جلسة 5 من إبريل سنة 1955
برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة:
محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على
المستشارين.
---------------------
(242)
القضية
رقم 2467 سنة 24 القضائية
(أ) إثبات. شاهد.
تجزئة أقواله. جائزة.
(ب) حجية الشيء المحكوم فيه.
تلحق منطوق الحكم وما يكمله ويرتبط به ارتباطا وثيقا من الأسباب.
(ج) إثبات. اعتراف.
حرية محكمة الموضوع في تقديره.
(د) إثبات. شاهد.
أخذ المحكمة بما تطمئن إليه من أقواله في حق بعض المتهمين وإعراضها
عما لا تطمئن إليه منها في البعض الآخر. جائز.
(هـ) حكم. تسبيبه.
دفاع موضوعي. يكفى أن يكون
الرد عليه مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم بالإدانة.
(و) تقادم.
الإجراء القاطع لمدة التقادم. ما هيته.
(ز) إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء.
متى تتوافر عناصر الجريمة؟
)ح) إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء.
)ح) إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء.
يكفى لتوافرها أن يقرر المتهم أمام سلطة التحقيق أقوالا غير صحيحة
بقصد تخليص الجاني من العقاب. عدول الجاني عن هذه الأقوال بعد ذلك. لا يؤثر على
قيام الجريمة.
)ط) مسئولية مدنية. نقض.
أسباب موضوعية.
رابطة السبيبة بين الخطأ والوظيفة كشرط لتحقق مسئولية المتبوع عن فعل
تابعه. استظهارها موضوعي.
)ى) إثبات. نقض.
حرية محكمة الموضوع في تقدير الأدلة. هي أساس الأحكام الجنائية.
المجادلة في هذا التقرير أمام محكمة النقض. لا تقبل.
)ك) إثبات.
الأخذ بأدلة في حق متهم وعدم الأخذ بها في حق متهم آخره جائز.
(ل) حكم. تسبيبه.
القضاء بالبراءة. لا يلزم فيه تعقب الاتهام في كل دليل يقدمه أو
أعارة يستدل بها.
)م) نقض. تعويض.
أساس المطالبة به. إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. لا تقبل.
)ن) دعوى مدنية.
تأسيسها على ضرر لم ينشأ مباشرة عن الجريمة. عدم اختصاص المحكمة
الجنائية بنظرها. مثال.
--------------
1 - لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ ببعضها وتطرح البعض
الآخر ما دام تقدير الدليل موكولا إليها وحدها وما دام يصح في العقل أن يكون
الشاهد صادقا في شطر من أقواله وغير صادق في شطر آخر.2 - الأصل في الأحكام ألا ترد الحجية إلا على منطوقها ولا يمتد أثرها إلى الأسباب إلا لما كان مكملا للمنطوق ومرتبطا به ارتباطا وثيقا غير متجزئ بحيث لا يكون للمنطوق قوام إلا به. أما إذا استنتجت المحكمة استنتاجا من واقعه مطروحة عليها، فإن هذا الاستنتاج لا يجوز حجية، فلا يمنع محكمة أخرى من أن تستنبط من واقعة مماثلة ما تراه متفقا وظروف وملابسات الدعوى المعروضة عليها.
3 - من المقرر أن الاعتراف كدليل في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها التدليلية في الإثبات، فلها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليها قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحقق لها أن الاعتراف سليم لا شائبة فيه، واطمأنت إلى صدقه كان لها أن تأخذ به وتعول عليه.
4 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشاهد في حق بعض المتهمين وتعرض عمالا تطمئن إليه منها في حق البعض الأخر دون أن يعد هذا منها تناقضا يعيب حكمها ما دام تقدير قوة الدليل موكولا إليها وحدها.
5 - إذا كانت المحكمة قد بينت واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر المكونة للجريمة وأوردت على ثبوتها في حق المتهم أدلة صالحة لأن تؤدى إلى إدانته بها فهي بعد غير ملزمة بمتابعته في مناحي دفاعه الموضوعي ومختلف حججه وأن ترد استقلالا على كل قول يبديه أو حجة يثيرها إذا الرد يستفاد دلالة من الحكم بإدانته استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردها.
6 - إن أي إجراء يحصل من السلطة المختصة من شأنه تحريك الدعوى العمومية وتنبيه الأذهان إلى الجريمة التي كان قد انقطع التحقيق فيها، يعتبر قاطعا للتقادم بالنسبة لها حتى لو كان هذا الإجراء خاصا ببعض المتهمين دون البعض الآخر، وليس من الضروري أن يستجوب المتهم حتى تنقطع مدة التقادم في حقه.
7 - إذا كان الحكم قد أثبت أن المتهم تعمد إخفاء دليل من أدلة الجريمة وهو الدليل المستمد من الرقم الحقيقي للسيارة التي فر بها الجناة، وأنه كان يعلم بوقوع هذه الجريمة، وكان غرضه من إخفاء الدليل أو العبث به تضليل المحققين لإعانة الجناة على الفرار من وجه القضاء فإن عناصر الجريمة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات تكون متوافرة ويكون العقاب عليها مستحقاً.
8 - لا يشترط لتوفر الجريمة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات أن يصر المتهم طول مدة التحقيق على أقواله الكاذبة التي تتعلق بالجريمة وإنما يكفى لتوفرها وتمامها أن يقرر المتهم أمام سلطة التحقيق أقوالاً غير صحيحة بقصد تخليص الجاني من العقاب ولو عدل المتهم عن هذه الأقوال بعد ذلك.
9 - إن استظهار قيام رابطة السببية بين الخطأ والوظيفة، وهو الشرط الذى تتحقق به مسئولية المتبوع عن فعل تابعه، هو من المسائل التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع ولا يصح المجادلة في شأن توافرها أمام محكمة النقض.
10 - إن أساس الأحكام الجنائية إنما هو حرية محكمة الموضوع في تقدير الأدلة المطروحة عليها في الدعوى فإذا تبين من حكمها أنها لم تقض بالبراءة إلا بعد أن أحاطت بتلك الأدلة ووزنتها فلم يقتنع وجدانها بصحتها أو بعدم كفايتها للحكم بالإدانة فلا تجوز مصادرتها في اعتقادها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض.
11 - للمحكمة أن تأخذ بأدلة في حق متهم ولا تأخذ بها في حق متهم آخر ولو كانت متماثلة.
12 - إن المحكمة غير مكلفة قانونا وهى تقضى ببراءة المتهم أن تتعقب الاتهام في كل دليل يقدمه ضده أو أمارة يستدل بها عليه.
13 - إذا كان أساس طلب التعويض المشار إليه في وجه الطعن لم يثره الطاعن أمام محكمة الموضوع فلا تقبل منه إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة.
14 - إذا كان الضرر لم ينشأ مباشرة عن الجريمة التي نسبت إلى المتهم ورفعت بها الدعوى عليه، كأن يكون منشؤه عرقلة التحقيق وتعطيل السير في إجراءات الدعوى فلا اختصاص للمحكمة الجنائية بنظر دعوى الحق المدني التي تقام على أساسه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة: 1- الأومباشى أحمد حسين جاد (الطاعن الأول)
و2- مصطفى محمد أبو الليل. و3- اليوزباشى عبده أرمانيوس سرور. 4-البكباشى حسين
كامل. و5- وكيل أومباشى محمد سعيد إسماعيل. و6- الأومباشى حسين محمدين رضوان. و7-
باشجاويش محمد محفوظ محمد (الطاعن الثاني). و8- الأميرالاى محمود عبد المجيد
(الطاعن الثالث). و9- البكباشى محمد محمد الجزار (الطاعن الرابع). المتهمان الأول
والثاني - قتلا عمدا ومع سبق الإصرار والترصد الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان
المسلمين، وشرعا في قتل الأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور المحامي عمدا ومع سبق
الإصرار والترصد ذلك بأن بيتا النية على قتل المجنى عليه الأول ولبثا منتظرين
خروجه من دار جمعية الشبان المسلمين التى علما بوجوده فيها حتى إذا ما ظفرا به
تقدما منه يطلقان عليه الرصاص من مسدسيهما قاصدين بذلك قتله فأصاباه وأصابا المجنى
عليه الثاني بالجروح الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية والتي أودت بحياة المجنى
عليه الأول، وقد أوقف أثر الجريمة بالنسبة للمجنى عليه الثانى لسبب لا دخل لإدارة
الفاعلين فيه وهو إسعافه بالعلاج. والمتهمون الثالث والرابع والخامس والسادس
والثامن. اشتركوا بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهمين الأول والثاني في الجريمة
التي وقعت منهما وذلك بأن اتفقوا وإياهما على قتل المرحوم الشيخ حسن البنا عمدا مع
سبق الإصرار والترصد كما حرضهما المتهم الثامن الأميرالاى محمود عبد المجيد على
ارتكاب الفعل المكون لهذه الجريمة وساعدهما المتهمون الثالث والرابع والخامس
والسادس والسابع في الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لارتكابها إذا ذهب الأربعة
الأولون منهم إلى مكان الحادث يشدون أزر المتهمين الأول والثاني ويردون عنهما من
يتصدى لهما أو يحاول ضبطهما أو يحول بينهما وبين إتمام الجريمة، بينما وقف المتهم
السابع بالسيارة التي يقودها على مقربة منهما وفى نطاق مسرح الجريمة، فيسر لهما
بذلك سبيل فرارهما بعد إتمام جريمتهما، وكان أن وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض
والاتفاق والمساعدة. والمتهم التاسع - علم بوقوع جناية القتل العمد المسندة إلى
المتهمين المعاقب عليها بالإعدام فأعان الجناة المتهمون بالجناية على الفرار من
وجه القضاء بإخفاء أدلة الجريمة وتقديم معلومات تتعلق بها وهو يعلم بعدم صحتها
وذلك بأن اتصل بالشاهد محمد يوسف الليثى الذى عرف رقم السيارة التي استعملت في تهريب
الجناة وحمله على أن يدلى في التحقيق بمعلومات مضللة يعلم عدم صحتها وذلك بقصد
تجهيل رقم تلك السيارة، وإبعاد الشبهة عن الجناة. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالة
هؤلاء المتهمين جميعا على محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و232 من
قانون العقوبات والمواد 45 و46 و230 و231 و 232 من ذلك القانون بالنسبة إلى
المتهمين الأول والثاني، وبالمواد 40/ 1 - 2 - 3 و41 و230 و 231 و232 والمادتين 45
و46 من نفس القانون بالنسبة للمتهمين من الثالث إلى الثامن، وبالمادة 145/ 1- 2
منه بالنسبة إلى المتهم التاسع، فقررت الغرفة بذلك. وقد ادعى بحق مدنى: 1- السيدة
لطفيه حسين الصولى "زوجة المجنى عليه الشيخ حسن البنا" وأولاده القصر
الستة المشمولون بولاية جدهم الشيخ عبد الرحمن البنا وهم: وفاء، وأحمد سيف
الاسلام، وثناء، ورجاء، وهاله، واستشهاد بمبلغ ثلاثين ألفا من الجنيهات تعويضا.
و2- والدا المجنى عليه الشيخ حسن البنا وهما - الشيخ عبد الرحمن البنا والسيدة أم
السعد ابراهيم صقر، بقرش صاغ تعويضا مؤقتا. و3- الأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور
المحامي (المجنى عليه) بمبلغ ثلاثين ألفا من الجنيهات. وهذه الدعاوى المدنية
الثلاث موجهة ضد المتهمين جميعا بطريق التضامن والتكافل مع الحكومة المصرية
"بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية". ومحكمة جنايات القاهرة قضت فيها
حضوريا - عملا بالمواد 230 و231 و232 و45 و46 من قانون العقوبات بالنسبة إلي
المتهم الأول "الأمباشي أحمد حسين جاد" (الطاعن الأول) و230 و231 و232
و40 و45 و46 من نفس القانون بالنسبة إلي المتهمين السابع "محمد محفوظ محمد
والثامن محمود عبد المجيد" (الطاعنين الثاني والثالث) مع تطبيق المادتين 32
فقرة ثانية و17 من قانون العقوبات للمتهمين الثلاثة والمادة 145/ 1- 2 منه بالنسبة
إلى المتهم التاسع "البكباشي محمد محمد الجزا" (الطاعن الرابع) أولا -
بمعاقبة أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة وكل من الباشجاويش محمد محفوظ محمد
والأميرالاى محمود عبد المجيد بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبإلزامهم بطريق
التضامن والتكافل مع الحكومة "المسئولة عن الحقوق المدنية" (أ) بأن
يدفعوا عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض للسيدة لطيفة حسين زوجة المرحوم الشيخ حسن
البنا وأولاده القصر منها وهم - وفاء، وأحمد سيف الإسلام، وثناء، ورجاء وهاله،
واستشهاد - والمشمولين بولاية جدهم الشيخ عبد الرحمن البنا. (ب) وبأن يدفعوا للشيخ
عبد الرحمن البنا والسيدة أم السعد ابراهيم صقر "والدى القتيل" قرشا
صاغا واحدا على سبيل التعويض المؤقت. (ج) وبأن يدفعوا للأستاذ عبد الكريم محمد
أحمد منصور مبلغ ألفى جنيه على سبيل التعويض وألزمت المتهمين المذكورين بالمصروفات
المدنية المناسبة وثلاثين جنيها مقابل أتعاب المحاماة للفريقين الأول والثاني من
المدعين بالحق المدني وعشرين جنيها للثالث. وثانياً - بمعاقبة البكباشى محمد محمد
الجزار بالحبس مع الشغل لمدة سنة ورفض الدعاوى المدنية قبله. وثالثا - ببراءة كل
من مصطفى محمد أبو الليل يوسف أو غريب واليوزباشى عبده أرمانيوس والبكباشى حسين
كامل والجاويش محمد سعيد اسماعيل والأومباشى حسين محمدين رضوان مما أسند إليهم مع
رفض الدعاوى المدنية الموجهة لهم.
فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض … إلخ.
فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض … إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن الثاني محمد محفوظ محمد، وإن كان قد قرر الطعن في الميعاد
إلا أنه لم يقدم لطعنه أسبابا فيكون طعنه غير مقبول شكلا.
عن طعن الطاعن الأول "أحمد حسين جاد":
وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن. هو التناقض والاضطراب في أسباب الحكم، ذلك بأن الحكم بعد أن أورد شهادة محمد الليثى وأقوال المتهم محمد محفوظ ذكر أن الشطر الصحيح من هذه الأقوال يؤيد رواية محمد الليثى في تصوير كيفية هروب الجناة بالسيارة، مع أن الليثى استعرف في التحقيق على محمد محفوظ وزعم أنه هو القاتل الذى كان يحمل المسدس وقاد السيارة عقب ارتكاب الجريمة، بينما جاء في الشطر الذى اعتمدته المحكمة من أقوال محمد محفوظ أن القاتل هو الطاعن، وأنه ركب السيارة عقب الحادث في المقعد الخلفي، وقادها محمد محفوظ، فكان يتعين على المحكمة إما اطراح هاتين الروايتين المتناقضتين، أو بيان العلة في هذا التناقض.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن المحكمة بينت في واقعة الدعوى ما مؤداه أنه "ما أن خرج الشيخ حسن البنا وصهره الأستاذ عبد الكريم محمد منصور من باب الجمعية وصعدا إلى السيارة، وبدأ سائقها في إدارة محركها للسير بها حتى هاجمهما المتهم الأول أحمد حسين جاد (الطاعن) وآخر لم يسفر التحقيق عن معرفته على وجه اليقين، وأخذا يطلقان النار على من فيها بأسلحة ناريه أوتوماتيكية كانا قد أعداها لذلك بعد أن بيتا النية على قتل مرشد الإخوان وتربصا له بالقرب من دار الجمعية التى علما بوجوده فيها قاصدين من ذلك إزهاق روحه، فأحدث به وبصهره المجني عليه الثاني الأستاذ عبد الكريم منصور الإصابات والجروح الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية، والتي أودت بحياة الأول، وخاب أثر الجريمة بالنسبة للثاني لسبب لا دخل لإرادة الجانيين فيه وهو إسعافه بالعلاج، وقد أشترك المتهمان السابع الباشجاويش محمد محفوظ والثامن الأميرالاى محمود عبد المجيد مع هذين الفاعلين الأصليين في قتل الشيخ حسن البنا عمدا مع سبق الإصرار والترصد بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة بأن اتفقا معهما على ارتكاب الفعل المكون للجريمة وحرضهما المتهم الثامن على مقارفة هذا الفعل، كما ساعدهما هو والمتهم السابع في الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لارتكابه بأن حملهما السابع تنفيذا لأمر الثامن في السيارة التى يقودها إلى مكان الجريمة ووقف في انتظارهما على مقربة منه فيسر لهما سبيل الفرار بعد إتمامها، وكان أن وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض والاتفاق وتلك المساعدة". ثم أورد الحكم الأدلة التى استخلصت المحكمة منها ثبوت ارتكاب الطاعن لجريمتى القتل والشروع فيه اللتين دانته بهما، ومن بين هذه الأدلة التى أوردتها ما تضمنه اعتراف المتهم السابع محمد محفوظ محمد في بعض مراحل التحقيق بأن الطاعن هو بذاته أحد القاتلين اللذين قدما إليه من مكان الحادث يلهثان و استقلا السيارة التى كان يقودها، والتى كان ينتظر بها على مقربة من ذلك المكان ثم فر بهما إلى فندق إيدن حيث كان محمود عبد المجيد الطاعن الثالث في انتظارهما، وأورد الحكم شهادة محمد يوسف الليثى بما محصله أنه كان في ليلة الحادث متجها إلى كشك التليفون بدار جمعية الشبان المسلمين، وقبل أن يصل إليه سمع صوت أعيرة نارية في الخارج فأسرع يتبين الأمر، فوجد على بعد ستة أمتار منه شخصا نحيف الجسم قمحى اللون لم يتبين ملاحمه بالضبط ممسكا بيده مسدسا يطلق منه النار على السيارة التى بها المجني عليهما فصرخ الشاهد مستنجدا، وعندئذ أطلق نحوه هذا الشخص عيارين ناريين لم يصيباه، وأبصر الشاهد وقتئذ شخصا آخر يجرى في أثر الجانى الذى كان يطلق الرصاص، وركب الاثنان سيارة كانت تنظرهما في الجهة المقابلة لدار الجمعية ثم أسرعت بالفرار، وبعد أن أورد الحكم الأدلة التى حصلتها المحكمة والتى جاءت مؤيدة لاعتراف المتهم محمد محفوظ محمد بالنسبة إلى واقعة هروب الطاعن وزميله عقب ارتكاب الجريمة بالسيارة التي كانت يقودها، عقب الحكم على ذلك بقبوله إن المحكمة لا تعول على كل ما خالف هذه الأدلة التى أخذت بها، فإذا صح ما يدعيه الطاعن في طعنه من أن الشاهد محمد الليثى استعرف في التحقيق على محمد محفوظ زاعما أنه هو الذى كان يحمل المسدس وباشر القتل بنفسه وقاد السيارة عقب ارتكاب الجريمة، فإن مفاد ما ساقه الحكم فيما تقدم أن المحكمة اطرحت هذا الزعم ولم تأخذ به. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد، فتأخذ ببعضهما وتطرح البعض الآخر مادام تقدير الدليل موكولا إليها وحدها وما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقا في شطر من أقواله وغير صادق في شطر آخر، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه، لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجهين الثانى و الثالث هو أن الحكم ذكر أن الخلاف بين الشهود في شأن الفتى الذى أبلغ عن رقم السيارة التى فرت بالجناة مقصور على التعريف عن سنه وملابسه مع أن هذا الخلاف شمل أيضا طريقة التبليغ عن رقم السيارة وموعد ظهور هذا الفتى، ومكان التقائه بالشاهد محمد الليثى، هذا فضلا عن اضطرب هذا الشاهد في بيان مصدر علمه برقم السيارة، ولم يعن الحكم بالرد على هذه الخلافات مما جعله قاصرا قصورا يعيبه ويبطله، يضاف إلى ذلك أن الحكم أغفل الرد على ما أثاره الدفاع بشأن أقوال جمال البنا (أخى القتيل) عن السيارة التى استعملت في ارتكاب الجريمة وكان يركبها محمد وصفى وآخر وكذا شهادة السيدة منيره عامر من أن محمد الليثى أخبرها بأنه هو الذى شاهد رقم السيارة، وليس الفتى الأسمر، وأنه حرضها على أن تشهد بغير ما حدثها به كذلك أغفل الحكم الرد على ما أثاره الدفاع من عدم قيام الدليل على صحة رواية الفتى الأسمر وعدم إمكانه رؤية رقم السيارة، وتخاذل الحكم في الرد على ما أثاره الدفاع من أن مفاوضات الصلح بين القتيل والحكومة والتى عاصرت الحادث كانت ناجحة، وأن ذلك يؤدى إلى استخلاص وقوع الجريمة بتدبير من السراى وحدها، هذا فضلا عن أن رئيس الطاعن، وهو محمود عبد المجيد، منقطع الصلة بالسراى، يضاف إلى ما تقدم أن الحكم سكت عن الرد على ما أثاره الدفاع استنادا إلى تجربة الطبيب الشرعى من أن السلاح الذى استعمل في الجريمة هو غير المسدسين اللذين قالت المحكمة إنهما استعملا في ارتكابها وأن نسبة السيارة التى أخذ رقمها إلى محمود عبد المجيد لم تعلم إلى في اليوم التالى كما شهد بذلك شهود عديدون، هذا إلى أن الحكم اعتمد ما قاله المتهم محمد محفوظ من أنه نقل الجناة إلى الفندق عقب الحادث على الرغم من أن الشهود نفوا صحة هذه الواقعة، وعلى الرغم من أن الحكم جرى على عدم الأخذ بإقرارات محمد محفوظ إلا بما يكون مؤيدا بدلائل أخرى أو بشهادة الشهود.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يثيره الطاعن بصدد الفتى الذى التقط رقم السيارة فقال: "ولقد ذهب الدفاع في تفصيل رده على الدليل المستمد من التعرف على رقم السيارة إلى التشكيك في وجود الفتى الأسمر الذى كان هو مصدر الإدلاء بهذا الرقم في ليلة الحادث، فيقول إن هذا الفتى لم يظهر له وجود رغم الأدوار الطويلة التى مر بها التحقيق ولو كان موجودا حقا لتقدم للشهادة وهذا الشك ينفيه أن واقعة ظهور هذا الشاب عقب الحادث مباشرة أمام دار جمعية الشبان المسلمين وإدلائه برقم السيارة التى فر بها الجناة قد شهد بها عدة شهود عدول من أعضاء الجمعية لم يثبت أن لهم أية مصلحة في تغيير الحقيقة أو الإيقاع بالمتهمين وهؤلاء الشهود هم الأساتذة الموظفون زكى عبد التواب ومحمد عثمان ومحمود جبر، فلم تكن رواية الليثى الشاهد الرئيسى في القضية هى الرواية الوحيدة عن ظهور هذا الشاب وتعرفه منه على رقم السيارة، أما عدم ظهوره بعد ذلك فقد يكون مرجعه خشية من التنكيل أو القبض عليه أو أن يكون قد تعرض لما تعرض له الليثى على يد البكباشى الجزار من عوامل الإكراه أو الإغراء ليبعده عن التحقيق ويحمله على عدم الإدلاء بشهادته وليس ذلك ببعيد بعد أن ثبت من شهادة حسن محمد يعقوب صاحب المقهى المقابل لدار جمعية الشبان في التحقيقات من أن المخبرين كانوا يتعقبون هذا الفتى الأسمر بدليل أن أحدهم حضر إليه عقب الحادث وسأله عنه فأجاب بأنه لا يعرفه ومتى ثبت أن الفتى الأسمر كان له وجود وأنه أدلى برقم السيارة فعلا وتبين أنها لضابط كبير في الحكومة التى كان بينها وبين الإخوان ما سلف ذكره من خصومه وثأر، كان في ذلك الكفاية للتدليل على أنه عرف هذا الرقم فلا محل بعد ذلك للمناقشة في كيف تمكن الفتى المذكور من معرفة نمرة السيارة وهل هو ملم بالقراءة ويحسن الرؤية إلى غير ذلك مما يثيره الدفاع ما دام أنه لم يمكن العثور عليه بعد ذلك للأسباب المتقدمة، أما الفروق الطفيفة بين الشهود المذكورين في تقدير سن الفتى أو في بيان أوصاف ملابسه فلا أهمية لها ما دام الجميع قد اتفقوا على وصفه العام بأنه أسمر، وأنه صغير السن بما يدور حول العشرين سنة، وأنه كان يرتدى الملابس البلدية" - وعرض الحكم أيضا لما يثيره الطاعن في شأن السلاح الذى استعمل في ارتكاب الجريمة، فأثبت نقلا عن تقرير الطبيب الشرعي أن الأظرف المطلوقة التى وجدت في مكان الحادث هى سبعة وجد في ستة منها علامات ثانوية تشير إلى اطلاقها من آلة واحدة والظرف السابع لم تشاهد به هذه العلامة مما قد يشير إلى اطلاقه من آلة أخرى، وأن هذه الأظرف جميعا ليست من ذخيرة الريفولفرات ولكنها من ذخيرة المسدسات الاتوماتيكية وأنه أمكن اطلاق مثل هذه الأظرف السبعة من الريفولفرات المضبوطة بمنازل المتهمين محمد سعيد اسماعيل والأميرالاى محمود عبد المجيد والمسدس ماركة كولت الذى كان في عهدة المتهم حسين كامل ثم سلم للمتهم محمد محفوظ قبل الحادث، وذلك بالكيفية الواردة في التجارب التى أجراها الطبيب الشرعى، لما كان ذلك، وكان الحكم لم يذكر أن هذه الأسلحة التى ضبطت لم يستعمل كلها أو بعضها في ارتكاب الجريمة، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بالرد على كل ما يثيره الدفاع من شبه أو أوجه دفاع موضوعية إذا الحقائق التى أثبتتها وجعلت منها قواما لحكمها تكفى ردا على ما يخالفها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذين الوجهين ليس في حقيقته إلا جدلا في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا شأن محكمة النقض به.
عن طعن الطاعن الثالث الاميرالاى محمود عبد المجيد:
وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثانى هو اخلال الحكم المطعون فيه بحجية الحكم الصادر بتاريخ 10 إبريل سنة 1954 في قضية مقتل عبد القادر طه رقم 183 سنة 1953 جنايات مصر القديمة، وتناقضه مع الدليل الذى استمده من هذه القضية الاخيرة، وبيان ذلك أن الحكم في قضية مقتل عبد القادر طه، إذ قضى ببراءة الطاعن وبراءة كل من اتهم بأنه حرضهم على القتل أصبح حجة لا تقبل الدليل العكسى للبراءة، غير أن محكمة الجنايات المطعون في حكمها حين أعوزها الدليل رأت في سبيل اثبات اشتراك الطاعن في جريمة مقتل الشيخ حسن البنا أنها بحاجة إلى إثبات اشتراكه في قتل عبد القادر طه، فأعادت البحث في قضيته وناقشت ادلتها وأولتها تأويلا يخالف الحكم الصادر فيها ويهدره، مع أن تلك القضية لم تكن معروضة عليها ولا كان مضموما منها سوى الحكم الصادر فيها وأقوال الطاعن، وقد دعتها هذه الحاجة إلى أن لا تفلت القول الذى رواه محمد حسن السليمانى عن محمد وصفى بأنه سيستخدم الجناة الذين قتلوا البنا في قتل عبد القادر طه لتحصل من ذلك أن قتلة عبد القادر هم قتلة البنا، كما نبشت المحكمة من جديد قصة المذكرة المؤرخة في 19 من فبراير سنة 1952 الخاصة بندب ضابطين وثلاثة من المخبرين قبيل مقتل عبد القادر طه، مع أن دليل الاتهام الرئيسى في قضية عبد القادر طه مكان مستمدا من هذه المذكرة، وأطرحته المحكمة التى نظرت تلك القضية وكان ردها على هذا الدليل هو دعامة البراءة، وإذن فما كان يجوز للمحكمة أن تتخذ من هذه المذكرة التى هى جزء من حكم البراءة الذى اكتسب قوة الشئ المقضى دليلا على الإدانة، هذا فضلا عن وجود التناقض في الحكم إذا أنه مع تقريره بصحة رواية محمد حسن السليمانى قضى ببراءة أربعة من المتهمين الخمسة الذين سلف ذكرهم من تهمة قتل الشيخ حسن البنا، كما قضى الحكم في قضية عبد القادر طه ببراءتهم جميعا ونعى الحكم على الطاعن تخبطه في تعليل سبب الندب، وترتب على ذلك أن الندب كان لغرض إجرامى، وذلك على الرغم من أن الحكم الآخر الذى قضى بالبراءة هو القول الفصل في واقعة الندب وتفسيرها وفى بيان ما إذا كان المقصود بها تدبير قتل عبد القادر طه، أم لا، هذا الى بطلان الحكم لاعتماده في الثبوت على التماثل بين القضيتين، إذ الدليل المستمد من التماثل بين ظروفها باطل قانونا لأنه لا تماثل بين قضية حكم فيها ببراءة المتهمين، وبين قضية أخرى يطلب فيها إدانتهم إلا أن يكون التماثل دليلا على البراءة في القضية الأخرى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه، أثبت أن قضية مقتل الضابط عبد القادر طه كانت مضمومة إلى قضية مقتل الشيخ حسن البنا، ومعروضة على بساط البحث خلافا لما يدعيه الطاعن في طعنه، ولما كانت القضيتان تختلفان في السبب والخصوم والموضوع، إذا لكل منهما ذاتية خاصة وظروف مستقلة عن الأخرى بزمانها ومكانها وبشخص المجنى عليه فيها مما تتحقق به المغايرة التى يمتنع معها التمسك بحجية الشئ المقضى، وكان الأصل في الأحكام ألا ترد هذه الحجية إلا على منطوقها ولا يمتد أثرها إلى الأسباب إلا لما كان مكملا للمنطوق ومرتبطا به ارتباطا وثيقا غير متجزئ بحيث لا يكون للمنطوق قوام إلا به، وكان يبين من الحكم الصادر في قضية مقتل عبد القادر طه المضمومة للقضية الحالية التى أمرت هذه المحكمة بضم مفرداتها تحقيقا لوجه الطعن أن محكمة الجنايات حين عرضت للمذكرة المحررة بخط الطاعن المؤرخة في 19 من فبراير سنة 1952، لم تقطع في أمر تفسيرها برأى جازم وإنما قالت في ذلك، أنه من المحتمل جدا إن لم يكن من الراجح أن يكون محمد وصفى لجأ إلى محمود عبد المجيد لترشيح الأشخاص الذين وردت أسماؤهم فيها لندبهم إلى وزارة الداخلية لتعزيز حرس الوزارات فتقدم هذا الأخر للوزارة بهذا الترشيح لاستصدار أمر الندب، وكانت المحكمة المطعون في حكمها قد أولت الغرض من هذا الندب تأويلا آخر بقولها "إن الذى تستخلصه المحكمة وتأخذ به من وقائع قضية عبد القادر طه وما أفضى به محمد حسن السليمانى في تحقيقاتها وتحقيقات القضية الحالية ومن المذكرة المؤرخة في 19 من فبراير سنة 1952 سالفة الذكر المحررة بخط الأميرالاى محمود عبد المجيد هو أن الضابط والعساكر الذين عاونوا في قتل حسن البنا الذين أشار إليهم محمد وصفى في حديثه مع محمد حسن وأحمد كامل وإن كان لم يصرح بأسمائهم ليسوا سوى الأميرالاى محمود عبد المجيد ومن استحضرهم من الصعيد للاستعانة ببعضهم في الظروف التى سلفت الاشارة إليها، وقد ثبت بالأدلة القاطعة أنه استعمل أحدهم على الأقل هو أحمد حسين جاد في قتل الشيخ البنا كما ثبت أن أحمد حسين كان معه آخر قد يكون أحد زميليه المتهمين الخامس والسادس، وإن كانت لم تقم الأدلة المقنعة على ذلك ولم يكشف التحقيق عن حقيقة القاتل الثانى، وترى المحكمة أن مجرد التعبير بلفظ يدل على الاستقبال كثيرا ما يأتى عرضا في الحديث للأفادة عن عمل كان ينتويه الشخص ثم أتمه وقد ثبت باعتراف محمود عبد المجيد نفسه في التحقيقات أنه انما حرر مذكرة 19 من فبراير سنة 1952 بناء على طلب محمد وصفى كما لم يثبت أن عساكر أو مخبرين آخرين انتدبهم وصفى قبل أو بعد هذا الوقت حتى مقتل عبد القادر طه بخلاف هؤلاء الذين تضمنتهم مذكرة محمود عبد المجيد، كما ثبت فيما تقدم مدى العلاقة القوية والصداقة التى كانت تربط هذا الضابط بزميله محمد وصفى، والمحكمة إذ تأخذ في حكمها بهذه النتيجة انما تبنيها علي الوقائع التي تثبت لديها ودون أن تتعرض بخير أو شر للحكم الذى أصدرته محكمة الجنايات في قضية عبد القادر طه والذى له حجية في خصوصية تلك القضية". لما كان ذلك وكان التأويل الذى أوّل به الحكم الصادر في قضية عبد القادر طه الغرض المقصود من الندب بأنه من المحتمل أن يكون لغرض برئ ليس في واقعه إلا استنتاجا استنبطته المحكمة من الظروف والملابسات التى أحاطت به في تلك الدعوى، وهذا الاستنتاج ليست له حجية الشئ المحكوم فيه في الدعوى الحالية فلا يمنع المحكمة المطعون في حكمها من أن تخالفه وأن تستنتج من واقعة الندب وظروفها وزمانها ومن التحقيقات التى أجريت بشأنها ومن تماثلها لواقعة الندب الأخرى التى ثبتت في القضية المطروحة أمامها من حيث ظروفها والأشخاص المنتدبين وطريقة ندبهم أن الندب في هذه القضية الأخير لم يكن إلا لتنفيذ غرض جنائي، متى كانت ظروف ووقائع الدعوى المطوحة عليها تؤيد ذلك كما قرر الحكم، لما كان ما تقدم فإن المحكمة حين اتخذت من تماثل واقعة ندب أحمد حسين جاد في قضية عبد القادر طه لواقعة ندبه في القضية موضوع الطعن قرينة على توافر الغرض الجنائى من الندب فإن ذلك من حقها ولا تكون قد خالفت القانون في شئ.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو أن الحكم المطعون فيه إذا اعتمد في الثبوت على حكم محكمة الثورة ضد الأستاذ ابراهيم عبد الهادى قد خالف القانون، إذ يفهم منه أن محكمة الجنايات جعلت في اعتبارها أن حكم محكمة الثورة حجة على أن الجريمة وقعت باشتراك الحكومة وبواسطة أعوانها أي موظفيها، ومعنى هذا أن احتمال وقوع الجريمة من غير موظفين ولغير حساب الحكومة وبغير اشتراكها كان احتمالا ممتنعا على محكمة الجنايات أن تواجهه لمخالفته لحكم محكمة الثورة، هذا القيد الذى قيدت به محكمة الجنايات نفسها بتصورها خطأ أن حكم محكمة الثورة قد أثبت وقوع الجريمة من موظفين لحساب الحكومة وباشتراكها قد أثر حتما في عقيدة المحكمة، هذا إلى أن حكم محكمة الثورة لا يقيد قانونا محكمة الجنايات بأى حال، لأن من شرائط حجية الشئ المقضى به توافر وحدة الخصوم ووحدة السبب في الدعويين ولأن محكمة الثورة لا تخضع لضوابط هذه الحجية، ولأن الادعاء الذى وجه إلى الأستاذ ابراهيم عبد الهادى هو ادعاء سياسى إداري بعيد عن الناحية الجنائية التى يحكمها قانون العقوبات، ولأن محكمة الثورة لم تسمع قضية مقتل الشيخ حسن البنا يضاف إلى ذلك أنه ما كان يجوز لمحكمة الجنايات أن تحيل على حكم محكمة الثورة في اثبات الدعوى قبل الطاعن وهو حكم غير مسبب.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه حين أشار إلى الحكم الصادر من محكمة الثورة قال "أصدرت محكمة الثورة في القضية رقم 1 محكمة الثورة سنة 1953 المقامة ضد الاستاذ ابراهيم عبد الهادى رئيس الوزارة الأسبق حكما بتاريخ أول أكتوبر سنة 1953 قضت فيه بإدانته بالنسبة لجميع الادعاءات المقامة عليه وبمعاقبته عنها بإعدامه شنقا ومصادرة كل ما زاد من أمواله وممتلكاته عما ورثه شرعا لصالح الشعب، وصدق مجلس قيادة الثورة على هذا الحكم بتاريخ 4 من أكتوبر سنة 1953 مع تخفيفه بالنسبة لعقوبة الاعدام وإبدال السحن المؤبد بها، وكان من ضمن الادعاءات الست التى وجهت إليه الادعاءان الثالث والرابع ويتضمن أولهما انه أتى أفعالا من شأنها إفساد أداة الحكم وذلك أنه في خلال الفترة بين 28 من ديسمبر سنة 1948 و25 يوليه سنة 1949 بوصفه رئيسا للوزارة ووزيرا للداخلية أشاع حكم الارهاب بأن اعتدى على الحريات العامة وتزعم حملة اعتقالات واسعة النطاق للتنكيل بالمواطنين بأن أمر أعوانه بتعذيب طائفة كبيرة منهم وأشرف بنفسه على تنفيذ أوامره وكلها اجراءات لم يكن يقتضيها أمن أو سلامه اللهم إلا دافع الانتقام والتشفى مخالفا بذلك أحكام الدستور الذى كان قائما وقتئذ، ويتضمن الادعاء الثانى أنه أتى أفعالا من شأنها افساد أداة الحكم وذلك أنه في خلال عام 1949 هيأ لأعوانه الأسباب التى يسرت لهم قتل المرحوم الشيخ حسن البنا وعمل على تضليل التحقيق بقصد إفلات الجناة من العقاب". واستطرد الحكم يقول: "إنه مما لا شك فيه أن حكم محكمة الثورة لا يمتد أثره إلي المتهمين الحاليين بداءة ولا يصح أن يتخذ دليلا على أنهم هم الذين ارتكبوا الحادث لأن حجيته قاصرة على ما جاء به وعلى شخص المتهم فيه إلا أنه متى ثبت لهذه المحكمة أن بعض المتهمين في هذه القضية هم الذين قتلوا واشتركوا في قتل المرحوم الأستاذ حسن البنا فإن الرابطة تقوم من تلك اللحظة بين ما تقضى به هذه المحكمة وبين ما قضت به محكمة الثورة من اعتبار الأستاذ ابراهيم عبد الهادى مسئولا عن تهيئة الأسباب التى يسرت لهم القتل إذ أنه بهذا الحكم تكون قد تحددت شخصية هؤلاء الذين قصدتهم محكمة الثورة في حكمها وترى المحكمة أن حكم محكمة الثورة إذا أثبت على رئيس الحكومة أنه هيا لأعوانه الأسباب التى يسرت لهم قتل المرحوم الشيخ حسن البنا، فإن هذا الحكم يعد دليلا بذاته في خصوصية الحجية المستفادة منه على مسئولية الحكومة عن هذه الجريمة معززا للأدلة التى سبق أن أوردتها المحكمة في هذا الصدد تأييدا لهذه المسئولية وأن الجريمة تمت لحسابها ولحساب الملك السابق معا".
وحيث أنه يبين في جلاء من هذا الذى أورده الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تتخذ من حكم محكمة الثورة دليلا أو قرينة على الطاعن وإنما جعلت من إدانته في القضية الحالية استنادا إلى أدلة الثبوت التى ساقتها، ومن إدانة الأستاذ ابراهيم عبد الهادى في الادعاء الرابع الذى وجه إليه حقيقة تكشف الستار عن شخصية بعض من عنتهم محكمة الثورة بأن الأستاذ ابراهيم عبد الهادى هيأ لهم الأسباب التى يسرت لهم ارتكاب جناية القتل ثم حصلت من هذه الحقيقة دليلا آخر يساند الأدلة التى أوردتها في صدد إثبات مسئولية الحكومة عن هذه الجريمة، وليس في ذلك ما يفيد من قريب أو بعيد أن محكمة الجنايات عند تقدير الأدلة القائمة قبل الطاعن قد قيدت نفسها بحكم محكمة الثورة أو أنها جعلت لهذا الحكم حجية قانونية ضده، ولكنها قصرت هذه الحجية على مسئولية الحكومة التى لا شأن للطاعن في التحدث عنها، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون له أساس من الواقع أو القانون.
وحيث إن حاصل الوجه الرابع هو بطلان الحكم لاعتماده على اعتراف المتهم محمد محفوظ محمد الذى عدل عنه والذى صدر منه في ظل الرهبة ولقصوره وتناقضه ومخالفته للثابت في الأوراق، ذلك بأن اعترافات محمد محفوظ كانت وليدة الرعب الملازم للظروف التى صاحبت اعتقاله في السجن الحربى والتى كانت تشعره هو وبقية المتهمين بأن مصيرهم صار في يد الإخوان، وكانت هذه الاعترافات أيضا وليدة التهديد والضرب والتعذيب في السجن، وقد أثار الدفاع عن الطاعن ذلك أمام محكمة الجنايات ولكنها ردت عليه ردا قاصرا يدل على أنها لم تفطن إلى حقيقته يضاف إلى ذلك أن الحكم قد خالف القانون وأخل بحقوق الدفاع حين استند في الرد على عدول محمد محفوظ إلى ما قاله المدافع عنه بالجلسة الأستاذ عبد الفتاح لطفى بعد تنحيته عن الدفاع، لأن ما قاله في شأن العدول لم يصدر منه إلا بعد زوال صفته كمحام عن الطاعن لا يملك التحدث عنه، ولا تملك المحكمة أن تعول على قوله في اطراح العدول عن الاعتراف، هذا فضلا عن أن العبارة التى وردت على لسان المحامى المذكور نقلا عن الطاعن تعتبر من أسرار المهنة فلا يجوز له إفشاؤها وقد أغفل الحكم إلى جانب ذلك اغلب الاعترافات التى صدرت من محمد محفوظ وأخذ بشطر منها وهو الخاص بإقدامه على نقل المتهم الأول وآخر عقب ارتكاب الحادث بسيارة الطاعن رقم 9979 من منطقة الجريمة إلى فندق إيدن حيث كان الطاعن في انتظارهم، وهذا الشطر لا أصل له في اعترافات محمد محفوظ الذى لم يقل قط إنه نقل أحدا من المتهمين إلى ذلك الفندق، وكذلك ذكر الحكم أن الاعترافات التى أخذت بها المحكمة تأيدت بشهادة محمد حرك ومحمد ندا وعبد الله فواز والبكباشى طه زغلول مع أن شهادتهم لا تؤيد الاعتراف بل تكذبه، هذا إلى أن الحكم قد شابه التناقض حين أخذ بأقوال محمد حرك وطه زغلول على علاتها وهى تؤدى إلى إدانة جميع المتهمين بينما دان الحكم ثلاثة منهم فقط وبرا الباقين وهذه التبرئة تفيد تكذيب الحكم لتلك الأقوال نفسها.
وحيث إن الحكم عرض لما يثيره الطاعن في هذا الوجه فقال: "إنه فيما يختص بما ذكره الدفاع من أن اعترافات محفوظ لا يصح الأخذ بها لما تضمنته من أقوال متناقضة أو لا تتفق مع الواقع والعقل وأنه أبداها تحت تأثير الخوف وعوامل الإكراه في وقت كان فيه حبيس السجن الحربى ويستدل الدفاع على ذلك بما قدمه من الأمثلة المختلفة على أن محفوظ كان يضيف في كل مرة من المرات التى سئل فيها رواية جديدة، وأن ذلك لابد أن يكون نتيجة تلفيق وإلهام من الغير، فإنه عن الروايات المختلفة التى ضمنها المتهم اعترافه، فإن من مهمة المحكمة أن تستخلص منها الثابت الصحيح فتأخذ به، وما يحوطه الشك فتطرحه جانبا، وهذا هو الذى فعلته المحكمة فيما تعرضت له في بحثها السابق وأما القول إن محفوظ كان متأثرا بعوامل الإكراه لوجوده بالسحن الحربى فإن شأنه في ذلك شأن جميع المتهمين، ولم يعترف منهم أحد إلا هو والمتهم الجزار، ولم يثبت أن إكراها أو تعذيبا وقع على أيهم بل على العكس دل الكشف الطبى الذى توقع على محفوظ أنه غير صادق فيما ادعاه من التعذيب، وأنه ليس به أى أثر يدل على شئ من ذلك، ويكفى لنفى كل شبهة في هذا الصدد أن اعترافات محفوظ لم تقتصر على ما أبداه منها أمام نائب الأحكام بل أنها تعدت ذلك إلى الإدلاء بها أمام النيابة ثم أمام حضرة المستشار المنتدب للتحقيق … كما أنه مما يدل على كذبه فيما ادعاه من وقوع التعذيب عليه أنه تناقض في شأنه فنسبه أولا إلى ضابط من ضباط الجيش برتبة اليوزباشى واثنين من الجنود عقب اعتقاله ثم لم يلبث أن عزاه إلى طه زغلول، ولقد ذهب محفوظ في عدوله عن اعترافه بعد ذلك إلى القول إن الضابط طه زغلول هو الذى حرضه عليه.. وحيث إن عدول محفوظ عن اعترافاته أخيرا وأمام المحكمة لا قيمة له بعد أن ثبتت صحة ما أخذت به منها الأدلة الأخرى المقنعة والمؤيدة لها، وقد تبين للمحكمة من أقوال حضرة الأستاذ عبد الفتاح لطفى المحامى المنتدب من غرفة الاتهام للدفاع عنه والذى نحاه المتهم عن الدفاع عنه بالجلسات الأخيرة إن هذا المتهم تعرض في السجن لحملة من زملائه المتهمين مما قد يفهم منه أن عدوله عن الاعتراف كان نتيجة تخوفه منهم "ولما كان يبين من مراجعة الأوراق أن الاعتراف الذى عزاه الحكم إلى محمد محفوظ له سنده من تحقيقات النيابة العامة والتحقيقات التى أجراها المستشار المنتدب للتحقيق، وكان من المقرر أن الاعتراف كدليل في المسائل الجنائية من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها التدليلية في الإثبات فلها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحقق لها أن الاعتراف سليم لا شائبة فيه واطمأنت إلى صدقه كان لها أن تأخذ به وتعول عليه، ولما كانت المحكمة قد بحثت الاعتراف الصادر عن محمد محفوظ ومحصته ووقفت على جميع الظروف والملابسات التى أحاطت به ثم خلصت من ذلك إلى تصديقه والتعويل عليه وضمنت حكمها الرد على عدوله عن هذا الاعتراف وعلى ما ادعاه من أنه أكره عليه وفندت ذلك بأدلة سائغة مقبولة تؤدى عقلا إلى النتيجة التى انتهت إليها، لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشاهد في حق بعض المتهمين، وتعرض عما لا تطمئن إليه منها في حق البعض الآخر دون أن يعد هذا منها تناقضا يعيب حكمها ما دام تقدير قوة الدليل موكولا إليها وحدها، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن العبارات التى جرى بها الحكم نقلا عن الأستاذ عبد الفتاح لطفى المحامى المنتدب للدفاع عن المتهم محمد محفوظ قد صدرت عنه بعد تنحيته بجلسة 12 من يونيه سنة 1954، أو أنه استقاها من المتهم المذكور بحكم مهنته، فان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من التناقض والخطأ في الاسناد والقصور لا يكون له أساس.
وحيث أن مبنى الوجه الخامس هو بطلان الحكم لتناقضه ومخالفته للثابت في الأوراق فيما يتعلق بالدليل المستفاد من نقل أو ندب الضابطين والمخبرين الثلاثة، ذلك بأن الحكم قرر أن المتهم الأول أحمد حسين جاد الذى حكم بإدانته ندب في 2 من يناير سنة 1949، وندب المخبران الآخران، اللذان حكم ببراءتهما في 21 من يناير من السنة المذكورة، وكان غرض الطاعن من ندبهم أن يختار من بينهم من يباشر جريمة قتل الشيخ حسن البنا، فاذا كان الحكم قد انتهى الى أن القاتل هو المتهم الأول وإلى أن المخبرين الآخرين بريئان، فانه يكون من التناقض ومجافاة المنطق أن يقول الحكم إن الطاعن ندب هذين الآخرين في 21 من يناير ليختار منهما من يقارف القتل مع أن القاتل حاضر تحت تصرفه منذ 2من يناير، وكذلك استدل الحكم على أن الندب كان لغرض إجرامى لسرعة عودة المخبرين محمد سعيد وحسين محمدين عقب وقوع الجريمة إلى جرجا، وفاته أن هذين المخبرين قد حكم ببراءتهما، وأن المخبر الذى دانه بالقتل - وهو الطاعن الأول - هو أول من ندب وآخر من عاد إذا لم يعد إلا في آخر فبراير سنة 1949 أما مخالفته الثابت في الأوراق فآيته أن الحكم ذكر أن الطريقة التى تم بها الندب روعى فيها أن تتم في الخفاء ولا يكون لها اثر ظاهر في الأوراق الرسمية، هذا مع أن الندب ثابت في دفاتر مديرية جرجا وفى استمارات السفر وبدل السفر وفى دفاتر وزارة الداخلية المتعلقة بذلك، فضلا عن أن الندب كان معلوما لموظفى الوزارة من تردد المخبرين على الوزارة خلال مدة ندبهم، كما قال الحكم إن النية كانت متجهة إلى عدم إثبات وجودهم لعدم ذكر أسمائهم في الدفتر المخصص لإثبات حضور المخبرين الملحقين بادارة المباحث الجنائية واستدل الحكم على ذلك بأقوال الصول محمد البهى من أنه كان موضع اللوم عندما أثبت اسم الطاعن الأول في يوم 22 من يناير سنة 1949، وأنه امتنع عن إثبات اسمى المخبرين الآخرين، بينما الثابت من الاطلاع على هذا الدفتر - كما قرر الحكم نفسه - أن هذين المخبرين مقيدان في الدفتر في نفس اليوم بخط آخر غير خط الصول، وأن المخبرين الثلاثة مقيدة أسماؤهم في الدفتر في الأيام التالية. وذهب الحكم أيضا إلى أن الندب لم يكن لمصلحة عامة تقتضيه، ودلل على ذلك بعجز المخبرين وعجز الطاعن عن تعليل سبب ندبهم تعليلا صحيحا مقبولا، وما نعاه الحكم من ذلك يخالف الثابت في الأوراق إذا الثابت من أقوال البكباشى حسين كامل في التحقيق أن المخبرين ساهموا في أعمال كثيرة تتصل بالأمن العام، وقد طلب الدفاع من المحكمة أن تستيقن من صحة ذلك بالرجوع إلى القضايا والأوراق الرسمية الخاصة بها ولكن المحكمة لم تستجب لهذا الطلب ولم ترد عليه، وقطعت بعجزهم عن الإثبات. هذا إلى أن للطاعن قولا واحد في تعليل ندب المخبرين أيده فيه الأستاذ عبد الرحمن عمار في التحقيق ويلوح أن الحكم خلط بين ندب المخبرين في يناير سنة 1949 وبين من ندبوا بمذكرة فبراير سنة 1952 فتوهم أن الخلاف الذى ثار حول أسباب تحرير هذه المذكرة قد حصر أيضاً بالنسبة لواقعة ندب سنة 1949.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يثيره الطاعن في هذا الوجه وأورد الأدلة السائغة التى استخلصت المحكمة منها في حدود سلطتها التقديرية - أن ندب المخبرين الثلاثة من مديرية جرجا إلى إدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية لم يكن الغرض منه تحقيق مصلحة عامة أو خاصة يقتضيها الأمن ولكن ليتسنى للطاعن أن يختار منهم في الوقت المناسب من يتولى تنفيذ الجريمة ومن هذه الأدلة التى أوردتها الطريقة التى تم بها ندبهم فقد روعى فيها أن يتم الندب في الخفاء فلا يكون له أثر ظاهر في الأوراق الرسمية إذ لم تدر بشأنه أية مكاتبات بين الوزارة ومديرية جرجا، وإنما اقتصر الأمر على أن وجه الطاعن إلى المديرية في 2 من يناير سنة 1949 إشارة تليفونية بتوقيع وكيل الوزارة تقضى بنقل المتهم الأول أحمد حسين جاد نقلا مؤقتا للوزارة على أن يقوم بتنفيذ أمر النقل فورا، فتم ذلك في ذات اليوم ولم يكن قد مضى على مقتل رئيس الحكومة الأسبق محمود فهمى النقراشى سوى أربعة أيام ثم أعقب ذلك ندب المخبرين الآخرين محمد سيد اسماعيل وحسين محمدين رضوان للوزارة عن طريق محادثة تليفونية تمت بين الطاعن محمود عبد المجيد ومدير جرجا طلب فيها قيامهما فورا وتقديم نفسيهما إلى الطاعن فقدما بالأمر وحضرا إلى الوزارة على جناح السرعة في يوم 21 من يناير سنة 1949 وما أن أتم الطاعن تدبير الجريمة ووقع اختياره نهائيا على من يتولى من رجاله تنفيذها حتى اغتيل مرشد الاخوان المسلمين في 12 من فبراير سنة 1949، وثبت من كتاب مدير الأمن العام المؤرخ في 27 من فبراير سنة 1950 أنه لم يستدل على سابقة انتداب أحد من المخبرين التابعيين للمديريات للعمل بإدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية خلاف هؤلاء المخبرين الثلاثة، ومن بين الأدلة التى أوردتها المحكمة في هذا الخصوص أيضا ما شهد به الصول محمد البهى من أنه أراد في يوم 22 من يناير سنة 1949 إثبات حضور المخبرين الثلاثة في الدفتر المخصص لذلك عندما رآهم يجلسون بغير عمل بإدارة المباحث الجنائية، وما أن أثبت اسم المتهم الأول حتى حضر إليه البكباشى حسين كامل ونقل إليه أمر الطاعن بعدم إثبات حضورهم في الدفتر لأنهم منتدبون لمهمة سرية خاصة، ومن هذه الأدلة أيضا عجز الطاعن والمخبرين الثلاثة عن تعليل أسباب ندبهم تعليلا صحيحا يقبله العقل واضطراب أقوالهم في هذا الشأن اضطرابا ظاهرا، وبعد أن ساقت المحكمة الأدلة والقرائن التى أثبتت بها على الطاعن أن ندب المخبرين كان لغرض إجرامى انتهت من ذلك إلى القول "إنه بالرغم من أن هذا الدليل يعلق عليه الاتهام أهمية كبيرة لأنه يقطع بتدبير محمود عبد المجيد للجريمة ويكاد يمسك بخناق الضابطين والمخبرين الثلاثة جميعا نظرا لوحدة الظروف التى نقلوا أو ندبوا فيها وما صاحب ذلك من الشبه التى وجهت إليهم في مواضع كثيرة من التحقيق، إلا أن المحكمة لا تأخذ منه إلا بالقدر المتيقن باعتباره دليلا على تدبير الجريمة ومؤيدا للأدلة الأخرى المثبتة للتهمة على من ثبت مفارقتهم لها واشتراكهم في ارتكابها دون غيرهم، أما من لم تقم الأدلة المقنعة عليهم فإن هذا الدليل وحده لا تراه المحكمة كافيا بالنسبة لهم لاحتمال أن الأميرالاى محمود عبد المجيد لم يكن قد أفضى بسر الجريمة إليهم جميعا ورأى قصر هذا السر على من رأي في نهاية الأمر أن يستخدمه بالفعل منهم". ولما كان ما أورده الحكم من ذلك من شانه أن يؤدى في العقل والمنطق إلى ما أستخلصه من أن الدافع على الندب هو غرض إجرامى بحت، وكان إثبات الندب في دفاتر مديرية جرجا وفى استمارات السفر وبدل السفر على فرض صحته فوق أنه لا يتعارض مع ما استظهرته المحكمة من أن الطاعن كان حريصا على أن يتم الندب في الخفاء فان هذا الإثبات قد تم على غير إرادته وبدون علمه كما يستفاد ذلك من الحكم.
لما كان ما تقدم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه ليس في حقيقته إلا جدلا واردا على موضوع الدعوى وأدلة الإثبات فيها مما لا شان لمحكمة النقض به.
وحيث إن حاصل الوجه السادس هو بطلان الحكم وفساد تسبيبه فيما يتعلق بالدليل المستمد من رقم السيارة، وفى ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام محكمة الموضوع بأن الذى كان يقود السيارة - بفرض وجود سيارة في محل الحادث هو شخص آخر غير محفوظ ولم تكن السيارة التى استخدمت في ارتكاب الجريمة هى سيارة الطاعن، وانما أسند إليها رقم سياراته إما خطأ عند التقاط الرقم وإما أن يكون الجناة قد انتحلوا هذا الرقم لسيارتهم للتضليل، واستدل الدفاع على ذلك بأن الليثى شهد بأن قائد سيارة الجناة كان يرتدى الملابس البلدية. بينما أجمعت عناصر التحقيق التى اعتمدها الحكم على أن محمد محفوظ كان يرتدى ساعة الحادث ملابسه الرسمية وقد أغفل الحكم هذا الدفاع الجوهرى اغفالا تاما ولم يرد عليه، كذلك أثار الدفاع أن مكان اختباء الجناة ومكان انتظار السيارة التى أعدت للفرار بهم غير معقول، وكان من المعقول أن يختبئوا في دورة المياه القريبة من مبنى جمعية الشبان وأن الطاعن لو كان فكر في ارتكاب الجريمة مدفوعا من عبد الرحمن عمار المشهود له بالذكاء، فما كان من المعقول أن يقعا في هذا الخطأ الفاحش باستعمال سيارة حكومية مخصصة لأولهما، وكان من السهل عليهما استعمال أية سيارة مجهولة أو لا تحمل رقما يدل عليها أو عملا على طمس رقمها وقد رد الحكم على هذا الدفاع ردا ينطوى على التناقض والمصادرة على المطلوب، ونسب الحكم إلى الطاعن أنه فاز لقاء قتل المجنى عليه بمكافأة كبيرة بعضها ستمائة جنيه قرر مجلس البوليس الأعلى صرفها له عقب الحادث، وبعضها ورد على ألسنة الشهود، أنه دفع إليه من المصاريف السرية، وهذا القول لا أثر له في الأوراق، ويخالف الثابت فيها إذا الثابت أن المكافأة التى صرفت له طلبها مدير الأمن العام لقاء جهوده في صيانة الأمن بمديرية جرجا، أما المصاريف السرية فقد ثبت أنه لم يصرف له منها إلا أربعون جنيها كلف بدفعها في غرض رسمي بيغه لمحكمة الموضوع هذا إلى أن الحكم لم يشر إلى ما جاء في حكم البراءة الصادر في قضية عبد القادر طه نم نفى الادعاء بأن الطاعن رقى إلى وظيفة مدير بتاريخ 3 ابريل سنة 1952 مكافأة له على اشتراكه في قتل المجنى عليه، كما سبق أن كوفئ بالترقية عقب مقتل الشيخ حسن البنا، وقال بأنه ثبت أنه رقى مع غيره ممكن كان هو أسبق عليهم في التخرج.
وحيث إن ما يثيره الطاعن فيما تقدم مردود بأنه جدل موضوعى في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع دون معقب، ولما كانت المحكمة قد بينت واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر المكونة لجريمة الاشتراك في القتل وأوردت على ثبوتها في حق الطاعن أدلة صالحة لأن تؤدى إلى إدانته بها فهى بعد غير ملزمة بمتابعته في مناحى دفاعه الموضوعى ومختلف حججه، وان ترد استقلالا على كل قول يبديه أو حجة يثيرها، إذ الرد يستفاد دلالة من الحكم بإدانته استنادا إلى أدلة الثبوت التى أوردها، وكان الحكم قد عرض لما يثيره الطاعن في شأن المكافأة والمصاريف السرية ورد عليه بقوله أنه "طلب عقب مقتل الشيخ البنا منح الأميرالاى محمود عبد المجيد مكافأة تقديرا لأعماله في مقاومة الإجرام والمجرمين بمديرية جرجا مع أنه كانت قد مضت مدة طويلة على هذه الأعمال وكان قد نقل إلى الوزارة في أغسطس سنة 1948 فلم يفكر أحد في منحه هذه المكافأة إلا في سنة 1949، وبعد أن اغتيل الأستاذ البنا. وبالرغم من أن مدير الأمن العام اقترح أن تكون مكافأته 300 جنيه فإن هذه المكافأة قد رفعت بموافقة مجلس البوليس إلى 600 جنيه وهو أمر غريب يستلفت النظر ويدعو إلى الاعتقاد بأن هذه المكافأة لم تأت إلا نتيجة لرضاء كبار الرؤساء عليه بمناسبة نجاحه في القضاء على الأستاذ البنا - ولقد تبين من الاطلاع على كشوف المصاريف السرية في ذلك العهد أنها كانت تبعثر بغير رقيب ولا حسيب. ولا يثبت في الغالب شئ في الدفاتر عمن تصرف إليه هذه المبالغ الكبيرة الباهظة الأمر الذى يجعل ما شهد به الشهود عن علمهم بأن الأميرالاى محمود عبد المجيد ومعاونيه في إرتكاب هذا الحادث قد أصابهم نصيب من هذه المصاريف السرية بمناسبته معقولا ومحتمل التصديق، وقد اعترف الأميرالاى محمود عبد المجيد بأنه قبض فعلا مبلغ 40 جنيها من هذه المصاريف، وإن كان قد ذكر أن هذا المبلغ لظروف أخرى لا صلة لها بالحادث" ولما كان هذا الذى استخلصه الحكم مما أورده هو استخلاص سائغ لا عيب فيه، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون له أساس.
عن طعن الطاعن الرابع "البكباشى محمد محمد الجزار"
التقرير الأول المؤرخ في 18 من أغسطس سنة 1954
حيث إن مبنى الطعن هو انقضاء الدعوى العمومية بالتقادم وانتفاء القصد الجنائي، ذلك بأن جريمة إعانة الجانى على الفرار من وجه القضاء التى نسبت إلى الطاعن وقعت في 12 من فبراير سنة 1949 وتم التحقيق فيها بسؤال الأستاذ عبد الرحمن عمار في 13 من مارس سنة 1949 ثم أعيد التحقيق في 20 من أغسطس سنة سنة 1952 ولما كانت المدة الواقعة بين هذين التاريخين تزيد على ثلاث سنوات فإن الدعوى الجنائية تكون قد أنقضت قانونا بمضى المدة، وقد رد الحكم على هذا الدفع بأن المدة قد انقطعت بالتحقيق الذى أجرته النيابة في 28 نوفمبر سنة 1949 وهو رد خاطئ إذ التحقيق القاطع للتقادم هو الذى يهدف إلى الوصول إلى أدلة الجريمة ومعرفة فاعلها، الأمر الذى لم يتوفر في التحقيق المذكور الذى أقيم على بلاغ قدمه الشاهد محمد الليثى في 17 من نوفمبر سنة 1949 قال فيه إن هناك معومات واتهامات موجهة لأشخاص جدد، وطلب لذلك تحقيق وقائع جديدة غير السابق تحقيقها دون أن يذكر اسم الطاعن وما قاله الحكم من أن التحقيق في جريمة القتل يقطع التقادم بالنسبة لواقعة إعانة الجانى المرتبطة بها لا سند له من القانون، على أن جريمة إعانة الجانى على الفرار من وجه القضاء لا ترتبط بجناية القتل ارتباطا غير متجزئ بالمعنى المقصود في المادة 32 من قانون العقوبات. يضاف إلى ذلك أن الركن المعنوى لجريمة الإعانة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات، وهو قصد إعانة الجانى على الفرار مع علمه على وجه اليقين بارتكابه جناية أو جنحة، هذا الركن غير متوفر في واقعة الدعوى لأنه ليس في أوراق التحقيق ما يفيد قيام هذا العلم في ذهن الطاعن على وجه قطعى، إذا أن بيان رقم السيارة الذى تلقاه الشاهد محمد الليثى نقلا عن الفتى الأسمر المجهول كان في ظروف تبعث على الشك في تصديق الخبر واتخاذه دليلا على أن السيارة المستعملة في الحادث هى سيارة رئيسه محمود عبد المجيد، كذلك تصورا اشتراك هذا الأخير في ارتكاب جناية القتل على الوجه وفى الظروف التى وقعت فيها من حيث الزمان والمكان أمر مستبعد بالنسبة إلى الطاعن، هذا فضلا عن أن رواية الليثى نفسه وهو مرشد للبوليس - عن كيفية تلقى رقم السيارة أمر مشكوك فيه أيضا. أما ما قاله الحكم من أنه يكفى أن يكون الطاعن قد ساوره الاعتقاد بصحة الرقم الذى أبلغه به الليثى ليكون القصد الجنائى متوفرا فغير صحيح في القانون إذ يلزم لذلك أن يثبت علم الطاعن بأن محمود عبد المجيد هو القاتل.
وحيث إن الحكم المطعون فيه تناول الرد على ما دفع به الطاعن أمام محكمة الجنايات بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة فقال "إن هذا الذى ذهب إليه الدفاع في غير محله إذ أنه تبين من مراجعة الظروف التى تم فيها تحقيق النيابة في 28 من نوفمبر سنة 1949 والأقوال التى أبداها الشاهد محمد الليثى في ذلك التحقيق، أن التحقيق المذكور أجرى بناء على بلاغ تقدم من محمد الليثى إلى النائب العام في 17 من نوفمبر سنة 1949 يبلغه فيه نص خطابين وصلا إليه ويتضمنان معلومات عن قتلة الشيخ حسن البنا وقد وردت في أحد هذين الخطابين أسماء جميع المتهمين بما في ذلك المتهم محمد الجزار (الطاعن) الذى أشير إلى أن له علاقة بعصابة القتلة والسفاكين الذين اشتركوا في تلك الجريمة، وقد أشر رئيس النيابة في 21 من نوفمبر سنة 1949 بطلب مقدم البلاغ محمد الليثى والأشخاص الوارد ذكرهم في الخطابين المرافقين لبلاغه الذين لم يسبق سؤالهم ولما حضر الشاهد محمد الليثى أمام النيابة وسألته في 28 من نوفمبر سنة 1949 قدم لها أصل الخطابين اللذين وصلا إليه وشرح لها الظروف التى أرسلا إليه فيها وسبب إرسالهما وأبدى معلومات أخرى تتعلق بحادث مقتل الشيخ البنا، ثم ذكر في نهاية أقواله أنه يطلب مواجهته بالصاغ محمد الجزار في شأن المعلومات التى ذكرها عنه في تحقيقات النيابة السابقة وسؤال هؤلاء الأشخاص الذين استشهد بهم في تلك التحقيقات على واقعة اتصال ذلك المتهم به تليفونيا يوم الحادث وعلى الأخص مساعد الحكمدار مصطفى حلمى واليوزباشى محمود زهدى اللذين أوصلاه إلى ذلك المتهم ممن لم يسألوا من قبل في التحقيق وقد سألت النيابة بعد ذلك بعض المتهمين والأشخاص الواردة أسماؤهم في الخطابين المرسلين لمحمد الليثى والعرائض المقدمة للنائب العام غير أنها أغلقت سؤال المتهم محمد الجزار كما لم تعن بسؤال الشهود الذين استشهد بهم الليثى عن واقعة اتصال ذلك المتهم به.
وحيث إنه ظاهر مما تقدم أن التحقيق الذى أجرى في 28 من نوفمبر سنة 1949 كان بشأن الخطابين المقدمين من الشاهد محمد الليثى وقد ذكر في أحدهما ما يفيد أن المتهم محمد الجزار علاقته بعصابة القتلة والسفاكين الذين اشتركوا في حادث مقتل الشيخ حسن البنا، وقد أشر رئيس النيابة بطلب مقدم البلاغ والأشخاص الوارد ذكرهم في الخطابين المرافقين له الذين لم يسبق سؤالهم ثم بدأ التحقيق بسؤال الشاهد محمد الليثى فأدلى في شهادته بأقوال تتضمن أمورا تتعلق بالتهمة التى كان قد نسبها من قبل لمحمد الجزار، وهى تحريضه إياه على التضليل وإرغامه له على معاونة الجناة على الفرار من وجه القضاء حيث طلب سؤال الشهود الذين استشهد بهم على صحة تلك التهمة، كما طلب مواجهته بالمتهم المذكور فيما أسنده إليه من قبل وهو قاصر على تلك التهمة، ومن ثم يكون التحقيق الذى أجرى في 28 نوفمبر سنة 1949 - شاملا للتهمة المذكورة ومتعلقا بها، ولا يقبل القول بأن هذا التحقيق كان بمنأى عن تلك التهمة كما لا يصح القول بأن أقوال الليثى في التحقيق المذكور شأنها شأن البلاغ الذى يقدم من المجنى عليه للنيابة ولا تتخذ فيه أى إجراء فلا يقطع مدة التقادم فإن الأمر في دعوانا لم يقتصر على بلاغ الليثى ولا على الخطابين المقدمين منه بل تعدى ذلك إلى تحقيق ما جاء في ذلك البلاغ وهذين الخطابين مما شمل التهمة المسندة للمتهم محمد الجزار فيكون ذلك التحقيق قاطعا لمدة التقادم بالنسبة لتلك التهمة، إذ أن أى إجراء يحصل من السلطة المختصة من شأنه تحريك الدعوى العمومية وتنبيه الأذهان إلى الجريمة التى كان قد انقطع التحقيق فيها يعتبر قاطعا للتقادم بالنسبة لها حتى ولو كان هذا الإجراء خاصا ببعض المتهمين دون البعض الآخر ولا يؤثر في ذلك عدم سؤال المتهم محمد الجزار في ذلك المحضر لأنه ليس من الضروري أن يستجوب المتهم حتى تنقطع مدة التقادم في حقه.
واستطرد الحكم من ذلك إلى الرد على ما يثيره الطاعن في شأن عدم توفر الركن المعنوي لجريمة إعانة الجانى على الفرار من وجه القضاء فقال "إن الركن المعنوى في الجريمة المسندة للمتهم محمد الجزار متوافر أيضا فهو قد كان يعلم من غير شك عندما اتصل بالشاهد محمد الليثى أن جريمة قتل قد وقعت معاقبا عليها بالإعدام، كما أنه كان قد نمى إليه قبل ذلك أن نمرة السيارة التى فر بها الجناة والتقطها الشاب الأسمر هى 9979 وأن تلك النمرة هى نمرة السيارة المخصصة لاستعمال الاميرالاى محمود عبد المجيد الذى أتهم من أجل ذلك بالاشتراك في هذا الحادث، وعلم الجزار بهذا كله مستفاد من أقواله أمام السلطة العسكرية ومن بعض أقواله الأخرى المبينة بالتفصيل فيما تقدم ومن شهادة اللواء أحمد طلعت والقائمقام محمود طلعت والبكباشى توفيق السعيد التى تدل جميعها على أن نمرة السيارة التى استخدمت في الحادث الشخص الذى يستعملها كان قد عرف بالمحافظة قبل ذهاب المتهم محمد الجزار لدار جمعية الشبان المسلمين لمقابلة الليثى، وأنه إنما ذهب لتلك الجمعية ليثنى ذلك الشاهد عن ذكر النمرة التى علم بها بناء على تكليف من أحد الرؤساء الكبار خدمة لمحمود عبد المجيد رغم تحذير رؤسائه المباشرين له من الاتصال بذلك الشاهد خوفا من أن يتهم رجال القسم السياسى بأن لهم يدا في الحادث أو تنسب إليهم الرغبة في تضليل التحقيق خدمة للأميرالاى محمود عبد المجيد، ولكنه خالف أوامر أولئك الرؤساء وضرب بنصائحهم عرض الحائظ وانطق يسعى الى الليثى في جنح الليل ويستدعيه خارج مبنى الجمعية ويدعوه إلى الكف عن الشهادة أو على الأقل عدم ذكر النمرة التى علم بها أو تغييرها مستعينا في ذلك بالوعد تارة وبالوعيد تارة أخرى حتى انهارت مقاومة ذلك الشاهد فخضع لإرادته ونفذ ما طلبه منه من تجهيله تلك النمرة والتشكيك فيها مما كان من شأنه إبعاد التهمة عن المتهمين وتخليصهم من يد العدالة ثم لم يقنع بهذا بل دأب بعد ذلك في اليوم التالى - عندما علم بأن الشاهد المذكور أدلى بالنمرة الحقيقية أثناء المعاينة - على الالحاح عليه في تغيير تلك النمرة مستعملا في ذلك كل ضروب الإغراء والوعد والوعيد مما يقطع بسوء نيته ويدل على أنه لم يكن يساوره أي شك في صحة النمرة التى عرفها ذلك الشاهد وانها هى نمرة سيارة الأميرالاى محمود عبد المجيد التى استعملها في الحادث، إذ أنه لو لم يكن متحققا من ذلك لما اهتم بإخفاء تلك النمرة كل هذا الاهتمام متحديا في ذلك أوامر رؤسائه المباشرين ومعرضا نفسه للمسئولية بعمله على التأثير على الشهود وتضليل المحققين، فهو إذن عندما أوحى إلى الليثى بالنمرة غير الصحيحة وأرغمه على ذكرها في التحقيق كان يعلم بعدم صحتها وبأنها خلاف النمرة الحقيقية لسيارة الجناة وكان يقصد من ذلك إخفاء الدليل المستمد من هذه النمرة بتجهيلها والتشكيك فيها تضليلا للتحقيق وإبعادا للمتهمة عن الجناة ومساعدة لهم على الفرار من وجه القضاء وبهذا يتحقق الركن المعنوى للجريمة المنسوبة إليه".
وحيث إن ما قاله الحكم فيما تقدم وأسس عليه قضاءه سديد في الواقع وصحيح في القانون ويصح الاستناد إليه في رفض الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم وفى توفر الركن المعنوى للجريمة التى دين الطاعن بها، ذلك بأنه ما دام الحكم قد أثبت أن الشاهد محمد الليثى تقدم إلى النائب العام ببلاغ جديد أحال فيه إلى خطابين وصلا إليه يتضمن أحدهما فيما تضمنه أن الطاعن محمد الجزار له صلة بقتلة البنا فلما استدعت النيابة مقدم البلاغ وسألته قرر في التحقيق أقوال تتعلق بحادث مقتل البنا، كما طلب مواجهته بالطاعن في شأن ما نسبه إليه في التحقيقات السابقة من وقائع مكونة لجريمة إعانة الجانى على الفرار من وجه القضاء وسؤال من استشهد بهم على صحة هذه الوقائع، فإن هذا الإجراء الذى اتخذته النيابة يكفى وحده لقطع مدة التقادم ولو لم يكن المتهم الطاعن قد سئل في ذلك التحقيق أو لم يعلم به. لما كان ذلك، وكان يبين مما قاله الحكم فيما تقدم أنه أثبت بأسباب وأدلة سائغة مقبولة أن الطاعن تعمد إخفاء دليل من أدلة الجريمة، وهو الدليل المستمد من الرقم الحقيقى للسيارة التى فر بها الجناة، وأنه كان يعلم بوقوع هذه الجريمة، وكان غرضه من إخفاء الدليل أو العبث به تضليل المحققين لإعانة الجناة على الفرار من وجه القضاء فان عناصر الجريمة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات تكون متوافرة ويكون العقاب عليها مستحقا يستوى في ذلك أن يكون المتهم عالما بأن صاحب السيارة مشترك مع باقى الجناة الذين فروا بالسيارة في ارتكاب الجريمة أو غير عالم ذلك. لما كان كل ذلك، فان ما يثيره الطاعن فيما تقدم لا يكون له وجه.
التقرير الثانى المقدم من البكباشى "محمد محمد الجزار"
المؤرخ في 21 أغسطس سنة 1954
من حيث إن محصل وجهى الطعن هو مخالفة الحكم للقانون، والخطأ في تطبيقه، ذلك بأنه وإن كان قد أورد قاعدة صحيحة في صدد بيان التحقيق القاطع لمدة التقادم غير أنه اخطأ في تطبيقها على واقعة لدعوى إذ التحقيق الأخير الذى أجرى في 28 من نوفمبر سنة 1949 لم يقصد إلا إلى كشف الوقائع المشار إليها في الخطابين اللذين وردا لمحمد الليثى، ولم يتعرض التحقيق أصلا للواقعة التى أسندت إلى الطاعن، أما مجرد طلب الليثى مواجهته بالجزار وسؤال بعض الشهود فلا يعتد به في قطع مدة التقادم، وردد الطاعن ما أثاره في التقرير الأول بشأن تأثير قطع المدة على الجرائم المرتبطة ارتباطا لا يتجزأ ثم استطرد إلى القول بأن الواقعة كما أثبتها الحكم لا تكون الجريمة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات، إذ هذه الجريمة لا تتوفر إلا إذا أدلى الجانى فعلا بالمعلومات المضللة وإذا كان الحكم في سبيل التدليل على توفر الجريمة قد أثبت على الطاعن أنه أتلف الورقة التى دون فيها الشاهد محمد الليثى رقم السيارة فاختفى بإتلافها الدليل المستمد من هذا الرقم فان تلك الورقة في واقع الأمر ليست دليلا لأنها من صنع الشاهد، ولا تحوى سوى رقم لا شك أنه يحفظه في ذاكرته ويستطيع أن يدلى به للمحقق دون حاجة للورقة، وما قاله الحكم من أن الشاهد المذكور كان تحت تأثير الإكراه الذى وقع عليه من الطاعن ليعدل عن شهادته أو يغير على الأقل رقم السيارة الذى وصل إلى علمه، فان هذا الإكراه على فرض صحة وقوعه لم ينتج أثره ويترتب على ذلك اعتبار الواقعة شروعا في جنحه تضليل غير معاقب عليه قانونا، هذا إلى أن المعلومات التى أدلى بها الشاهد لم تكن نتيجة الإكراه، وإنما كانت نتيجة لأمر لا دخل للطاعن فيه وهو وجود عدد من كبار ضباط البوليس في غرفة التحقيق متحفزين للشاهد، يضاف إلى ذلك أن الحكم إذ اعتبر الشاهد فاقد الاختيار فيما أدلى به قد خالف الثابت في التحقيقات وخالف ما قاله الشاهد نفسه من أنه قبل أن يدلي بالرقمين 9979 و9997 كان ينوى الإدلاء بالرقم الصحيح للسيارة غير متأثر بمحاولة الطاعن، وبذا يكون الحكم قد فرض واقعة الإكراه، فرضاً دون أن يكون لها سند من الأوراق مما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين مردود بأن الحكم أثبت أن التحقيق الذى أجرته النيابة العامة في 28 من نوفمبر سنة 1949كما تناول جريمة مقتل البنا تناول أيضا جريمة الإعانة التى نسبت إلى الطاعن فهو قاطع لمدة التقادم في كلتا الجريمتين، كما سبق القول سواء أكانت الواقعتان قد ارتبطتا ببعضهما ارتباطا لا يقبل التجزئة، كما قرر الحكم في حدود سلطته التقديرية أو لم ترتبطا به وأما ما ينعاه الطاعن في طعنه غير ذلك فقد رد عليه الحكم بقوله "إن أركان تلك الجريمة جميعها ثابتة ومتحققة في حقه (الطاعن) فهو قد استعمل مع الشاهد محمد الليثى طرق الإكراه والإغراء للادلاء بمعلومات مضللة في التحقيق في شأن نمرة السيارة التى فر بها الجناة وأتلف الورقة التى كانت مثبتة فيها فأخفى بعمله هذا الدليل المستمد من تلك النمرة، وأعان بذلك الجناة على الفرار من وجه القضاء فيكون قد قارف بنفسه الأفعال المكونة للركن المادى للجريمة المسندة إليه وهو لهذا يعد فاعلا أصليا لتلك الجريمة لا شريكا فيها. كما يذهب إليه الدفاع، إذ أن الثابت من أقوال الشاهد محمد الليثى أنه ما ذكر الرقمين اللذين أدلى بهما في التحقيق إلا تحت تأثير الإكراه الذى وقع عليه من ذلك المتهم لكى يعدل بتاتا عن الشهادة أو يغير على الأقل نمرة السيارة التى وصلت إلى علمه ملوحا له بأن من قتلوا الشيخ حسن البنا من القوة والبأس بحيث لا تعجز يدهم عن الوصول إليه والانتقام منه إذا شهد بما يضرهم، فاضطر تحت ذلك التهديد إلى ذكر الرقمين اللذين ذكرهم تخلصا من هذا المأزق ومثل هذا الإكراه يجعل ذلك الشاهد فاقد الإرادة معدوم الاختيار، فيكون بمثابة آله استعمال المتهم محمد الجزار فيما رمى إليه من إعانة المتهمين على الفرار من وجه القضاء بإضاعة أدلة الجريمة وإبداء المعلومات غير الصحيحة فتعتبر لذلك الأفعال التى وقعت في هذا الشأن صادرة من ذلك المتهم ومنسوبة إليه لأنه هو الذى أعان الجناة باستعمال تلك الوسائل. على أنه على فرض اعتبار ذلك المتهم شريكا بالاتفاق والتحريض مع الشاهد محمد الليثى في ارتكاب تلك الجريمة، فان هذا لا يغير من الأمر شيئا لأن عقوبة الشريك هى نفس عقوبة الفاعل الأصلى ولا محل للقول في هذه الحالة كما ذهب الدفاع بأن الجريمة لم تقع نتيجة للتحريض أو الاتفاق الحاصلين من المتهم المذكور، إذ أن الثابت قطعا من أقوال محمد الليثى أن النمرة التى أدلى بها في التحقيق، إنما كانت من وحى المتهم محمد الجزار وحده ونتيجة للاكراه والتهديد اللذين وقعا عليه منه، ولكن كان محمد الليثى قد ذكر أنه أدلى بالنمرة الكاذبة بجانب النمرة الصحيحة لتخوفه من الضباط الآخرين الذين وجدهم بغرفة التحقيق فانه ظاهر أن إحساسه بهذا الخوف إنما كان نتيجة للضغط الذى وقع عليه قبل ذلك من الجزار واعتقاده بأن هؤلاء الضباط يؤازرونه، ولم يثبت أن أحدا من أولئك الضباط أوحى إليه باخفاء نمرة السيارة أو تغييرها كما فعل الجزار فهو الموجه الأصلى لذلك الشاهد وصاحب الأثر الأول في نفسه والمسئول الأصلى عما حدث منه من تغيير للحقيقة وتضليل للتحقيق. أما ما ذهب إليه الدفاع في سبيل إهدار الركن المادى للجريمة من أنه لم تبد في الواقع معلومات غير صحيحة في التحقيق لأن الليثى رجع عن أقواله في نفس المحضر وذكر النمرة الحقيقية، فان هذا القول من الدفاع لا أساس له من الواقع أو القانون لأن جريمة إعانة الجناة على الفرار المسندة للمتهم محمد الجزار تمت واكتملت أركانها بمجرد شهادة الليثى بأن نمرة السيارة التى أخبره بها الشاب الأسمر هى 9979 أو 9997 مما كان من شأنه تجهيل تلك النمرة وابعاد التهمة عن المتهمين، فلئن كان ذلك الشاهد قد عدل بعد ذلك عما قرره بهذا الخصوص وعاد إلى ذكر الحقيقة فان حصول هذا منه بعد تمام الجريمة ليس من شأنه بأية حال - كما استقر القضاء - إزالة أثرها خلافا لما هو عليه الحال في جريمة شهادة الزور على أن الليثى في الواقع لم يعدل تمام العدول في التحقيق الذى أجرى ليلة الحادث عن التشكيك في نمرة السيارة إذا أنه عندما ووجه بما قرره الضابط محمد وصفى من أن نمرة السيارة هى 9977 لم يذكر على وجه التأكيد أن النمرة الحقيقة هى 9979 بل قال إنه يعتقد أنها كذلك لأنه يذكر أن في تلك النمرة تسعتين على الشمال والاختلاف في الرقم الثانى إما أن يكون 79 أو 97 فهو في الواقع لم يجرؤ على ذكر الحقيقة كاملة بشكل صريح واستمر فيما كان قد بدأ فيه من التشكيك في تلك النمرة بقصد تجهيلها خدمة للجناة تحت تأثير الضغط الذى وقع عليه من الجزار" ولما كان ما قاله الحكم من ذلك صحيحا في القانون إذ لا يشترط لتوفر الجريمة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات، أن يصر المتهم طول مدة التحقيق على أقواله الكاذبة التى تتعلق بالجريمة، وإنما يكفى لتوفرها وتمامها أن يقرر المتهم أمام سلطة التحقيق أقوالا غير صحيحة بقصد تخليص الجناة من العقاب ولو عدل المتهم عن هذه الأقوال بعد ذلك، ولما كان لا تثير على المحكمة إذا كانت قد اتخذت من واقعة إعدام الطاعن للورقة التى دون فيها محمد الليثى رقم سيارة الجناة إثر علمه به من الشاب المجهول الذى التقطه عقب الحادث مباشرة قرينة تؤيد الأدلة التى قامت ضده على ارتكاب فعل الاعانة، وكان ما قاله الحكم من أن الشاهد محمد الليثى لم يذكر الرقم الكاذب في التحقيق إلا تحت تأثير الإكراه والتهديد اللذين وقعا عليه من الطاعن - له أصله الثابت في الأوراق - لاستناده إلى أقوال الشاهد المذكور بمحضر الجلسة. لما كان الأمر كذلك فان ما يثيره الطاعن فيما تقدم لا يكون له أساس.
عن طعن الطاعنة الخامسة "الحكومة المصرية"
حيث إن مبنى الطعن هو خطأ الحكم في تطبيق القانون وقصور أسبابه والخطأ في الاستدلال ذلك بأن الحكم حين قضى بالزام الحكومة بالتعويض تأسيسا على الأسباب والاعتبارات التى أوردها وعلى أن الجريمة وقعت أثناء تأدية المتهمين لوظائفهم وبسببها قد أخطأ، لأن الحكم لم يفرق بين الحكومة كشخصية معنوية عامة وبين رجالها والقائمين بالأمر فيها، فتارة يتحدث عن كراهية الحكومة للاخوان المسلمين ومرشدهم وينسب أمر تدبير الجريمة إلى الحكومة وتارة ينسب أمر تدبيرها إلى بعض رجالها، مع أنه من المستحيل أن ينسب إلى الحكومة ارتكاب جريمة، وإنما الصحيح أن تكون مسئوليتها ناشئة عن أعمال تابعيها وهو ما يستوجب البحث فيما إذا كانت هذه الأعمال قد وقعت أثناء تأدية الوظيفة أو سببها، فإن لم يثبت ذلك فلا وجه لمساءلة الحكومة، وما قاله الحكم في هذا الصدد هو قول مرسل لا يستند إلى دليل، وقد تحدث الحكم عن بواعث الجريمة فقال إنها جناية الحاكمين وإنهاء ارتكبت بتدبير من الملك ورجال الحكومة بدافع من الحقد والكراهية والثأر والانتقام الشخصي لقتل النقراشى إذ ليس بين الأميرالاى محمود عبد المجيد وبين الشيخ البنا أية ضغينة أو خصومة شخصية وهذا القول يتناقض مع ما أستظهره الحكم وأثبته في موضع آخر منه من أن الجريمة وقعت بسبب الوظيفة وأثناء قيام الموظفين المحكوم عليهم بأعمال وظائفهم بحجة أنهم جميعا من رجال المباحث وأنهم استعملوا في ارتكاب الجريمة سيارة خصصتها الحكومة لانتقال محمود عبد المجيد، وإذا صح أن الحكومة مسئولة عن أعمال تابعيها فذلك على قدر الوظيفة وفى حدودها فقط، وليس بصفة مطلقة ولا في خصوص ما يقع منهم أثناء تأدية وظائفهم إذا كان ذلك لدوافع واعتبارات شخصية أو للرغبة في التشفى والانتقام، هذا إلى أن خطأ التابع لا يسأل عنه المتبوع، إلا إذا كان الخطأ واقعا حال تأدية الوظيفة أو بسببها أما الخطأ الذى يقع بمناسبة الوظيفة أو الذى هيأت له الوظيفة أو الأجنبى عنها فلا شأن للمتبوع به، هذا كله بفرض صحة الإتهام وثبوت التهمة في حق المتهمين وهو ما ينكرونه ويطعنون على الحكم من أجله وفى ذلك ما يجعل مصير هذا الطعن مرتبطا إلى حد بعيد بمصير طعنهم من حيث ثبوت التهمة عليهم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما تثيره الطاعنة في طعنها وأثبت مسئوليتها مدنيا عن أفعال تابعيها الطاعنين الأول والثانى والثالث المحكوم عليهم بالعقوبة بما مؤداه "إنه لما كان من المقرر طبقا لنصوص القانون المدنى القديم الذى وقع الحادث في ظل أحكامه أن كل فعل نشأ منه ضرر للغير يترتب عليه إلزام فاعله بالتعويض عن ذلك الضرر، وكان من المقرر أيضا تطبيقا للمادة 152 من هذا القانون إلزام السيد بتعويض الضرر الناشئ للغير عن أفعال خدمته متى كان واقعا منهم في حال تأدية وظائفهم، فإنه تطبيقا لهذه القواعد يكون لورثة المرحوم الأستاذ البنا وكذلك الأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور الحق في طلب التعويض مباشرة من المتهمين الذين تثبتت إدانتهم في ارتكاب حادث القتل والشروع فيه، ومن الحكومة كذلك بصفتها مسئولة عن أفعالهم باعتبارهم من الموظفين التابعين لها متى كانت هذه الأفعال قد وقعت منهم في حال تأدية و ظائفهم أو بسببها على ما استقر عليه الفقه والقضاء وذلك بطريق التضامن فيها بينهم جميعا … وحيث إنه عن ثبوت التهمة فقد انتهت المحكمة إلى إدانة المتهمين الأول والسابع والثامن (الطاعنين الأول والثانى والثالث) في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والشروع فيه للأسباب التى أوضحتها فيما تقدم، ومن ثم يكون للمدعين بالحق المدنى الرجوع عليهم بما يسحقونه من تعويض، أما بالنسبة للحكومة فقد ثبت للمحكمة كذلك لما أسلفته من أسباب أن حكومة ذلك العهد، كانت هى والملك السابق ضالعين في الحادث وأنه ارتكب لحسابهما بقصد التخلص من غريمهما السياسى الأستاذ البنا فأقدم الأميرالاى محمود عبد المجيد على تدبير الاغتيال وتنفيذه مستعينا على ذلك بمن يثق فيهم من الموظفين التابعين له، وما كانت الجريمة لتقع لولا الوظيفة إذ لم يثبت وجود أى ضغينة أو حقد شخصى بين المتهمين والمجنى عليهما بدفعهم إلى ارتكابها، وإنما اندفعوا إلى ذلك تحت تأثير ما أوحى به اليهم الكبار المسئولون من أن الأستاذ البنا من المجرمين الخطرين الخارجين على الملك والحكومة، وأن استئصاله من الحياة ضرورة يقتضيها الأمن والنظام، وهو تفكير إجرامى واستهتار بالقانون ما كان ينبغى لمتهمين أن ينزلقوا إليه أو يطيعوا فيه رؤسائهم إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وحيث أنه يبين مما تقدم أن الجريمة وقعت بسبب الوظيفة ما في ذلك ريب كما أنها وقعت أثناء تأدية المتهمين لها إذ أنهم جميعا من رجال المباحث الذين يقومون بأعمالهم بصفة سرية وفى الأوقات والأماكن التى تدعو الحاجة إلهيا بحسب تقديرهم، وقد استخدموا في ارتكاب الحادث السيارة رقم 9979 التى استأجرتها الحكومة من صاحبها وخصصتها لانتقالات الأميرالاى محمود عبد المجيد، وبذلك تكون الحكومة مسئولة بطريق التضامن مع المتهمين عن التعويضات المستحقة للمدعين بالحق المدنى" ولما كان يبين من هذا الذى أورده الحكم أن المحكمة نفت وقوع الجريمة بدافع شخصى من المتهمين، وأنها لم تؤسس قضاءها بمسئولية الحكومة على أن الجريمة وقعت منهم بمناسبة الوظيفة، وإنما أسسته على وقوع الجريمة منهم في حال تأدية وظائفهم وبسببها لحساب الملك والحكومة للتخلص من غريمهما السياسي الشيخ حسن البنا وبوحى من كبار المسئولين، وأثبتت المحكمة بالأدلة السائغة التى ساقتها في حكمها قيام رابطة السببية بين الخطأ والوظيفة على وجه يفيد أن الخطأ ما كان المتهمون ليرتكبوه أو يفكروا في ارتكابه لولا الوظيفة وهو الشرط الذى تحقق به مسئولية المتبوع عن فعل تابعه، ولما كان استظهار هذه الرابطة من المسائل الموضوعية التى تخضع لتقدير محكمة الموضوع ولا يصح المجادلة في شأن توافرها أمام محكمة النقض، فإن ما تثيره الطاعنة في طعنها يكون على غير أساس.
عن الطعن المقدم من الطاعن السادس "الأستاذ عبد الكريم منصور"
التقرير الأول المؤرخ في 21 من أغسطس سنة 1954
من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكمين الصادرين أحدهما في 29 من نوفمبر سنة 1953 برفض طلبى الرد المقدمين من الطاعن، وثانيهما في 2 من ديسمبر سنة 1953 برفض طلب رد هيئة محكمة الجنايات، قد خالفا القانون وأخطأ في تفسيره ذلك بأن الدائرتين اللتين يرأس أحداهما السيد مرسى فرحات رئيس محكمة استئناف القاهرة، ويرأس الأخرى السيد ابراهيم حلمى وكيل المحكمة هما دائرتان مدنيتان وكان ينبغى أن يكون الفصل في طلب الرد من دائرة جنائية وحتى مع افتراض أنهما دائرتان جنائيتان فإنهما لم تنعقدا في مقر المحكمة الابتدائية، ثم يضيف الطاعن قوله إن الأستاذ مرسى فرحات باشتراكه في إحالة قضية الجناية على محكمة الجنايات، ما كان يجوز له نظر دعوى الرد المتفرعة عنها ولا سيما وأنه كان مزمعا استدعاؤه لأداء الشهادة في موضوع تلك الجناية، وفوق ذلك فقد أبدى الطاعن للمحكمة أن عضوى الدائرة التى يرأسها السيد رئيس محكمة الاستئناف قد تنحيا من نفسيهما عن نظر طلبه فأصبح غير ذى موضوع وهو ما يعده بمثابة تنازل عن هذا الطلب، كان على المحكمة أن تثبته وتحكم في الدعوى بعدم قبولها، ولكنها لم تفعل وقضت فيها بالرفض بعد أن جزأت طلب الطاعن برد أعضاء الهيئة الواحدة واعتبرته متضمنا طلبين غرمته عشرين جنيها عن كل منهما، و لا يجوز قانونا أن تتعدد الغرامة بتعدد القضاة المطلوب ردهم، وخلص الطاعن من ذلك إلى أن الحكم الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1953 أخطأ في تفسير المادة 327 من قانون المرافعات ولذلك فهو يطعن فيه كما يطعن في الحكم الصادر في 2 ديسمبر سنة 1953 باعتبار أنه أثر من آثاره.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن بصدد تشكيل الدائرتين اللذين فصلتا في طلبى الرد المقدمين منه مردود بما سبق لهذه المحكمة أن قررته في حكمها الصادر في الطعن رقم 2463 سنة 23 ق بتاريخ 9 من يناير سنة 1954 من أن الذى استبان من محاضر جلسات الهيئتين اللتين نظرتا طلبى الرد أن كلا منهما وصفت في تلك المحاضر بأنها محكمة جنايات القاهرة ومثلت فيها النيابة العامة كما استبان من الحكمين الصادرين في الرد أن كلا من هاتين الهيئتين وصفت بأنها "غرفة المشورة" مما يتفق مع المادتين 249 و250 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 325 من قانون المرافعات، وان عبارة الدائرة الجنائية قد شطبت واستبدلت بها عبارة "غرفة المشورة" مما مفاده أن طلبى الرد نظرتهما محكمتان موصوفتان بأنهما محكمتا جنايات. لما كان ذلك وكان ما يقوله الطاعن بشأن عدم انعقاد هاتين الدائرتين بمقر المحكمة الابتدائية مردودا كذلك بأن نص المادة 5 من القانون رقم 147 لسنة 1949، بنظام القضاء صريح في أن انعقاد محكمة الجنايات يكون في كل مدينة بها محكمة ابتدائية وتشمل دائرة اختصاصها ما تشمله دائرة المحكمة الابتدائية، ولم يوجب الشارع أن يكون انعقاد محكمة الجنايات بمقر المحكمة الابتدائية كما يزعم الطاعن. لما كان ذلك، وكان نص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية لا يمنع اشتراك القاضى في نظر الدعوى إلا إذا كان قد أدى فيها شهادة، وكان طلب الرد المطروح على الهيئة التى يرأسها السيد مرسى فرحات لا يمت بصلة من حيث موضوعه إلى الدعوى الأصلية، ولم يكن رئيس المحكمة قد أدى شهادة فيها، ولما كان يبين من الحكم الصادر من غرفة المشورة بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1953 أن المحكمة قد صدرته بقولها "أن التقرير بالرد (الذى قدمه الطاعن) اشتمل على طلبين الأول خاص بطلب رد السيد مرسى فرحات رئيس محكمة استئناف القاهرة عن نظر طلب رد هيئة محكمة جنايات القاهرة المطروحة أمامها الجناية رقم 1071 سنة 1952 قصر النيل، والثانى خاص بطلب رد السيدين اسحق عبد السيد ومحمد أمين زكى المستشارين عن نظر طلب رد سيادة رئيس المحكمة وذلك للأسباب المشتمل عليها التقرير ثم تناول الحكم أسباب كل طلب على حدة، وانتهى إلى الحكم برفضهما وتغريم مقدمهما عشرين جنيها عن كل منهما وإلزامه بالمصاريف، ولما كان واضحا من ذلك أن كل طلب من الطلبين مغاير للآخر من جهة موضوعه وأسبابه، وكان ما يقوله الطاعن بشأن دفاعه الذى أبداه للمحكمة في خصوص رد المستشارين اسحق عبد السيد ومحمد أمين زكى وتأويله هذا الدفاع بأنه كان بمثابة تنازل لا يعدو أن يكون تخريجا من استنتاجه هو وليس من شأنه أن يلزم المحكمة بمتابعته فيه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد تناولت الأسباب التى أسند إليها الطالب كلا من طلبيه وفندتها بما ساقته من الأسباب والاعتبارات السائغة التى أوردتها، والتى خلصت منها إلى الحكم برفضهما وتغريم الطاعن بالغرامة التى نصت عليها المادة 327 من قانون المرافعات فان قضاءها هو قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون.
وحيث إن الطاعن يقول في طعنه بالإضافة إلى الوجه السابق إن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون وشابه القصور، وبنى على إجراءات أخلت بحقه في الدفاع ذلك بأنه أعد مذكرة تتضمن الرد على ما ورد بالمذكرات المقدمة من المتهمين فند فيها أوجه دفاعهم، ولما تقدم بها للمحكمة أثناء المرافعة رفضت قبولها، وأنه كان من واجب المحكمة أن توقف السير في هذه الدعوى أو تؤجل نظرها حتى يفصل في الطعن المرفوع من النيابة العامة ومن المدعى بالحقوق المدنية في قضية مقتل عبد القادر طه للارتباط الوثيق بين الدعويين وتحقيقا لحسن سير العدالة، هذا إلى أن الحكم شابه الفساد في الاستدلال حين قضى ببراءة الضابطين عبد أرمانيوس وحسين كامل وباقى المخبرين، مع أن المتهم محمد محفوظ اعترف باشتراك هؤلاء المتهمين معه في الجريمة، وتأيد اعترافه بأدلة أخرى منها اعتراف المتهم الخامس محمد سعيد اسماعيل للعسكرى فتح الله محمد السيد باشتراكه في الجريمة، ورغم توافر الأدلة على صحة هذه الاعترافات فقد أطرحتها المحكمة لأسباب بعضها منتزع من الخيال وبعضها الآخر متناقض، وكذلك قضت المحكمة بإدانة المتهم الأول - المخبر محمد حسين جاد - وببراءة باقى المخبرين رغم وحدة الأدلة القائمة قبلهم جميعا و تماثلها، ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أن الحكم أخطأ في قضائه برفض دعوى التعويض بالنسبة للمتهم محمد محمد الجزار بمقولة إنه لم يصب الطاعن ضرر من جريمته، مع أن الجريمة في ذاتها فعل ضار يستوجب التعويض وقد أباح القانون للمجنى عليه، مطالبة الجانى بالتعويض أيا كانت الجريمة التى ارتكبت، هذا فضلا عن أن المتهم المذكور عطل سير الدعوى بالتضليل في التحقيق والتشكيك في شهادة الشهود مدة تزيد على خمس سنين وهو عمل ضار يستوجب التعويض أيضا طبقا للمادة 361 من قانون المرافعات، ومتى ثبتت مسئولية محمد الجزار عن التعويض تكون الحكومة مسئولة مع على وجه التضامن لارتكابه الجريمة أثناء تأدية الوظيفة وبسببها، يضاف إلى ذلك أن المحكمة المطعون في حكمها فسرت حكم محكمة الثورة لصالح المتهمين، مع أن هذا الحكم ذهب إلى تجريمهم جميعا لأنه قضى بإدانة ابراهيم عبد الهادى في جميع الادعاءات التى وجهت عليه ومنها تهمة إفساد أداة الحكم وتعذيب المواطنين ونشر الإرهاب وتيسير قتل الشيخ حسن البنا لأعوانه، ويبين من ملف القضية التى نظرتها محكمة الثورة ومن الأوراق المضمومة لها أن المقصود بالأعوان في نظر ذلك الحكم هم المتهمون في قضية مقتل الشيخ حسن البنا، ولهذا الحكم حجيته القانونية فلا تملك محكمة الجنايات أن تقضى على خلافه.
التقرير الثانى المؤرخ في 28 من أغسطس سنة 1954
ويزيد الطاعن في هذا التقرير أن المحكمة لم تعرض للدليل المستمد من اعتراف محمد حسن السليمانى ومن المذكرة المحررة بمعرفة الأميرالاى محمود عبد المجيد في 19 من فبراير سنة 1952 في قضية مقتل عبد القادر طه اعتقادا منها بأنها لا تملك مناقشة هذا الدليل وأنها مقيدة برأى المحكمة التى أصدرت الحكم في تلك القضية بالنسبة لهذا الدليل، ولولا هذا الاعتقاد الخاطئ الذى حجبها عن وزن هذا الدليل المشترك في القضيتين وتقديره لكانت حكمت بإدانة المتهمين جميعا.
وحيث إن الحكم الطعون فيه عرض لأدله الثبوت المقدمة في حق المتهمين من الثاني إلي السادس الذين حكم ببراءتهم وبرفض الدعوى المدنية بالنسبة إليهم بما فيها الدليل المستمد من اعترافات محمد محفوظ محمد وفندها في منطق سليم تفنيدا سائغا مؤديا إلي النتيجة التي انتهي إليها، ولما كان أساس الأحكام الجنائية إنما هو حرية محكمة الموضوع في تقدير الأدلة المطروحة عليها في الدعوى وإذن فما دام يبين من حكمها - كما هو الحال في هذه الدعوى - أنها لم تقض بالبراءة إلا بعد أن أحاطت بتلك الأدلة ووزنتها فلم يقتنع وجدانها بصحتها أو بعدم كفايتها للحكم بالادانة، فلا تجوز مصادرتها في اعتقادها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكانت المحكمة قد أثبتت في حكمها أنها تطرح اعتراف المتهم محمد محفوظ محمد بالنسبة لمن عدا المخبر أحمد حسين جاد والأميرالاى محمود عبد المجيد للأسباب التى بينتها والتى لها أصل ثابت في الأوراق ولأن اعترافه عليهم لم تؤيده أدله أخرى، وأنها تأخذ بهذا الاعتراف وتعول عليه بالنسبة لمحمد محفوظ نفسه وبالنسبة لهذين المتهمين لأنه مؤيد بالبينة وبأدلة وقرائن أخرى أوردتها في حكمها، وكان للمحكمة أن تأخذ بأدلة في حق متهم ولا تأخذ بها في حق متهم آخر ولو كانت متماثلة، وكانت المحكمة قد اتخذت من أقوال محمد حسن السليمانى في قضية مقتل عبد القادر طه، ومن المذكرة المؤرخة في 19 من فبراير سنة 1952، في حدود سلطتها التقديرية دليلا من أدلة الاثبات في حق أحمد حسين جاد ومحمود عبد المجيد دون غيرهما من المتهمين، وكان ما ذهب إليه الحكم من أن حكم محكمة الثورة لا يمتد أثره إلى المتهمين في الدعوى الحالية وأن حجيته قاصرة على ما جاء به وعلى شخص المتهم فيه صحيحا في القانون، لما كان كل ذلك، وكانت المحكمة غير مكلفة قانونا وهى تقضى ببراءة بعض المتهمين أن تتعقب الاتهام في كل دليل يقدمه ضدهم أو أمارة يستدل بها عليهم، فان ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له أساس، أما ما يثيره بشأن ما يدعيه من منع المحكمة له من تقدير مذكرة فمردود بأنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة 6 من يوليه سنة 1954 أنه بعد أن ترافع جميع أطراف الخصوم في الدعوى أبدى الأستاذ محمد عزمى المحامى "أن الأستاذ منصور (الطاعن) لديه مذكرة بعناصر التعويض" فلم توافق المحكمة على تقدير مذكرات وسمحت له أن يبدى عناصر التعويض شفويا بالجلسة فلم يعقب على ذلك ثم أمرت المحكمة بحجز القضية للحكم دون أن ترخص للخصوم بتقديم مذكرات، لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يدعى في طعنه أنه طلب إلى المحكمة وقف السير في الدعوى أو تأجيل نظرها فان ما يثيره من ذلك لا يكون له محل، وأما ما يثيره في صدد قضاء المحكمة برفض دعوى التعويض التى رفعت منه على المتهم محمد محمد الجزار فقد أسست المحكمة قضاءها بذلك على قولها "إن الأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور المجنى عليه في تهمة الشروع في القتل ادعى من جانبه مدنيا قبل المتهمين سالفى الذكر والحكومة وطلب الحكم بالزامهم متضامنين كذلك بأن يدفعوا له ثلاثين ألفا من الجنيهات تعويضا عما لحقه من الضرر نتيجة لجناية الشروع في القتل التى وقعت عليه منهم والتى نشأ عنها عدة إصابات بقى من أجلها تحت العلاج شهورا طويلة وتخلفت به من جرائها عاهة مستديمة. وحيث إنه يتعين التقرير بادئ ذي بدء بأن المتهم التاسع البكباشى محمد محمد الجزار لم يساهم في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد التى وقعت على المرحوم الأستاذ البنا، ولا في تهمة الشروع في قتل الأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور، ولم تسند إليه التهمة في أيهما، وإنما التهمة الموجهة إليه قائمة بذاتها ولها كيانها الخاص المستقل عن الجنايتين الأصليتين وتنحصر عناصرها في أنه علمه بوقوع هاتين الجنايتين المعاقب عليهما بالاعدام أعان الجناة فيهما على الفرار من وجه القضاء، وهو في حدود هذه التهمة الخاصة به لا يمكن أن يسأل عن أفعال القتل والشروع فيه المسندة لباقى المتهمين والتى على أساسها وحدها تقوم طلبات التعويض ومن ثم لا تصح مساءلته عن هذه الطلبات وتكون الدعاوى بها واجبة الرفض بالنسبة إليه". ولما كان ما قاله الحكم من ذلك سديدا وصحيحا في القانون، وكان الأساس الجديد لطلب التعويض المشار إليه في وجه الطعن، وهو تعويض الضرر الناشئ عن تعطيل سير الدعوى لم يثره الطاعن أمام محكمة الموضوع فلا تقبل منه إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة فضلا عن أن هذا الحق المدعى به من الطاعن لم ينشأ مباشرة عن جريمة الاعانة التى نسبت إلى المتهم محمد محمد الجزار ورفعت بها الدعوى عليه بل منشؤه عرقلة التحقيق وتعطيل السير في إجراءات الدعوى، فلا اختصاص للمحكمة الجنائية بنظر دعوى الحق المدنى التى تقام على هذا الأساس، لما كان ذلك، فان الطعن برمته يكون واجب الرفض.
وحيث إنه لما تقدم كله تكون الطعون المرفوعة من جميع الطاعنين على غير أساس متعينة الرفض موضوعا.
عن طعن الطاعن الأول "أحمد حسين جاد":
وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن. هو التناقض والاضطراب في أسباب الحكم، ذلك بأن الحكم بعد أن أورد شهادة محمد الليثى وأقوال المتهم محمد محفوظ ذكر أن الشطر الصحيح من هذه الأقوال يؤيد رواية محمد الليثى في تصوير كيفية هروب الجناة بالسيارة، مع أن الليثى استعرف في التحقيق على محمد محفوظ وزعم أنه هو القاتل الذى كان يحمل المسدس وقاد السيارة عقب ارتكاب الجريمة، بينما جاء في الشطر الذى اعتمدته المحكمة من أقوال محمد محفوظ أن القاتل هو الطاعن، وأنه ركب السيارة عقب الحادث في المقعد الخلفي، وقادها محمد محفوظ، فكان يتعين على المحكمة إما اطراح هاتين الروايتين المتناقضتين، أو بيان العلة في هذا التناقض.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن المحكمة بينت في واقعة الدعوى ما مؤداه أنه "ما أن خرج الشيخ حسن البنا وصهره الأستاذ عبد الكريم محمد منصور من باب الجمعية وصعدا إلى السيارة، وبدأ سائقها في إدارة محركها للسير بها حتى هاجمهما المتهم الأول أحمد حسين جاد (الطاعن) وآخر لم يسفر التحقيق عن معرفته على وجه اليقين، وأخذا يطلقان النار على من فيها بأسلحة ناريه أوتوماتيكية كانا قد أعداها لذلك بعد أن بيتا النية على قتل مرشد الإخوان وتربصا له بالقرب من دار الجمعية التى علما بوجوده فيها قاصدين من ذلك إزهاق روحه، فأحدث به وبصهره المجني عليه الثاني الأستاذ عبد الكريم منصور الإصابات والجروح الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية، والتي أودت بحياة الأول، وخاب أثر الجريمة بالنسبة للثاني لسبب لا دخل لإرادة الجانيين فيه وهو إسعافه بالعلاج، وقد أشترك المتهمان السابع الباشجاويش محمد محفوظ والثامن الأميرالاى محمود عبد المجيد مع هذين الفاعلين الأصليين في قتل الشيخ حسن البنا عمدا مع سبق الإصرار والترصد بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة بأن اتفقا معهما على ارتكاب الفعل المكون للجريمة وحرضهما المتهم الثامن على مقارفة هذا الفعل، كما ساعدهما هو والمتهم السابع في الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لارتكابه بأن حملهما السابع تنفيذا لأمر الثامن في السيارة التى يقودها إلى مكان الجريمة ووقف في انتظارهما على مقربة منه فيسر لهما سبيل الفرار بعد إتمامها، وكان أن وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض والاتفاق وتلك المساعدة". ثم أورد الحكم الأدلة التى استخلصت المحكمة منها ثبوت ارتكاب الطاعن لجريمتى القتل والشروع فيه اللتين دانته بهما، ومن بين هذه الأدلة التى أوردتها ما تضمنه اعتراف المتهم السابع محمد محفوظ محمد في بعض مراحل التحقيق بأن الطاعن هو بذاته أحد القاتلين اللذين قدما إليه من مكان الحادث يلهثان و استقلا السيارة التى كان يقودها، والتى كان ينتظر بها على مقربة من ذلك المكان ثم فر بهما إلى فندق إيدن حيث كان محمود عبد المجيد الطاعن الثالث في انتظارهما، وأورد الحكم شهادة محمد يوسف الليثى بما محصله أنه كان في ليلة الحادث متجها إلى كشك التليفون بدار جمعية الشبان المسلمين، وقبل أن يصل إليه سمع صوت أعيرة نارية في الخارج فأسرع يتبين الأمر، فوجد على بعد ستة أمتار منه شخصا نحيف الجسم قمحى اللون لم يتبين ملاحمه بالضبط ممسكا بيده مسدسا يطلق منه النار على السيارة التى بها المجني عليهما فصرخ الشاهد مستنجدا، وعندئذ أطلق نحوه هذا الشخص عيارين ناريين لم يصيباه، وأبصر الشاهد وقتئذ شخصا آخر يجرى في أثر الجانى الذى كان يطلق الرصاص، وركب الاثنان سيارة كانت تنظرهما في الجهة المقابلة لدار الجمعية ثم أسرعت بالفرار، وبعد أن أورد الحكم الأدلة التى حصلتها المحكمة والتى جاءت مؤيدة لاعتراف المتهم محمد محفوظ محمد بالنسبة إلى واقعة هروب الطاعن وزميله عقب ارتكاب الجريمة بالسيارة التي كانت يقودها، عقب الحكم على ذلك بقبوله إن المحكمة لا تعول على كل ما خالف هذه الأدلة التى أخذت بها، فإذا صح ما يدعيه الطاعن في طعنه من أن الشاهد محمد الليثى استعرف في التحقيق على محمد محفوظ زاعما أنه هو الذى كان يحمل المسدس وباشر القتل بنفسه وقاد السيارة عقب ارتكاب الجريمة، فإن مفاد ما ساقه الحكم فيما تقدم أن المحكمة اطرحت هذا الزعم ولم تأخذ به. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد، فتأخذ ببعضهما وتطرح البعض الآخر مادام تقدير الدليل موكولا إليها وحدها وما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقا في شطر من أقواله وغير صادق في شطر آخر، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه، لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجهين الثانى و الثالث هو أن الحكم ذكر أن الخلاف بين الشهود في شأن الفتى الذى أبلغ عن رقم السيارة التى فرت بالجناة مقصور على التعريف عن سنه وملابسه مع أن هذا الخلاف شمل أيضا طريقة التبليغ عن رقم السيارة وموعد ظهور هذا الفتى، ومكان التقائه بالشاهد محمد الليثى، هذا فضلا عن اضطرب هذا الشاهد في بيان مصدر علمه برقم السيارة، ولم يعن الحكم بالرد على هذه الخلافات مما جعله قاصرا قصورا يعيبه ويبطله، يضاف إلى ذلك أن الحكم أغفل الرد على ما أثاره الدفاع بشأن أقوال جمال البنا (أخى القتيل) عن السيارة التى استعملت في ارتكاب الجريمة وكان يركبها محمد وصفى وآخر وكذا شهادة السيدة منيره عامر من أن محمد الليثى أخبرها بأنه هو الذى شاهد رقم السيارة، وليس الفتى الأسمر، وأنه حرضها على أن تشهد بغير ما حدثها به كذلك أغفل الحكم الرد على ما أثاره الدفاع من عدم قيام الدليل على صحة رواية الفتى الأسمر وعدم إمكانه رؤية رقم السيارة، وتخاذل الحكم في الرد على ما أثاره الدفاع من أن مفاوضات الصلح بين القتيل والحكومة والتى عاصرت الحادث كانت ناجحة، وأن ذلك يؤدى إلى استخلاص وقوع الجريمة بتدبير من السراى وحدها، هذا فضلا عن أن رئيس الطاعن، وهو محمود عبد المجيد، منقطع الصلة بالسراى، يضاف إلى ما تقدم أن الحكم سكت عن الرد على ما أثاره الدفاع استنادا إلى تجربة الطبيب الشرعى من أن السلاح الذى استعمل في الجريمة هو غير المسدسين اللذين قالت المحكمة إنهما استعملا في ارتكابها وأن نسبة السيارة التى أخذ رقمها إلى محمود عبد المجيد لم تعلم إلى في اليوم التالى كما شهد بذلك شهود عديدون، هذا إلى أن الحكم اعتمد ما قاله المتهم محمد محفوظ من أنه نقل الجناة إلى الفندق عقب الحادث على الرغم من أن الشهود نفوا صحة هذه الواقعة، وعلى الرغم من أن الحكم جرى على عدم الأخذ بإقرارات محمد محفوظ إلا بما يكون مؤيدا بدلائل أخرى أو بشهادة الشهود.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يثيره الطاعن بصدد الفتى الذى التقط رقم السيارة فقال: "ولقد ذهب الدفاع في تفصيل رده على الدليل المستمد من التعرف على رقم السيارة إلى التشكيك في وجود الفتى الأسمر الذى كان هو مصدر الإدلاء بهذا الرقم في ليلة الحادث، فيقول إن هذا الفتى لم يظهر له وجود رغم الأدوار الطويلة التى مر بها التحقيق ولو كان موجودا حقا لتقدم للشهادة وهذا الشك ينفيه أن واقعة ظهور هذا الشاب عقب الحادث مباشرة أمام دار جمعية الشبان المسلمين وإدلائه برقم السيارة التى فر بها الجناة قد شهد بها عدة شهود عدول من أعضاء الجمعية لم يثبت أن لهم أية مصلحة في تغيير الحقيقة أو الإيقاع بالمتهمين وهؤلاء الشهود هم الأساتذة الموظفون زكى عبد التواب ومحمد عثمان ومحمود جبر، فلم تكن رواية الليثى الشاهد الرئيسى في القضية هى الرواية الوحيدة عن ظهور هذا الشاب وتعرفه منه على رقم السيارة، أما عدم ظهوره بعد ذلك فقد يكون مرجعه خشية من التنكيل أو القبض عليه أو أن يكون قد تعرض لما تعرض له الليثى على يد البكباشى الجزار من عوامل الإكراه أو الإغراء ليبعده عن التحقيق ويحمله على عدم الإدلاء بشهادته وليس ذلك ببعيد بعد أن ثبت من شهادة حسن محمد يعقوب صاحب المقهى المقابل لدار جمعية الشبان في التحقيقات من أن المخبرين كانوا يتعقبون هذا الفتى الأسمر بدليل أن أحدهم حضر إليه عقب الحادث وسأله عنه فأجاب بأنه لا يعرفه ومتى ثبت أن الفتى الأسمر كان له وجود وأنه أدلى برقم السيارة فعلا وتبين أنها لضابط كبير في الحكومة التى كان بينها وبين الإخوان ما سلف ذكره من خصومه وثأر، كان في ذلك الكفاية للتدليل على أنه عرف هذا الرقم فلا محل بعد ذلك للمناقشة في كيف تمكن الفتى المذكور من معرفة نمرة السيارة وهل هو ملم بالقراءة ويحسن الرؤية إلى غير ذلك مما يثيره الدفاع ما دام أنه لم يمكن العثور عليه بعد ذلك للأسباب المتقدمة، أما الفروق الطفيفة بين الشهود المذكورين في تقدير سن الفتى أو في بيان أوصاف ملابسه فلا أهمية لها ما دام الجميع قد اتفقوا على وصفه العام بأنه أسمر، وأنه صغير السن بما يدور حول العشرين سنة، وأنه كان يرتدى الملابس البلدية" - وعرض الحكم أيضا لما يثيره الطاعن في شأن السلاح الذى استعمل في ارتكاب الجريمة، فأثبت نقلا عن تقرير الطبيب الشرعي أن الأظرف المطلوقة التى وجدت في مكان الحادث هى سبعة وجد في ستة منها علامات ثانوية تشير إلى اطلاقها من آلة واحدة والظرف السابع لم تشاهد به هذه العلامة مما قد يشير إلى اطلاقه من آلة أخرى، وأن هذه الأظرف جميعا ليست من ذخيرة الريفولفرات ولكنها من ذخيرة المسدسات الاتوماتيكية وأنه أمكن اطلاق مثل هذه الأظرف السبعة من الريفولفرات المضبوطة بمنازل المتهمين محمد سعيد اسماعيل والأميرالاى محمود عبد المجيد والمسدس ماركة كولت الذى كان في عهدة المتهم حسين كامل ثم سلم للمتهم محمد محفوظ قبل الحادث، وذلك بالكيفية الواردة في التجارب التى أجراها الطبيب الشرعى، لما كان ذلك، وكان الحكم لم يذكر أن هذه الأسلحة التى ضبطت لم يستعمل كلها أو بعضها في ارتكاب الجريمة، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بالرد على كل ما يثيره الدفاع من شبه أو أوجه دفاع موضوعية إذا الحقائق التى أثبتتها وجعلت منها قواما لحكمها تكفى ردا على ما يخالفها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذين الوجهين ليس في حقيقته إلا جدلا في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا شأن محكمة النقض به.
عن طعن الطاعن الثالث الاميرالاى محمود عبد المجيد:
وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثانى هو اخلال الحكم المطعون فيه بحجية الحكم الصادر بتاريخ 10 إبريل سنة 1954 في قضية مقتل عبد القادر طه رقم 183 سنة 1953 جنايات مصر القديمة، وتناقضه مع الدليل الذى استمده من هذه القضية الاخيرة، وبيان ذلك أن الحكم في قضية مقتل عبد القادر طه، إذ قضى ببراءة الطاعن وبراءة كل من اتهم بأنه حرضهم على القتل أصبح حجة لا تقبل الدليل العكسى للبراءة، غير أن محكمة الجنايات المطعون في حكمها حين أعوزها الدليل رأت في سبيل اثبات اشتراك الطاعن في جريمة مقتل الشيخ حسن البنا أنها بحاجة إلى إثبات اشتراكه في قتل عبد القادر طه، فأعادت البحث في قضيته وناقشت ادلتها وأولتها تأويلا يخالف الحكم الصادر فيها ويهدره، مع أن تلك القضية لم تكن معروضة عليها ولا كان مضموما منها سوى الحكم الصادر فيها وأقوال الطاعن، وقد دعتها هذه الحاجة إلى أن لا تفلت القول الذى رواه محمد حسن السليمانى عن محمد وصفى بأنه سيستخدم الجناة الذين قتلوا البنا في قتل عبد القادر طه لتحصل من ذلك أن قتلة عبد القادر هم قتلة البنا، كما نبشت المحكمة من جديد قصة المذكرة المؤرخة في 19 من فبراير سنة 1952 الخاصة بندب ضابطين وثلاثة من المخبرين قبيل مقتل عبد القادر طه، مع أن دليل الاتهام الرئيسى في قضية عبد القادر طه مكان مستمدا من هذه المذكرة، وأطرحته المحكمة التى نظرت تلك القضية وكان ردها على هذا الدليل هو دعامة البراءة، وإذن فما كان يجوز للمحكمة أن تتخذ من هذه المذكرة التى هى جزء من حكم البراءة الذى اكتسب قوة الشئ المقضى دليلا على الإدانة، هذا فضلا عن وجود التناقض في الحكم إذا أنه مع تقريره بصحة رواية محمد حسن السليمانى قضى ببراءة أربعة من المتهمين الخمسة الذين سلف ذكرهم من تهمة قتل الشيخ حسن البنا، كما قضى الحكم في قضية عبد القادر طه ببراءتهم جميعا ونعى الحكم على الطاعن تخبطه في تعليل سبب الندب، وترتب على ذلك أن الندب كان لغرض إجرامى، وذلك على الرغم من أن الحكم الآخر الذى قضى بالبراءة هو القول الفصل في واقعة الندب وتفسيرها وفى بيان ما إذا كان المقصود بها تدبير قتل عبد القادر طه، أم لا، هذا الى بطلان الحكم لاعتماده في الثبوت على التماثل بين القضيتين، إذ الدليل المستمد من التماثل بين ظروفها باطل قانونا لأنه لا تماثل بين قضية حكم فيها ببراءة المتهمين، وبين قضية أخرى يطلب فيها إدانتهم إلا أن يكون التماثل دليلا على البراءة في القضية الأخرى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه، أثبت أن قضية مقتل الضابط عبد القادر طه كانت مضمومة إلى قضية مقتل الشيخ حسن البنا، ومعروضة على بساط البحث خلافا لما يدعيه الطاعن في طعنه، ولما كانت القضيتان تختلفان في السبب والخصوم والموضوع، إذا لكل منهما ذاتية خاصة وظروف مستقلة عن الأخرى بزمانها ومكانها وبشخص المجنى عليه فيها مما تتحقق به المغايرة التى يمتنع معها التمسك بحجية الشئ المقضى، وكان الأصل في الأحكام ألا ترد هذه الحجية إلا على منطوقها ولا يمتد أثرها إلى الأسباب إلا لما كان مكملا للمنطوق ومرتبطا به ارتباطا وثيقا غير متجزئ بحيث لا يكون للمنطوق قوام إلا به، وكان يبين من الحكم الصادر في قضية مقتل عبد القادر طه المضمومة للقضية الحالية التى أمرت هذه المحكمة بضم مفرداتها تحقيقا لوجه الطعن أن محكمة الجنايات حين عرضت للمذكرة المحررة بخط الطاعن المؤرخة في 19 من فبراير سنة 1952، لم تقطع في أمر تفسيرها برأى جازم وإنما قالت في ذلك، أنه من المحتمل جدا إن لم يكن من الراجح أن يكون محمد وصفى لجأ إلى محمود عبد المجيد لترشيح الأشخاص الذين وردت أسماؤهم فيها لندبهم إلى وزارة الداخلية لتعزيز حرس الوزارات فتقدم هذا الأخر للوزارة بهذا الترشيح لاستصدار أمر الندب، وكانت المحكمة المطعون في حكمها قد أولت الغرض من هذا الندب تأويلا آخر بقولها "إن الذى تستخلصه المحكمة وتأخذ به من وقائع قضية عبد القادر طه وما أفضى به محمد حسن السليمانى في تحقيقاتها وتحقيقات القضية الحالية ومن المذكرة المؤرخة في 19 من فبراير سنة 1952 سالفة الذكر المحررة بخط الأميرالاى محمود عبد المجيد هو أن الضابط والعساكر الذين عاونوا في قتل حسن البنا الذين أشار إليهم محمد وصفى في حديثه مع محمد حسن وأحمد كامل وإن كان لم يصرح بأسمائهم ليسوا سوى الأميرالاى محمود عبد المجيد ومن استحضرهم من الصعيد للاستعانة ببعضهم في الظروف التى سلفت الاشارة إليها، وقد ثبت بالأدلة القاطعة أنه استعمل أحدهم على الأقل هو أحمد حسين جاد في قتل الشيخ البنا كما ثبت أن أحمد حسين كان معه آخر قد يكون أحد زميليه المتهمين الخامس والسادس، وإن كانت لم تقم الأدلة المقنعة على ذلك ولم يكشف التحقيق عن حقيقة القاتل الثانى، وترى المحكمة أن مجرد التعبير بلفظ يدل على الاستقبال كثيرا ما يأتى عرضا في الحديث للأفادة عن عمل كان ينتويه الشخص ثم أتمه وقد ثبت باعتراف محمود عبد المجيد نفسه في التحقيقات أنه انما حرر مذكرة 19 من فبراير سنة 1952 بناء على طلب محمد وصفى كما لم يثبت أن عساكر أو مخبرين آخرين انتدبهم وصفى قبل أو بعد هذا الوقت حتى مقتل عبد القادر طه بخلاف هؤلاء الذين تضمنتهم مذكرة محمود عبد المجيد، كما ثبت فيما تقدم مدى العلاقة القوية والصداقة التى كانت تربط هذا الضابط بزميله محمد وصفى، والمحكمة إذ تأخذ في حكمها بهذه النتيجة انما تبنيها علي الوقائع التي تثبت لديها ودون أن تتعرض بخير أو شر للحكم الذى أصدرته محكمة الجنايات في قضية عبد القادر طه والذى له حجية في خصوصية تلك القضية". لما كان ذلك وكان التأويل الذى أوّل به الحكم الصادر في قضية عبد القادر طه الغرض المقصود من الندب بأنه من المحتمل أن يكون لغرض برئ ليس في واقعه إلا استنتاجا استنبطته المحكمة من الظروف والملابسات التى أحاطت به في تلك الدعوى، وهذا الاستنتاج ليست له حجية الشئ المحكوم فيه في الدعوى الحالية فلا يمنع المحكمة المطعون في حكمها من أن تخالفه وأن تستنتج من واقعة الندب وظروفها وزمانها ومن التحقيقات التى أجريت بشأنها ومن تماثلها لواقعة الندب الأخرى التى ثبتت في القضية المطروحة أمامها من حيث ظروفها والأشخاص المنتدبين وطريقة ندبهم أن الندب في هذه القضية الأخير لم يكن إلا لتنفيذ غرض جنائي، متى كانت ظروف ووقائع الدعوى المطوحة عليها تؤيد ذلك كما قرر الحكم، لما كان ما تقدم فإن المحكمة حين اتخذت من تماثل واقعة ندب أحمد حسين جاد في قضية عبد القادر طه لواقعة ندبه في القضية موضوع الطعن قرينة على توافر الغرض الجنائى من الندب فإن ذلك من حقها ولا تكون قد خالفت القانون في شئ.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو أن الحكم المطعون فيه إذا اعتمد في الثبوت على حكم محكمة الثورة ضد الأستاذ ابراهيم عبد الهادى قد خالف القانون، إذ يفهم منه أن محكمة الجنايات جعلت في اعتبارها أن حكم محكمة الثورة حجة على أن الجريمة وقعت باشتراك الحكومة وبواسطة أعوانها أي موظفيها، ومعنى هذا أن احتمال وقوع الجريمة من غير موظفين ولغير حساب الحكومة وبغير اشتراكها كان احتمالا ممتنعا على محكمة الجنايات أن تواجهه لمخالفته لحكم محكمة الثورة، هذا القيد الذى قيدت به محكمة الجنايات نفسها بتصورها خطأ أن حكم محكمة الثورة قد أثبت وقوع الجريمة من موظفين لحساب الحكومة وباشتراكها قد أثر حتما في عقيدة المحكمة، هذا إلى أن حكم محكمة الثورة لا يقيد قانونا محكمة الجنايات بأى حال، لأن من شرائط حجية الشئ المقضى به توافر وحدة الخصوم ووحدة السبب في الدعويين ولأن محكمة الثورة لا تخضع لضوابط هذه الحجية، ولأن الادعاء الذى وجه إلى الأستاذ ابراهيم عبد الهادى هو ادعاء سياسى إداري بعيد عن الناحية الجنائية التى يحكمها قانون العقوبات، ولأن محكمة الثورة لم تسمع قضية مقتل الشيخ حسن البنا يضاف إلى ذلك أنه ما كان يجوز لمحكمة الجنايات أن تحيل على حكم محكمة الثورة في اثبات الدعوى قبل الطاعن وهو حكم غير مسبب.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه حين أشار إلى الحكم الصادر من محكمة الثورة قال "أصدرت محكمة الثورة في القضية رقم 1 محكمة الثورة سنة 1953 المقامة ضد الاستاذ ابراهيم عبد الهادى رئيس الوزارة الأسبق حكما بتاريخ أول أكتوبر سنة 1953 قضت فيه بإدانته بالنسبة لجميع الادعاءات المقامة عليه وبمعاقبته عنها بإعدامه شنقا ومصادرة كل ما زاد من أمواله وممتلكاته عما ورثه شرعا لصالح الشعب، وصدق مجلس قيادة الثورة على هذا الحكم بتاريخ 4 من أكتوبر سنة 1953 مع تخفيفه بالنسبة لعقوبة الاعدام وإبدال السحن المؤبد بها، وكان من ضمن الادعاءات الست التى وجهت إليه الادعاءان الثالث والرابع ويتضمن أولهما انه أتى أفعالا من شأنها إفساد أداة الحكم وذلك أنه في خلال الفترة بين 28 من ديسمبر سنة 1948 و25 يوليه سنة 1949 بوصفه رئيسا للوزارة ووزيرا للداخلية أشاع حكم الارهاب بأن اعتدى على الحريات العامة وتزعم حملة اعتقالات واسعة النطاق للتنكيل بالمواطنين بأن أمر أعوانه بتعذيب طائفة كبيرة منهم وأشرف بنفسه على تنفيذ أوامره وكلها اجراءات لم يكن يقتضيها أمن أو سلامه اللهم إلا دافع الانتقام والتشفى مخالفا بذلك أحكام الدستور الذى كان قائما وقتئذ، ويتضمن الادعاء الثانى أنه أتى أفعالا من شأنها افساد أداة الحكم وذلك أنه في خلال عام 1949 هيأ لأعوانه الأسباب التى يسرت لهم قتل المرحوم الشيخ حسن البنا وعمل على تضليل التحقيق بقصد إفلات الجناة من العقاب". واستطرد الحكم يقول: "إنه مما لا شك فيه أن حكم محكمة الثورة لا يمتد أثره إلي المتهمين الحاليين بداءة ولا يصح أن يتخذ دليلا على أنهم هم الذين ارتكبوا الحادث لأن حجيته قاصرة على ما جاء به وعلى شخص المتهم فيه إلا أنه متى ثبت لهذه المحكمة أن بعض المتهمين في هذه القضية هم الذين قتلوا واشتركوا في قتل المرحوم الأستاذ حسن البنا فإن الرابطة تقوم من تلك اللحظة بين ما تقضى به هذه المحكمة وبين ما قضت به محكمة الثورة من اعتبار الأستاذ ابراهيم عبد الهادى مسئولا عن تهيئة الأسباب التى يسرت لهم القتل إذ أنه بهذا الحكم تكون قد تحددت شخصية هؤلاء الذين قصدتهم محكمة الثورة في حكمها وترى المحكمة أن حكم محكمة الثورة إذا أثبت على رئيس الحكومة أنه هيا لأعوانه الأسباب التى يسرت لهم قتل المرحوم الشيخ حسن البنا، فإن هذا الحكم يعد دليلا بذاته في خصوصية الحجية المستفادة منه على مسئولية الحكومة عن هذه الجريمة معززا للأدلة التى سبق أن أوردتها المحكمة في هذا الصدد تأييدا لهذه المسئولية وأن الجريمة تمت لحسابها ولحساب الملك السابق معا".
وحيث أنه يبين في جلاء من هذا الذى أورده الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تتخذ من حكم محكمة الثورة دليلا أو قرينة على الطاعن وإنما جعلت من إدانته في القضية الحالية استنادا إلى أدلة الثبوت التى ساقتها، ومن إدانة الأستاذ ابراهيم عبد الهادى في الادعاء الرابع الذى وجه إليه حقيقة تكشف الستار عن شخصية بعض من عنتهم محكمة الثورة بأن الأستاذ ابراهيم عبد الهادى هيأ لهم الأسباب التى يسرت لهم ارتكاب جناية القتل ثم حصلت من هذه الحقيقة دليلا آخر يساند الأدلة التى أوردتها في صدد إثبات مسئولية الحكومة عن هذه الجريمة، وليس في ذلك ما يفيد من قريب أو بعيد أن محكمة الجنايات عند تقدير الأدلة القائمة قبل الطاعن قد قيدت نفسها بحكم محكمة الثورة أو أنها جعلت لهذا الحكم حجية قانونية ضده، ولكنها قصرت هذه الحجية على مسئولية الحكومة التى لا شأن للطاعن في التحدث عنها، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون له أساس من الواقع أو القانون.
وحيث إن حاصل الوجه الرابع هو بطلان الحكم لاعتماده على اعتراف المتهم محمد محفوظ محمد الذى عدل عنه والذى صدر منه في ظل الرهبة ولقصوره وتناقضه ومخالفته للثابت في الأوراق، ذلك بأن اعترافات محمد محفوظ كانت وليدة الرعب الملازم للظروف التى صاحبت اعتقاله في السجن الحربى والتى كانت تشعره هو وبقية المتهمين بأن مصيرهم صار في يد الإخوان، وكانت هذه الاعترافات أيضا وليدة التهديد والضرب والتعذيب في السجن، وقد أثار الدفاع عن الطاعن ذلك أمام محكمة الجنايات ولكنها ردت عليه ردا قاصرا يدل على أنها لم تفطن إلى حقيقته يضاف إلى ذلك أن الحكم قد خالف القانون وأخل بحقوق الدفاع حين استند في الرد على عدول محمد محفوظ إلى ما قاله المدافع عنه بالجلسة الأستاذ عبد الفتاح لطفى بعد تنحيته عن الدفاع، لأن ما قاله في شأن العدول لم يصدر منه إلا بعد زوال صفته كمحام عن الطاعن لا يملك التحدث عنه، ولا تملك المحكمة أن تعول على قوله في اطراح العدول عن الاعتراف، هذا فضلا عن أن العبارة التى وردت على لسان المحامى المذكور نقلا عن الطاعن تعتبر من أسرار المهنة فلا يجوز له إفشاؤها وقد أغفل الحكم إلى جانب ذلك اغلب الاعترافات التى صدرت من محمد محفوظ وأخذ بشطر منها وهو الخاص بإقدامه على نقل المتهم الأول وآخر عقب ارتكاب الحادث بسيارة الطاعن رقم 9979 من منطقة الجريمة إلى فندق إيدن حيث كان الطاعن في انتظارهم، وهذا الشطر لا أصل له في اعترافات محمد محفوظ الذى لم يقل قط إنه نقل أحدا من المتهمين إلى ذلك الفندق، وكذلك ذكر الحكم أن الاعترافات التى أخذت بها المحكمة تأيدت بشهادة محمد حرك ومحمد ندا وعبد الله فواز والبكباشى طه زغلول مع أن شهادتهم لا تؤيد الاعتراف بل تكذبه، هذا إلى أن الحكم قد شابه التناقض حين أخذ بأقوال محمد حرك وطه زغلول على علاتها وهى تؤدى إلى إدانة جميع المتهمين بينما دان الحكم ثلاثة منهم فقط وبرا الباقين وهذه التبرئة تفيد تكذيب الحكم لتلك الأقوال نفسها.
وحيث إن الحكم عرض لما يثيره الطاعن في هذا الوجه فقال: "إنه فيما يختص بما ذكره الدفاع من أن اعترافات محفوظ لا يصح الأخذ بها لما تضمنته من أقوال متناقضة أو لا تتفق مع الواقع والعقل وأنه أبداها تحت تأثير الخوف وعوامل الإكراه في وقت كان فيه حبيس السجن الحربى ويستدل الدفاع على ذلك بما قدمه من الأمثلة المختلفة على أن محفوظ كان يضيف في كل مرة من المرات التى سئل فيها رواية جديدة، وأن ذلك لابد أن يكون نتيجة تلفيق وإلهام من الغير، فإنه عن الروايات المختلفة التى ضمنها المتهم اعترافه، فإن من مهمة المحكمة أن تستخلص منها الثابت الصحيح فتأخذ به، وما يحوطه الشك فتطرحه جانبا، وهذا هو الذى فعلته المحكمة فيما تعرضت له في بحثها السابق وأما القول إن محفوظ كان متأثرا بعوامل الإكراه لوجوده بالسحن الحربى فإن شأنه في ذلك شأن جميع المتهمين، ولم يعترف منهم أحد إلا هو والمتهم الجزار، ولم يثبت أن إكراها أو تعذيبا وقع على أيهم بل على العكس دل الكشف الطبى الذى توقع على محفوظ أنه غير صادق فيما ادعاه من التعذيب، وأنه ليس به أى أثر يدل على شئ من ذلك، ويكفى لنفى كل شبهة في هذا الصدد أن اعترافات محفوظ لم تقتصر على ما أبداه منها أمام نائب الأحكام بل أنها تعدت ذلك إلى الإدلاء بها أمام النيابة ثم أمام حضرة المستشار المنتدب للتحقيق … كما أنه مما يدل على كذبه فيما ادعاه من وقوع التعذيب عليه أنه تناقض في شأنه فنسبه أولا إلى ضابط من ضباط الجيش برتبة اليوزباشى واثنين من الجنود عقب اعتقاله ثم لم يلبث أن عزاه إلى طه زغلول، ولقد ذهب محفوظ في عدوله عن اعترافه بعد ذلك إلى القول إن الضابط طه زغلول هو الذى حرضه عليه.. وحيث إن عدول محفوظ عن اعترافاته أخيرا وأمام المحكمة لا قيمة له بعد أن ثبتت صحة ما أخذت به منها الأدلة الأخرى المقنعة والمؤيدة لها، وقد تبين للمحكمة من أقوال حضرة الأستاذ عبد الفتاح لطفى المحامى المنتدب من غرفة الاتهام للدفاع عنه والذى نحاه المتهم عن الدفاع عنه بالجلسات الأخيرة إن هذا المتهم تعرض في السجن لحملة من زملائه المتهمين مما قد يفهم منه أن عدوله عن الاعتراف كان نتيجة تخوفه منهم "ولما كان يبين من مراجعة الأوراق أن الاعتراف الذى عزاه الحكم إلى محمد محفوظ له سنده من تحقيقات النيابة العامة والتحقيقات التى أجراها المستشار المنتدب للتحقيق، وكان من المقرر أن الاعتراف كدليل في المسائل الجنائية من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها التدليلية في الإثبات فلها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحقق لها أن الاعتراف سليم لا شائبة فيه واطمأنت إلى صدقه كان لها أن تأخذ به وتعول عليه، ولما كانت المحكمة قد بحثت الاعتراف الصادر عن محمد محفوظ ومحصته ووقفت على جميع الظروف والملابسات التى أحاطت به ثم خلصت من ذلك إلى تصديقه والتعويل عليه وضمنت حكمها الرد على عدوله عن هذا الاعتراف وعلى ما ادعاه من أنه أكره عليه وفندت ذلك بأدلة سائغة مقبولة تؤدى عقلا إلى النتيجة التى انتهت إليها، لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشاهد في حق بعض المتهمين، وتعرض عما لا تطمئن إليه منها في حق البعض الآخر دون أن يعد هذا منها تناقضا يعيب حكمها ما دام تقدير قوة الدليل موكولا إليها وحدها، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن العبارات التى جرى بها الحكم نقلا عن الأستاذ عبد الفتاح لطفى المحامى المنتدب للدفاع عن المتهم محمد محفوظ قد صدرت عنه بعد تنحيته بجلسة 12 من يونيه سنة 1954، أو أنه استقاها من المتهم المذكور بحكم مهنته، فان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من التناقض والخطأ في الاسناد والقصور لا يكون له أساس.
وحيث أن مبنى الوجه الخامس هو بطلان الحكم لتناقضه ومخالفته للثابت في الأوراق فيما يتعلق بالدليل المستفاد من نقل أو ندب الضابطين والمخبرين الثلاثة، ذلك بأن الحكم قرر أن المتهم الأول أحمد حسين جاد الذى حكم بإدانته ندب في 2 من يناير سنة 1949، وندب المخبران الآخران، اللذان حكم ببراءتهما في 21 من يناير من السنة المذكورة، وكان غرض الطاعن من ندبهم أن يختار من بينهم من يباشر جريمة قتل الشيخ حسن البنا، فاذا كان الحكم قد انتهى الى أن القاتل هو المتهم الأول وإلى أن المخبرين الآخرين بريئان، فانه يكون من التناقض ومجافاة المنطق أن يقول الحكم إن الطاعن ندب هذين الآخرين في 21 من يناير ليختار منهما من يقارف القتل مع أن القاتل حاضر تحت تصرفه منذ 2من يناير، وكذلك استدل الحكم على أن الندب كان لغرض إجرامى لسرعة عودة المخبرين محمد سعيد وحسين محمدين عقب وقوع الجريمة إلى جرجا، وفاته أن هذين المخبرين قد حكم ببراءتهما، وأن المخبر الذى دانه بالقتل - وهو الطاعن الأول - هو أول من ندب وآخر من عاد إذا لم يعد إلا في آخر فبراير سنة 1949 أما مخالفته الثابت في الأوراق فآيته أن الحكم ذكر أن الطريقة التى تم بها الندب روعى فيها أن تتم في الخفاء ولا يكون لها اثر ظاهر في الأوراق الرسمية، هذا مع أن الندب ثابت في دفاتر مديرية جرجا وفى استمارات السفر وبدل السفر وفى دفاتر وزارة الداخلية المتعلقة بذلك، فضلا عن أن الندب كان معلوما لموظفى الوزارة من تردد المخبرين على الوزارة خلال مدة ندبهم، كما قال الحكم إن النية كانت متجهة إلى عدم إثبات وجودهم لعدم ذكر أسمائهم في الدفتر المخصص لإثبات حضور المخبرين الملحقين بادارة المباحث الجنائية واستدل الحكم على ذلك بأقوال الصول محمد البهى من أنه كان موضع اللوم عندما أثبت اسم الطاعن الأول في يوم 22 من يناير سنة 1949، وأنه امتنع عن إثبات اسمى المخبرين الآخرين، بينما الثابت من الاطلاع على هذا الدفتر - كما قرر الحكم نفسه - أن هذين المخبرين مقيدان في الدفتر في نفس اليوم بخط آخر غير خط الصول، وأن المخبرين الثلاثة مقيدة أسماؤهم في الدفتر في الأيام التالية. وذهب الحكم أيضا إلى أن الندب لم يكن لمصلحة عامة تقتضيه، ودلل على ذلك بعجز المخبرين وعجز الطاعن عن تعليل سبب ندبهم تعليلا صحيحا مقبولا، وما نعاه الحكم من ذلك يخالف الثابت في الأوراق إذا الثابت من أقوال البكباشى حسين كامل في التحقيق أن المخبرين ساهموا في أعمال كثيرة تتصل بالأمن العام، وقد طلب الدفاع من المحكمة أن تستيقن من صحة ذلك بالرجوع إلى القضايا والأوراق الرسمية الخاصة بها ولكن المحكمة لم تستجب لهذا الطلب ولم ترد عليه، وقطعت بعجزهم عن الإثبات. هذا إلى أن للطاعن قولا واحد في تعليل ندب المخبرين أيده فيه الأستاذ عبد الرحمن عمار في التحقيق ويلوح أن الحكم خلط بين ندب المخبرين في يناير سنة 1949 وبين من ندبوا بمذكرة فبراير سنة 1952 فتوهم أن الخلاف الذى ثار حول أسباب تحرير هذه المذكرة قد حصر أيضاً بالنسبة لواقعة ندب سنة 1949.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يثيره الطاعن في هذا الوجه وأورد الأدلة السائغة التى استخلصت المحكمة منها في حدود سلطتها التقديرية - أن ندب المخبرين الثلاثة من مديرية جرجا إلى إدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية لم يكن الغرض منه تحقيق مصلحة عامة أو خاصة يقتضيها الأمن ولكن ليتسنى للطاعن أن يختار منهم في الوقت المناسب من يتولى تنفيذ الجريمة ومن هذه الأدلة التى أوردتها الطريقة التى تم بها ندبهم فقد روعى فيها أن يتم الندب في الخفاء فلا يكون له أثر ظاهر في الأوراق الرسمية إذ لم تدر بشأنه أية مكاتبات بين الوزارة ومديرية جرجا، وإنما اقتصر الأمر على أن وجه الطاعن إلى المديرية في 2 من يناير سنة 1949 إشارة تليفونية بتوقيع وكيل الوزارة تقضى بنقل المتهم الأول أحمد حسين جاد نقلا مؤقتا للوزارة على أن يقوم بتنفيذ أمر النقل فورا، فتم ذلك في ذات اليوم ولم يكن قد مضى على مقتل رئيس الحكومة الأسبق محمود فهمى النقراشى سوى أربعة أيام ثم أعقب ذلك ندب المخبرين الآخرين محمد سيد اسماعيل وحسين محمدين رضوان للوزارة عن طريق محادثة تليفونية تمت بين الطاعن محمود عبد المجيد ومدير جرجا طلب فيها قيامهما فورا وتقديم نفسيهما إلى الطاعن فقدما بالأمر وحضرا إلى الوزارة على جناح السرعة في يوم 21 من يناير سنة 1949 وما أن أتم الطاعن تدبير الجريمة ووقع اختياره نهائيا على من يتولى من رجاله تنفيذها حتى اغتيل مرشد الاخوان المسلمين في 12 من فبراير سنة 1949، وثبت من كتاب مدير الأمن العام المؤرخ في 27 من فبراير سنة 1950 أنه لم يستدل على سابقة انتداب أحد من المخبرين التابعيين للمديريات للعمل بإدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية خلاف هؤلاء المخبرين الثلاثة، ومن بين الأدلة التى أوردتها المحكمة في هذا الخصوص أيضا ما شهد به الصول محمد البهى من أنه أراد في يوم 22 من يناير سنة 1949 إثبات حضور المخبرين الثلاثة في الدفتر المخصص لذلك عندما رآهم يجلسون بغير عمل بإدارة المباحث الجنائية، وما أن أثبت اسم المتهم الأول حتى حضر إليه البكباشى حسين كامل ونقل إليه أمر الطاعن بعدم إثبات حضورهم في الدفتر لأنهم منتدبون لمهمة سرية خاصة، ومن هذه الأدلة أيضا عجز الطاعن والمخبرين الثلاثة عن تعليل أسباب ندبهم تعليلا صحيحا يقبله العقل واضطراب أقوالهم في هذا الشأن اضطرابا ظاهرا، وبعد أن ساقت المحكمة الأدلة والقرائن التى أثبتت بها على الطاعن أن ندب المخبرين كان لغرض إجرامى انتهت من ذلك إلى القول "إنه بالرغم من أن هذا الدليل يعلق عليه الاتهام أهمية كبيرة لأنه يقطع بتدبير محمود عبد المجيد للجريمة ويكاد يمسك بخناق الضابطين والمخبرين الثلاثة جميعا نظرا لوحدة الظروف التى نقلوا أو ندبوا فيها وما صاحب ذلك من الشبه التى وجهت إليهم في مواضع كثيرة من التحقيق، إلا أن المحكمة لا تأخذ منه إلا بالقدر المتيقن باعتباره دليلا على تدبير الجريمة ومؤيدا للأدلة الأخرى المثبتة للتهمة على من ثبت مفارقتهم لها واشتراكهم في ارتكابها دون غيرهم، أما من لم تقم الأدلة المقنعة عليهم فإن هذا الدليل وحده لا تراه المحكمة كافيا بالنسبة لهم لاحتمال أن الأميرالاى محمود عبد المجيد لم يكن قد أفضى بسر الجريمة إليهم جميعا ورأى قصر هذا السر على من رأي في نهاية الأمر أن يستخدمه بالفعل منهم". ولما كان ما أورده الحكم من ذلك من شانه أن يؤدى في العقل والمنطق إلى ما أستخلصه من أن الدافع على الندب هو غرض إجرامى بحت، وكان إثبات الندب في دفاتر مديرية جرجا وفى استمارات السفر وبدل السفر على فرض صحته فوق أنه لا يتعارض مع ما استظهرته المحكمة من أن الطاعن كان حريصا على أن يتم الندب في الخفاء فان هذا الإثبات قد تم على غير إرادته وبدون علمه كما يستفاد ذلك من الحكم.
لما كان ما تقدم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه ليس في حقيقته إلا جدلا واردا على موضوع الدعوى وأدلة الإثبات فيها مما لا شان لمحكمة النقض به.
وحيث إن حاصل الوجه السادس هو بطلان الحكم وفساد تسبيبه فيما يتعلق بالدليل المستمد من رقم السيارة، وفى ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام محكمة الموضوع بأن الذى كان يقود السيارة - بفرض وجود سيارة في محل الحادث هو شخص آخر غير محفوظ ولم تكن السيارة التى استخدمت في ارتكاب الجريمة هى سيارة الطاعن، وانما أسند إليها رقم سياراته إما خطأ عند التقاط الرقم وإما أن يكون الجناة قد انتحلوا هذا الرقم لسيارتهم للتضليل، واستدل الدفاع على ذلك بأن الليثى شهد بأن قائد سيارة الجناة كان يرتدى الملابس البلدية. بينما أجمعت عناصر التحقيق التى اعتمدها الحكم على أن محمد محفوظ كان يرتدى ساعة الحادث ملابسه الرسمية وقد أغفل الحكم هذا الدفاع الجوهرى اغفالا تاما ولم يرد عليه، كذلك أثار الدفاع أن مكان اختباء الجناة ومكان انتظار السيارة التى أعدت للفرار بهم غير معقول، وكان من المعقول أن يختبئوا في دورة المياه القريبة من مبنى جمعية الشبان وأن الطاعن لو كان فكر في ارتكاب الجريمة مدفوعا من عبد الرحمن عمار المشهود له بالذكاء، فما كان من المعقول أن يقعا في هذا الخطأ الفاحش باستعمال سيارة حكومية مخصصة لأولهما، وكان من السهل عليهما استعمال أية سيارة مجهولة أو لا تحمل رقما يدل عليها أو عملا على طمس رقمها وقد رد الحكم على هذا الدفاع ردا ينطوى على التناقض والمصادرة على المطلوب، ونسب الحكم إلى الطاعن أنه فاز لقاء قتل المجنى عليه بمكافأة كبيرة بعضها ستمائة جنيه قرر مجلس البوليس الأعلى صرفها له عقب الحادث، وبعضها ورد على ألسنة الشهود، أنه دفع إليه من المصاريف السرية، وهذا القول لا أثر له في الأوراق، ويخالف الثابت فيها إذا الثابت أن المكافأة التى صرفت له طلبها مدير الأمن العام لقاء جهوده في صيانة الأمن بمديرية جرجا، أما المصاريف السرية فقد ثبت أنه لم يصرف له منها إلا أربعون جنيها كلف بدفعها في غرض رسمي بيغه لمحكمة الموضوع هذا إلى أن الحكم لم يشر إلى ما جاء في حكم البراءة الصادر في قضية عبد القادر طه نم نفى الادعاء بأن الطاعن رقى إلى وظيفة مدير بتاريخ 3 ابريل سنة 1952 مكافأة له على اشتراكه في قتل المجنى عليه، كما سبق أن كوفئ بالترقية عقب مقتل الشيخ حسن البنا، وقال بأنه ثبت أنه رقى مع غيره ممكن كان هو أسبق عليهم في التخرج.
وحيث إن ما يثيره الطاعن فيما تقدم مردود بأنه جدل موضوعى في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع دون معقب، ولما كانت المحكمة قد بينت واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر المكونة لجريمة الاشتراك في القتل وأوردت على ثبوتها في حق الطاعن أدلة صالحة لأن تؤدى إلى إدانته بها فهى بعد غير ملزمة بمتابعته في مناحى دفاعه الموضوعى ومختلف حججه، وان ترد استقلالا على كل قول يبديه أو حجة يثيرها، إذ الرد يستفاد دلالة من الحكم بإدانته استنادا إلى أدلة الثبوت التى أوردها، وكان الحكم قد عرض لما يثيره الطاعن في شأن المكافأة والمصاريف السرية ورد عليه بقوله أنه "طلب عقب مقتل الشيخ البنا منح الأميرالاى محمود عبد المجيد مكافأة تقديرا لأعماله في مقاومة الإجرام والمجرمين بمديرية جرجا مع أنه كانت قد مضت مدة طويلة على هذه الأعمال وكان قد نقل إلى الوزارة في أغسطس سنة 1948 فلم يفكر أحد في منحه هذه المكافأة إلا في سنة 1949، وبعد أن اغتيل الأستاذ البنا. وبالرغم من أن مدير الأمن العام اقترح أن تكون مكافأته 300 جنيه فإن هذه المكافأة قد رفعت بموافقة مجلس البوليس إلى 600 جنيه وهو أمر غريب يستلفت النظر ويدعو إلى الاعتقاد بأن هذه المكافأة لم تأت إلا نتيجة لرضاء كبار الرؤساء عليه بمناسبة نجاحه في القضاء على الأستاذ البنا - ولقد تبين من الاطلاع على كشوف المصاريف السرية في ذلك العهد أنها كانت تبعثر بغير رقيب ولا حسيب. ولا يثبت في الغالب شئ في الدفاتر عمن تصرف إليه هذه المبالغ الكبيرة الباهظة الأمر الذى يجعل ما شهد به الشهود عن علمهم بأن الأميرالاى محمود عبد المجيد ومعاونيه في إرتكاب هذا الحادث قد أصابهم نصيب من هذه المصاريف السرية بمناسبته معقولا ومحتمل التصديق، وقد اعترف الأميرالاى محمود عبد المجيد بأنه قبض فعلا مبلغ 40 جنيها من هذه المصاريف، وإن كان قد ذكر أن هذا المبلغ لظروف أخرى لا صلة لها بالحادث" ولما كان هذا الذى استخلصه الحكم مما أورده هو استخلاص سائغ لا عيب فيه، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون له أساس.
عن طعن الطاعن الرابع "البكباشى محمد محمد الجزار"
التقرير الأول المؤرخ في 18 من أغسطس سنة 1954
حيث إن مبنى الطعن هو انقضاء الدعوى العمومية بالتقادم وانتفاء القصد الجنائي، ذلك بأن جريمة إعانة الجانى على الفرار من وجه القضاء التى نسبت إلى الطاعن وقعت في 12 من فبراير سنة 1949 وتم التحقيق فيها بسؤال الأستاذ عبد الرحمن عمار في 13 من مارس سنة 1949 ثم أعيد التحقيق في 20 من أغسطس سنة سنة 1952 ولما كانت المدة الواقعة بين هذين التاريخين تزيد على ثلاث سنوات فإن الدعوى الجنائية تكون قد أنقضت قانونا بمضى المدة، وقد رد الحكم على هذا الدفع بأن المدة قد انقطعت بالتحقيق الذى أجرته النيابة في 28 نوفمبر سنة 1949 وهو رد خاطئ إذ التحقيق القاطع للتقادم هو الذى يهدف إلى الوصول إلى أدلة الجريمة ومعرفة فاعلها، الأمر الذى لم يتوفر في التحقيق المذكور الذى أقيم على بلاغ قدمه الشاهد محمد الليثى في 17 من نوفمبر سنة 1949 قال فيه إن هناك معومات واتهامات موجهة لأشخاص جدد، وطلب لذلك تحقيق وقائع جديدة غير السابق تحقيقها دون أن يذكر اسم الطاعن وما قاله الحكم من أن التحقيق في جريمة القتل يقطع التقادم بالنسبة لواقعة إعانة الجانى المرتبطة بها لا سند له من القانون، على أن جريمة إعانة الجانى على الفرار من وجه القضاء لا ترتبط بجناية القتل ارتباطا غير متجزئ بالمعنى المقصود في المادة 32 من قانون العقوبات. يضاف إلى ذلك أن الركن المعنوى لجريمة الإعانة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات، وهو قصد إعانة الجانى على الفرار مع علمه على وجه اليقين بارتكابه جناية أو جنحة، هذا الركن غير متوفر في واقعة الدعوى لأنه ليس في أوراق التحقيق ما يفيد قيام هذا العلم في ذهن الطاعن على وجه قطعى، إذا أن بيان رقم السيارة الذى تلقاه الشاهد محمد الليثى نقلا عن الفتى الأسمر المجهول كان في ظروف تبعث على الشك في تصديق الخبر واتخاذه دليلا على أن السيارة المستعملة في الحادث هى سيارة رئيسه محمود عبد المجيد، كذلك تصورا اشتراك هذا الأخير في ارتكاب جناية القتل على الوجه وفى الظروف التى وقعت فيها من حيث الزمان والمكان أمر مستبعد بالنسبة إلى الطاعن، هذا فضلا عن أن رواية الليثى نفسه وهو مرشد للبوليس - عن كيفية تلقى رقم السيارة أمر مشكوك فيه أيضا. أما ما قاله الحكم من أنه يكفى أن يكون الطاعن قد ساوره الاعتقاد بصحة الرقم الذى أبلغه به الليثى ليكون القصد الجنائى متوفرا فغير صحيح في القانون إذ يلزم لذلك أن يثبت علم الطاعن بأن محمود عبد المجيد هو القاتل.
وحيث إن الحكم المطعون فيه تناول الرد على ما دفع به الطاعن أمام محكمة الجنايات بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة فقال "إن هذا الذى ذهب إليه الدفاع في غير محله إذ أنه تبين من مراجعة الظروف التى تم فيها تحقيق النيابة في 28 من نوفمبر سنة 1949 والأقوال التى أبداها الشاهد محمد الليثى في ذلك التحقيق، أن التحقيق المذكور أجرى بناء على بلاغ تقدم من محمد الليثى إلى النائب العام في 17 من نوفمبر سنة 1949 يبلغه فيه نص خطابين وصلا إليه ويتضمنان معلومات عن قتلة الشيخ حسن البنا وقد وردت في أحد هذين الخطابين أسماء جميع المتهمين بما في ذلك المتهم محمد الجزار (الطاعن) الذى أشير إلى أن له علاقة بعصابة القتلة والسفاكين الذين اشتركوا في تلك الجريمة، وقد أشر رئيس النيابة في 21 من نوفمبر سنة 1949 بطلب مقدم البلاغ محمد الليثى والأشخاص الوارد ذكرهم في الخطابين المرافقين لبلاغه الذين لم يسبق سؤالهم ولما حضر الشاهد محمد الليثى أمام النيابة وسألته في 28 من نوفمبر سنة 1949 قدم لها أصل الخطابين اللذين وصلا إليه وشرح لها الظروف التى أرسلا إليه فيها وسبب إرسالهما وأبدى معلومات أخرى تتعلق بحادث مقتل الشيخ البنا، ثم ذكر في نهاية أقواله أنه يطلب مواجهته بالصاغ محمد الجزار في شأن المعلومات التى ذكرها عنه في تحقيقات النيابة السابقة وسؤال هؤلاء الأشخاص الذين استشهد بهم في تلك التحقيقات على واقعة اتصال ذلك المتهم به تليفونيا يوم الحادث وعلى الأخص مساعد الحكمدار مصطفى حلمى واليوزباشى محمود زهدى اللذين أوصلاه إلى ذلك المتهم ممن لم يسألوا من قبل في التحقيق وقد سألت النيابة بعد ذلك بعض المتهمين والأشخاص الواردة أسماؤهم في الخطابين المرسلين لمحمد الليثى والعرائض المقدمة للنائب العام غير أنها أغلقت سؤال المتهم محمد الجزار كما لم تعن بسؤال الشهود الذين استشهد بهم الليثى عن واقعة اتصال ذلك المتهم به.
وحيث إنه ظاهر مما تقدم أن التحقيق الذى أجرى في 28 من نوفمبر سنة 1949 كان بشأن الخطابين المقدمين من الشاهد محمد الليثى وقد ذكر في أحدهما ما يفيد أن المتهم محمد الجزار علاقته بعصابة القتلة والسفاكين الذين اشتركوا في حادث مقتل الشيخ حسن البنا، وقد أشر رئيس النيابة بطلب مقدم البلاغ والأشخاص الوارد ذكرهم في الخطابين المرافقين له الذين لم يسبق سؤالهم ثم بدأ التحقيق بسؤال الشاهد محمد الليثى فأدلى في شهادته بأقوال تتضمن أمورا تتعلق بالتهمة التى كان قد نسبها من قبل لمحمد الجزار، وهى تحريضه إياه على التضليل وإرغامه له على معاونة الجناة على الفرار من وجه القضاء حيث طلب سؤال الشهود الذين استشهد بهم على صحة تلك التهمة، كما طلب مواجهته بالمتهم المذكور فيما أسنده إليه من قبل وهو قاصر على تلك التهمة، ومن ثم يكون التحقيق الذى أجرى في 28 نوفمبر سنة 1949 - شاملا للتهمة المذكورة ومتعلقا بها، ولا يقبل القول بأن هذا التحقيق كان بمنأى عن تلك التهمة كما لا يصح القول بأن أقوال الليثى في التحقيق المذكور شأنها شأن البلاغ الذى يقدم من المجنى عليه للنيابة ولا تتخذ فيه أى إجراء فلا يقطع مدة التقادم فإن الأمر في دعوانا لم يقتصر على بلاغ الليثى ولا على الخطابين المقدمين منه بل تعدى ذلك إلى تحقيق ما جاء في ذلك البلاغ وهذين الخطابين مما شمل التهمة المسندة للمتهم محمد الجزار فيكون ذلك التحقيق قاطعا لمدة التقادم بالنسبة لتلك التهمة، إذ أن أى إجراء يحصل من السلطة المختصة من شأنه تحريك الدعوى العمومية وتنبيه الأذهان إلى الجريمة التى كان قد انقطع التحقيق فيها يعتبر قاطعا للتقادم بالنسبة لها حتى ولو كان هذا الإجراء خاصا ببعض المتهمين دون البعض الآخر ولا يؤثر في ذلك عدم سؤال المتهم محمد الجزار في ذلك المحضر لأنه ليس من الضروري أن يستجوب المتهم حتى تنقطع مدة التقادم في حقه.
واستطرد الحكم من ذلك إلى الرد على ما يثيره الطاعن في شأن عدم توفر الركن المعنوي لجريمة إعانة الجانى على الفرار من وجه القضاء فقال "إن الركن المعنوى في الجريمة المسندة للمتهم محمد الجزار متوافر أيضا فهو قد كان يعلم من غير شك عندما اتصل بالشاهد محمد الليثى أن جريمة قتل قد وقعت معاقبا عليها بالإعدام، كما أنه كان قد نمى إليه قبل ذلك أن نمرة السيارة التى فر بها الجناة والتقطها الشاب الأسمر هى 9979 وأن تلك النمرة هى نمرة السيارة المخصصة لاستعمال الاميرالاى محمود عبد المجيد الذى أتهم من أجل ذلك بالاشتراك في هذا الحادث، وعلم الجزار بهذا كله مستفاد من أقواله أمام السلطة العسكرية ومن بعض أقواله الأخرى المبينة بالتفصيل فيما تقدم ومن شهادة اللواء أحمد طلعت والقائمقام محمود طلعت والبكباشى توفيق السعيد التى تدل جميعها على أن نمرة السيارة التى استخدمت في الحادث الشخص الذى يستعملها كان قد عرف بالمحافظة قبل ذهاب المتهم محمد الجزار لدار جمعية الشبان المسلمين لمقابلة الليثى، وأنه إنما ذهب لتلك الجمعية ليثنى ذلك الشاهد عن ذكر النمرة التى علم بها بناء على تكليف من أحد الرؤساء الكبار خدمة لمحمود عبد المجيد رغم تحذير رؤسائه المباشرين له من الاتصال بذلك الشاهد خوفا من أن يتهم رجال القسم السياسى بأن لهم يدا في الحادث أو تنسب إليهم الرغبة في تضليل التحقيق خدمة للأميرالاى محمود عبد المجيد، ولكنه خالف أوامر أولئك الرؤساء وضرب بنصائحهم عرض الحائظ وانطق يسعى الى الليثى في جنح الليل ويستدعيه خارج مبنى الجمعية ويدعوه إلى الكف عن الشهادة أو على الأقل عدم ذكر النمرة التى علم بها أو تغييرها مستعينا في ذلك بالوعد تارة وبالوعيد تارة أخرى حتى انهارت مقاومة ذلك الشاهد فخضع لإرادته ونفذ ما طلبه منه من تجهيله تلك النمرة والتشكيك فيها مما كان من شأنه إبعاد التهمة عن المتهمين وتخليصهم من يد العدالة ثم لم يقنع بهذا بل دأب بعد ذلك في اليوم التالى - عندما علم بأن الشاهد المذكور أدلى بالنمرة الحقيقية أثناء المعاينة - على الالحاح عليه في تغيير تلك النمرة مستعملا في ذلك كل ضروب الإغراء والوعد والوعيد مما يقطع بسوء نيته ويدل على أنه لم يكن يساوره أي شك في صحة النمرة التى عرفها ذلك الشاهد وانها هى نمرة سيارة الأميرالاى محمود عبد المجيد التى استعملها في الحادث، إذ أنه لو لم يكن متحققا من ذلك لما اهتم بإخفاء تلك النمرة كل هذا الاهتمام متحديا في ذلك أوامر رؤسائه المباشرين ومعرضا نفسه للمسئولية بعمله على التأثير على الشهود وتضليل المحققين، فهو إذن عندما أوحى إلى الليثى بالنمرة غير الصحيحة وأرغمه على ذكرها في التحقيق كان يعلم بعدم صحتها وبأنها خلاف النمرة الحقيقية لسيارة الجناة وكان يقصد من ذلك إخفاء الدليل المستمد من هذه النمرة بتجهيلها والتشكيك فيها تضليلا للتحقيق وإبعادا للمتهمة عن الجناة ومساعدة لهم على الفرار من وجه القضاء وبهذا يتحقق الركن المعنوى للجريمة المنسوبة إليه".
وحيث إن ما قاله الحكم فيما تقدم وأسس عليه قضاءه سديد في الواقع وصحيح في القانون ويصح الاستناد إليه في رفض الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم وفى توفر الركن المعنوى للجريمة التى دين الطاعن بها، ذلك بأنه ما دام الحكم قد أثبت أن الشاهد محمد الليثى تقدم إلى النائب العام ببلاغ جديد أحال فيه إلى خطابين وصلا إليه يتضمن أحدهما فيما تضمنه أن الطاعن محمد الجزار له صلة بقتلة البنا فلما استدعت النيابة مقدم البلاغ وسألته قرر في التحقيق أقوال تتعلق بحادث مقتل البنا، كما طلب مواجهته بالطاعن في شأن ما نسبه إليه في التحقيقات السابقة من وقائع مكونة لجريمة إعانة الجانى على الفرار من وجه القضاء وسؤال من استشهد بهم على صحة هذه الوقائع، فإن هذا الإجراء الذى اتخذته النيابة يكفى وحده لقطع مدة التقادم ولو لم يكن المتهم الطاعن قد سئل في ذلك التحقيق أو لم يعلم به. لما كان ذلك، وكان يبين مما قاله الحكم فيما تقدم أنه أثبت بأسباب وأدلة سائغة مقبولة أن الطاعن تعمد إخفاء دليل من أدلة الجريمة، وهو الدليل المستمد من الرقم الحقيقى للسيارة التى فر بها الجناة، وأنه كان يعلم بوقوع هذه الجريمة، وكان غرضه من إخفاء الدليل أو العبث به تضليل المحققين لإعانة الجناة على الفرار من وجه القضاء فان عناصر الجريمة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات تكون متوافرة ويكون العقاب عليها مستحقا يستوى في ذلك أن يكون المتهم عالما بأن صاحب السيارة مشترك مع باقى الجناة الذين فروا بالسيارة في ارتكاب الجريمة أو غير عالم ذلك. لما كان كل ذلك، فان ما يثيره الطاعن فيما تقدم لا يكون له وجه.
التقرير الثانى المقدم من البكباشى "محمد محمد الجزار"
المؤرخ في 21 أغسطس سنة 1954
من حيث إن محصل وجهى الطعن هو مخالفة الحكم للقانون، والخطأ في تطبيقه، ذلك بأنه وإن كان قد أورد قاعدة صحيحة في صدد بيان التحقيق القاطع لمدة التقادم غير أنه اخطأ في تطبيقها على واقعة لدعوى إذ التحقيق الأخير الذى أجرى في 28 من نوفمبر سنة 1949 لم يقصد إلا إلى كشف الوقائع المشار إليها في الخطابين اللذين وردا لمحمد الليثى، ولم يتعرض التحقيق أصلا للواقعة التى أسندت إلى الطاعن، أما مجرد طلب الليثى مواجهته بالجزار وسؤال بعض الشهود فلا يعتد به في قطع مدة التقادم، وردد الطاعن ما أثاره في التقرير الأول بشأن تأثير قطع المدة على الجرائم المرتبطة ارتباطا لا يتجزأ ثم استطرد إلى القول بأن الواقعة كما أثبتها الحكم لا تكون الجريمة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات، إذ هذه الجريمة لا تتوفر إلا إذا أدلى الجانى فعلا بالمعلومات المضللة وإذا كان الحكم في سبيل التدليل على توفر الجريمة قد أثبت على الطاعن أنه أتلف الورقة التى دون فيها الشاهد محمد الليثى رقم السيارة فاختفى بإتلافها الدليل المستمد من هذا الرقم فان تلك الورقة في واقع الأمر ليست دليلا لأنها من صنع الشاهد، ولا تحوى سوى رقم لا شك أنه يحفظه في ذاكرته ويستطيع أن يدلى به للمحقق دون حاجة للورقة، وما قاله الحكم من أن الشاهد المذكور كان تحت تأثير الإكراه الذى وقع عليه من الطاعن ليعدل عن شهادته أو يغير على الأقل رقم السيارة الذى وصل إلى علمه، فان هذا الإكراه على فرض صحة وقوعه لم ينتج أثره ويترتب على ذلك اعتبار الواقعة شروعا في جنحه تضليل غير معاقب عليه قانونا، هذا إلى أن المعلومات التى أدلى بها الشاهد لم تكن نتيجة الإكراه، وإنما كانت نتيجة لأمر لا دخل للطاعن فيه وهو وجود عدد من كبار ضباط البوليس في غرفة التحقيق متحفزين للشاهد، يضاف إلى ذلك أن الحكم إذ اعتبر الشاهد فاقد الاختيار فيما أدلى به قد خالف الثابت في التحقيقات وخالف ما قاله الشاهد نفسه من أنه قبل أن يدلي بالرقمين 9979 و9997 كان ينوى الإدلاء بالرقم الصحيح للسيارة غير متأثر بمحاولة الطاعن، وبذا يكون الحكم قد فرض واقعة الإكراه، فرضاً دون أن يكون لها سند من الأوراق مما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين مردود بأن الحكم أثبت أن التحقيق الذى أجرته النيابة العامة في 28 من نوفمبر سنة 1949كما تناول جريمة مقتل البنا تناول أيضا جريمة الإعانة التى نسبت إلى الطاعن فهو قاطع لمدة التقادم في كلتا الجريمتين، كما سبق القول سواء أكانت الواقعتان قد ارتبطتا ببعضهما ارتباطا لا يقبل التجزئة، كما قرر الحكم في حدود سلطته التقديرية أو لم ترتبطا به وأما ما ينعاه الطاعن في طعنه غير ذلك فقد رد عليه الحكم بقوله "إن أركان تلك الجريمة جميعها ثابتة ومتحققة في حقه (الطاعن) فهو قد استعمل مع الشاهد محمد الليثى طرق الإكراه والإغراء للادلاء بمعلومات مضللة في التحقيق في شأن نمرة السيارة التى فر بها الجناة وأتلف الورقة التى كانت مثبتة فيها فأخفى بعمله هذا الدليل المستمد من تلك النمرة، وأعان بذلك الجناة على الفرار من وجه القضاء فيكون قد قارف بنفسه الأفعال المكونة للركن المادى للجريمة المسندة إليه وهو لهذا يعد فاعلا أصليا لتلك الجريمة لا شريكا فيها. كما يذهب إليه الدفاع، إذ أن الثابت من أقوال الشاهد محمد الليثى أنه ما ذكر الرقمين اللذين أدلى بهما في التحقيق إلا تحت تأثير الإكراه الذى وقع عليه من ذلك المتهم لكى يعدل بتاتا عن الشهادة أو يغير على الأقل نمرة السيارة التى وصلت إلى علمه ملوحا له بأن من قتلوا الشيخ حسن البنا من القوة والبأس بحيث لا تعجز يدهم عن الوصول إليه والانتقام منه إذا شهد بما يضرهم، فاضطر تحت ذلك التهديد إلى ذكر الرقمين اللذين ذكرهم تخلصا من هذا المأزق ومثل هذا الإكراه يجعل ذلك الشاهد فاقد الإرادة معدوم الاختيار، فيكون بمثابة آله استعمال المتهم محمد الجزار فيما رمى إليه من إعانة المتهمين على الفرار من وجه القضاء بإضاعة أدلة الجريمة وإبداء المعلومات غير الصحيحة فتعتبر لذلك الأفعال التى وقعت في هذا الشأن صادرة من ذلك المتهم ومنسوبة إليه لأنه هو الذى أعان الجناة باستعمال تلك الوسائل. على أنه على فرض اعتبار ذلك المتهم شريكا بالاتفاق والتحريض مع الشاهد محمد الليثى في ارتكاب تلك الجريمة، فان هذا لا يغير من الأمر شيئا لأن عقوبة الشريك هى نفس عقوبة الفاعل الأصلى ولا محل للقول في هذه الحالة كما ذهب الدفاع بأن الجريمة لم تقع نتيجة للتحريض أو الاتفاق الحاصلين من المتهم المذكور، إذ أن الثابت قطعا من أقوال محمد الليثى أن النمرة التى أدلى بها في التحقيق، إنما كانت من وحى المتهم محمد الجزار وحده ونتيجة للاكراه والتهديد اللذين وقعا عليه منه، ولكن كان محمد الليثى قد ذكر أنه أدلى بالنمرة الكاذبة بجانب النمرة الصحيحة لتخوفه من الضباط الآخرين الذين وجدهم بغرفة التحقيق فانه ظاهر أن إحساسه بهذا الخوف إنما كان نتيجة للضغط الذى وقع عليه قبل ذلك من الجزار واعتقاده بأن هؤلاء الضباط يؤازرونه، ولم يثبت أن أحدا من أولئك الضباط أوحى إليه باخفاء نمرة السيارة أو تغييرها كما فعل الجزار فهو الموجه الأصلى لذلك الشاهد وصاحب الأثر الأول في نفسه والمسئول الأصلى عما حدث منه من تغيير للحقيقة وتضليل للتحقيق. أما ما ذهب إليه الدفاع في سبيل إهدار الركن المادى للجريمة من أنه لم تبد في الواقع معلومات غير صحيحة في التحقيق لأن الليثى رجع عن أقواله في نفس المحضر وذكر النمرة الحقيقية، فان هذا القول من الدفاع لا أساس له من الواقع أو القانون لأن جريمة إعانة الجناة على الفرار المسندة للمتهم محمد الجزار تمت واكتملت أركانها بمجرد شهادة الليثى بأن نمرة السيارة التى أخبره بها الشاب الأسمر هى 9979 أو 9997 مما كان من شأنه تجهيل تلك النمرة وابعاد التهمة عن المتهمين، فلئن كان ذلك الشاهد قد عدل بعد ذلك عما قرره بهذا الخصوص وعاد إلى ذكر الحقيقة فان حصول هذا منه بعد تمام الجريمة ليس من شأنه بأية حال - كما استقر القضاء - إزالة أثرها خلافا لما هو عليه الحال في جريمة شهادة الزور على أن الليثى في الواقع لم يعدل تمام العدول في التحقيق الذى أجرى ليلة الحادث عن التشكيك في نمرة السيارة إذا أنه عندما ووجه بما قرره الضابط محمد وصفى من أن نمرة السيارة هى 9977 لم يذكر على وجه التأكيد أن النمرة الحقيقة هى 9979 بل قال إنه يعتقد أنها كذلك لأنه يذكر أن في تلك النمرة تسعتين على الشمال والاختلاف في الرقم الثانى إما أن يكون 79 أو 97 فهو في الواقع لم يجرؤ على ذكر الحقيقة كاملة بشكل صريح واستمر فيما كان قد بدأ فيه من التشكيك في تلك النمرة بقصد تجهيلها خدمة للجناة تحت تأثير الضغط الذى وقع عليه من الجزار" ولما كان ما قاله الحكم من ذلك صحيحا في القانون إذ لا يشترط لتوفر الجريمة المنصوص عليها في المادة 145 من قانون العقوبات، أن يصر المتهم طول مدة التحقيق على أقواله الكاذبة التى تتعلق بالجريمة، وإنما يكفى لتوفرها وتمامها أن يقرر المتهم أمام سلطة التحقيق أقوالا غير صحيحة بقصد تخليص الجناة من العقاب ولو عدل المتهم عن هذه الأقوال بعد ذلك، ولما كان لا تثير على المحكمة إذا كانت قد اتخذت من واقعة إعدام الطاعن للورقة التى دون فيها محمد الليثى رقم سيارة الجناة إثر علمه به من الشاب المجهول الذى التقطه عقب الحادث مباشرة قرينة تؤيد الأدلة التى قامت ضده على ارتكاب فعل الاعانة، وكان ما قاله الحكم من أن الشاهد محمد الليثى لم يذكر الرقم الكاذب في التحقيق إلا تحت تأثير الإكراه والتهديد اللذين وقعا عليه من الطاعن - له أصله الثابت في الأوراق - لاستناده إلى أقوال الشاهد المذكور بمحضر الجلسة. لما كان الأمر كذلك فان ما يثيره الطاعن فيما تقدم لا يكون له أساس.
عن طعن الطاعنة الخامسة "الحكومة المصرية"
حيث إن مبنى الطعن هو خطأ الحكم في تطبيق القانون وقصور أسبابه والخطأ في الاستدلال ذلك بأن الحكم حين قضى بالزام الحكومة بالتعويض تأسيسا على الأسباب والاعتبارات التى أوردها وعلى أن الجريمة وقعت أثناء تأدية المتهمين لوظائفهم وبسببها قد أخطأ، لأن الحكم لم يفرق بين الحكومة كشخصية معنوية عامة وبين رجالها والقائمين بالأمر فيها، فتارة يتحدث عن كراهية الحكومة للاخوان المسلمين ومرشدهم وينسب أمر تدبير الجريمة إلى الحكومة وتارة ينسب أمر تدبيرها إلى بعض رجالها، مع أنه من المستحيل أن ينسب إلى الحكومة ارتكاب جريمة، وإنما الصحيح أن تكون مسئوليتها ناشئة عن أعمال تابعيها وهو ما يستوجب البحث فيما إذا كانت هذه الأعمال قد وقعت أثناء تأدية الوظيفة أو سببها، فإن لم يثبت ذلك فلا وجه لمساءلة الحكومة، وما قاله الحكم في هذا الصدد هو قول مرسل لا يستند إلى دليل، وقد تحدث الحكم عن بواعث الجريمة فقال إنها جناية الحاكمين وإنهاء ارتكبت بتدبير من الملك ورجال الحكومة بدافع من الحقد والكراهية والثأر والانتقام الشخصي لقتل النقراشى إذ ليس بين الأميرالاى محمود عبد المجيد وبين الشيخ البنا أية ضغينة أو خصومة شخصية وهذا القول يتناقض مع ما أستظهره الحكم وأثبته في موضع آخر منه من أن الجريمة وقعت بسبب الوظيفة وأثناء قيام الموظفين المحكوم عليهم بأعمال وظائفهم بحجة أنهم جميعا من رجال المباحث وأنهم استعملوا في ارتكاب الجريمة سيارة خصصتها الحكومة لانتقال محمود عبد المجيد، وإذا صح أن الحكومة مسئولة عن أعمال تابعيها فذلك على قدر الوظيفة وفى حدودها فقط، وليس بصفة مطلقة ولا في خصوص ما يقع منهم أثناء تأدية وظائفهم إذا كان ذلك لدوافع واعتبارات شخصية أو للرغبة في التشفى والانتقام، هذا إلى أن خطأ التابع لا يسأل عنه المتبوع، إلا إذا كان الخطأ واقعا حال تأدية الوظيفة أو بسببها أما الخطأ الذى يقع بمناسبة الوظيفة أو الذى هيأت له الوظيفة أو الأجنبى عنها فلا شأن للمتبوع به، هذا كله بفرض صحة الإتهام وثبوت التهمة في حق المتهمين وهو ما ينكرونه ويطعنون على الحكم من أجله وفى ذلك ما يجعل مصير هذا الطعن مرتبطا إلى حد بعيد بمصير طعنهم من حيث ثبوت التهمة عليهم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما تثيره الطاعنة في طعنها وأثبت مسئوليتها مدنيا عن أفعال تابعيها الطاعنين الأول والثانى والثالث المحكوم عليهم بالعقوبة بما مؤداه "إنه لما كان من المقرر طبقا لنصوص القانون المدنى القديم الذى وقع الحادث في ظل أحكامه أن كل فعل نشأ منه ضرر للغير يترتب عليه إلزام فاعله بالتعويض عن ذلك الضرر، وكان من المقرر أيضا تطبيقا للمادة 152 من هذا القانون إلزام السيد بتعويض الضرر الناشئ للغير عن أفعال خدمته متى كان واقعا منهم في حال تأدية وظائفهم، فإنه تطبيقا لهذه القواعد يكون لورثة المرحوم الأستاذ البنا وكذلك الأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور الحق في طلب التعويض مباشرة من المتهمين الذين تثبتت إدانتهم في ارتكاب حادث القتل والشروع فيه، ومن الحكومة كذلك بصفتها مسئولة عن أفعالهم باعتبارهم من الموظفين التابعين لها متى كانت هذه الأفعال قد وقعت منهم في حال تأدية و ظائفهم أو بسببها على ما استقر عليه الفقه والقضاء وذلك بطريق التضامن فيها بينهم جميعا … وحيث إنه عن ثبوت التهمة فقد انتهت المحكمة إلى إدانة المتهمين الأول والسابع والثامن (الطاعنين الأول والثانى والثالث) في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والشروع فيه للأسباب التى أوضحتها فيما تقدم، ومن ثم يكون للمدعين بالحق المدنى الرجوع عليهم بما يسحقونه من تعويض، أما بالنسبة للحكومة فقد ثبت للمحكمة كذلك لما أسلفته من أسباب أن حكومة ذلك العهد، كانت هى والملك السابق ضالعين في الحادث وأنه ارتكب لحسابهما بقصد التخلص من غريمهما السياسى الأستاذ البنا فأقدم الأميرالاى محمود عبد المجيد على تدبير الاغتيال وتنفيذه مستعينا على ذلك بمن يثق فيهم من الموظفين التابعين له، وما كانت الجريمة لتقع لولا الوظيفة إذ لم يثبت وجود أى ضغينة أو حقد شخصى بين المتهمين والمجنى عليهما بدفعهم إلى ارتكابها، وإنما اندفعوا إلى ذلك تحت تأثير ما أوحى به اليهم الكبار المسئولون من أن الأستاذ البنا من المجرمين الخطرين الخارجين على الملك والحكومة، وأن استئصاله من الحياة ضرورة يقتضيها الأمن والنظام، وهو تفكير إجرامى واستهتار بالقانون ما كان ينبغى لمتهمين أن ينزلقوا إليه أو يطيعوا فيه رؤسائهم إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وحيث أنه يبين مما تقدم أن الجريمة وقعت بسبب الوظيفة ما في ذلك ريب كما أنها وقعت أثناء تأدية المتهمين لها إذ أنهم جميعا من رجال المباحث الذين يقومون بأعمالهم بصفة سرية وفى الأوقات والأماكن التى تدعو الحاجة إلهيا بحسب تقديرهم، وقد استخدموا في ارتكاب الحادث السيارة رقم 9979 التى استأجرتها الحكومة من صاحبها وخصصتها لانتقالات الأميرالاى محمود عبد المجيد، وبذلك تكون الحكومة مسئولة بطريق التضامن مع المتهمين عن التعويضات المستحقة للمدعين بالحق المدنى" ولما كان يبين من هذا الذى أورده الحكم أن المحكمة نفت وقوع الجريمة بدافع شخصى من المتهمين، وأنها لم تؤسس قضاءها بمسئولية الحكومة على أن الجريمة وقعت منهم بمناسبة الوظيفة، وإنما أسسته على وقوع الجريمة منهم في حال تأدية وظائفهم وبسببها لحساب الملك والحكومة للتخلص من غريمهما السياسي الشيخ حسن البنا وبوحى من كبار المسئولين، وأثبتت المحكمة بالأدلة السائغة التى ساقتها في حكمها قيام رابطة السببية بين الخطأ والوظيفة على وجه يفيد أن الخطأ ما كان المتهمون ليرتكبوه أو يفكروا في ارتكابه لولا الوظيفة وهو الشرط الذى تحقق به مسئولية المتبوع عن فعل تابعه، ولما كان استظهار هذه الرابطة من المسائل الموضوعية التى تخضع لتقدير محكمة الموضوع ولا يصح المجادلة في شأن توافرها أمام محكمة النقض، فإن ما تثيره الطاعنة في طعنها يكون على غير أساس.
عن الطعن المقدم من الطاعن السادس "الأستاذ عبد الكريم منصور"
التقرير الأول المؤرخ في 21 من أغسطس سنة 1954
من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكمين الصادرين أحدهما في 29 من نوفمبر سنة 1953 برفض طلبى الرد المقدمين من الطاعن، وثانيهما في 2 من ديسمبر سنة 1953 برفض طلب رد هيئة محكمة الجنايات، قد خالفا القانون وأخطأ في تفسيره ذلك بأن الدائرتين اللتين يرأس أحداهما السيد مرسى فرحات رئيس محكمة استئناف القاهرة، ويرأس الأخرى السيد ابراهيم حلمى وكيل المحكمة هما دائرتان مدنيتان وكان ينبغى أن يكون الفصل في طلب الرد من دائرة جنائية وحتى مع افتراض أنهما دائرتان جنائيتان فإنهما لم تنعقدا في مقر المحكمة الابتدائية، ثم يضيف الطاعن قوله إن الأستاذ مرسى فرحات باشتراكه في إحالة قضية الجناية على محكمة الجنايات، ما كان يجوز له نظر دعوى الرد المتفرعة عنها ولا سيما وأنه كان مزمعا استدعاؤه لأداء الشهادة في موضوع تلك الجناية، وفوق ذلك فقد أبدى الطاعن للمحكمة أن عضوى الدائرة التى يرأسها السيد رئيس محكمة الاستئناف قد تنحيا من نفسيهما عن نظر طلبه فأصبح غير ذى موضوع وهو ما يعده بمثابة تنازل عن هذا الطلب، كان على المحكمة أن تثبته وتحكم في الدعوى بعدم قبولها، ولكنها لم تفعل وقضت فيها بالرفض بعد أن جزأت طلب الطاعن برد أعضاء الهيئة الواحدة واعتبرته متضمنا طلبين غرمته عشرين جنيها عن كل منهما، و لا يجوز قانونا أن تتعدد الغرامة بتعدد القضاة المطلوب ردهم، وخلص الطاعن من ذلك إلى أن الحكم الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1953 أخطأ في تفسير المادة 327 من قانون المرافعات ولذلك فهو يطعن فيه كما يطعن في الحكم الصادر في 2 ديسمبر سنة 1953 باعتبار أنه أثر من آثاره.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن بصدد تشكيل الدائرتين اللذين فصلتا في طلبى الرد المقدمين منه مردود بما سبق لهذه المحكمة أن قررته في حكمها الصادر في الطعن رقم 2463 سنة 23 ق بتاريخ 9 من يناير سنة 1954 من أن الذى استبان من محاضر جلسات الهيئتين اللتين نظرتا طلبى الرد أن كلا منهما وصفت في تلك المحاضر بأنها محكمة جنايات القاهرة ومثلت فيها النيابة العامة كما استبان من الحكمين الصادرين في الرد أن كلا من هاتين الهيئتين وصفت بأنها "غرفة المشورة" مما يتفق مع المادتين 249 و250 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 325 من قانون المرافعات، وان عبارة الدائرة الجنائية قد شطبت واستبدلت بها عبارة "غرفة المشورة" مما مفاده أن طلبى الرد نظرتهما محكمتان موصوفتان بأنهما محكمتا جنايات. لما كان ذلك وكان ما يقوله الطاعن بشأن عدم انعقاد هاتين الدائرتين بمقر المحكمة الابتدائية مردودا كذلك بأن نص المادة 5 من القانون رقم 147 لسنة 1949، بنظام القضاء صريح في أن انعقاد محكمة الجنايات يكون في كل مدينة بها محكمة ابتدائية وتشمل دائرة اختصاصها ما تشمله دائرة المحكمة الابتدائية، ولم يوجب الشارع أن يكون انعقاد محكمة الجنايات بمقر المحكمة الابتدائية كما يزعم الطاعن. لما كان ذلك، وكان نص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية لا يمنع اشتراك القاضى في نظر الدعوى إلا إذا كان قد أدى فيها شهادة، وكان طلب الرد المطروح على الهيئة التى يرأسها السيد مرسى فرحات لا يمت بصلة من حيث موضوعه إلى الدعوى الأصلية، ولم يكن رئيس المحكمة قد أدى شهادة فيها، ولما كان يبين من الحكم الصادر من غرفة المشورة بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1953 أن المحكمة قد صدرته بقولها "أن التقرير بالرد (الذى قدمه الطاعن) اشتمل على طلبين الأول خاص بطلب رد السيد مرسى فرحات رئيس محكمة استئناف القاهرة عن نظر طلب رد هيئة محكمة جنايات القاهرة المطروحة أمامها الجناية رقم 1071 سنة 1952 قصر النيل، والثانى خاص بطلب رد السيدين اسحق عبد السيد ومحمد أمين زكى المستشارين عن نظر طلب رد سيادة رئيس المحكمة وذلك للأسباب المشتمل عليها التقرير ثم تناول الحكم أسباب كل طلب على حدة، وانتهى إلى الحكم برفضهما وتغريم مقدمهما عشرين جنيها عن كل منهما وإلزامه بالمصاريف، ولما كان واضحا من ذلك أن كل طلب من الطلبين مغاير للآخر من جهة موضوعه وأسبابه، وكان ما يقوله الطاعن بشأن دفاعه الذى أبداه للمحكمة في خصوص رد المستشارين اسحق عبد السيد ومحمد أمين زكى وتأويله هذا الدفاع بأنه كان بمثابة تنازل لا يعدو أن يكون تخريجا من استنتاجه هو وليس من شأنه أن يلزم المحكمة بمتابعته فيه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد تناولت الأسباب التى أسند إليها الطالب كلا من طلبيه وفندتها بما ساقته من الأسباب والاعتبارات السائغة التى أوردتها، والتى خلصت منها إلى الحكم برفضهما وتغريم الطاعن بالغرامة التى نصت عليها المادة 327 من قانون المرافعات فان قضاءها هو قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون.
وحيث إن الطاعن يقول في طعنه بالإضافة إلى الوجه السابق إن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون وشابه القصور، وبنى على إجراءات أخلت بحقه في الدفاع ذلك بأنه أعد مذكرة تتضمن الرد على ما ورد بالمذكرات المقدمة من المتهمين فند فيها أوجه دفاعهم، ولما تقدم بها للمحكمة أثناء المرافعة رفضت قبولها، وأنه كان من واجب المحكمة أن توقف السير في هذه الدعوى أو تؤجل نظرها حتى يفصل في الطعن المرفوع من النيابة العامة ومن المدعى بالحقوق المدنية في قضية مقتل عبد القادر طه للارتباط الوثيق بين الدعويين وتحقيقا لحسن سير العدالة، هذا إلى أن الحكم شابه الفساد في الاستدلال حين قضى ببراءة الضابطين عبد أرمانيوس وحسين كامل وباقى المخبرين، مع أن المتهم محمد محفوظ اعترف باشتراك هؤلاء المتهمين معه في الجريمة، وتأيد اعترافه بأدلة أخرى منها اعتراف المتهم الخامس محمد سعيد اسماعيل للعسكرى فتح الله محمد السيد باشتراكه في الجريمة، ورغم توافر الأدلة على صحة هذه الاعترافات فقد أطرحتها المحكمة لأسباب بعضها منتزع من الخيال وبعضها الآخر متناقض، وكذلك قضت المحكمة بإدانة المتهم الأول - المخبر محمد حسين جاد - وببراءة باقى المخبرين رغم وحدة الأدلة القائمة قبلهم جميعا و تماثلها، ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أن الحكم أخطأ في قضائه برفض دعوى التعويض بالنسبة للمتهم محمد محمد الجزار بمقولة إنه لم يصب الطاعن ضرر من جريمته، مع أن الجريمة في ذاتها فعل ضار يستوجب التعويض وقد أباح القانون للمجنى عليه، مطالبة الجانى بالتعويض أيا كانت الجريمة التى ارتكبت، هذا فضلا عن أن المتهم المذكور عطل سير الدعوى بالتضليل في التحقيق والتشكيك في شهادة الشهود مدة تزيد على خمس سنين وهو عمل ضار يستوجب التعويض أيضا طبقا للمادة 361 من قانون المرافعات، ومتى ثبتت مسئولية محمد الجزار عن التعويض تكون الحكومة مسئولة مع على وجه التضامن لارتكابه الجريمة أثناء تأدية الوظيفة وبسببها، يضاف إلى ذلك أن المحكمة المطعون في حكمها فسرت حكم محكمة الثورة لصالح المتهمين، مع أن هذا الحكم ذهب إلى تجريمهم جميعا لأنه قضى بإدانة ابراهيم عبد الهادى في جميع الادعاءات التى وجهت عليه ومنها تهمة إفساد أداة الحكم وتعذيب المواطنين ونشر الإرهاب وتيسير قتل الشيخ حسن البنا لأعوانه، ويبين من ملف القضية التى نظرتها محكمة الثورة ومن الأوراق المضمومة لها أن المقصود بالأعوان في نظر ذلك الحكم هم المتهمون في قضية مقتل الشيخ حسن البنا، ولهذا الحكم حجيته القانونية فلا تملك محكمة الجنايات أن تقضى على خلافه.
التقرير الثانى المؤرخ في 28 من أغسطس سنة 1954
ويزيد الطاعن في هذا التقرير أن المحكمة لم تعرض للدليل المستمد من اعتراف محمد حسن السليمانى ومن المذكرة المحررة بمعرفة الأميرالاى محمود عبد المجيد في 19 من فبراير سنة 1952 في قضية مقتل عبد القادر طه اعتقادا منها بأنها لا تملك مناقشة هذا الدليل وأنها مقيدة برأى المحكمة التى أصدرت الحكم في تلك القضية بالنسبة لهذا الدليل، ولولا هذا الاعتقاد الخاطئ الذى حجبها عن وزن هذا الدليل المشترك في القضيتين وتقديره لكانت حكمت بإدانة المتهمين جميعا.
وحيث إن الحكم الطعون فيه عرض لأدله الثبوت المقدمة في حق المتهمين من الثاني إلي السادس الذين حكم ببراءتهم وبرفض الدعوى المدنية بالنسبة إليهم بما فيها الدليل المستمد من اعترافات محمد محفوظ محمد وفندها في منطق سليم تفنيدا سائغا مؤديا إلي النتيجة التي انتهي إليها، ولما كان أساس الأحكام الجنائية إنما هو حرية محكمة الموضوع في تقدير الأدلة المطروحة عليها في الدعوى وإذن فما دام يبين من حكمها - كما هو الحال في هذه الدعوى - أنها لم تقض بالبراءة إلا بعد أن أحاطت بتلك الأدلة ووزنتها فلم يقتنع وجدانها بصحتها أو بعدم كفايتها للحكم بالادانة، فلا تجوز مصادرتها في اعتقادها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكانت المحكمة قد أثبتت في حكمها أنها تطرح اعتراف المتهم محمد محفوظ محمد بالنسبة لمن عدا المخبر أحمد حسين جاد والأميرالاى محمود عبد المجيد للأسباب التى بينتها والتى لها أصل ثابت في الأوراق ولأن اعترافه عليهم لم تؤيده أدله أخرى، وأنها تأخذ بهذا الاعتراف وتعول عليه بالنسبة لمحمد محفوظ نفسه وبالنسبة لهذين المتهمين لأنه مؤيد بالبينة وبأدلة وقرائن أخرى أوردتها في حكمها، وكان للمحكمة أن تأخذ بأدلة في حق متهم ولا تأخذ بها في حق متهم آخر ولو كانت متماثلة، وكانت المحكمة قد اتخذت من أقوال محمد حسن السليمانى في قضية مقتل عبد القادر طه، ومن المذكرة المؤرخة في 19 من فبراير سنة 1952، في حدود سلطتها التقديرية دليلا من أدلة الاثبات في حق أحمد حسين جاد ومحمود عبد المجيد دون غيرهما من المتهمين، وكان ما ذهب إليه الحكم من أن حكم محكمة الثورة لا يمتد أثره إلى المتهمين في الدعوى الحالية وأن حجيته قاصرة على ما جاء به وعلى شخص المتهم فيه صحيحا في القانون، لما كان كل ذلك، وكانت المحكمة غير مكلفة قانونا وهى تقضى ببراءة بعض المتهمين أن تتعقب الاتهام في كل دليل يقدمه ضدهم أو أمارة يستدل بها عليهم، فان ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له أساس، أما ما يثيره بشأن ما يدعيه من منع المحكمة له من تقدير مذكرة فمردود بأنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة 6 من يوليه سنة 1954 أنه بعد أن ترافع جميع أطراف الخصوم في الدعوى أبدى الأستاذ محمد عزمى المحامى "أن الأستاذ منصور (الطاعن) لديه مذكرة بعناصر التعويض" فلم توافق المحكمة على تقدير مذكرات وسمحت له أن يبدى عناصر التعويض شفويا بالجلسة فلم يعقب على ذلك ثم أمرت المحكمة بحجز القضية للحكم دون أن ترخص للخصوم بتقديم مذكرات، لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يدعى في طعنه أنه طلب إلى المحكمة وقف السير في الدعوى أو تأجيل نظرها فان ما يثيره من ذلك لا يكون له محل، وأما ما يثيره في صدد قضاء المحكمة برفض دعوى التعويض التى رفعت منه على المتهم محمد محمد الجزار فقد أسست المحكمة قضاءها بذلك على قولها "إن الأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور المجنى عليه في تهمة الشروع في القتل ادعى من جانبه مدنيا قبل المتهمين سالفى الذكر والحكومة وطلب الحكم بالزامهم متضامنين كذلك بأن يدفعوا له ثلاثين ألفا من الجنيهات تعويضا عما لحقه من الضرر نتيجة لجناية الشروع في القتل التى وقعت عليه منهم والتى نشأ عنها عدة إصابات بقى من أجلها تحت العلاج شهورا طويلة وتخلفت به من جرائها عاهة مستديمة. وحيث إنه يتعين التقرير بادئ ذي بدء بأن المتهم التاسع البكباشى محمد محمد الجزار لم يساهم في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد التى وقعت على المرحوم الأستاذ البنا، ولا في تهمة الشروع في قتل الأستاذ عبد الكريم محمد أحمد منصور، ولم تسند إليه التهمة في أيهما، وإنما التهمة الموجهة إليه قائمة بذاتها ولها كيانها الخاص المستقل عن الجنايتين الأصليتين وتنحصر عناصرها في أنه علمه بوقوع هاتين الجنايتين المعاقب عليهما بالاعدام أعان الجناة فيهما على الفرار من وجه القضاء، وهو في حدود هذه التهمة الخاصة به لا يمكن أن يسأل عن أفعال القتل والشروع فيه المسندة لباقى المتهمين والتى على أساسها وحدها تقوم طلبات التعويض ومن ثم لا تصح مساءلته عن هذه الطلبات وتكون الدعاوى بها واجبة الرفض بالنسبة إليه". ولما كان ما قاله الحكم من ذلك سديدا وصحيحا في القانون، وكان الأساس الجديد لطلب التعويض المشار إليه في وجه الطعن، وهو تعويض الضرر الناشئ عن تعطيل سير الدعوى لم يثره الطاعن أمام محكمة الموضوع فلا تقبل منه إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة فضلا عن أن هذا الحق المدعى به من الطاعن لم ينشأ مباشرة عن جريمة الاعانة التى نسبت إلى المتهم محمد محمد الجزار ورفعت بها الدعوى عليه بل منشؤه عرقلة التحقيق وتعطيل السير في إجراءات الدعوى، فلا اختصاص للمحكمة الجنائية بنظر دعوى الحق المدنى التى تقام على هذا الأساس، لما كان ذلك، فان الطعن برمته يكون واجب الرفض.
وحيث إنه لما تقدم كله تكون الطعون المرفوعة من جميع الطاعنين على غير أساس متعينة الرفض موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق