جلسة 4 من فبراير سنة 1953
برياسة حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن؛ وبحضور حضرات المستشارين إبراهيم خليل وإسماعيل مجدي ومصطفى حسن ومحمود إسماعيل.
--------------
(180)
القضية رقم 704 سنة 22 القضائية
إتلاف أموال ثابتة أو منقولة.
القصد الجنائي. متى يتحقق؟
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أتلف عمدا الآلات والأشياء المبينة الوصف بالمحضر لمحمد محمد الخولي - وقد ترتب على الفعل ضرر مالي قيمته أكثر من عشرة جنيهات وكان ذلك بقصد الإساءة. وطلبت عقابه بالمادة 361/ 2 من قانون العقوبات. وقد ادعى محمد محمد الخولي بحق مدني قبل المتهم وطلب القضاء له عليه بمبلغ 2839 جنيها و440 مليما بصفة تعويض. ومحكمة جنح روض الفرج قضت فيها حضوريا عملا بمادة الاتهام بحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ بلا مصاريف جنائية وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية والزمت رافعها بمصروفاتها. فاستأنف المتهم كما استأنفه المدعي بالحق المدني. ومحكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية قضت فيها حضوريا بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للدعوى العمومية وبتغريم المتهم مائة جنيه وتأييده فيما عدا ذلك مع إلزام المدعي بالحق المدني بالمصاريف المدنية الاستئنافية بلا مصاريف جنائية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن يقول إن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون من ناحيتين (الأولى) أنه اعتبر ملكية الآلات والأفران مستقلة عن ملكية الأرض والمباني بمقولة إن الأولى وإن أصبحت عقارا بالالتصاق إلا أن ملكيتها تبقى للمستأجر طوال مدة الإيجار ما دام أنه قد استمد حق إقامتها من المالك الأصلي وأن ليس للطاعن وقد اشترى الأرض والمباني فقط أي حق على الآلات والأفران, ومن جهة أخرى ليس له من الحقوق وقد استأجرها من المستأجر من الباطن أكثر مما لهذا الأخير من الحقوق يقول الطاعن إن هذا الذي قاله الحكم غير صحيح في القانون لأن المستأجر إذا أنشأ مالا ثابتا على العقار المؤجر له فإن المنشئآت تلحق بذلك العقار ولا يكون له حق نزعها إلا برضاء المالك ولا يمكن أن تكون ملكيتها منفصلة عن العقار, كما أن المفروض قانونا أنه إذا باع مالك العقار الأرض وما عليها من مبان فإنه بهذا يكون قد باع العقار بكامل محتوياته الثابتة وملحقاته القانونية اللهم إلا ما استثنى بنص خاص في عقد البيع ومن ثم كان بيع العقار للطاعن من أرض ومبان يشمل الآلات والأفران, وليس صحيحا أن عدم النص على ذلك بصفة خاصة يخرج الآلات والأفران من الصفقة ذلك لأنها تدخل في عموم التعبير لكلمة المباني وإذا كان الطاعن قد حصل على إقرار لاحق لعقد البيع بما يفيد ذلك فإن هذا لا يعدو أن يكون تقريرا للواقع وليس لمنشئ الملحقات الثابتة إلا أن يستعمل الحق الذي خوله القانون المدني حسب الأحوال وعلى التفصيل الوارد به (الثانية) أن المحكمة إذ دانت الطاعن بالمادة 361 من قانون العقوبات قد أخطأت في تطبيق القانون لأن العقاب في تلك الجريمة مشروط بأن يكون الإتلاف مقرونا بقصد الإساءة أما والحكم لم يقم الدليل على توفر هذا القصد بل إن الثابت منه عكس ذلك وهو أن الطاعن فعل ما فعل لكي يتمكن من إعداد الأرض للغرض الذي اشتراها من أجله وهو إقامة مصنع للنسيج فإن الجريمة لا تكون قائمة وقد إنهار أحد أركانها إذ كان الطاعن يهدف إلى تحقيق مصلحة ولم يدر بخلده أن يسئ إلى أحد وقد دفع الطاعن بذلك إلا أن الحكم اكتفى بما ذكرته محكمة أول درجة في هذا الصدد, وأخيرا أن الحكم أخطأ الاستدلال على توفر نية الإتلاف مما قاله من أن عقد البيع الصادر من المالك إلى الطاعن يشمل نصا يفيد أن العين المؤجرة فعلا إلى الغير وأن ذلك الغير قد استمد حق إقامة الآلات والأفران من المالك الأصلي ومن ثم أصبحت ملكا خالصا له رغم التصاقها بالأرض طوال مدة الإيجار وقد وقع الاعتداء عليها قبل انتهائها. وهذا الذي قاله الحكم غير سديد لأن علم المشتري بأن العين مؤجرة للغير لا يفيد حتما أن لذلك الغير الحق في ملكية جزء من العقار, كما أنه لم يقم الدليل على أن الطاعن اطلع على نصوص عقد الإيجار. كما أخطأ الحكم إذ استدل على علم الطاعن بنصوص عقد الإيجار بأنه عمد إلى استئجار المصنع من مستأجره من الباطن في حين أن هذا الإجراء لا يفيد العلم. وقصارى ما يدل عليه أن الطاعن قصد إلى إنهاء حق المستأجر الشخصي في الانتفاع بالعين ليتمكن هو من استلامها تنفيذا لعقد البيع الصادر إليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه الأركان القانونية لجريمة الإتلاف العمد بقصد الإساءة التي دان بها الطاعن وأورد الأدلة على ثبوت وقوعها منه, وتكفل بالرد على ما أثاره الطاعن بأوجه طعنه ردا سائغا صحيحا في القانون فقال حكم محكمة أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه بصدد ملكية الأدوات والأفران موضوع الجريمة إنها مملوكة للمدعي بالحقوق المدنية للأسباب التي أوردها وأقرها الحكم المطعون فيه وتصدى لدفاع الطاعن في شأنها ورد عليه بأن عقد تمليكه لم يتناولها وإنما اقتصر على الأرض والمباني وأن التعبير بالمباني لا يشمل تلك المنشئآت واستند في ذلك إلى نصوص العقد ذاته وإلى تصرفات الطاعن مع المستأجر من الباطن إلى أن استأجر هو تلك المنشئآت منه, كما استند إلى إقراره بأن عقد تمليكه لا يشمل سوى المباني وأنه إنما استأجر الأفران والآلات بقصد هدمها, ثم استند الحكم الاستئنافي إلى نص البند الأول من العقد فقال: "وحيث أن الثابت من مطالعة البند الأول للعقد السالف الذكر أن المبيع عبارة عن قطعة أرض مبينة الحدود والمعالم بما عليها من مبان وأن البائع التزم في البند الحادي عشر بتسليم العين المبيعة خالية من أي حق للغير في يوم أول سبتمبر سنة 1947 بعد إخراجه المستأجر الحالي لها مما يدل على أن المتهم كان يعلم في وقت الشراء بأن العين المبيعة له كانت مؤجرة للغير فعلا". ثم قال: "وحيث إنه فضلا عما تقدم فإن موقف المتهم اللاحق لتاريخ الشراء لا يدع مجالا للشك في أنه كان يعلم علم اليقين بأن عقد البيع الصادر له لم يكن يشتمل على المصنع المقام على الأرض المبيعة إليه ولا أدل على ذلك من الخطابات المتبادلة بينه وبين المدعي بالحق المدني والاتصالات التي تمت بينهما ودعوى الإخلاء التي خسرها ثم استئجاره العين المبيعة إليه من المستأجر لها من الباطن وهذا دون التفات إلى ملحق عقد البيع المؤرخ أول أكتوبر سنة 1947 الذي اقر المالك فيه بأن البيع السابق صدوره منه إنما يدخل فيه جميع الأشياء المبنية والأفران الموجودة والذي دلل المدعي المدني والحكم المستأنف على صوريته". ولما كان ما قاله الحكمان من شأنه أن يثبت على الطاعن أن عقد شرائه لم يتناول المنشئآت التي أتلفها وأنه لم يكن مخدوعا في ذلك مما لا أهمية معه لما يثيره في شأن حكم الالتصاق في القانون وهل المنشئآت ملك لمالك الأرض أو لمن أقامها ما دام قد ثبت أن مالك الأرض لم يبع تلك المنشئآت إليه وإنما تعهد له أن يسلمه الأرض المبيعة بما عليها من المباني بعد إخلائها من المستأجر لها. لما كان ذلك, وكان ما يقوله الطاعن من أن ما صدر منه لم يكن بقصد الإساءة ولكنه كان بقصد الانتفاع بالعين في الغرض الذي اشتراها من أجله - ما يقوله من ذلك, مردود بأن القصد الجنائي في جريمة الإتلاف يتحقق متى تعمد الجاني إحداث الإتلاف أو التخريب أو التعطيل المشار إليهما في المادة 361 من قانون العقوبات مع علمه بأنه يحدثه بغير حق. لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون سليما.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق