باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مارس سنة 2022م،
الموافق الثاني من شعبان سنة 1443 ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: محمد خيرى طه النجار ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان
وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد
الرزاز نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / عوض عبدالحميد عبدالله رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
-----------------
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 10 لسنة 40
قضائية "دستورية".
المقامة من
إبراهيم على إبراهيم السماحى
ضد 1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب (النواب حاليًا)
3 - رئيس النيابة العامة بزفتى
------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الثاني والعشرين من يناير سنة 2018، أودع المدعى صحيفة هذه
الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصوص المواد
(323، 324، 325 مكررًا، 327، 328، 330) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر
بالقانون رقم 150 لسنة 1950. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم،
أصليًا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا: برفضها. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة
المفوضين تقريرًا برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت
المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
-----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل- حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن النيابة العامة، كانت قد قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية، أمام محكمة جنح
زفتى الجزئية، في الدعوى رقم 2350 لسنة 2017 جنح قسم زفتى، متهمة إياه بأنه في يوم
22/ 2/ 2017، بدائرة قسم زفتى، أقام مبنى بدون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية
المختصة، وطلبت معاقبته بالمادة (102/ 1-2) من القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار
قانون البناء.
وبجلسة 30/ 3/ 2017، أصدرت محكمة جنح زفتى الجزئية أمرًا جنائيًا
بتغريم المدعى مبلغًا يعادل مثلى قيمة الأعمال المخالفة الواردة بالمحضر، على سند
من نصى المادتين (323، 323 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية. وإذ لم يلق هذا
الأمر قبولاً لدى المدعى، اعترض عليه، وقيد اعتراضه بموجب تقرير أودع قلم كتاب
المحكمة الجزئية، برقم 10636 لسنة 2017 جنح مستأنف زفتى. تدوول الاعتراض أمام
محكمة جنح مستأنف زفتى، وبجلسة 28/ 12/ 2017، قدم وكيل المدعى مذكرة، ضمنها دفعًا
بعدم دستورية المواد من (323) حتى (330) من قانون الإجراءات الجنائية، وبتلك
الجلسة قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، فأقام
الدعوى المعروضة، ناعيًا على المواد (323، 324، 325 مكررًا، 327، 328، 330) من
قانون الإجراءات الجنائية، مخالفتها نصوص المواد (53، 94، 95، 96، 97، 98) من
دستور 2014.
وحيث إن المادة (323) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون
رقم 150 لسنة 1950 المستبدلة بالقانون رقم 74 لسنة 2007، يجرى نصها على أنه "
للنيابة العامة في مواد الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها بعقوبة الحبس، إذا
رأت أن الجريمة بحسب ظروفها تكفى فيها عقوبة الغرامة فضلاً عن العقوبات التكميلية
والتضمينات وما يجب رده والمصاريف، أن تطلب من قاضى المحكمة الجزئية التي من
اختصاصها نظر الدعوى توقيع العقوبة على المتهم بأمر يصدره بناء على محضر جمع
الاستدلالات أو أدلة الإثبات الأخرى بغير إجراء تحقيق أو سماع مرافعة ". وتنص
المادة (324) من القانون المشار إليه، المستبدلة بالقانون رقم 74 لسنة 2007 على
أنه " لا يقضى في الأمر الجنائي بغير الغرامة والعقوبات التكميلية والتضمينات
وما يجب رده والمصاريف، ويجوز أن يقضى فيه بالبراءة أو برفض الدعوى المدنية أو بوقف
تنفيذ العقوبة ". وتنص المادة (325 مكررًا) من القانون المار بيانه،
المستبدلة الفقرتان الأولى والثانية منها بالقانون رقم 74 لسنة 2007 على أنه
" لكل عضو نيابة، من درجة وكيل نيابة على الأقل، بالمحكمة التي من اختصاصها
نظر الدعوى أن يصدر الأمر الجنائي في الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها
بالحبس أو الغرامة التي يزيد حدها الأدنى على ألف جنيه فضلاً عن العقوبات
التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف. ولا يجوز أن يؤمر بغير الغرامة التي لا
يزيد حدها الأقصى على ألف جنيه والعقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده
والمصاريف، ويكون إصدار الأمر الجنائي وجوبيًا في المخالفات وفى الجنح المعاقب
عليها بالغرامة وحدها التي لا يزيد حدها الأقصى على خمسمائة جنيه، والتي لا يرى
حفظها. وللمحامي العام ولرئيس النيابة، حسب الأحوال، في ظرف عشرة أيام من تاريخ
صدور الأمر الجنائي، أن يأمر بتعديله أو بإلغائه وحفظ الأوراق والتقرير في الدعوى
بأن لا وجه لإقامتها أو رفعها إلى المحكمة المختصة والسير في الدعوى الجنائية
بالطرق العادية، ولا يجوز إعلان الأمر للخصوم قبل انقضاء هذه المدة ". وتنص
المادة (327) من القانون الفائت، المستبدلة فقرتها الأولى بالقانون رقم 153 لسنة
2007، على أنه " للنيابة العامة أن تعلن عدم قبولها للأمر الجنائي الصادر من القاضي،
ولباقي الخصوم أن يعلنوا عدم قبولهم للأمر الصادر من القاضي أو من النيابة العامة،
ويكون ذلك بتقرير بقلم كتّاب محكمة الجنح المستأنفة فيما يتعلق بالأمر الصادر من
القاضي طبقًا للمادة (323 مكررًا) من هذا القانون، وبتقرير بقلم كتّاب محكمة الجنح
في غير هذه الحالات، وذلك كله خلال عشرة أيام من تاريخ صدور الأمر بالنسبة للنيابة
العامة، ومن تاريخ إعلانه بالنسبة لباقي الخصوم. ويترتب على هذا التقرير سقوط
الأمر واعتباره كأن لم يكن. ويحدد الكاتب اليوم الذي تنظر فيه الدعوى أمام المحكمة
مع مراعاة المواعيد المقررة في المادة (233). ويُنبه على المقرر بالحضور في هذا
اليوم ويكلف باقى الخصوم والشهود بالحضور في الميعاد المنصوص عليه في المادة
(400). أما إذا لم يحصل اعتراض على الأمر بالطريقة المتقدمة يصبح نهائيًا واجب
التنفيذ. ولا يكون لما قضى به الأمر في موضوع الدعوى الجنائية حجية أمام المحاكم
المدنية". وتنص المادة (328) من القانون السالف، الملغاة فقرتها الثانية
بالقانون رقم 74 لسنة 2007، على أنه " إذا حضر الخصم الذي لم يقبل الأمر الجنائي
في الجلسة المحددة، تنظر الدعوى في مواجهته وفقًا للإجراءات العادية. أما إذا لم
يحضر تعود للأمر قوته ويصح نهائيًا واجب التنفيذ ". وتنص المادة (330) من
القانون ذاته على أنه " إذا ادعى المتهم عند التنفيذ عليه أن حقه في عدم قبول
الأمر لا يزال قائمًا لعدم إعلانه بالأمر أو لغير ذلك من الأسباب، أو أن مانعًا
قهريًا منعه من الحضور في الجلسة المحددة لنظر الدعوى، أو إذا حصل إشكال آخر في التنفيذ،
يقدم الإشكال إلى القاضي الذي أصدر الأمر ليفصل فيه بغير مرافعة، إلا إذا رأى عدم
إمكان الفصل فيه بحالته أو بدون تحقيق أو مرافعة. ويحدد يومًا لينظر في الإشكال
وفقًا للإجراءات العادية، ويكلف المتهم وباقي الخصوم بالحضور في اليوم المذكور،
فإذا قبل الإشكال تجرى المحاكمة وفقًا للمادة (328)
".
وحيث إن المدعى ينعى على النصوص المطعون عليها، الإخلال بضمانات
المحاكمة المنصفة، ومخالفة قواعد شرعية العقوبة؛ بإجازة الحكم بغرامة لا تلتزم
الحد الأقصى المقرر في الأمر الجنائي وقدره ألف جنيه، وإنما يصدر الأمر الجنائي
بغرامة تعادل مثلى أو ثلاثة أمثال قيمة الأعمال المخالفة، ومناقضة الحق في التقاضي؛
بحرمان المدعى من الاعتراض على الأمر الجنائي الصادر ضده، أمام المحكمة التي أصدرته،
وإهدار مبادئ العدالة بإجازة تشديد العقوبة التي صدر بها الأمر الجنائي، فيما لو
تم الاعتراض عليه، ومصادمة الحق في الدفاع بجواز إدانة المتهم غيابيًا بمقتضى
الأمر الجنائي، بناءً على محضر جمع الاستدلالات، وبغير إجراء تحقيق، أو سماع
مرافعة عند إصدار الأمر، أو الاستشكال في تنفيذه.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى،
فإنه يصادف قضاء هذه المحكمة؛ إذ المقرر به أن الأصل في النصوص التشريعية هو
افتراض مطابقتها مع أحكام الدستور، ويتعين بالتالي إعمالاً لهذا الافتراض وكشرط مبدئي
لإنفاذ محتواه أن تكون المطاعن الموجهة إلى هذه النصوص جلية في معناها واضحة في الدلالة
على المقصود منها لا يحيطها التجهيل أو يكتنفها الغموض.
كما استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن مفهوم المصلحة
الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - إنما يتحدد على ضوء عنصرين
أولين يحددان معًا مفهومها. ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان
استقلالهما عن بعضهما البعض لا ينفى تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه
المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية القوانين واللوائح. أولهما: أن يقيم المدعى
- في حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون فيه - الدليل على أن ضررًا
واقعيًا قد لحق به، ويجب أن يكون هذا الضرر مباشرًا مستقلاً بعناصره ممكنًا إدراكه
ومواجهته بالترضية القضائية. وثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي
المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على المدعى، أو كان من غير
المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها
لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي
في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني
بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العقاب على ارتكاب جريمة،
إنما يكون وفقًا للنصوص السارية في تاريخ حدوثها، فإن نطاق الطعن يتحدد بالنصوص
السارية في تاريخ الواقعة الجنائية، ما لم يتم تعديلها بعد ذلك على وجه أصلح
للمتهم، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم
في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه
القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد
لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى
لسريان كل من القاعدتين القانونيتين.
متى كان ما تقدم، وكان المدعى قد انصبت مناعيه - بعد تحصيله وقائع
الدعوى على نحو يخالف الثابت من أوراقها - على نصوص المواد (323، 324، 325 مكررًا،
327، 328) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، وفق
التعديل الذي أُدخل عليها بالقانون رقم 174 لسنة 1998، دون النصوص ذاتها التي جرى
تعديلها بالقانون رقم 74 لسنة 2007، واستبدال الفقرتين الأولى والثانية من المادة
(327) بالقانون رقم 153 لسنة 2007، كونها النصوص السارية وقت ارتكاب الفعل المؤثم
الذي صدر بشأنه الأمر الجنائي ضد المدعى، ومن ثم تكون مناعي المدعى على نصوص
المواد (323، 324، 327، 328) من قانون الإجراءات الجنائية، قد شابها غموض المعنى،
وإبهام الدلالة على المقصود منها، بما يصمها بالتجهيل، ومؤداه عدم قبول الدعوى في هذا
الشق منها، كما أن نصي المادتين (325 مكررًا) و(330) من القانون ذاته، ليس مطبقًا
أولهما على وقائع النزاع الموضوعي، ولا المدعى مخاطبًا بثانيهما، إذ لم ينفذ الأمر
الجنائي في مواجهة المدعى، ولم يقدم إشكالاً إلى القاضي الذي أصدره لإيقاف تنفيذه،
كون ذلك مفترض إعمال نص المادة (330) من قانون الإجراءات الجنائية، الأمر الذي تنتفي
معه مصلحته الشخصية المباشرة في مخاصمة النصين المشار إليهما، ولازم ذلك القضاء
بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره، أما السيد المستشار محمد خيرى
طه النجار، الذي سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع على مسودة الحكم فقد جلس بدلاً
منه عند تلاوته السيد المستشار رجب عبد الحكيم سليم.