جلسة 17 من أكتوبر سنة 1996
برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي الجندي وحسين الشافعي ووفيق الدهشان وإبراهيم الهنيدي نواب رئيس المحكمة.
------------------
(149)
الطعن رقم 20336 لسنة 64 القضائية
(1) رشوة. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب الرشوة من أجله. موضوعي. ما دام سائغاً.
(2) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
اختصاص الموظف بجميع العمل المتعلق بالرشوة وحده. غير لازم. كفاية أن يكون له علاقة به أو يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة.
مثال.
(3) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إجراءات "إجراءات التحقيق". إكراه. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي.
مجرد حضور عضو الرقابة الإدارية للتحقيق. لا يعيب إجراءاته. إذ أن سلطان الوظيفة بما يسبغ على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراهاً. ما دام لم يستطل بأذى مادي أو معنوي. مجرد الخشية منه لا يعد قرين للإكراه المبطل للاعتراف.
(4) أسباب الإباحة وموانع العقاب. مسئولية جنائية. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الحالة العقلية".
تقدير حالة المتهم العقلية. موضوعي. ما دام سائغاً.
انتهاء المحكمة إلى أن المرض النفسي المدعى به لا يحول دون المساءلة الجنائية.
أثره؟
(5) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تزيد الحكم فيما لا أثر له في منطقه أو النتيجة التي انتهى إليها. لا يعيبه.
مثال.
(6) إجراءات "إجراءات التحقيق". نيابة عامة. بطلان. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محضر التحقيق "بطلانه". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الأصل في الإجراءات الصحة.
ندب غير كاتب التحقيق المختص لتدوين محضر التحقيق. جائز في حالة الضرورة.
خلو محضر التحقيق من قيام حالة الضرورة. لا ينفي قيامها. تقدير توافرها. موضوعي.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الدفاع عن عدم اختصاص الطاعنة بإنهاء إجراءات الترخيص موضوع الرشوة ورد عليه بقوله: "لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف هو وحده المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به، أو أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة. وأن العمل الوظيفي مقابل الرشوة قد يتخذ صورة مجرد الإسراع في إنجاز مصلحة صاحب الحاجة - إذ كان ذلك، وكان الثابت من أقوال المتهمة نفسها في تحقيقات النيابة بأنها المختصة بصفتهما مهندسة التنظيم بمنطقة العقار - بعرض ملف الترخيص الخاص به بتقرير على مدير الأعمال ومدير التنظيم والمدير العام لاعتماده وكان هذا الاختصاص ثابتاً أيضاً بشهادة الشاهد الرابع - مدير التنظيم - وبما ورد بكتاب الحي سالف البيان، وأيضاً بما شهد به الشاهد الثالث - على النحو المتقدم - وضبط ملف الترخيص المعني في درج مكتبها - من كل ذلك ترى المحكمة أن المتهمة كان لها نصيب من الاختصاص يسمح لها بطلب وأخذ مبلغ الرشوة، ومن ثم يضحى الدفع بالتالي على غير سند من الواقع أو القانون ويتعين طرحه" وإذ كان من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي طلب وأخذ الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وبما يستقيم به رد الحكم على دفع الطاعنة في هذا الصدد، فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون غير سديد.
3 - لما كان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة، ولا يغير من ذلك عدول الطاعنة عن اعترافها وإنكارها بجلسة تجديد حبسها وبجلسة المحاكمة الاتهام المسند إليها إذ أنه من المقرر أنه لا على الحكم أن يأخذ باعتراف المتهم في تحقيقات النيابة لبراءته مما يشوبه من عيب الإكراه واطمئناناً من المحكمة إلى صدقه ومطابقته للواقع ولو عدل عنه بعد ذلك، ولا يؤثر في ذلك ما تدعيه الطاعنة في شأن احتجازها بالرقابة الإدارية لمدة طويلة وتعرضها لتهديد ووعيد أعضائها وفي خصوص استمرار التحقيق معها بالنيابة العامة لعدة ساعات، مما أثر في إرادتها، إذ أن ذلك في جملته دفاع غير منتج فيما خلصت إليه المحكمة من سلامة الاعتراف وبعده عما يشوبه أو يبطله، كما لا يؤثر في ذلك أيضاً زعم الطاعنة حضور عضو الرقابة الإدارية للتحقيق، ذلك لأن مجرد حضور عضو الرقابة الإدارية التحقيق ليس فيه ما يعيب إجراءاته إذ أن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراهاً ما دام هذا السلطان لم يستطل إلى المتهم بالأذى مادياً أو معنوياً كما أن مجرد الخشية لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً.
4 - الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وإذ كانت المحكمة قد انتهت بأسباب سائغة إلى أن المرض النفسي المدعى به لا يحول دون مساءلتها فإنه لا تثريب عليها إذ هي أطرحت الشهادات التي قدمتها الطاعنة تدليلاً على إصابتها بهذا المرض.
5 - لما كان البين من الاطلاع على الحكم أنه عول في إدانة الطاعنة على الأدلة المستقاة من اعترافها بصدر تحقيقات النيابة العامة ومن أقوال شهود الإثبات وهي أدلة سائغة وكافية في حمل قضائه، وأنه بعد أن أورد مؤداها استطرد إلى القول بأنه "ثبت من الاطلاع على تقرير تفريغ الشرائط المسجلة المضبوطة أنه تضمن الأحاديث التي تمت بين الشاهد الأول - المبلغ - والمتهمة"، وأورد مضمون هذه الأحاديث - خلافاً لما ذهبت إليه الطاعنة في أسباب طعنها - وأبان أنها تدور حول وقائع الرشوة، فإنه يكون من غير المنتج النعي على الحكم في شأن هذه التسجيلات واستناده إليها رغم ما ثبت بمحضر جلسة المحاكمة - على خلاف الثابت بتحقيقات النيابة - من عدم وضوح صوت الطاعنة وعدم جزمها بأن الصوت هو صوتها، طالما أنه لم يستطرد إلى هذه التسجيلات إلا تزيداً بعد استيفائه أدلة الإدانة إذ لم يكن بحاجة إلى هذا الاستطراد في مجال الاستدلال ما دام أنه أقام ثبوت الجريمة على ما يحمله وكان لا أثر لما تزيد إليه في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها.
6 - لما كان ما تثيره الطاعنة بشأن استعانة وكيل النيابة المحقق بكاتب تحقيق دون أن يفصح عن هويته أو الأسباب التي دعته إلى ندبه، مردوداً بأن الأصل في الإجراءات الصحة ويجوز في حالة الضرورة ندب غير كاتب التحقيق المختص لتدوين محضر التحقيق، وخلو محضر التحقيق من بيان الظروف التي دعت النيابة إلى ندب غير الكاتب المختص لا ينفي قيام الضرورة إلى ندب غيره وتقدير هذه الضرورة موكول لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى كانت المحكمة قد أقرت سلطة التحقيق على هذا الإجراء، وكانت الطاعنة لا تدعي أن محضر التحقيق لم يتضمن بياناً بهوية الكاتب أو أن ما ورد بهذا المحضر يخالف الحقيقة فإن منعاها في هذا الصدد يكون غير قويم.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها بصفتها موظفة عمومية (مهندسة تنظيم بحي وسط مديرية الإسكان بـ......) طلبت وأخذت عطية لأداء عمل من أعمال وظيفتها بأن طلبت وأخذت مبلغ ألفي جنيه على سبيل الرشوة من...... مقابل تسهيل إجراءات ترخيص بالبناء للعقاب الخاص به والكائن بشارع..... - وأحالتها إلى محكمة أمن الدولة العليا بالإسكندرية لمحاكمتها طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 24، 25، 103 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهمة بالسجن مدة ثلاث سنوات وبتغريمها مبلغ ألفى جنيه وبعزلها من وظيفتها.
فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.
المحكمة
من حيث إن مبنى الطعن هو إن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنة بجريمة الرشوة قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع وبني على إجراءات باطلة ذلك أن المدافع عنها دفع بانتفاء اختصاصها بالعمل الوظيفي الذي طلبت الرشوة مقابلاً لأدائه، وببطلان الاعتراف المعزو إليها بصدر تحقيقات النيابة لصدوره تحت تأثير الإكراه المادي والمعنوي من جراء إغراء وتهديد ووعيد أعضاء الرقابة الإدارية لها أثناء احتجازها بمقرها لمدة طويلة، ولاستمرار تحقيق النيابة معها لعدة ساعات في حضور عضو الرقابة الإدارية، ولمرضها بمرض نفسي يؤثر على إرادتها بدلالة الشهادات الطبية المثبتة لمرضها، وبدلالة عدولها عن اعترافها بجلسة تجديد حبسها بيد أن الحكم أطرح ذلك كله بما لا يصلح رداً. واستند من بين ما استند إليه إلى التسجيلات الصوتية والمرئية المقدمة في الدعوى دون أن يورد مؤدى شرائط تفريغها على نحو كاف وبالرغم مما ثبت بمحضر الجلسة - وخلافاً للثابت بتحقيقات النيابة - من عدم وضوح صوت الطاعنة وعدم جزمها بأن الصوت هو صوتها، وأخيراً فقد استعان وكيل النيابة المحقق بكاتب تحقيق دون أن يفصح عن هويته أو الأسباب التي دعته إلى ندبه بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنة بها، وأورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ولا تنازع الطاعنة في أن لها معينها الصحيح في الأوراق. لما كان ذلك، وكان توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت في الأوراق، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الدفاع عن عدم اختصاص الطاعنة بإنهاء إجراءات الترخيص موضوع الرشوة ورد عليه بقوله: "لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف هو وحده المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به، أو أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة. وأن العمل الوظيفي مقابل الرشوة قد يتخذ صورة مجرد الإسراع في إنجاز مصلحة صاحب الحاجة - إذ كان ذلك، وكان الثابت من أقوال المتهمة نفسها في تحقيقات النيابة بأنها المختصة بصفتها مهندسة التنظيم بمنطقة العقار - بعرض ملف الترخيص الخاص به بتقرير على مدير الأعمال ومدير التنظيم والمدير العام لاعتماده وكان هذا الاختصاص ثابتاً أيضاً بشهادة الشاهد الرابع - مدير التنظيم - وبما ورد بكتاب الحي سالف البيان، وأيضاً بما شهد به الشاهد الثالث - على النحو المتقدم - وضبط ملف الترخيص المعنى في درج مكتبها - من كل ذلك ترى المحكمة أن التهمة كان لها نصيب من الاختصاص يسمح لها بطلب وأخذ مبلغ الرشوة، ومن ثم يضحى الدفع بالتالي على غير سند من الواقع أو القانون ويتعين طرحه" وإذ كان من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي طلب وأخذ الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وبما يستقيم به رد الحكم على دفع الطاعنة في هذا الصدد، فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان اعترافات الطاعنة في تحقيقات النيابة لأنها كانت وليدة إكراه وقع عليها ولإصابتها بمرض نفسي يؤثر على إرادتها وذلك بقوله "حيث إنه عن الدفع ببطلان اعتراف المتهمة بصدر تحقيقات النيابة العامة فإن المحكمة وفي نطاق سلطتها التقديرية تطمئن إلى أقوال المتهمة في هذه المرحلة من التحقيقات وبصدورها منها عن طواعية واختيار دون أن يشوبها عيب ينال من سلامتها ولو عدلت عنها بعد ذلك، سيما وقد تأيدت هذه الأقوال بأدلة الإثبات التي بسطتها المحكمة على النحو السالف، كما أنه ليس في حضور الشاهد الثاني التحقيق - بفرض صحة ذلك - ما يعيب إجراءاته لأن سلطان الوظيفة في ذاته لا يعد إكراهاً ما دام لم يستطل إلى المتهم بالأذى مادياً كان أو معنوياً - ومجرد الخشية منه لا يعد من الإكراه. إذ كان ذلك، وكانت المحكمة قد استخلصت على نحو ما تقدم سلامة أقوال المتهمة بصدر تحقيق النيابة ومن ثم لا يكون لقالة الدفاع في هذا الشأن محل. كما أن القول بأن المتهمة مصابة بمرض نفسي - مردود - بأن ذلك على فرض صحته ليس من موانع المسئولية الجنائية. لما كان ذلك "وكان ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - سائغاً وكافياً للرد على هذا الدفع لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة، ولا يغير من ذلك عدول الطاعنة عن اعترافها وإنكارها بجلسة تجديد حبسها وبجلسة المحاكمة الاتهام المسند إليها إذ أنه من المقرر أنه لا على الحكم أن يأخذ باعتراف المتهم في تحقيقات النيابة لبراءته مما يشوبه من عيب الإكراه واطمئناناً من المحكمة إلى صدقه ومطابقته للواقع ولو عدل عنه بعد ذلك، ولا يؤثر في ذلك ما تدعيه الطاعنة في شأن احتجازها بالرقابة الإدارية لمدة طويلة وتعرضها لتهديد ووعيد أعضائها وفي خصوص استمرار التحقيق معها بالنيابة العامة لعدة ساعات، مما أثر في إرادتها، إذ أن ذلك في جملته دفاع غير منتج فيما خلصت إليه المحكمة من سلامة الاعتراف وبعده عما يشوبه أو يبطله، كما لا يؤثر في ذلك أيضاً زعم الطاعنة حضور عضو الرقابة الإدارية للتحقيق، ذلك لأن مجرد حضور عضو الرقابة الإدارية التحقيق ليس فيه ما يعيب إجراءاته إذ أن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراهاً ما دام هذا السلطان لم يستطل إلى المتهم بالأذى مادياً أو معنوياً كما أن مجرد الخشية لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً. فضلاً عن أن قولها بأنها مريضة بمرض نفسي أثر على إرادتها، مردود، بأن الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وإذ كانت المحكمة قد انتهت بأسباب سائغة إلى أن المرض النفسي المدعى به لا يحول دون مساءلتها فإنه لا تثريب عليها إذ هي أطرحت الشهادات الطبية التي قدمتها الطاعنة تدليلاً على إصابتها بهذا المرض. وإذا كان جميع ما سلف لم يغب أمره على الحكم المطعون فيه في رده على الدفع ببطلان الاعتراف في المساق المتقدم بما يسوغ رفضه، فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على الحكم أنه عول في إدانة الطاعنة على الأدلة المستقاة من اعترافها بصدر تحقيقات النيابة العامة ومن أقوال شهود الإثبات وهي أدلة سائغة وكافية في حمل قضائه، وأنه بعد أن أورد مؤداها استطرد إلى القول بأنه "ثبت من الاطلاع على تقرير تفريغ الشرائط المسجلة المضبوطة أنه تضمن الأحاديث التي تمت بين الشاهد الأول - المبلغ - والمتهمة"، وأورد مضمون هذه الأحاديث - خلافاً لما ذهبت إليه الطاعنة في أسباب طعنها - وأبان أنها تدور حول وقائع الرشوة، فإنه يكون من غير المنتج النعي على الحكم في شأن هذه التسجيلات واستناده إليها رغم ما ثبت بمحضر جلسة المحاكمة - على خلاف الثابت بتحقيقات النيابة - من عدم وضوح صوت الطاعنة وعدم جزمها بأن الصوت هو صوتها، طالما أنه لم يستطرد إلى هذه التسجيلات إلا تزيدا بعد استيفائه أدلة الإدانة إذ لم يكن بحاجة إلى هذا الاستطراد في مجال الاستدلال ما دام أنه أقام ثبوت الجريمة على ما يحمله وكان لا أثر لما تزيد إليه في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان ما تثيره الطاعنة بشأن استعانة وكيل النيابة المحقق بكاتب تحقيق دون أن يفصح عن هويته أو الأسباب التي دعته إلى ندبه، مردوداً بأن الأصل في الإجراءات الصحة ويجوز في حالة الضرورة ندب غير كاتب التحقيق المختص لتدوين محضر التحقيق، وخلو محضر التحقيق من بيان الظروف التي دعت النيابة إلى ندب غير الكاتب المختص لا ينفي قيام الضرورة إلى ندب غيره وتقدير هذه الضرورة موكول لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى كانت المحكمة قد أقرت سلطة التحقيق على هذا الإجراء، وكانت الطاعنة لا تدعي أن محضر التحقيق لم يتضمن بياناً بهوية الكاتب أو أن ما ورد بهذا المحضر يخالف الحقيقة فإن منعاها في هذا الصدد يكون غير قويم. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق