كلفت من وزارة الحربية بحضور المحاضرات التي تلقى في معهد القانون الدولي بقصر السلام بمدينة الهاي بهولندا في الدورة الثانية التي تبدأ من يوم 2 أغسطس سنة 1926، وتنتهي في 28 منه - وقبل أن أبين ملخص هذه المحاضرات يجدر بي أن أذكر شيئًا عن هذا المعهد ونظامه ونظام جمعية المستمعين الملحقة به.
تأسس بقصر السلام بالهاي معهد أو أكاديمي للقانون الدولي
Académie de droit international de la Haye.
والغرض من إنشائه هو إجراء أبحاث في المسائل الدولية وإلقاء محاضرات في مواد القانون الدولي يشترك فيها بعض العلماء ورجال السياسة الدولية من مختلف البلاد، وقد ألحق بهذا المعهد جمعية تضم مستمعي هذه المحاضرات - أسست في 26 يولية سنة 1923 باسم جمعية المستمعين الحاليين والسابقين بمعهد القانون الدولي بالهاي
Association des auditeurs et anciens auditeurs de deoit international de la Haye.
وقد ذكر في المادة الثانية من قانون تأسيس هذه الجمعية أن الغرض منها هو:
أولاً: توطيد العلاقات الأدبية بين مستمعي معهد القانون الدولي السابقين والحاليين وترقية روح الارتباط الدولي.
ثانيًا: تسهيل سبل الإقامة على المستمعين بمدينة الهاي.
ولهذه الجمعية مكتب ومجلس، والمكتب مكون من خمسة أعضاء رئيس ووكيل وعضوان ينتخبهم المجلس في كل عام وسكرتير مكلف بأمانة الصندوق ينتخبه المجلس لمدة ثلاث سنوات، ويشترط أن يكون هولانديًا لكي يضمن استمرار العمل في الجمعية - والمجلس مكون من أعضاء تنتخبهم المجاميع القومية للمستمعين أي أن كل فريق من الأعضاء ينتمي لجنسية واحدة ينتخب عضوًا يمثله في المجلس، ويجب أن يجتمع المجلس مرة على الأقل في كل دورة من دورتي الاجتماع السنوي للمعهد كما تجتمع الجمعية العمومية لجميع أعضاء المعهد مرة أيضًا على الأقل في كل دورة.
وتلقى المحاضرات بهذا المعهد على دورتين الأولى في شهر يوليو عادةً والثانية في شهر أغسطس أو حوالي هذا التاريخ وتتساوى محاضرات الدورتين في العدد والأهمية ولو أنها تختلف في المواد.
وقد رأت الحكومة الهولندية تسهيلاً للحضور بمدينة الهاي لسماع هذه المحاضرات أن تجعل التأشير مجانًا على جوازات السفر لهولندا كما أنها قررت منح إعانة لخمسة أشخاص مساعدة لهم على الإقامة بالهاي لسماع المحاضرات على أن تكون الإعانة المخصصة لكل شخص (400 فلورين) أي ما يوازي 32 جنيهًا مصريًا تقريبًا كما أن المعهد نفسه تبرع في سنة 1926 بخمس إعانات أخرى بالقيمة المذكورة وقامت بعض المعاهد الخصوصية في بلاد أخرى بمنح إعانات مماثلة ليتمكن بعض الأفراد من الإقامة في مدينة الهاي، ومن ذلك المعهد العلمي الدانمركي ومعهد كوبا كما أوفدت بعض الحكومات على نفقتها بعض رجالها القانونيين لحضور هذه المحاضرات وساعدت المعهد بصفة رسمية، ومن أمثال هذه الدول ألمانيا وبلغاريا والصين والدانمرك ومدينة دانترج واليونان والنرويج وبولونيا وسيام وتركيا وقد وضع نظام لبيان الشروط التي يلزم توفرها لإمكان الحصول على إعانة الحكومة الهولندية أو على إعانة المعهد الدولي بالهاي، وهي تتخلص في أن طلاب هذه الإعانة يجب أن يقدموا طلباتهم قبل 20 إبريل من كل سنة لرئيس مجلس المعهد président du Curatorium
ويبينوا في الطلب أسماءهم وألقابهم وجنسيتهم ومحل ميلادهم والمؤهلات التي يستندون عليها للحصول على الإعانة ويرسلون نسخًا من الأبحاث العلمية التي نشروها ليطلع عليها المجلس، وبعد أن يبحث المجلس في هذه الطلبات ويحققها يبعث بقراره إلى أربابها قبل 15 يونية من كل عام - ولا تمنح إعانة لأكثر من شخص واحد في كل دولة في السنة الواحدة كما أن إعانات الحكومة الهولندية لا تمنح للهولنديين لما يتمتعون به من ميزة الوجود في أرض وطنهم فلا يشعرون بالغلاء الفاحش الذي يشعر به الأجانب.
وهناك نظام أيضًا للمواظبة على حضور المحاضرات يتلخص في أن المحاضرات التي تلقى في المعهد تنقسم قسمين قسمًا إجباريًا وقسمًا اختياريًا فالقسم الأول يتعلق بالمواد الآتية:
1 - بحث التطور التاريخي للقانون الدولي العام.
2 - بحث في مبادئ القانون الدولي العام.
3 - بحث في مبادئ القانون الدولي الخاص.
وما عدا ذلك من المحاضرات يعتبر من القسم الاختياري.
ويمكن لكل مستمع أن يحصل على شهادة بالمواظبة Certificat d’assiduité إذا حضر بانتظام جميع المحاضرات الإجبارية لإحدى الدورتين أو كلتيهما وحضر فوق ذلك محاضرات أربع أبحاث من المواد الاختيارية.
ولقد تقدم هذا المعهد تقدمًا كبيرًا وكان يزيد عدد المستمعين في كل سنة عن الأخرى حتى وصل عددهم من سنة 1925 إلى 380 وزاد كثيرًا هذا العالم أيضًا - وقد منحت بعض امتيازات للمستمعين في أثناء إقامتهم بالهاي، فسمح لهم بالدخول مجانًا في بعض النوادي الهولندية العالية وبشيء من التخفيض في أجور بعض الفنادق كما أعطى لهم الحق في استعارة كتب من مكتبة قصر السلام وفي المطالعة بداخلها وهذه المكتبة تعد من أكمل مكاتب العالم في القانون الدولي، إذ تحتوي على أكثر من 5500 مجلد في القانون الدولي العام والخاص وفي القوانين الدستورية والداخلية لبلاد متعددة وفي التاريخ والاقتصاد وغير ذلك.
هذا هو موجز عن النظام العام لمعهد القانون الدولي الذي أصبح الآن منبرًا عالميًا يجتمع حوله كثير من علماء القانون وتلقى فيه أحدث الآراء والمبادئ التي تساعد على توطيد السلم وتنمية العلاقات الدولية.
نظرة عامة في المحاضرات التي ألقيت
أثناء الدورة الثانية لمعهد القانون الدولي بالهاي
بدأت محاضرات هذه الدورة يوم الاثنين 2 أغسطس سنة 1926 الساعة التاسعة والنصف صباحًا، وكانت تلقى أربع محاضرات يوميًا ما عدا يومي السبت والأحد.
وقد بحثت المحاضرات التي ألقيت في مواضيع متنوعة وسأبين فيما يلي خلاصة عامة لهم ما جاء فيها.
1 - التطور التاريخي للقانون الدولي:
ألقي البارون م. دي تاوب M. de Taube M. le Baron الأستاذ بجامعة بطرسبرج سابقًا اثنتي عشرة محاضرة في التطور التاريخي للقانون الدولي في أوروبا الشرقية بحث فيها في تطور القانون الدولي في بيزنطة والعالم الإسلامي وبلاد أوروبا الشرقية، وقد ذكر في كلامه عن العالم الإسلامي أنه كان للعرب قواعد تشبه القواعد الحالية الدولية فكانوا يتبعون في حروبهم قواعد خاصة في معاملة الأسرى إذ كانوا يحسنون معاملتهم ويبتعدون عن إيذائهم وكان لهم في علاقاتهم التجارية مع البلاد الأجنبية طرق تتفق مع مبادئ الصدق والشرف - ثم تدرج إلى الكلام عن حالة روسيا الدولية وعلاقتها من القرن الحادي عشر إلى الآن مع البابا والدول الأخرى، وبحث في تطور روح السلام في أوروبا الشرقية من القرون الوسطى إلى أواخر القرن التاسع عشر حيث نادى قيصر الروس نيقولا الثاني بوجوب عقد مؤتمر دولي للسلام وقد عقد فعلاً أول مؤتمر على أثر ذلك في مدينة الهاي سنة 1899 - وقد ختم محاضراته بعبارات مؤثرة نادى فيها بوجوب توطيد دعائم السلم وناشد فيها الدول الكبيرة بأن تحترم حقوق الشرق ولا ترتكن على القوة لاغتصاب حقوق الأمم الضعيفة إذ للقوة حدود وينتهي أمرها عادةً بالزوال مثلها في ذلك مثل كرة ذهبية قيل في بعض القصص أنها عرضت على السيد المسيح وهو طفل وكان ذهبها مجموع من أنحاء مملكة الإسكندر أبان عظمته وجبروته فلما وقع نظر المسيح عليها استحالت إلى رماد - وقال الأستاذ المحاضر أن كل دولة تغتر بقوتها وتغتصب حقوق غيرها مآلها إلى الدمار، إذا لا بقاء للقوة أمام الحق وأضاف إلى ذلك أنه يجب أن تحترم حقوق الشرق الذي يعتقد أنه سيستعيد مجده.
2 - مبادئ القانون الدولي العام:
ألقيت المحاضرات التي تتعلق بمبادئ القانون الدولي بمعرفة الأستاذين - المسيو بول هلبورن M. Paul Heilbourn الأستاذ بجامعة برزلو Breslau، والمسيو هانس كلسن M. Hans Kelsen الأستاذ بجامعة فينا، ولقد تكلم الأول عن مصادر القانون الدولي ونطاقه وكيفية تفسيره وكيفية جمعه.
Codification du droit international
أما الثاني فتكلم على العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي فذكر أنه يرى أنهما يتحدان في الأصل ثم تكلم على العلاقة بين الدولة والقانون فقال إنه يرى أن الدولة ما هي إلا الرمز الممثل للقانون Personification du droit وشبهها في ذلك بالعلاقة بين الله والعالم فالله هو الممثل الأعلى للعالم، ثم تكلم على سيادة الدولة souveraineté والأركان اللازمة لتكوين الدولة وهي.
أولاً: قطعة من الأرض أي إقليم territoire فنفاذ القانون مقيد بحدود معينة ويدخل في نطاق القانون الدولي تعيين الحدود التي تسري في داخلها القوانين المختلفة.
ثانيًا: أما الركن الثاني لتكوين الدولة فهو وجود قوم يعيشون على قطعة الأرض وهم مجموع الأشخاص الذين يسري عليهم القانون ويرجع القانون الدولي أيضًا تعيين النطاق الذي يحدد صحة القانون من الوجهة الشخصية أي يحدد الأشخاص الذين يسري عليهم القانون.
ثالثًا: وهناك ركن ثالث للدولة وهو ضرورة وجود سلطة لها السيادة لا تخضع لسلطة أخرى وبعد أن أفاض في بحث هذه الأركان الثلاثة تكلم على السلطات الثلاث التي للدولة وهي التشريع والقضاء والإدارة Pouvoir législatif, Jndiciaire et Administratif وعارض الفكرة القائلة باستقلال كل من هذه السلطات وقال إنها عبارة عن درجات متتابعة تحدد كل منها الأخرى ثم ذكر في ختام محاضراته أن القانون الدولي والقانون الداخلي متحدان معًا ويكونان نظامًا عامًا واحدًا للقانون
Un système universel de droit
3 - مواد خاصة في القانون الدولي الخاص:
ألقى المسيو أوجين أودينبه أستاذ القانون الدولي الخاص بجامعة بواتيه Poitiers محاضرات في اختلاف القوانين في مسائل الزواج والطلاق فقارن بين الحالات التي يوجد فيها اختلاف بين القوانين في مسائل الزواج والطلاق كأن يعقد الزواج مثلاً في بلد أجنبي يشترط قانونه شروطًا أقسى من الشروط التي يتطلبها قانون بلد الزوجين الأصلي أو يقرر موانع للزواج لا توجد في القانون الأصلي للزوجين حسب جنسيتهما فيرى البعض في هذه الحالة أنه يجب أن يسري قانون البلد على كل من فيها من أجانب ووطنيين، أي أن الشروط والموانع تسري على الأجانب أيضًا ولو أنها لا توجد في قانونهم وهذا هو المذهب الإيطالي، وهناك رأى آخر أكثر اعتدالاً يفرق بين الموانع التي توضع لحماية الزوجين فقط ولا تمس الآداب أو النظام الاجتماعي كضرورة الحصول على إذن من الوالدين قبل عقد الزواج، ففي هذه الحالة يمكن تطبيق قانون الزوجين الأصلي - أما الحالة التي تكون فيها الموانع مبنية على أسباب اجتماعية أو أدبية كعدم عقد زواج مع وجود زواج سابق فهذه تعتبر من النظام العام الذي يجب أن يخضع له الجميع من أجانب ووطنين، ثم تكلم على الاختلافات بين القوانين من حيث شكل عقد الزواج وأبان الفرق بين البلاد التي تعتبر الزواج عقدًا مدنيًا فقط، وبذلك تستطيع أن تعترف بالزواج الذي يعقد في البلاد الأجنبية حسب شكل قانونها المحلي وبين البلاد الأخرى التي تعتبر الزواج عقدًا دينيًا، ولا تعترف بالزواج المدني الذي يعقد في غير بلادها، وهكذا أخذ يبحث في النزاعات التي تحدث عند تطبيق القوانين المحلية المتعلقة بالزواج والطلاق والتفريق البدني séparation de corps ، وقد تطرف في إحدى محاضراته وقرر أنه يرى أن الزواج الذي يعقد تحت نظام يبيح الطلاق من جانب واحد فقط هو زواج باطل بل يُعتبر نوعًا من الاجتماع الغير الشرعي union libre وأشار في ذلك إلى نظام السوفيت الذي يُبيح الطلاق من جانب واحد ولكنه لفت نظره أثناء المحاضرة إلى أن الشريعة الإسلامية تجيز الطلاق من جانب واحد فقال إنه يعبر عن رأيه الشخصي ويتكلم عن نظام الطلاق في روسيا البلشفية.
4 - القانون الإداري الدولي – النظام الدولي للموانئ:
ألقى الدكتور رودلف لاون Dr. Rudolf Laun الأستاذ في كلية الحقوق بهامبورج والقاضي بالمحكمة العليا بهامبورج ست محاضرات على النظام الدولي للموانئ، فبدأ بتعريف الموانئ بأنها هي الأمكنة المعدة لنقل الأشخاص والمتاجر من الأرض إلى الماء أو من الماء إلى الأرض أو من طريق نقل مائي إلى طريق مائي آخر.
On entend par ports des installations destinées à transborder les chargements de personnes ou de marchandises, tantôt de la terre ferme sur l’rau tantôt de l’eau sur la terre ferme, tantôt enfin d’un moyen de transport par eau sur un autre moyen de transport analogue.
وتدرج من ذلك إلى الكلام على المياه الإقليمية Eaux Territoriales، وهي المنطقة التي تمتد إلى ثلاثة أميال من شاطئ الدولة [(1)].
ثم تكلم على أنواع الموانئ المختلفة فقرر أن التقسيم الأساسي هو التقسيم بين الموانئ البحرية والموانئ الداخلية فالميناء البحرية Port de mer هي التي يمكن للسفن التي تعبر المحيط أن تصل إليها Un port accessible Aux navires qui traversent l’océan والميناء بالداخلية هي التي لا تصل إليها مثل هذه السفن، وبذلك يمكن أن توجد ميناء بحرية بالمعنى الجغرافي، ولكن تعتبر ميناء داخلية في عرف القانون الدولي وقد تحددت صفة هذه الموانئ في النظام الذي وضع في جنيف في 9 ديسمبر سنة 1922 - ثم تكلم على الموانئ البحرية وهي التي تصلح لأن تكون قاعدة حربية والموانئ التجارية واستتبع ذلك بحث التفرقة بين السفن التجارية والسفن البحرية أو ما يلحق بها من سفن الدولة التي يعتبرها القانون الدولي في حكم السفن البحرية وتكلم على الامتياز الذي تتمتع به السفن البحرية إذ تعتبر جزءًا من الدولة التي تحمل السفينة علمها ولاحظ أن هذا الامتياز لا يسري على السفن العادية التي تنقل الجيوش إلا إذا أدخلت ضمن قوة الدولة المسلحة Incorporé dans la force armée de l’état
وقد صدر بهذا المعنى حكم من محكمة استئناف لندرة في 27 فبراير سنة 1880، وبعد أن أفاض في المقارنة بين الأنظمة التي تتبع في زمن السلم والأنظمة الأخرى التي تتبع في أثناء الحرب تكلم على الموانئ الدولية والقنوات المفتوحة لجميع الدول وتطرق من ذلك إلى بحث حالة قناة السويس فقرر أنه يجب أن تبقى دولية، ولا يجوز لإحدى الدول أن تغير نظامها بدون اشتراك بقية الدول الأخرى التي عقدت معها اتفاقية القناة، ولقد تناقشت معه في هذا الموضوع فقال إنه يرى أن مصر نفسها لا تملك وحدها حق تغيير حالة القناة بدون رضاء بقية الدول الأخرى وأنه يرى أن كل مفاوضة متعلقة بالقناة يجب أن تشترك فيها جميع الدول التي اشتركت في الاتفاقية الأولى [(2)]، وقد ختم محاضراته ببحث حالة الموانئ الداخلية ونظام الملاحة فيها والاتفاقات الدولية المتعلقة بمثل هذه الموانئ مثل اتفاق برشلونة في 20 إبريل سنة 1920 الذي قرر نظامًا لطرق الملاحة الدولية ونظام نهر الألب ونهر الرين الذي قررته معاهدة فرساي.
5 - القانون الاقتصادي الدولي:
ألقى الأستاذان المسيو إدجار ميلهان M. Edgard Milhand أستاذ علم الاقتصاد السياسي بجامعة جنيف والأستاذ بنفنوتوجر تسيوتى M. Benvenuto Griziotti بجامعة بافيا بإيطاليا محاضرات في مسائل اقتصادية دولية فبحث أولهما كيفية التنظيم الاقتصادي وقت السلم وتكلم على وضع نظام اقتصادي واحد تشترك فيه جميع الدول أو بعبارة أخرى إيجاد اتحاد اقتصادي دولي وهيئة دائمة لبحث المسائل الاقتصادية الدولية وأخذ يبين في أكثر محاضراته الفوائد التي تعود من إيجاد هذا التعاون الدولي في المسائل الاقتصادية، أما الأستاذ الثاني فقد ألقى محاضرات في موضوع عملي يعتبر من المواضيع التي تهم القطر المصري وهو فرض الضرائب على الأجانب فقال إنه يرى من العدل أن تفرض ضرائب على الأجانب لأنهم يستفيدون من البلد الذي يقيمون فيه، ولكن يجب أن لا تصل الضرائب التي تفرض عليهم إلى حد الزيادة الجائرة excès d’imposition كما أنه يحسن الابتعاد عن فرض ضرائب متكررة أو مضاعفة أي لا تفرض ضرائب على أشياء يدفع عنها الأجنبي رسومًا أخرى في بلده الأصلي وإنما يجب أن تكون الضريبة متناسبة مع العنصرين الآتيين:
1 - مقدرة الممول على الدفع capacité contributive وهو عنصر شخصي.
2 - الفوائد التي يستمدها الممول les avantages tirés par le contribuable وهذا عنصر مادي élément objectif ثم تكلم على المؤتمرات التي عقدت لبحث مسائل الضرائب المختلفة وختم محاضراته باقتراح وضع نظام لفرض الضرائب تقبله جميع الدول مع إنشاء محكمة اقتصادية دولية Cour économique internationale لبحث النزاعات المتعلقة بالمسائل الاقتصادية وتقرير مبادئ تسير الدول عليها في مثل هذه المسائل.
6 - القانون الجنائي الدولي:
ألقى المسيو فسباسيان بيلا الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة باسي برومانيا Mr. Vespasien Pella ست محاضرات على معاقبة القرصنة، فبدأ ببحث تاريخ القرصنة وبتقسيمها إلى نوع مطلق تشترك في مقاومته الدول ونوع خاص سياسي يوجه ضد الحكومة من بعض رعاياها الثائرين عليها فينهبون سفنها ولا تتداخل الدول الأجنبية في قمع هذه الأعمال الأخيرة التي تعتبر من المسائل الداخلية للدولة المعتدى عليها ثم تكلم بعد ذلك على أركان جريمة القرصنة وهي:
أولاً: وجود بعض أعمال القوة actes de violence
ثانيًا: عدم وجود تصريح من إحدى الدول بارتكاب هذه الأعمال.
ثالثًا: وجود نية السلب، فلا تعد أعمال القوة التي ترتكب في سبيل الانتقام مكونة لجريمة القرصنة.
رابعًا: وجوب ارتكاب أعمال القوة في مكان بعيد عن السلطة المطلقة لإحدى الدول وبشكل من شأنه جعل الأمن في هذا المكان في خطر، ثم تكلم بعد ذلك على العقوبات التي توقع على القرصان وعدم توحيدها في جميع الدول ومصادرة السفن والأدوات التي تستعمل في ارتكاب هذه الجريمة والإجراءات التي تتبع لمطاردة القرصان وأسرهم ومحاكمتهم أمام محاكم الدولة التابعة لها السفينة التي أسرت القرصان بشرط أن يكون في قانونها ما يعطي هذا الاختصاص لمحاكمها وختم محاضراته باقتراح وضع معاهدة بين جميع الدول المتمدينة تبين فيها الأركان المكون لجريمة القرصنة العامة وتتوحد فيها الإجراءات التي تتبع لاكتشاف هذه الجريمة ومحاكمة مرتكبيها [(3)].
7 - مسائل التحكيم وعصبة الأمم:
ألقى الأساتذة م. ماندلستام M. Mandelestam عضو معهد القانون الدولي والمدير السابق للإدارة القضائية بوزارة خارجية روسيا والمسيو مرسييه Mr. Mercier عضو المعهد الدولي والأستاذ بجامعة لوزان محاضرات على المصالحات الدولية والتحكيم وأعمال عصبة الأمم في ذلك، فألقى الأستاذ الأول محاضرات على التوسط ولجان التحكيم الدولية ونظام المصالحات في عهد عصبة الأمم وشرح بعض المنازعات التي فصل فيها مجلس العصبة مثل مسألة جزائر آلند والحالات التي عرضت على مجلس العصبة ومؤتمر السفراء كمسألة الحدود الألبانية والمسائل التي حولها مؤتمر السفراء لمجلس جمعية عصبة الأمم وفصل فيها هذا الأخير كمسألة سيليزيا العليا ثم تكلم على حالة قضى فيها مؤتمر السفراء مع أنها من اختصاص مجلس العصبة وهي النزاع الذي نشأ بين إيطاليا واليونان وختم محاضراته بالكلام على اختصاص الجمعية العمومية للعصبة ومعاهدات التصالح التي عقدت بعد عصبة الأمم مثل بروتوكول جنيف واتفاقات لوكارنو.
وتكلم الأستاذ مرسييه على التحكيم الدولي واختصاص محكمة العدل الدولية الدائمة وكان أكثر محاضراته منحصرة في إبداء ملاحظات عامة على نظام المحكمة فذكر مثلاً أن هذه المحكمة يجب أن تنظر في النزاع الذي يعرض عليها فإذا وجدت أنه لا يمكنها إصدار حكم فيه لعدم وجود قواعد قانونية مقبولة من الدول المتمدينة فلها أن تفصل في موضوع النزاع تبعًا لقواعد العدل والإنصاف d’après l’équité; ex aequo at bono إذا قبل الطرفان ذلك وهذا يُخالف المذهب الأمريكي الذي يرى أن المحكمة لا يجب أن تضع قواعد جديدة كما لا يمكن لطرفي النزاع أن يعطيا للمحكمة هذا الحق لأنها ليست محكمة تحكيم وإنما إذا وجدت محكمة العدل أنه لا توجد قاعدة قانونية لفحص النزاع المطروح أمامها فتحيل هذا النزاع على محكمة التحكيم، واقترح المحاضر وضع نظام تفصيلي للإجراءات التي تتبع أمام محكمة العدل كالدفوع والدعاوى الفرعية والتداخل والأحكام التمهيدية والتحضرية وطرق الإثبات وأسباب البطلان وطرق الطعن كالاستئناف والنقض وتنظيم محكمة عليا يطعن أمامها في قرار المحكمة الأولى ثم شرح الأنواع المختلفة للمنازعات التي تطرح على محكمة العدل وإمكان اختصاص هذه المحكمة بنظر نزاع سبق أن فصلت فيه المحاكم الداخلية في إحدى الدولتين المتنازعتين، وذلك طبقًا لما جاء في المادة الثالثة من معاهدة لوكارنو إذا نص في جميع اتفاقات لوكارنو أنه إذا حصل نزاع يدخل موضوعه في اختصاص المحاكم الداخلية لإحدى الدول المتنازعة طبقًا لتشريعها الخاص فلا يعرض هذا النزاع على محكمة تحكيم أو على محكمة العدل الدولية إلا بعد أن يصدر حكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه في مدة معقولة من الهيئة القضائية الداخلية المختصة.
S’il s’agit d’une contestation don’t l’objet, d’après la lègislation intèrieure de l’une des parties, relève de la com - pétence des tribunaux nationaux de celle - ci, le différend ne sera soumis à la procédure prévue par la présente convention qu’après jugement passé en force de chose jugée rendu, dans les délais raisonnables, par l’autorité judi - ciaire nationale compétente.
ألقى السرسيسيل هرست Sir Cecil Hurts مستشار وزارة الخارجية البريطانية ست محاضرات على الحقوق والامتيازات السياسية، فبدأ كلامه ببحث تاريخي للسفارات الدائمة ثم تكلم على الأساس الذي بنيت عليه هذه الامتيازات للممثلين وهو تمكين الممثلين السياسيين ورجالهم من مباشرة أعمالهم، ثم قال إن واجب الدولة نحو الممثلين السياسيين ينحصر فيما يلي:
1 - منح الحماية اللازمة للمثلين السياسيين.
2 - الامتناع عن الأعمال التي تضربهم.
3 - منع الأفراد من القيام بأعمال تسبب لهم ضررًا.
4 - معاقبة الأفراد الذين يسببون بأعمالهم ضررًا للممثلين السياسيين - ومثل بحادثة مقتل فورسكي مندوب السوفيت وقت انعقاد مؤتمر لوزان - وقال بأن الحكومة السويسرية قررت بأنها لم تقصر في واجبها لأنها لم تكن تعلم بوجود ممثل رسمي للسوفيت حتى تتكفل بحمايته - ثم بحث فيما ينتج من عدم حماية أحد الممثلين السياسيين من احتجاج جميع ممثلي الدول كما حصل في سنة 1708 عندما اعتدى على ممثل قيصر روسيا في لندرة، ومن واجب الدولة أيضًا أن تمنع حصول أي عمل من أعمال السيادة في دور السفارات الأجنبية فلا يجوز مثلاً أن يقوم أحد المحضرين بإعلان ورقة قضائية في دار سفارة، وقد عوقب لذلك تأديبيًا أحد المحضرين في فرنسا، كما أن محكمة السين أظهرت دهشتها في قرار أصدرته في 21 يناير سنة 1875 من إعلان ورقة من أوراق المحضرين بدار سفارة.
وقد كان أيضًا من المحرم على الصحف أن تمس الممثلين السياسيين ولكن العرف جرى الآن على اعتراف الممثلين بحرية الصحافة وبان الدولة ليست مسؤولة عما تكتبه الصحف وأشار إلى بعض القوانين التي تنص على أن سب الممثلين السياسيين بواسطة الصحف عمل معاقب عليه كالقانون الفرنسي الصادر في سنة 1819 - [(4)]، ولكن لا يكون هناك محل لحماية الدولة للسفير إذا كان هو المتسبب بعمله في السب والاعتداء الذي يوجه إليه أو أتى عملاً يمس سيادة الدولة المعتمد فيها.
ولا يجوز للممثل السياسي أن يقتص لنفسه ممن اعتدى عليه بل عليه أن يبلغ حكومة الدولة المعتمد فيها فإذا لم تتخذ ما يجب من الإجراءات أمكن للممثل أن يلجأ لحكومته، ثم تكلم على أنواع الممثلين السياسيين وإعفائهم من القضاء الجنائي ومن القضاء المدني ثم بحث في ذلك في حق الإيواء Droit d’asile فقال بأنه لا يجب أن تستغل حرمة دار السفارة لحماية مجرم وأن استعمال حق الإيواء أصبح الآن غير شائع، على أن بعض دول أمريكا الجنوبية لا تزال تحترم هذا الحق وإنما تطالب بوجوب طرد المجرم بأقرب ما يمكن ولكن سينقضي استعمال حق الإيواء تدريجيًا بمرور الزمن - وقد كان هذا الحق شائعًا في العجم ويسمى بست Bast إذ كانت السفارات تأوي بعض المضطهدين وقد عقد اتفاق بين إيران وإنجلترا وبينها وبين الولايات المتحدة لإلغاء هذا الحق، وتدرج من بحث إيواء المجرمين بإحدى دور السفارات إلى حبس بعض الأفراد في دار سفارة بسبب آرائهم السياسية مثلاً وقال إن هذا الإجراء لا تسمح به عادةً الدولة التي توجد بها دار السفارة كما حدث مرة في إنجلترا عندما حبس أحد الصينيين في سفارة الصين بلندن فتداخلت الحكومة البريطانية حتى أخلى سبيله، وبحث في ختام محاضراته حالة امتيازات الممثلين السياسيين أثناء الحرب فقال بأن ممثلي الدولة المحاربة يجب أن ينسحبوا عند إعلان الحرب وإنما يمنحون أجلاً معقولاً للانسحاب ويتمتعون في مدى هذا الأجل بالحماية اللازمة وبكل ما يلزم لتسهيل الرحيل مع المحافظة على دار السفارة وما تحويه بعد رحيلهم.
9 - تحرير الوثائق السياسية غير المعاهدات:
ألقى المسيو بادفان M. Basdevant أستاذ القانون الدولي بجامعة باريس محاضرات في موضوع تحرير الوثائق السياسية غير المعاهدات فتكلم على أنواع هذه الوثائق وقارن بينها - ثم بحث في الوثائق الصادرة من جانب واحد والوثائق المتبادلة ووثائق انضمام دولة لمعاهدة معقودة بين دولة أخرى adhésion، وهذا الانضمام يجوز أن يتم بمعاهدة مستقلة كما كان النظام المتبع قديمًا أو بتبادل مذكرات الموافقة أو بإرسال قرار الانضمام لدولة معينة من الدول المشتركة في المعاهدة ومتى أجابت عليه بالقبول قام ذلك مقام قبول بقية الدول المشتركة فيها كما حصل في معاهدة جنيف التي عقدت سنة 1864 لتحسين حالة المرضى والجرحى في أثناء الحروب البرية إذ نص فيها على قيام مجلس الاتحاد السويسري مقام بقية الدول المشتركة في المعاهدة في قبول انضمام دول أخرى وفي هذه الطريقة تسهيل كثير ولكن فيها مضار أيضًا إذ يجوز أن يقبل مجلس الاتحاد انضمام دولة لم تعترف بها بعض الدول المشتركة في المعاهدة فيكون ذلك بمثابة اعتراف من هذه الدول ثم تكلم على الانضمام الصادر من جانب واحد Adhésion par déclartion unilatérale، كما حصل بالنسبة لاتفاقية باريس التي عقدت سنة 1856 وشرح بعد ذلك نظام الوثائق التي تمهد إتمام المعاهدات فتكلم على البروتوكول وأنواعه فالبروتوكول الخاص بتبادل التصديقات Protocole d’échange de ratifications هو عبارة عن محضر procès - verbal والبروتوكول النهائي Protocole de clôture يحتوي على اتفاقات تكميلية أو معدلة لما جاء في المعاهدة وينص فيه عادةً على وجوب التصديق عليه أسوة بالمعاهدة، وقد لاحظ أنه لم يتفق على أنواع البروتوكول وعلى معنى كل نوع فتطلق البروتوكول أيضًا على اتفاق بين مندوبين غير مفوضين تفويضًا تامًا ويحتاج اتفاقهم إلى اعتماد الحكومات المختصة كاتفاقات اللجان التي تكلف بتحديد التخوم وقد تصدر من جمعية الأمم قرارات باسم بروتوكول ولكنها تختلف عن القرارات التي تصدر من مؤتمر عادي في إنه في حالة جمعية الأمم تعتبر الآراء الصادرة من الأعضاء صحيحة ولو كانت مخالفة للتعليمات الصادرة من حكوماتهم كما أن هذه القرارات لا تكون خاضعة لضرورة التصديق عليها إذ لها قيمة في ذاتها وأخذ المحاضر في خلال محاضراته يحلل كثيرًا من الوثائق السياسية المهمة كالوثائق النهائية لمؤتمر لاهاي سنة 1899، وسنة 1907 ومؤتمر بروكسل سنة 1874 والمؤتمر الأمريكي سنة 1902 إلخ، وقد خصص نصف محاضراته لمناقشات متبادلة بينه وبين المستمعين وكان يطلب أحيانًا تحرير ديباجات بعض الوثائق أو تغييرها بشكل آخر أو تحويل اتفاق وارد في مذكرات متبادلة إلى معاهدة واحدة وقد اشتركت في هذه المناقشات والتحريرات ووجد الجميع فيها فائدة كبرى وتمرينًا عمليًا نافعًا.
هذا هو موجز ما ألقى من المحاضرات وقد توخيت في تلخيصها أن أترك بقدر الإمكان ما جاء في بعض المحاضرات من مسائل عادية توجد في الكتب المتداولة أو مواضيع معروفة لا تحتاج إلى شرح فلم أطل في تلخيص هذا النوع من المحاضرات بل اكتفيت بذكر النقط الهامة التي يمكن أن يتبين منها وجهة آراء المحاضر، ويتضح من هذا الموجز قيمة هذه المحاضرات من الوجهة العلمية لا سيما أن الأساتذة الذين ألقوها منتخبين من بين علماء القانون الدولي في العالم ولا تقتصر فائدة حضور هذه المحاضرات على الوجهة العلمية فقط بل فيها أيضًا فائدة اجتماعية كبرى لأن وسط المستمعين وسط راقٍ يضم كثيرين من رجال القانون بالبلاد المختلفة، فمنهم القضاة والمحامين وأساتذة القانون بالجامعات وغيرهم من المشتغلين بالمسائل القانونية ففي معرفتهم والاجتماع بهم فائدة كبرى وقد تعرفت بكثير منهم وحصلت منهم على معلومات شتى متعلقة ببلادهم وبأنظمتهم وأرسلت لهم في مقابل ذلك كتبًا تتعلق بالتشريع المصري وبالأنظمة المصرية ووجدت أنهم يهتمون كثيرًا بالمسائل والقوانين المصرية ويأملون أن تستعيد مصر مجدها القديم وتتبوأ مركزها بين الدول ولقد تفضل رئيس جمعية المستمعين فأشار بذكر مصر في الوليمة الختامية للمعهد فشكرته على ذلك باسم المصريين كما أنني قمت بالخطابة نيابةً عن المستمعين في الاجتماع الختامي للمحاضرات فرددت على خطاب الشكر والوداع الذي وجهه الأستاذ السر جميس برون سكوت رئيس مجلس الأكاديمي وأستاذ القانون بجامعة جورج تون بأمريكا ومندوب الولايات المتحدة بمؤتمر لاهاي سنة 1907، ومؤتمر الصلح بباريس سنة 1919 وشكرت رجال المعهد (الأكاديمي) في شخصه وأشخاص الأساتذة وقلت إن جمعية الأكاديمي هي في نظري جمعية أمم صغيرة وإنما على نظام أتم من نظام جمعية الأمم قي جنيف إذ ترأسها أمريكا (مشيرًا إلى السر جميس برون سكوت) بينما هي غائبة عن جنيف وكل الأعضاء فيها متساوون بل كلهم يتمتعون بكراسي دائمة وقد لاحظت على مجلس الأكاديمي أنه لم يبعث بدعوة لمصر لإيفاد أحد أساتذتها لإلقاء محاضرات على منبر قصر السلام لأن النظام المتبع أن يرسل مجلس الأكاديمي دعوات للبلاد المختلفة لإيفاد أساتذة يلقون محاضرات في مواد القانون الدولي فوعد السر جميس برون سكوت بإرسال دعوة لمصر في العام المقبل، وعلى ذلك انتهت الدورة العلمية لأكاديمي القانون الدولي بلاهاي لسنة 1926.
ولا يفوتني أن أذكر شكري الجزيل على المساعدة التي لقيتها من مفوضية مصر بلاهاي وخصوصًا من سعادة وزيرها أحمد موسى باشا وحضرة صاحب العزة الأستاذ الدكتور محمد كامل مرسي بك سكرتيرها فقد كان سعادة الوزير دائم الاتصال بالأكاديمي وحضر بعض المحاضرات كما أن حضرة سكرتيرها كان مستمرًا على حضور المحاضرات وكان أكبر مشجع ليّ على إتمام مهمتي.
وأنني أختم تقريري بأن اقترح أن توفد الحكومة كل عام بضعة أشخاص من رجال القانون لحضور اجتماعات الأكاديمي في كل من دورتيها العلميتين أسوة بما عملت الدول الأخرى، ويمكن أن يقتصر مبدئيًا على دفع مكافأة مالية لكل منهم تعادل المكافأة التي يدفعها مجلس الأكاديمي والتي ذكرتها آنفًا ويا حبذا لو عرض على بعض الأغنياء أن يهبوا مبالغ معينة يستعين بها بعض المصريين على الذهاب إلى مدينة الهاي لحضور المحاضرات ويمكن أن يشترط لنوالها نفس الشروط التي يشترطها مجلس الأكاديمي كما يمكن أن يترك اختيار الأشخاص لهذا المجلس كما هو الحال بالنسبة للمكافأة التي وضعتها الحكومة الهولندية أو يترك اختيارهم لوزارة المعارف أو للجامعة المصرية أو لوزارة الحقانية أو الخارجية - أما الفوائد العلمية الأدبية التي تنجم من حضور رجال القانون المصريين لهذه المحاضرات فعديدة إذ بذلك يتمكنون من الاتصال بالأوساط العلمية في البلاد الممثلة في جمعية الأكاديمي ويستفيدون من مناقشة العملاء والأساتذة في ذلك المعهد العلمي الهادئ فيعلمون دقائق الأنظمة المتبعة في البلاد المختلفة والنظريات والمبادئ القانونية الحديثة كما أن في ذلك أيضًا ما يساعد على نشر الدعوة لمصر ورفع اسمها في المجتمعات الدولية ويحسن أيضًا أن يقبل رجال القانون على حضور اجتماعات هذا المعهد أثناء زيارتهم لأوروبا بل ويشتركون في إلقاء بعض المحاضرات أيضًا لا سيما وأن لدينا الآن من أساتذة القانون وعلمائه من يضارعون علماء أوروبا في درجة الاطلاع وسعة العلم.
محمد عبد المنعم رياض عضو مجلس معهد القانون الدولي بالهاي ومدرس القانون الدولي بالمدرسة الحربية |
[(1)] مسألة المياه الإقليمية من المسائل التي أثارت بحثًا كبيرًا بين علماء القانون الدولي، وقد فحصت أخيرًا بمعرفة لجنة الخبراء التي انتدبتها عصبة الأمم لجمع قواعد القانون الدولي ووضعها بشكل اتفاق يعرض على الدول - وكانت نتيجة ذلك أن وضع مشروع بالأحكام الآتية:
أولاً: صفة حقوق الدولة ذات الساحل البحري وموضوعها:
للدولة حق السيادة على منطقة المياه التي تتصل بساحلها ما دام هذا الحق لا يتعارض مع المبادئ العامة للقانون الدولي ومع حقوق المجتمع الدولي في الانتفاع ومع الحقوق الخاصة بإحدى الدول.
ثانيًا: مدى حقوق الدولة ذات الساحل البحري:
منطقه المياه الإقليمية تمتد إلى ثلاثة أميال بحرية (60 درجة عرض) - تقاس في حالة انخفاض الجزر وبطول كل السواحل، ويجوز للدول خارج منطقة السيادة أن تباشر حقوقًا إدارية ناشئة من العرف أو الضرورة القصوى وتدخل أيضًا حقوق الاختصاص اللازمة لحمايتها على أنه لا يمكن أن تتمتع الدولة بحقوق اقتصادية خاصة خارج المنطقة الإقليمية.
ثالثًا: الخلجان:
بالنسبة للخلجان التي تحيط بها أرض دولة واحدة يتبع البحر الإقليمي تعاريج الساحل إلا إذا أقيس البعد بين طرفي الخليج في الجزء الأقرب من فتحة البحر - وكان يبلغ عشرة آلاف ميل بحري عرضًا وهذا في حالة عدم وجود عرف مستمر وقديم مثبت لعرض أكبر من ذلك.
أما بالنسبة إلى الخلجان التي تحيط بها أراضي دولتين أو دول متعددة فيتبع البحر الإقليمي تعاريج الساحل.
رابعًا: الجزائر:
في حالة وجود جزائر طبيعية غير مغمورة بالمياه بصفة مستمرة وواقعة تجاه الساحل تقاس المنطقة الداخلية للبحر من هذه الجزائر إلا إذا كانت الجزائر بعيدة عن أرض القارة بمسافة تجعلها خارجة عن المنطقة البحرية الإقليمية ففي هذه الحالة يكون للجزيرة بحر إقليمي خاص بها.
وفي حالة وجود أرخبيل تعتبر الجزائر المكونة له كمجموع واحد ويعتبر البحر الإقليمي مبتدئًا من أبعد الجزائر عن وسط الأرخبيل.
خامسًا: المضايق:
يستمر العمل بمقتضى نظام المضايق الحالي المقرر في معاهدات خاصة - وفي حالة وجود مضايق تتبع سواحلها دولة واحدة يكون البحر إقليميًا حتى لو زاد البعد بين الساحلين على عشرة آلاف ميل بشرط أن لا يزيد كل مدخل للمضيق على هذه المسافة - وفي حالة المضايق التي لا يزيد البعد بين ساحليها على عشرة آلاف ميل وتدخل سواحلها في حدود دول متعددة تصل المنطقة الإقليمية فيها إلى وسط المضيق.
سادسًا: المرور الحر:
لكل السفن بدون أي تمييز حرية المرور في البحر الإقليمي على أن هذا الحق يرتبط بالنسبة للغواصات بواجب السير على سطح الماء - ويشمل حق المرور حق البقاء حسب ما يكون لازمًا للملاحة كما يشمل أيضًا حرية مرور الأشخاص والمتاجر دون دخولها أرض الإقليم الأجنبي.
سابعًا: الاختصاص:
سفن الأمم الأجنبية المارة في البحر الإقليمي لا تخضع بسبب ذلك الاختصاص المدني في الدولة المالكة للساحل - وكذلك تخرج من اختصاص هذه الدولة الجرائم التي ترتكب على ظهر سفينة أجنبية مارة في البحر الإقليمي من أشخاص على ظهرها وضد أشخاص أو أشياء على ظهرها أيضًا - وإنما يدخل في اختصاص الدولة المالكة للساحل الجرائم التي تتعدى نتائجها أو دائرة الأشخاص المشتركين فيها سطح السفينة بشرط أن تكون الأعمال المرتكبة معاقبًا عليها في قوانين هذه الدولة وتكون محاكمها مختصة بنظرها - ويعتبر في حكم الجرائم التي تتعدى نتائجها أو دائرة الأشخاص المشتركين فيها سطح السفينة كل جريمة تعكر السلام العام والنظام الحسن القائم في البحر الإقليمي.
ثامنًا: اللوائح:
للدولة المالكة للساحل أن تضع تشريعها وتباشر أعمال إدارتها بداخل البحر الإقليمي في كافة المسائل العامة مع مراعاة القيود التي يضعها هذا الاتفاق ولها أن تستعمل وسائل التهديد اللازمة لتجعل اختصاصها محترمًا ولكي تتمكن من مقاومة الجرائم - وللدولة المالكة للساحل أن تستمر في عرض البحر في مطاردة بدأتها في بحرها الإقليمي وتوقف وتحاكم السفينة التي ارتكبت جريمة في حدود مياهها وفي حالة أسر سفينة في عرض البحر يجب تبليغ ذلك إلى الدولة التي تحمل السفينة علمها وتنقطع المطاردة عندما تدخل السفينة في منطقة المياه الإقليمية لبلادها أو لدولة ثالثة كما أن حق المطاردة ينتهي بدخول السفينة في إحدى موانئ بلادها أو إحدى موانئ بلاد أخرى.
ولا تحصل رسوم من أي نوع عن الملاحة في البحر الإقليمي ما عدا الرسوم المخصصة لمصاريف المراقبة والإدارة وإنما يجب في تطبيق الرسوم والضرائب مراعاة قواعد المساواة ويعفى من دفع الرسوم كل السفن التي تدخل البحر الإقليمي بسبب القوة القاهرة أو بسبب كارثة.
تاسعًا: موارد الثروة:
للدولة المالكة الحق في أن تستولي على موارد الثروة في البحر الإقليمي وما يوجد منها في الأرض وتحت الأرض.
عاشرًا: يجوز للدولة المالكة للساحل أن تضع قواعد خاصة لتنظيم مرور السفن الحربية - وعلى السفن الحربية الأجنبية التي يسمح لها بدخول البحار الإقليمية أن تحترم القوانين واللوائح المحلية خصوصًا ما كان متعلقًا منها بالملاحة وبالمراسي وبالبوليس الصحي.
وفي حالة حصول مخالفة خطيرة مستمرة يطلب من قائد السفينة الحربية بعد إخطار ودي غير رسمي أن يخرج إلى البحر وقد يكره على ذلك عند الضرورة ويتبع مثل هذا الإجراء إذا رأت السلطة المحلية أن في وجود السفينة خطرًا على أمن الدولة على أن يراعى عدم الالتجاء لهذه الإجراءات الشديدة إلا بناء على أمر صادر من الحكومة المركزية للبلاد وفي حالة وقوع مخالفة بسيطة يلتجأ للطريق السياسي.
حادي عشر: الاختصاص بالنسبة للسفن التجارية الأجنبية في الموانئ البحرية: تخضع السفن التجارية الأجنبية الراسية في الموانئ البحرية بدون قيد للاختصاص المدني في الدولة المالكة للساحل، وكذلك لاختصاصها الولائي (أي غير القضائي) أما الاختصاص الجنائي للدولة المالكة للساحل فينحصر في الحالتين الآتيتين:
1 - لمعاقبة الجرائم التي تحصل على سطح السفينة إذا ارتكبت ضد أحد أفراد نوتيتها أو ضد أحد ركابها أو ممتلكاتهم.
2 - في حالة طلب ربان الباخرة مساعدة من سلطات الميناء أو إذا خشي حدوث ما يعكر السلام العام أو النظام الحسن في الميناء.
[(2)] الاتفاقية التي يشير إليها المحاضر هي التي عقدت في 29 أكتوبر سنة 1888 بين كل من ألمانيا والنمسا والمجر وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا لتحديد النظام النهائي لقناة السويس، وهذه الاتفاقية تشتمل على مبدأين:
الأول: خاص بحرية استعمال القناة،
والثاني: خاص بحماية القناة حماية دولية، وقد جاء فيها أن القناة مفتوحة وقت الحرب ووقت السلم لكل السفن سواء أكانت تجارية أو حربية، محايدة أو محاربة على أن لا تتخذ إجراءات عدائية في القناة أو في البحر إلى مسافة ثلاثة أميال من كل طرف كذلك نص على أن مدخل القناة لا يقفل ولا يسمح للسفن الحربية لدول متحاربة أن تمكث في موانئ أي طرف من طرفي القناة أكثر من أربع وعشرين ساعة كما لا يجوز للمتحاربين إن ينزلوا جنودًا أو ذخائر حربية في القناة أو في موانئها وحفظ الحق لمصر وتركيا - بصفتها الدولة صاحبة السيادة في اتخاذ ما يلزم لحماية القناة عند الاعتداء عليها مع إحاطة ذلك الحق ببعض قيود - وقد ورد في هذه الاتفاقية أيضًا أن الدول المتعاقدة لا تسعى للحصول على منافع ممتازة أو خاصة في إقليم القناة وأن أحكام الاتفاقية تستمر سارية حتى بعد انتهاء عقد امتياز شركة القناة أي بعد سنة 1968 - على أنه بعد الحرب العظمى تنازلت بعض الدول عن حقوقها المبينة في هذه الاتفاقية فقبلت ألمانيا في المادة (152) من معاهدة فرساي والنمسا في المادة (107) من معاهدة سانجرمان والمجر في المادة (91) من معاهدة تريانون وتركيا في المادة (109) من معاهدة سيفر أن يتنازلوا عن حقوقهم في المعاهدة السالفة إلى بريطانيا العظمى، ولما عقدت معاهدة لوزان في 24 يولية سنة 923 لتحل محل معاهدة سيفر نص فيها على أن تنازل تركيا عن حقوقها في مصر والسودان يرجع إلى 5 نوفمبر سنة 1914 كما نص أيضًا على أن المسائل التي تنشأ من الاعتراف بالدولة المصرية ستحدد في اتفاقات خاصة بين الدول ذات الشأن.
وقد ورد في التحفظات التي تضمنها تصريح 28 فبراير سنة 1922 مسألة ضمان مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر وهي تشمل طبعًا قناة السويس.
[(3)] مما يدل على أنه لا يزال يوجد بالبحار بعض القرصان الذين يتعرضون للمتاجر والأشخاص ما ورد في تلغرافات روتر بتاريخ 13 نوفمبر سنة 1926 من أنه (هاجمت فرقة من القرصان عددها 26 - الباخرة هانوا الفرنسية ما بين هينج وهنج كنج بالقرب من خليج بباس وقتلوا الحرس وسرقوا خمسين ألف دولار)،
وفي 17 نوفمبر سنة 1926 وردت أخبار أيضًا تفيد هجوم بعض القراصنة على سفن أخرى بين سنغافورة وهنج كونج.
وقد وضعت أخيرًا اللجنة المكلفة بتقنين قواعد القانون الدولي تحت إشراف عصبة الأمم مشروعًا يتضمن الأحكام الآتية:
المادة الأولى: القرصنة جريمة ترتكب في عرض البحر لحساب مرتكبيها وتتكون من أعمال نهب موجهة ضد الممتلكات أو أعمال قوة ضد الأشخاص على أنه لا يشترط أن ترتكب هذه الأعمال بغرض الانتفاع المادي ولكن الأعمال التي ترتكب لغرض سياسي لا تعتبر مكونة لجريمة القرصنة.
المادة الثانية: لا تقضي القرصنة بحرمان مركب القرصان من وضع علم معترف به وإنما يفقد القرصان عند ارتكاب عمل من أعمال القرصنة حماية الدولة التي تحمل سفينتهم علمها.
المادة الثالثة: لا ترتكب جريمة القرصنة إلا السفن الخاصة فإذا سارت سفينة حربية وارتكبت لحسابها الخاص أعمالاً مما نص عليه في المادة الأولى فإنها تفقد بذلك صفتها العامة.
المادة الرابعة: إذا حصل في أثناء حرب داخلية أن اعتبرت الحكومة النظامية من القرصان بعض الثائرين الغير معترف لهم بصفة المحاربين فلا تلزم الدول الأخرى بمعاملتهم على هذا الاعتبار.
ويعتبر من القرصان الثوار الذين يرتكبون الأعمال المبينة في المادة الأولى إلا إذا ارتكبت هذه الأعمال لأغراض سياسية بحتة.
المادة الخامسة: يجوز لكل سفينة حربية أن توقف في عرض البحر أي مركب يقدم بحارتها على ارتكاب عمل من أعمال القرصنة ولها أن تستولي عليها - وإذا بدأت المطاردة في عرض البحر فيمكن أن تستمر ولو في مياه إحدى الدول بشرط أن يترك الحكم في المسألة للسلطات المختصة في الدولة المالكة للساحل.
المادة السادسة: إذا اشتبهت سفينة حربية بأن مركبًا تقوم بأعمال القرصنة فلها أن تتحقق تحت مسؤوليتها من صفة هذه المركب فإذا ظهر بعد التحقيق أن الشبهة لم تكن على أساس فلربان المركب المشتبه فيها أن يطالب بتعويض أو غرامة حسب الأحوال وإذا ظهر بالعكس ما يؤيد الشبهة فلقائد السفينة الحربية أن يتولى محاكمة القرصان إذا حصل القبض عليهم فغي عرض البحر أو يسلمهم للسلطات المختصة.
المادة السابعة: حق الفصل في مسائل القرصنة يرجع للدولة التي تنتمي إليها السفينة التي قامت بالأسر إلا في الحالتين الآتيتين:
1 - في حالة المطاردة المنصوص عنها في الفقرة الثانية من المادة الخامسة.
2 - في حالة وجود تشريع داخلي أو اتفاق دولي يقضي بالعكس.
المادة الثامنة: يكون الحكم في كل ما يترتب على الأسر مثل صحة الغنائم وحق استرداد الملاك الشرعيين لممتلكاتهم ومكافأة الآسرين طبقًا لقوانين الدولة صاحبة الاختصاص.
[(4)] قانون العقوبات المصري ينص أيضًا في المادة (161) على عقاب من تعدي بواسطة طرق النشر إلى سب الوكلاء السياسيين أو القناصل العموميين المعتمدين لدى الحكومة المصرية أو الافتراء عليهم بسبب أمور تتعلق بوظائفهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق