القضية رقم 88 لسنة 28 ق " دستورية " جلسة 2 / 1 / 2011
الجريدة الرسمية العدد الأول مكرر في 8 / 1/ 2011
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثاني من يناير سنة 2011 م ، الموافق
السابع والعشرين من المحرم سنة 1432 هـ .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد
سلطان
رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ عبد الوهاب عبدالرازق حسن وماهر سامى يوسف
ومحمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور حسن عبد
المنعم البدراوي
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد
بجاتو
رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 88 لسنة 28
قضائية " دستورية " .
المقامة من
1 السيد / وائل محمد أحمد فارس
2 السيدة / زينب محمد أحمد محمد
3 السيد / أدهم محمد أحمد فارس
4 السيدة / نهى محمد أحمد فارس
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الشعب
3 السيد رئيس مجلس الوزراء
4 السيد نقيب محامى مصر
" الإجراءات "
بتاريخ 23/5/2006، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ،
طلباً للحكم بعدم دستورية نص المادة (208) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم
17 لسنة 1983 المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 1986.
وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى .
كما أودع المدعى عليه الرابع مذكرة طلب فيها الحكم أصلياً: بعدم قبول الدعوى ،
واحتياطياً: برفضها. وقدم المدعون مذكرة بدفاعهم بذات الطلبات الواردة بصحيفة
الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل
في أن مورث المدعين كان قد أقام بتاريخ 28/3/1998 الدعوى رقم 761 لسنة 1998 مدني كلي
، أمام محكمة أسيوط الابتدائية - قيدت بعد ذلك برقم 272 لسنة 2002 عمال كلي أسيوط
- ضد المدعى عليه الرابع وآخر، بطلب الحكم بأن يؤديا له مبلغ ( 35220) جنيهاً
كمتجمد معاش وما يستجد من معاش ابتداء من 1/4/1998 بواقع (700) جنيه شهرياً منذ
بلوغه سن الستين، مع أي زيادة تتقرر فيما بعد . وذلك تأسيساً على أنه فور تخرجه من
كلية الحقوق عام 1956 قيد بالجدول العام لنقابة المحامين بتاريخ 26/12/1956 برقم
11460، وظل يمارس مهنة المحاماة منذ هذا التاريخ وحتى تاريخ إقامة دعواه. وأضاف
أنه بلغ سن الستين في 5/1/1992، ومنذ هذا التاريخ، استحق المعاش المقرر بموجب
المادة (196) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، مع حقه في الاستمرار
في مزاولة المهنة . وأثناء نظر تلك الدعوى توفى مورث المدعين، فقاموا بتصحيح شكلها
بموجب صحيفة معلنة صمموا فيها على ذات طلبات مورثهم . وبجلسة 18/3/2006 دفعوا بعدم
دستورية نص المادة (208) من قانون المحاماة السالف الذكر. وبعد أن قدرت المحكمة
جدية هذا الدفع، صرحت لهم بإقامة الدعوى الدستورية ، فأقاموا الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (208) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة
1983 تنص على أنه "يترتب على صرف معاش التقاعد ألا يباشر المحامي أي عمل من
أعمال المحاماة أياً كان نوعه، ويرفع اسم المحامي نهائياً من جدول المحامين
المشتغلين، ولا يجوز للمحامي بعد أن يحصل على معاش التقاعد أن يطلب قيد اسمه في جدول
المشتغلين".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من كل من هيئة قضايا الدولة ونقابة المحامين
بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة ، فمردود بأنه من المقرر- وعلى ما جرى به قضاء
هذه المحكمة - أن المصلحة الشخصية المباشرة ، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ،
مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك
بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية المطعون عليها لازماً للفصل فيما يرتبط بها
من الطلبات في تلك الدعوى . إذ كان ذلك، وكان جوهر النزاع الموضوعي يتمثل في طلب
تقرير أحقية مورث المدعين في صرف معاش التقاعد منذ تاريخ بلوغه سن الستين رغم
استمراره في مزاولة مهنة المحاماة ، ويحول دون إجابة هذا الطلب، ما ورد بنص المادة
(208) المطعون عليه، من اشتراط عدم مزاولة مهنة المحاماة بعد بلوغ سن الستين . ومن
ثم، فإن الفصل في مدى دستورية هذا الشرط -المبني على إقامة علاقة ترابطية بين صرف
معاش التقاعد، وعدم مزاولة مهنة المحاماة ورفع اسم المحامي نهائياً من جدول
المشتغلين- يرتب انعكاساً على الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع، لكون تقرير
أحقية مورث المدعين للمعاش في هذه الحالة ، مؤداه: دخول مبلغ المعاش في ذمته
المالية ، وانتقاله بوفاته إلى ورثته "المدعون في الدعوى المعروضة "، بما
يوفر لهم مصلحة شخصية ومباشرة في الدعوى المعروضة ، والتي يتحدد نطاقها فيما ورد
بالنص المطعون عليه -لصرف معاش التقاعد- من شرط "ألا يباشر المحامي أي عمل من
أعمال المحاماة أياً كان نوعه، ويرفع اسمه نهائياً من جدول المحامين
المشتغلين"، دون أن يستطيل نطاق الدعوى إلى ما ورد بذلك النص من أحكام أخرى .
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المطعون عليه للمادتين (17، 122) من
الدستور، على سند من أن المحامي عند بلوغه سن الستين يكون قد سدد مبالغ طائلة إلى
النقابة ممثلة في الاشتراكات والدمغات فضلاً عما يقضى به من أتعاب المحاماة في القضايا
التي يباشرها طوال فترة عمله، فلا يتصور، والحال هذه، أن يعلق حقه في الحصول على
معاش التقاعد عند بلوغه هذه السن على شرط الامتناع عن مزاولته المهنة ونقل قيده
إلى جدول غير المشتغلين، فنعى مردود، ذلك أنه من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه
المحكمة - أن الدستور إذ عهد بنص المادة (122) منه إلى المشرع بصوغ القواعد
القانونية التي تتقرر بموجبها على خزانة الدولة مرتبات المواطنين ومعاشاتهم
وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم، على أن ينظم أحوال الاستثناء منها، والجهات التي
تتولى تطبيقها، فذلك لتهيئة الظروف التي تفي باحتياجاتهم الضرورية ، وتكفل
مقوماتها الأساسية التي يتحررون بها من العوز، وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم
والارتقاء بمعاشها. بما مؤداه: أن التنظيم التشريعي للحقوق التي كفلها المشرع في هذا
النطاق يكون مجافياً أحكام الدستور، منافياً لمقاصده إذا تناول هذه الحقوق بما
يهدرها أو يفرغها من مضمونها. ولازم ذلك أن الحق في المعاش-إذا توافر أصل استحقاقه
وفقاً للقانون- إنما ينهض التزاماً على الجهة التي تقرر عليها، وهو ما تؤكده
قوانين التأمين الاجتماعي ، على تعاقبها، إذ يتبين منها أن المعاش الذى تتوافر
بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقاً للنظم المعمول
بها، يعتبر التزاماً مترتباً بنص القانون في ذمة الجهة المدينة ، وإذ كان الدستور
قد خطا بمادته (17) خطوة أبعد في اتجاه دعم التأمين الاجتماعي حين ناط بالدولة أن
تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية ، الاجتماعية منها والصحية ، بما في ذلك تقرير
معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم في الحدود التي يبينها
القانون، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي ، التي يمتد نطاقها إلى الأشخاص
المشمولين بها، هي التي تكفل لكل مواطن الحد الأدنى لمعيشة كريمة لا تمتهن فيها
آدميته، والتي توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق في الحياة أهم
روافدها، وللحقوق التي يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التي يعيش في محيطها،
مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها، وتلك هي الأسس الجوهرية التي لا يقوم المجتمع
بدونها، والتي تعتبر المادة (7) من الدستور مدخلا إليها. لما كان ذلك، وكان المشرع
قد أنشأ صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للمحامين، وجعل من بين أغراضه تحقيق
التكافل بين سائر أعضاء النقابة لمواجهة الأخطار الاجتماعية التي قد يتعرض لها أي
منهم، محدداً إياها بالتقاعد أو الوفاة ، وألحق بهما العجز الكامل، وذلك لضمان دخل
بديل للمحامي أو ورثته، بحسب الأحوال، إذا ما تحقق أي من هذه الأخطار، فلا يترك أو
يتركون فريسة في مواجهتها. فلهذا التأمين، بهذه المثابة ، وظيفة اجتماعية ، تتمثل
في درء الخطر عن المحامين أو ورثتهم، ويقوم على اعتبار اجتماعي مبناه التضامن بين
المحامين الذين تجمعهم ظروف متشابهة ويتعرضون لذات الأخطار. والاشتراك فيه يشمل
جميع المحامين العاملين، ولا يتم تغطيته عن طريق اشتراكات يؤديها المستفيدون منه،
على النحو المتبع في الغالبية العظمى من نظم التأمين، بل عن طريق موارد نصت عليها
المادة (181) من قانون المحاماة ، من أهمها دمغة المحاماة التي تسدد عند مباشرة
الدعاوى ، وأتعاب المحاماة التي يقضى بها، عند توافر موجباتها. وهما موردان لا
يشكلان أي عنصر من العناصر الإيجابية للذمة المالية للمحامي ، ارتأى المشرع
توجيههما لتحقيق الوظيفة الاجتماعية سالفة البيان بإدراجهما كموردين رئيسيين من
موارد الصندوق القائم على تحقيقها، محدداً حالات الخطر التي يضطلع الصندوق،
تحقيقاً لوظيفته الاجتماعية ، بدرئه. والقول بأن بلوغ سن الستين، في حد ذاته، يشكل
خطراً موجباً لصرف معاش التقاعد مع الاستمرار في مزاولة مهنة المحاماة ، من شأنه
إدخال خطر جديد لم ينص عليه المشرع، قد تقعد موارد الصندوق عن مواجهته، سيما وأن
مهنة المحاماة مهنة حرة لم يحدد المشرع سناً لتقاعد مزاوليها، تاركاً لكل منهم،
عند أو بعد بلوغ هذه السن، تحديد متى يرغب في التقاعد، بتوقفه تلقائياً عن مزاولة
المهنة ، واستحقاقه لمعاش التقاعد . وعلى ذلك فإن ما تضمنه النص المطعون عليه من
اشتراط التوقف عن مزاولة المهنة ورفع اسم المحامي نهائياً من جدول المشتغلين كشرط
للحصول على معاش التقاعد، هو نوع من التنظيم التشريعي يتفق وطبيعة ذلك المعاش الذى
يفترض أن طالبه قد توقف تلقائياً وإرادياً عن مزاولة مهنة المحاماة على نحو أدى
إلى انقطاع دخله منها ودعاه إلى طلب تأمينه بتقرير وصرف معاش التقاعد المقرر
لمواجهة هذه الحالة ، وهو تنظيم تشريعي يحقق التكافل الاجتماعي بين أبناء المهنة
الواحدة "جماعة المحامين"، ولا مخالفة فيه، والحال هذه، لنصوص المواد
(7، 17، 122) من الدستور.
وحيث إنه عن النعي على النص المطعون عليه أنه، إذ يحظر على المحامي
مزاولة المهنة حال اقتضائه معاش التقاعد لبلوغه سن الستين، فإنه يكون قد قيد حقه
في العمل، وحد من حريته في الإبداع، بعد وصوله إلى قمة النضج المهني ، بالمخالفة
لنص المادتين (13، 49) من الدستور، فنعى مردود، ذلك أن حق العمل وفقاً لنص المادة
(13) من الدستور لا يمنح تفضلاً، ولا يتقرر إيثاراً، ولا يجوز إهداره أو تقييده
بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجباً لا ينفصل عن الحق فيه ...، وكلما كان العمل
ذهنياً قائماً على الابتكار كان لصيقاً بحرية الإبداع، وصار تشجيعه مطلوباً عملا
بنص المادة (49) من الدستور التي تكفل لكل مواطن حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي
والفني والثقافي مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدة بذلك أن لكل فرد مجالاً حراً لتطوير
ملكاته وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد منها. كما أن حرية العمل
تستتبع، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ، أن يكون لكل فرد ألا يعمل، أو أن يعمل
متى يشاء وأينما شاء، وله كذلك أن يترك عمله أو ينتقل من عمل إلى عمل آخر . لما
كان ذلك، وكانت مهنة المحاماة من المهن الحرة التي ليس لها سن تقاعد، وكان الخطر
المغطى تأمينياً، في هذه الحالة ، هو التقاعد عند بلوغ سن الستين على الأقل، والذى
يستحق بموجبه المحامي - الذى بلغ هذه السن وأراد التقاعد تلقائياً - المعاش المقرر
متى توافرت سائر الشروط الأخرى الواردة بالمادة (169) من قانون المحاماة ، فإن
بلوغه هذه السن مع اختياره الاستمرار في مزاولة المهنة لا يتحقق به الخطر، محل هذا
التأمين، ومن ثم لا يستحق المعاش المقرر لدرء هذا الخطر . وليس في ذلك أي افتئات
على حق العمل وحرية الإبداع، فتقاعد المحامي بتوقفه عن مزاولة مهنة المحاماة
استحقاقاً للمعاش المقرر محض تصرف إرادي مبناه تقديره الشخصي وقياسه الذاتي لقدرته
على الاستمرار في مزاولة المهنة من عدمه، ومن ثم فلا مخالفة ، والحال هذه، من النص
المطعون عليه للمادتين (13، 49) من الدستور.
وحيث إنه عن النعي على النص المطعون عليه مخالفته للمادة (40) من
الدستور، بقالة أنه أقام تفرقة غير مبررة بين طائفتين من مزاولي مهنة المحاماة ،
مميزاً إحداهما على الأخرى ، إذ حرم المنضوين تحت لواء الطائفة الأولى الذين
زاولوا مهنة المحاماة منذ بداية حياتهم المهنية حتى بلغوا سن الستين دون تقاعد، من
الحصول على معاش، بينما يتقاضى المنخرطون في سلك الطائفة الثانية ممن مارسوا
أعمالاً أخرى في بداية حياتهم "كالقضاة وأساتذة الجامعات" معاشاً عن
وظائفهم السابقة مع مزاولتهم لمهنة المحاماة ، فنعى غير سديد، ذلك أن من المقرر
-وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا
يعنى أن تعامل فئاتهم، على تباين مراكزهم القانونية ، معاملة قانونية متكافئة ،
ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية
بين النصوص القانونية التي تبناها المشرع لتنظيم موضوع معين والنتائج التي رتبها
عليها ليكون التمييز بالتالي موافقاً لأحكام الدستور، وكلما كان القانون مغايراً
بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها، وكان تقديره في ذلك
قائماً على أسس موضوعية ، مستهدفاً غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة
القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلبات هذه الغايات،
كان واقعاً في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق ولو
تضمن تمييزاً، ولا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التي توخاها وسعى
إليها بعيدة حسابياً عن الكمال. لما كان ذلك، وكان المعاش الذى يتقاضاه أى من
الذين مارسوا وظائف عامة أو ارتبطوا بعلائق عمل قبل مزاولتهم لمهنة المحاماة ليس
إلا نتاج ارتباطهم بنظم تأمينية أخرى تقوم في أساسها ويتمثل الجزء الأكبر من مصادر
تمويلها في الاشتراكات المقررة التي قاموا بسدادها كمؤمن عليهم، فضلاً عن الحصة التي
سددتها جهات أو أصحاب عملهم، بحسب الأحوال، في هذا التأمين . فنشأت بموجب هذه
النظم حقوقاً تأمينية تجابه مخاطر بذاتها تستهدف القوانين المنظمة لشئونهم تأمينهم
منها . وهم، بهذه المثابة ، يشغلون مركزاً قانونياً مغايراً لذلك الذى يشغله المحامي
الذى ارتبط منذ بداية حياته العملية بعلائق قانونية بنقابته يحكمها قانون المحاماة
، مقرراً ما يستحقه المحامي من حقوق تأمينية لمجابهة أخطار حددها، من بينها
التقاعد، اختيارياً، عن مزاولة المهنة عند بلوغ سن الستين على الأقل، فيستحق في هذه
الحالة معاشاً لقاء هذا التقاعد، على الرغم من عدم مساهمته في تكوين الأموال
المخصصة لصرف هذا المعاش مساهمة مباشرة بأداء اشتراكات أو غيرها من صور تلك
المساهمة . فضلا عن أن المعاش الذى يتقاضاه من مارسوا وظائف عامة أو ارتبطوا
بعلائق عمل قبل مزاولتهم لمهنة المحاماة لا شأن لصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية
بنقابة المحامين به، إذ لا يصرف لهم معاش منه طالما ظلوا مزاولين لمهنة المحاماة ،
وتسرى في شأنهم ذات الضوابط التي أوردها النص المطعون عليه إذا ما رغبوا في الحصول
على معاش من هذا الصندوق، الأمر الذى يبرأ معه النص المطعون عليه من السقوط في حومة
مخالفة أحكام المادة (40) من الدستور.
وحيث إنه عن النعي على النص المطعون عليه مخالفته للمادتين (32، 34)
من الدستور، على سند من أنه إذ حرم المحامي من اقتضاء معاشه عند بلوغه سن الستين
رغم وفائه بالتزاماته قبل نقابة المحامين خلال مدة مزاولته لمهنة المحاماة ، مقيداً
حقه في مزاولة تلك المهنة بعد بلوغه هذه السن بعدم اقتضائه له، على الرغم من أن
أعمال المحاماة ، بطبيعتها،
أعمالاً تعاقدية تختلف مصدراً عن المعاش، فإنه يكون قد حرم المحامي ،
دون مقتضى ، من الحقوق التي تثري الجانب الإيجابي من ذمته المالية ، منطوياً،
والحال هذه، على عدوان على الملكية الخاصة التي صانها الدستور، فنعى مردود، ذلك أن
الدستور -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حرص على النص على صون الملكية الخاصة
وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التي أوردها،
باعتبار أنها، في الأصل، ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه،
وبوصفها حافزاً لكل شخص إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص، دون غيره، بالأموال التي
يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها. لما كان ذلك، وكان المشرع،
إذ أنشأ صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية بنقابة المحامين، مقيماً إياه على أساس
من تكافل أبناء المهنة الواحدة في مواجهة ما قد يحيق بهم من أخطار، من بينها،
التقاعد اختيارياً عن مزاولة المهنة عند بلوغ سن الستين على الأقل، جاعلاً من بلوغ
هذه السن مع التقاعد على النحو المتقدم خطراً متوجباً لصرف هذا المعاش إذا ما
توافرت باقي شروط استحقاقه على نحو ما تتطلبه المادة (169) من قانون المحاماة ،
فإذا بلغ المحامي هذه السن واستمر في مزاولة المهنة ، دل ذلك على أنه قد اختار
بإرادته الاستمرار في تلك المزاولة ، معلناً بذلك رغبته في عدم تقاضى المعاش
المقرر في هذه الحالة ، ومن ثم فإن القول بأن النص المطعون عليه قد حرم المحامي من
حقوق كانت ستثرى الجانب الإيجابي لذمته المالية بحرمانه من معاش مقرر، يكون
مجافياً للصواب، إذ لم يتقرر له هذا المعاش ابتداء، كما أنه لم يساهم في الموارد
المالية للصندوق، والتي تشكل مصدر هذا المعاش، بأية اشتراكات، الأمر الذى يتعين
معه التقرير بعدم مخالفة النص المطعون عليه للمادتين (32، 34) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون عليه لا يخالف أي نص آخر في الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعين
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق