خير وجه.

المشروع في لجنة المراجعة:

تليت المادة فاقترح حذفها لعدم الحاجة إليها فوافقت اللجنة.

 (3) وهذه المادة 6 من المشروع من المواد التي ناقشتها لجنتي مراد سيد أحمد باشا وكامل صدقي باشا .

مناقشات لجنة مراد سيد أحمد باشا بالجلسة السادسة

المنعقدة في ٢٣ إبريل ١٩٣٦

مناقشة البحث المقدم من حضرة الدكتور حلمي بهجت بدوي بشأن المبادئ الخاصة بإساءة استعمال الحق وتحديد مدى تطبيقه .

ذكر جناب المسيو لينان دي بلفون أن حضرة الدكتور حلمي بهجت بدوي قدم مذكرتين تتناول إحداهما بحث المبادئ الخاصة بإساءة استعمال الحق وتعالج الثانية تطبيق هذه المبادئ في القضاء المصري المختلط والأهلي ، وأن هاتين المذكرتين تؤيدان نفس الفكرة التي سبق أن طرحها على اللجنة وهي أنه لا محل لإيراد نص عام عن إساءة استعمال الحق في الباب التمهيدي بل بالعكس أن مكان مثل هذا النص بحسب ما يراه هو في باب الالتزامات .

وأضاف جنابه أنه إذا اعتبرنا أن مادة الملكية تتيح لنظرية إساءة استعمال الحق مجالاً للتطبيق أوسع مدى فربما كان في الوسع إدماج نص خاص متعلق بإساءة استعمال حق الملكية في باب الأموال.

ثم شرح المسيو لبنان وجهة نظره مبينا أن نظرية إساءة استعمال الحق إن هي إلا توسع في فكرة العمل غير المشروع وأنه لهذا السبب يكون مكانها المنطقي في باب الالتزامات بين تلك التي تنشأ عن العمل غير المشروع وهذا هو ما أخذت به أحدث التشريعات كمشروع قانون الالتزامات الفرنسي الإيطالي والقانون البولوني (مادة ۱۳٥) والقانون اللبناني (مادة ١٢٤) .

وأردف أنه ربما اعترض بأن هذه القوانين جاءت قاصرة على مواد الالتزامات بيد أن الحال يختلف بالنسبة لنا حيث أن مهمتنا هي وضع قانون مدني بأكمله ولكن الرد على هذا الاعتراض ميسور إذ أن القواعد الواردة في باب الالتزامات هي التي تحكم القانون المدني في مجموعه .

وانضم المستر جراهام إلى رأي المسيو لينان معقباً بأنه من المستحسن أن يبدأ بتحديد الحقوق ثم توضع بعد ذلك النصوص الخاصة بإساءة استعمالها .

وعلى ذلك تناول الرئيس بالشرح والتحليل فكرة إساءة استعمال الحق قائلا بأنها نتيجة تطور في المشاعر والأفكار أوحى بها التقدم الاجتماعي ، والواقع أن فكرة الفردية القديمة التي برزت في نهاية القرن الثامن عشر قد تضاءلت أمام الفكرة الحديثة التي تهدف إلى اعتبار أن الحق إنما منح لخدمة الأفراد تحقيقاً لغرض اجتماعي . فهو بذلك يمثل وظيفة اجتماعية حقة وبناء على هذه الفكرة إذا انحرف الحق عن مقصده كان استعماله على هذا النحو موجباً للجزاء .

وقد ظن بعض الكتاب ممن تأثروا بنظرية الخطأ أن في هذه الفكرة التبرير الكافي للجزاء على إساءة استعمال الحق ففكرة الخطأ ليست إذن سوى تفسير تال . ويمكن إيجاد هذا التفسير في فكرة أخرى كما هو الحال في حوادث العمل ، ولكن الأمر الذي يظل قائماً هو أن الضمير الاجتماعي لم يعد يسمح في وقتنا الحاضر باستعمال حق ، أيا كانت طبيعته ، بطريقة تجافي حكمته . فربط هذه الظاهرة بفكرة قانونية موجودة بالفعل أو ستوجد فيما بعد ، إنما هو عمل صناعي ، والظاهرة الطبيعية العامة هي الحاجة الاجتماعية إلى ترتيب جزاء على استعمال الحق استعمالاً سيئاً .

ولهذه الأسباب يرى الرئيس إبراز هذه الحاجة في نص يورد في الباب التمهيدي ليتسنى للقاضي تطبيقه أيا كانت طبيعة الحق المطروح عليه.

وذهب المستر جراهام إلى أن بحث المقام الذي يورد فيه النص الخاص بإساءة استعمال الحق إنما هو سابق لأوانه في الوقت الحاضر ، فمن الخطر في رأيه أن يدخل على القانون وبالأخص في الباب التمهيدي نص تشريعي يردد صدى مبدأ فقهي لا يزال غير محدد . وأضاف بأن نظرية إساءة استعمال الحق لم يؤخذ بتطبيقها على الأقل في القضاء المختلط في غير موضوع الملكية والمسئولية ، وعليه فقد أبدى تمسكه بوجهة نظره السابق شرحها .

وأبدى جناب المسيو دي فويه موافقته على الإبقاء على المبدأ مقترحاً إرجاء تحديد المكان الذي يورد فيه النص الخاص بإساءة استعمال الحق .

وانضم المسيو لينان إلى وجهة نظر المستر جراهام والمسيو دي فويه في إرجاء القرار الذي سيتخذ بشأن المكان الخاص بالنص المتعلق بإساءة استعمال الحق وذلك بصفة مؤقتة سيما وأن الباب التمهيدي لا يزال مفتوحاً ويتسع لأن يدرج فيه كل نص ذي صبغة عامة ترى اللجنة ضرورة إيراده فيه.

وأوضح الرئيس أن نطاق تطبيق مبدأ إساءة استعمال الحق ليس مقصوراً على الحقوق الناشئة عن التزامات بل يمتد إلى كل قانون سواء في ذلك القانون المدني أو القانون التجاري ، أو قانون المرافعات .

وذهب إلى أبعد من ذلك قائلا بأن إساءة استعمال الحق لا تقتصر على القانون الخاص وحده بل تشمل القانون العام أيضاً إذ يمكن القول بأن هناك إساءة استعمال حق الحرية أو حق الاجتماعات ، وهلم جرا ، ولما كانت إساءة استعمال الحق شائعة على هذا النحو في كل من القانون العام والخاص فإن في الوسع التأكيد بضرورة إبراز فكرة الجزاء على إساءة استعمال الحق في صورها المتعددة بين نصوص الدستور ما دامت تهيمن إلى هذا الحد على القانون كله والواقع أن ضرورة الجزاء على إساءة استعمال الحق إنما مبعثها تغيير في فكرة الحق نفسها ففي ظل الفقه الروماني والأفكار التي تمخضت عنها الثورة الفرنسية كان الحق يعد ممنوحاً لغاية فردية وأنانية بحتة أما اليوم فقد اجتثت هذه النظرية من أساسها إذ يحسب الآراء الفلسفية التي سادت في القرن التاسع عشر وبخاصة الفلسفة الألمانية يتقرر الحق للأفراد تحقيقاً لغرض اجتماعي بحيث يصبح استعماله وظيفة اجتماعية .

فإساءة هذا الاستعمال إخلال بالوظيفة المعد لها هذا الحق وقد كان مجلس الدولة في فرنسا وهو النظام المرن الحي الدائم التقدم أول من تحدث عن هذا الأمر ووصفه بتسمية حقة هي تجاوز السلطة .

ولهذه الأسباب أصر الرئيس على القول بأنه إذا كان هناك نص ينبغي بطبيعته أن يدرج على الأقل بين النصوص التمهيدية للقانون المدني فهو ذلك الخاص بإساءة استعمال الحق .

وقد أورد التقنين السويسري نصاً بهذا المعنى في الباب التمهيدي (مادة ٢) .

أما التقنين الألماني فقد أفرد لهذا الموضوع نصاً تحت عنوان « في استعمال الحقوق » (مادة ٢٢٦) .

فإذا كانت بعض التقنينات الحديثة قد أوردت هذا النص في باب الالتزامات فما ذلك إلا اضطرارا ، حيث أن هذه التقنينات التي أشار إليها المسيو لينان إنما جاءت خاصة بالالتزامات .

ثم أشار الرئيس إلى الرأي الذي سبق للجنة إبداؤه مؤقتا وهو إيراد النص الخاص بإساءة استعمال الحق في الباب التمهيدي ودعا زملاءه إلى إعادة إبداء رأيهم بشأن هذا الموضوع .

وعقب صليب بك سامي بأن مادة إساءة استعمال الحق تتخذ طابعاً ذا صفة عامة إذ تتناول نطاق القانون كله ويتعين بهذا الوضع أن يكون مكانها بين النصوص التمهيدية ولو بصفة مؤقتة على الأقل.

وانضم محمد كامل مرسي بك إلى هذا الرأي.

وقررت اللجنة تأييد رأيها السابق المدون بمحضر جلسة ٨ إبريل سنة ١٩٣٦ ، ثم انتقلت بعد تبادل وجهات النظر إلى مناقشة النص الذي رأت صياغته على الوجه التالي:-

" لا يسمح باستعمال الحق إذا تجاوز الحدود التي يمليها حسن النية أو يقررها الغرض الذي من أجله وجد هذا الحق" .

وتساءل الرئيس عما إذا كان من الضروري إيراد نص في القانون المدني الجديد خاص بنظرية الحوادث الطارئة في العقود أو بإعادة النظر في العقود .

وتلا نصا اقترحه العلامة ريبير في مؤلفه عن القاعدة الأخلاقية في الالتزامات وهو ما يلي : -

"للقاضي أن يأمر بفسخ العقد الابتدائي وإعادة النظر فيه إذا ترتب على قيام ظروف لم يكن في الوسع توقعها أن يتحمل المدين ضرراً جسيما أو أن يستفيد الدائن فائدة غير عادلة من عقد لم يكن الباعث على إبرامه قصد المضاربة" .

وأبدى المسيو دي فويه موافقته على اقتباس المبدأ الذي تضمنه النص السابق تلاوته تاركاً مؤقتاً تحديد الموضع الذي يتعين بصدده إيراد النص الخاص بنظرية الطوارئ ، ثم ذكر أن من الخير إذا أريد تجنب كثير من القضايا أن يقيد هذا المبدأ لدى صياغة النص الخاص به في حدود واضحة معينة .

وذكر صليب بك سامى أنه أتيح له أثناء توليه إدارة قسم القضايا الأهلية أن يبحث عن كثب موضوع الحوادث الطارئة وأنه يرى ضرورة تضمين هذا المبدأ نصاً على أن يتفق على صياغته وعلى الموضع الذي يورد فيه من القانون على أن يكون تالياً للنصوص الخاصة بالحوادث الفجائية وأردف بأنه يمكن اتخاذ النص الذي تلاه الرئيس أساساً للبحث والمناقشة.

وقال المستر جراهام بأن الوقت لم يتسع له لبحث هذا الموضوع الذي لم يدرج في جدول الأعمال والذي يتعين والحالة هذه إرجاء مناقشته إلى جلسة مقبلة ، وأبدى رغبته في أن يتاح للأعضاء الوقت الكافي لدراسة الموضوعات التي تطرح على اللجنة .

ورد الرئيس بأنه إنما أثار هذا البحث لارتباطه بموضوع إساءة استعمال الحق ولأنه بحسب إجماع الشراح الذين تصدوا للكلام عنه ضرب من إساءة تنفيذ العقود ، أما فيما يتعلق بالموضع الذي يورد فيه النص الخاص بمبدأ الحوادث الطارئة وإعادة النظر في العقود فقد بادر الرئيس بالتنويه بضرورة أن يكون في باب الالتزامات لنفس السبب الذي يرى من أجله إيراد النص الخاص بإساءة استعمال الحق في الباب التمهيدي والواقع أنه بقدر ما تتصل نظرية إساءة استعمال الحق بكافة القوانين بقدر ما تقتصر نظرية الحوادث الطارئة على مجال العقود . وشاطر الرئيس رأي اثنين من زملائه في ضرورة الإشراف عن كثب على صياغة النص الذي سيتضمن هذا المبدأ وفي إمكان اتخاذ النص المقترح من الأستاذ ريبير أساسا للنص موضوع البحث .

ووافق أخيراً على رأي المستر جراهام في ضرورة مناقشة هذا الموضوع في جلسة قادمة لدى بحث باب الالتزامات لما له من صدى هام .

مناقشات لجنة المرحوم كامل صدقي باشا

محضر جلسة ٥ مارس سنة ١٩٣٧

تلا المسيو بنيتا نص المادة 8 من المشروع التمهيدي المقترح من المسيو لينان دي بلفون وهو: - « لا يكون استعمال الحق مشروعا إذا جاوز الحدود التي يقتضيها حسن النية أو الغرض الذي من أجله تقرر هذا الحق »

وذكر أن هذه المادة تكاد تردد حرفياً ما جاء بالمادة ٧٤ فقرة ٢ من مشرع قانون الالتزامات الفرنسي الإيطالي والمادة ٣٥ من القانون البولوني والمادة ١٢٤ من القانون اللبناني وأنه يرى اقتباس نصها فيما عدا عبارة « الحدود التي يقتضيها حسن النية » لتفادي الصعوبات التي قد يثيرها تفسير هذه العبارة .

وقال فؤاد بك حسني إن النص المقترح ولو أنه يستمد شقه الأول من المادة ٢٢٦ من القانون المدني الألماني إلا أنه يتضمن في شقه الأخير تأكيدا يتعارض مع الفكرة العامة المعروفة لنا عن الحق الذي هو بحكم تعريفه قدرة الإرادة على النشاط في دائرة معينة وكل حد من هذا النشاط ينطوي على إساءة أشد خطورة من إساءة استعمال الحق ، وقد ذهب الأستاذ ديجيه وهو من أشد المعارضين لنظرية إساءة استعمال الحق إلى أن لفظتي الإساءة والحق تتنافران وأن كل عمل مشروع يسبب ضرراً للغير لا يمكن وصفه بأنه إساءة لاستعمال الحق وإنما بأنه مناف للحق وبناء عليه فهو لا يسلم بما يقال عن استعمال الحق ويرى أنه ليس هناك سوى القيام بعمل مطابق للحق من حيث موضوعه ومن حيث غايته .

وأضاف فؤاد بك حسنى أن العلامة بلانيول يرى هذا الرأي من حيث تنافر لفظتي الإساءة والحق وأنه إذا ترتب على استعمال الحق إلحاق ضرر بالغير بسبب إساءة الاستعمال انقلب الحق عملاً ضاراً مستوجباً للتعويض.

فكما يقول ريبير وفرتون إن الحق ينتهي حيث تبدأ إساءة استعماله وإساءة استعمال الحق هي استعماله بطريقة غير طبيعية.

ويذهب جوسران إلى أن كل حق يستعمل لغير ما مصلحة حقيقية وبغير مبرر مشروع ودون غاية سوى الإضرار بالغير يصبح عملا غير مشروع يستتبع مسئولية مرتكبه فمثل هذا العمل لا يعد إساءة لاستعمال حق .

ويرى كولان وكابيتان أن القاعدة القديمة nemo damnum facit qui suo jure utitur معناها أن من يستعمل حقه بحكمة وحذر لا يسأل عن تعويض الضرر الذي قد يسببه للغير ويميزان بين الأعمال المشروعة التي يقوم بها الإنسان بقصد الإضرار والأعمال التي يقوم بها دون عناية كافية .

ومن ثم يتضح الفارق بين وجهات النظر في هذا الموضوع كما يستخلص من القضاء الفرنسي والمختلط والأهلي .

ومع ذلك فيبدو من مقارنة وجهات النظر جميعاً أن نظرية إساءة استعمال الحق تخضع لاعتبارين أساسيين :

أحدهما نفسي محض وهو نية التدليس التي تصرف العمل المشروع إلى قصد واحد هو الإضرار بالغير والثاني مادي يواجه الضرر المتسبب عن مباشرة هذا العمل في نطاق يجاوز الحدود المادية المرسومة له .

وبناء عليه فقد اقترح النص التالي :

« لا يجوز لأحد أن يستعمل حقه دون مصلحة تعود عليه ولمجرد قصد الإضرار بالغير » .

فهذا النص يوفق بين الاعتبارين السابق ذكرهما ويتضمن الشروط الأربعة المطلوبة وهي (۱) استعمال الحق (٢) انعدام المصلحة من هذا الاستعمال (۳) قصد الإضرار (ويستوي معه الخطأ الجسيم) (٤) الضرر الفعلي .

وأبدى صليب بك سامي أن تقنين نظرية إساءة استعمال الحق في التشريع المصري يجب أن يصاغ في عبارات جلية محددة وأن من المستصوب عدم إدخال تجديد في هذه المادة لتسهيل مهمة القاضي بقدر المستطاع .

واقترح تحقيقا لهذه الغاية استبعاد عبارة «حدود حسن النية » حتى يكون الضابط في الإساءة ضابطاً ماديا أكثر منه شخصيا وحتى يتاح للقاضي أن يتقصى وقائع الدعوى نفسها ليستخلص منها ما إذا كان هناك استعمال تعسفي للحق أم لا.

وانضم عبد الفتاح بك السيد إلى رأي صليب بك سامي مقترحاً اقتباس نص المادة ٢٢٦ من القانون المدني الألماني .

ورأى المسيو دي فويه أيضا أن من الخير عدم استحداث جديد في هذه النظرية وذلك باقتباس نص قائم في أي من التشريعات الحديثة لتجنيب المحاكم الوقوع في العثرات التي يهيئها تطبيق نص جديد في مثل هذا الموضوع واقترح اقتباس نص من قانون الالتزامات الفرنسي الإيطالي .

واقترح المستر وليام موري جراهام النص التالي :

« يعد مسئولاً كل من تجاوز حدود الغرض الاجتماعي الذي من أجله تقرر الحق » .

وذكر المسيو كونستانت فان اكر أن عبارة « حدود حسن النية » فضلاً عن أنها غامضة فإنها تتيح للقاضي مجالاً للتحكم عند تطبيق هذا النص ، واقترح النص التالي الذي يجمع بين الفكرة التي عبر عنها القانون المدني الألماني وفكرة استعمال الحق بطريقة منافية للغرض الاجتماعي الذي من أجله تقرر الحق :

« تنتهي مشروعية استعمال الحق إذا كان من شأنه الإضرار بالغير دون فائدة تعود على من يستعمله أو إذا كان مخالفاً صراحة للغرض الاجتماعي الذي تقرر من أجله »

وحبذ مصطفى بك الشوربجي الأخذ بالنص الذي اقترحه المسيو فان أكر .

وقال المسيو ليون يشار إنه مع تقديره لوجاهة الملحوظات التي أبداها زملاؤه تعليقاً على عبارة « حسن النية» فإنه يرى مع ذلك الإبقاء على هذه العبارة على أن تدمج في نص يخالف النص المقترح ويمكن أن يكون كما يلي :

« استعمال الحقوق وتنفيذ الالتزامات يجب أن يتم وفقا لقواعد حسن النية فإذا استعمل الحق بطريقة تعسفية أو غير طبيعية من شأنها الإضرار بالغير كان استعماله عملاً غير مشروع لا يحميه القانون » .

وانضم الرئيس إلى رأى المسيو دوفيه في اقتباس نص من إحدى التشريعات الحديثة ذاكراً أن عبارة «حسن النية » ، التي وردت في مشروع قانون الالتزامات الفرنسي الإيطالي قد أغفلت في مشروع القانون المدني الإيطالي .

وقال المسيو بنيتا إنه لا بأس من الأخذ في التقنين المصري بالمبدأ الذي تقرر في كل من مشروع قانون الالتزامات والمشروع النهائي للقانون المدني الإيطالي سيما وأن هذا المبدأ وارد بالفعل في المادة ٦٠ مختلط و ٣٠ فقرة ٢ أهلي بصدد حالة خاصة وهي حالة مالك الجدار الذي لا يستطيع هدمه اختيارا دون مبرر جدي وبطريقة تفضي إلى الإضرار بالجار.

ولذا فقد اقترح بالاتفاق مع المستر جراهام الأخذ بالنص الوارد في المشروع النهائي للقانون المدني الإيطالي وهو :

« لا يسوغ لأحد أن يستعمل حقه بطريقة تتعارض والغرض الذي من أجله تقرر له هذا الحق » .

وأخذ الأصوات وافقت اللجنة على اقتباس هذا النص وجعله المادة 7 من الباب التمهيدي.

 (4) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 205 – ص 211 .

 (5) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 211.

 (6) مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 211.