الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 10 نوفمبر 2023

الطعن 159 لسنة 21 ق جلسة 4 / 8 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 125 ص 1034

جلسة 4 أغسطس سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعي عمرو - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

--------------

قاعدة رقم (125)
القضية رقم 159 لسنة 21 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة فيها: مناطها - نطاقها".
مناط المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي - هذا النزاع يدور حول أحقية المدعي في حساب مدة خدمته السابقة على التحاقه بالقضاء عند تقدير قيمة الإعانة الإضافية المنصوص عليها بالمادة 29 مكرراً من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية؛ مؤدى ذلك: يتحدد نطاق الدعوى الدستورية فيما تضمنته هذه المادة من قصر الاعتداد في حساب الإعانة الإضافية على سنوات الخدمة بالهيئات القضائية التي تزيد على خمس وعشرين سنة دون المدد التي ُقضيت بغيرها.
2 - تشريع "القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية - تنظيم هذا الصندوق: وزير العدل".
نص القانون المشار إليه على إنشاء هذا الصندوق كافلاً الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التي عينها - خلا هذا القانون من كل تحديد لهذه الخدمات سواء في نوعها أو مداها وعهد بتفصيلها وتحديد ضوابطها إلى وزير العدل ليصدر في شأنها من يناسبها من القرارات التي يوافق عليها المجلس الأعلى للهيئات القضائية؛ مؤدى ذلك: عدم اعتبار التنظيم الصادر عن وزير العدل في هذا الشأن منطوياً على حرمان من مزايا كفلها القانون ولا على تعديل لهذا القانون.
3 - مبدأ تكافؤ الفرص "مفهومه".
اتصال هذا المبدأ في مضمونه بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، فلا يثور إعماله إلا عند التزاحم عليها؛ مؤدى ذلك: انتفاء إعمال هذا المبدأ عندما تنتفي صلته بفرص يجرى التزاحم عليها.
4 - مبدأ المساواة "مفهومه".
لا يعني مبدأ المساواة أن تُعامل فئات المواطنين، على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية، معاملة متكافئة.
5 - تشريع "نص المادة 29 مكرراً من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981: إعانة إضافية - سلطة تقديرية".
تقرير النص الطعين المشار إليه الإعانة الإضافية قُصد به تكريم أعضاء الهيئات القضائية ممن قضوا في الخدمة الفعلية بها مدداً تزيد على خمس وعشرين سنة - المغايرة بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها، يملكها المشرع في إطار سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق طالما كان تقديره في ذلك قائماً على أسس موضوعية، مستهدفاً غايات مشروعة، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتمثل ظروفهم.
6 - رقابة دستورية "مناطها: مخالفة دستورية".
الرقابة التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على التشريعات؛ مناطها: مخالفة النصوص القانونية للدستور - أثر ذلك: لا شأن لهذه الرقابة بالتعارض بين نصين قانونيين ما لم يكن منطوياً بذاته على مخالفة دستورية.

--------------
1 - من المقرر أن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وكان النزاع الموضوع يدور حول أحقية المدعي في حساب مدة خدمته السابقة على التحاقه بالقضاء عند تقدير قيمة الإعانة الإضافية المنصوص عليها بالمادة 29 مكرراً من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، فإن نطاق الطعن الماثل يتحدد فيما تضمنته هذه المادة من قصر الاعتداد في حساب الإعانة الإضافية على سنوات الخدمة بالهيئات القضائية التي تزيد على خمس وعشرين سنة دون المدد التي قضيت بغيرها، ولا يمتد إلى سوى ذلك من أحكام حواها النص الطعين.
2 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن القانون رقم 36 لسنة 1975 المشار إليه، وإن أنشأ صندوقاً كافلاً الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التي عينها، ونص على انصرافها إليهم وإلى أسرهم، إلا أن هذا القانون خلا من كل تحديد لها سواء في نوعها أو مداها، وعهد بتفصيلها وتحديد ضوابطها إلى وزير العدل، مصدراً في شأنها ما يناسبها من القرارات التي يوافق عليها المجلس الأعلى للهيئات القضائية. ولا يعتبر التنظيم الصادر عن وزير العدل في هذا الشأن، منطوياً على حرمان من مزايا كفلها ذلك القانون، إذ يفترض الحرمان منها أن يكون أصلها مقرراً ابتداءً بمقتضى أحكامه، وهو ما لا دليل عليه من نصوصه التي وضعها المشرع ليكل إلى وزير العدل - بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية - أمر بيانها وشروط اقتضائها. يؤيد هذا النظر في الدولة هي التي توفر بنفسها مصادر تمويل هذا الصندوق، وينبغي بالتالي أن يكون إنفاذ الخدمات التي يقدمها وما يترتب عليها من أعباء يتحملها، متطوراً ومرتبطاً دوماً بموارده. ومن المقرر، عملاً بنص المادة 144 من الدستور؛ أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه، استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها، وكان قانون صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية لا يتضمن تحديداً لقواعد الانتفاع بها، فإن بيان وزير العدل لشروط استحقاقها - إعمالاً لسلطته في مجال تنظيم هذا الصندوق وتقرير قواعد الإنفاق منه - لا يكون منطوياً على تعديل لهذا القانون؛ وبالتالي غير مخالف للدستور من هذا الوجه.
3 - مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً لنص المادة (8) من الدستور يتصل في مضمونه - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، فلا يثور إعماله إلا عند التزاحم عليها، كما أن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية - في مجال الانتفاع بها - لبعض المتزاحمين على بعض، وهي أولوية تتحدد وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام؛ بما مؤداه أن إعمال هذا المبدأ في نطاق تطبيق النص الطعين يكون منتفياً، إذ لا صلة له بفرص يجرى التزاحم عليها.
4 - جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كما أنه ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 من الدستور.
5 - تقرير الإعانة الإضافية بالنص الطعين المشار إليه قُصد به تكريم أعضاء الهيئات القضائية ممن قضوا في الخدمة الفعلية بها مدداً تزيد على خمس وعشرين سنة، بحيث يتم منحهم هذه الإعانة عن الزائد من سنوات الخدمة على هذا القدر تقديراً من المشرّع لطبيعة العمل بالهيئات القضائية والذي يختلف عن العمل في غيرها، وإن بدا أنهما متشابهان، فالعمل القضائي هو عمل شاق بطبيعته، يأخذ من وقت العضو وجهده وصحته الكثير ولا يتساوى مع غيره من الأعمال، ومن ثم فإن إفراد المشرع أعضاء الهيئات القضائية الذين أمضوا في خدمتها مدداً تزيد حقيقة - لا حكماً - على خمس وعشرين سنة دون أقرانهم الذين لم تبلغ خدمتهم الفعلية بها هذا القدر، بإعانة إضافية، يكون قد قام على أساس موضوعي يبرره مبدأ المساواة ذاته وليس من شأن التساوي بين الفريقين في مدد الاشتراك في نظام التأمين الاجتماعي أن يفرض المساواة بينهما في الإعانة الإضافية، فلكل من النظامين مجاله وأغراضه فلا يختلطان. ومن ناحية أخرى؛ فإن الاعتداد ببعض مدد الخدمة السابقة في أقدمية الوظيفة عند التعيين فيها وفقاً لقوانين الهيئات القضائية؛ أو في استحقاق المبلغ الشهري الإضافي المقرر وفقاً لنظام الصندوق ذاته، لا يرتب - من زاوية دستورية - إدخال هذه المدد في حساب تلك الإعانة، على وجه الحتم واللزوم، فقد أطرد قضاء هذه المحكمة على أنه كلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها؛ وكان تقديره في ذلك قائماً على أسس موضوعية، مستهدفاً غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات؛ كان واقعاً في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق ولو تمييزاً، ولا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابياً عن الكمال.
6 - ما ينعاه المدعي من مخالفة النص الطعين لنص المادة 34 مكرراً (1) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 مردود بأن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية التشريع، مناطها قيام تعارض بين نص قانوني أو لائحي وبين حكم في الدستور، ولا شأن لها بما يقع من تناقض بين تشريعين سواء اتحدا أم اختلفا في مرتبتيهما، ما لم يكن ذلك منطوياً - بذاته - على مخالفة دستورية.


الإجراءات

بتاريخ الحادي والثلاثين من أغسطس سنة 1999 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 29 مكرراً من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام أمام محكمة النقض "دائرة طلبات رجال القضاء" الطلب رقم 61 لسنة 67 قضائية أبدى فيه أن القانون رقم 36 لسنة 1975 أنشأ صندوقاً لكفالة الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التي عّينها، ونص على انصرافها إليهم جميعاً دون تفرقة بينهم سواء في انتفاعهم بها أثناء مدة خدمتهم أو بعد إحالتهم إلى التقاعد، إلا أن قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 الصادر بتنظيم الانتفاع بتلك الخدمات خالف نهج ذلك القانون في شأن حساب الإعانة الإضافية التي تقرر صرفها بالمادة 29 مكرراً منه، إذ قضى بتقديرها بنسبة معينة عن كل سنة من سنوات الخدمة بالهيئات القضائية التي تزيد على خمس وعشرين سنة، ونظراً لأن المدعي كانت له مدة خدمة سابقة على التحاقه بالقضاء، إذا عمل محامياً ثم كبيراً للمحامين بإدارة القضايا بالبنك العقاري المصري منذ عام 1961، فقد طلب الحكم بأحقيته في ضم هذه المدة السابقة عن حساب قيمة تلك الإعانة، وأثناء نظر طلبه، دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة 29 مكرراً من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 المشار إليه، وإذ قدرت تلك الدائرة جدية دفعه، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية معدلاً بالقرار رقم 2276 لسنة 1996 ينص في المادة 25 منه على أن (يؤدي الصندوق إعانة نهاية خدمة تقدر "بخمسة وسبعين مثلاً" من المرتب الأساسي الشهري الأخير للعضو أو مبلغ "ثلاثون ألف جنيه" أيهما أكبر.
وتستحق هذه الإعانة في الحالات الآتية: -
1 - إحالة العضو إلى المعاش لبلوغه سن التقاعد، ولا يحول دون استحقاقها استمراره في خدمة الهيئات القضائية بعد هذه السن.
2 - إحالة العضو إلى المعاش لأسباب صحية تحول دون قيامه بوظيفته على الوجه اللائق وفقاً لأحكام قوانين الهيئات القضائية.
3 - وفاة العضو حقيقة أو حكماً وفقاً للقانون، وتستحق الإعانة في هذه الحالة لمن عينهم من زوج أو أقارب حتى الدرجة الرابعة، وإلا استحقت لورثته الشرعيين).
كما تنص المادة 29 مكرراً - المطعون فيها - على أنه (في الحالات المبينة في المادة (25) من هذا القرار يؤدي الصندوق إعانة إضافية تقدر بواقع أربعة أمثال الراتب الأساسي الشهري الأخير للعضو عن كل سنة من سنوات خدمته بالهيئات القضائية التي تزيد على خمس وعشرين سنة، ويراعى في حساب هذه الإعانة اعتبار كسور السنة سنة كاملة.
وحيث إن من المقرر أن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وكان النزاع الموضوعي يدور حول أحقية المدعي في حساب مدة خدمته السابقة على التحاقه بالقضاء عند تقدير قيمة الإعانة الإضافية المنصوص عليها بالمادة 29 مكرراً من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، فإن نطاق الطعن الماثل يتحدد فيما تضمنته هذه المادة من قصر الاعتداد في حساب الإعانة الإضافية على سنوات الخدمة بالهيئات القضائية التي تزيد على خمس وعشرين سنة دون المدد التي قضيت بغيرها، ولا يمتد إلى سوى ذلك من أحكام حواها النص الطعين.
وحيث إن المدعي ينعى على نص المادة 29 مكرراً من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 آنف البيان - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - مخالفته للمادة 122 من الدستور التي تنص على أن يعين القانون قواعد منح المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التي تتقرر على خزانة الدولة، وينظم القانون حالات الاستثناء منها والجهات التي تتولى تطبيقها، تأسيساً على أن القانون رقم 36 لسنة 1975 وقد كفل لأعضاء الهيئات القضائية الخدمات الصحية والاجتماعية التي حددها - ومن ثم بينها الإعانة الإضافية - فما كان للقرار المطعون فيه، وهو أدنى مرتبة من القانون، أن يُعَّدل من قواعد استحقاقها، وإلا كان مخالفة للدستور.
وحيث إن المادة (1) من القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، تقضي بأن ينشأ بوزارة العدل صندوق تكون له الشخصية الاعتبارية، تخصص له الدولة الموارد اللازمة لتمويل وكفالة الخدمات الصحية والاجتماعية للأعضاء الحاليين والسابقين وأسرهم، على أن يصدر بتنظيم هذا الصندوق، وقواعد الإنفاق منه، قرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
وتنفيذاً لحكم هذه المادة أصدر وزير العدل القرار رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، متضمناً تحديد الأغراض التي يقوم عليها هذا الصندوق ووسائل تنفيذها ومتابعتها، وصور الخدمات الصحية والاجتماعية التي يقدمها ومداها، وما يخرج من نطاق ما يتحمله الصندوق من تكلفتها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون رقم 36 لسنة 1975 المشار إليه، وإن أنشأ صندوقاً كافلاً الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التي عينها، ونص على انصرافها إليهم وإلى أسرهم، إلا أن هذا القانون خلا من كل تحديد لها سواء في نوعها أو مداها، وعهد بتفصيلها وتحديد ضوابطها إلى وزير العدل، مصدراً في شأنها ما يناسبها من القرارات التي يوافق عليها المجلس الأعلى للهيئات القضائية. ولا يعتبر التنظيم الصادر عن وزير العدل في هذا الشأن، منطوياً على حرمان من مزايا كفلها ذلك القانون، إذ يفترض الحرمان منها أن يكون أصلها مقرراً ابتداءً بمقتضى أحكامه، وهو ما لا دليل عليه من نصوصه التي وضعها المشرع ليكل إلى وزير العدل - بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية - أمر بيانها وشروط اقتضائها. يؤيد هذا النظر أن الدولة هي التي توفر بنفسها مصادر تمويل هذا الصندوق، وينبغي بالتالي أن يكون إنفاذ الخدمات التي يقدمها وما يترتب عليها من أعباء يتحملها، متطوراً ومرتبطاً دوماً بموارده.
وحيث إن من المقرر، عملاً بنص المادة 144 من الدستور؛ أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه، استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها، وكان قانون صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية لا يتضمن تحديداً لقواعد الانتفاع بها، فإن بيان وزير العدل لشروط استحقاقها - إعمالاً لسلطته في مجال تنظيم هذا الصندوق وتقرير قواعد الإنفاق منه - لا يكون منطوياً على تعديل لهذا القانون؛ وبالتالي غير مخالف للدستور من هذا الوجه.
وحيث إن المدعي ينعى كذلك على النص الطعين إخلاله بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليهما بالمادتين 8 و40 من الدستور، قولاً منه بأنه مايز في حساب الإعانة الإضافية بين عضو الهيئات القضائية الذي أمضى في خدمتها مدداً تزيد على خمس وعشرين سنة، وبين العضو الذي قلَّت مدة خدمته بها عن هذا الحد حتى ولو كانت له مدة خدمة سابقة بعمل نظير مسدد عنها اشتراكات التأمينات الاجتماعية، هذا فضلاً عن تعارضه مع نص المادة 34 مكرراً (1) من ذات القرار الذي يعتد بمدة الاشتغال بعمل نظير أو بالمحاماة في حساب المبلغ الشهري الإضافي المقرر بها.
وحيث إن مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً لنص المادة (8) من الدستور يتصل في مضمونه - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، فلا يثور إعماله إلا عند التزاحم عليها، كما أن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية - في مجال الانتفاع بها - لبعض المتزاحمين على بعض، وهي أولوية تتحدد وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام؛ بما مؤداه أن إعمال هذا المبدأ في نطاق تطبيق النص الطعين يكون منتفياً، إذ لا صلة له بفرص يجرى التزاحم عليها.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كما أنه ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إن البين من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية أنه قد استحدث في الفصل الأول من الباب الثالث منه نظاماً لإعانة نهاية الخدمة تُؤدَّى - على ما نصت عليه المادة 25 منه - عند إحالة العضو إلى المعاش لبلوغه سن التقاعد، أو لأسباب صحية تحول دون قيامه بوظيفته على الوجه اللائق وفقاً لأحكام قوانين الهيئات القضائية، أو عند وفاة العضو حقيقة أو حكماً وفقاً للقانون، واشترط هذا النظام لاستحقاق تلك الإعانة أن يسدد العضو الاشتراكات الشهرية المبينة بالجدولين المرافقين لقرار وزير العدل المشار إليه؛ ثم صدر قرار وزير العدل رقم 1957 لسنة 1984 معدلاً بعض أحكام نظام إعانة نهاية الخدمة لأعضاء الهيئات القضائية ومضيفاً إلى قراره رقم 4853 لسنة 1981 مادة جديدة برقم 29 مكرراً تقضي بمنح إعانة إضافية تقدر بواقع مثل ونصف الراتب الأساسي الشهري الأخير للعضو - زيدت بالقرار رقم 2276 لسنة 1996 إلى أربعة أمثال - عن كل سنة من سنوات خدمته بالهيئات القضائية الزائدة على خمس وعشرين سنة.
وحيث إن تقرير الإعانة الإضافية بالنص الطعين المشار إليه قُصد به تكريم أعضاء الهيئات القضائية ممن قضوا في الخدمة الفعلية بها مدداً تزيد على خمس وعشرين سنة، بحيث يتم منحهم هذه الإعانة عن الزائد من سنوات الخدمة على هذا القدر تقديراً من المشرّع لطبيعة العمل بالهيئات القضائية والذي يختلف عن العمل في غيرها، وإن بدا أنهما متشابهان، فالعمل القضائي هو عمل شاق بطبيعته، يأخذ من وقت العضو وجهده وصحته الكثير ولا يتساوى مع غيره من الأعمال، ومن ثم فإن إفراد المشرع أعضاء الهيئات القضائية الذين أمضوا في خدمتها مدداً تزيد حقيقة - لا حكماً - على خمس وعشرين سنة دون أقرانهم الذين لم تبلغ خدمتهم الفعلية بها هذا القدر، بإعانة إضافية، يكون قد قام على أساس موضوعي يبرره مبدأ المساواة ذاته وليس من شأن التساوي بين الفريقين في مدد الاشتراك في نظام التأمين الاجتماعي أن يفرض المساواة بينهما في الإعانة الإضافية، فلكل من النظامين مجاله وأغراضه فلا يختلطان. ومن ناحية أخرى؛ فإن الاعتداد ببعض مدد الخدمة السابقة في أقدمية الوظيفة عند التعيين فيها وفقاً لقوانين الهيئات القضائية؛ أو في استحقاق المبلغ الشهري الإضافي المقرر وفقاً للنظام الصندوق ذاته، لا يرتب - من زاوية دستورية - إدخال هذه المدد في حساب تلك الإعانة، على وجه الحتم واللزوم، فقد أطرد قضاء هذه المحكمة على أنه كلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها؛ وكان تقديره في ذلك قائماً على أسس موضوعية، مستهدفاً غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات؛ كان واقعاً في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق ولو تمييزاً، ولا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابياً عن الكمال.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من مخالفة النص الطعين لنص المادة 34 مكرراً (1) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 مردود بأن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية التشريع، مناطها قيام تعارض بين نص قانوني أو لائحي وبين حكم في الدستور، ولا شأن لها بما يقع من تناقض بين تشريعين سواء اتحدا أم اختلفا في مرتبتيهما، ما لم يكن ذلك منطوياً - بذاته - على مخالفة دستورية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق