مجلة المحاماة - العدد السادس
السنة الحادية والثلاثون
بحث في طبيعة القرارات الصادرة من مجلس الغنائم
لحضرة الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة ميت غمر
بمناسبة قيام الحرب بين مصر وإسرائيل في الأراضي الفلسطينية استعملت مصر حق الضبط droit de capture وهو من الحقوق المقررة للدولة المحاربة Etat belligerant فضبطت القوات المصرية سفنًا تحمل سلعًا في طريقها إلى إسرائيل.
وتمشيًا مع القاعدة الأصلية المقررة في فقه القانون الدولي العام التي تقضي بأنه لا غنيمة إلا بحكم Toute prise doit être jugée صدر الأمر العسكري رقم (38) في 8 يوليو 1948 ونظم هيئة تسمى مجلس الغنائم Conseil de prises يختص بالحكم بصحة عملية الضبط أو بطلانها فإذا حكم بصحة الضبط تتعين مصادرة الغنيمة لصالح الدولة وإذا حكم ببطلان عملية الضبط يجب الإفراج عن الغنيمة وتسليمها إلى أربابها.
ولما أصبح في حكم المقرر رفع الأحكام العرفية بمقتضى قانون صدر فيما بعد برقم (50) سنة 1950 بتاريخ 28 إبريل 1950 أعدت السلطة التشريعية قانونًا يحكم مواد الغنائم ولقد صدر فعلاً هذا القانون الخير في 3 إبريل 1950، وهو القانون رقم (32) سنة 1950 ولقد أوجب هذا القانون الأخير في المادة رقم (23) منه إحالة القضايا المنظورة أمام مجلس الغنائم الذي أنشئ بمقتضى الأمر رقم (38) سنة 1948 إلى المجلس المشكل تشكيلاً جديدًا وفقًا لأحكام هذا القانون.
ويتعين علينا في هذا الصدد أن نبحث الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة من مجلس الغنائم.
لعل ما ورد في ثنايا نصوص هذا القانون هو السبب في صعوبة هذا البحث فلقد وصف القانون المسائل المعروضة على مجلس الغنائم بأنها دعاوى - واعتبر أصحاب الغنائم مدعين يقع عليهم عبء إثبات براءة الغنيمة من كل ما يجعلها خاضعة للمصادرة - وجعل للمجلس اختصاصات أخرى غير الاختصاص الأصلي المتعلق بالفصل في صحة الضبط - من بينها نظر المنازعات الناشئة من الضبط وطلب التعويض المترتب على ذلك ووصف القرارات الصادرة بأنها أحكام.
إلا أن هذا القانون نص في المادة الأولى منه على أن هذا المجلس يلحق برئاسة مجلس الوزراء ومقره الإسكندرية إلا أنه يجوز بعد موافقة مجلس الوزراء عقد جلساته بإحدى الموانئ المصرية الأخرى، كما نص في الفقرة الثانية من المادة العشرين (ويجوز دائمًا بقرار من مجلس الوزراء الإفراج عن الغنيمة على الرغم من الحكم بمصادرتها).
ولا شك أن ما جاء في هذين النصين الأخيرين هو الذي حدا بنا إلي بحث طبيعة هذه القرارات الصادرة من مجلس الغنائم بل هو الذي جعلنا نتساءل عما إذا كان مجلس الغنائم هيئة قضائية بالمعنى الفني أي من الهيئات التابعة للسلطة القضائية pouvoir judiciaire أم أنه مجرد هيئة ملزمة بإصدار فتاوى تبعث بها إلى السلطة التنفيذية فتعتبر ملحقًا بها.
ولما رجعنا إلى كتب الفقه في القانون الفرنسي وجدنا انقسامًا بين الفقهاء.
فيرى فريق وعلى رأسه الأستاذ كوشى Cauchy أن هذه القرارات ليست أحكامًا وإنما هي مجرد فتاوى avis استشارية صادرة من هيئة مكلفة بإصدارها إلى الحكومة une simple autorité chargée de donner au gouvernement des avis ذلك أن الغنائم تكون جزءًا من العمليات الحربية وهذه الأخيرة تعتبر من أعمال السيادة acte de gouvernment فلا تخضع لسلطان القضاء echappent au pouvoir judiciaire.
أما الفريق الثانية ويتزعمه الأستاذ جيدل Gidel فيعتبر هذه القرارات أحكامًا ذلك أن عناصر العمل القضائي acte judiciaire متوافرة فيها وهي الادعاء prétention والتحقيق constatation والقرار décision، ولكن ما هو الأساس الذي تستند إليه الدولة في إخلاء سبيل الغنيمة rèlaxcer رغم صدور حكم بصحة ضبطها ووجوب مصادرتها.
من المسلم به أن مبدأين أساسيين يسودان في مسائل الغنائم:
الأول: هو مبدأ مشروعية الضبط légalité de capture أي يجب أن يكون الضبط متفقًا مع أحكام القانون وهذا المبدأ متروك لمطلق سلطان هيئة قضائية une juridication هي مجلس الغنائم.
الثاني: هو مبدأ الملاءمة opportunité أي أنه يتعين أن يكون الضبط ملائمًا للدولة فلا توجد ظروف دولية أو اعتبارات سياسية considerations d'ordre politique تحول دون ضبط الغنيمة ومصادرتها إذ من المعروف أنه قد تحدث أزمات دولية من جراء مسائل الغنائم، ولا شك أن تحقيق هذا المبدأ من صميم اختصاص السلطة التنفيذية ففي مكنتها أن ترد الغنيمة إلى أربابها قبل الالتجاء إلى مجلس الغنائم وفي مطلق سلطانها أن تخلي سبيلها رغم الحكم بمصادرتها، وذلك استنادًا منها على اعتبارات سياسية ولا رقيب عليها في ذلك سوى البرلمان عند بحثه المسؤولية الوزارية المقررة في أحكام دستور الدولة.
ولا شك أن للأحكام قوة الشيء المحكوم فيه Force de la chose jugée فالاحترام الواجب إلى الأحكام الصادرة في مواد الغنائم قد يضع الحكومة في مركز حساس peut parfois placer le gouvernement dans une situation délicate توازن فيه بين رغم احترام هذه القوة le désir de ne pas faire échec de la chose jugée وبين حالة الدولة الدولية.
إلا أن الحكومة في غالب الأحوال تحترم هذه الأحكام وتعمل على تنفيذها.
أما وقد سردنا وجهتي النظر في هذا البحث وشرحنا الأساس الذي تستند إليه الدولة في إخلاء سبيل الغنيمة فإنه يجدر بنا أن نذكر ما نعتقده في هذا الصدد، فإنه نظرًا لأن هذه القرارات صادرة من هيئة قضائية في شكل عمل قضائي فإنها تعتبر أحكامًا jugements إلا أنه لاحتمال تطبيق مبدأ الملاءمة بمعرفة السلطة التنفيذية على هذه الأحكام فإن هذا يجعلنا نعتبرها أحكامًا من نوع خاص jugements sui generis وهذا هو الرأي الصحيح في اعتقادنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق