القضية رقم 295 لسنة 29 ق "دستورية " جلسة 11 / 4 / 2015
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الحادي عشر من إبريل سنة 2015م،
الموافق الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار / عدلي محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور حنفي على جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي
وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى
.
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/محمود محمد غنيم
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع
أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 295 لسنة 29
قضائية "دستورية " بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة
"الدائرة الأولى "
بجلسة 24/4/2007 ملف الدعوى رقم 3343 لسنة 51 قضائية
المقامة من
السيد/ عصمت مصطفى محمد حسن الحكيم
ضد
1 – السيد وزير الأوقاف
2 – السيد رئيس لجنة شئون الأوقاف
3 – السيد رئيس لجنة القسمة الثانية لوزارة الأوقاف
"الإجراءات"
بتاريخ السادس والعشرين من ديسمبر سنة 2007، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 3343 لسنة 51 قضائية ، بعد أن قضت محكمة القضاء
الإدارى بالقاهرة " الدائرة الأولى " فيها بجلسة 24/4/2007 بوقف الدعوى
،وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية الفقرة الثانية
من المادة (2) من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير
الخيرات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة
بدفاعها، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة
المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر
الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
"المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما
يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أنه سبق أن أنشأ المرحوم عمر مكرم وقفًا
لبعض أملاكه، واشترط أن يصرف ريعه على مسجده بأسيوط، ومدفنه، وصيانة الأعيان
الموقوفة ، وصرف مرتبات شهرية للأزهر، ويصرف الباقي على ذريته ونسلهم من بعدهم،
وعلى أثر صدور القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، ثار
نزاع حول تحديد حصة الخيرات على وجه مستقر، وبعرض الأمر على الإدارة العامة
للأوقاف والمحاسبة بوزارة الأوقاف رأت أن جملة ريع أعيان الوقف تقدر بمبلغ 816.044
جنيهًا ، في حين أن الخيرات المشروطة فيه يلزم لها ريع سنوى مقداره 2435.380
جنيهًا، ومن ثم ارتأت تلك الإدارة أن أعيان الوقف جميعها خيرية وليس لأحد استحقاق
فيها، وبعرض هذا الرأى على لجنة شئون الأوقاف قررت بجلستها المنعقدة في 4/10/1987
بمذكرتها رقم (34) "خيرية الوقف جميعه" . وإذ لم يرتض المدعى في الدعوى
الموضوعية هذا القرار باعتباره أحد المستحقين في الوقف الأهلي ، فقد أقام الدعوى
رقم 3343 لسنة 51 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة "الدائرة الأولى
" بطلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأوقاف سالف الذكر، وبجلسة
24/4/2007 قضت تلك المحكمة بوقف الدعوى ، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية
العليا للفصل في دستورية الفقرة الثانية من المادة (2) من المرسوم بقانون رقم 180
لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، وذلك لما تراءى لها من أن النص
المحال قيد حقوق ورثة الواقف في ممارسة ملكيتهم كاملة على أعيان الوقف ، كما منح
أفضلية لحصة الخيرات بجعلها حصة شائعة في كامل أعيان الوقف، وهو ما يتضمن إهدارًا
لحق الملكية بالمخالفة لنص المادة (34) من الدستور الصادر عام 1971.
وحيث إن المادة (1) من المرسوم
بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات المعدلة بالمرسوم
بقانون رقم 342 لسنة 1952 تنص على أنه " لا يجوز الوقف على غير
الخيرات".
كما تنص المادة (2) على أن
"يعتبر منتهيًا كل وقف لا يكون مصرفه في الحال خالصًا لجهة من جهات البر.
فإذا كان الواقف قد شرط في وقفه
لجهة بر خيرات أو مرتبات دائمة معينة المقدار أو قابلة للتعيين مع صرف باقى الريع
إلى غير جهات البر، أُعتبر الوقف منتهيًا، فيما عدا حصة شائعة تضمن غلتها الوفاء
بنفقات تلك الخيرات أو المرتبات ........." .
وتنص المادة (3) على أن "يصبح ما ينتهى فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة ملكًا للواقف إن كان حيًّا وكان له حق الرجوع فيه. فإن لم يكن آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق. وإن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوى الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق......." .
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قد سبق لها أن قضت بجلسة 4/5/2008 ، في الدعوى رقم 33 لسنة 23 قضائية "دستورية "بعدم دستورية المادة (3) من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، فيما نصت عليه من أيلولة أعيان الوقف – بعد وفاة الواقف – إلى المستحقين الحاليين، ولذرية من مات من ذوى الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته، أو حصة أصله في الاستحقاق، دون باقي ورثة الواقف.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، بما مؤداه: أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة ، وهو ما يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي ، وبالقدر اللازم للفصل فيه، والمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى المقامة أمامها للتثبت من هذا الشرط اللازم لقبولها، وليس لجهة أخرى أن تنازعها ذلك أو تحل محلها فيه، ومن ثم، فإنه لا تلازم بين اتصال الدعوى بهذه المحكمة عن طريق الإحالة من إحدى محاكم الموضوع، وتوافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية ، فالأولى لا تغنى عن الثانية ، فإذا انتهت هذه المحكمة إلى أن النص المحال الذى تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستوريته، ليس له من أثر مباشر على الطلبات المبداة في النزاع الموضوعي ، فإن الدعوى الدستورية تضحى غير مقبولة .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الخطأ في تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في دائرة المخالفة الدستورية ، إذا كانت صحيحة في ذاتها، وأن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه
المحكمة كذلك، أنه متى كان الضرر المدعى به ليس مرده إلى النص المطعون بعدم
دستوريته وإنما مرده إلى الفهم الخاطئ له، والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، غدت
المصلحة في الدعوى الدستورية منتفية .
وحيث إن نصوص المرسوم بقانون
رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات تعتبر كلاًّ واحدًا يكمل
بعضها البعض، ويتعين أن تفسر نصوصه بما يمنع التعارض بينها، ذلك أن الأصل في
النصوص القانونية التي تنتظمها وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها، باعتبار
أنها تكون فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معانيها، وتتحدد
توجهاتها لتكون نسيجًا متآلفًًا.
وحيث إنه يتبين من استعراض
أحكام المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، أنه
بعد أن نص في مادته الأولى على حظر الوقف على غير الخيرات، ونص في مادته الثانية
على أن يعتبر منتهيًا كل وقف لا يكون مصرفه في الحال خالصًا لجهة من جهات البر
......، قضى في مادته الثالثة ، مقروءة في ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا
الصادر بجلسة 4/5/2008، في القضية رقم 33 لسنة 23 قضائية "دستورية "،
بأن يصبح ما ينتهى فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة ، ملكًا للواقف
إن كان حيًّا، وكان له حق الرجوع فيه، فإن لم يكن، آلت الملكية لورثته وللمستحقين
في الوقف كل بقدر حصته في الاستحقاق. ومؤدى ما تقدم، أنه بصدور المرسوم بقانون رقم
180 لسنة 1952 أضحى نظام الوقف على غير الخيرات ملغيًا، ولتحقيق هذا الأمر، يتعين
النظر في كل حجة من حجج الأوقاف للوقوف على شروط الواقف، فإذا كان الواقف قد شرط
في وقفه أن يصرف جزء من ريعه على جهة خيرات أو مرتبات دائمة ، سواءً كانت معينة
المقدار أو قابلة للتعيين، وأن يصرف باقي الريع على غير جهات البر، فإن هذا الوقف
يعتبر منتهيًا على النحو الذى فصلته المادة (3) من القانون ذاته، وهو أن تعود
ملكية أعيان الوقف إلى الواقف إن كان حيًّا وكان له حق الرجوع فيه، وإلا آلت
ملكيته إلى ورثة الواقف وللمستحقين في الوقف كل بقدر حصته في الاستحقاق، عدا حصة
شائعة تضمن غلتها الوفاء بنفقات تلك الخيرات أو المرتبات. وقد أوضحت الفقرة
الثالثة من المادة (2) من القانون المذكور كيفية تقدير وإفراز هذه الحصة الشائعة
بأن يتم ذلك على النحو المبين بالمادة (41) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام
الوقف، والتي قضت بأنه إذا شرط الواقف في وقفه خيرات أو مرتبات دائمة معينة
المقدار أو في حكم المعينة ، وطُلبت القسمة ، فرزت المحكمة حصة تضمن غلتها ما
لأرباب هذه المرتبات بعد تقديرها طبقًا للمواد (36، 37، 38) من القانون ذاته على
أساس متوسط غلة الوقف في خمس السنوات الأخيرة ، أما بالنسبة لغلة الأراضي الزراعية
فتقدر طبقًا لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 الخاص بالإصلاح الزراعي .
وقد أوضحت المادة (36) من قانون الوقف كيفية توزيع غلة الحصة الشائعة على النحو الذي
لا تستغرق المرتبات والخيرات غلة كل الوقف وتحرم باقي المستحقين فيه.
وحيث إن قرار لجنة شئون الأوقاف المؤرخ 4/10/1987، بخيرية وقف السيد /عمر مكرم جميعه صدر استنادًا إلى التفسير الخاطئ الذي تبنته الإدارة العامة للأوقاف والمحاسبة بكتابها رقم 280 المؤرخ 16/1/1986، من أن جملة ريع أعيان وقف السيد/ عمر مكرم الكائنة بأسيوط والقاهرة قبل عام 1952 هي مبلغ 816.044 جنيهًا، في حين أن الخيرات المشروطة في وقفه طبقًا لأسعار سنة 1952 يلزم لها ريع سنوي مقداره 2435.380 جنيه، وهو ما يؤدى إلى تحول الوقف المذكور إلى وقف خيري خالص.
وحيث إن ما انتهت إليه لجنة
شئون الأوقاف على النحو المتقدم يعد تطبيقًا خاطئًا لأحكام القانون رقم 180 لسنة
1952، ذلك أن نص المادة (2) منه قضى في عبارة واضحة جلية ،بأنه إذا كان الواقف قد
شرط في وقفه لجهة بر خيرات أو مرتبات دائمة معينة المقدار أو قابلة للتعيين مع صرف
باقي الريع إلى غير جهات البر، اعتبر الوقف منتهيًا فيما عدا حصة شائعة تضمن غلتها
الوفاء بنفقات تلك الخيرات أو المرتبات، وأنه يتعين في تقدير تلك الحصة وإفرازها
اتباع أحكام المادة (41) من قانون الوقف 48 لسنة 1946،فإذا ما انتهى الوقف على
النحو المتقدم، عادت أعيانه إلى ملكية الواقف إن كان حيًّا وكان له حق الرجوع فيه،
فإن لم يكن آلت الملكية إلى ورثته وللمستحقين في الوقف كل بقدر حصته في الاستحقاق.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان
الضرر الذى توهمت محكمة الموضوع أن مرجعه إلى النص المحال، يستند إلى التفسير
الخاطئ لحكمه الذى تبنته لجنة شئون الأوقاف، وكان الأصل أنه إذا صدر قانون ما
لتنظيم موضوع معين، فإن نصوص هذا القانون تعتبر كلاًّ واحدًا يكمل بعضها بعضًا،
وأنه يتعين تفسير هذه النصوص على نحو يمنع التعارض بينها، وكان تفسير نصوص المرسوم
بقانون رقم 180 لسنة 1952 مجتمعة بحسبانها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، لا يؤدى إلى
التفسير الذى انتهى إليه قرار لجنة شئون الأوقاف الصادر بتاريخ 4/10/1987، المطعون
عليه أمام محكمة الموضوع، وسايرتها في ذلك المحكمة الأخيرة توهمًا منها أن النص
المحال قد قيد حقوق ورثة الواقف في ممارسة ملكيتهم كاملة على أعيان الوقف، كما منح
أفضلية لحصة الخيرات بجعلها حصة شائعة في كامل الملكية ، ذلك أنه – وكما سبق القول
– كان يتعين على محكمة الموضوع تفسير النص المحال في ضوء التنظيم المتكامل الذى
أتى به المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952، والذى أنهى المشرع بمقتضاه كل وقف لا
يكون مصرفه في الحال خالصًا لجهة من جهات البر.
وحيث إنه متى كان ما تقدم وكان
الضرر الذى نسبته محكمة القضاء الإداري إلى النص المحال، لا يعود– في واقع الأمر –
إليه، وإنما مرده إلى الفهم الخاطئ والتطبيق غير الصحيح لأحكام المرسوم بقانون رقم
180 لسنة 1952، فإن المصلحة في الدعوى الماثلة تغدو منتفية ،مما يتعين معه القضاء
بعدم قبول هذه الدعوى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق