جلسة 12 من ديسمبر سنة 1987
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي وصلاح عبد الفتاح سلامة وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد المنعم رفاعي عمارة المستشارين.
---------------
(60)
الطعن رقم 1939 لسنة 30 القضائية
مجلس الدولة - اختصاصه - ما يخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - أعمال السيادة (الرقابة على دستورية القوانين).
تباشر المحكمة أعمال السيادة باعتبارها سلطة حكم وفي نطاق وظيفتها السياسية - رقابة القضاء لا تمتد لهذه الأعمال - قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين للانتخاب يعتبر من أعمال السيادة التي تخرج من نطاق الرقابة القضائية - لا تعارض بين الرقابة على دستورية القوانين وأعمال السيادة - ولا تلازم بينهما - أساس ذلك: أن الرقابة على دستورية القوانين تهدف إلى إعلاء كلمة الدستور باعتباره أعلى القواعد القانونية بينما أعمال السيادة هي نوع من الأعمال تخرج من رقابة القضاء لاعتبارات قد تكون في بعض صورها سياسية ورقابة القضاء عليها لا تتفق وطبيعة ولاية السلطة القضائية - مؤدى ذلك - أنه لا وجه للقول بأن دستور 1971 عندما قضى في المادة (75) بأن تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية القوانين يكون قد ألغى النصوص الخاصة بعدم اختصاص الجهات القضائية بالنظر في أعمال السيادة - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق السادس عشر من شهر مايو عام 1984 أودع الأستاذ....... المحامي بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن رقم 1939 لسنة 30 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري رقم 3608 لسنة 38 القضائية بجلسة الثامن من مايو عام 1984 والقاضي أولاً: بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الطعن في قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 1984 بدعوة الناخبين إلى انتخاب أعضاء مجلس الشعب ثانياً: وبالنسبة لباقي الطلبات بقبول الدعوى شكلاً وبرفض وقف تنفيذ القرارات المطعون فيها وألزمت المدعي مصروفات هذا الطلب. وأمرت بإحالة الدعوى بحالتها إلى هيئة مفوضي الدولة لتقدم تقريراً بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.
وقد أعلن الطعن للمدعى عليهم. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ونظرت الطعن دائرة فحص الطعون بجلسة 4/ 6/ 1984 وتداول نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 27/ 8/ 1984 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا، لنظره بجلسة 13/ 10/ 1984، فنظرته بالجلسة المذكورة وتداول أمامها على الوجه المبين بالمحاضر، وبجلسة 1/ 12/ 1984 دفع الطاعن بعدم دستورية القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 113 لسنة 1984، وقررت المحكمة تأجيل نظر الطعن لجلسة 2/ 3/ 1985، وحددت ميعاداً غايته آخر يناير 1985 حتى يقوم الطاعن برفع دعوى عدم دستورية القانون المشار إليه خلال هذا الميعاد. وبجلسة 2/ 3/ 1985 قررت المحكمة وقف الطعن. حيث قرر الطاعن أنه قام برفع دعوى عدم دستورية القانون سالف الذكر. وبجلسة 16 مايو 1987 قضت المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 131 لسنة 6 قضائية دستورية المرفوعة من الأستاذ....... - فيما قضت - بعدم دستورية المواد الخامسة مكرراً والسادسة فقرة ( أ ) والسابعة عشرة فقرة ( أ ) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 113 لسنة 1984 وعلى أثر صدور هذا الحكم بطلب الطاعن تعجيل نظر طعنه وحدد لنظره جلسة 17/ 10/ 1987 وفيها طلب الطاعن التأجيل لتقديم مذكرة في جواز تصدي المحكمة الإدارية العليا لموضوع طلب الإلغاء الذي ما زال معروضاً على محكمة القضاء الإداري ولم يفصل فيه بعد ودفع الحاضر عن الحكومة بزوال صفة الاستعجال لحل مجلس الشعب، وقررت المحكمة التأجيل لجلسة 7/ 11/ 1987 ليقدم الطاعن مذكرة في الموضوع. وبجلسة 7/ 11/ 1987 حضر الطاعن شخصياً وقدم مذكرة بدفاعه، وطلب الحاضر عن الحكومة حجز الطعن مع التصريح بتقديم مذكرة رداً على مذكرة الطاعن وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات خلال أسبوعين. وخلال هذا الميعاد أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، وبجلسة اليوم صدر هذا الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد والمداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يخلص من أوراق الطعن تتحصل في أنه بتاريخ 15/ 4/ 1984 أقام المدعي الدعوى رقم 3608 لسنة 38 القضائية بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 1984 بدعوة الناخبين إلى انتخاب أعضاء مجلس الشعب وقرار وزير الداخلية رقم 293 لسنة 1984 بفتح باب الترشيح لعضوية مجلس الشعب وقرار مدير أمن القاهرة في 14/ 4/ 1984 برفض قبول أوراق ترشيحه لعضوية مجلس الشعب، والحكم في الموضوع أصلياً بإلغاء القرارات المطعون عليها، واحتياطياً بوقف القرار الصادر بقبول القوائم الجزئية للمرشحين وبإجراء الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية طبقاً للقانون رقم 114 لسنة 1983 وبجلسة 8 من مايو عام 1984 قررت محكمة القضاء الإداري حكمها المشار إليه، فطعن الطاعن عليه بالطعن الماثل أمام هذه المحكمة ودفع أمامها بعدم دستورية القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983. ورخصت له المحكمة الإدارية العليا في رفع دعوى عدم دستورية القانون سالف الذكر. وقام برفع دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا التي أصدرت حكمها بجلسة 16 من مايو 1987. وقضت فيما قضت - بعدم دستورية المواد الخامسة مكرراً والسادسة الفقرة ( أ ) والسابعة عشرة فقرة ( أ ) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983.
ومن حيث إن المدعي صمم على طلب إلغاء القرارات المطعون فيها وطلب أن تتصدى المحكمة للفصل في موضوع الدعوى بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا، لأن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يضع الدعوى برمتها أمامها غير مقيدة بأسباب الطعن أو طلبات الخصوم أو تقارير هيئة مفوضي الدولة، وأن له مصلحة في الدعوى رغم حل مجلس الشعب حيث أقام دعوى تعويض أمام محكمة القضاء الإداري عما أصابه من أضرار من القرارات المطعون عليها.
ومن حيث إن هيئة قضايا الدولة طلبت الحكم برفض الطعن بالنسبة إلى الشق الأول من طلبات الطاعن، وتأييد الحكم المطعون فيه، فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر طلب إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 1984 وبالنسبة لباقي طلبات الطاعن أصلياً: الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، واحتياطياً برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام الطاعن بالمصروفات، وذلك تأسيساً على أن قرار رئيس الجمهورية المطعون عليه يعتبر من أعمال السيادة وفقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء. وبالنسبة لباقي الطلبات فقد انتفت مصلحة المدعي سواء بالنسبة لطلب وقف التنفيذ أو طلب الإلغاء بعد حل مجلس الشعب الذي سبق للطاعن أن تقدم بطلب الترشيح لعضويته، فضلاً عن انتفاء ركن الاستعجال بالنسبة لطلب وقف التنفيذ.
ومن حيث إنه عن الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص محكمة القضاء الإداري ولائياً بنظر الطعن في قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 1984 بدعوة الناخبين إلى انتخاب أعضاء مجلس الشعب فقد قام على سند من أن هذا القرار يعد عملاً من أعمال السيادة، مما لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر فيه عملاً بنص المادة 11 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، باعتبار أن هذا القرار هو فاتحة العلاقة بين الحكومة ومجلس الشعب، وصدر من الحكومة بوصفها عضواً سياسياً، وليس جهازاً إدارياً. ويقوم طعن الطاعن على أساس أن دستور عام 1971 قد ألغى ضمناً أي نص تشريعي يقوم على فكرة إعمال السيادة وأن قرار دعوة الناخبين إلى الانتخابات لا بد وأن يتم وفقاً للدستور. ولما كانت المادة 11 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة. وقد استقر الفقه والقضاء على أن الأعمال التي تباشرها الحكومة باعتبارها سلطة حكم تعد من أعمال السيادة، تميزاً لها عن الأعمال التي تباشرها الحكومة باعتبارها سلطة إدارة فتخضع للرقابة القضائية. فأعمال السيادة تباشرها الحكومة باعتبارها سلطة حكم، وفي نطاق وظيفتها السياسية، ولا تمتد إليها الرقابة القضائية، ولما كان قرار رئيس الجمهورية - سالف الذكر - بدعوة الناخبين للانتخاب، صدر عنه بوصفه سلطة حكم فمن ثم يعد من أعمال السيادة، وينأى عن الرقابة القضائية ولا تعارض بين الرقابة على دستورية القوانين مع فكرة أعمال السيادة، وإذ لا تلازم بين الأمرين فليس هناك ما يحول دون تطبيق نظام الرقابة على دستورية القوانين، مع التمييز بين أعمال الإدارة وأعمال السيادة. ذلك أنه إذا كانت الرقابة على دستورية القوانين تهدف إلى إعلاء كلمة الدستور باعتباره أعلى القواعد القانونية، فإن إعمال مبدأ السيادة والأعمال التي تتمثل فيها من شأنه إخراج بعض الأعمال الحكومية من الرقابة القضائية لاعتبارات قد تكون في بعض صورها سياسية، وفي رقابة القضاء على هذه الأعمال ما لا يتفق وطبيعة ولاية السلطة القضائية. لذلك فلا وجه للقول بأن دستور عام 1971 عندما قضى في المادة 1975 بأن تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة القضائية على دستورية القوانين يكون قد ألغى النصوص الخاصة بعدم اختصاص الجهات القضائية بالنظر في أعمال السيادة، وبذلك فإن الحكم المطعون فيه، وقد قضى بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الطعن في قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 1984 بدعوة الناخبين إلى انتخاب أعضاء مجلس الشعب يكون قد صدر متفقاً مع صحيح القانون، ويصبح النعي عليه في غير محله.
ومن حيث إنه بالنسبة لباقي طلبات المدعي والتي تتعلق بالطعن على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري السالف الذكر فيما قضى به من قبول الدعوى شكلاً ورفض طلب وقف تنفيذ القرارات المطعون فيها، فالثابت من أوراق الطعن أنه قد صدر في 14/ 2/ 1987 قرار رئيس الجمهورية رقم 46 لسنة 1987 بحل مجلس الشعب، ودعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الجديد وذلك بعد موافقة الناخبين في الاستفتاء العام على حل مجلس الشعب. ولما كان طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين: الأول قيام الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، والثاني يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية. ومتى كان الثابت من أوراق الطعن أن مجلس الشعب الذي كان الطاعن قد استبعد من الترشيح لعضويته بالقرارات المطعون فيها صدر قرار من رئيس الجمهورية بحله بعد استفتاء الناخبين على ذلك، وأجريت انتخابات لمجلس جديد فإنه يكون قد انتفى ركن الاستعجال اللازم توافره في طلب وقف التنفيذ، ومن ثم فإن هذا الطلب يصبح جديراً بالرفض.
ومن حيث إنه عن طلب الطاعن الفصل في الدعوى الموضوعية بإلغاء القرارات المشار إليها فلما كان هذا الطلب ما زال معروضاً أمام محكمة القضاء الإداري لم تفصل فيه بعد، وإذ كان اختصاص هذه المحكمة مقصوراً على نظر الطعن في أحكام محكمة القضاء الإداري، والمحاكم التأديبية ولم يصدر بعد حكم في موضوع طلبات الإلغاء من محكمة القضاء الإداري طعن فيه أمام هذه المحكمة، وإذ كان الطعن الحالي مقصوراً فقط على طلب وقف تنفيذ القرارات المطلوب إلغاؤها والذي قضى الحكم المطعون فيه برفضه وما زالت طلبات الإلغاء قائمة أمام محكمة القضاء الإداري لم تفصل فيها بعد، ولما كان النظر في طلب وقف التنفيذ يتناول كل ما يتعلق بوقف التنفيذ من أمور تتصل بالمشروعية، دون أن يتطرق لذات الموضوع الإلغاء، وإذ كان طلب الإلغاء لم يفصل فيه بعد فلا يجوز نظره بداءة أمام هذه المحكمة ويكون طلب الطاعن من هذه المحكمة التصدي من تلقاء نفسها بناء على طلبه للنظر في طلب إلغاء القرارات المشار إليها في غير محله ومن غير الجائز قبوله أمام هذه المحكمة قبل فصل محكمة القضاء الإداري في شأنها.
ومن حيث إن الطاعن خسر طعنه فيتعين إلزامه بالمصروفات طبقاً للمادة 184 من قانون المرافعات المدنية والتجارية إذ أن القرارات المطعون فيها عند صدورها على ما يبدو من ظاهر الأوراق في مقام بحث ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ ودون خوض في مشروعيتها كانت غير متعارضة مع التشريع القائم آنذاك الذي انتهت المحكمة الدستورية العليا إلى عدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاًً، وبرفضه موضوعاً وبعدم جواز نظر طلب إلغاء القرارات المشار إليها قبل فصل محكمة القضاء الإداري في شأنها، وألزمت الطاعن بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق