جلسة الأول من أغسطس سنة 2019
برئاسة السيد القاضي/ محمد عبد الراضي عياد الشيمي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عمر الفاروق عبد المنعـم، منير محمد أمين، علاء عبد الله إبراهيم ومحمد إبراهيـم سمهان .
-----------------
(113)
الطعن رقم 2484 لسنة 65 القضائية
(1) التعويض " تقادم دعوى التعويض : التقادم في بعض أنواع الدعاوى : تقادم دعوى المضرور المباشرة : عدم سقوط دعوى التعويض عن الاعتداء على الحرية الشخصية بالتقادم" .
جريمة الاعتداء على الحرية الشخصية . ماهيتها . عدم سقوط الدعوى الجنائية والمدنية الناشئة عنها بالتقادم . م 57 من الدستور. كفالة الدولة التعويض عنه .
(2) مسئولية " المسئولية التقصيرية : المسئولية عن الأعمال الشخصية : من صور المسئولية التقصيرية : مسئولية الدولة عن وقائع التعذيب والاعتداء على الحقوق والحريات العامة الذى ترتكبه السلطة " .
مساءلة الأشخاص المعنوية العامة كسائر الأفراد والهيئات الخاصة أمام القضاء العادي . مناطه. وقوع الخطأ منها مباشرة أو من أحد تابعيها . خضوعها إلى حكم القانون المدني.
(4،3) تعويض " التعويض عن الفعل الضار غير المشروع : تعيين عناصر الضرر " .
(3) التعويض عن الخطأ . شموله كل فعل أو قول خاطئ ولو تجرد من صفة الجريمة. مؤداه . بحث المحكمة المدنية كل فعل أو قول يعد خروجا ًعن الالتزام القانوني بعدم الإضرار بالغير دون سبب مشروع . م 163 مدني .
(4) الخطأ وفقاً للمادة 163 مدني . شموله الإهمال والفعل العمد . مفاده . عدم تمييز المسئولية التقصيرية للخطأ العمدى وغير العمدى أو الخطأ الجسيم والخطأ اليسير .
(5) اختصاص " الاختصاص النوعي : من اختصاص محكمة الاستئناف: دعوى المخاصمة ".
القواعد المنظمة لدعوى المخاصمة. المواد 494، 495، 497 مرافعات . سريانها على قضاء المحاكم العادية وأعضاء النيابة. امتداد سريانها على العاملين لدى جهات قضائية أخرى. شرطه . النص في قانون آخر . مؤداه . عدم سريان قواعد المخاصمة المدنية على القضاء العسكري . م 10، 49، 58، 60، 61، 62 من ق 25 لسنة 1966 بشأن الأحكام العسكرية .
(6) تعويض " التعويض عن الفعل الضار غير المشروع: تعيين عناصر الضرر" .
الفعل المؤسس عليه طلب التعويض . خضوع تكييف محكمة الموضوع بكونه خطأ أو نفيه لرقابة محكمة النقض .
(7) تعويض " التعويض عن الفعل الضار غير المشروع : تعيين عناصر الضرر: الضرر المادي والأدبي " .
قضاء الحكم المطعون فيه برفض دعوى الطاعن بالتعويض المادي والأدبي عن تنفيذه للحكم العسكري الصادر بحبسه من المحكمة العسكرية غير المختصة لكونه حدثاً وقت ارتكابه الواقعة لاتهامه بالتجمهر ومقاومة السلطات تأسيساً على عدم توافر الخطأ في حق تابعي المطعون ضده النيابة العسكرية لإدراك محكمة التماس إعادة النظر سن الطاعن والإحالة إلى نيابة الأحداث رغم توافر الخطأ في حقهم بعدم التحقق من سن الطاعن حال التحقيق معه وتقديمه إلى المحاكمة العسكرية وصدور الحكم العسكري بحبسه وتنفيذه للحكم رغم حداثة سنه مما أصابه بأضرار مادية جراء تنفيذه حكم محكمة غير مختصة وأضرار أدبية فيما أصابه من حزن وأسى من تقييد حريته حتى صدور حكم محكمة الأحداث بانقضاء الدعوى بمضي المدة . خطأ . ق 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث .
(9،8) مسئولية" المسئولية التقصيرية : المسئولية عن الأعمال الشخصية " من صور المسئولية التقصيرية : مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة ".
(8) مسئولية المتبوع عن أعمال التابع غير المشروعة . قيامها على أساس خطأ مفترض لا يقبل إثبات العكس . شرطه . وقوعها من التابع أثناء وبسبب تأدية وظيفته أو ساعدت أو هيأت لإتيان فعله غير المشروع . علاقة التبعية . قوامها . السلطة الفعلية على التابع في الرقابة والتوجيه ولو كانت قاصرة على الرقابة الإدارية .
(9) مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة . كفاية ثبوت خطأ التابع ولو تعذر تعينه من بين تابعيه . علة ذلك. المتبوع وشأنه في تعيين التابع والرجوع عليه .
(10) تعويض" تقدير التعويض : سلطة محكمة الموضوع في تقدير التعويض " .
محكمة الموضوع . سلطتها في تقدير التعويض الجابر للضرر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنَّ النص في المادة 57 من الدستور المعمول به في 11/9/1971م على أنَّ " كُل اعتداء على الحرية الشخصية أو حُرمة الحياة الخاصَّة للمُواطنين وغيرها من الحُقوق والحُريات العامَّة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء "مفاده أنَّ الاعتداء الذي منع الدستور وقوعه على الحُرية الشخصية هُو كُل ما من شأنه تقييدها أو المساس بها في غير الحالات التي يُقرها القانون.
2- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنَّ الأصل في القانون المدني أنَّ الأشخاص المعنوية العامَّة يُمكن مُساءلتها مسئولية مدنية عن أعمالها المادية أمام القضاء العادي، كُلما أمكن نسبة الخطأ مُباشرة إليها أو أمكن إثبات خطأ وقع من أحد تابعيها، وأنْ تُطبق في مُساءلتها هذه أحكام القانون المدني على النحو الذى تتحقق به مسؤولية الأفراد والهيئات الخاصَّة، فقواعد المسئولية التقصيرية واحدة للفريقين.
3- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنَّ المُشرع إذ نصَّ في المادة 163 من القانون المدني على أنَّ " كُل خطأ سبَّب ضرراً للغير يُلزم من ارتكبه بالتعويض" فقد رتَّب الالتزام بالتعويض على كُل خطأ سبَّب ضرراً للغير، وأورد عبارة النص في صيغة عامَّة، بما يجعلها شاملة لكُل فعل أو قول خاطئ سواء أكان مُكوناً لجريمة مُعاقباً عليها، أم كان لا يقع تحت طائلة العقاب ويقتصر على الإخلال بأي واجب قانوني لم تكفله القوانين العقابية بنصٍ خاص، ومُؤدى ذلك أنَّ المحكمة المدنية يجب عليها البحث فيما إذا كان الفعل أو القول المنسوب للمسئول مع تجرده من صفة الجريمة يُعتبر خروجاً على الالتزام القانوني المفروض على الكافة بعدم الإضرار بالغير دُون سبب مشروع، فلا يمنع انتفاء الخطأ الجنائي من القول أو الفعل المُؤسس عليه الدعوى المدنية من توافر الخطأ المدني في هذا القول أو ذلك الفعل.
4- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن معنى الخطأ في تطبيق هذا النص يشمل مُجرد الإهمال والفعل العمد على حدٍ سواء ممَّا مفاده أنَّ المُشرع في نطاق المسؤولية التقصيرية لا يُميز بين الخطأ العمدي وغير العمدي ولا بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير فكُل منها يُوجب تعويض الضرر الناشئ عنه.
5- المقرر – في قضاء محكمة النقض - أن النص في المادة 494 من قانون المُرافعات على أنَّه "تجوز مُخاصمة القُضاة وأعضاء النيابة في الأحوال الآتية...." وفى المادة 495 منه على أنْ "تُرفع دعوى المُخاصمة بتقرير فى قلم كُتَّاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضى أو عُضو النيابة" وفى المادة 497 منه على أنَّه "إذا حُكم بجواز قبول المُخاصمة وكان المُخاصَم أحد قُضاة المحكمة الابتدائية أو أحد أعضاء النيابة لديها حدد الحُكم جلسة لنظر موضوع المُخاصمة فى جلسة علنية أمام دائرة أُخرى ... وإذا كان المُخاصَم مُستشاراً فى إحدى محاكم الاستئناف أو النائب العام أو المُحامى العام فتكون الإحالة على دائرة خاصَّة .. أمَّا إذا كان المُخاصَم مُستشاراً بمحكمة النقض فتكون الإحالة إلى دوائر المحكمة مُجتمعة "يدل على أنَّ القواعد المُنظمة لدعوى المُخاصمة لا تسرى إلا على المُخاطبين بأحكامها من قُضاة المحاكم العادية وأعضاء النيابة لديها، ولا يمتد سريانها على غيرهم ممَّن يعملون لدى جهات قضائية أُخرى إلا إذا نص قانون آخر على ذلك، وإذ كان قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 في المواد 60، 61، 62 قد نظم حالات عدم صلاحية القُضاة العسكريين لنظر الدعوى وطلب ردهم عند نظرها دُون أنْ يرد به نص على جواز مُخاصمتهم طبقاً لقواعد دعوى مُخاصمة قضاة المحاكم العادية المُقررة بقانون المُرافعات، وكان النص في المادة 10 من القانون آنف الذكر على أنْ "تُطبق فيما لم يرد بشأنه نص في القانون النصوص الخاصَّة بالإجراءات والعقوبات الواردة فى القوانين العامَّة "إنَّما قُصد به الإحالة إلى القوانين العامَّة في شأن ما يعتري مواد قانون الأحكام العسكرية من نقص في الأحكام المُتعلقة بالإجراءات أو العُقوبات الخاصَّة بالدعاوى الجنائية التي يختص القضاء العسكري بنظرها دُون إجراءات الدعاوى المدنية التي حظرت المادة 49 منه على المحاكم العسكرية قبول نظرها، وأنَّ المُقرَّر بالمادة 58 من هذا القانون من أنْ "يُعتبر ضباط القضاء العسكري نظراء للقُضاة المدنيين" لا يُستفاد منه إخضاع هؤلاء القُضاة العسكريين للقواعد المُنظمة لدعوى المُخاصمة التي تسري على قُضاة المحاكم العادية.
6- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنَّ تكييف الفعل المُؤسس عليه التعويض بأنَّه خطأ أو نفى هذا الوصف عنه هُو من المسائل التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض.
7- وإذ كان الثابت من الأوراق – وممَّا أقر به المطعون ضده بصفته ولم يُمار فيه – أنَّ الطاعن أقام عليه الدعوى المُبتدأة بطلب إلزامه بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته من جرَّاء قيام تابعيه بحبسه في الجناية رقم ... لسنة 1974 جنايات عسكرية الإسماعيلية والتى كانت النيابة العسكرية قد اتهمته فيها بقيامه مع آخرين بالتجمهر ومُقاومة السُلطات واستعمال العنف مع رجال الشرطة لتمكين مُتهمين من الهرب، والتى قُضى فيها غيابياً بحبسه أربع سنوات وتم التصديق على الحُكم فى 15/10/1977 مع تخفيف عُقوبته لثلاث سنوات قام بتنفيذ جُلها فى أحد السجون فى الفترة من 28/5/1979م حتى 19/1/1981م إلى أنْ أُفرج عنه لحُسن السير والسُلوك، رغم أنَّه كان وقت ارتكاب الواقعة حدثاً، ولذا فقد قُضى فى 17/2/1981م فى التماس إعادة النظر المرفوع منه بتاريخ 13/6/1979م طعناً على القضاء بحبسه بقبول الالتماس وإحالة الأوراق إلى النيابة العسكرية لإحالتها إلى نيابة الأحداث للاختصاص وقُضى فيها بانقضاء الدعوى الجنائية بمُضى المُدة من جانب محكمة الأحداث، وكان الحُكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء الحُكم المُستأنف ورفض الدعوى تأسيساً على انتفاء الخطأ المهنى الجسيم فى حق تابعى المطعون ضده بصفته، واستند فى ذلك إلى صُدور الحُكم سالف البيان من القضاء العسكرى غيابياً ضد الطاعن والقضاء فى التماس إعادة النظر المرفوع منه بالإحالة إلى نيابة الأحداث المُختصة، مُلتفتاً عن الخطأ الذى وقع من تابعى المطعون ضده بصفته بعدم التحقق من سِن الطاعن في تاريخ ارتكاب الواقعة على الرغم من مثوله للتحقيق بمعرفة النيابة العسكرية التي أحالت الأوراق للمحكمة العسكرية ممَّا ترتب عليه صُدور حُكم ضده من محكمة غير مُختصة بمُحاكمته حال كونه حدثاً وفقاً للقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث – المُنطبق وقت ارتكاب الواقعة – تختص بمُحاكمته محكمة الأحداث وتتأثر عُقوبة الجريمة المُسندة إليه وجوباً بسنه، ممَّا ترتبت عليه أضرارٌ مادية تمثلت في أنَّ الطاعن ظل مُقيد الحُرية طِيلة فترة تنفيذ العُقوبة السالبة للحُرية سالفة البيان المحكوم بها عليه، وأضرار أدبية تمثلت فيما أصابه من أسى وحُزن من جرَّاء تقييد حُريته من محكمة غير مُختصة بمُحاكمته واستطالة إجراءات مُحاكمته أمام القضاء العسكري إلى أنْ قضت محكمة الأحداث فى 24/1/1993م بانقضاء الدعوى الجنائية بمُضي المُدة، ومن ثَمَّ فإنَّ الحُكم المطعون فيه إذ اشترط لقيام مسئولية المطعون ضده بصفته أنْ يرقى الخطأ الذى وقع من تابعيه إلى مرتبة الخطأ العمدى أو الجسيم فإنَّه يكون قد شابه فساد فى الاستدلال ساقه إلى الخطأ فى تطبيق القانون.
8- المقرر – فى قضاء محكمة النقض– أنَّ مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يُحدثه تابعه بعمله غير المشروع تقوم على خطأ مُفترض فى جانب المتبوع فرضاً لا يقبل إثبات العكس متى كان العمل قد وقع منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها أو ساعدته هذه الوظيفة أو هيأت له إتيان فعله غير المشروع، وتقوم علاقة التبعية كُلما كان للمتبوع سُلطة فعلية على التابع فى الرقابة والتوجيه، ولو كانت هذه الرقابة قاصرة على الرقابة الإدارية.
9- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه لا يدفع مسؤولية المتبوع عن العمل غير المشروع – محل المُساءلة – الذى قارفه تابعه تعذُر تعيين هذا التابع من بين تابعيه، طالما أنَّ الضرر الذى حاق بالمضرور مصدره أحد تابعى المتبوع، والذى وشأنه فى تعيين هذا التابع والرجوع عليه بما أدَّاه للمضرور من تعويض.
10- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن تقديـر التعويض الجابر للضرر من المسائل الموضوعية التي تستقـل بها محكمة الموضوع ولها أنْ تُقدِّر التعويض الجابر للضرر على النحو الذى تراه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقريـر الذي تـلاه السيد القاضي المُقرِّر، والمُرافعة، وبعد المُداولة.
حيث إنَّ الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إنَّ الواقعات – على ما يبين من الحُكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصَّل في أنَّ الطاعن أقام على المطعون ضده بصفته الدعوى التي آل قيدها لرقم ... لسنة 1987 مدنى كُلى شمال القاهرة – بعد صُدور حُكم بعدم الاختصاص المحلى والإحالة – بطلب الحُكم بإلزامه بأنْ يُؤدِّى له تعويضاً مادياً وأدبياً مقداره "مائة ألف" جُنيه، وقال بياناً لدعواه إنَّ النيابة العسكرية أسندت له وآخرين في الجناية رقم ... لسنة 1974 جنايات عسكرية الإسماعيلية أنَّهم قاموا بالتجمهر ومُقاومة السُلطات واستعمال العنف مع رجال الشرطة لتمكين مُتهمين من الهرب، وقُضى فيها غيابياً بحبسه أربع سنوات وتم التصديق على الحُكم فى 15/10/1977م مع تخفيف عُقوبته لثلاث سنوات قام بتنفيذ جُلها اعتباراً من 28/5/1979م حتى 19/1/1981م، رغم أنَّه كان قد قدم التماساً بإعادة النظر في هذا القضاء بتاريخ 13/6/1979م وقُضى في 17/2/1981م بقبوله وإلغاء الحُكم الصادر بحبسه وإحالة الأوراق إلى النيابة العسكرية لإحالتها إلى نيابة الأحداث للاختصاص وقُضى فيها من محكمة الأحداث بانقضاء الدعوى الجنائية بمُضي المُدة، وإذ كانت قد أصابته أضرارٌ مادية وأدبية من جراء حبسه دُون أنْ يكون لاتهامه سندٌ من الواقع أو القانون، وكانت إجراءات التحقيق معه ومُحاكمته باطلة نتيجة التعسف في تطبيق القانون من جانب تابعي المطعون ضده بصفته، وكان يُقدِّر التعويض الجابر لتلك الأضرار بالمبلغ المُطالب به فقد أقام الدعوى. حكمت المحكمة بإلزام المطعون ضده بصفته بأنْ يُؤدى له تعويضاً مادياً وأدبياً مقداره "أربعون ألف" جُنيه. استأنف الطاعن هذا الحُكم بالاستئناف رقم ... لسنة 111 ق لدى محكمة استئناف القاهرة، كما استأنفه لديها المطعون ضده بصفته بالاستئناف رقم ... لسنة 111 ق ، وبعد أنْ ضمت المحكمة الاستئنافين للارتباط قضت بتاريخ 28/12/1994م فى استئناف الطاعن برفضه، وفى استئناف المطعون ضده بصفته بإلغاء الحُكم المُستأنف وبرفض الدعوى. طعن الطاعن فى هذا الحُكم بطريق النقض، وقدَّمت النيابة مُذَكِّرَة أبدت الرأي فيها برفض الطعن، عُرض الطعن على هذه المحكمة – فى غُرفة مشورة – حدَّدت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابـة رأيها.
وحيث إنَّ حاصل ما ينعاه الطاعن بسببي الطعن على الحُكم المطعون فيه مُخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والقُصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وبياناً لذلك يقول إنَّ الحُكم المطعون فيه قضى برفض الدعوى تأسيساً على انتفاء الخطأ في حق المطعون ضده بصفته واستند في ذلك إلى أنَّ الحُكم الصادر في الجناية العسكرية رقم ... لسنة 1974 الإسماعيلية قد صدر غيابياً وأُعلن له وقُضى في التماس إعادة النظر المرفوع منه طعناً عليه بإلغاء ذلك الحُكم وإحالة الأوراق إلى نيابة الأحداث، ورتَّب الحُكم على ذلك انتفاء الخطأ الجسيم في حق تابعي المطعون ضده بصفته لعدم توافر أي دليل على سُوء نياتهم عند إصدارهم الحُكم بحبسه لمُدة ثلاث سنوات – قام بتنفيذ جُلها حتى أُفرج عنه لحُسن السير والسُلوك – والتفت الحُكم عن الخطأ الذى وقع من سالفي الذكر بتوقيعهم تلك العُقوبة عليه – وتنفيذه لها – من محكمة غير مُختصة بمُحاكمته، حال كونه وقت ارتكاب الواقعة في 26/11/1973م حدثاً، وظل سيف الاتهام مُسلطاً عليه حتى صدر حُكم محكمة الأحداث في عام1993م، ممَّا يتوافر معه رُكن الخطأ المنصوص عليه في المادة 163 من القانون المدني والتي لم تُفرق بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير في قيام المسئولية التقصيرية، ممَّا يعيب الحُكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنَّ هذا النعي في مَحَلِه ، ذلك أنَّ من المُقرَّر – في قضاء هذه المحكمة – أنَّ النص في المادة 57 من الدستور المعمول به في 11/9/1971م على أنَّ "كُل اعتداء على الحرية الشخصية أو حُرمة الحياة الخاصَّة للمُواطنين وغيرها من الحُقوق والحُريات العامَّة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء" مفاده أنَّ الاعتداء الذى منع الدستور وقوعه على الحُرية الشخصية هُو كُل ما من شأنه تقييدها أو المساس بها في غير الحالات التي يُقرها القانون، وأنَّ الأصل في القانون المدني أنَّ الأشخاص المعنوية العامَّة يُمكن مُساءلتها مسئولية مدنية عن أعمالها المادية أمام القضاء العادي، كُلما أمكن نسبة الخطأ مُباشرة إليها أو أمكن إثبات خطأ وقع من أحد تابعيها، وأنْ تُطبق في مُساءلتها هذه أحكام القانون المدني على النحو الذى تتحقق به مسئولية الأفراد والهيئات الخاصَّة، فقواعد المسؤولية التقصيرية واحدة للفريقين، وأنَّ المُشرع إذ نصَّ في المادة 163 من القانون المدني على أنَّ "كُل خطأ سبَّب ضرراً للغير يُلزم من ارتكبه بالتعويض" فقد رتَّب الالتزام بالتعويض على كُل خطأ سبَّب ضرراً للغير، وأورد عبارة النص في صيغة عامَّة، بما يجعلها شاملة لكُل فعل أو قول خاطئ سواء أكان مُكوناً لجريمة مُعاقباً عليها، أم كان لا يقع تحت طائلة العقاب ويقتصر على الإخلال بأي واجب قانوني لم تكفله القوانين العقابية بنصٍ خاص، ومُؤدى ذلك أنَّ المحكمة المدنية يجب عليها البحث فيما إذا كان الفعل أو القول المنسوب للمسئول – مع تجرده من صفة الجريمة – يُعتبر خروجاً على الالتزام القانوني المفروض على الكافة بعدم الإضرار بالغير دُون سبب مشروع، فلا يمنع انتفاء الخطأ الجنائي من القول أو الفعل المُؤسس عليه الدعوى المدنية من توافر الخطأ المدني في هذا القول أو ذلك الفعل، وكان معنى الخطأ في تطبيق هذا النص يشمل مُجرد الإهمال والفعل العمد على حدٍ سواء ممَّا مفاده أنَّ المُشرع في نطاق المسئولية التقصيرية لا يُميز بين الخطأ العمدى وغير العمدى ولا بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير فكُل منها يُوجب تعويض الضرر الناشئ عنه، وأنَّ النص في المادة 494 من قانون المُرافعات على أنَّه "تجوز مُخاصمة القُضاة وأعضاء النيابة في الأحوال الآتية..." وفي المادة 495 منه على أنْ "تُرفع دعوى المُخاصمة بتقرير في قلم كُتَّاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عُضو النيابة..." وفى المادة 497 منه على أنَّه "إذا حُكم بجواز قبول المُخاصمة وكان المُخاصَم أحد قُضاة المحكمة الابتدائية أو أحد أعضاء النيابة لديها حدد الحُكم جلسة لنظر موضوع المُخاصمة فى جلسة علنية أمام دائرة أُخرى... وإذا كان المُخاصَم مُستشاراً فى إحدى محاكم الاستئناف أو النائب العام أو المُحامى العام فتكون الإحالة على دائرة خاصَّة ... أمَّا إذا كان المُخاصَم مُستشاراً بمحكمة النقض فتكون الإحالة إلى دوائر المحكمة مُجتمعة" يدل على أنَّ القواعد المُنظمة لدعوى المُخاصمة لا تسرى إلا على المُخاطبين بأحكامها من قُضاة المحاكم العادية وأعضاء النيابة لديها، ولا يمتد سريانها على غيرهم ممَّن يعملون لدى جهات قضائية أُخرى إلا إذا نص قانون آخر على ذلك، وإذ كان قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 فى المواد 60 ، 61 ، 62 قد نظم حالات عدم صلاحية القُضاة العسكريين لنظر الدعوى وطلب ردهم عند نظرها ... دُون أنْ يرد به نص على جواز مُخاصمتهم طبقاً لقواعد دعوى مُخاصمة قضاة المحاكم العادية المُقررة بقانون المُرافعات، وكان النص فى المادة 10 من القانون آنف الذكر على أنْ "تُطبق فيما لم يرد بشأنه نص فى القانون النصوص الخاصَّة بالإجراءات والعقوبات الواردة فى القوانين العامَّة "إنَّما قُصد به الإحالة إلى القوانين العامَّة فى شأن ما يعترى مواد قانون الأحكام العسكرية من نقص فى الأحكام المُتعلقة بالإجراءات أو العُقوبات الخاصَّة بالدعاوى الجنائية التى يختص القضاء العسكرى بنظرها دُون إجراءات الدعاوى المدنية التى حظرت المادة 49 منه على المحاكم العسكرية قبول نظرها، وأنَّ المُقرَّر بالمادة 58 من هذا القانون من أنْ "يُعتبر ضباط القضاء العسكرى نظراء للقُضاة المدنيين" لا يُستفاد منه إخضاع هؤلاء القُضاة العسكريين للقواعد المُنظمة لدعوى المُخاصمة التى تسرى على قُضاة المحاكم العادية، كما أنَّ المُقرَّر أنَّ تكييف الفعل المُؤسس عليه التعويض بأنَّه خطأ أو نفى هذا الوصف عنه هُو من المسائل التى يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض، لمَّا كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق – وممَّا أقر به المطعون ضده بصفته ولم يُمار فيه – أنَّ الطاعن أقام عليه الدعوى المُبتدأة بطلب إلزامه بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابته من جرَّاء قيام تابعيه بحبسه فى الجناية رقم ... لسنة 1974 جنايات عسكرية الإسماعيلية والتى كانت النيابة العسكرية قد اتهمته فيها بقيامه مع آخرين بالتجمهر ومُقاومة السُلطات واستعمال العنف مع رجال الشرطة لتمكين مُتهمين من الهرب، والتى قُضى فيها غيابياً بحبسه أربع سنوات وتم التصديق على الحُكم فى 15/10/1977م مع تخفيف عُقوبته لثلاث سنوات قام بتنفيذ جُلها فى أحد السجون فى الفترة من 28/5/1979م حتى 19/1/1981م إلى أنْ أُفرج عنه لحُسن السير والسُلوك، رغم أنَّه كان وقت ارتكاب الواقعة حدثاً، ولذا فقد قُضى فى 17/2/1981م فى التماس إعادة النظر المرفوع منه بتاريخ 13/6/1979م طعناً على القضاء بحبسه بقبول الالتماس وإحالة الأوراق إلى النيابة العسكرية لإحالتها إلى نيابة الأحداث للاختصاص وقُضى فيها بانقضاء الدعوى الجنائية بمُضى المُدة من جانب محكمة الأحداث، وكان الحُكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء الحُكم المُستأنف ورفض الدعوى تأسيساً على انتفاء الخطأ المهنى الجسيم فى حق تابعى المطعون ضده بصفته، واستند فى ذلك إلى صُدور الحُكم سالف البيان من القضاء العسكرى غيابياً ضد الطاعن والقضاء فى التماس إعادة النظر المرفوع منه بالإحالة إلى نيابة الأحداث المُختصة، مُلتفتاً عن الخطأ الذى وقع من تابعى المطعون ضده بصفته بعدم التحقق من سِن الطاعن فى تاريخ ارتكاب الواقعة على الرغم من مثوله للتحقيق بمعرفة النيابة العسكرية التى أحالت الأوراق للمحكمة العسكرية ممَّا ترتب عليه صُدور حُكم ضده من محكمة غير مُختصة بمُحاكمته حال كونه حدثاً وفقاً للقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث – المُنطبق وقت ارتكاب الواقعة – تختص بمُحاكمته محكمة الأحداث وتتأثر عُقوبة الجريمة المُسندة إليه وجوباً بسنه، ممَّا ترتبت عليه أضرارٌ مادية تمثلت فى أنَّ الطاعن ظل مُقيد الحُرية طِيلة فترة تنفيذ العُقوبة السالبة للحُرية سالفة البيان المحكوم بها عليه، وأضرار أدبية تمثلت فيما أصابه من أسى وحُزن من جرَّاء تقييد حُريته من محكمة غير مُختصة بمُحاكمته واستطالة إجراءات مُحاكمته أمام القضاء العسكرى إلى أنْ قضت محكمة الأحداث فى 24/1/1993م بانقضاء الدعوى الجنائية بمُضى المُدة، ومن ثَمَّ فإنَّ الحُكم المطعون فيه إذ اشترط لقيام مسئولية المطعون ضده بصفته أنْ يرقى الخطأ الذى وقع من تابعيه إلى مرتبة الخطأ العمدى أو الجسيم فإنَّه يكون قد شابه فساد فى الاستدلال ساقه إلى الخطأ فى تطبيق القانون، بما يُوجب نقضه.
وحيث إنَّ الموضوع صالح للفصل فيه، ولِما تقدم، وكان من المُقرَّر – فى قضاء هذه المحكمة – أنَّ مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يُحدثه تابعه بعمله غير المشروع تقوم على خطأ مُفترض فى جانب المتبوع فرضاً لا يقبل إثبات العكس متى كان العمل قد وقع منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها أو ساعدته هذه الوظيفة أو هيأت له إتيان فعله غير المشروع، وتقوم علاقة التبعية كُلما كان للمتبوع سُلطة فعلية على التابع فى الرقابة والتوجيه، ولو كانت هذه الرقابة قاصرة على الرقابة الإدارية، ولا يدفع مسئولية المتبوع عن العمل غير المشروع – محل المُساءلة – الذى قارفه تابعه تعذُر تعيين هذا التابع من بين تابعيه، طالما أنَّ الضرر الذى حاق بالمضرور مصدره أحد تابعي المتبوع، والذي وشأنه فى تعيين هذا التابع والرجوع عليه بما أدَّاه للمضرور من تعويض، وكان تقديـر التعويض الجابر للضرر من المسائل الموضوعية التي تستقـل بها محكمة الموضوع ولها أنْ تُقدِّر التعويض الجابر للضرر على النحو الذي تراه، الأمر الذي يتعين معه الحُكم في موضوع الاستئناف رقم ... لسنة 111 ق القاهرة بتعديل الحُكم المُستأنف إلى إلزام المُستأنَف ضده بصفته بأنْ يُؤدِّي للمُستأنِف تعويضاً مادياً وأدبياً تُقدره المحكمة جُملةً واحدة بمبلغ "مائة ألف جُنيه" ، وفى موضوع الاستئناف رقم ... لسنة 111 ق القاهرة برفضه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق