جلسة 24 من ديسمبر سنة 1973
برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية
السادة المستشارين/ سعد الدين عطية، وحسن أبو الفتوح الشربيني، وإبراهيم أحمد
الديواني، وعبد الحميد محمد الشربيني.
----------------
(259)
الطعن
رقم 1132 لسنة 43 القضائية
(1)إجراءات المحاكمة. "إقناعية الدليل". إثبات. "بوجه
عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
المحاكمة الجنائية.
العبرة فيها باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه. لا يصح مطالبته بالأخذ
بدليل بعينه، فيما عدا الأحوال التي قيده فيها القانون بذلك. من سلطته وزن قوة
الإثبات والأخذ من أى بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه. له الالتفات عن
دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. مثال لتسبيب غير معيب.
( 2 و3 و4 و5) اختلاس. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات.
"بوجه عام".
(2)تحدث الحكم استقلالاً عن
نية الاختلاس. غير لازم.
(3)للمحكمة أن تستبعد من
أدلة الدعوى كل ورقة تقدم لها متى اقتنعت بتزويرها.
(4)النعي على المحكمة قعودها
عن تحقيق أمر لم يطلب منها. غير مقبول.
(5)التفات المحكمة عن طلب
غير منتج في الدعوى وغير متعلق بموضوعها. لا عيب.
(6)نقض. "المصلحة في الطعن".
عقوبة. "العقوبة المبررة". تزوير. اختلاس. ارتباط.
قصور الحكم في التدليل
على جريمة التزوير - بفرض صحته - لا يوجب نقضه. ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32
عقوبات وقضت بمعاقبة الطاعن بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة الاختلاس التي أثبتها
في حقه.
--------------
1 - من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي
بناء على الأدلة المطروحة عليه، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا
الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة
الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلا لحكمه فللمحكمة أن تلتفت
عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل
أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي استخلصها القاضي من باقي الأدلة. ولما كانت
المحكمة قد لاحظت ما شاب محضر التحقيق الإداري من مآخذ دعتها إلى عدم الثقة في صحة
ما تضمنه ومن ثم أطرحت ما ثبت به من أقوال منسوبة إلى شاهد الإثبات وأخذت بأقواله
الواردة في تحقيقات النيابة التي اطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع فإنه
لا يقبل من الطاعن مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض
ويكون الحكم في هذا الصدد غير قويم ولا يعتد به.
2 - لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن نية الاختلاس ما دامت
الواقعة الجنائية التي أثبتها الحكم تفيد بذاتها أن المتهم قد قصد بفعلته إضافة ما
اختلسه إلى ملكه.
3 - من المقرر أن للمحكمة الجنائية أن تستعيد من أدلة الدعوى كل
ورقة تقدم لها متى اقتنعت بتزويرها. ولما كان ما أورده الحكم كافياً وسائغاً في التدليل
على تزوير المحرر الذى قدمه الطاعن تأييداً لدفاعه، ومن ثم فلا معقب على محكمة
الموضوع في ذلك.
4 - لا يحق للطاعن أن ينعى المحكمة قعودها عن تحقيق أمر لم يطلبه
منها ولم توجب من جانبها حاجة لإجرائه.
5 - لا تثريب على المحكمة إن هى التفتت عن طلب غير منتج في الدعوى
وغير متعلق بموضوعها.
6 - إن قصور الحكم في التدليل على جريمة التزوير - بفرض صحته - لا
يوجب نقضه ما دامت المحكمة قد طبقت على الطاعن المادة 32 من قانون العقوبات وقضت
بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهى المقررة لجريمة الاختلاس التي أثبتها في حقه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في خلال شهري أبريل ومايو سنة 1967
بدائرة قسم عابدين محافظة القاهرة. (أولاً) وهو مستخدم عمومي (مدير مخبر.....
التابع للمؤسسة العامة للمطاحن والصوامع والمخابز) اختلس مبلغ 225 ج و839 م للمخبر
سالف الذكر والمسلم إليه بسبب وظيفته. (ثانياً) ارتكب تزويراً في محررات لإحدى
المنشآت المملوكة للدولة بأن أحدث تغييراً بإيصال إيداع مبلغ 140 ج ببنك بور سعيد
لحساب مخبر ...... بجعله مائتي وأربعين جنيهاً على خلاف الحقيقة واستعمله بأن قدمه
للكاتب المختص لقيده بدفاتر المخبر على هذا الأساس مع علمه بتزويره. (ثالثاً)
اشترك بطريقي الاتفاق والتحريض مع مجهول في ارتكاب تزوير في محرر لإحدى المنشآت
المملوكة للدولة بأن اتفق معه وحرضه على إنشاء ورقة على غرار الأوراق الصحيحة نسبها
زوراً إلى.... مدير منطقة عابدين والموسكي لمخابز شركه وسط القاهرة تفيد تسلم
الأخير مبلغ 119 ج منه لشراء لوازم للمجموعة وتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق
وذلك التحريض، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته
بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر ذلك في 14 من يناير سنة 1971، ومحكمة
جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً بتاريخ 24 مايو سنة 1973 عملاً بالمواد 40/
1 و2 و41 و214/ 2 مكرراً من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32/ 2 من القانون
المذكور بمعاقبة المتهم لمدة ثلاث سنوات وعزله من وظيفته وتغريمه مبلغ خمسمائة
جنيه وإلزامه برد مبلغ مائتين وخمسة وعشرين جنيها وثمانمائة تسعة وثلاثين مليماً.
فطعن محامى المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم
الاختلاس والتزوير والاشتراك فيه واستعمال محرر مزور قد شابه القصور في التسبيب
وأخل بحقه في الدفاع، ذلك بأن الطاعن دفع عن نفسه تهمة الاختلاس بأنه قام بتوريد
مبلغ 199 جنيها إلى إدارة المجموعة بناء على أمر رئيسه.... وسلم الإيصال الدال على
ذلك إلى كاتب الحسابات..... لكي يستنزله من دفتر المصروفات إلا أن الأخير قعد عن
ذلك مما أدى إلى ظهور العجز في عهدته، وقد ساق الطاعن على صدق دفاعه شواهد من
التحقيق الإداري الذى أجرى في هذا الصدد من بينها إقرار .... بهذه الواقعة على
النحو الذى ساقه الطاعن إلا أن المحكمة أهدرت التحقيق الإداري وما ثبت فيه لعلة
غير سائغة ثم إن الحكم دان الطاعن بجريمة الاختلاس لمجرد ثبوت وجود عجز في عهدته
دون أن يستظهر أن نيته انصرفت إلى إضافة الشيء المختلس إلى ذمته وهو القصد الخاص
الذى تتطلبه المادة 112/ 1 من قانون العقوبات. يضاف إلى ذلك أن الطاعن قدم خطاباً
صادراً من.... وموجهاً لرئيس مجلس إدارة الشركة يتضمن عدوله عن اتهام الطاعن غير
أن المحكمة أطرحته لمجرد تشككها في نسبة الخطاب إلى صاحبه وكان عليها إن استرابت
في الأمر أن تستدعى محرر الخطاب بياناً لوجه الحق وقطعاً للشك باليقين، ولا يغير
من ذلك تنازل الدفاع عن سماع شهود الإثبات لأن تحقيق أوجه الدفاع ليس رهناً بمشيئة
المتهم بل يقع على عاتق المحكمة. وأخيراً فإن الطاعن فند تهمة تزويره المبلغ
المسطر بإيصال الإيداع بالبنك "فيشة الإيداع" من 140 جنيهاً إلى 240
جنيهاً بأن العمل جرى على التوقيع على فيش الإيداع على بياض وطلب إلى المحكمة
تحقيقاً لدفاعه أن تضم الفيش الأخرى الموجودة صورة منها بالبنك وأخرى بالمخبر إلا أن
المحكمة أغفلت الطلب إيراداً له ورداً عليه. كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه
بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي
دين بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة لها معينها الصحيح من الأوراق وتؤدى
إلى ما رتبه عليها - عرض إلى دفاع الطاعن المنصب على أن أقوال....... كاتب
الحسابات في التحقيق الإداري تؤيد واقعة توريده لمبلغ 199 جنيهاً التي لم ترصد
بالحسابات مما نجم عنه ظهور عجز في عهدته، ورد عليه في قوله: "..... وحيث إن
المحكمة لا تعول على ما جاء بدفاع المتهم بشأن ما جاء على لسان الشاهد......
بالتحقيق الإداري من أنه لا ينكر استلامه الإيصال الخاص بمبلغ 199 جنيه ذلك لأنه
اتضح للمحكمة من الرجوع إلى أصل هذا التحقيق وجود تغيير في مواضع كثيرة منه على
نحو يستهدف مسايرة المتهم في دفاعه ومما يقطع بصحة ذلك أن الشاهد المذكور حين سئل
في تحقيق النيابة عن هذا الإيصال - نفى نفياً قاطعاً سبق استلامه لذلك
الإيصال...". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي
باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل عينه
فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك فقد جعل القانون من سلطته أن يزن
قوة الإثبات وأن يأخذ من أى بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه، وكان للمحكمة
أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية، ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته
ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي استخلصها القاضي من باقي الأدلة
- وكانت المحكمة قد لاحظت ما شاب محضر التحقيق الإداري من مآخذ دعتها إلى عدم
الثقة في صحة ما تضمنه ومن ثم أطرحت ما ثبت به من أقوال منسوبة إلى شاهد
الإثبات..... وأخذت بأقواله الواردة في تحقيقات النيابة التي اطمأنت إلى صحتها
ومطابقتها للحقيقة والواقع فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرتها في عقيدتها ولا
المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض ويكون منعاه على الحكم في هذا الصدد غير
قويم ولا يعتد به. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً
عن نية الاختلاس ما دامت الواقعة الجنائية التي أثبتها الحكم تفيد بذاتها أن
المتهم قد قصد بفعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت
أن الطاعن بصفته مديراً لإحدى المخابز التابعة للمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب
والمخابز تسلم بمقتضى وظيفته مبلغ 240 جنيهاً لإيداعه بالبنك لحساب المخبر الذى
يعمل مديراً له إلا أنه لم يودع منه سوى مبلغ 140 جنيهاً واحتبس لنفسه الفارق بين
المبلغين وعمد ستراً لجرمه إلى إحداث تغيير بإيصال الإيداع، ولما افتضح أمره أقر
أمام رئيسه بما قارفه ثم أسفر جرد عهدته أثر اكتشاف فعلته عن وجود عجز جديد لم
يجحده هو الآخر وطلب خصم المبلغين بالتقسيط من راتبه، ولما كان الحكم بما أورده من
شواهد قد أثبت في حق الطاعن تصرفه في المبالغ التي أؤتمن عليها والمسلمة إليه بسبب
وظيفته تصرف المالك لها، فإن ذلك حسبه بياناً لجناية الاختلاس كما هي معرفة به في القانون
بركنيها المادي والمعنوي ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ذلك،
وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للورقة المنسوب صدورها إلى.... والمتضمنة عدوله عن
اتهام الطاعن بواقعة الاختلاس التي سبق أن أبلغ عنها وأطرحها في قوله: ".... أن
المحكمة لا تعول أيضاً على هذه الورقة لأن التوقيع المنسوب إلى..... عليها ظاهر
بوضوح للعين المجردة اختلافه عن توقيعاته على محاضر التحقيق الإدارية وفى تحقيق
النيابة، كما أن الختم المنسوب للشركة على هذه الورقة مطموس لا يقرأ فضلاً عن أنه
يختلف في المظهر العام عن ختم الشركة الصحيح والموجود على أوراقها...... يضاف إلى
ذلك أن المتهم قدم بتاريخ 1 من أكتوبر سنة 1967 تظلماً من قرار فصله إلى رئيس مجلس
إدارة الشركة ولم يشر فيه إلى الورقة السابقة المتضمنة استلام..... مبلغ ال 199 ج
رغم أنها تحمل تاريخ 22 من يوليه سنة 1967 أي قبل تقديم هذا التظلم، ولو كانت
الورقة صحيحة وصادرة ممن نسبت إليه لكان المتهم قدمها كأول سند له في التظلم أو في
القليل أشار إليها فيه، فضلاً عن أن تلك الورقة لم يرد لها ذكر وقت الجرد مع ثبوت
اشتراك المتهم في عضوية اللجنة". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة
الجنائية أن تستبعد من أدلة الدعوى كل ورقة تقدم لها متى اقتنعت بتزويرها، وكان ما
أورده الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على تزوير المحرر الذى قدمه الطاعن تأييداً
لدفاعه ومن ثم فلا معقب على محكمة الموضوع في ذلك، هذا فضلاً عن أنه يبين من
الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إجراء تحقيق ما بشأن المستند
المذكور فلا يحق له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن تحقيق أمر لم يطلبه منها
ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه ويكون منعاه في هذا الصدد غير سديد. لما كان
ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد ساق من أدلة الدعوى ما يقطع بحدوث تغيير في الرقم
الثابت بإيصال الإيداع الذى قدمه الطاعن إلى كاتب الحسابات بالمخبر لرصده في دفاتره
ستراً لاختلاسه المبلغ الذى احتبسه لنفسه ولم يودعه وخلص إلى أنه مرتكب لجريمة
تزوير هذا المحرر وهو استخلاص سائغ قدم له الحكم من وقائع الدعوى ما ينتجه ثم عرض
لدفاع الطاعن من إنه اعتاد توقيع إيصالات الإيداع على بياض فحصله وأطرحه اطمئناناً
منه إلى أدلة الثبوت في الدعوى، فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن طلب الدفاع
ضم إيصالات إيداع أخرى لدى البنك والمخبر لإثبات أنها موقعة من الطاعن على بياض
باعتبار أن هذا الطلب غير منتج في الدعوى وغير متعلق بموضوعها، هذا فضلاً عن أن ما
يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يجديه لأن قصور الحكم في التدليل على جريمة التزوير
- بفرض صحته - لا يوجب نقضه ما دامت المحكمة قد طبقت على الطاعن المادة 32 من
قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي المقررة لجريمة الاختلاس التي
أثبتها في حقه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه
موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق