القضية رقم 153 لسنة 19 ق "دستورية " جلسة 5 / 6 / 1999
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 5 يونيه سنة 1999 الموافق 20 صفر
سنة 1420هـ .
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم و حمدي محمد علي و
عبد الرحمن نصير و سامي فرج يوسف و الدكتور عبد المجيد فياض و ماهر البحيري .
وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ حمدي أنور صابر
أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 153 لسنة 19
قضائية "دستورية ".
المقامة من
السيدة / عزة عبد الحافظ مصطفى
ضد
أولا : ورثة المرحوم صلاح الدين محمود الدهرى ، وهم السادة
1- محمد صلاح الدين محمود الدهرى
2-علاء الدين صلاح الدين محمود الدهرى
3- هبة صلاح الدين محمود الدهرى
4- أميرة على هلالى
ثانيا : السيد / وزير العدل بصفته
ثالثا : السيد / رئيس مجلس الشعب بصفته
رابعا : السيد / نقيب المحامين بصفته
" الإجراءات "
بتاريخ 2 أغسطس سنة 1997، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة ، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادتين (84، 85) من قانون المحاماة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في
أن المرحوم/ صلاح الدين محمود الدهرى المحامى كان قد تقدم بالطلب رقم 106 لسنة
1995 إلى نقابة المحامين الفرعية بالجيزة ، لتقدير أتعابه بمبلغ خمسين ألف جنيه عن
القضايا التى باشر الدفاع فيها عن المدعية ، وبتاريخ 15/10/1996 أصدرت اللجنة
المختصة بالنقابة قراراً بتقدير أتعابه بمبلغ أثنين وعشرين ألف جنيه، وإذ لم ترتض
المدعية هذا القرار فقد أقامت- والمدعى عليهم الأربع الأول بصفتهم ورثة المحامى -
الاستئنافين رقمى 16306، 16333 لسنة 113 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة طعناً
فيه، وأثناء نظرهما دفعت المدعية بعدم دستورية نصى المادتين (84، 85) من قانون
المحاماة . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد صرحت لها بإقامة دعواها
الدستورية ، فأقامت الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادتين- الطعينتين- تنصان على ما يأتى :
مادة (84) "للمحامى إذا وقع خلاف بينه وبين موكله بشأن تحديد
أتعابه في حالة عدم الاتفاق كتابة عليها أن يقدم إلى النقابة التى يتبعها طلباً
بما يحدده من أتعاب، وبعرض هذا الطلب على لجنة يشكلها مجلس النقابة الفرعية من
ثلاثة من أعضائه ويخطر الموكل بالحضور أمامها لا بداء وجهة نظره.
وعلى اللجنة أن تتولى الوساطة بين المحامى وموكله، فإذا لم يقبل
الطرفان ما تعرضه عليهما، فصلت في موضوع الطلب خلال ستين يوماً على الأكثر بقرار
مسبب، وإلا جاز لكل من الطرفين أن يلجأ مباشرة إلى المحكمة المختصة .
وإذا قبل الطرفان ما تعرضه عليهما حُرر محضر بذلك يوقع عليه الطرفان
مع ممثل النقابة الفرعية وتوضع عليه الصيغة التنفيذية بواسطة قاضى الأمور الوقتية
المختص وذلك بغير رسوم ".
مادة (85) "لا يجوز الطعن في قرارات التقدير التى تصدرها
النقابات الفرعية إلا بطريق الاستئناف خلال عشرة أيام من تاريخ إعلان القرار ويرفع
الاستئناف للمحكمة الإبتدائية التى يقع بدائرتها مكتب المحامى إذا كانت قيمة الطلب
خمسمائة جنيه فأقل وإلى محكمة الاستئناف إذا جاوزت القيمة ذلك.
ولا يكون قرار التقدير نافذاً إلا بعد انتهاء ميعاد الاستئناف أو صدور
الحكم فيه وتوضع الصيغة التنفيذية على قرارات التقدير النهائي بواسطة قاضى الأمور
الوقتية المختص وذلك بغير رسوم".
وحيث إن المدعية تنعى على المادتين الطعينتين مخالفتهما لأحكام المواد
(8، 40، 65، 68، 165) من الدستور تأسيساً على أن أولاهما آثرت المحامي - دون موكله
- بالحق في اللجوء إلى اللجنة المشكلة وفقاً لها، لإصدار قرار بتقدير الأتعاب عند
الخلاف بشأنها، وجعلت ثانيتهما الاستئناف طريقاً للطعن في قرارات هذه اللجنة - رغم
كونها لجنة نقابية تفتقد العنصر القضائي في تشكيلها- فحرمت الخصوم- بذلك- من التداعي
في شأن حقوقهم أمام محكمة أول درجة ، كما قصرت ميعاد الطعن في هذه القرارات إلى
عشرة أيام خلافاً للميعاد المقرر في قانون المرافعات مما يخل بمبدأي تكافؤ الفرص
ومساواة المواطنين في الحقوق والواجبات، فضلاً عن أن هاتين المادتين تجعلان المحامي
خصماً وحكماً في آن واحد، كما أن قانون المحاماة يخلو من تنظيم إجراءات رد أعضاء
اللجنة وهم زملاؤه الذين تربطه بهم مصالح مهنية متبادلة ، الأمر الذى يفقد اللجنة
ضمانة التجرد والحيدة التي يتحقق بها الفصل في المنازعة بطريقة من صفة ، ويحرم ذوى
الشأن من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي ، وينطوي على اعتداء على استقلال السلطة
القضائية وإهدار لمبدأ الخضوع للقانون.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التمييز بين الأعمال القضائية
وبين غيرها من الأعمال التى قد تلتبس بها أن ما يقوم على مجموعة من العناصر لا
تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعي ، ولكنها تعين على إبراز الخصائص
الرئيسية للعمل القضائي ، ومن بينها أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد
إليها المشرع بالفصل في نزاع معين، يفترض أن يكون تشكيلها واستقلالها كاشفين عن
حيدتها عند الفصل في النزاع ومؤديين إلى غيريتها في مواجهة أطرافه، وأنه في كل حال
يتعين أن يثير النزاع المطروح عليها ادعاءً قانونياً يبلور الحق في الدعوى كرابطة
قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها وبوصفها الوسيلة التي عينها المشرع
لاقتضاء الحقوق المدعى بها، وبمراعاة أن يكون إطار الفصل فيها محدداً. بما لا يخل
بالضمانات القضائية الرئيسية التي لا يجوز النزول عنها والتي تقوم في جوهرها على
إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها، وتمحيص إدعاءاتهم، على ضوء قاعدة
قانونية نص المشرع عليها سلفاً، محدداً على ضوئها حقوق كل من المتنازعين في تجرد
كامل، ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكداً للحقيقة القانونية مبلوراً لمضمونها
في مجال الحقوق المدعى بها، لتفرض هذه الحقيقة نفسها- وبافتراض تطابقها مع الحقيقة
الواقعة - على كل من ألزمه المشرع بها.
وحيث إن البين من قانون المحاماة المشار إليه، أن للمحامي - بنص
المادة (82) منه- الحق في تقاضى الأتعاب، وفقاً للعقد المحرر بينه وبين موكله- عما
يقوم به من أعمال المحاماة ، فضلاً عن حقه في استرداد ما أنفقه من مصروفات في سبيل
مباشرة الأعمال التي وكل فيها، فإذا لم يكن ثمة اتفاق كتابى بينهما على الأتعاب،
واختلفا في تقديرها، فقد رسم القانون أسلوب تحديدها وطريق اقتضائها في المادتين
(84، 85) المشار إليهما على النحو المبين فيها.
وحيث إن مؤدى المادة (84) من قانون المحاماة ، أن اللجنة المشكلة
طبقاً لها يخلو تشكيلها من العنصر القضائي ، وأن المشرع لم يقرر لها كياناً ذاتياً
مستقلاً عن النقابة الفرعية ، وأن أعضاءها- بحكم موقعهم على القمة من تنظيمهم
النقابى - إنما ينظرون المنازعة بشأن تقدير أتعاب المحاماة في كنف نقابتهم، التى
تعنى أساساً بالمصالح المهنية الخاصة لأعضائها، وأن المشرع لم يكفل لطرح النزاع
على هذه اللجنة الضمانات الجوهرية للتقاضي التي ينطوي تحتها حق كل خصم في عرض
دعواه وطرح أدلتها والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافؤ أطرافها فيها جميعاً؛
بل فرض على هذه المنازعة نهجاً إجرائياً حائفاً فقصر اللجوء إليها على المحامى ،
وأوصد بابه على موكله، فلم يجز له أن يعرض- ابتداء- ظلامته عليها إذا ما اقتضت
مصلحته ذلك، بل عليه أن يتربص الطلب الذى يتقدم به المحامي حين يشاء، كى يطرح
عليها أقواله، الأمر الذى يخل بالتوازن الذى تفرضه علاقة الوكالة القائمة بينهما،
إجحافاً بمصلحة الموكل وترجيحاً لمصلحة المحامي عليها، كما أرهق المشرع الحق في الالتجاء
مباشرة إلى المحكمة المختصة في شأن الأتعاب محل الخلاف بما استلزمه من أن تكون
اللجنة قد تقاعست عن الفصل في موضوع الطلب- بقرار مسبب- خلال ستين يوماً قبل
ولوجهما طريق التقاضي ؛ إذ كان ذلك، وكانت اللجنة في مباشرتها لعملها المنوط بها
لا تبدو مبرأة من امتزاجه بالعمل النقابي ، مما يثير الريب حول حيدتها، وتزعزع
ضمانة الاستقلال التى كان ينبغي أن تحيط بأعضائها بما لا تستقيم معه غيريتها في مواجهة
أطراف المنازعة ؛ فإن هذه اللجنة لا تعتبر- إزاء المنازعة التي اختصها المشرع
بالفصل فيها - هيئة ذات اختصاص قضائي ، ومن ثم، فإن قرارها في هذه المنازعة لا
يصدق عليه وصف القرار القضائي ، بما يخرجها- بالتالي - من مفهوم القاضي الطبيعي .
وحيث إن الدستور بما نص عليه في المادة (68) من أن لكل مواطن حق الالتجاء
إلى قاضيه الطبيعي قد دل- وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - على أن هذا الحق في
أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان
على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية ، وقد حرص الدستور على ضمان أعمال هذا الحق
في محتواه المقرر دستورياً بما لا يجوز معه قصر مباشرته على فئة دون أخرى أو
إجازته في حالة بذاتها دون سواها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته لضمان أن يكون
النفاذ إليه حقاً لكل من يلوذ به غير مقيد في ذلك إلا بالقيود التي يقتضيها تنظيمه
والتي لا يجوز بحال أن تصل في مداها إلى حد مصادرته، وإذ كان حق التقاضي من الحقوق
العامة التي كفل الدستور بنص المادة (40) المساواة بين المواطنين فيها، فإن حرمان
طائفة من هذا الحق مع تحقق مناطه- وهو قيام المنازعة في حق من حقوق أفرادها- إنما ينطوي
على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا
الحق.
وحيث إنه إذا كان ما تقدم، وكان المشرع- بالنص المطعون فيه- قد أو كل
إلى اللجنة المشار إليها- على الرغم من أنها ليست هيئة ذات اختصاص قضائي على نحو
ما تقدم- الفصل في منازعة من طبيعة قضائية ، واستلب ولاية القضاء فيها من قاضيها الطبيعي
؛ وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال
حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي ، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي
تحكم الخصومة القضائية ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس
موحدة عند توافر شروطها؛ إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء
في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها. متى كان ذلك
وكان الخلاف بين المحامي وموكله حول تقدير الأتعاب إنما يندرج في دائرة الخلاف بين
الأصيل والوكيل بأجر عند عدم الاتفاق على أجر الثاني، باعتبار أن جميع هذه
المنازعات متحدة في جوهرها متماثلة في طبيعتها؛ فإن إفراد الخلاف بشأن تحديد أتعاب
المحامي بنظام إجرائي خاص لفضه ينبؤ عن نظام التداعي بشأن تحديد أجر الوكيل- دون
أن يستند ذلك إلى مبرر منطقي لهذه المغايرة - يصم هذا التنظيم التشريعي الخاص بمخالفة
الدستور.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن نص الفقرتين الأولى والثانية من المادة
(84) يكون قد مايز- في مجال ممارسة حق التقاضي - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم
القانونية ، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية ، بما يمثل إخلالاً بمبدأ
مساواة المواطنين أمام القانون، وتعويقاً لحق التقاضي واعتداء على استقلال السلطة
القضائية ، مخالفاً بذلك أحكام المواد (40، 68، 165، 167) من الدستور.
وحيث إن القضاء بعدم دستورية الفقرتين المشار إليهما يؤدى - بحكم
اللزوم العقلي - إلى سقوط الفقرة الثالثة من المادة (84)، والمادة (85) برمتها،
وذلك لارتباطهما بالفقرتين الأوليين ارتباطا لا يقبل التجزئة بحيث تكوّن جميعها
كُلاً واحداً لا يتجزأ، مما لا يتصور معه أن تقوم لهذه النصوص قائمة بغيرهما أو
إمكان أعمال أحكامها في غيبتهما.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرتين الأولى والثانية من المادة (84)
من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وبسقوط كل من فقرتها الثالثة،
والمادة (85) من هذا القانون، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل
أتعاب المحاماة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق