الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 31 أغسطس 2022

القضية 62 لسنة 19 ق جلسة 12 / 11 / 2006 دستورية عليا مكتب فني 12 ج 1 دستورية ق 10 ص 92

جلسة 12 من نوفمبر سنة 2006
برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبد الواحد رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وإلهام نجيب نوار وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه والدكتور/ عادل عمر شريف نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر

----------------

(10)

القضية 62 لسنة 19 ق " دستورية"

(1) دعوى دستورية - حكم - حجيته.
مقتضى نص المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة.

(2) دعوى دستورية - المصلحة الشخصية المباشرة - مناطها.
المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية.

(3) رقابة دستورية - مناطها.
الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية - مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور.

(4) دستور - شريعة إسلامية - الاجتهاد - محله.
النص في المادة (2) من الدستور بعد تعديلها عام 1980 على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" يدل على أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها.

(5) إيجار - شريعة إسلامية - عقود.
اختلف الفقهاء في تحديد المراد من قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود". "الآية رقم (1) من سورة المائدة"، وضحت كتب التفسير بهذا الاختلاف الذي كشف عن ظنية دلالة النص، بالرغم من قطعية ثبوته، كما اختلف الفقهاء كذلك بالنسبة لأحكام عقد الإيجار وشروطه ومدته، وإذ كان ذلك فإن المشرع بما أورده بنص الفقرة الأولى من البند "ب" من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 - من هذه الوجهة - لا يكون قد خرج عن دائرة الاجتهاد - ومن ثم لم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

(6) حق الملكية - تنظيمه - قيود.
الملكية في إطار النظم الوضعية لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية.

(7) حق الملكية - تنظيمه - سلطة ولي الأمر - الاختيار بين البدائل.
لم تعد الملكية مجرد حق خالص لصاحبها، ولا مزية في ذاتها تتحرر بموجبها من القيود، وإنما تتقيد بما لولي الأمر من سلطة في مجال تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية في نطاقها.

(8) حق الملكية - إطاره - توازن المصالح.
ينبغي أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر.

(9) عقد الإيجار - الامتناع عن سداد الأجرة - التكليف بالوفاء - غايته.
إن المشرع رغبة منه في تحقيق التوازن بين أوضاع المؤجرين والمستأجرين في ظل أزمة الإسكان المحتدمة، أوجب على المؤجر تكليف المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة في ذمته، والغاية من ذلك التكليف هو أعذار المستأجر بأداء المتأخر في ذمته من الأجرة، ووضعه وضع المتأخر في تنفيذ التزامه، وإثبات ذلك في حقه.

(10) عقد الإيجار - التأخر في سداد الأجرة - تحقيق التوازن بين المؤجر والمستأجر - سلطة تقديرية.
إذا كان المشرع قد أجاز للمستأجر توقي القضاء بإخلاء العين المؤجرة له بسبب تأخره في سداد الأجرة، فقد قابل ذلك بإلزام المستأجر بأداء الأجرة المستحقة عليه وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية، قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى.

(11) مبدأ تكافؤ الفرص - إعماله.
مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة، وفقاً لنص المادة (8) من الدستور يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها.

(12) مبدأ المساواة - معناه - أسس موضوعية للتمييز.
مبدأ مساواة المواطنين لدى القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها.

(13) عقود الإيجار - القانون رقم 136 لسنة 1981، 4 لسنة 1996 - اختلاف المراكز القانونية.
العلاقات الإيجارية الخاضعة للقانون رقم 136 لسنة 1981 تستقل بأحكامها ونظامها القانوني عن تلك التي تخضع لأحكام القانون رقم 4 لسنة 1996.

----------------

1 - مقتضى نص المادتين (48, 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979, أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة, باعتباره قولا فصلا في المسألة المقضي فيها, وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد.

2 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع.

3 - الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية - على ما جرى به قضاؤها - مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور, ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين, ما لم يكن هذا التعارض منطويا بذاته على مخالفة دستورية.

4 - النص في المادة (2) من الدستور بعد تعديلها عام 1980 على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع "يدل على أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معا, باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها, لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلا أو تبديلا, أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معا, فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان, وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد.

5 - الحكم قطعي الثبوت في شأن العقود كافة هو قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" "الآية رقم (1) من سورة المائدة", وكان الفقهاء قد اختلفوا في تحديد المراد بالعقود في تفسير الآية الكريمة, ونضحت كتب التفسير بهذا الاختلاف الذي كشف عن ظنية دلالة النص, بالرغم من قطعية ثبوته, كما اختلف الفقهاء كذلك بالنسبة لأحكام عقد الإيجار وشروطه ومدته, وإذ كان ذلك فإن المشرع بما أورده بنص الفقرة الأولى من البند "ب" من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 - من هذه الوجهة - لا يكون قد خرج عن دائرة الاجتهاد - ومن ثم لم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

6 - الملكية في إطار النظم الوضعية لم تعد حقا مطلقا, ولا هي عصية على التنظيم التشريعي, وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها, ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية, وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ, ولا تفرض نفسها تحكما, بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي رصدها عليها, على ضوء واقع اجتماعي معين وفي بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها, وفي إطار هذه الدائرة, وتقيدا بتخومها, يفاضل المشرع بين البدائل, ويرجح على ضوء الموازنة التي يجريها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية وفقا لأحكام الدستور, مستهديا في ذلك بوجه خاص بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة بذاتها من مراحل تطورها, وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها, بل غايتها خير الفرد والجماعة, ولا مخالفة في ذلك للشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تبديل فيها, إذ الأصل أن الأموال جميعها مضافة إلى الله تعالى, فهو الذي خلقها وإليه تعود.

7 - لم تعد الملكية بالتالي مجرد حق خالص لصاحبها, ولا مزية في ذاتها تتحرر بموجبها من القيود, وإنما تتقيد بما لولي الأمر من سلطة في مجال تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية في نطاقها, وهي مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال أو إدارتها متخذا وجهة تناقض مصلحة الجماعة أو تخل بمصلحة للغير أولى بالاعتبار, ومن ثم جاز لولي الأمر رد الضرر البين الفاحش, واختيار أهون الضررين إذا تزاحما لدفع أعظمهما, كذلك فإن العمل على دفع الضرر قدر الإمكان هو مما ينعقد لولي الأمر بشرط ألا يزال الضرر بمثله, ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام.

8 - ينبغي أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر, ذلك أن الملكية خلافة, وهي باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التي تعكس بالقيود التي تفرضها على الملكية الحدود المشروعة لممارسة مكناتها, وهي حدود يجب التزامها, لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التي كفلها لها الدستور.

9 - إن المشرع رغبة منه في تحقيق التوازن بين أوضاع المؤجرين والمستأجرين في ظل أزمة الإسكان المحتدمة, أوجب على المؤجر تكليف المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة في ذمته, بإحدى الوسيلتين المبينتين بالنص, أي بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول دون مظروف, أو بإعلان على يد محضر, كما أوجب كذلك أن يكون التكليف بالوفاء سابقا على رفع دعوى الإخلاء بخمسة عشر يوما, والغاية من ذلك التكليف هو إعذار المستأجر بأداء المتأخر في ذمته من الأجرة, ووضعه وضع المتأخر في تنفيذ التزامه, وإثبات ذلك في حقه, مما مفاده أن رفع دعوى الإخلاء دون تكليف بالوفاء أو قبل انقضاء المهلة المشار إليها, يترتب عليه عدم قبولها لعدم استيفائها لأوضاعها الشكلية.

10 - إذا كان المشرع قد أجاز للمستأجر توقي القضاء بإخلاء العين المؤجرة له بسبب تأخره في سداد الأجرة, فقد قابل ذلك بإلزام المستأجر بأداء الأجرة المستحقة عليه وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية, قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى, وهو أمر يدخل تقريره في نطاق سلطة المشرع في تنظيم حق الملكية تمكينا لها من أداء وظيفتها الاجتماعية, دون أن يخالف في ذلك مبادئ الشريعة الإسلامية أو الأسس التي تقوم عليها, بل كفل هذا التنظيم المواءمة بين المصالح المتعارضة والتوفيق بينها بما يحقق صالح الجماعة ككل, ودون مساس بحقوق المؤجر في ناتج ملكه, كما التزم الإطار الدستوري لسلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي الذي كفلته المادة (68) من الدستور, دون أن ينال من هذا الحق سواء في محتواه أو مقاصده.

11 - مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقا لنص المادة (8) من الدستور, فهو في غير محله, ذلك أن مضمون هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها, وأن إعماله يقع عند التزاحم عليها.

12 - مبدأ مساواة المواطنين لدى القانون لا يعني - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة, كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها, ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية, بما مؤداه: أنه كلما كان القانون مغايرا بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعا فيما بينها, وكان تقديره في ذلك قائما على أسس موضوعية, مستهدفا غايات لا نزاع في مشروعيتها, وكافلا وحدة القاعدة القانونية في شأن من تتماثل مراكزهم القانونية, بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات, كان واقعا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع, غير مصادم في ذلك لمبدأ المساواة.

13 - العلاقات الإيجارية الخاضعة لأحكام القانون رقم 136 لسنة 1981 تستقل بأحكامها ونظامها القانوني عن تلك التي تخضع لأحكام القانون رقم 4 لسنة 1996, وتنشأ - بالتالي - عن كل منهما مراكز قانونية تتباين عن المراكز القانونية التي تنشأ عن الآخر.

--------------

الوقائع

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي وآخر كانا قد أقاما الدعوى رقم 9068 لسنة 1996 مدني كلي، أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، ضد المدعى عليه الخامس، بطلب الحكم بتقرير الفسخ الاتفاقي الذي وقع بقوة القانون طبقاً للبند رقم (6) من عقد الإيجار المؤرخ 13/5/1978، وإخلائه من الشقة محل النزاع وتسليمها لهما، وذلك على سند من القول أنه بموجب عقد الإيجار المؤرخ 13/5/1978 استأجر المدعى عليه الخامس من المدعي العين محل التداعي لاستعمالها سكناً خاصاً له، وقد تضمن عقد الإيجار النص في البند رقم (6) منه على أنه "في حالة التأخير في دفع أي قسط من الإيجار في ميعاد استحقاقه يفسخ العقد فوراً من تلقاء نفسه وبدون حاجة لتنبيه أو إنذار، ويحق للمؤجر رفع دعوى ضد المستأجر أمام قاضي الأمور المستعجلة الذي يحكم بالإخلاء بمجرد التثبت من التأخير في الدفع إذ يعتبر المستأجر في هذه الحالة غاصباً للمكان وشاغلاً له بدون سند ..... "، وإذ تأخر المستأجر في سداد القيمة الإيجارية عن المدة من أول فبراير سنة 1995 حتى نهاية شهر مايو سنة 1996، فقد اعتبر عقد الإيجار مفسوخاً بقوة القانون، إعمالاً للشرط الفاسخ الصريح، وحق للمؤجر الالتجاء إلى القضاء الموضوعي لتقرير هذا الفسخ وإثباته، دون الالتفات إلى قيام المستأجر بموجب إنذار العرض المؤرخ 5/6/1996 بعرض الإيجار المتأخر على المؤجر، لوقوعه بعد تحقق الشرط الفاسخ الصريح. وخلص المدعي إلى طلب الحكم له بطلباته المتقدمة. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعي بعدم دستورية نص البند (ب) من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
بتاريخ 29 مارس سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، بطلب الحكم بعدم دستورية نص البند (ب) من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 تنص على أنه "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية:-
(أ) .........................
(ب) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول دون مظروف، أو بإعلان على يد محضر، ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية.
ولا ينفذ حكم القضاء المستعجل بطرد المستأجر من العين بسبب التأخير في سداد الأجرة إعمالا للشرط الفاسخ الصريح إذا ما سدد المستأجر الأجرة والمصاريف والأتعاب عند تنفيذ الحكم وبشرط أن يتم التنفيذ في مواجهة المستأجر.
فإذا تكرر امتناع المستأجر أو تأخره في الوفاء بالأجرة المستحقة دون مبررات تقدرها المحكمة حكم عليه بالإخلاء أو الطرد بحسب الأحوال".
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بحكمها الصادر بجلسة 6/2/1999 في القضية رقم 81 لسنة 19 قضائية "دستورية" بعدم دستورية عجز الفقرة الثانية من البند (ب) من المادة (18) سالفة الذكر فيما نص عليه من أنه "وبشرط أن يتم التنفيذ في مواجهة المستأجر"، ونشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقم (7) بتاريخ 18/2/1999، وكان مقتضى نص المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد، فإن الخصومة في الدعوى الراهنة بالنسبة للنص المتقدم تغدو منتهية.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. وكان المدعي قد أقام ضد المدعى عليه الخامس دعوى موضوعية أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، بطلب إعمال الشرط الفاسخ الصريح الذي تضمنه عقد الإيجار المؤرخ 13/5/1978، والذي يعتبر بمقتضاه العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار، إذا تأخر المستأجر في سداد أي قسط من الإيجار في ميعاد استحقاقه، كما طلب المدعي إخلاء المستأجر - المدعى عليه الخامس في الدعوى الماثلة - من عين النزاع وتسليمها له إعمالاً لهذا الشرط، لتأخره في سداد الإيجار المستحق عن المدة من أول فبراير سنة 1995 وحتى نهاية شهر مايو سنة 1996. وكان المدعى عليه الخامس قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم قبول الدعوى لعدم تكليفه بالوفاء طبقاً لما نص عليه البند (ب) من المادة (18) سالفة الذكر، فضلاً عن قيامه بعرض الإيجار المتأخر على المؤجر بموجب إنذار العرض المؤرخ 5/6/1996، وإيداعه خزانة المحكمة المختصة في 6/6/1996، قبل رفع الدعوى الموضوعية في 15/7/1996، فإن نطاق الدعوى الراهنة والمصلحة فيها - في ضوء ذلك - تكون متحققة بالنسبة لنص الفقرة الأولى من البند (ب) من المادة (18) المشار إليها، الذي ينص على أن "إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول دون مظروف، أو بإعلان على يد محضر، ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية"، دون باقي أحكام هذا البند بحسبان أن تضمن عقد الإيجار شرطاً فاسخاً صريحاً لا يغني عن التقيد بما أوجبه النص المشار إليه على المؤجر من تكليف المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة في ذمته خلال مدة معينة كشرط لقبول دعوى الإخلاء، وعدم إجازته الحكم بالإخلاء متى قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى بأداء الأجرة المستحقة عليه وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية، ومن ثم يكون للقضاء في المسألة الدستورية المتعلقة بهذا النص في حدود نطاقه المتقدم أثره وانعكاسه على الدعوى الموضوعية والطلبات المعروضة بها وقضاء المحكمة فيها.
وحيث إنه عن نعي المدعي مخالفة النص الطعين للمادتين (24/3، 27) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فهو مردود بأن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية - على ما جرى به قضاؤها - مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين، ما لم يكن هذا التعارض منطوياً بذاته على مخالفة دستورية.
وحيث إن المدعي ينعي على النص الطعين مخالفته لمبدأ أصيل في الشريعة الإسلامية يقضي باحترام إرادة المتعاقدين في العقود والوفاء بها، وكذا مخالفته لنصوص المواد (4، 7، 8، 25، 34، 40) من الدستور، بما تضمنه من إخلال بالتوازن بين أطراف العلاقة التعاقدية، وانحيازه لطائفة من المواطنين هم المستأجرون دون غيرهم، وحرمانه المؤجرين من دخلهم المشروع، وتعطيل انتفاعهم بملكهم، فضلاً عن تعطيله إرادة المتعاقدين في فسخ العقد بقوة القانون في حالة عدم الوفاء بالأجرة في مواعيدها القانونية، وتكريسه للتباين في المعاملة القانونية بين المخاطبين بالنص الطعين والمخاطبين بأحكام القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها والأماكن التي انتهت أو تنتهي عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المطعون فيه للمواد ( 2، 4، 7، 25، 34) من الدستور فهو مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النص في المادة (2) من الدستور بعد تعديلها عام 1980 على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع "يدل على أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معاً، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معاً، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد. إذ كان ذلك، وكان الحكم قطعي الثبوت في شأن العقود كافة هو النص في القرآن الكريم "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" "الآية رقم (1) من سورة المائدة"، وكان الفقهاء قد اختلفوا في تحديد المراد بالعقود في تفسير الآية الكريمة، ونضحت كتب التفسير بهذا الاختلاف الذي كشف عن ظنية دلالة النص، بالرغم من قطعية ثبوته، كما اختلف الفقهاء كذلك بالنسبة لأحكام عقد الإيجار وشروطه ومدته، وإذ كان ذلك فإن المشرع بالنص الطعين - من هذه الوجهة - لا يكون قد خرج عن دائرة الاجتهاد - ومن ثم لم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.
وحيث إنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - فإن الملكية في إطار النظم الوضعية لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، على ضوء واقع اجتماعي معين وفي بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها، وفي إطار هذه الدائرة، وتقيداً بتخومها، يفاضل المشرع بين البدائل، ويرجح على ضوء الموازنة التي يجريها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية وفقاً لأحكام الدستور، مستهدياً في ذلك بوجه خاص بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة بذاتها من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة، ولا مخالفة في ذلك للشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تبديل فيها، إذ الأصل أن الأموال جميعها مضافة إلى الله تعالى، فهو الذي خلقها وإليه تعود، وقد عهد إلى عباده عمارة الأرض وهم مسئولون عما في أيديهم من الأموال باعتبارهم مستخلفين فيها لقوله تعالى "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه "الآية رقم (7) من سورة الحديد"، ولم تعد الملكية بالتالي مجرد حق خالص لصاحبها، ولا مزية في ذاتها تتحرر بموجبها من القيود، وإنما تتقيد بما لولي الأمر من سلطة في مجال تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية في نطاقها، وهي مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال أو إدارتها متخذاً وجهة تناقض مصلحة الجماعة أو تخل بمصلحة للغير أولى بالاعتبار، ومن ثم جاز لولي الأمر رد الضرر البين الفاحش، واختيار أهون الضررين إذا تزاحما لدفع أعظمهما، كذلك فإن العمل على دفع الضرر قدر الإمكان هو مما ينعقد لولي الأمر بشرط ألا يزال الضرر بمثله، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام . وينبغي من ثم أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر، ذلك أن الملكية خلافة، وهي باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التي تعكس بالقيود التي تفرضها على الملكية الحدود المشروعة لممارسة مكناتها، وهي حدود يجب التزامها، لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التي كفلها لها الدستور.
وحيث إن البين من النص الطعين أن المشرع رغبة منه في تحقيق التوازن بين أوضاع المؤجرين والمستأجرين في ظل أزمة الإسكان المحتدمة، أوجب على المؤجر تكليف المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة في ذمته، بإحدى الوسيلتين المبينتين بالنص، أي بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول دون مظروف، أو بإعلان على يد محضر، كما أوجب كذلك أن يكون التكليف بالوفاء سابقاً على رفع دعوى الإخلاء بخمسة عشر يوماً، والغاية من ذلك التكليف هو إعذار المستأجر بأداء المتأخر في ذمته من الأجرة، ووضعه وضع المتأخر في تنفيذ التزامه، وإثبات ذلك في حقه، مما مفاده أن رفع دعوى الإخلاء دون تكليف بالوفاء أو قبل انقضاء المهلة المشار إليها، يترتب عليه عدم قبولها لعدم استيفائها لأوضاعها الشكلية. هذا وإذ كان النص المطعون فيه قد أجاز للمستأجر توقي القضاء بإخلاء العين المؤجرة له بسبب تأخره في سداد الأجرة، فقد قابل ذلك بإلزام المستأجر بأداء الأجرة المستحقة عليه وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية، قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، وهو أمر يدخل تقريره في نطاق سلطة المشرع في تنظيم حق الملكية تمكيناً لها من أداء وظيفتها الاجتماعية، دون أن يخالف في ذلك مبادئ الشريعة الإسلامية أو الأسس التي تقوم عليها، بل كفل هذا التنظيم المواءمة بين المصالح المتعارضة والتوفيق بينها بما يحقق صالح الجماعة ككل، ودون مساس بحقوق المؤجر في ناتج ملكه، كما التزم الإطار الدستوري لسلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي الذي كفلته المادة (68) من الدستور، دون أن ينال من هذا الحق سواء في محتواه أو مقاصده، الأمر الذي يضحى معه النعي بمخالفة النص المطعون فيه للمواد (2، 4، 7، 25، 34) من الدستور غير سديد حقيقاً بالالتفات عنه.
وحيث إنه عن نعي المدعي مخالفة النص الطعين لمبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً لنص المادة (8) من الدستور، فهو في غير محله، ذلك أن مضمون هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعماله يقع عند التزاحم عليها، وهو ما لا محل له في نطاق النص الطعين.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من مخالفة النص الطعين لمبدأ المساواة المقرر بنص المادة (40) من الدستور، فمردود أيضاً، ذلك أن مبدأ مساواة المواطنين لدى القانون لا يعني - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، بما مؤداه: أنه كلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها، وكان تقديره في ذلك قائماً على أسس موضوعية، مستهدفاً غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية في شأن من تتماثل مراكزهم القانونية، بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات، كان واقعاً في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع، غير مصادم في ذلك لمبدأ المساواة. إذ كان ذلك، وكان النص الطعين لم يقم تمييزاً بين المخاطبين بأحكامه المتكافئة مراكزهم القانونية، وكانت العلاقات الإيجارية الخاضعة لهذا النص تستقل بأحكامها ونظامها القانوني عن تلك التي تخضع لأحكام القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه، وتنشأ - بالتالي - عن كل منهما مراكز قانونية تتباين عن المراكز القانونية التي تنشأ عن الآخر، وبالتالي فإن نعي المدعي مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة يكون في غير محله.
وحيث إن النص الطعين لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق