جلسة 22 من يناير سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.
----------------
(27)
الطعن رقم 340 لسنة 35 القضائية
(أ) قضاة. "تغير أحد أعضاء الهيئة". دعوى.
تغيير أحد أعضاء الهيئة الذي يوجب إعادة الإجراءات، هو التغيير الذي يترتب عليه انتفاء صفة القاضي أو زوال ولايته، نقل القاضي أو ندبه بمحكمة أخرى داخل دائرة اختصاص المحكمة الأصلية لا يوجب ذلك.
(ب) حكم. "الطعن في الأحكام". "الأحكام الجائز الطعن فيها".
قضاء المحكمة ليس هو المنطوق وحده، وإنما هو ذات القول الفصل في النزاع أو في جزء منه أياً كان موضعه، سواء في الأسباب أو في المنطوق، الفصل القطعي في جزء من النزاع في أسباب الحكم. جواز الطعن فيه استقلالاً.
(جـ) حكم. "عيوب التدليل". "قصور". "ما لا يعد كذلك". قوة الأمر المقضي. استئناف.
إغفال محكمة الاستئناف الرد على دفاع متعلق بقضاء سابق، حاز قوة الأمر المقضي قبل رفع الاستئناف. لا قصور.
(د) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير عمل الخبير". خبرة.
عدم التزام محكمة الموضوع بإجابة الخصوم بتعيين خبير مرجح متى وجدت في تقدير الخبير المنتدب ومن القرائن الأخرى، ما يكفي لإقناعها بالرأي الذي انتهت إليه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الدكتور محمد عبده الجيار أقام الدعوى رقم 7 سنة 1960 كلي المنصورة ضد الدكتور يونان مرقص يطلب فيها الحكم بإزالة ما أحدثه من مبان ومنشآت على الأرض الفضاء المملوكة له في خلال أسبوع من تاريخ النطق بالحكم، وإلا قام بإزالتها بمصاريف يرجع بها عليه، وبإلزامه كذلك بأن يدفع له قيمة الريع بواقع 100 ج شهرياً من يوم 6/ 7/ 1959 حتى تمام الإزالة، وقال شرحاً للدعوى إنه في التاريخ المشار إليه رسا عليه مزاد القطعة المذكورة رغم تسجيل محضر المزاد في 26/ 12/ 1959، وظهر عند التسليم أن المدعى عليه أحدث بها المباني والمنشآت التي يطلب إزالتها، فأقام هذه الدعوى بالطلبات سالفة البيان. وطلب المدعى عليه رفض الدعوى بمقولة إنه اشترى الأرض موضوع النزاع من الأستاذ سعد الشناوي بعقد ابتدائي حكم بصحته ونفاذه في الدعوى رقم 736 سنة 50 كلي المنصورة وأصبح هذا الحكم نهائياً بفوات ميعاد الطعن فيه، وإذ كان من حقه إقامة المنشآت عليها، فإنه لا يحق للمدعي طلب إزالتها إلا بعد دفع مبلغ يساوي ما زاد في ثمن الأرض بسببها طبقاً للمادتين 925، 926 من القانون المدني. وفي 2/1/ 1962 حكمت المحكمة بندب خبير للانتقال إلى الأرض موضوع النزاع ومعاينتها وإجراء مقاسها وتقدير قيمتها قيمة ما زاد في ثمنها بسبب إقامة المباني والمنشآت المقامة عليها وتقدير قيمة ما أنفقه المدعى عليه في إقامتها وتقدير قيمة ريع الأرض موضوع النزاع. وبعد صدور هذا الحكم أقام المدعى عليه الدعوى رقم 532 سنة 1962 كلي المنصورة ضد المدعى عليه وكل من محمد أبو المعاطي والحسيني أحمد شعبان - المطعون عليهما الثاني والثالث - طالباً الحكم بعدم تأثير عقود الإيجار المحررة بينهم في حقه - فأمرت المحكمة بضم هذه الدعوى إلى الدعوى المنظورة، وبعد أن قدم الخبير تقريره عادت بتاريخ 23/ 4/ 1963 فحكمت ( أ ) في الدعوى رقم 7 لسنة 1960 كلي المنصورة بأحقية المدعي (المطعون عليه الأول) في ملكية المباني والمنشآت المقامة على الأرض المبينة بصحيفة الدعوى مقابل أن يدفع للمدعى عليه (الطاعن) مبلغ 1836 ج، وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي قيمة الريع من 26/ 12/ 1959 حتى اليوم بواقع 344 ج و250 م في السنة.
(ب) وفي الدعوى رقم 532 لسنة 1962 كلي المنصورة برفضها. استأنف المدعى عليه هذا الحكم والحكم السابق صدوره في 2/ 1/ 1962 لدى محكمة استئناف المنصورة طالباً إلغاءهما والقضاء برفض الدعوى وقيد هذا الاستئناف برقم 248 سنة 15 ق، كما استأنفهما المدعي بالاستئناف رقم 254 سنة 15 ق طالباً القضاء بإزالة ما أحدثه المدعى عليه من مبان، واحتياطياً باعتباره مالكاً للمباني دون مقابل، إذا لم يقم المدعى عليه بنزعها في خلال شهر من تاريخ النطق بالحكم، كما استأنف المدعي الحكم الصادر برفض الدعوى رقم 532 سنة 1962 بالاستئناف رقم 253 سنة 15 ق طالباً إلغاءه والقضاء له بالطلبات الواردة بصحيفة افتتاح الدعوى، وبعد أن قررت المحكمة ضم الاستئنافين الآخرين إلى الاستئناف رقم 248 سنة 15 ق حكمت في 6/ 4/ 1965 بسقوط حق المستأنفين في الطعن على الحكم الصادر بجلسة 2/ 1/ 1962 في الاستئنافين رقمي 248 و254/ 15 ق بالنسبة لما انتهت به الخصومة في شأن الملكية والاستحقاق في الريع وفي طلب الإزالة وبقبولهما شكلاً بالنسبة للطعن الوارد فيهما على الحكم الصادر في 23/ 4/ 1963 وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وبقبول الاستئناف رقم 253/ 15 ق شكلاً وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف (المطعون عليه الأول) بكافة طرق الإثبات القانونية أن عقد الإيجار المؤرخ 30/ 3/ 1962 الصادر من المستأنف عليه الأول (الطاعن) إلى المستأنف عليه الثاني بتأجير مباني سينما النصر والثابت التاريخ في 9/ 4/ 1962 والمحول من الدكتور يونان إلى المستأنف عليه الثالث والمطعون عليه الثالث حرز بطريق التواطؤ بينهم للإضرار به، وصرحت للمستأنف عليهم النفي بذات الطرق - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير طلب فيه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً (أولاً) بقبول الاستئناف رقم 248/ 15 قضائية شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم الابتدائي رقم 7 لسنة 1961 كلي المنصورة ورفض دعوى المطعون ضده الأول (ثانياً) برفض الاستئناف رقم 254/ 15 ق (ثالثاً) وفي الاستئناف رقم 253/ 15 ق برفضه وتأييد الحكم الابتدائي رقم 532 سنة 62 كلي المنصورة واحتياطياً: بإحالة الدعوى إلى محكمة استئناف المنصورة للفصل فيها مجدداً. وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى في الاستئناف رقم 253/ 15 ق بإحالة الدعوى إلى التحقيق وكان هذا الحكم لا يعتبر منهياً للخصومة كلها أو بعضها، فإن الطعن فيه لا يجوز إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع عملاً بالمادة 378 من قانون المرافعات ويتعين لذلك القضاء بعدم جواز الطعن بالنسبة للحكم الصادر في الاستئناف المشار إليه، وفيما عدا ذلك فإن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الطعن أقيم على سببين حاصل الأول منهما بطلان الحكم المطعون فيه ذلك أن السيد المستشار محمد ماهر كان أحد أعضاء الهيئة التي سمعت المرافعة في الدعوى وقد اشترك في الحكم الصادر فيها رغم نقله للعمل ببور سعيد أثناء فترة حجز القضية للحكم، ولما كان النقل يستتبع زوال ولاية القاضي ولا يعتبر في حكم المادة 342 من قانون المرافعات من الموانع المادية التي تجيز الاستغناء عن حضور القاضي تلاوة الحكم اكتفاء بالتوقيع على مسودته، فإن اشتراكه في الحكم بعد زوال ولايته يكون مبطلاً له.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن تغيير أحد أعضاء الهيئة التي سمعت المرافعة والذي يستلزم إعادة الإجراءات أمام الهيئة الجديدة، هو التغيير الذي يترتب عليه انتفاء صفة القاضي، أو زوال ولايته كالاستقالة والوفاة وكالرد والعزل أو النقل بعد تبليغه بالقرار الجمهوري المتضمن نقله أما نقل القاضي أو ندبه بمحكمة أخرى داخل دائرة اختصاص دائرة محكمته الأصلية فلا يحول دون اشتراكه في الأحكام الصادرة في الدعاوى التي سمع فيها المرافعة لعدم انقطاع صلته بتلك المحكمة واستمرار احتفاظه بصفته، لما كان ذلك وكان الثابت أن السيد/ المستشار محمد ماهر الذي سمع المرافعة ووقع على مسودة الحكم المطعون فيه، لعدم تمكنه من حضور تلاوته، ظل مقيداً بمحكمة استئناف المنصورة التي تشمل دائرة اختصاصها مدينة بور سعيد التي نقل إليها بقرار الجمعية العمومية لمستشاري المحكمة، فإن اشتراكه في الحكم المطعون فيه الذي تضمن وجود المانع من حضور تلاوته وقيامه بالتوقيع على مسودته يكون مطابقاً للقانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني، أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وشابه القصور من وجوه (أولها) تقريره بأن الحكم الصادر من محكمة أول درجة بندب خبير قد فصل في أسبابه في بعض موضوعات الخصومة وأصبح نهائياً لعدم رفع استئناف عنه، ورتب على ذلك سقوط حق الطاعن في استئنافه، في حين أن ذلك الحكم مجرد حكم تمهيدي لا يقيد المحكمة التي أصدرته ولا يجوز الطعن فيه استقلالاً عملاً بنص المادة 378 من قانون المرافعات - (وثانيها) أن محكمة أول درجة قضت بندب خبير لمباشرة المأمورية المبينة بمنطوق حكمها الصادر في 2/ 1/ 1962 على ضوء المادة 925 - من القانون المدني - الخاصة بأحكام قواعد الالتصاق مع أن مناط تطبيق هذه القواعد ألا يوجد إذن صريح أو ضمني من مالك الأرض للمباني، أما المشتري بعقد غير مسجل، فإن لديه إذناً ضمنياً من البائع بالانتفاع بالعين ويعتبر البناء الذي يقيمه المشتري عقاراً مستقلاً عن الأرض وملكاً خالصاً لمن أقامه على سبيل البقاء والقرار، بالرغم من تمسك الطاعن بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع، فإن الحكم الابتدائي ومن بعده الحكم المطعون فيه لم يناقشا هذا الدفاع ولم يردا عليه وهو ما يعيبهما بالقصور. (وثالثها) أن محكمة أول درجة لم تأخذ بتقرير الخبير المنتدب ولا بالتقرير الاستشاري الذي تكفل بتفنيده، وكان يتعين عليها في هذه الحالة ندب خبير مرجح، إلا أنها لم تفعل وجعلت من نفسها خبيراً في الدعوى وقامت بتخمين القيمة المستحقة للمباني دون أن ننتقل إليها فجاء تقديرها أقل مما ارتضاه المطعون عليه الأول ورفضه الطاعن, هذا إلى أن المحكمة إذ اعتمدت قيمة الريع حسبما وردت بتقرير الخبير المنتدب رغم تخفيضها ثمن المباني تكون قد ناقضت نفسها، ذلك أن تقدير الريع بمعرفة الخبير تم على أساس أن قيمة المباني 3600 ج وليس 1836 ج وهو المبلغ الذي قدرته المحكمة على سبيل الظن والاحتمال. ولما كان هذا التناقض مما يبطل حكمها فإن الحكم المطعون فيه إذ قضي بتأييده يكون باطلاً كذلك.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بسقوط حق الطاعن في الاستئناف على قوله "إن الذي يبين من طلبات الخصوم ومن الأسباب المتصلة بمنطوق الحكم اتصالاً غير قابل للتجزئة والمترتب عليها إجراءات إثبات المأمورية أن الحكم الصادر بجلسة 2/ 1/ 1962 قد أنهى الخصومة في طلب الملكية باعتبارها مسألة أولية للريع، كما أنهى الخصومة في طلب استحقاق الريع ولو لم يحدد مقداره وكذلك في طلب الإزالة إذ رفضه ضمناً وبذلك يكون قد انحسم بهذا الحكم بعض موضوعات الخصومة، والحكم بهذه المثابة يكون قابلاً للطعن المباشر ولا يحول دون ذلك أن يكون منطوقه قد اشتمل على أمر بندب خبير طالما أن أسبابه المتصلة بهذا المنطوق قد اشتملت على قضاء قطعي أنهى الخصومة في بعضها، وكان ارتباط الأسباب بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً لا يقبل التجزئة" وهذا الذي قرره الحكم لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أن قضاء المحكمة ليس هو المنطوق وحده وإنما هو ذات القول الفصل في النزاع أو في جزء منه أياً كان موضعه سواء في الأسباب أو في المنطوق، وإذ كان يبين مما أورده الحكم المطعون فيه أن الحكم الصادر بجلسة 2/ 1/ 1962، وإن قضى في منطوقه بندب خبير لتقدير الريع، إلا أنه لم يصل لهذه النتيجة إلا بعد أن فصل في أسبابه في موضوع الملكية واستحقاق الريع وطلب الإزالة، وبذلك يكون حكماً قطعياً في تلك المسائل وتمهيدياً بالنسبة لندب الخبير, مما يجوز الطعن فيه استقلالاً في خصوص شقه القطعي في المواعيد المحددة قانوناً وإلا سقط الحق في الطعن والنعي في الوجه (الثاني) مردود بأنه لما كان الطاعن لم يستأنف الحكم الصادر بجلسة 2/ 1/ 1962 فيما ورد به من قضاء قطعي بشأن تطبيق أحكام قواعد الالتصاق إلى أن انقضى ميعاد الاستئناف وحاز هذا القضاء قوة الشيء المحكوم فيه، فإنه ما كان لمحكمة الاستئناف أن تتعرض لبحث هذا القضاء السابق الذي حاز قوة الأمر المقضي قبل رفع الاستئناف، وإنما هي ملزمة باتباع هذا القضاء والتقيد به، ومن ثم فإن إغفالها الرد على ما أثاره الطاعن أمامها في هذا الخصوص لا يعتبر قصوراً مبطلاً للحكم. والنعي في الوجه (الثالث) مردود بأن الحكم المطعون فيه بعد أن عرض لتقرير الخبير وذكر الأسس التي بني عليها تقديره ثمن الأرض، خلص إلى أن هذه الأسس من شأنها أن تدحض المثالب التي وجهها المستأنف (الطاعن) إلى التقرير في السبب الثاني من أسباب استئنافه وتقنع المحكمة بأن الخبير قام بأداء المهمة التي نيطت به على أسس من الواقع الذي عاينه وعلى هدى من التقدير الذي ارتآه متفقاً مع الواقع، ولما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الخصوم إلى طلب تعيين خبير مرجح متى كانت قد وجدت في تقرير الخبير المنتدب ومن القرائن الأخرى ما يكفي لإقناعها بالرأي الذي انتهت إليه، وكان لها في حدود سلطتها التقديرية أن تأخذ بتقرير الخبير كله أو بعضه طبقاً لما تطمئن إليه في قضائها، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالتناقض أو القصور يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق