الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 أكتوبر 2017

الطعن 9801 لسنة 80 ق جلسة 13 / 2 / 2011 مكتب فني 62 ق 10 ص 59

جلسة 13 من فبراير سنة 2011
برئاسة السيد القاضي/ أحمد على عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / مجدي أبو العلا ، أحمد عمر محمدين ، على حسنين نواب رئيس المحكمة وأشرف محمد مسعد .
-----------
(10)
الطعن 9801 لسنة 80 ق
(1) حكم " بيانات حكم الادانة " " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب معيب " .
حكم الادانة . بياناته ؟
متى يكون الحكم مشوباً بالإجمال والإبهام ؟
(2) إثبات " شهود " . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما يوفره " . دفوع " الدفع بإباحة الفعل " . طفل.
عدم ايراد الحكم لما حصله من مؤدى أدلة الثبوت . يعد تجهيلا لها . لا يحقق الغرض الذى قصده المشرع من إيجاب تسبيب الأحكام.
مثال لجريمة تسهيل استغلال جنسي لطفلة .
(3) جريمة " أنواعها . جرائم الطفل " . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . طفل . نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها " .
     تناقض الحكم في تحصيله صورة الواقعة واختلال فكرته عن عناصر الدعوى وعدم استقرارها في عقيدته . يعيبه بالتناقض والتخاذل.
     مثال لجريمة تسهيل استغلال جنسي لطفلة .
(4) إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . طفل. جريمة "أنواعها. جرائم الطفل" .
 استناد الحكم المطعون فيه إلى رأى مفتى الجمهورية بأن الواقعة استغلال جنسي ينبغى أن يعاقب فاعله والوالدان والوسيط وكل من سهله أو سعى في إتمامه واتخاذه منه دعامة لقضائه . يعيبه . علة ذلك ؟
 (5) إثبات" اعتراف " . إكراه . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . دفوع " الدفع ببطلان الاعتراف " .
     الاعتراف المعوَّل عليه . شرطه ؟
   الدفع ببطلان الاعتراف للإكراه . جوهري . وجوب مناقشته والرد عليه . ما دام الحكم عوَّل عليه . إغفال ذلك . قصور . لا يغنى عنه إيراد أدلة أخرى .
(6) إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " .
     تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
(7) نقض" أثر الطعن " .
     نقض الحكم . أثره : لا يشمل المحكوم عليهما غيابياً . علة ذلك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ــــ لما كان قضاء محكمة النقض مستقراً على أن الحكم بالإدانة يجب أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم، وكان من المقرر أنه ينبغى ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبين مدى صحة الحكم من فساده في التطبيق القانونى على واقعة الدعوى ، وهو يكون كذلك كلما جاءت أسبابه مجملة أو غامضة فيما أثبتته أو نفته من وقائع سواء كانت متعلقة ببيان أركان الجريمة أو ظروفها أو كانت بصدد الرد على أوجه الدفاع الجوهرية أو كانت متصلة بعناصر الإدانة على وجه العموم أو كانت أسبابه يشوبها الاضطراب الذى ينبئ عن اختلال فكرته من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة مما لا يمكن معه استخلاص مقوماته سواء ما يتعلق منها بواقعة الدعوى أو بالتطبيق القانوني ويعجز بالتالي محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح .
2ــــ لما كان البيَّن من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين دفعوا بالدفع المبين في وجه النعي وهو دفع يُعد جوهرياً في صورة الدعوى لما يترتب على ثبوت صحته من تغير وجه الرأي فيها ـ وقد اطرحه الحكم بقوله : " ومن حيث إنه عـن الدفع باعتبار ممارسة الفعل الذى أتاه المتهمون مباح طبقاً لأحكام المادتين 7 , 60 من قانون العقوبات فإنه دفع فاسد ذلك أن المحكمة قد استندت في توافر الاستغلال الجنسي إلى أحكام الشريعة الإسلامية حسبما تقدم بيانه دون حاجة للتكرار " . وذلك في إشارة إلى ما جاء في مدوناته من أنه " لم يثبت طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية قيام زوجية تقرها الشريعة أو يُقرها القانون لعدم وجود شاهدين وولى رشيد ومن ثم فإن هذه العلاقة لا تخرج عن كونها علاقة مادية أساسها الاستغلال المادي والانتفاع ... " , وقد دلل الحكم على ذلك بما أورده من أن " المحكمة تستخلص من أقوال المجنى عليها والمتهمين الثاني والثالثة ــــ الطاعنين الأول والثانية ــــ ومما جاء بتحريات الشرطة أن ما قيل عن زواج المجنى عليها تخلف عنه شروط صحة الزواج بعدم حضور الشاهدين ليشهدوا على صحته ..." , وأورد الحكم في تحصيله صورة الواقعة " وباستطلاع رأى فضيلة الدكتور مفتى جمهورية مصر العربية أورى فضيلته بطلان هذا النمط من عقود الزواج لعدم توافر الشروط والأركان الحقيقية للزواج ، إذ لا يزوج الرجل بابنته في مثل هذه المسالك إلا فاسق ظاهر المجانة ساقط العدالة ، فهو زواج من غير ولى معتد به شرعاً فيكون باطلاً واعتبر هذه الوقائع لمآلاتها استغلالاً جنسياً ينبغي أن يعاقب فيه فاعله والوالدان والوسيط وكل من سهله أو سعى في إتمامه على هذا النحو الذى لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا المؤمنون " . وقد عرض الحكم للدفع بعدم الاعتداد بالرأي المتقدم للمفتي بقوله : " إن المحكمة تنأى عن الدخول في مساجلات الفقهاء فيما يتعلق بشرط الكفاءة كأحد شروط اللزوم في عقد الزواج واستندت إلى عدم صحة الزواج لتخلف شرط حضور الشاهدين على ما سبق بيانه " . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد خلص ــــ في نطاق اطراحه الدفع بإباحة الفعل ــــ إلى عدم صحة عقد زواج المجنى عليها تأسيساً على عدم حضور شاهدين في مجلس العقد ــــ لما استخلصته المحكمة من أقوال المجنى عليها ذاتها واعترافي المحكوم عليهما الثاني والثالثة ــــ الطاعنين الأول والثانية ــــ وما جاء بتحريات الشرطة ، بيد أنه لما كان البيَّن من الحكم أنه لم يورد فيما حصله من مؤدى تلك الأدلة ما قال إن المحكمة استخلصته منها في خصوص عدم حضور ثمة شهود على عقد الزواج ، مما يُعد تجهيلاً منه لأدلة الثبوت التي عول عليها ــــ بفرض صحة مأخذها ــــ ولا يتحقق به الغرض الذى قصده الشارع من إيجاب تسبيب الأحكام .
3ـــ لما كان البيَّن من الحكم أنه أورد في تحصيله صورة الواقعة التي استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليه وجدانها ما أسلفناه في شأن رأى فضيلة مفتى الجمهورية ببطلان عقد زواج المجنى عليها لإتمامه بغير ولى معتد به شرعاً ، وساق الحكم على ثبوت ذلك في حق الطاعنين أدلة تمثلت فيما تضمنه ذلك الرأي للمفتي وقد أورده الحكم تفصيلاً في خمس صفحات من مدوناته موضحاً عدم تحقق شرط الكفاءة في عقد زواج المجنى عليها للفارق الكبير في السن بينها والمحكوم عليه الأول ، وأن تزويج الأب بنته من غير كفء يجعله فاسقاً والفاسق ساقط العدالة وكذا الولاية ووجوده في عقد الزواج كعدمه فيكون العقد باطلاً ، وأفصح الحكم عن اعتناقه للرأي المتقدم في أربعة مواضع أخرى من مدوناته وأسس عليه قضاءه ببطلان عقد زواج المجنى عليها، ومما رتبه عليه اطراح الدفع باعتبار ممارسة الفعل مباحاً ، بيد أنه عاد ــــ وإزاء دفع الطاعنين بعدم الاعتداد بالرأي المتقدم للمفتي وتقديمهم ما يظاهر دفعهم ــــ إلى القول ــــ وحسب ما سلفت الإشارة ــــ أن المحكمة تنأى عن الدخول في مساجلات الفقهاء فيما يتعلق بشرط الكفاءة وما إذا كان السن من خصالها , وهو ما أسقط الحكم في حومة الاضطراب والتناقض بين تعويله على رأى المفتى ــــ حسبما يُستفاد من تحصيله الواقعة وما دلل به على ثبوتها وما أورده من أسانيد لقضائه ــــ وبين إهداره لذلك الرأى فيما يُفهم من عرضه للدفع بعدم الاعتداد به بعد أن عصى عليه اطراحه، مما يدل على اختلال فكرة الحكم عن عناصر الواقعة وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذى يجعلها في حكم الوقائع الثابتة، الأمر الذى يستحيل معه على محكمة النقض أن تتعرف على أى أساس كونت محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى ، فضلاً عن أنه ينبئ أن الواقعة لم تكن واضحة لدى المحكمة إلى الحد الذى يؤمن به الخطأ في تقدير مسئولية الطاعنين ، الأمر الذى يجعل الحكم فضلاً عن قصوره وإبهامه متخاذلاً متناقضاً بعضه مع بعض معيباً في الرد على دفاعهم بإباحة الفعل لاستناده إلى عقد زواج صحيح شرعاً بما لا يصلح رداً .
4ــــ لما كان الحكم المطعون فيه وقد استند إلى رأى مفتى الجمهورية بأن الواقعة تُعد استغلالاً جنسياً ينبغي أن يعاقب فاعله والوالدان والوسيط وكل من سهل أو سعى في إتمامه واتخذ منه دعامة لقضائه ، يكون معيباً، ذلك أن القاضي في المواد الجنائية إنما يستند في ثبوت الحقائق القانونية إلى الأدلة التي يقتنع منها بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون ــــ كما فعل الحكم ــــ أن يُدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً لسواه .
5ــــ لما كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعنة الثانية دفع ببطلان اعترافها لصدوره وليد إكراه ، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند فيما استند إليه في إدانة الطاعنين والمحكوم عليهما الآخرين إلى اعتراف الطاعنة الثانية ، وكان الأصل أن الاعتراف الذى يعول عليه يجب أن يكون اختيارياً وهو لا يعتبر كذلك ـ ولو كان صادقاً ـ إذا صدر إثر إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدر هذا التهديد أو ذلك الإكراه، وكان من المقرر أن الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره تحت تأثير التهديد أو الإكراه هو دفع جوهرى يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه مادام الحكم قد عول في قضائه بالإدانة على ذلك الاعتراف . لما كان الحكم المطعون فيه قد عول في إدانة الطاعنة وباقى المحكوم عليهم على هذا الاعتراف بغير أن يرد على هذا الدفاع الجوهري ويقول كلمته فيه ــــ رغم إيراده له ــــ فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب. ولا يغنى في ذلك ما أوردته المحكمة من أدلة أخرى .
6ــــ من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذى كان للدليل الباطل في الرأي الذى انتهت إليه المحكمة .
7ــــ لما كان يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن، وذلك بالنسبة للطاعنين الثلاثة وحدهم دون المحكوم عليهما الأول والرابعة إذ صدر الحكم غيابياً بالنسبة لهما فلم يكن لهما أصلاً حق الطعن فيه بطريق النقض .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
     اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم: المتهم الأول : ـــ استغل المجنى عليها الطفلة ... جنسياً حال كونه في العقد الثامن من العمر مستجيباً لإشباع رغبته الجنسية الشاذة في مواقعة طفلة بكر واتفق مع المتهمة الرابعة التي اشتهر عنها تسهيل ذلك لأمثاله فقامت الأخيرة بناء على اتفاق مسبق مع المتهمين الثاني والثالثة ــــ والدى المجنى عليها ــــ بعرض المجنى عليها مع فتيات أطفال أخريات عليه فاختارها من بينهن فحرر المتهم الخامس ورقة عرفية لإثبات زواج المتهم الأول بالمجنى عليها إمعاناً في إخفاء الشرعية على جريمتهم ثم قدم المتهم الأول لبقية المتهمين مبالغ مالية وصلت في مجموعها إلى أربعة عشر ألف جنيه لقاء ذلك ثم اصطحبها لمسكنه وعاشرها معاشرة الأزواج مسيئاً معاملتها جنسياً على النحو المبين بالتحقيقات . المتهمون من الثاني حتى الخامس : ــــ وهم بالغون ـ سهلوا استغلال الطفلة المجنى عليها جنسياً للمتهم الأول على النحو المبين بوصف التهمة الأولى حال كون المتهمين الثاني والثالثة والدى الطفلة المجنى عليها .المتهم الأول : ــــ هتك عرض الطفلة المجنى عليها حال كونها لم تبلغ من العمر ثماني عشرة سنة كاملة وكان ذلك بغير قوة أو تهديد على النحو المبين بوصف التهمة الأولى . وأحالتهم إلى محكمة جنايات الجيزة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمـر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً (للطاعنين) عمـلاً بالمواد 40/2 , 3 , 41/1 ، 291/ 1، 2 ، 3 من قانون العقوبات والمادتين 96 ، 116 مكرراً من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 مع إعمال المادتين 17 ، 32/2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الرابع (الطاعن الثالث) بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وبتغريمه خمسين ألف جنيه عما أسند إليه ، وبمعاقبة المتهمين الثاني والثالثة (الطـاعنين الأول والثانية) بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبغرامة خمسين ألف جنيه لكل منهما عما أسند إليهما وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس فقط لهما فطعن الأستاذ ... في هذا الحكم بطريق النقض .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
 ومن حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة تسهيل الاستغلال الجنسي لطفلة حال كون الأول والثانية منهم هما والداها قد شابه القصور والغموض والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة القانون، ذلك أن الطاعنيـن دفعوا بإباحة الفعل ــــ باعتباره ممارسة لحق مقرر بمقتضى الشريعة الإسلامية ــــ وهو عقد الزواج , وفقاً لما تقرره المادتان 7 ، 60 من قانون العقوبات وبصحة هذا العقد شرعاً ، وبما يترتب عليه أن العلاقة الناتجة عنه لا تدخل في نطاق الاستغلال الجنسي الذى عناه المشرع بالتأثيم ، بيد أن الحكم رد على الدفع بما لا يصلح رداً , إذ أشار إلى بطلان عقد زواج المجنى عليها لأنه تم بغير حضور شاهدين ــــ وهو ما خلت منه الأدلة التي عول عليها ــــ وأن العقد تم دون ولى يُعتد بولايته شرعاً أخذاً برأي مرجوح لمفتي الجمهورية ، دفع الطاعنون بعدم الاعتداد به وإذ استعصى على المحكمة الرد عليه، لم تجد سبيلاً إلا إهدار ذلك الرأى فناقض الحكم بعضه بعضاً ، هذا إلى أنه أغفل الرد على الدفع ببطلان اعتراف الطاعنة الثانية لصدوره وليد إكراه ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
     ومن حيث إنه لما كان قضاء محكمة النقض مستقراً على أن الحكم بالإدانة يجب أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ، وكان من المقرر أنه ينبغي ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبين مدى صحة الحكم من فساده في التطبيق القانوني على واقعة الدعوى ، وهو يكون كذلك كلما جاءت أسبابه مجملـة أو غامضة فيما أثبتته أو نفته من وقائع سواء كانت متعلقة ببيان أركان الجريمة أو ظروفها أو كانت بصدد الرد على أوجه الدفاع الجوهرية أو كانت متصلة بعناصر الإدانة على وجه العموم أو كانت أسبابه يشوبها الاضطراب الذى ينبئ عن اختلال فكرته من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة مما لا يمكن معه استخلاص مقوماته سواء ما يتعلق منها بواقعة الدعوى أو بالتطبيق القانونى ويعجز بالتالى محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح . لما كان ذلك ، وكان البيَّن من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين دفعوا بالدفع المبين في وجه النعى ـ وهو دفع يُعد جوهرياً في صورة الدعوى لما يترتب على ثبوت صحته من تغير وجه الرأى فيها ـ وقد اطرحه الحكم بقوله : " , ومن حيث إنه عـن الدفع باعتبار ممارسة الفعل الذى أتاه المتهمون مباحاً طبقاً لأحكام المادتين 7 ، 60 من قانون العقوبات فإنه دفع فاسد ذلك أن المحكمة قد استندت في توافر الاستغلال الجنسى إلى أحكام الشريعة الإسلامية حسبما تقدم بيانه دون حاجة للتكرار" . وذلك في إشارة إلى ما جاء في مدوناته من أنه " لم يثبت طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية قيام زوجية تقرها الشريعة أو يُقرها القانون لعدم وجود شاهدين وولى رشيد ومن ثم فإن هذه العلاقة لا تخرج عن كونها علاقة مادية أساسها الاستغلال المادى والانتفاع ... " , وقد دلل الحكم على ذلك بما أورده من أن " المحكمة تستخلص من أقوال المجنى عليها والمتهمين الثاني والثالثة ــــ الطاعنين الأول والثانية ــــ ومما جاء بتحريات الشرطة أن ما قيل عن زواج المجنى عليها تخلف عنه شروط صحة الزواج بعدم حضور الشاهدين ليشهدوا على صحته ..." , وأورد الحكم في تحصيله صورة الواقعة " وباستطلاع رأى فضيلة الدكتور مفتى جمهورية مصر العربية أورى فضيلته بطلان هذا النمط من عقود الزواج لعدم توافر الشروط والأركان الحقيقية للزواج ، إذ لا يزوج الرجل بابنته في مثل هذه المسالك إلا فاسق ظاهر المجانة ساقط العدالة ، فهو زواج من غير ولى معتد به شرعاً فيكون باطلاً واعتبر هذه الوقائع لمآلاتها استغلالاً جنسياً ينبغي أن يعاقب فيه فاعله والوالدان والوسيط وكل من سهله أو سعى في إتمامه على هذا النحو الذى لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا المؤمنون " وقد عرض الحكم للدفع بعدم الاعتداد بالرأي المتقدم للمفتي بقوله : " إن المحكمة تنأى عن الدخول في مساجلات الفقهاء فيما يتعلق بشرط الكفاءة كأحد شروط اللزوم في عقد الزواج واستندت إلى عدم صحة الزواج لتخلف شرط حضور الشاهدين على ما سبق بيانه " . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد خلص ــــ في نطاق اطراحه الدفع بإباحة الفعل ــــ إلى عدم صحة عقد زواج المجنى عليها تأسيساً على عدم حضور شاهدين في مجلس العقد ـ لما استخلصته المحكمة من أقوال المجنى عليها ذاتها واعترافي المحكوم عليهما الثاني والثالثة ــــ الطاعنين الأول والثانية ــــ وما جاء بتحريات الشرطة بيد أنه لما كان البيَّن من الحكم أنه لم يورد فيما حصله من مؤدى تلك الأدلة ما قال إن المحكمة استخلصته منها في خصوص عدم حضور ثمة شهود على عقد الزواج ، مما يُعد تجهيلاً منه لأدلة الثبوت التي عول عليها ــــ بفرض صحة مأخذها ــــ ولا يتحقق به الغرض الذى قصده الشارع من إيجاب تسبيب الأحكام . لما كان ذلك، وكان البيَّن من الحكم أنه أورد في تحصيله صورة الواقعة التي استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليه وجدانها ما أسلفناه في شأن رأى فضيلة مفتى الجمهورية ببطلان عقد زواج المجنى عليها لإتمامه بغير ولى معتد به شرعاً، وساق الحكم على ثبوت ذلك في حق الطاعنين أدلة تمثلت فيما تضمنه ذلك الرأى للمفتى وقد أورده الحكم تفصيلاً في خمس صفحات من مدوناته موضحاً عدم تحقق شرط الكفاءة في عقد زواج المجنى عليها للفارق الكبير في السن بينها والمحكوم عليه الأول، وأن تزويج الأب بنته من غير كفء يجعله فاسقاً والفاسق ساقط العدالة وكذا الولاية ووجوده في عقد الزواج كعدمه فيكون العقد باطلاً ، وأفصح الحكم عن اعتناقه للرأي المتقدم في أربعة مواضع أخرى من مدوناته وأسس عليه قضاءه ببطلان عقد زواج المجنى عليها، ومما رتبه عليه اطراح الدفع باعتبار ممارسة الفعل مباحاً، بيد أنه عاد ــــ وإزاء دفع الطاعنين بعدم الاعتداد بالرأي المتقدم للمفتي وتقديمهم ما يظاهر دفعهم ــــ إلى القول ــــ وحسب ما سلفت الإشارة ــــ أن المحكمة تنأى عن الدخول في مساجلات الفقهاء فيما يتعلق بشرط الكفاءة وما إذا كان السن من خصالها , وهو ما أسقط الحكم في حومة الاضطراب والتناقض بين تعويله على رأى المفتي ــــ حسبما يُستفاد من تحصيله الواقعة وما دلل به على ثبوتها وما أورده من أسانيد لقضائه ــــ وبين إهداره لذلك الرأى فيما يُفهم من عرضه للدفع بعدم الاعتداد به بعد أن عصى عليه اطراحه، مما يدل على اختلال فكرة الحكم عن عناصر الواقعة وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذى يجعلها في حكم الوقائع الثابتة ، الأمر الذى يستحيل معه على محكمة النقض أن تتعرف على أى أساس كونت محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى، فضلاً عن أنه ينبئ أن الواقعة لم تكن واضحة لدى المحكمة إلى الحد الذى يؤمن به الخطأ في تقدير مسئولية الطاعنين ، الأمر الذى يجعل الحكم فضلاً عن قصوره وإبهامه متخاذلاً متناقضاً بعضه مع بعض معيباً في الرد على دفاعهم بإباحة الفعل لاستناده إلى عقد زواج صحيح شرعاً بما لا يصلح رداً . يضاف إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه وقد استند إلى رأى مفتى الجمهورية بأن الواقعة تُعد استغلالاً جنسياً ينبغى أن يعاقب فاعله والوالدان والوسيط وكل من سهل أو سعى في إتمامه واتخذ منه دعامة لقضائه ، يكون معيباً ، ذلك أن القاضى في المواد الجنائية إنما يستند في ثبوت الحقائق القانونية إلى الأدلة التي يقتنع منها بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون ـــ كما فعل الحكم ـــ أن يُدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً لسواه . لما كان ذلك ، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعنة الثانية دفع ببطلان اعترافها لصدوره وليد إكراه ، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند فيما استند إليه في إدانة الطاعنين والمحكوم عليهما الآخرين إلى اعتراف الطاعنة الثانية ، وكان الأصل أن الاعتراف الذى يعول عليه يجب أن يكون اختيارياً وهو لا يعتبر كذلك ــــ ولو كان صادقاً ــــ إذا صدر إثر إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدر هذا التهديد أو ذلك الإكراه ، وكان من المقرر أن الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره تحت تأثير التهديد أو الإكراه هو دفع جوهرى يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه مادام الحكم قد عول في قضائه بالإدانة على ذلك الاعتراف . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عول في إدانة الطاعنة وباقى المحكوم عليهم على هذا الاعتراف بغير أن يرد على هذا الدفاع الجوهرى ويقول كلمته فيه ـــ رغم إيراده له ـــ فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب ، ولا يغنى في ذلك ما أوردته المحكمة من أدلة أخرى ، ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذى كان للدليل الباطل في الرأى الذى انتهت إليه المحكمة . ولما تقدم ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن ، وذلك بالنسبة للطاعنين الثلاثة وحدهم دون المحكوم عليهما الأول والرابعة إذ صدر الحكم غيابياً بالنسبة لهما فلم يكن لهما أصلاً حق الطعن فيه بطريق النقض .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق